عقد إجارة الأشخاص – الطرد في وقت غير لائق :

طرد الموظف في وقت لائق أو غير لائق، مسألة اختلف فيها التقدير، وكثيرًا ما فهم منها أن معناها إعطاء مهلة إلى الموظف فحسب وهذا خطأ، رأينا أن نصححه في كلمة موجزة فيما يلي:
الأصل قانونًا أن حق أحد المتعاقدين في فسخ العقد الثنائي النافذ الغير لازم مقيد بعدم إساءته استعمال هذا الحق لأن للطرف الآخر حق تعلق به ولأن العقد قد أوجد علاقة وحالة خاصة الاستقلال بفسخها دون مسوغ ما هو عبث بها وخطأ يصح أن يكون أساسًا للتعويض إذا توفرت معه شروط المسؤولية عمومًا، وتستند هذه القاعدة في أساسها إلى قواعد العدالة والقانون الطبيعي – كما ترى – وعلى هذا الأساس تطبقها المحاكم في كثير من الأحوال دون أن يقرها القانون الوضعي أو يعتبر بها في فرنسا أو مصر، وكانت تطبيقات المحاكم هذه مظهرًا لنظرية تطور فكرة التعاقد وأخذًا بها.

إلا أن القانون – في فرنسا ومصر – أقر هذه القاعدة – بل وأضاف إليها شرطًا آخر أحاط الفسخ بضمان أقوى وأتم – في حالة واحدة فحسب: وهي عقد إجارة الأشخاص غير معين المدة، فصدر في فرنسا قانون سنة 1890 معدلاً للمادة (1870) من القانون المدني ونص على أن فسخ العقد يصح أن يكون أساسًا للمطالبة بتعويض، ونص في عبارة صريحة على العناصر التي يتكون منها التعويض.
ونصت المادة (404) مدني أهلي على وجوب أن يكون الفسخ في وقت لائق.
ونص المادة المصرية بهذا الشكل هو في الواقع نقل وتعبير عما اتفق عليه إجماع المحاكم والشراح في فرنسا بأن فسخ عقد الاستخدام يجب أن يكون بسبب قانوني Motif légitime فلم يكتفِ المشرع إذن بأن يكون لأحد الطرفين مصلحة في فسخ عقد الاستخدام حتى يجيزه وينص حق الآخر في التعويض بل اشترط أن يكون هناك سبب قانوني لذلك.
ووجود السبب القانون شرط كافٍ ولكنه ضروري لفسخ العقد دون التعرض لمسؤولية التعويض بمعنى أن إعطاء صاحب العمل مهلة للموظف قبل فسخ العقد لا يغني عن توفر هذا الشرط.
راجع بودرى لاكنترى وقال – عقد الإيجار الطبعة الثالثة بند (2930) إذ ورد به:

L’absence de motifs légitimes donne d’ailleurs droit à des dommages – intérêts, même si les délais de provenance ont été observés.

(راجع تعليقات داللوز على المادة (1780) بند (370) و (380) و (388) و (397) و (406)).
وهذا بديهي فإن إعطاء مهلة أو عدم إعطائها أمر بعيد عن أساس المسؤولية كما قدمنا، لا يتداخل معه أو يختلط به، فلا يؤخر أحدهما الآثار التي تترتب على الآخر أو يعطلها.
والسبب القانوني للفسخ هو أن يكون لدى صاحب العمل مصلحة مشروعة للفسخ أساسها نسبة عمل اختياري أو إهمال إلى الموظف يدعو إلى طرده، فهو يفترض إساءة صاحب العمل استعمال حقه وأن يقع الفسخ مخالفًا للعدالة.
راجع بودرى المرجع المتقدم بند (2930) الفقرة الثانية إذ ورد به ما يأتي:

D’après les travaux preparatoires, le motif légitime suppose un (abus), une resiliation (contraire à l’équité)

ويتفرع عن هذا أن تنعدم مشروعية سبب الفسخ إطلاقًا، إذا ثبت أن الموظف كان قائمًا بعمله خير قيام وعدم وجود مسوغ جدي ينسب إليه.
راجع بودري المرجع المتقدم بند 2956 إذ ورد به ما يأتي:

La partie a laquelle la rupture du contrat a ete signifiee peut d’ailleurs faire indirectement en prouvant qu’elle a accompli tous ses engagements et que sa conduite n’a rien presente de leprehensible, la preuve que lui incombe, et il appartient alors a l’autre partie d’apporter la preuve contraire.

كما أن هذه المشروعية تنعدم إذا تضاءل سبب الفسخ بجانب الضرر الذي وقع للطرف الآخر من جرائه.
(راجع بودرى المرجع المتقدم صفحة (600) البند الثاني في الهامش) – وراجع الباندكت الفرنسية تحت كلمة louage d’industrie بند (784).
الخلاصة: إذن أن ضابط المسؤولية عن التضمينات هو قواعد العدالة في حدود نسبة الإهمال إلى الموظف وعدم تكافئ سبب الفسخ مع الضرر الذي ترتب عنه للطرف الآخر.
وعلى ذلك يكون للقاضي سلطة تقدير مطلقة في تحقيق هذين الأمرين بحسب وقائع الدعوى وظروف الحال المحيطة بالطرفين فيها، كمدة خدمة الموظف مثلاً وحالته عند الفصل وغير ذلك.
راجع تعليقات دالوز على المادة (1780) بند (383) إذ ورد به ما يأتي:

La question de savoir si une faute commise par un ouvrier doit être considérée comme suffisante pour motiver son renvoi sans indemnité rentre dans le pouvoir souverain d’apprécian des juges du fait.

وبند (387) وورد به:

Jugé, d’ailleurs, que, si, pour la fixation de l’indemnité à allouer à l’ouvrier, il peut être tenu compte de la durée de ses services.

وراجع أيضًا بودرى المرجع المتقدم بند (2957) والباندكت الفرنسية تحت كلمة louage d’industrie بند (772)
وهكذا يكون إثبات المسؤولية عن التعويض بأحد أمرين: إما مباشرة بإثبات عدم جدية ومشروعية السبب الذي يدعيه صاحب العمل لطرد الموظف وإما غير مباشرة بإثبات قيام الموظف بعمله خير قيام وهما أمر واحد في الواقع لأن كلاً منهما يستلزم وجود الآخر كما قدمنا.
قد ينشأ من عقد الاستخدام حالة خاصة لها حكم خاص أيضًا: فقد يتفق الموظف وصاحب العمل أو السيد وخادمه على أن يستحق الموظف أو الخادم عاجلاً أو آجلاً استحقاقًا أو مرتبًا معينًا لمدة ما خلاف ماهيته فإن إجراء هذا الاستحقاق ليس كالماهية في مقابل تأدية العمل بحيث يمكن القول بأن الموظف الذي لا يؤدي عملاً لا يستحق أجرًا – وأن يحيط القانون – لهذا السبب – فسخ عقد الاستخدام – الغير معين المدة بضمانة واحدة هي أن يكون هناك سبب مشروع جدي للفسخ كما قدمنا Motif légitime لا لشيء إلا لأن له حقًا متعلقًا بالاستحقاق أو المعاش دون مقابل ما.
ولذلك قضت محاكم فرنسا باضطراد بأنه لا يجوز فسخ عقد الاستخدام الذي ترتب فيه مرتبات إضافية للموظف rémunérations accessoires إلا إذا وجد سبب قوي للفسخ Grave motif.
راجع تعليقات دالوز المرجع المتقدم بند (215) و (216) وقد ورد به ما يأتي:

Ainsi jugé…. que la convention par laquelle une domestique au service de deux epoux doit, si, au décès du survivant d’eux, elle a toujours fidèlement rempli son engagement et se trouve encore dudit survivant, recevoir à titre de rémunération en sus de ses gages, une certaine somme â la charge des deux successiou, ne peut être resiliée à la volonté du maitre et est obligatoire pour celui – ci, tant qu’il n’a pas de graves motifs de renvoyer sa domestique.

وهكذا ترى كيف أن العقد يصبح لازمًا للسيد لا يجوز فسخه لأي سبب يرى فيه السيد مصلحة أو مسوغًا لذلك بل يجب أن يكون السبب قويًا.
ويترتب على عدم توفر هذا السبب المسؤولية عن التعويض.
راجع البند (217) من المرجع المتقدم إذ ورد به ما يلي:

…Et que, par suite, en cas de congé, sans motifs suffisants la domestique, si elle ne refuse pas la continuation de ses services ne perd pas l’avantage aléatoire qui lui a été promis……..

وهكذا ترى أيضًا الحكم المذكور يقر حق المستخدم في الاستحقاق الإضافي ولو أنه لا يزال غير حال فما بالك إذا كان الاستحقاق حالاً يقبضه المدعي فعلاً منذ مدة مضت – كما لو كان مستحقًا في وقف مثلاً.

مجلة المحاماة – العددان السادس والسابع .