ان لهذه العلاقة أهمية خاصة لأنها عنصر في الركن المادي للاشتراك بالمساعدة ولا يكفي لتوافر الركن المادي ان يرتكب الشخص سلوكاً متمثلاً بالمساعدة وان يرتكب الفاعل الجريمة الأصلية، بل يلزم لمساءلة الشريك عن الجريمة التي ارتكبها الفاعل قيام علاقة سببية بين نشاطه وبين جريمة الفاعل، وفي حالة انتفاء تلك العلاقة فلا يكون لنشاط الشريك شأن في الجريمة التي وقعت ويعتبر أجنبي عنها، ولا يسأل عن عمل غيره، وهذا واضح من نص المادة (48) الفقرة (3) من قانون العقوبات العراقي(1)، وتعد علاقة السببية متوافرة بين نشاط الشريك المساعد، وجريمة الفاعل، عندما يثبت ان الجريمة لم تحصل لو لم يأتِ الشريك المساعد بنشاطه(2)، ويشترط في الاشتراك ان يكون محدداً فلا يعتد بالاشتراك المشكوك في أمره من حيث تأثر الفاعل الأصلي به من عدمه لذا يقتضي توافر علاقة السببية بين سلوك الشريك وجريمة الفاعل، فالفاعل الذي يرتكب جريمة القتل العمد ببندقية مع ان الشريك أعطاه سكيناً كي يستعملها أداة لجريمته ومع مراعاة ان الشريك لا يعد عندئذ شريكاً بالمساعدة بسبب عدم استعمال السكين التي قدمها للفاعل كأداة لارتكاب الجريمة(3)، وعلى ذلك فإذا انتفت الرابطة السببية بين نشاط الشريك وجريمة الفاعل فلا يمكن اعتباره شريكاً فيها ويكون بمنأى عن العقاب باعتبارها وقعت بناءً على عمل غيره، وتكون علاقة السببية منقطعة إذا ثبت من وقائع الدعوى ان الجريمة واقعة حتى ولو لم يأتِ الشريك نشاطه الإجرامي، وكذلك إذا وقع من الفاعل غلط في شخص المجني عليه، يسأل الشريك عنها بوصفها نتيجة محتملة لسلوكه الإجرامي كمسؤولية الفاعل سواء بسواء، بالإضافة الى ذلك ان كل عامل يقطع علاقة السببية بين سلوك الفاعل وبين النتيجة الإجرامية الأصلية التي يستفيد منها الشريك المساعد بالتبعية وهذه نتيجة حتمية لاعتبار السببية رابطة موضوعية لا يعتد فيها بما توقعه شخص الجاني بل بما قد يتوقعه الإنسان العادي بطريقة عامة مجردة(4).

وهذا ما تبناه القضاء المصري في أحكامه مستنداً الى معيار السببية الملائمة في نظرته للجريمة مع بعض الفقه ولا يوجد اختلاف في تطبيقها سواء في نطاق الجريمة أم في نطاق الاشتراك(5)، وقد عَبـَّرت محكمة النقض عن هذه الرابطة بقولها( ان الاشتراك يتحقق إذا كان وقوع الجريمة ثمرة له)(6)، كما يلزم على المحكمة بيان علاقة السببية بين نشاط الشريك والفاعل وإلا كان قرارها مشوباً بالقصور وموجباً لنقضه، وبناءً على ذلك فقد قضت (ان رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة القتل والتدليل على قيامها هما من البيانات الجوهرية التي يجب ان يعني الحكم باستظهارهما و إلا كان مشوباً بالقصور الموجب لنقضه، فإذا كان الحكم المطعون فيه في صورة حديثة عن تهمة القتل التي أدان بها الطاعن قد اقتصر على نقل ما أثبته تقرير الطبيب المختص عن الإصابات التي وجدت بالقتيل ولم يعن ببيان رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة من واقع الدليل الفني فان النعي عليه بالقصور يكون مقبولاً ويتعين نقضه)(7). وفقاً لما تقدم…. ان نشاط الشريك المساعد سواء كان سلبياً أم ايجابياً، يعد سبباً إذا أدى تخلفه الى عدم وقوع الفعل المعاقب عليه أصلاً أو لعدم وقوعه بالطريقة التي ارتكبت بها ولكن يلزم في النشاط السلبي ان يكون هناك واجب قانوني يفرض على الشخص القيام بعمل لمنع تحقق النتيجة على النحو الذي سبق قيامه. ويشترط ان يكون نشاط الشريك المساعد سابقاً على البدء في تنفيذ الجريمة أو معاصراً له لان ما يقتضيه المنطق ان يكون السبب سابقاً على المسبب(8).

_____________________

[1]- نصت الفقرة (3) من المادة (48) بقولها (من أعطى الفاعل سلاحاً أو الآلات أو أي شيء أو مما استعمل في ارتكاب الجريمة…..).

2- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص334.

3- د.حسن محمد ربيع، مصدر سابق، ص383.

4- د.جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص107. ومجيد خضر احمد السبعاوي، الرابطة السببية في القانون الجنائي، دراسة تحليلية تطبيقية، رسالة ماجستير مقدم الى كلية القانون جامعة بغداد، 1999، ص106. و د. واثبة السعدي، مصدر سابق، قانون العقوبات – القسم الخاص، 1988/1989، ص114.

5- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص334.

6- د.حسن محمد ربيع، مصدر سابق، ص384.

7- نقض 14/ يناير/1958- مجموعة أحكام النقض، السنة الثانية رقم 18، ص19. و نقض 19/ ديسمبر/ 1968- مجموعة أحكام النقض س19 رقم 221، ص199. انظر هامش رقم (2) لمؤلف د.هدى حامد قشقوش، مصدر سابق، ص81.

8- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص335. ومجيد خضر احمد السبعاوي، مصدر سابق، ص107.

المؤلف : تركي هادي جعفر الغانمي
الكتاب أو المصدر : المساهمة بالجريمة بوسيلة المساعدة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .