القبس تنشر حيثيات الحكم رداً على الطعن بعدم دستورية قانون الأحوال الشخصية
المحكمة الدستورية: المهر يرجع للزوج.. إذا كان الطلاق بسبب الزوجة

مبارك العبدالله
رفضت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار فيصل المرشد الدعوى الدستورية التي أحيلت من محكمة التمييز خلال تداول قضية أحوال شخصية، والتي تم إحالتها بعد بالطعن من إقبل إحدى المواطنات (المدعى عليها) بعدم دستورية نص القانون فيما تضمنه من رد الزوجة ما قبضته من المهر إذا كانت الإساءة كلها من جانبها.

وتتلخص الواقعة حسبما يبين من حكم الإحالة أن المطعون ضده (الزوج) أقام دعوى أحوال شخصية، على الطاعنة بطلب الحكم بالتفريق بينهما بطلقة بائنة للضرر مع إسقاط حقوقها المالية المترتبة على الزواج والتطليق وإلزامها برد ما قبضته من المهر لثبوت الإساءة من جانبها.
لذا فقد أقام دعواه بطلباته، وأثناء نظر الدعوى ادعت الطاعنة فرعيا في مواجهة الطاعن طالبة الحكم بالتفريق بينهما بطلقة بائنة للضرر مع احتفاظها بكل حقوقها المالية المترتبة على الزواج والتطليق ورفض الدعوى الأصلية، لأن الإساءة كلها من الزوج.

وبعد ذلك أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وسمعت شهود الطرفين، وبعد أن قدم الحكمان اللذان بعثتهما المحكمة تقريرهما، حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بتطليق الطاعنة من المطعون ضده طلقة بائنة للضرر وإلزامها برد ما قبضته من المهر وسقوط جميع حقوقها المالية المترتبة على الزواج والطلاق، ورفضت الدعوى الفرعية

شبهة عدم الدستورية
واستأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف وبعثت المحكمة حكمين ثم اتبعتهما بحكم ثالث مرجح، وبعد أن رفعوا تقاريرهم، قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف مع رد المهر، فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق التمييز بوقف نظر الطعن وبإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية نص الفقرة ب من المادة 130 من قانون الأحوال الشخصية، وذلك فيما تضمنه هذا النص من رد الزوجة ما قبضته من المهر إذا كانت الإساءة كلها من جانبها، بعد أن تراءى للمحكمة وجود شبهة بعدم دستورية ذلك النص لمخالفته أصلا من أصول الشريعة الإسلامية التي اعتبرها الدستور مصدرا رئيسيا للتشريع طبقا للمادة 2 منه، لتعارض حكم تلك الفقرة من المادة المشار إليها مع العلة الشرعية من وجوب المهر، وتأكيد ثبوته كله للزوجة بالدخول الحقيقي أو الخلوة الصحيحة مقابل استمتاع الزوج بها مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)، ولأن الزوج قد استوفى المعقود عليه، فضلا عن أن هذا النص يمثل خروجا على الحالات التي حددها الفقه الإسلامي التي تلزم فيها المطلقة برد المهر، ومناهضته لقواعد العدالة الاجتماعية ولمبدأ المساواة وإخلاله بموجبات العدل والإنصاف.

وقالت المحكمة في حيثياتها «وحيث إن البين من استعراض قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984 المعدل بالقوانين رقم 61 لسنة 1996 ورقم 29 لسنة 2004 ورقم 66 لسنة 2007 أنه قد تناول في الفصل الثالث (التفريق للضرر) من الباب الثالث (الفرقة بالقضاء) النص في المادة 126 من هذا الفصل على أنه «لكل من الزوجين قبل الدخول أو بعده، أن يطلب التفريق، بسبب إضرار الآخر به قولا أو فعلا، بما لايستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما».
المذكرة الإيضاحية
وأضافت المحكمة «وقد أوردت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون في هذا المقام بأن «طلب التفريق غير مقصور على الزوجة، بل للزوج أيضا أن يطلبه وإن كان يملك الطلاق، حتى لا تتخذ الزوجة المشاكسة إساءتها وسيلة إلى تطليقها من زوجها من دون مقابل، فتحمله خسارة كبيرة من نفقة العدة، وباقي المهر، والمتعة، فضلا عن متجمد نفقة الزوجية، وخسارة الزوجية نفسها، ففي فتح باب المحكمة أمامه لطلب التفريق عن طريقها إمكان إعفائه من هذه التبعات، وتعويضه عن طلاق تضطره إليه إساءة الزوجة، وهذا الإعفاء، وذلك التعويض ما يحول بين الزوجة وتعمد الإساءة لتتوصل بها إلى الطلاق.

وردت المحكمة على النعي بالطعن بعدم الدستورية «أن المادة 2 من الدستور تنص على أن «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، وقد أوردت المذكرة التفسيرية للدستور في هذا الصدد أن تلك المادة «لم تقف عند حد النص على أن دين الدولة الإسلام، بل نصت كذلك على أن الشريعة الإسلامية – بمعنى الفقه الإسلامي – مصدر رئيسي للتشريع، وفي وضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية من دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها، أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تمشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن، وكل ذلك ما كان ليستقيم لو قيل «والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، إذ مقتضى هذا النص عدم جواز الأخذ في أي أمر واجهته الشريعة بحكم مما قد يوقع المشرع في حرج بالغ إذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في التزام رأي الفقه الشرعي في بعض الأمور.
رد المهر
وتابعت المحكمة «الحاصل أن المشرع بموجب النص الطعين أورد حكما يجيز للحكمين إذا كانت الإساءة كلها من الزوجة أن يقترحا التفريق بين الزوجين نظير رد الزوجة ما قبضته من مهر، بحيث يحملانها بما يعوضه عنها أو عن طلاق تضطره إليه إساءة الزوجة، فلا يخرج – والحال كذلك – عن كونه محض تعويض مقدر وفق ما تم قبضه من مهر، متوخيا المشرع من تقريره أن يحول بين الزوجة وتعمد الإساءة لتتوصل بها إلى الطلاق، ومن ثم يغدو ذلك النعي تعقيبا على ما ارتآه المشرع ملائما لمصلحة الجماعة في إطار تنظيمه لهذه المسألة بما لا مخالفة فيه للمادة 2 من الدستور.

وخلصت المحكمة إلى أنه وبالترتيب على ذلك تكون الفقرة ب من المادة 130 من القانون المشار إليه مستندة إلى أسسها الموضوعية غير متبنية تمييزا تحكميا بينها وبين المغايرة في الأحكام التي ورد النص عليها في المادة 62 من ذات القانون، وبالتالي فإنها لا تكون قد انطوت على إخلال بمبدأ المساواة الذي كفله الدستور، وترتيبا على ما تقدم – يكون الإدعاء بمخالفة النص الطعين للدستور على غير أساس صحيح، حريا بالقضاء رفض الدعوى.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت