على اي مستوى في التسلسل بين القواعد القانونية يأتي القانون المؤقت و الانظمة المستقلة و التنفيذية ؟

مركز الرأي للدراسات
اعداد : الاستاذ الدكتور نفيس مدانات
ايار 2011

أولاً: فيما يخص القانون المؤقت

هل القانون المؤقت هو فعلاً قانون؟ أم أنه عمل السلطة الادارية الذي لا يرقى الى مستوى القانون الشكلي (البرلماني)؟ ونفس السؤال يرد بالنسبة للأنظمة, هل هي تشريعات أم أنها قرارات إدارية؟
ان مصادر المشروعية في القانون الإداري تترتب على النحو التالي:
الدستور.
المعاهد الدولية.
قانون برلماني ـ مبادئ القانون العامة.
أنظمة مستقلة وتنفيذية.
قرار فردي.
فأين يجب وضع القانون المؤقت؟ هل نضعه بجانب القانون البرلماني أم في مستوىً أدنى منه؟

الرقابة القضائية

في الحقيقة, ان ما يقرر ذلك هو نوع الرقابة القضائية التي يخضع لها القانون المؤقت؛ فاذا كان فعلاً قانوناً فانه يجب أن يخضع للرقابة الدستورية, والمختص بالنظر بتوافقه مع الدستور هو المجلس العالي لتفسير الدستور (محكمتنا الدستورية). أما اذا لم يكن كذلك فمن الواجب أن يخضع لمحكمة العدل العليا ولرقابة المشروعية بدعوى تجاوز السلطة, وفي الحالة الأولى يجب وضعه بجانب القانون البرلماني, أما في الحالة الثانية فيجب وضعه بجانب الأنظمة المستقلة والتنفيذية. فما هو الحال في القانون الوضعي؟

ان البند (7) من الفقرة (أ) من المادة (9) من قانون محكمة العدل العليا الأردنية الحالي يُخضع القانون المؤقت لرقابة وقف العمل اذا خالف أحكام الدستور. (1) فما هي طبيعة هذا النوع من القرابة؟

اذا خالف القانون المؤقت الدستور تحكم محكمة العدل العليا بوقف العمل به. واذا خالف النظام المستقل الدستور تحكم محكمة العدل العليا بوقف العمل به.
وكما نعلم, ان النظام المستقل لا يوجد قانون برلماني في مجاله, كنظام الخدمة المدنية مثلاً. واذا خالف النظام التنفيذي الدستور يحكم بوقف العمل به, لكن في هذه الحالة الا يقف القانون الذي ينفذه هذا النظام التنفيذي حاجزاً؟ بمعنى ان المخالفة للدستور موجودة أصلاً في القانون الذي ينفذه اذا لم يكن مخالفاً للقانون الذي ينفذه.

لكن اذا كان النظام التنفيذي يخالف القانون الذي ينفذه؛ فان البند (7) من قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 يوجب الحكم بوقف العمل به. وعليه, فالبند (7) هذا قد ساوى بين المخالفة للدستور والمخالفة للقانون. وبالتالي فان رقابة وقف العمل في بلادنا تخالف ما هو معهود في الولايات المتحدة الأمريكية وتختلف عن رقابة المشروعية الموجودة في النظام اللاتيني؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية تصدر المحكمة الاتحادية العليا أمر للموظفين المسؤولين عن تطبيق القانون الذي ثبت عدم دستوريته بعدم تطبيقه (أي وقف العمل به), وذلك بناءً على طلب من الأفراد أو من الادارة نفسها؛ فقد تطلب حكماً إعلانياً. وفي رقابة المشروعية في فرنسا يلغي مجلس الدولة الفرنسي القرار الإداري المخالف للمشروعية بأثر رجعي وليس بالنسبة للمستقبل فقط. فهذه ليست برقابة دستورية وليست برقابة مشروعية.

وللخروج من هذه الإشكالية نرى من الأفضل ان نبحث في الأنظمة القانونية الأجنبية, فيما اذا كان هنالك ما يشابه قانوننا المؤقت, وما هو موقف القضاء منه.
ان المادة (92) من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الحالي (المتعلقة بالوسائل الانتقالية) قد سمحت للحكومة حتى إقامة المؤسسات باتخاذ الوسائل الضرورية لإقامتها وأيضاً كل وسيلة ترى أنها ضرورية لحياة الأمة وحماية المواطنين والحفاظ على الحريات عن طريق لوائح لها قوة القانون (Ayant Sorce de lasi). وهذا التعبير الأخير قد أدى بمجلس الدولة الفرنسي الى أن يعتبر هذه اللوائح تخرج عن نظام القرارات الادارية, وبالتالي عن رقابة المنازعات أي دعوى الالغاء (2). وقد تمت العديد من الإصلاحات الادارية عن هذا الطريق (كالاستملاك للنفع العام, وإصلاح القضاء المدني, وتنظيم الدفاع … الخ) (3)

قوة القانون

والقانون المؤقت له حسب الدستور الاردني (قوة القانون) وبالتالي فهو يخرج عن رقابة المشروعية التي تخضع لها القرارات الادارية بدعوى تجاوز السلطة, حيث أنه يشبه لوائح المادة (92) هذه. ولو ذهبنا في الجدل الفقهي الى أبعد من ذلك للقول:

أولاً: بأن لوائح المادة (92) من الدستور الفرنسي لا تُعرض على البرلمان في أول جلسة يعقدها.

ثانياً: بحسب الدستور الأردني يجب عرض القانون المؤقت على البرلمان في أول جلسة يعقدها, وللمجلس أن يُقر هذا القانون المؤقت أو يعدله, أما اذا رفضه فيجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانه فوراً, ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول مفعوله, وهذه الخاصية ليست للقانون البرلماني. كذلك أليس هنالك تناقضاً بين هذا القول وعبارة «له قوة القانون»؟ ولماذا يجب عرض القانون المؤقت على البرلمان؟ ما دام أن السلطة التنفيذية قد أخذت التأهيل من الدستور وليس من البرلمان؟
في الحقيقة, ان المشرّع الدستوري الأردني قد قام بخلطة غير موفقة. ففي الدستور الفرنسي هنالك لوائح المادة (38) منه, وهذا النوع من اللوائح يصدر بناءً على تأهيل تشريعي من البرلمان ولهذا يجب عرضها عليه في أول جلسة يعقدها, في حين ان لوائح المادة (92) لا تعرض عليه لأن التأهيل من الدستور مباشرة. وبالتالي فلوائح المادة (38) قبل عرضها على البرلمان يكون نظامها هو نظام القرارات الادارية فتخضع لدعوى تجاوز السلطة أمام مجلس الدولة الفرنسي, ثم بعد عرضها تصبح نصاً على الشكل التشريعي.

لهذا نجد أن القانون المؤقت يجمع خصائص لوائح المادة (92) من الدستور الفرنسي, أي (له قوة القانون) التي تخرجه من النظام القانوني للقرارات الادارية, وفي نفس الوقت له خصائص لوائح المادة (38) التي تدخله في نظام القرارات الادارية, ونحن بالتالي لا نستطيع أن نعتمد خصائص المادة (92) ونطرح خصائص المادة (38) ولا ان نعتمد خصائص المادة (38) وخصائص المادة (92), لأن كلاهما له نفس القيمة ومن الدستور.

وعليه نجد أن الدستور الأردني يقول لنا تارة يجب وضع القانون المؤقت في مستوى القانون البرلماني ثم يرجع عن ذلك ويقول لنا يجب وضعه في مستوى الأنظمة, ونحن من هذا في حيرة.

ثالثاً: يلاحظ أن البند (7) من الفقرة (أ) من المادة (9) من قانون محكمة العدل العليا الأردنية رقم (12) لسنة 1992 لم يأت على ذكر القانون البرلماني مما يدل على أن رقابة توافقه مع الدستور هي من اختصاص جهة أخرى هي المجلس العالي لتفسير الدستور, في حين أن القانون المؤقت لو كانت له نفس القيمة القانونية لما وضعه المشرع الأردني تحت تصرف محكمة العدل العليا. (4)

رابعاً: وأخيراً وليس آخراً, ان الحقوق والحريات تقع في صدر الدستور, فلها مكانة الصدارة, وهي مضمونة من قبله, فهي متفوقة على ما عداها. فهذه الحقوق والحريات تتطلب الحذر والحيطة من الاعتداء عليها بالقرارات الحقوقية التي يمكن أن تصدرها السلطة التي يخشى منها عليها. ولهذا يتوجب أن تكون هنالك رقابة قضائية على هذه السلطة, كي توقف السلطة السلطة, وان رقابة المشروعية تنبع مبدأها من النظرية السياسية الليبرالية وليس من النظرية الديمقراطية, حيث أن مبدأ المشروعية يشكل تحديداً للسلطة الادارية, وهو مبدأ ليبرالي وعامل من عوامل الليبرالية في النظام الإداري. ومن الطبيعي فان هذه الليبرالية تكون مصونة أكثر كلما كان الخروج عن هذا المبدأ معاقباً عليه بشكل كافٍ, أي عندما يكون لدى الأفراد طرقاً قانونية واسعة وسهلة الولوج وأكثر فعالية من أجل مراقبة احترام القانون من قبل الادارة.

الحقوق والحريات

ان هذه الدلالة الليبرالية لمبدأ المشروعية لها كمصدر أساسي للقانون؛ لأن الدستور يقوم فقط بالاعتراف بمبدأ الحقوق والحريات الأساسية, وبالتالي فان تحديد الادارة يكون مضموناً بصورة أفضل عندما يكون القانون صادراً عن سلطة خارجة عنها, لا أن تصنعه هي. وهذا بحسب رأي مونتسيكو أول فائدة لفصل السلطات, اذ يقول «عندما تجتمع في نفس يد الشخص, أو نفس الهيئة السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية, فليس هنالك حرية». (5)
وأخيراً, ما جاء في المادة (94) فقرة (1) من الدستور الأردني قولها «ان القانون المؤقت يوضع في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل …». وفي اجتهاد لمحكمة العدل العليا الأردنية «ان القانون المؤقت باستطاعته معالجة أي موضوع» حتى لو كان بحسب التقاليد الدستورية الراسخة هو من اختصاص البرلمان. (6)

ضمان الحريات

وهنا يطرح السؤال التالي: أليس هنالك مجالاً محفوظاً للقانون البرلماني؟ في البلاد الديمقراطية البرلمانية كفرنسا مثلاً نجد أن هنالك مجالاً محفوظاً للقانون البرلماني, لا تستطيع السلطة الادارية أن تتدخل فيه. ففي فرنسا حسب الدستور الحالي دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة, نجد أن الحقوق المدنية, والضمانات الأساسية الممنوحة للمواطنين لممارسة الحريات العامة, وحالة وأهلية الأشخاص, والالتزامات المفروضة من اجل الدفاع الوطني على المواطنين في أشخاصهم وأملاكهم والجنسية, وحالة وأهلية الأشخاص, وأنظمة الزواج, والإرث والهبات, وتحديد الجرائم والجنح والعقوبات التي تطبق عليها, والإجراءات الجزائية, والعفو, … الخ هي مجالات محفوظة للقانون البرلماني الفرنسي». (7)

وعلى العكس نجد ان المجلس العالي لتفسير الدستور يحافظ على المجال المخصص للنظام المستقل, اذ انه عندما اصدر البرلمان قانوناً ينظم به شؤون الخدمة المدنية عام 1963 خلافاً للمادة (120) من الدستور طلب مجلس الوزراء تفسيراً من المجلس العالي فجاء رده على النحو التالي: «هذا القانون باطل ويتوجب إلغاؤه بقانون». (8)

والثانية ما جاء في الفقرة الثانية من المادة (94) من الدستور, اذ جاء فيها «ان مفعول القوانين المؤقتة يسري بالصورة التي يسري فيها مفعول القوانين بمقتضى حكم الفقرة (2) من المادة (93) من هذا الدستور». وتتضمن الفقرة (2) على ما يلي: «يسري مفعول القانون باصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية الا اذا ورد نص خاص في القانون على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر».

ولنفرض أن قانوناً مؤقتاً قد أعطى لنفسه الأثر الرجعي حسب هذه الفقرة, فان الحقوق السابقة على صدوره تتأثر ويضطرب استقرار الحقوق, ثم لنفرض ان البرلمان عند عرضه عليه قد رفضه؛ فان هذا الرفض حسب الدستور لا يؤثر في الحقوق المكتسبة بموجب القانون المؤقت المرفوض من جانب البرلمان.

والسؤال التالي يطرح نفسه: هل الحقوق المكتسبة بموجب هذا القانون المرفوض من جانب البرلمان أولى بالرعاية من الحقوق السابقة على صدوره؟

ثانياً : فيما يخص الأنظمة

وفيما يخص الأنظمة بنوعيها المستقلة والتنفيذية فان هنالك اجتهاداً هاماً يتعلق بها:

أولاً: كانت محكمة العدل العليا الأردنية قد ألغت نظاماً تنفيذياً صادراً عن مجلس أمانة العاصمة لأنه قد فرض رسوماً جديدة على الذبيحة متجاوزاً اختصاصاته المنصوص عليها في القانون, معتبرة النظام التنفيذي قراراً إدارياً عاماً آخذة بالمعيار الشكلي للقرار الاداري. (9)

ثانياً: ثم طلب مجلس الوزراء من المجلس العالي لتفسير الدستور معرفة ما هو المقصود بكلمة (قانون) الموجودة في الفقرة الأولى من المادة (123) من الدستور التي تنص على أن «للديوان الخاص بتفسير القوانين تفسير نص أي (قانون) لم تكن المحاكم قد فسرته». فكان رد المجلس العالي كالآتي: «ان كلمة قانون تشمل جميع التشاريع التي تسن وفق الأوضاع المعتادة المبينة في الدستور, اذ ان هذه الكلمة مستعملة هنا بالمعنى العام الشامل وليس بالمعنى الخاص الضيق». ويضيف هذا التفسير «ولهذا فان النظام بنوعيه التنفيذي والمستقل يدخل في مفهوم كلمة (القانون) المشار اليها لأنه لا يخرج عن كونه إما تشريعاً أصيلاً يوضع بالاستناد الى أحكام الدستور ذاته أو تشريعاً قانونياً يوضع لتنفيذ أحكام القانون وفي حدوده». (10)

ثالثاً: ثم بعد صدور هذا القرار التفسيري عن المجلس العالي لتفسير الدستور نجد ان محكمة العدل العليا قد رجعت عن اجتهادها السابق معلنة انها لا تملك الصلاحية بالغاء قرار إداري تنظيمي, معتبرة إياه تشريعياً, وان الاختصاصات التشريعية مقسمة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية كل في حدود اختصاصه متجهة نحو المعيار الموضوعي (11) والنظام التنفيذي الذي يوضع لتنفيذ احكام القانون «بالتشريع القانوني».

ان هذا التصنيف هو أمر دخيل على فقه القانون العام وعلى الدستور الأردني, خصوصاً ان ما يتعلق بخاصية الاصالة في التشريع في مجال حقوق الانسان, ليس هنالك غير الدستور يمكن أن يقال بأنه نصاً أصيلاً. فالقانون الذي كان محرماً في القرن الثامن عشر قد أصبح فيما بعد قاعدة وسيطة, وقد حصل ذلك بسبب فصل السلطات ـ بناء على آراء مونتسيكو ـ فالقانون أدنى من الدستور (12), وفوق القواعد الدنيا, وهذا هو تدرج النصوص في الديمقراطيات الليبرالية حيث يأتي القانون فوق أعمال السلطة الادارية, وما دام ان القانون البرلماني ـ وهو يوضع بالاستناد الى أحكام الدستور ـ ليس أصيلاً فلا يمكننا الادعاء ـ من باب أولى ـ بأن النظام المستقل أصيلاً ـ أما النظام التنفيذي, كما جاء في القرار التفسيري بأنه يوضع لتنفيذ أحكام القانون وفي حدوده, فمعنى ذلك أنه ليس باستطاعته الخروج على أحكام القانون, أي أنه خاضع له, وبالتالي أدنى درجة منه.

ما هي انعكاسات هذا التفسير؟

ان التحول نحو المعيار الموضوعي يعطل مبدأ المشروعية (Principe de Legalite) ومفاد هذا المبدأ ان الادارة ليست حرة في عملها, بل هي محددة بالالتزام باحترام بعض قواعد القانون.
ان مبدأ المشروعية هو إحدى الأعمدة الرئيسية للقانون الإداري الذي يحكم مجموع العمل الإداري, ويحدد عمل الحكومة وموظفيها, وهو يقوم على أساس مفهوم شكلي ينسجم مع المعيار الشكلي للقرار الإداري, وان إنكاره يؤدي الى زوال القانون الاداري والقضاء الإداري أو على الأقل إضعاف وجودهما الى حد بعيد.

ان القانون الإداري هو من صنع الاجتهاد, وهو ليس قانوناً كبقية القوانين, والقضاء الاداري هو من صنع الاجتهاد (القانون الإداري), وهو ليس قانوناً كبقية القوانين, والقاضي الإداري صنعه ويصنعه باجتهاداته المتواترة, فانعدام المادة الدولية يعني عدم إمكانية خلق هذا القانون, وهذا يؤدي الى ضعف أو زوال القضاء الاداري.

كذلك ان اعتراف الدستور للأفراد بحقوق في مواجهة الدولة يوجب تمكين هؤلاء من الدفاع عنها وذلك بفتح دعوى تجاوز السلطة على مصراعيها أمامهم كي يمارسوها في مواجهة أعمال السلطة الادارية بجميع أنواعها. لكن قرار المجلس العالي كان قد أوصد الباب في وجه الأفراد ومحكمة العدل العليا, حيث أنه قد عطل المبدأ الليبرالي. والليبرالية عقيدة ذات طبيعة سياسية: فهي تفوق الفرد في مواجهة الدولة وتأكيداً لحقوق الإنسان وحرياته.

وعليه فالمسألة لا تتعدى كونها عملية خيار بين الحرية والسلطة, فاذا وقع الخيار على الأول ـ وهذا ما جاء به الدستور الأردني ـ فان الحرية لا يمكن تقييدها الا بموجب قانون برلماني, ولهذا نرى ان القانون الإداري يبدي حذره تجاه السلطة التي يخشى منها على هذه الحريات الفردية, الا وهي الحكومة.ان مبدأ خضوع الحكومة السياسي للبرلمان يترجم عملياً بخضوع الأنظمة للقانون حتى يتسنى إقامة مسؤولية الدولة المدنية بسبب أخطاء الادارة. مما يوجب ان يكون هنالك رقابة على أعمال السلطة الادارية, ويقضي ذلك تبني المعيار الشكلي (Organique) للقرار الإداري الخاضع لدعوى تجاوز السلطة حتى يمكن إخضاع هذه السلطة للقانون والقاضي.

ان المشرع الأردني قد حاول إخضاع القانون المؤقت والأنظمة بنوعيها للرقابة الا أنه بسبب هذا التفسير الصادر عن المجلس العالي لم يوفق تماماً عندما ابتدع رقابة (وقف العمل) التي هي غريبة عن القانون الإداري ولا تمت بصلة له, كما أنها تساوي بين المخالفة للدستور والمخالفة للقانون. ان هذا القرار التفسيري قد جعل الأنظمة المستقل والأنظمة التنفيذية بمستوى القانون البرلماني عندما اعتبرها تشريعات وأخرجها من نطاق دعوى تجاوز السلطة.

وهنا لم يعد القرار التشريعي يعرف بحسب الجهاز الذي صدر عنه بل بحسب نظامه القانوني, وقد كان القانون قراراً لا يمكن الاحتجاج عليه لأنه صادر عن البرلمان. أما الآن فإننا ندعو قانوناً كل قرار حتى لو كان صادراً عن الحكومة, وهذا يخرج على مبدأ مشروعية الأنظمة بنوعيها المستقلة والتنفيذية, وتصبح بالتالي حماية المواطن عبارة عن وهم ونكون قد انتقلنا من المفهوم السياسي القائم على التسلسل بين الأجهزة الى المفهوم التقني القائم على التسلسل بين القواعد.

ان محكمة العدل العليا الأردنية وبالرغم من هذا القرار التفسيري وحماية للمشروعية كانت في بعض الحالات قد ألغت أنظمة, ففي عام 1977 كان نظام مؤسسة عالية قد أعطى لنفسه الأثر الرجعي مخالفاً لمبدأ قانوني عام مفاده (عدم رجعية القرارات الادارية) (13) , فقد قبلت دعوى تجاوز السلطة في مواجهة هذا النظام الذي يعتبره القرار التفسيري تشريعاً. وكذلك كانت قد ألغت تعليمات وزير الداخلية في الحكم 260/88 لأنها تجاوزت التفويض التشريعي … , الى جانب ان هذا القضاء العالي يذكر ان كون اختصاصات محكمة العدل مذكورة في قانون التقاعد «لا يعيبها ولا ينحدر بها الى قوة النظام …» (14)

وأخيراً, يلاحظ أن البند (7) من الفقرة (أ) من المادة (9) من قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992, قد غيّر من طبيعة محكمة العدل العليا لأن الاختصاص هو الذي يعطي الصفة.
ولهذا نقترح تعديل الدستور وإضافة كلمة (برلماني) الى كلمة قانون في الفقرة الأولى من المادة (13) كي يقتصر تفسير الديوان الخاص على القانون البرلماني, ثم الغاء البند (7) من الفقرة (أ) من المادة (9) من قانون محكمة العدل العليا, لتعود لها صلاحياتها.