التنويم المغناطيسي

المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

التنويم المغناطيسي هو أحدث حالة من النوم الاصطناعي لبعض ملكات العقل عن طريق الايحاء بفكرة النوم، فيضيق نطاق الاتصال الخارجي للنائم ويخضع لشخصية المنوم، بحيث تختفي الأنا الشعورية للنائم وتبقى الأنا اللاشعورية تحت سيطرة المنوم المغناطيسي، وهكذا تشل الوظيفة الاساسية لعقل الانسان (1). لقد كان اكتشاف التنويم المغناطيسي من قبر فرانز ميسمر في أواخر القرن الثامن عشر، وقد استعمل الطبيبان الفرنسيان الشهيران شاركوت وبرنهام طريقة التنويم المغناطيسي الذي اشتغله هو الآخر في علاج حالات الهيستريا قبل مناداته بطريقة التحليل النفسي.

ويرجع الفضل الى هؤلاء وغيرهم في إرساء قواعد التنويم المغناطيسي على أسس علمية وبيان فوائده العلاجية (2).
أهميته في التحقيق :
كان للنجاحات التي حققها التنويم المغناطيسي باعتباره وسيلة لاكتشاف كوامن النفس البشرية ان اتجهت إليه الأنظار في الفترة الأخيرة والاستعانة به في التحقيق الاجرامي اثناء عملية الاستجواب اذ وجد بأن له اثر فعالا على شخصية المتهم بحيث يمكن استدعاء المعلومات المخزونة في عقل المجرم عن تفاصيل الجريمة كالمال المسروق، جثة القتيل، الشركاء … إلخ والتي لا يمكن الوصول إليها بالأساليب العادية، وهكذا اخذ التنويم المغناطيسي يخطو خطى حثيثة في مجال التحقيق الإجرامي باعتباره قد أصبح إحدى الوسائل المساعدة في الكشف عن حقيقة المتهم الماثل امام التحقيق (3)

الانتقادات الموجهة إليه :
بالرغم من بعض النجاحات التي حققها التنويم المغناطيسي في نطاق التحقيق الإجرامي (كالكشف عن العوارض النفسية والادعاءات التي قد يتظاهر بها المتهم) فإنه قد لاقى نقدا شديداً من غالبية الفقهاء في القانون ورجال القضاء في مختلف الدول وذلك للأسباب التالية :
1-يؤثر على إرادة الشخص ويسلبه حرية التصرف، حيث يتأثر النائم بالإيحاء فيخضع لإرادة المنوم، فهو يعتبر من قبيل الإكراه المادي، اذ يضطر المتهم الخاضع له ان يدلي بأقوال ما كان يدلي بها لو كان في حالته الطبيعية متمتعا بكامل ملكاته العقلية (4).
2-يخضع التنويم المغناطيسي الشخص الخاضع له في وضع لا يتمكن من استعمال حقوقه المشروعة في الدفاع عن نفسه، وهذا يتعارض مع مبدأ عدم جعل الشخص يثبت الجريمة ضد نفسه (5).
3-ليس من السهل تنويم كل الأفراد ضد إرادتهم، وحتى الذين يخضعون للتجربة فإن نسبة استجابتهم للإيحاءات تتفاوت شدة وضعفا بحسب حالتهم الشخصية وظروفهم الحياتية (6)، وقدرة المنوم في السيطرة عليهم هذا بالإضافة الى ان هناك من الاشخاص من يقاوم بعض الاسئلة التي يجدها لا تنسجم مع مصلحته او تتناقض مع مبادئه الاخلاقية (7)، وهكذا فإن التنويم المغناطيسي لا يكون تأثيرها واحد في جميع الحالات ولكنه يختلف باختلاف تركيب صفات الشخص الخاضع له (8).
ملاحظة أخيرة :
نحن نتفق مع القائلين بأنه بالرغم من جميع السلبيات التي ينطوي عليها استخدام التنويم المغناطيسي في التحقيق الإجرامي فان هذا لا يمنع من استخدامه فيما لو وضعت له بعض الضوابط وخاصة فيما يتعلق بضرورة موافقة المتهم، وألا يستخدم إلا عند الضرورة الملحة وبالنسبة للجرائم التي تشكل خطورة على المجتمع ومتى ما توفرت فيها أدلة اتهام قوية، وان يكون القائم به من الخبراء المختصين والى آخره من الضوابط الاخرى (9).

وفي جميع الأحوال فإن الاعترافات التي ترد عن طريقه لا يمكن ان تصل الى مرتبة الدليل او حتى القرينة، فهو لا يعدو ان يكون وسيلة تفيد للمحقق للاهتداء الى الطريق الذي يجب ان يسلكه في التحقيق للوصول الى الحقيقة.
________________________________
1-انظر سامي صادق الملا، المرجع السابق، ص158.
2-انظر سعد جلال، المرجع السابق، ص286-287.
3-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص485.
4-في احدى القضايا الامريكية اتهم شخص بقتل والديه بمطرقة ولكنه أنكر ارتكابه الجريمة، ولم يعثر على المطرقة او الملابس الملوثة، فاستدعت الشرطة أخصائيا نفسيا وترك المتهم معه بمفرده في الغرفة حيث كان موضوعا بها ميكرفون، وقد نوم الاخصائي المتهم وأوحى له بأنه قد التقط المطرقة وقتل بها والديه، وبعد ذلك اعترف المتهم بهذه الجريمة وسجلت الشرطة هذا الاعتراف بطريق الميكرفون وعندما عرضت هذه القضية على المحكمة الاتحادية العليا للولايات المتحدة رفضت قبول هذا الاعتراف مقررة أنه اعتراف غير إرادي، وان الحصول عليه بهذه الطريقة فيه حرمان المتهم من حقوقه الدستورية انظر سامي صادق الملا المرجع السابق، ص160.
5-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص487.
6-أراد احد الازواج ان يجبر زوجته على الانتحار مستخدما لذلك التنويم المغناطيسي حتى يستطيع صرف وثيقة التأمين الخاصة بها، ولكن الحظ لم يسعفه في تجربته، اذ لجأت الزوجة الى الطبيب في الأعصاب استطاع بعد دراسة شاملة وعميقة ان يتوصل الى ان الزوجة كانت تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وتعتبر هذه الحالة من الحالات المثالية التي تشير الى ان الخصائص النفسية للزوجة قد وقفت حائلا دون الرضوخ للمنوم، وهو في هذه الحالة الزوج حيث لم تستجيب الى أوامره.
7-المثل الذي يوضح هذه التجربة التالية. امر المنوم الوسيط، – وكانت امرأة – ان تخلع ملابسها امام جميع الحاضرين فما كان منها إلا ان شدت أذن المنوم اي انها قطعت الاتصال بمحض إرادتها.
8-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص490.
9-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص490.