شرح قانوني لمشروع المسطرة الجنائية المغربي

بقلـم : علال البصراوي, محام

المشروع لم يحدد فضاءات عمليات الاختراق ومجالاتها

طرحت وزارة العدل للتناقش مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير و تتميم قانون المسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه ظهير 3 أكتوبر 2002 كما تم تتمينه وتغييره بموجب القانون رقم 03-03 . ونظرا لأهمية مقتضيات قانون المسطرة الجنائية باعتبارها تمثل الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، وبالتالي لمحور مهم من محاور حقوق الإنسان، إن لم يكن أهمها على الإطلاق ، لذلك فإن طرح مسودة هذا المشروع للنقاش تحظى باهتمام بالغ من المهتمين ممارسين وحقوقيين، في هذا السياق يأتي تناولنا لمشروع المسطرة الجنائية بالمناقشة والتحليل.

يتيح هذا النظام لضابط أو عون شرطة تحت إشراف النيابة العامة ، وفي إطار البحث و القيام بمعاينة إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 108 من مشروع القانون تتبع و مراقبة الأشخاص المشتبه فيهم من خلال التظاهر أمام هؤلاء الأشخاص بأنه فاعل أو مشارك أو مساهم أو مستفيد من الأفعال الإجرامية موضوع البحث .
ويمكنه لهذه الغاية استعمال هوية مستعارة، أكثر من ذلك أنه يمكنه ارتكاب إحدى الأفعال التي تشكل جزءا من الجريمة مثل حيازة أو اكتساب أو نقل أو تسليم أو استلام ممتلكات أو أموال أو وثائق أو معلومات أو أشياء متحصلة من ارتكاب جرائم أو استخدمت لارتكاب جرائم أو معدة لارتكابها .
كما يمكنه استعمال أو وضع رهن إشارة الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم وسائل قانونية أو مالية أو وسائل نقل أو تخزين أو إيواء أو حفظ أو اتصال .

وتحدد لضابط الشرطة الذي يقوم بعملية الاختراق مدى 6 أشهر للعملية قابلة للتمديد.
ويعفى من المسؤولية الجنائية الضابط المعني بالأمر بمناسبة مباشرته للعمليات المذكورة، وكذلك الأشخاص الذين تمت الاستعانة بهم لانجاز عملية الاختراق.
ومنح الضابط الذي يقوم بالعملية نوعا من الحصانة حماية له، إذ لا يمكن الكشف عن هويته الحقيقية في أية مرحلة من مراحل العملية ومن قام بذلك يعاقب بالحبس لمدة تصل خمس سنوات وغرامة.
وإذا نتج عن كشف هويته إيذاء له أو لأحد أصوله أو فروعه أو زوجه، فإن العقوبة قد تصل إلى عشرين سنة .
ذلك هو مضمون عملية الاختراق التي قد يقوم بها ضابط أو عون شرطة قضائية .

لكن المشروع لم يكتف في ذلك بأن خول الأمر للشرطة القضائية الوطنية بل أن الباب الثاني مكرر من المشروع ( المواد 1-713 و ما بعد ) أتاح لضباط الشرطة القضائية الأجانب أن يباشروا عمليات الاختراق فوق التراب الوطني في إطار البحث عن الجرائم الذي يقومون به لحساب دولهم . و هو الأمر الذي يثير أكثر من سؤال .

إن نظام الاختراق كما هو واضح، يتعلق بمنهجية عملية للبحث في الجرائم مفهوم مبررات اللجوء إليها في هذا الوقت، الذي تقوت فيه التنظيمات الإجرامية وأصبحت تستعمل تقنيات متطورة لتنفيذ أعمالها.
لكن صحة المبرر لا تعني سلامة الوسيلة، خاصة لما تكون أعمال جهاز الشرطة تتعرض دائما للانتقاد، وجلسات المحاكم أحسن دليل على ذلك، إذ لا تخلو جلسة من احتجاج المتهمين ودفاعهم على مضامين محاضر الضابطة القضائية وكيف تم تحريرها، وكيف تم انتزاع الاعترافات المضمنة بها .

ولعل هذا هو ما دفع اليوم إلى التفكير في استعمال الوسائل التقنية لمراقبة عمل الضابطة أثناء الاستماع للمشتبه فيهم . فإذا كان الحال كذلك، كيف يمكن الاطمئنان إلى عمل ضابط أو عون شرطة سيغير هويته ويتنكر في هوية أحد المجرمين للقيام بأعمال قد تكون هي نفسها إجرامية للتحقيق والبحث ؟

علما بأنه سيكون له مطلق الحرية في الحركة والعمل ، وله أن يستعين حتى بأشخاص آخرين في عمله ذاك.
وحتى لو قيل أن ذلك سيكون تحت مراقبة النيابة العامة، فإن تلك المراقبة لن تكون لها أي فعالية من الناحية العملية لاعتبارات كثيرة …

علما بأن المشروع لم يحدد فضاءات عمليات الاختراق أو مجالاتها، بل حدد فقط الجرائم التي يمكن اعتماد نظام الاختراق للبحث فيها ( جريمة منظمة، تكوين عصابة إجرامية، غسل الأموال، الرشوة، استغلال النفوذ ، اختلاس أو تبديد المال العام … )
ومعلوم أن مثل هذه الجرائم يمكن أن تقع في أي فضاء أو في أي مجال، وبالتالي، فإن عملية الاختراق يمكن أن تقع في أي مجال : شركات، مؤسسات، أحزاب ، جمعيات …

وخطورة الأمر تتسع حين سمح المشروع بعمليات اختراق يقوم بها ضباط شرطة أجانب على التراب الوطني لفائدة دولهم .
وحتى لو تم ذلك تحت مراقبة النيابة العامة أو أي جهة أخرى، فإن ذلك لن يمنع المخترق من الوصول إلى المعلومات التي يسعى إليها حتى ولو لم تتعلق بموضوع الجريمة التي يبحث فيها، وذلك بالنظر إلى تطور الوسائل الحديثة في الاطلاع والنسخ والتصوير والإرسال .

وكيفما كان حال مراقبة هذا العمل وأهدافه والمبررات الكامنة وراء هذا النظام ككل، فإنه بالتأكيد يعتبر ماسا بالحياة الشخصية للأفراد إذ يجعلهم يتعاملون مع شخص بهوية غير حقيقية من خلالها يقتحم حياتهم .
كما أن ضمانات المراقبة كي تتم العملية وفقا للقانون تكاد تكون منعدمة، علما بأن العملية كلها أمنية وليست قضائية .

2- نظام الامتياز القضائي :
من الأنظمة التي كرسها مشروع المسطرة الجنائية : الامتياز القضائي، ويتعلق الأمر بالحكم في الجنايات أو الجنح المنسوبة لبعض القضاة أو الموظفين وفق مسطرة خاصة سماها المشرع نفسه في الباب الثاني من المسطرة: قواعد الاختصاص الاستثنائية في الفصول 264 وما بعد .
و إذ تجدر الإشارة إلى أن مصطلح « الامتياز القضائي» هو مصطلح فقهي متعارف عليه، وإن المشرع لم يورد أي تعريف له، فإن هذا النظام يعني أساسا تمتيع بعض القضاة وبعض الموظفين ورجال السلطة بإجراءات خاصة في البحث والتحقيق معهم ومحاكمتهم إذا نسب لهم ارتكاب جرائم .
وقد اعتبر دائما هذا النظام مخلا بالمساواة أمام العدالة وكان دائما منتقدا من قبل الحقوقيين .
و جاء مشروع المسطرة الجنائية الحالي مكرسا هذا النظام في المواد 1-264 و ما بعد ليمتع المستفيذين منه بإجراءات خاصة أمام العدالة .