عرض منازعات الوقف على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع – القانون المصري

الوقف شخص من أشخاص القانون الخاص – عدم جواز عرض منازعاته على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة – مدى حجية فتاوى قسمي الفتوى والتشريع يمجلس الدولة

الوقف وناظر الوقف ووزارة الأوقاف بصفتها ناظرة على الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية بصفتها نائبة عن وزير الأوقاف، كلهم يعدوا من أشخاص القانون الخاص وليسوا من أشخاص القانون العام، فيما يتعلق بإدارة واستثمار والتصرف في مال الوقف، وعليه: فلا يجوز عرض الأمر على قسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة:

لما كانت المادة 66/د من قانون مجلس الدولة تنص على أن: “تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي مسبباً في المسائل والموضوعات الآتية: (د) المنازعات التي تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة أو بين الهيئات العامة أو بين المؤسسات العامة أو بين الهيئات المحلية أو بين هذه الجهات وبعضها البعض. ويكون رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في هذه المنازعات ملزماً للجانبين”.

ومن ثم، فمناط اختصاص قسمي الفتوى والتشريع بالمنازعات التي تنشأ بين الهيئات العامة هو اعتبار كلا منهما “شخص من أشخاص القانون العام”، أما حينما تكون إحدى الهيئات العامة – طبقاً للقانون – كشخص من أشخاص القانون الخاص، فإنه لا يتعين عليها، بل لا يجوز لها، أن تعرض منازعاتها مع أشخاص القانون العام الأخرى على قسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة.

لما كان ذلك، وكانت جهة الوقف، والأوقاف، وناظر الوقف، ووزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف في مصر، وهيئة الأوقاف المصرية بصفته نائبة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف، يعدوا كلهم “شخص من أشخاص القانون الخاص” وليسوا من “أشخاص القانون العام”.

حيث تنص المادة 5 من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية على أن: “تتولى الهيئة، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالاً خاصة”.

وقد قضت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة (والمنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة) بأن: “التصرفات التي تجريها هيئة الأوقاف، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، في شأن إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها، تعد من التصرفات الصادرة من أحد أشخاص القانون الخاص ، ومن ثم فلا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات التي تتفرع عنها”. (الطعن رقم 3096 لسنة 35 قضائية “إدارية عليا” – بجلسة 6/5/1999).

كما تواترت أحكام المحكمة الإدارية عليا على أن: “القانون ناط بوزارة الأوقاف القيام على شئون الأوقاف الخيرية وخلفتها في ذلك هيئة الأوقاف المصرية التي أنشئت بالقانون رقم 80 لسنة 1971 فتختص بإدارة واستثمار والتصرف في أموال الأوقاف الخيرية نائبة عن وزير الأوقاف بوصفة ناظر الوقف ـ الوقف من أشخاص القانون الخاص وتقوم هيئة الأوقاف نيابة عن وزير الأوقاف بهذه الأعمال بوصفها شخص من أشخاص القانون الخاص ولا تعتبر قراراتها في هذا الشأن قرارات إدارية. وما يثور بشأنها لا يدخل في عموم المنازعات الإدارية ـ مؤدى ذلك: عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في هذه الدعاوى والمنازعات”. (الطعن رقم 4021 لسنة 41 قضائية “إدارية عليا” – جلسة 20/6/2001 مجموعة المكتب الفني – السنة 46 – القاعدة رقم 262 – صـ 2227).

وقد كانت تلك الأسانيد والحقائق القانونية سالفة الذكر نفسها سنداً للمحكمة الدستورية العليا في قضائها “بعدم دستورية البند (ح) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري المُعدل بالقانون رقم 44 لسنة 1958 فيما تضمنه من النص على جواز إتباع إجراءات الحجز الإداري عند عدم الوفاء بما يكون مُستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً من إيجارات للأعيان التي تديرها الوزارة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مُقابل أتعاب المُحاماة”. (في الطعن رقم 104 لسنة 23 قضائية “دستورية” – بجلسة 9/1/2005). وقد أوردت المحكمة الدستورية العليا في حكمها ذلك ما نصه أن: “أموال الأوقاف تعتبر بصريح نص المادة 5 من القانون رقم 80 لسنة 1971 أموالاً خاصة مملوكة للوقف باعتباره – عملاً بنص المادة 52/3 من القانون المدني – شخصاً اعتبارياً، وهو يدخل بحسب طبيعته في عِداد أشخاص القانون الخاص، ولو كان يباشر النظر عليه شخصاً من أشخاص القانون العام، إذ يظل النظر – في جميع الأحوال – على وصفه القانوني مُجرد نيابة عن شخص من أشخاص القانون الخاص”.

كما “انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى سريان أحكام اللوائح الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية على التصرفات التي تجريها الهيئة بوصفها نائبة عن ناظر الوقف، وتطبيق أحكام قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 على التصرفات التي تجريها بوصفها هيئة عامة في غير أموال الوقف”. (ملف رقم 54/1/355 بتاريخ 23/12/2001). وقد أسست الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع رأيها هذا على أساس الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا [بدائرة توحيد المبادئ – المنصوص عليها في المادة 54 مكرر من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة] بجلسة 6/5/1999 (المتقدم ذكره) والذي قضى: “بأن التصرفات التي تجريها هيئة الأوقاف، نيابة عن وزير الأوقاف، بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، في شأن إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها، تعد من التصرفات الصادرة من أحد أشخاص القانون الخاص ومن ثم فلا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات التي تتفرع عنها، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه”.

كما قضت المحكمة الدستورية العليا بأن: “الأمر الصادر من وزير الأوقاف بصفته ناظراً للأوقاف الخيرية إلى هيئة الأوقاف المصرية التي تتولى إدارة واستغلال أعيان تلك الأوقاف نيابة عنه كي تقوم بتوريد السجاد اللازم من إنتاج مصنع قامت بشرائه من أموال الوقف والتي تعد أموالاً خاصة بنص المادة 5 من القانون رقم 80 لسنة 1971 سالف الذكر، وقد استخدمت بعض أموال الوقف فى أحد مصارف الأوقاف الخيرية وهى فرش المساجد، ووزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهما تُجريان مثل هذه التصرفات لا تعدان من الجهات التي حددتها المادة الأولى من القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات حصراً(1) وتنحسر عنهما بالتالي أحكام ذلك القانون برمته بما فى ذلك نص المادة 38 منه”. (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 284 لسنة 24 قضائية “دستورية” – جلسة 29/8/2004).

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، فإن ما تقوم به هيئة الأوقاف المصرية بصدد إدارة واستثمار والتصرف في أموال وأعيان وعقارات الأوقاف (كنائبة لوزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف في مصر) إنما تعد كشخص من أشخاص القانون الخاص وليست شخصاً من أشخاص القانون العام وبالتالي فلا يجوز لها عرض الأمر على قسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لكونه يختص بالمنازعات الدائرة بين جهات حكومية بعضها البعض، وفي هذا الصدد لا تعتبر هيئة الأوقاف المصرية شخص عام بل تعد من أشخاص القانون الخاص، على نحو ما سلف بيانه.

لا سيما وأنه من المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: “المادة 66 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 – اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي مسبباً فى المنازعات التى تنشأ بين الجهات العامة المشار إليها فى النص ويكون لرأيها صفة الإلزام – هو البديل للاختصاص القضائي المنوط بالمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها – حكمة ذلك – إذا كانت المنازعة ليست محض منازعة بين جهات عامة وإنما كان من بين أطرافها أحد الأفراد، فإن نص المادة 66 المشار إليها لا يستبعد فى هذه الحالة الاختصاص القضائي المقرر قانوناً للمحاكم”. (الطعن رقم 2819 لسنة 27 قضائية “إدارية عليا” – جلسة 7/1/1984 – مكتب فني 29 – صـ 415).

عدم حجية فتاوى قسمي الفتوى والتشريع:

وفضلاً عما تقدم، فإن فتاوى مجلس الدولة ليست لها أية حجية أمام القضاء المختص. حيث إنه من المقرر قانوناً – وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – أن:

“نص المادة 66 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 على أن تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى و التشريع بإبداء الرأي مسبباً في المسائل والموضوعات الآتية: … ‎د- المنازعات التي تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة أو بين الهيئات العامة أو بين الهيئات المحلية أو بين هذه الجهات وبعضها البعض، ويكون رأى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في هذه المنازعات ملزماً للجانبين”، ومؤدى هذا النص أن المشرع لم يسبغ على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ولاية القضاء في المنازعات التي تقوم بين فروع السلطة التنفيذية وهيئاتها، وإنما عهد إليها بمهمة الإفتاء فيها بإبداء الرأي مسبباً على ما يفصح عنه صدر النص. ولا يؤثر في ذلك ما أضفاه المشرع على رأيها من صفة الإلزام للجانبين لأن هذا الرأي الملزم لا يتجاوز حد الفتوى ولا يرقى به نص المادة 66 المشار إليها إلى مرتبة الأحكام، ذلك أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ليست من بين ما يتألف منه القسم القضائي لمجلس الدولة، ولا تتبع عند طرح المنازعة عليها الإجراءات التي رسمها قانون المرافعات أو أية قواعد إجرائية أخرى تقوم مقامها وتتوافر بها سمات إجراءات التقاضي وضماناته، كما لا يحوز الرأي الذي تبديه بشأنها حجية الأمر المقضي. ولما كان مناط قبول الدعوى (في مسألة تنازع الاختصاص) هو أن يقوم النزاع بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين، وكان الرأي الذي أبدته الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لا يعد حكماً، فإنه يتعين عدم قبول الدعوى”. (الطعن رقم 15 لسنة 1 قضائية “دستورية – تنازع اختصاص” – جلسة 17/1/1981 – مكتب فني 1 – صـ 279).

كما قضت المحكمة الدستورية العليا بأن: “جهة القضاء أو الهيئة ذات الاختصاص القضائي، هي تلك التى تستمد ولايتها من القانون محدد لاختصاصها، يكون مبيناً لإجراءات نظر الخصومة أمامها، مفصلاً لضماناتها القضائية، ومقيداً أحكامها بأن تصدر على أساس قاعدة قانونية محددة سلفاً، لتكون عنواناً للحقيقة، متى حازت قوة الأمر المقضي، بما مؤداه أن الجهات والهيئات التى تتنازع الاختصاص فيما بينها – إيجابيا كان هذا التنازع أم سلبياً – هي تلك التى منحها المشرع ولاية القضاء فى نزاع معين، وتتوافر لقراراتها القضائية فى شأن هذا النزاع خصائص الأحكام ومقوماتها، وترقى بالتالي إلى مرتبتها، باعتبارها من جنسيتها، وكان نهوض المحكمة الدستورية العليا لفض التنازع بين هذه الجهات والهيئات، أو بين بعضها البعض، يقتضيها إعمال القواعد الآمرة التى حدد بها المشرع – بتفويض من المادة 167 من الدستور – ولاية كل منها، باعتبار أن ما يدخل فى اختصاص كل جهة أو هيئة من بينها، يعتبر محجوزاً لها وموقوفاً عليها، فقد وجب الارتكان إلى هذه القواعد لإسناد الخصومة القضائية التى وقع التنازع على الاختصاص بصددها، إلى أحق هذه الجهات أو الهيئات بالفصل فيها. لما كان ذلك، وكانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، تستمد اختصاصها من المادة 66 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنه 1972، التى تنص على أن تختص هذه الجمعية العمومية بإبداء الرأي مسبباً فى المسائل والموضوعات الآتية: … (د) المنازعات التى تنشأ بين الوزارات، أو بين المصالح العامة، أو بين المؤسسات العامة، أو بين الهيئات المحلية، أو بين هذه الجهات وبعضها البعض، وكان من المقرر أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ـ لا تعتبر فى ممارستها لهذا الاختصاص، جهة قضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، ذلك أن ما يصدر عنها فى المسائل التى اختصها البند (د) من المادة 66 قانون مجلس الدولة بنظرها، لا يعدو أن يكون رأيا فى مجال الإفتاء، لا تنعقد به خصومة بين طرفين، ولا يلزم للفصل فى المنازعة التى يتعلق هذا الرأي بها مراعاة حد أدنى من إجراءات التقاضي أو ضماناته الرئيسية. وأية ذلك أن قانون مجلس الدولة، قد فصل فصلاً كاملاً بين الوظيفة القضائية التى تتولاها محاكم مجلس الدولة دون غيرها، وبين مهام الإفتاء. ومراجعة النصوص القانونية التى عهد بها إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فى الأحوال التى عينها، وكان الفصل بين هاتين الوظيفتين، مؤداه أنهما لا تتداخلان مع بعضهما، ولا تحل إحداهما محل الأخرى، أو تقوم مقامها”. (الطعن رقم 8 لسنة 15 قضائية “دستورية” – جلسة 4/6/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 6 – صـ 856).

ومن ثم، لا نرى حجية للفتوى الصادرة من قسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلسة 3/2/1982 برقم 90/2/276 والمنتهية إلى أنه: “لا يجوز رد الأراضي التي تصرفت فيها الهيئة العامة للإصلاح الزراعي إلى هيئة الأوقاف المصرية، سواء أكان التصرف بتوزيعها بالتمليك أو تخصيصها لبناء مركز التدريب عليها. وأن أحقية هيئة الأوقاف المصرية تنصرف إلى اقتضاء ثمن هذه الأراضي نقداً، وتقدر بقيمتها وفقاً لقانون الإصلاح الزراعي، والعبرة بقيمتها وقت استلامها في عام 1958”.

(1) تنص المادة الأولى من القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات على أن: “يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة، من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة وعلى وحدات الإدارة المحلية وعلى الهيئات العامة خدمية كانت أو اقتصادية”.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .