مبادئ حقوق الإنسان الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية

عادة ما ترتبط صورة أفراد الشرطة بالمعدات التي يحملونها لتمكينهم من ممارسة القوة وخصوصاً القيود الحديدية، والعصا والسلاح الناري (وإن كانت هذه قد تتفاوت من بلد إلى بلد). ومع ذلك فإن معظم أعمال الشرطة لا تتطلب أي استخدام للقوة. ولا يوجد إلا عدد قليل من المهام التي يصبح فيها استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضرورياً ومشروعاً لتحقيق الغرض الشُرطي القانوني، ومن بينها الاعتقال ومنع وقوقع الجريمة والتصدي للأحداث التي تتضمن الإخلال بالنظام العام. ولما كان استخدام الدولة للقوة ضد أفراد شعبها من التدابير القصوى التي للدولة أن تتخذها، فقد وُضعت معايير كثيرة تهدف إلى الحد من استخدام الدولة لقوتها. وفي قلب هذه المعايير جميعاً قضية ماذا يشكل الاستخدام المشروع للقوة. فعلى أفراد الشرطة إجراء تقديرات سريعة بشأن طابع المخاطرة ودرجة التهديد القائم، والأسلوب المناسب للتعامل معه بحيث يضمنون عدم تجاوز الحد الأدنى من الضرر.

وليس من الواضح في جميع الأحوال ما يعنيه تعبير »القوة « على وجه الدقة، وما إذا كان فعلاً معنياً قد استخدمت فيه »القوة « حقاً. وسوف نُعرًّف »القوة المشروعة « بأنها أية قوة مادية من جانب الشرطة، وهي التي تتراوح بين أساليب اليد المفتوحة وبين استخدام الأسلحة النارية، لإرغام أشخاص على أداء شيء أو منعهم من أدائه، ابتغاء تحقيق هدفي شُرطي مشروع. والمادة 3 من »مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين « ، الصادرة عن الأمم المتحدة (ويُشار إليها فيما بعد باسم »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « )، و »المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون « (ويُشار إليها باسم »المبادئ الأساسية « ) هما الميثاقان الرئيسيان اللذان يتناولان استخدام الشرطة للقوة والأسلحة النارية. ونوصي القراء بأن يطلعوا على النص الكامل لهما. وينبغي الإشارة إلى أنه لا يجوز التذرع بوجود ظروف استثنائية، مثل زعزعة الاستقرار السياسي أو حالة الطوارئ العامة، لتبرير أي خروج عن »المبادئ الأساسية « . كما تجب الإشارة أيضاً على أن »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « و »المبادئ الأساسية « ، لا يسريان فقط على الشرطة المدنية بل أيضاً على المسؤولين العسكريين أو مسؤولي أمن الدولة الذين يمارسون سلطات شُرطية.

المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية بصفة عامة هي:

التناسب: يجب أن يكون استخدام القوة مناسباً مع الهدف المشروع المرجو تحقيقه ومع خطورة الجريمة .  وعند تدريب الشرطة يجب إيلاء عناية خاصة إلى:
بدائل استخدام القوة، ومن بينها التسوية السلمية للصراعات، وتفهم سلوك الجمهور، وأساليب الإقناع، والتفاوض والوساطة؛
الوسائل التقنية (بما في ذلك الأسلحة غير الفتاكة والملابس الواقية لأفراد الشرطة).
ولا يمكن تحقيق التناسب إلا إذا توافرت لأفراد الشرطة ضروب منوعة من التقنيات والمعدات، بما في ذلك معدات الدفاع عن النفس (مثل الدروع والخوذات والقمصان الواقية من الرصاص ووسائل النقل التي لا تخترقها الطلقات) وتقنيات اليد المفتوحة وأسلحة التعجيز غير القاتلة.

المشروعية: يُعتبر استخدام الشرطة للقوة مشروعاً إذا كان يلتزم بالقوانين الوطنية ولوائح الشرطة الملتزمة بدورها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ويجب أن يتسم الهدف ووسيلة تحقيقه بالمشروعية. وتقول »المبادئ الأساسية « في الديباجة إن على الدول أن تأخذ هذه المبادئ في اعتبارها عند وضع القوانين الوطنية ولوائح عمل الشرطة فيما يتعلق باستخدام القوة والأسلحة النارية، ويقول المبدأ الأول فيها إن على الدول أن تعتمد لوائح ونظماً وطنية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية وأن تراجع باستمرار القضايا الأخلاقية المرتبطة بها. ويجب أن تضم هذه اللوائح والنظم مبادئ توجيهية تبين ما يلي:
تحديد الظروف التي يجوز لأفراد الشرطة فيها حمل أسلحة نارية مع تحديد أنواعها وذخائرها المسموح بها؛
ضمان الاستخدام الصحيح للأسلحة النارية بأقل مخاطرة بإحداث أضرار لا داعي لها؛
حظر الأسلحة النارية والذخائر التي تتسبب في إحداث إصابة لا مبرر لها أو تشكل مخاطر دونما مبرر؛
تنظيم الرقابة على الأسلحة النارية وتخزينها وإصدارها، بما في ذلك الإجراءات التي تكفل مساءلة أفراد الشرطة عن الأسلحة والذخائر الصادرة لهم؛
النص على ضرورة التحذير، حيثما يكون ذلك مناسباً، قبل إطلاق النار؛
إنشاء نظام للإبلاغ عن كل حالة يستخدم فيها المسؤولون الأسلحة النارية في غضون أدائهم لواجبهم.

المساءلة: ضماناً للمساءلة عن استخدام القوة والأسلحة النارية لا بد من توافر إجراءات كافية للإبلاغ عما يحدث ومراجعته، ومن بينها:

تقارير الأحداث: تنص »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « على ضرورة رفع تقرير دون إبطاء إلى السلطات المختصة في كل مرة تطلق فيها النار.  وتضيف »المبادئ الأساسية « أنه لا بد من كتابة تقرير تفصيلي »في حالات الوفاة، والإصابة الخطيرة وغيرها من العواقب الوخيمة « وتقديمه إلى السلطات المسؤولة عن المراجعة الإدارية والرقابة القضائية.

تقارير الانتهاكات: تقول »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « إن على أفراد الشرطة الإبلاغ عن أي انتهاك للمدونة.  وتلقي المبادئ الأساسية العبء على كاهل الرؤساء فتكلفهم بأن يبذلوا قصارى جهدهم »لمنع « استخدام القوة أو الأسلحة النارية دون وجه حق وأن »يحولوا دون ذلك أو يبلغوا بوقوعه « .  »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « و »المبادئ الأساسية « على أنه لا تجوز معاقبة أفراد الشرطة لرفضهم ارتكاب الانتهاكات أو لإبلاغهم عنها.

المراجعة المستقلة الفعالة: تدعو »المبادئ الأساسية « إلى أن تتخذ سلطات إدارية أو قضائية مستقلة إجراءات مراجعة فعالة في كل حالة تستخدم فيها الأسلحة النارية وكل حالة وفاة أو إصابة خطيرة أو غيرها من العواقب الوخيمة. كما يجب أن يُتاح للضحايا أو أقاربهم أو غيرهم ممن تضرروا باستخدام الأسلحة النارية، أو لممثليهم القانونيين، حق اتخاذ إجراءات مستقلة بما في ذلك الإجراءات القضائية.
المسؤولية الشخصية: ليس إتباع أوامر أحد الرؤساء ذريعة لاستخدام القوة دون وجه حق.  وبناءً على هذا المبدأ فإن أفراد الشرطة يتحملون مسؤولية شخصية  ، وكذلك لا بد من تحديد هؤلاء أفراد الشرطة شخصياً. وعليهم أن يحملوا شارات بأسمائهم أو بأرقام ظاهرة بوضوح.

الضرورة: يجب أن يُعتبر استخدام القوة إجراءً استثنائياً  ويعني هذا أنه لا بد من محاولة استخدام وسائل غير عنيفة أولاً، ولا تُستخدم القوة والأسلحة النارية إلا إذا ظلت الوسائل المذكورة »غير فعالة أو لا تبشر على الإطلاق بتحقيق النتيجة المقصودة « .  إذ »لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم « .

ونعرض فيما يلي بعض المبادئ العامة الأخرى الخاصة باستعمال القوة والأسلحة النارية.

تجريم القوة غير المشروعة: يجب أن يعتبر أي استعمال تعسفي أو منحرف لاستخدام القوة والأسلحة النارية جريمة جنائية.  ولا تُعتبر طاعة أوامر الرؤساء دفاعاً مقبولاً في حالة وقوع وفاة أو إصابة خطير إذا كانت تلك الأوامر تخرق القانون خرقاً واضحاً ولاحت أمام الشخص فرصة معقولة لرفض إطاعتها. ويجب أن يعتبر الذي أصدر الأوامر مسؤولاً كذلك.
تقديم المساعدة بعد الحادثة: يتحمل أفراد الشرطة مسؤولية القيام، في أقرب وقت بعد استخدام القوة، بتقديم المساعدة والمعونة الطبية إلى أي شخص مصاب أو متضرر، وإبلاغ أقارب الشخص المصاب أو المتضرر أو أصدقاءه المقربين.

أدوات السيطرة: يجوز استخدام وسائل السيطرة (القيود) للحيلولة دون هروب أحد السجناء، أو بناء على أوامر مدير السجن بالتشاور مع الطبيب المناوب، لمنع السجين من إيذاء نفسه أو الآخرين أو الإضرار بالممتلكات. ولا يجوز استخدام مثل هذه القيود لمدة أطول من اللازم. ولا يجوز مطلقاً استخدامها بمثابة عقاب. ولا يجوز استخدام السلاسل ولا الأصفاد الحديدة على الإطلاق.
مسؤولية ابتكار ونشر استخدام أسلحة التعجيز غير القاتلة: تدعو »المبادئ الأساسية « إلى »الحرص في تقييم « على ابتكار ونشر أمثال هذه الأسلحة والتي يجب أن يخضع استخدامها للرقابة الشديدة.  ويبدو أن ذلك يضع عبئاً على عاتق موردي هذه الأسلحة ومستخدميها يتمثل في ضمان تقليل الأخطار الناجمة عنها على من لا يعنيهم الأمر من الأشخاص وفي مراقبتها بروح المسؤولية.
اختيار وتدريب حاملي الأسلحة النارية من أفراد الشرطة: تضع »المبادئ الأساسية « شروطاً لاختيار وتدريب واختبار أفراد الشرطة المصرح لهم بحمل الأسلحة النارية، بما في ذلك في مجال التقنيات اللازمة لفض التوتر وتقليل احتمال الحاجة إلى استعمال القوة.

وأخيراً، فيما يتعلق خصوصاً باستخدام الأسلحة النارية، فلا يجوز استخدامها إلا:
للدفاع عن النفس، أو عن الآخرين، ضد التهديد الوشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة؛
لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تتضمن تهديداً شديداً للأرواح؛
لاعتقال شخص يمثل الأخطار المذكورة ويعارض سلطة الشرطة؛
لمنع هروب السجين.

وذلك فقط عند يثبت عدم كفاية الوسائل الأقل عنفاً عن تحقيق هذه الأهداف. ولا يجوز استخدام الأسلحة النارية الفتاكة عن عمد إلا إذا استحال تحاشيها لحماية الأرواح، وهي حالة نادراً ما تنشأ في العمل الشٌرطي المدني. ويجب على أفراد الشرطة الإعلان عن هوياتهم وإصدار تحذيرات واضحة باعتزامهم استخدام الأسلحة النارية، وإتاحة مهلة كافية للانصياع إلى التحذير، إلا إذا كان من شأن ذلك أن يعرض أفراد الشرطة أو غيرهم لخطر الموت أو الضرر الخطير أو إذا كان بوضوح غير ملائم أو لا فائدة منه في الظروف القائمة. 23 والتعليق على المادة الثالثة من »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « يضيف إنه يلزم بذل كل جهد ممكن لتحاشي استعمال الأسلحة النارية، خصوصاً ضد الأطفال.

ما لا تقوله المواثيق

لا تستطيع المواثيق أن تشمل كل جانب من جوانب العمل الشُرطي، وهي لا تشملها في الواقع، وفيما يلي بعض الثغرات:
فهي لا تقدم تعريفاً »للقوة « ولا »للأسلحة النارية «
»المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية « لا تحدد كيفية تنفيذها في الواقع ولا تتضمن إرشاداً عن الخطوات العملية؛
لا يوجد تعريف لمسألة التناسب، ولا تتضمن المواثيق تعريفاً لمصطلح »التهديد الوشيك بالموت أو بالإصابة الخطيرة « ، فمتى يصبح التهديد وشيكاً؟
لا تشير المواثيق إلى تقنيات اليد المفتوحة، أي التقنيات التي لا تتطلب استخدام معدات، ولا تحدد معنى الأسلحة التي »لا تفضي إلى الموت « ؛
وهي لا تحدد المقصود بالحاجة إلى التدريب المستمر والمُحكم، والحاجة إلى المراجعة الدورية لقدرة أفراد الشرطة على تنفيذ الوظائف الشُرطية، ولا تقيم علاقة صريحة بين هذا وبين استخدام القوة بصفة خاصة؛
ولا تحدد المواثيق ماهية وسائل السيطرة (القيود) التي قد تتضمن خطراً كبيراً على الأرواح. 24 وهي تترك تغطية هذه المجالات للهيئات التشريعية الوطنية وسلطات الشرطة؛

وتعني هذه الفجوات أن على أجهزة الشرطة الوطنية أن تضع إجراءات عملية موحدة تشمل الجوانب التالية:
تعريفات المصطلحات المستخدمة، مثل »الأسلحة النارية «
ما يجوز استخدامه من أنماط القوة والأسلحة النارية؛
الظروف المحددة التي تُستخدم فيها هذه الأنماط من القوة والأسلحة النارية؛
المسؤولية الناجمة عن استخدام القوة والأسلحة النارية بما في ذلك مسؤوليات تقديم التقارير المفصلة؛
المهام الإدارية على مختلف المستويات والنظم، والرامية للتصدي للأحداث التي قد يلزم فيها استخدام الأسلحة النارية؛
الشروط اللازمة للتصريح لأفراد الشرطة بحمل الأسلحة النارية واستخدامها؛
وقواعد وتقنيات محدد لتجنب الحاجة إلى استخدام القوة؛
الأحكام الخاصة بإصدار وتخزين ونقل الأسلحة؛

مقتطفات من الفصل الخامس من دليل »فهم العمل الشرطي «الذي نعرض له في باب الكتب في هذا العدد، والصادر عن منظمة العفو الدولية- هولندا.

1 المبادئ الأساسية المبدأ 5.
2 المبادئ الأساسية المبدأ 20.
3 المبادئ الأساسية المبدأ 2.
4 المبادئ الأساسية المبدأ 11.
5 مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك ، المادة 3 .
6 المبادئ الأساسية، المبدأ 6،12 و 20 .
7 مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك، المادة 8.
8 المبادئ الأساسية، المبدأ 24 .
9 مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك المادة 8 ، والمبادئ الأساسية، المبدأ 25.
10 المبادئ الأساسية، المبدءان 22 و23.
11 المبادئ الأساسية، المبدأ 26.
12 اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 31، الفقرة 18.
13 مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك، التعليق على المادة 3.
14 المبادئ الأساسية، المبدأ 4.
15 مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك، المادة 3 .
16 المبادئ الأساسية، المبدأ 7.
17 المبادئ الأساسية، المبدأ 26.
18 المبادئ الأساسية، المبدأ 5.
19 القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، الصادرة عن الأمم المتحدة، القاعدتان 33 و34.
20 المبادئ الأساسية، المبدأ 3.
21 المبادئ الأساسية، المبادئ من 18 إلى 21.
22 المبادئ الأساسية، والمبدأ 9 فيها مبني على التعليق على المادة 3 من »مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك « .
23 المبادئ الأساسية، المبدأ 10.
24 دعت منظمة العفو الدولية إلى فرض الحظر على بعض أساليب السيطرة المحددة، خصوصاً ما يمكن أن يؤدي إلى »الاختناق بالقيود « منظمة العفو الدولية- هولندا،2004، توصيات منظمة العفو الدولية بشأن العمل الشُرطي، استعراض ودليل، ص 25.