شكل العقد:

تعرض المادة (65) في فقرتها الأولى للأصل الأساسي العام، في صدد الشكل الذي يمكن للعقد أن يرد فيه، بالنسبة إلى ذات قيامه، مجيزة له أن يأتي في أي شكل يريده له عاقداه، دون إخلال بما قد يتطلبه القانون من شكليات معينة، لغرض آخر غير انعقاد العقد كإثباته أو شهره وهذا حكم أساسي يتمثل في قاعدة رضائية العقود.

وإذ تقرر المادة (65)، في فقرتها الأولى قاعدة الرضائية في العقود، فهي تورد عليها استثناء تمليه طبيعة الأمور، يتمثل في الحالة التي يفرض فيها القانون نفسه، في خصوص عقد معين، شكلاً خاصًا يحدده لقيامه.

وتجيء المادة (65)، في فقرتها الثانية، لتتناول حكم عدم مراعاة الشكل الذي يفرضه القانون لقيام العقد، استثناءً من قاعدة رضائية العقود، مقررة أنه يتمثل في بطلان العقد. والبطلان لا يقع هنا إلا إذا كان الشكل الذي فرضه القانون متطلبًا لذات قيام العقد، فإن كان متطلبًا لغرض آخر، كإثبات العقد أو شهره، أُعمل الحكم الذي يرتبه القانون على إهماله.

وحكم المادة (65) بفقرتيها مجرد تقنين لما هو مستقر ثابت في الفكر القانوني المعاصر وفي الفقه الإسلامي على حد سواء. وهو متفق مع حكم المادة 11/ 1 من مدونة الالتزامات السويسرية، والمادة (125) من القانون المدني الألماني.

وتعرض المادة (66) للحالة التي لا يفرض فيها القانون شكلاً معينًا لقيام العقد، ولكن المتعاقدين يتفقان على أن عقدهما لا يقوم، إلا إذا جاء في شكل معلوم يحددانه، كما إذا اتفق المتبايعان على عدم قيام بيعهما إلا إذا جاء في الشكل الرسمي، أو في محرر مكتوب. وتقضي المادة (66) بصحة هذا الاتفاق، مقررة وجوب مراعاته من كل طرفيه، مانعة أيًا منهما دون رضاء الآخر أن يتمسك بقيام العقد، ما لم يأتِ في الشكل المتفق عليه.

والحكم الذي ترسيه المادة (66) يتمشى مع ما هو ثابت في الفكر القانوني المعاصر. فإن كانت شكلية العقد، حينما يفرضها القانون، تتصل بالنظام العام، اعتبارًا بأن القانون حينما يستلزمها، يستهدف بها تحقيق مصلحة عامة، فقاعدة رضائية العقود لا تتصل بالنظام العام، ومن ثم لا يوجد ثمة ما يمنع المتعاقدين من الاتفاق على مخالفتها، في شأن العقد الذي يزمعان إبرامه، بأن يرتضيا عدم قيامه إلا إذا جاء في الشكل الذي يحددانه.

على أنه يلاحظ هنا أن الشكلية التي تجيء نتيجة اتفاق المتعاقدين لا ترتقي إلى الشكلية التي يفرضها القانون. ففي حين أن مقتضى الشكلية الأخيرة أن يقع العقد باطلاً عند عدم مراعاتها، حتى لو اتفق المتعاقدان على مخالفتها، فإن الشكلية التي يتطلبها الاتفاق لا تمنع المتعاقدين من إبرام العقد بمخالفتها، شريطة أن يجيء ذلك نتيجة رضاء قاطع منهما بالتخلي عنها.

وتعرض المادة (67) للحالة التي يتطلب فيها القانون أو الاتفاق مراعاة شكل معين في شأن العقد، دون أن يستبين، على نحو قاطع الدلالة، ما إذا كان هذا الشكل متطلبًا لذات قيام العقد، فيبطل إن لم يراعَ، أو أنه متطلب لأمر آخر من الأمور المتعلقة به، والتي لا ترتقي إلى مرتبة قيامه، كإثباته أو إحداث أثر من آثاره.

ومن الممكن هنا أن يقال إن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة تفسير لنص في القانون أو لشرط في العقد، ومن ثم كان أولى به أن يُترك للقضاء، يغلب في شأنه الناحية التي تستبين له متفقة أكثر مع قصد الشارع أو إرادة المتعاقدين. ولكن المشروع آثر مع ذلك أن يعرض له، مقتفيًا في ذلك أثر تقنينات أخرى، كالقانون الألماني (المادة 125) ومدونة الالتزامات السويسرية (المادة 11/ 2 والمادة 14/ 1 ) ومشروع تنقيح القانون المدني المصري (المادة 149).

وثمة اتجاهان يتنازعان في الفكر القانوني تنظيم الحالة التي لا تؤدي فيها وسائل التفسير إلى تبديد الشك حول ما إذا كان الشكل متطلبًا في العقد لذات قيامه، أو لأمر آخر من أموره. فاتجاه أول يفسر هذا الشك على أن الشكل غير متطلب لقيام العقد وإنما للأمر الآخر الذي يدنوه بالضرورة. أما الاتجاه الثاني، فيعمد إلى تفسير الشك على أن الشكل متطلب لذات قيام العقد. ولكل اتجاه ما يسوغه فالأول يتمشى أكثر مع مقتضيات المنطق القانوني لفكرة رضائية العقود، اعتبارًا بأنه ما دام الأصل في العقد أنه رضائي، فالشكل لا ينهض ركنًا لازمًا لقيامه، إلا إذا كان القصد فيه قاطع الدلالة. أما الاتجاه الثاني، فيبرره أن تطلب الشكل بخلاف الأصل، سواء أكان ذلك من المشرع أم من إرادة المتعاقدين، يستهدف بالضرورة تحقيق مصلحة أساسية أو في الأقل هامة، ومن ثم كان حريًا أن يفسر الشك على النحو الذي يوفر قدرًا أكبر من الحماية، وهو عدم قيام العقد برمته. وقد آثر المشروع أن يساير الرأي الأول.

وتعرض المادة (68) لفكرة العقود العينية التي لا تقوم إلا إذا اقترن الرضاء بها بتسليم المعقود عليه، وهي تُرسي أصلاً عامًا مؤداه أن تسليم المعقود عليه، إذا كان من شأن العقد أن يقتضيه، لا يعتبر متطلبًا لذات قيام العقد إلا إذا قضى القانون أو الاتفاق أو العرف بغير ذلك.

وإذا كان الحكم الذي تقرره المادة (68) يمكن له أن يستخلص من حكم المادة (67)، اعتبارًا بأن تسليم الشيء قد يعتبر نوعًا من الشكل، إلا أن المشروع آثر مع ذلك أن يفرد له نصًا خاصًا، دفعًا لكل مظنة، وحتى يجهز على فكرة العينية في العقود، إلا لضرورة أو مصلحة، ترك زمام الأمر فيها للقانون أو لإرادة المتعاقدين، على حسب الأحوال.

وقد استوحى المشروع المادة (68) من نص المادة (40) من مشروع تنقيح القانون المدني الفرنسي المقدم للجنة التنقيح (أعمال لجنة التنقيح لسنة 1946/ 1947). ولكنه حرص على أن يبتعد كل البعد عن إطلاق حكم النص الفرنسي المقترح، والذي جاء يقول إن تسليم الشيء لا يعتبر أبدًا شرطًا لازمًا لصحة العقد، ولو اشترط غير ذلك. وواضح أن النص الفرنسي أراد أن ينتقل بفكرة العقود العينية من النقيض إلى النقيض، فقيد من إرادة المتعاقدين من غير مبرر، وهو الأمر الذي راعته بالفعل لجنة التنقيح، عند مناقشة النص المقترح، فقيدت من إطلاقه، لتترك الباب مفتوحًا، لبعض الاستثناءات.

وتعرض المادة (69) للاتفاقات التي ترتبط بعقد يلزم فيه الشكل لذات قيامه، سواء أكانت سابقة عليه، كما هو الشأن في الوعد به أم لاحقة له، كما هو الشأن في الاتفاقات على تعديل أحكامه أو آثاره، وذلك من حيث الشكل الذي ينبغي أن يراعى في إبرامها بدورها. وهي تقرر وجوب أن يراعى فيها الشكل المتطلب لقيام العقد ذاته فإن لم يراع في إبرامها، وقعت باطلة.

والحكمة التي تستهدفها المادة (69) بينة الوضوح، فإن لم يراع الشكل المتطلب لقيام العقد ذاته في عقد الوعد به، أو في الاتفاقات اللاحقة التي تقضي بتعديل أحكامه أو آثاره، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى الإفلات من الشكل المستلزم قانونًا أو اتفاقًا، وإن كان ذلك بطريق غير مباشر.

والحكم الذي تمليه المادة (69) لا يعدو أن يكون أمرًا مستقرًا ثابتًا فقهًا وقضاءً، بل إن كثيرًا من قوانين البلاد المختلفة قد نصت عليه في خصوص الوعد بالعقد، كما هو الشأن بالنسبة إلى القانون السويسري (المادة 22/ 2 من مدونة الالتزامات) والقانون المصري (المادة 101/ 2) والقوانين العربية الأخرى التي استوحته، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 115/ 2).

وقد آثر المشروع أن يصرح بالحكم، ليس فقط في صدد الوعد بالتعاقد، بل أيضًا بالنسبة إلى الاتفاقات التي تجيء بعد إبرام العقد، وتستهدف تعديل أحكامه أو آثاره، وذلك في المكان المخصص لشكل العقد، ما دام هو ينظم هذا الشكل في إطار نظرية عامة.

وقد حرص المشروع، بالنسبة إلى الاتفاقات اللاحقة للعقد، أن يتطلب مراعاة الشكل الواجب له، فيما يكون من شأنه أن يعدل في أحكامه أو آثاره. وهو بهذا يستبعد الاتفاقات التي تجيء لتفصل أو تسهل أو تضمن أعمال ما يقضي به العقد، طالما أنها لا تعتبر تعديلاً لما يقضي هو به، فلا يوجد ثمة ما يمنع، مثلاً من الاتفاق العرفي على تقسيط دين ناشئ من عقد رسمي أو على ضمانه برهن حيازي.

والمادة (69) إذ تتطلب مراعاة الشكل الواجب لقيام العقد في عقد الوعد به وفي الاتفاقات اللاحقة المعدلة لأحكامه أو آثاره، تتحفظ في شأن الحالة التي يقضي فيه القانون بحكم مخالف، وهي تتحفظ أيضًا في شأن الحالة التي تسمح فيها طبيعة المعاملة ذاتها بعدم مراعاة الشكل الذي يتطلبه القانون، كما إذا استلزم القانون الشكل في العقد لحماية الجانب الضعيف فيه، ثم طرأ بعد ذلك تعديل عليه يكون من شأنه أن يتضمن له نفعًا محضًا، ومثال ذلك أن يُتفق في صدد عقد الرهن الرسمي، على نزول المرتهن عن الرهن كله أو بعضه.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .