فن صناعة القوانين القضائية

لم تكن الهيكلية الهرمية للتنظيم القضائي حاضرة في ذهنية المشرع ابان وضع الدستور العراقي والذي خضع للاستفتاء الشعبي واكتسب شرعيته وديمومته وغادر مفهوم المؤقت الذي اقترن به لفترة زمنية طويلة ولكنه بالرغم من ذلك ظل مرتهناً لسياقاته التقليدية في تنظيم هيكلية المؤسسات القانونية فحضر التنظيم التشريعي والتنفيذي في ثنايا الدستور بشكل واضح ودقيق للسلطتين التشريعية والتنفيذية وهو امر دأب عليه المشرعون الدستوريون على امتداد وضع الدساتير العراقية منذ التأسيس الاول للدولة العراقية في حين غابت الدقة والرؤية التنظيمية للعمل القضائي حتى بعد ان استطاع القضاء استثمار المرحلة الجديدة والخروج من هيمنة السلطة التنفيذية ليكون احدى السلطات الاتحادية الثلاث المكونة للدولة.

وبالرغم من ان تشكيل القضاء كسلطة اتحادية الا ان آلية وروح التنظيم ورؤاه الجديدة لم تكن كقريناتها السلطتين التشريعية والتنفيذية وهو امر يشير بشكل واضح وجلي ان الدستور وثيقة سياسية اكثر منها قانونية، فما تضمنه الفصل الثالث والذي خُصص للسلطة القضائية لم يكن بالشكل الواضح والدقيق المنطلق من رؤية تنظيرية قانونية مستندة على واقع قضائي تطبيقي ذو بعد تاريخي عريق فمصطلح السلطة القضائية المقترنة بالمستقلة والتي تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفق القانون حسب المادة (87) من الدستور والتي ترتبط في المادة(89) منه بالاتحادية وتتكون من : مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز وجهاز الادعاء العام وهيأة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الاخرى والتي تنظم وفقا للقانون هو مصطلح بحاجة الى التعبير عن ذاتية مفهومه مثلما تحدث عن مكوناته، وهو تأكيد على ان الهيكلية التنظيمية القضائية التي وردت في الدستور بمصطلحاتها وما ورد فيها كانت بعيدة عن التنظيم القضائي بل ان هناك ارباكا تشريعيا في صناعة القوانين القضائية في مجلس النواب.

لذلك كان مصير قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 112 لسنة 2012 النقض لعدم دستوريته لتستمر فترة زمنية طويلة حتى صدور قانون مجلس القضاء الاعلى الساري المفعول رقم 45 لسنة 2017 كما ان تشريع قانوني هيئة الاشراف القضائي رقم 29 لسنة 2016 وقانون الادعاء العام رقم 47 لسنة 2017 لم يكن بمنأى عن النقض ولقد شكلت الهوة بين القضاء ومجلس النواب وبخاصة عند التصدي لتشريع القوانين القضائية اضافة الى الارباك الواضح في نصوص الدستور والمتناقض مع استقلالية السلطات ومبدأ الفصل بين السلطات والتي بمجملها شكلت عاملا مهما وكبيرا في عدم الانسجام التشريعي لتلك القوانين، فترشيح رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم حسب المادة (91/ثانيا ) تشكل خرقا تشريعيا لاستقلالية القضاء يضاف الى ذلك الاشكالية الكبيرة التي يعاني منها قانون المحكمة الاتحادية والتي حسم الدستور امرها باعتبارها هيئة قضائية مستقلة في الفقرة ( اولا ً) من المادة 92 من الدستور وعاد في الفقرة ( ثانيا ) منها لتضيف في تكوين المحكمة الاتحادية خبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون وتنظيم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية اعضاء مجلس النواب وهي نسبية من الصعوبة تمرير تشريع قانون للمحكمة الاتحادية دون حصول توافق سياسي وهذا التوافق سينعكس بالتأكيد سلبا على استقلالية القضاء.

ان تنظيم العمل القضائي يعتمد على القوانين السابقة التي استقر العمل القضائي بالاستناد لها وبخاصة عند استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية مستفيداً من المادة 130 الدستورية والتي منحت القوانين حياة ومتنفسا دستوريا في النفاذ والالزام.

ان القوانين القضائية التي صدرت خلال تلك الفترة الزمنية لم تكن بمستوى طموح القضاء كون صياغتها وتشريعها بعيده عن رؤى القضاء وتطلعاته الامر الذي حدا بالمحكمة الاتحادية ان تلزم مجلس النواب بان يكون للقضاء دوره الكبير في انتاج القوانين القضائية ونحن نرى ولأهمية القوانين التي يصدرها مجلس النواب العراقي من الضروري وجود عضو قضائي دائم في مجلس النواب لمتابعة تشريع القوانين ويكون هذا العضو القضائي حلقة التواصل بين القضاء والسلطة التشريعية ويكون له دور فاعل ومؤثر في تحقيق التنسيق بين القضاء ومجلس النواب الامر الذي سينعكس ايجابا على تشريع قوانين قضائية ملبية لطموح العمل القضائي ومعززة لهيكلية واستقلال القضاء.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت