طبيعة إجراءت التحقيق والمحاكمة الجنائية في العراق

إن المنظومة القانونية العراقية يمتد ارثها لأكثر من ستة آلاف سنة منذ شريعة حمورابي، وخلال هذه المدة تطور النظام القضائي تبعا لتطور الحياة، مثلما حدث في جميع بلدان العالم، متأثرا بالعقائد والثوابت الاجتماعية التي يدين ويعتقد بها الشعب أو الأمة . لذلك فان العرض السريع الذي سأوجزه في طبيعة الإجراأت القانونية للمحاكمات الجنائية في العراق لا يمكن أن يفي بالمطلب المنشود في إيصال الصورة الواضحة إلى حضراتكم، لان ما يتعلق بطبيعة الإجراأت قد نظمتها عدة تشريعات لا زالت نافذة في العراق وإنها تدرس في كليات القانون لمدة أربع سنوات مع سنتين في المعهد القضائي في العراق، ولكن سأحاول أن أضع خطوط عامة تكون مفتاح للبدء في البحث والتدقيق في طبيعة تلك الإجراأت وعلى وفق ما يلي :

تحريك الشكوى

1. ، تحرك الشكوى من قبل عدة إطراف عندما يشتبه بحصول جريمة ومن هؤلاء الأطراف(( الادعاء العام، المجني عليهم أو ذوبهم، الموظفين العموميين، او أي شخص تحقق علمه بوقوع الجريمة والمخالف لذلك الأمر يتعرض إلى المسائلة القانونية)) . 2. عرض الشكوى على قاضي التحقيق الذي يأمر بإجراء التحقيق والإيعاز إلى دوائر الشرطة أو دائرة المحقق العدلي بفتح التحقيق، الذي يدون أقوال المشتكي ويعرضها على القاضي الذي يقوم بدوره بعد تدقيق الأقوال أما باستقدام المشكو منه، أي استدعائه بواسطة ورقة تبليغ ترسل إلى محل تواجده أو إصدار أمر قبض بحقه إن كانت هناك أدلة ثبوتية تعزز من قناعة القاضي .

مرحلة التحقيق الابتدائي

بعد ذلك الإجراء المشار إليه في أعلاه، أما يحضر المشكو منه من تلقاء نفسه او تنفيذ أمر القبض بواسطة الشرطة، ثم تدون أقواله الابتدائية عن التهمة المنسوبة إليه فإما بالاعتراف او بالإنكار وله أن يطلب حضور محاميه الخاص ولا يلزم ضابط الشرطة بانتداب محام له على نفقة الدولة، ثم تعرض تلك الإفادة على القاضي المختص الذي يقرر أما بالإفراج عنه وإخلاء سبيله أو إخلاء سبيله بكفالة شخص ضامن له او بمبلغ من المال يقدره القاضي تبعا لجسامة التهمة الموجه له وظروف التهمة، او يأمر بتوقيفه لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما ومن الممكن تمديدها عند الانتهاء، وإعطاء القرارات التي يراها القاضي ضرورية لإكمال التحقيق .

التحقيق القضائي

عند انتهاء الإجراأت المذكورة في مرحلة التحقيق الابتدائي يحضر المتهم أمام القاضي وتدون أقواله مرة أخرى وبحضور محام، فإذا لم يكن للمتهم محام خاص تلتزم المحكمة بانتداب محام له وكذلك الاستماع إلى إفادة المشتكي وشهادات الشهود والإطلاع على تقارير الخبراء وما شابه ذلك من إجراأت وبعد أن يكتمل يقوم القاضي بعد تدقيق الأوراق بإعطاء احد القرارات التالية أما بالإفراج عن المتهم إذا لم تتوفر أدلة تكفي لإحالته إلى محكمة الموضوع أو يرى إن الأدلة كافية فيقرر إحالته إلى محكمة الموضوع سواء كانت محكمة الجنح أو الجنايات أما مكفلا او موقوفا.

مرحلة المحاكمة

1. بعد أن تصل اضبارة القضية إلى محكمة الموضوع ترسل نسخة منها إلى دائرة المدعي العام في المحكمة لغرض الإطلاع عليها وملاحظة أي خلل أو نقص يستوجب تدخل محكمة الجنايات لغرض نقص قرار الإحالة وإعادة الاضبارة إلى قاضي التحقيق لغرض إكمال ذلك النقص بعد أن يحدد في القرار مفردات النقص ويقوم القاضي بعد أكمال تلك المفردات بإعادة إرسالها إلى محكمة الموضوع مرة أخرى .
2. وحينما تكتمل الاضبارة يحدد موعد للمحاكمة ويبلغ جميع أطراف القضية من المتهمين والمشتكين والشهود وكذلك تبلغ الشرطة بجلب المتهم إذا كان موقوفا لديهم . وفي اليوم المعين تنعقد جلسة المحاكمة من ثلاثة قضاة (رئيس وعضويين ) وبحضور الادعاء العام والمتهم وينتدب له محام إذا لم يكن لديه محام وتبدأ هيئة المحكمة بإجراء التحقيقات القضائية بالاستماع إلى إفادة المشتكي أولا ثم شهود الإثبات ثم تلاوة التقارير أو الاستماع إلى شهادات الخبراء وخلال هذه التحقيقات لا يجوز لأي طرف أن يناقش المشتكي أو الشهود إلا عن طريق هيئة المحكمة وبعد ذلك يتم الاستماع إلى إفادة المتهم ويكون آخر المتكلمين والذي يدافع عن نفسه وتستمع لشهود الدفاع إذا كان قد طلبهم المتهم، بعد ذلك وحينما تتوفر القناعة لدى المحكمة توجه التهمة إلى المتهم الذي يجيب عنها اما بالاعتراف او بالانكار ثم تسمع لائحة الادعاء العام الذي يفصل ويشرح ملابسات القضية ويحدد طلبه اما بالإدانة او الإفراج وبعدها الاستماع إلى لائحة دفاع وكيل المتهم ثم تستمع المحكمة إلى آخر أقوال المتهم وبعدها تختلي المحكمة للمداولة ويخرج الجميع من القاعة ، وهذه الاجراأت هي ذاتها المتبعة في محاكم الجنح باستثناء كونها تتشكل من قاضي واحد.

3. النطق بالحكم ، وبعد ان تستكمل كافة الخطوات السابقة تقوم هيئة المحكمة بتدقيق الأدلة والاعترافات والتقارير فان توفرت القناعة بان المتهم قد ارتكب جريمة فتتم إدانته بموجب قرار يتضمن أسماء الهيئة القضائية ويبين في أسماء أطراف القضية ثم ذكر الأطراف الحاضرين وتوضح كون المحاكمة وجاهية ام غيابية ، سرية ام علنية، مع وصف للواقعة وبعدها الحيثيات التي تأسست عليها قناعة المحكمة، ثم يصدر القرار أما باتفاق أعضاء الهيئة او بالأكثرية على ان يشار إلى العضو المخالف وتربط أسباب مخالفته مع القرار، وبعد ذلك يتم تحديد العقوبة وما يتبعها من عقوبات تبعية وتدابير احترازية في قرار تحديد العقوبة الذي يكون مستقل عن قرار الإدانة ثم يحضر المتهم أمام المحكمة وفي قفص الاتهام وبحضور جميع الأطراف والذين يقفون حينما يتلى القرار سواء كان بالإفراج او بالإدانة وبعد ذلك يتلى قرار العقوبة .

الطعن في الأحكام

1. إذا ما صدر قرار من قاضي التحقيق فللطرف المتضرر أن يطعن بالقرار أمام محكمة الجنايات وإذا جاء القرار برد الطعن وتصديق قرار قاضي التحقيق فللطرف المتضرر ان يطلب تدخل محكمة التمييز ( المحكمة العليا ) لتدقيق الأوراق ونقض قراري قاضي التحقيق ومحكمة الجنايات . وللمحكمة العليا سلطة تقديرية في ذلك .
2. أما إذا صدر قرار من محكمة الموضوع يتم الطعن بالقرار أمام محكمة التمييز ( المحكمة العليا ) في حالة صدوره من محكمة الجنايات وأمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية إن كان صادر من محكمة (الجنح ) .
3. إذا صادقت محكمة التمييز (المحكمة العليا ) على قرارات محكمة الجنايات فللطاعن حق طلب تصحيح القرار ويكون البت فيه نهائي .
4. حينما يتم الطعن ترسل الاضبارة إلى محكمة التمييز التي ترسلها بدورها إلى رئاسة الادعاء العام التي تقوم بدراسة القضية وإعطاء الرأي، وبعد ذلك تعرض على احدى الهيئات الجزائية المكونة من خمسة قضاة من الصنف الاول من اعضاء محكمة التمييز او تنظر من قبل الهيئة الموسعة المكونة من تسعة قضاة من أعضاء محكمة التمييز او أكثر ولها ان تصدر قرارها بقبول الطعن ونقض القرار او برد الطعن وتصديق القرار.
5. اذا كان القرار الصادر من محكمة الجنايات بالحكم بالإعدام فان الاضبارة تعرض على الهيئة العامة لمحكمة التمييز والمتكونة من جميع أعضائها البالغ عددهم ثلاثة وثلاثون قاضيا وبرئاسة رئيس محكمة التمييز ويكون قرارها بات غير قابل للطعن .

الملاحظات

1. مع الإشارة ان امام قاضي محكمة التحقيق اومحكمة الموضوع ( الجنايات، الجنح) يوجد مدع عام تعرض عليه كل القرارات التي يتخذها القاضي في القضية وله اما ان يطعن بالقرار اذا كان له رأي مخالف او يصادق على القرار
2. كما لابد من الإشارة إلى أن قرار الإفراج عن المتهم لا يجوز تأخيره مهما كان السبب ويخلى سبيل المتهم فورا، حتى وان تم الطعن فيه من أي طرف كان، ينفذ القرار ومن ثم ترسل الاضبارة لإجراء التدقيقات عليها من قبل جهة الطعن .
3. ان المتهم الذي يخلى سبيله بكفالة مالية من قبل شخص ضامن إثناء التحقيق ويلتزم بإحضار التهم المكفل إلى الجهة التي تطلبه حين التبليغ وإذا تخلف عن ذلك يصدر بحقه أمر قبض ويكلف كفيله بإحضاره فان لم يفعل الفعل ذلك يحال الكفيل إلى محكمة الجنح لتغريمه مبلغ الكفالة ولها ان تحكم عليه بأقل من مبلغ الكفالة المحدود ولها في ذلك سلطة تقديرية .
4. اذا احضر الكفيل مكفوله وطلب اعفائه فللمحكمة ان تمهل المتهم بإحضار كفيل بديل وان تعذر يتم توقيفه .
وهذه بعض الشذرات عن طبيعة إجراء المحاكمات في النظام القضائي العراقي مع وجود بعض الخصوصيات التي تتعلق بالأحداث والقاصرين والتي لا تخرج عن ذلك الإطار العام المشار إليه في أعلاه . وأتمنى ان أكون قد وفقت في إذكاء جذوة البحث لدى حضراتكم من اجل التطور في مجال مراعاة حقوق الإنسان ، ولبيان أوجه التشابه بين القانون العراقي والأسباني مع بيان ضمانات حقوق الإنسان التي يتضمنها التشريع العراقي .