التوازنات الأساسية للاقتصاد الوطني
إنّ النشاط الاقتصادي والاجتماعي تعرض خلال فترة 67- 1979 لنزاعات جمة يمكن حلها بإعادة النظر التدريجي في ترابط المعدلات الأساسية للاقتصاد على كل من المستوى الداخلي والخارجي.

2-2-3-1- التوازنات الداخلية: إنّ الأهداف الاجتماعية للفترة بالرغم من تثبيتها في مستويات دنيا لم تجد الدعم المادي الكافي لإنجازها، إنّ الأهداف من أجل الإنتاج والإنتاجية لم تتحقق بعد كما أنّ الأهداف من أجل الاندماج المعزز للاقتصاد الوطني تأجل تحقيقها، والذي كان من المتوقع التحكم أثناؤه في جميع مراحل الإنتاج المقامة، ومنذ ذلك أصبح الاقتصاد الوطني يتجه إلى اللجوء إلى الخارج أكثر حدة.

إنّ عدم التحكم في تسيير المشاريع وتخصيص الوسائل أدى إلى إخلال التوازن العام لهيكل الإستثمارات وجعل المنطقيات القطاعية هي المسيطرة كما أنّ التطوّر المعمم بالتدريج لها والغير مرتبطة فيما بينها أدى إلى ضعف أعمال الإستثمارات فيما بين القطاعات على مستوى التخطيط.

لقد أدى المستوى الضعيف للنتائج والتبذير في الرأسمال إلى ثقل محسوس لتكاليف استهلاك الاستثمارات في ذلك الوقت، فصار يطرح مشكل إعادة الهيكلة.

نظرا للآثار الاقتصادية المحدودة والمؤجلة للمشاريع ستتميز برامج الاستثمارات في المستقبل بتخصيص احتياطات هامة من الموارد للتجديد وإعادة وزن المشاريع المتولدة عتها إنتاجات ومداخل جديدة بشكل ضعيف ذلك على حساب الأعمال الجديدة.

إنّ الدور الهام الممنوح للمحروقات بوصفها نشاط تصدير ذو الأثر المحدود المشوه لباقي الاقتصاد كان السبب بقسط كبير في فقد التوازنات في الفترة 67- 1978 تضاعف الاستهلاك الإجمالي من السلع والخدمات المعبّر عنه بالأسعار الثابتة بمعدل سنوي يبلغ في المتوسط 8.5% ولقد تضاعف التراكم الخام أثناء نفس الفترة بمعدل 15.3% في السنة في الوقت الذي لم يبلغ معدل النمو السنوي للإنتاج الداخلي الخام سوى نسبة 7.2% أي أنّه يقل عن معدلات نمو الاستهلاك والتراكم الخام.

إنّ مجموع المداخيل الموزعة مقابل نشاطات الإنتاج العادي ومقابل النشاطات الاستثمارية قد تضاعف هو الآخر بوتيرة تفوق وتيرة البضائع الوطنية الجاهزة من السلع والخدمات.

إنّ حركية الإنتاج الداخلي الخام غير الكافية مقارنة بالتوسع السريع لطلب السلع والخدمات إلى بروز ارتفاع عام في الأسعار مما أدى ندرة المواد واللجوء إلى استيراد السلع والخدمات بشكل أخذ يتسع يوميا ومن ناحية أخرى لقد ساعد وضع التوترات هذا تطوير ظواهر المضاربة مما أدى إلى خلق إيرادات غير مبررة الأمر الذي أدى إلى زيادة حدة التفاوتات في توزيع الدخل إن كان معدل التضخم المقدّر ب 10% تقريبا في سنة يعبر عن مجهود الدولة لتدعيم أسعار مجموعة من المواد ذات الاستهلاك الواسع، فإنّه يعبّر في نفس الوقت عن التوترات التضخمية التي أخذت شكل اختفاء السلع لعدد هائل من المواد.

إنّ الكتلة النقدية تضاعفت بمعدل سنوي متوسط نسبته 23% إنّ هذا المعدل المرتفع بالمقارنة مع معدل نمو الإنتاج الداخلي الخام 7.2% قد زاد من حدة التوترات التضخمية.

والجدير بالملاحظة أنذ النظام المالي لم يوفر أدوات التأطير ومراقبة النفقات بعنوان المخططات لضمان استعمالها بأحكام وفعالية، فنتيجة ذلك كان حجم تسديدات اعتمادات الإستثمار من طرف مؤسسات إنتاج السلع والخدمات جد ضعيف لعدة أسباب نذكر منها الآجال الطويلة لإنجاز الإستثمارات والضعف الملحوظ في تحكم جهاز الإنتاج والنقائص الظاهرة في التسيير.

2-2-3-2- التوازنات المالية للمؤسسات: إنّ رغبة الدولة الجزائرية وعزمها على تحضير وتنظيم التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال التحكم في أهم مقاليد التوجيه وتسيير الاقتصاد قد حثت إلى تكييف مختلف المؤسسات العمومية وتوكيلها للممارسة أكبر جزء من الصلاحيات.

إنّ التعدي على الامتيازات بين القطاع المالي والقطاع الإنتاجي مع الاستقطاب المفرد للمؤسسات الاقتصادية لإنجاز الاستثمارات كان على حساب مستلزمات الفعالية الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى ظهور إخلال في التوازن الهيكلي للهيكل المالي لعدد كبير من المؤسسات الوطنية، ومما سبق يظهر جليا السبب الأول في إخلال التوازن والمتمثل في تكاثر مهام المؤسسات الوطنية وتعملقها.

إنّ التكاليف الباهظة وتمديد الآجال عملت كلها على إبطال مخططات التمويل مهما كانت جودتها، بل أجبرت أحيانا بعض المؤسسات على تسديد القروض قبل استعمال الاستثمارات.

إنّ التسهيلات الموجودة لدى السوق المالية الدولية للحصول على التمويلات كيفما كانت كيفياتها دفعت بالمؤسسات الاقتصادية إلى تطوير مشاريع حل فيها معدل التمويل الخارجي محل مقياس المناسبة دون أن يكون دائما مطابقا مع الأهداف العامة للاقتصاد الوطني، وفي ظروف غير مكيّفة خاصة في اختيار التقنيات وطرق إنجاز المشاريع وإبرام الصفقات- سياسة المفتاح في اليد-.

لقد بلغت القروض الممنوحة للاستثمار في نهاية سنة 1978 ما يقر ب170 مليار دج منح ما يزيد عن 50% منها في شكل قروض طويلة الأجل، وما يقرب38% في شكل قروض خارجية، وقد تأخذ الصناعة أكثر من 78% من القروض وأكثر من النصف منها يخص قطاع المحروقات.

إنّ تسديدات القطاع المنتج كانت جدّ ضعيفة وهي لا تمثل سوى ما يقرب من 20 مليار دج منها 6 مليار دج للقطاع الصناعي خارج المحروقات وذلك بالرغم من إقامة قروض إعادة الهيكلة التي يزيد مقدارها عن 10 مليار دج.

أمام الضعف الملحوظ في تجديد المخزون من الموارد أجبرت الخزينة على أن تطلب من البنك المركزي تقديمها المزيد من التسبيقات أي بمعنى آخر الإقدام على إنشاء الأوراق النقدية، علاوة على ذلك فإنّ المشاكل المرتبطة بتمويل الإستثمار وفقد التوازنات على مستوى الاستغلال أدت إلى التفاقم في عجز المؤسسات لدى البنوك بلغت ما يقرب من 20 مليار دج في سنة 1978 منها ما يزيد عن 12 مليار للقطاع الصناعي خارج المحروقات.

إنّ هذه الاضطرابات المقرونة بعدم تكيّف النظام الجبائي والتعقيد والبطء في الإجراءات الموضوعة وعدم وجود نظام أسعار متناسق أدت كلها إلى زيادة هامة في تكاليف الإنتاج وزادت من تفاقم فقد توازن الهياكل المالية للمؤسسات.

2-2-3-3- التوازنات الخارجية:إنّ اللجوء إلى الخارج لتغطية الحاجات الضرورية لتسيير الإقتصاد الوطني بكيفية حسنة وكان يخص في جوهره إستيراد أموال التجهيز، ففيما بين 67- 1978 أنّ النزعة إلى الاستيراد قفزت من 23% تقريبا إلى ما يزيد عن 48%.

اللجوء الكثيف إلى الخارج فيما يخص المواد الغذائية الزراعية منها والصناعية( 5 مليار دج سنة 1978) والمواد الشه مصنعة والتجهيزات والخدمات المقرونة بتدهور شروط التبادل قد زادت من حجم استدانة الجزائر للخارج.

إنّ ضخامة مجهود الإستثمار والشروط الفوضوية لإنجازها المقرونة بالنقص الملحوظ في الإنتاج ترجمت كلها بالعجز في ميزان السلع والخدمات بالرغم من استخدام المحروقات بكثرة كمنبع لتوفير العملة الصعبة وبالرغم من الارتفاع الهام المسجل في أسعار البترول سنة 1974.

لقد تمّ تمويل هذا العجز من خلال اللجوء المتزايّد إلى الاستدانة الخارجية بشكل يكشف عن الضعف في تحكمه وبشروط غير مرضية ولقد بلغت هذه الاستدانة الخارجية في سنة 1978 قيمة 56 مليار دج بينما فائدة الدين تمثل هي وحدها ما يزيد عن قيمة 25% من قيمة الصادرات.

مما سبق نخلص إلى أنّ الفترة المنصرمة لم ينم خلالها الإنتاج الداخلي الخام للجزائر بالشكل الذي كان يتطلبه نمو الاستهلاك وبخاصة الاستثمار، إنّ التضخم واختفاء المواد والإسيراد الذي ازداد كما ونوعا هذا قد ميّز شروط إنجاز التوازنات الأساسية للاقتصاد.

بالرغم من كتلة الاستثمارات الباهظة المستعملة فلقد بقيت إنتاجيات الجهاز الإقتصادي تعاني من الضعف.

وفي الأخير تجدر الإشارة أنّ فترة 67- 1978 ارتفعت خلالها معدلات الاستثمار في الإنتاج الداخلي الخام بشكل جدير بالتنويه إلاّ انّ فعاليتها لازالت دون أن تتجلى في الكثير من القطاعات، فالإشكالية الأساسية التي ظهرت خلال فترة 67- 1979 هي أنّ الدولة كانت تعمل على تثبيت نسيج الناتج المحلي إما عن طريق احتياطاتها من المحروقات أو بالادانة الخارجية المفرطة أو اللجوء إلى الاثنين معا لهذا فإنّ المرحلة الجديدة تحتم على الدولة البحث عن طرق جديدة ووسائل أكثر ملائمة لإقامة تنميتها المستقبلية على أسس سليمة ومتينة وهذا ما نحاول البحث عنه في المبحث الموالي.