عقد المقاولة في دراسة مقارنة

مقال حول: عقد المقاولة في دراسة مقارنة

عقد المقاولة

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

– أحكام المقاولة أو آثارها :

كل عقد ينشئ التزامات على عاتق الطرفين المتعاقدين، والمقاولة كغيرها من العقود ترتب التزامات معينة على كل من صاحب العمل والمقاول.
أما التزامات صاحب العمل:
فهي منصوص عليها في القوانين المدنية الإسلامية ، وهي مستمدة من الفقه الحنفي وهي ما يأتي :
تسلّم ما تم من العمل بعد إنجازه: على صاحب العمل تسلّم ما تم من العمل، متى أتجزه المقاول ووضعه تحت تصرفه، فإذا امتنع بغير سبب مشروع، على الرغم من إنذاره رسمياً، وتلف في يد المقاول أو تغيب دون تقصير منه، فلا ضمان عليه، لأن المقاول (أو الأجير الخاص) أمين على في يده، فلا يضمن ما تلف في يده من غير تعد ولا تقصير.
دفع الأجرة عند تسلّم المعقود عليه: على صاحب العمل دفع البدل المتفق عليه عند تسلم العمل المعقود عليه، لأن الأجرة تلزم باستيفاء المنفعة ما لم يتفق أو يتعارف على غير ذلك.
فإذا كان عقد المقاولة على أساس الوحدة، مثل كل بناء على حدة، وبمقتضى تصميم معين، ثم تبين أن تنفيذ التصميم يقضي زيادة جسمية في النفقات، جاز لرب العمل أن يتحلل من العقد، مع إيفاء المقاول حقه عما أنجزه من الأعمال مقدرة على وفق شروط العقد.
أما إن كان تنفيذ العمل على أساس تصميم لقاء أجر إجمالي، فليس للمقاول المطالبة بأية زيادة في الأجر.
وإذا لم يعين في العقد أجر على العمل، استحق المقاول أجر المثل، مع قيمة المواد التي يتطلبها العمل.
وإذا لم يتفق المهندس الذي صمم البناء وأشرف على تنفيذه على الأجر، استحق أجر المثل حسب الجاري عرفاً، فإن طرأ ما يحول دون إتمام تنفيذ العمل وفقاً للتصميم الذي أعده، استحق أجر مثل ما قام به من عمل دون الباقي.

وأما التزامات المقاول:
فقد نصت القوانين الإسلامية أيضاً على هذه الالتزامات وهي أيضاً مأخوذة من الفقه الحنفي 1- 2-

وهي ما يأتي :
المسؤولية عن جودة مادة العمل: إذا تعهد المقاول تقديم مادة العمل كلها أو بعضها، وهي المواد الأولية، كان مسؤولاً عن جودتها على وفق شروط العقد أو العرف الجاري.

الحفاظ على مصلحة صاحب العمل: إذا قدَّم صاحب العمل مادة العمل، وجب على المقاول الحرص عليها ومراعاة الأصول الفنية في صنعها، وردّ ما بقي منها لصاحبها، لأنه أمين على مصلحة صاحب العمل، فإن أهمل أو قصر في ذلك، فتلفت أو تعيبت أو فقدت، فعليه ضمانها.

تقديم ما يحتاجه إنجاز العمل من آلات وأدوات: على المقاول أن يأتي عملاً بمقتضى العقد بما يحتاج إليه في إنجاز العمل من آلات وأدوات إضافية على نفقته، ما لم يقض الاتفاق العرف بغير ذلك.

إنجاز العمل بحسب شروط العقد: يجب على المقاول إنجاز العمل وفقاً لشروط العقد، فإذا أخل بشرط منها، جاز لصاحب العمل طلب فسخ العقد في الحال إذا تعذر إصلاح العمل.

وأما إذا كان إصلاح العمل ممكناً، كان لصاحب العمل إنذار المقاول بتصحيح العمل خلال أجل معقول، فإذا انقضى الأجل دون إتمام التصحيح، جاز له أن يطلب من القاضي فسخ العقد أو الترخيص له في العهدة لمقاول آخر بإتمام العمل على نفقة المقاول الأول.

– ضمان الضرر أو الخسارة: يضمن المقاول ما تولد عن فعله أو صنعه من ضرر أو خسارة، سواء أكان بتعدية أو بتقصيره أم لا، لأنه (كالأجير المشترك) ضامن لما يسلّم إليه من أموال الناس.

ويستثنى من ذلك ما إذا وقع الضرر بسبب حادث لا يمكن التحرز عنه، عملاً بالقاعدة الشرعية: ((كل ما لا يمكن التحرز عنه لا ضمان فيه)).
فإن كان محل عقد المقاولة إقامة مبانٍ أو منشآت ثابتة أخرى، يصممها المهندس وينفذها المقاول تحت إشرافه، كانا متضامنين في التعويض لصاحب العمل عما يحدث خلال عشر سنوات تبدأ من وقت تسليم العمل، من تهدم كلي أو جزئي في البناء، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته، إذا لم يتضمن العقد مدة أطول، حتى ولو كان الخلل أو التهدم ناشئاً من عيب في الأرض ذاتها، أو رضي صاحب العمل بالعيب.

وإذا اقتصر عمل المهندس على وضع التصميم دون الإشراف على التنفيذ، كان مسؤولاً فقط عن عيوب التصميم، لأن ((الخراج بالضمان)) أو ((الغرم بالغنم)).
ويبطل كل شرط يقصد به إعفاء المقاول أو المهندس من الضمان أو الحد منه، لأن ذلك يتنافى مع المصلحة ومع حق الآخرين.
واحتياطاً من القانون المدني الإسلامي أبان أنه لا تسمع دعوى الضمان بعد انقضاء ثلاث سنوات على حصول التهدم أو اكتشاف العيب، أخذاً بمبدأ المنع من سماع الدعوى وتخصص القضاة.

وأما حق المقاول في الأجر أو البدل:
فمأخوذ من مذهب الحنفية في ضمان الأجير المشترك، بحسب التفصيل الآتي:
أ- إذا كان لعمل المقاول أثر في العين التي يعمل فيها، كالخياط والصباغ، جاز له حبسها، حتى يستوفي الأجرة المستحقة، وإذا تلفت في يده قبل سداد أجره، فلا ضمان عليه ولا أجر له.
ب- وأما إذا لم يكن لعمله أثر في العين كالحمال والملاح، فليس له أن يحبسها لاستيفاء الأجرة، فإن فعل وتلفت، كان عليه ضمان الغصب وهو أنه يضمن الشيء، أياً كان سبب تلفه، قضاء وقدراً، أو بالتعدي أو بالتقصير.

– انقضاء المقاولة:
نصت القوانين المدنية الإسلامية على حالات انتهاء أو انقضاء المقاولة وهي الحالات المشابهة لحالات انتهاء الإجارة لدى الحنفية :
إنجاز العمل المتفق عليه: إذا أنجز المقاول العمل المطلوب منه، لم يبق مسوغ لبقاء عقد المقاولة.
فسخ العقد بالتراضي أو بالقضاء: ينتهي العقد باتفاق الطرفين على إنهائه أو فسخه، فإن لم يتفقا على ذلك، جاز فسخه قضاءً بطلب أحد الطرفين.
فسخ العقد لعذر: إذا حدث عذر يحول دون تنفيذ العقد، أو إتمام تنفيذه، جاز لأحد عاقديه أن يطلب فسخه أو إنهاءه حسب الأحوال، كما تفسخ الإجارة في مذهب الحنفية بالأعذار الطارئة، فإذا تضرر أحد العاقدين بالفسخ، جاز له مطالبة الطرف الآخر بالتعويض المتعارف عليه.
عجز المقاول عن إتمام العمل: إذا أصبح المقاول عاجزاً عجزاً كلياً عن إتمام العمل لسبب لا يد له فيه من مرض أو حادث جسيم، فإن المقاولة تنتهي، ويستحق المقاول قيمة ما أتم من الأعمال وما أنفق في سبيل التنفيذ.

موت المقاول: ينتهي عقد المقاولة بموت المقاول إذا كان متفقاً مع صاحب العمل على أن يعمل بنفسه أو اعتباراً بمؤهلاته الشخصية.
فإن لم يكن هناك مثل هذا الشرط أو لم تكن مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد، جاز لصاحب العمل طلب فسخ العقد إذا لم تتوافر في الورثة الضمانات الكافية لحسن تنفيذ العمل.

وفي حال الموت أو الفسخ يدخل في التركة قيمة ما تم من الأعمال والنفقات بحسب شروط العقد وبمقتضى العرف.

– حكم الشرط الجزائي
الشرط الجزائي في القانون: هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفِّذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.

وهو داخل تحت مضمون الحديث النبوي: ((المسلمون على شروطهم)) ، وأيّد ابن القيم العمل به بما رواه البخاري في صحيحه في باب ما يجوز من الاشتراط من حديث ابن سيرين أن القاضي شُريح قال: ((من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه)) .
وأيد الأخذ به قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في الدورة الخامسة بتاريخ 5-22/8/1394 بالطائف، ومضمونه إقرار التعويض عن الخسارة الواقعة والربح الفائت بقولها: ((ما فات من منفعة أو الحق من مضرة)).

لكن هذا القرار وإن صدر مطلقاً، فينبغي تقييده في تعويض الأضرار عن إنجاز الأعمال كالمقاولات، وليس في الديون أو التأخر في سداد القروض، فذلك عين الربا حينئذ، لذا كان قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية عشر بالرياض بتاريخ 25/6/1421- غرة رحب سنة 1421هـ (23-28/9/2000م) أدق وأحكم، حيث جاء في الفقرة ثالثاً ما يأتي: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.

وفي الفقرة رابعاً:
يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا الصريح.
وبناء على هذا، فيجوز هذا الشرط – مثلاً – في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورِّد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.
ولا يجوز – مثلاً – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية، سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه.

والفقرة خامساً:
الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.

والفقرة سادساً:
لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.
يتبين من هذا القرار والدراسات الفقهية التي قدمت للمجمع قبل انعقاد دورته أنه يجوز في المقاولة الأخذ بالشرط الجزائي، منعاً من تأخر المقاول من إنجاز عمله في الوقت المحدد في صلب عقد المقاولة إذا نص في عقد المقاولة بين العاقدين على الأخذ بمقتضاه، أو باتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.

– البراءة من العيوب في المقاولة
المقاولة كما عرفنا تشمل عقدي الاستصناع والإجارة على الأعمال، وكلاهما ينطبق عليه ما قرره الفقهاء في مسألة البراءة من العيوب، أي عدم المسؤولية أو عدم الضمان عما يمكن أن يظهر من عيوب في المبيع. وللفقهاء في هذا الموضوع ثلاثة اتجاهات:

ويشمل هذا الإبراء كل عيب موجود قبل العقد أو حادث بعده قبل القبض، فلا يكون المشروط عليه مستحقاً ردّ المعقود عليه إلى العاقد الآخر وهو المقاول في المقاولة.

وهذا هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، لأن غرض المشترط لهذا الشرط وهو المقاول هنا التوصل إلى إلزام العقد في كل حال، ولا يتحقق هذا الغرض إلا بشمول العيب قبل التسليم، فيكون داخلاً ضمناً.

يشمل شرط البراءة من العيوب: العيب الموجود عند العقد فقط، لا الحادث بعد وقبل القبض، لأن البراءة تتناول الشيء الثابت الموجود، حيث إن الإبراء عن المعدوم لا يتصور، والحادث لم يكن موجوداً عند العقد، فلا يدخل تحت الإبراء.
لكن قصر المالكية صحة شرط البراءة عن العيوب على عيوب الرقيق فقط، إذا طالت إقامة العبد عند بائعه، أما غير الرقيق أو الرقيق الذي لم تطل إقامته عند مالكه فلا تصح البراءة عنه، أي إنهم لا يجيزون البراءة عن العيوب في المقاولات.
والأظهر عند الشافعية حصر البراءة عن كل عيب باطن بالحيوان خاصة، إذا لم يعلمه المالك، ولا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والعقار مطلقاً، أي إنهم مثل المالكية لا يجيزون البراءة في المقاولات.

والخلاصة: يجيز الحنفية دون غيرهم من العلماء البراءة عن العيوب في المقاولة.
– حكم تحديد ضمان العيوب بمدة معينة والبراءة بعدها:
ليس من المعقول ولا من المقبول شرعاً تحقيقاً للعدالة وتوازن المصالح بين عاقدي المقاولة تحمل المقاول تبعة ضمان العيوب المحتملة أو التي قد تقع في المستقبل لمدة طويلة أو مفتوحة، وإنما لابدَّ من تحديد مدة معينة لتوجيه المسؤولية له، ثم يصبح بريئاً بعدها، وهذا ما عليه عرف المقاولات وواقع تنفيذ الأعمال.

وقد حسمت القوانين الإسلامية هذا الحكم وأنهت مشكلة المدة، وقررت كما تقدم في بيان التزامات المقاول بأنه إن كان محل عقد المقاولة إقامة مبانٍ أو منشآت ثابتة أخرى، يصممها المهندس وينفذها المقاول تحت إشرافه، كانا متضامنين في التعويض لصاحب العمل عما يحدث خلال عشر سنوات، تبدأ من وقت تسليم العمل، من تهدم كلي أو جزئي في البناء، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته إذا لم يتضمن العقد مدة أطول، حتى ولو كان الخلل أو التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها أو رضي صاحب العمل بالعيب، أي إن المسؤولية تظل قائمة ضمن هذه المدة، ولو حدث تراضٍ على الإعفاء منها أو التخفيف منها، رعاية للمصلحة العامة.

ويتبين من هذا أنه يمكن بالاتفاق أو التراضي بقاء المسؤولية عن العيوب لمدة أطول من عشر سنوات من تاريخ تسليم العمل، ويعد هذا التوجه مجالاً لتشديد المسؤولية وإطالة أمدها، ضماناً لمصلحة صاحب العمل ورعاية النفع العام.

خاتمة البحث
تعددت أشكال المقاولة وصورها في العصر الحاضر، وكثر الإقبال عليها سواء على الصعيد الحكومي بإنشاء كثير من المرافق الحيوية كالمصانع والمشافي والمدارس، أم على الصعيد الخاص في الإنشاء والتعمير، ويزداد حجم المقاولات كل عام في مختلف الدول، مما كان لها أثر واضح في اقتصاد البلاد وفي أوضاع العاملين في هذا القطاع، مما أوجب تنظيم عقد المقاولة في القوانين المدنية المعاصرة.

والمقاولة: عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر.
وقد حلت المقاولة محل كل من الاستصناع وإجارة الأعمال ((الأجير المشترك أو العام)) في التنظيم القانوني، وأصبحت منفصلة عن هذين العقدين.
فإذا قدم المقاول العمل والمواد فهي كالاستصناع، وإن قدم المقاول العمل فقط فهي إجارة على العمل.

ولإبرام المقاولة صور أهمها ثلاث: أن تتم مباشرة بين المقاول والمستفيد، أو تتم من الباطن (المقاول الثاني) أو بواسطة مؤسسة مالية: بنك أو غيره، عن طريق ما يعرف بالاستصناع الموازي، وجميع هذه الصور جائز شرعاً، مستمد أحكامها من الفقه الحنفي.
أما المقاولة من حيث البدل فلها أيضاً صور ثلاث: إما أن يحدد البدل بمبلغ إجمالي، وهي الصورة الغالبة أو النمطية، وإما بالتكلفة وضم نسبة ربح للمقاول، وإما على أساس سعر الوحدة القياسية، وهذا كله جائز شرعاً لاعتماده على الاتفاق أو التراضي بين العاقدين. وجواز أخذ نسبة من الربح مأخوذ من المذهب الحنبلي وكذا الشافعي الذي يجيز ذلك في حالة نماء العين المؤجرة بالعمل، قياساً على المضاربة والمساقاة، ولا جهالة في ذلك عرفاً، ولا يثير ذلك إشكالاً أو منازعة.

وكل إضافة أو تعديل على بنود المقاولة يلزم صاحب العمل بدفع المقابل باتفاق جديد بين الطرفين.
وعقد المقاولة ينشئ التزامات متقابلة على كل من صاحب العمل كدفع البدل بعد تسلم العمل كله أو بعضه، والمقاول كإنجاز العمل بنحو جيد في الوقت المحدد، وضمان الضرر أو الخسارة الناشئة عن فعله ضمن مدة عشر سنوات أو أطول منها.
وتنقضي المقاولة في حالات مشابهة لانتهاء الإجارة في المذهب الحنفي وهي إنجاز العمل المتفق عليه، وفسخ العقد بالتراضي، أو لعذر، أو بسبب عجز المقاول عن إتمام العمل، وموت المقاول.

ملخص البحث
ظهر في عالم التقنيات المدنية اصطلاح عقد المقاولة، عوضاً عن كل من عقد الاستصناع، وعقد إجارة الأعمال – استئجار الأجير. وذلك مراعاة للواقع، ومجاراة للأعراف السائدة، فيما لا يعارض القرآن الكريم والسنة النبوية، ورئي استعمال كلمة (البدل) عوضاً عن ((الثمن)) و((الأجر)) واستعمال كلمة (المقاول) بدلاً عن كلمة ((الأجير)) المشعرة بشيء من المهانة والدونية في العرف الحاضر.

وقد نُظِّم عقد المقاولة في القوانين المدنية الوضعية والإسلامية على نحو جيد يتناسب مع أهمية هذا العقد في العصر الحاضر، لكثرة الاعتماد عليه، وتأثيره على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
والمقاولة: عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر.
واستمدت أحكام المقاولة في الغالب من المذهب الحنفي في شأن حكم الاستصناع والإجارة على العمل ((الأجير المشترك)) ومن المذهب الحنبلي. فإذا كان تقديم العمل والمواد من المقاول، كانت المقاولة أشبه بالاستصناع، وإذا قدم المقاول العمل فقط، كانت المقاولة أشبه بالإجارة على العمل.

وصور المقاولة تختلف باعتبارين: اعتبار طريقة إبرام العقد، واعتبار كيفية تحديد البدل، ولكل منهما صور ثلاث:
أما صور إبرام المقاولة فهي أن يتم العقد مباشرة بين المقاول والمستفيد، أو يبرم العقد بين المقاول الأول وبين المقاول الثاني (المقاولة من الباطن) أو يتم العقد بوساطة مؤسسة مالية بنك أو غيره لتنفيذ أعمال المقاولة بطريق غير مباشر وهي عقد المقاولة الموازي على نسق عقد الاستصناع الموازي بالمواصفات والشروط نفسها في العقدين، بشرط استقلال الثاني عن الأول، وفي المدة المتفق عليها، ويتم تنفيذ العمل بمقتضى العقد الثاني قبل مدة بسيطة عادة من نهاية مدة العقد الأول. وهذه الصور كلها جائزة شرعاً على أساس التراضي، وبمقتضى الإجارة من الباطن شرعاً، وإنجاز المطلوب في المقاولة، سواء من المقاول المتعهد الأصلي، أو بمقاول آخر، لأن العبرة بالنتائج ومراعاة الشروط والأوصاف.
وأما صور تحديد البدل في المقاولة فهي: إما أن يتحدد البدل بمبلغ إجمالي، وهي الصورة الغالبة أو النمطية المقررة بالتراضي، وإما ن يتحدد بمقدار التكلفة الفعلية للإنجاز مع إضافة نسبة ربح معين، وهذا ينسجم مع المقرر في المذهب الحنبلي والشافعي في الإجارة، حيث يجوز الاتفاق على نسبة مئوية مما فيه نماء عمل، لا مطلقاً، لأن المطلق كإجارة راعٍ لغنم بثلث درها ونسلها وصوفها وشعرها أو نصفه أو جميعه، لا يجوز لجهالة الأجرة، لأن النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها، أما الإجارة إذا نمت من عمل في مدة معينة فتجوز الإجارة، كما إذا دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها، قياساً على المضاربة والمساقاة.
وإما أن يتحدد البدل على أساس وحدة قياسية كالأمتار، لأن استحقاق الأجرة يجوز بعد إنجاز العمل كله أو بعد إنجاز بعضه أو جزء منه، ولا يثير ذلك أية منازعة أو إشكال.

أما الإضافات والتعديلات التي يطلبها صاحب العمل من المقاول فتخضع لاتفاق جديد، ويستحق المقاول البدل الجديد المتفق عليه، ولهذه الإضافات حالات ثلاث:
الأولى: حالة تعديل التصميم أو زيادة التكاليف لسبب يرجع إلى صاحب العمل، كتقديمه معلومات خطأ عن أبعاد البناء.
الثانية: إذا حدث في التصميم تعديل أو إضافة بإذن صاحب العمل.
الثالثة: حالة إقامة بناء أو إنشاء على أرض مقدمة من صاحب العمل إذا كانت تشوبه عيوب تبلغ من الجسامة حداً يجعله غير صالح للاستعمال المقدر له، ويقتضي الأمر إزالته، والإزالة قد ترتب أضراراً بالغة للمقاول.

ولا مانع أيضاً من الاتفاق على تحديد دفعات البدل للمقاول بحسب مراحل الإنجاز للمشروع، بدلاً من تواريخ محددة. وهذا مقبول فقهاً لأن أساسه التراضي الذي لا يتصادم مع مقتضى العقد.

وعقد المقاولة كأي عقد آخر ينشئ التزامات متقابلة على كل من طرفيه، أما التزامات صاحب العمل: فهي تسلُّم ما تم من العمل بعد إنجازه، ودفع الأجرة عند تسلّم المعقود عليه.
وأما التزامات المقاول: فهي المسؤولية عن جودة مادة العمل، والحفاظ على مصلحة صاحب العمل، وتقديم ما يحتاجه إنجاز العمل من آلات وأدوات، وإنجاز العمل على وفق شروط العقد ومواصفاته، وضمان الضرر أو الخسارة مما يتولد عن فعله وصنعه، سواء أكان ذلك بتعديه أم بتقصيره أم لا، لأنه ((كالأجير المشترك أو العام)) في الاصطلاح الفقهي ضامن لما يسلّم إليه من أموال الناس، إلا إذا وقع الضرر بسبب حادث لا يمكن التحرز عنه، عملاً بالقاعدة الشرعية: ((كل ما لا يمكن التحرز عنه لا ضمان فيه)).

وإذا وجد مقاولان: أول وثانٍ (المقاولة من الباطن) كانا مسؤولين بالتضامن في التعويض لصاحب العمل عما يحدث خلال عشر سنوات تبدأ من وقت تسليم العمل، من تهدم كلي وتصدع جزئي في البناء، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته، إذا لم يتضمن العقد مدة أطول.
وإذا اقتصر عمل المهندس على وضع التصميم دون الإشراف على التنفيذ، كان مسؤولاً فقط عن عيوب التصميم، لأن ((الخراج بالضمان)) أو ((الغرم بالغنم)).
وهذا كله مأخوذ من الفقه الحنفي ومما قررته مجلة الأحكام العدلية، وتنقضي المقاولة في أحوال مشابهة لانتهاء الإجارة عند الحنفية وهي خمسة: إنجاز العمل المتفق عليه، فسخ العقد بالتراضي أو بالقضاء، وفسخ العقد لعذر، وعجز المقاول عن إتمام العمل، وموت المقاول.

مشروع قرار المقاولة
المقاولة: عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر. وأساسها التراضي أو الاتفاق الحاصل بين الطرفين سواء في بدء إبرام العقد بصوره الثلاث، أو فيما يتعلق بتحديد البدل بصوره الثلاث أيضاً. ويعمل بالأعراف السائدة في أحكامها فيما لا يتصادم ذلك مع القرآن والسنة النبوية، علماً بأن كل إضافة أو تعديل خارج عن مواصفات العقد تكون على حساب صاحب العمل، ويمكن تحديد دفعات البدل بعد إنجاز مشروع كله أو بعضه بحسب مراحل الإنجاز، وتنقضي المقاولة بحالات مشابهة لانقضاء الإجارة.
انظر القانون الكويتي (م 671-679) الإماراتي (م 884-889) الأدني (م 792-797).
المجلة (م 225، 226، 439، 466).
العقود المسماة في القانونين الإماراتي والأردني، وهبة الزحيلي ص279-280.
انظر القانون الكويتي (م666-670)، الأردني (م783-791)، الإماراتي (م875-883).
المجلة (م 43، 58، 83، 85، 87، 88، 392، 403، 482، 483، 574، 608، 609، 611، 891، 1387، 1398، 1660، 1801).
العقود المسماة، المرجع السابق ص277-279.
انظر القانون الكويتي (م685-688) والقانون الأردني (م800-804) القانون الكويتي (م892-896).
المجلة (م571-573)، مرشد الحيران (م621، 626، 627).
رواه الترمذي وصححه، وفي لفظ أبي داود: ((والمؤمنون على شروطهم)) من حديث عمرو بن عوف المزني ونصه: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)).
أعلام الموقعين 3/400 تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد.
البدائع 5/227، فتح القدير 5/182، الدر المختار ورد المحتار 4/100.
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3/119، الشرح الصغير 3/164، مغني المحتاج 2/53.

المغني 4/178، غاية المنتهي 2/27، منار السبيل ص280، ط المكتب الإسلامي. 1- 2- 3- 4- 5 1- 2- 3- 4- 5- 1- اتجاه جمهور الحنفية : تصح المقاولة أو البيع بشرط البراءة من كل عيب، وإن لم تعين العيوب بتعداد أسمائها، سواء أكان العاقد جاهلاً وجود العيب في مبيعه، فاشترط هذا الشرط احتياطاً، أم كان عالماً بعيب المبيع، فكتمه عن المشتري، واشترط البراءة من ضمان العيب ليحمي بهذا الشرط سوء نيته، فيصح العقد، لأن الإبراء إسقاط لا تمليك، والإسقاط لا تفضي الجهالة فيه إلى المنازعة، لعدم الحاجة إلى التسليم. 2- اتجاه أغلب الفقهاء الآخرين (محمد بن الحسن وزفر والحسن بن زياد، ومالك والشافعي) : 3- اتجاه الحنابلة على الراجح عندهم : أن البراءة عن كل عيب أو من عيب معين موجود لا يصح، ويحرم العقد بيعاً أو غيره، ولا يبرأ المشترط، إذا علم بالعيب، ولا يحرم إن لم يعلم بالعيب.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.