التزوير في المحررات الرسمية وفقاً لكل من القانوني المصري والجزائري

أولا : تعريف التزوير :

لم يعرف القانون المصري وكذا الجزائري جريمة تزوير المحررات، بل اقتصرا كالقانون الفرنسي على بيان الطرق التي يقع بها.
ولهذا فقد أورد الفقهاء، عدة تعاريف حاولوا فيها تحديد معنى التزوير المعاقب عليه وبيان ماهيته وإحاطته بحدود تمنع دخول ما ليس منه أو خروج ما هو منه، وأشهر هذه التعاريف هو التعريف الذي وضعه الأستاذ: جارسون بقوله:” التزوير في المحررات هو تغيير الحقيقة في محرر بقصد الغش بإحدى الطرق التي عينها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا”

كما عرف التزوير أيضا أنه ” محاولة لطمس الحقيقة أيا كانت وسيلته سوء بالقول أو بالكتابة بغية تغيير الحقيقة والغش في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون والتي من شانها أن تسبب ضررا مقترنا بنية استعمال المحرر المزور فيما أعد له”

ثانيا : الأركان العامة لجريمة التزوير:

لم يعنى المشرعان الجزائري والمصري بوضع تعريف محدد لجريمة التزوير في المحررات ولا تحديد أركانها. وإنما اكتفيا بتحديد الطرق التي تقع بها على غرار المشرع الفرنسي تاركين هذه المهمة للفقه والقضاء ويتفق الفقه على أن للتزوير في المحررات شأن كل الجرائم ركنان، ركن مادي هو تغيير الحقيقة في محرر بوسيلة مما نص عليه القانون، وأن يكون من شأن هذا التغيير حصول الضرر أو احتماله، وركن معنوي وهو القصد الجنائي

1: تغيير الحقيقة :

تغيير الحقيقة هو أساس جريمة التزوير فلا يتصور وقوع التغيير إلا بإبدال الحقيقة بما يغايرها، فإذا إنعدم تغيير الحقيقة، فلا تقوم جريمة التزوير، ولكي يعتبر التغيير تزويرا، يشترط فيه ألا يؤدي إلى إتلاف ذاتية المحرر أو قيمته .

2ـ المحرر :

المحرر على العموم هو وثيقة أو مسطور أو عبارات خطية مكتوبة وله مضمون
وهذا معناه أن المحرر الذي يصلح أن يكون محلا لجريمة التزوير يلزم فيه أن يتخذ شكلا معينا هو أن يتمثل في الكتابة. وأن يكون له مصدر. وأن يكون له مضمون معين .

3-طرق التزوير :

لا يتحقق الركن المادي للتزوير بمجرد تغيير الحقيقة بأي طريقة من الطرق. وإنما يلزم أن يكون هذا التغيير قد حدث بإحدى الطرق التي حددها القانون على سبيل الحصر، وهذا معناه أن جريمة التزوير ليست من بين الجرائم ذات الوسيلة الحرة غير المقيدة وإنما هي من بين الجرائم المقيدة أو المحددة الوسيلة. وعلى هذا الأساس لا يقوم التزوير إلا إذا تغيرت الحقيقة بإحدى الطرق التي نص عليها القانون على سبيل الحصر، فإذا تغيرت الحقيقة في المحرر بطريقة أخرى فلا تزوير

أ : طرق التزوير المادي في التشريع الجزائري :

وقد حصرت المادتان 214 و216 من ق.ع.ج طرق التزوير المادي كالآتي:

(1) التزوير المادي الذي يقع من موظف عمومي أو قاض أثناء تأديته وظيفته وذلك حسب الطرق التالية:

1- وضع توقيعات مزورة.
2- إحداث تغيير في المحررات أو الخطوط أو التوقيعات.
3- انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.
4- الكتابة في السجلات أو غيرها من المحررات العمومية أو بالتغيير فيها بعد إتمامها أو قفلها.

(2) التزوير المادي الذي يقع من غير الأشخاص اللذين عينتهم المادة 215 يتم بالطرق التالية:

1- تقليد أو تزييف الكتابة أو التوقيع.
2- اصطناع اتفاقيات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
3- إضافة أو إسقاط أو تزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لإثباتها.
4- انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.

ب : طرق التزوير المادي في التشريع المصري:

لقد حددت المادة 211 (ق.ع مصري) طرق التزوير المادي كالآتي:
1- وضع إمضاءات وأختام مزورة.
2- تغيير المحررات أو الأختام و الإمضاءات أو زيادة كلمتها.
3- وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة .

4- التقليد.
5- الاصطناع.

ج ـ طرق التزوير المعنوي في التشريع الجزائري:

وقد تناولت المادة 215 (ق.ع.ج) طرق التزوير المعنوي وحصرتها كالتالي:
1- كتابة اتفاقات خلاف التي دونت أو أمليت من الأطراف.
2- تقرير وقائع كاذبة بصورة وقائع صحيحة.
3- الشهادة كذبا بوقائع غير معترف بها في صورة وقائع معترف بها.
4- إسقاط أو تغيير الإقرارات التي تلقاها عمدا.

د ـ طرق التزوير المعنوي للتشريع المصري:

باستقراء نص المادة 213 (ق.ع.مصري) نجد بأن المشرع المصري قد حدد طرق التزوير المعنوي كالتالي:
1- تغيير إقرار أولى الشأن.
2- جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها.

4- الضــــرر:
الضرر عنصر جوهري من عناصر جريمة التزوير، لا تقوم لها قائمة بدونه فإذا تخلف الضرر انتفى التزوير حتما ولو توافرت سائر أركانه، ذلك لأن التزوير في القانون لا عقاب عليه إلا إذا كان ضارا بحيث لا يكفي لقيام الركن المادي لهذه الجريمة أن يقع تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون وإنما يلزم فوق ذلك أن يكون من شأن هذا التغيير أن يسبب ضررا

5-القصد الجنائي :

جرائم التزوير عمدية يتطلب فيها توافر القصد الجرمي الذي يتكون من العلم بعناصر الجريمة وإرادة ارتكابها وهذا هو جوهر القصد العام، كما يجب أن يتوافر لدى الجاني نية خاصة هي استعمال المحرر المزور في ما زور من أجله فالقصد الجرمي هنا يتخذ صورة القصد العام

وقد عرف القصد الجرمي في التزوير بأنه تغيير الحقيقة في الورقة تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا مع نية استعمالها فيما غيرت من أجله الحقيقة فيها.

ثالثا : التزوير في المحررات الرسمية من موظفين عموميين:

إن جريمة التزوير في المحررات الرسمية من موظفين عموميين تتطلب بالإضافة إلى الأركان العامة للتزوير تحقق 3 شروط إضافية وهي:
1- وقوع التزوير في محرر رسمي.
2- وقوع التزوير في محرر رسمي من موظف عام.
3- وقوع التزوير أثناء تأدية الموظف لأعمال وظيفته

أ ـ : تعريف المحرر الرسمي:

لم يضع قانون العقوبات الجزائري والمصري تعريفا للمحررات الرسمية، إلا أن المادة 10 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية مصري عرفت المحررات الرسمية بأنها ” الورقة التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه عن ذوي الشأن وذلك طبقا للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه”

أما المشرع الجزائري فنجد بأنه قد عرفه في المادة( 324 ق.م.ج ) يقول بأنه” عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ماتم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقا للأشكال القانونية وفي حدود سلطته وإختصاصه. وهذا التعريف الذي أورده المشرع الجزائري هو نفس التعريف الوارد في قانون الإثبات المصري مع اختلاف بسيط في صياغته.

ب : وقوع التزوير في المحرر الرسمي من موظف عام:

الموظف العام في جرائم التزوير في المحررات هو كل شخص عهد إليه القانون بطريق مباشر أو غير مباشر إثبات كل أو بعض البيانات التي يتضمنها المحرر الرسمي.

ج: وقوع التزوير أثناء تأدية الموظف لأعمال وظيفته:

فحتى تكتمل أركان الجريمة لا بد من وقوع التزوير بواسطة الموظف أثناء تأدية وظيفته أو في حالة تحريرها، وبالتالي لا تحقق جريمة التزوير في المحررات الرسمية إذا ارتكب موظف تزويرا في محرر يدخل في اختصاص موظف آخر لا علاقة له بأعمال وظيفته أو ارتكابها قبل تسلمه أعمال وظيفته. وكذلك إذا كان معزولا أو موقوفا وهو لا يعلم بذلك وتتم الجريمة بمجرد فراغ الموظف من تحرير الورقة ولا يغير من ذلك عدم تسليمها لصاحب الشأن

بمجرد توافر الشروط السالف ذكرها لجريمة التزوير في المحررات الرسمية من قبل موظفين عموميين. فإن العقاب عليه بموجب القانون الجزائري وطبقا للمادة( 214 ، 215 ق.ع.ج) هي السجن المؤبد أيا كانت طريقة التزوير مادية أم معنويةوالعلة في هذا التشديد هي أن الموظف قد أخل وتلاعب بواجبات وظيفته إخلالا خطيرا وخان شرف المهنة والأمانة التي عهد بها

في حين نجد بأن المشرع المصري وطبقا للمادتين (211،213ق.ع) مصري قد عاقب على التزوير في المحررات الرسمية من قبل موظفين عموميين بالسجن المؤبد أو السجن أيا كانت طريقة التزوير مادية كانت أم معنوية.

رابعا: جريمة التزوير في المحررات الرسمية من غير الموظفين العموميين:

لقد تطرقت المادة( 216 ق.ع.ج) والمادة (212 ق.ع.مصري) لجريمة التزوير في المحررات الرسمية من غير الموظفين العموميين وإشترطت فيها بالإضافة إلى الأركان العامة لجريمة التزوير في المحررات شرطان وهما:
1- أن يقع التزوير في محرر رسمي.
2- أن يكون التزوير ماديا.

3- إن عقوبة جريمة التزوير في المحررات الرسمية من غير الموظفين العموميين طبقا لنص المادة (216 ق.ع.ج) هي السجن من 10 إلى 20 سنة. في حين نجد ان المشرع المصري قد عاقب على جريمة التزوير في المحررات الرسمية من غير الموظفين العموميين في المادة ( 212 ق.ع.مصري) بالسجن المشدد أو بالسجن مدة اكثر من 10 سنوات.