الشرطة القضائية ومعيقات الإفصاح عن المعلومة في ظل مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية
وجهة نظر: بقلم ذ. عزيز لعويـســي

لقد أتت مسـودة مشروع المسطرة الجنائية حبلى بجملة من المقتضيات الرامية إلى تدعيم مهام مؤسسة الشرطة القضائية ، من خلال إعطاء ضباط الشرطة القضائية إمكانية إطلاع الرأي العام على المعلومة القضائية بتفويض من النيابة العامة وتدعيم عملهم فيما يتعلق بمكافحة الجريمة عبر إقرار تقنيات بحث خاصة أو ما تمت تسميته ب”الإختراق” ، وقد طالت المستجدات تدبير الحراسة النظرية ، حيث سيتم توسيع الحالات والأسباب القاضية بمباشرة هذا الإجراء السالب للحرية ، وكذا منح ضباط الشرطة القضائية السند القانوني لإجبار الأشخاص على الحضور في حالة إمتناعهم أو عدم إمتثالهم للدعوة المقدمة إليهم من طرفهم ، وسيتم التركيز على الشـــــــق المتعلق ب “الإفصاح عن المعلومة “لمــا لهذا المستجد من تقاطعات مع مبدأ سرية الأبحاث الــذي يعــد ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة ، و في هــذا الصدد كرست المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية السارية المفعول هذه السرية ، حيث أوجبت على كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة بالإلتزام بكثمان السر المهنــي “ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائـي ” ، لكـــــــن المسودة أتت بمقتضـــى سيمس بشكل أو بآخر بمبدأ “سرية الأبحاث” و” السر المهني ” و”واجب التحفظ” ، حيث أعطي للنيابـة العامة وحدهــا وبشكل حصري ،حق إطلاع الرأي العام على القضية والإجراءات المتخدة بشأنها ، وهكذا فقد تمت إضافة مقتضى جديد إلى المادة 15 نص على ما يلي :

” تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث والتحقيق سرية.

كل شخص يساهم في إجراء هده المسطرة ملزم بالحفاظ على سرية الأبحاث والتحقيق تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي .

غير أنه يجوز للنيابة العامة وحدها اطلاع الرأي العام على القضية والإجراءات المتخدة فيها، دون تقييم الإتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم أوالمتهمين.”

يمكن للنيابة العامة أن تأذن بذلك للشرطة القضائيــة. ، إذن على ضــــوء هذا المقتضى أصبح بإمكــان النيابة العامة الإذن أو تفويــــــض الحق للشرطة القضائية من أجل إطلاع الرأي العام على القضايا الجارية لذيها، والملاحظ أن عبارة ” الإذن” تبقى عبارة فضفاضة ومفتوحة على كل التفسيرات ، مما يطرح السؤال حول الطبيعـــــة القانونية لهذا الإذن : هــــل هـــو إذن” شفوي” عبر الهاتف (تعليمات شفوية) أم هو “اذن كتابي” (تعليمات كتابية) ؟ ومهما كانت نوعية هذا”الإذن” ، فهو قد يطرح جملة من المعيقات أمام ضباط الشرطة القضائية على مستوى واقع الممارسة منها :

– أن “الإذن الشفوي” لا يرقى إلى مستوى الحجية مقارنة مع “الكتابي” الذي يكون واضحا وملزما سواء للقاضي الذي أصدره أو ضابط الشرطة القضائية الذي تلقــاه ، بعبارة أخرى ما ذا لو تلقى ضابط الشرطة القضائية “إذنا شفويا” وقدم معطيات قضية جارية أمام الرأي العام ، فمن يحمي هذا الضابط إذا أساء تقدير بعض المعطيات وقدمها للعموم مخترقا بذلك مبدأ “سرية الأبحاث” أو”عدم كثمان السر المهني” المعاقب عليهما قانونا، وفي هدا الصدد إلى أي حد يتوفر ضباط الشرطة القضائية على الكفاءة القانونية والمهنية التي تجعلهم يقدرون حجم القضايا المعروضة عليهم ويدركون الخيط الناظم الفاصل بين “الحق في المعلومة” و” مبدأ سرية الأبحاث” و”كثمان السر المهني” ؟

– في حالة “الإذن الكتابي” ، فما هي حيثيات هذا الإذن وشكلياته ؟ هل تصدره النيابة العامة في قضايا معينة ( جنايات مثلا ) ؟ ما هي الحالات التي يمكن أن تأذن فيها النيابة العامة للشرطة القضائية بتقديم معلومات للرأي العام ؟ ما هي شكليات هذا الإذن ؟ ثم ما هي طريقـة نشر المعلومة ؟ ثم ألا يمكن تضمين هذا الاجراء القانوني في محضر قانوني من باب التوثيق، حماية للضابط المعني ؟

– إعطاء النيابة العامة ، الإذن للشرطة القضائية في إطلاع الرأي العام على المعلومات المتوفرة لديها بمناسبة القضايا المعروضة عليها ،وإن كان من الناحية النظرية يعزز مكانة وقيمة جهاز الشرطة القضائية في منظومة القضاء ، فإن هذا المستجد، من شأنه أن يشكل عبئا إضافيا أمام هذا الجهاز الذي يعاني من جملة من الصعوبات في مقدمتها قلـــــة الوسائل وضعف الحصيص وازدواجيــــة المهــــام ( الشرطة القضائية – الشرطة الإدارية) ، وبما أن ضباط الشرطة القضائية ينتمون إلى جهاز إداري مستقل (الشرطة والدرك) ويخضعون إلى “تراتبية “إداريــــــــــــة ، فيبقى السؤال هو من سيتولى إطلاع الرأي العام على المعلومة ؟ هل ضابط الشرطة القضائية المكلف بالبحث ،والذي تلقى الإذن الشفوي أو الكتابي؟ أم رئيسه المباشر (رئيس المصلحة) أم رئيس المنطقة أم والي الأمن؟ وفي حالة إذا ما نشرت المعلومة من طرف “رئيــــــــــــــــــس إداري” ، ألا يشكل ذلك خرقا صارخا لمبدأ “سرية الأبحاث والتحقيقات” وإفشاء لمبدأ “السر المهني” ؟

– هذا المستجد قد تعترضه أيضا بعض الصعوبات الإدارية ، طالما أن ضباط الشرطة القضائية ينتمون إلى جهاز إداري مستقل ، وهم بذلك ملزمون بتنفيذ تعليمات رؤسائهم الإداريين وكثمان السر المهني ، وفي هذا الإطار، فقد نصت مثلا المادة 12 من الظهير المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني على ما يلي :” يلتزم موظفوا الأمن الوطني بالقيام بمهامهم ولو خارج أوقات العمل العادية،كما يتعين عليهم الإلتزام بقواعد الإنضباط والتقيد بواجب التحفظ واحترام السر المهني ولو بعد انتهاء مهامهم” كما نصت المادة 13 على ما يلي :”يجب على كل موظف أن يمتثل، في إطار تنفيذ المهام المسندة إليه لتعليمات رئيسه التسلسلي، ما لم يكن الأمر الصادر إليه مخالفا للقانون” ، كما أن ذات القانون، أحاط موظفي الأمن الوطني بجملة من العقوبات التأذيبية (المادة 20) قسمها الى ثلات مجموعة : المجموعة الأولى ( الإنذار والتوبيخ) والمجموعة الثانية (الحذف من لائحة الترقي، التوقيف المؤقت عن العمل، الإنزال من الدرجة) والمجموعة الثالثة(الإحالة على التقاعد الحثمي، العزل)، بل أكثر من ذلك، فالدولة حينما تقوم بإلحاق المواطن بإحدى وظائفها في مرفق هام من المرافق العامة، فإنها بذلك تأتمنه على كل ما يحتويه ذلك المرفق من أسرار وخبايا يطلع عليها بحكم وظيفته، وقد يؤدي إفشاؤها إلى تعريض المصلحة العامة للخطر أو تعرض سير المرفق العام للتوقف أو إصابة مصالح المواطنين بالضرر، من هنا كان على الموظف العام واجب المحافظة على الأسرار التي يطلع عليها بحكم وظيفته وعدم إفشائها أو تسريبها خارج ميدانها، وإلا يعرض للمساءلة التأديبية أو الجنائية.

وعليه وتأسيسا على ما سبـق ، فلابد من إزالة الغموض الذي يكتنف المادة المذكورة بتحديد ما يلي :

– طبيعة الإذن ( أن يكون كتابيا حماية لضابط الشرطة القضائية من المساءلة القانونية فيما يتعلق ب”سرية الأبحاث” و”كثمان السر المهني” ).

– أن يتضمن الإذن طبيعة المعلومات التي سيقدمها ضابط الشرطة القضائية للرأي العام (حتى لا يخترق مبدأ “السرية” و”السر المهني” و”واجب التحفظ” ).

– أن يتضمن “الإذن الكتابي” إلزام ضابط الشرطة القضائية ،بتضمين المعلومات التي قدمها للعموم في إطار محضر قانوني تحدد النيابة العامة شكلياته ، وذلك من باب التوثيق حماية للضابط المعني بتقديم المعلومة .

– ضرورة توضيح الحــدود الفاصلة بين مبدأ “كثمان السر المهني” ومبدأ ” الإفصــاح عن المعلومة ” بتفويــض من النيابة العامة بشكل خـــــــــــــاص و” الحــق في المعلومـة ” بشكل عـــــــــــــــام ، تفاديا لأي لبس من جانب الشرطة القضائية.

– أن تواكب الإدارات التي يشتغل تحت إمرتها ضباط الشرطة القضائية (شرطة، درك) تشريعاتها الداخلية ، مع فلسفة ومقاصد الإصلاحات الجارية في منظومة القضاء عموما والمسطرة الجنائية خصوصا ، حتى لا يتم الوقوع في تضارب التشريع المسطري مع التشريعات الداخلية .

المراجع المعتمدة :

– قانــون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية .

– ظهير شريف رقم 1-09-213 صادر في 8 ربيع الأول (23 فبراير 2010) متعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني، ج ر بتاريخ 1 مارس 2010.

– مسودة مشروع قانون المسطــرة الجنائية .

– مليكة الصروخ، القانون الإداري دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء، الطبعة 7، السنة 2010،

إعادة نشر بواسطة محاماة نت