قد يقتضي الأمر لحسن تطبيق العدالة أتخاذ أجراء خارج حدود السلطة القضائية لدولة ما، وليست هناك مشكلة إذا كان ذلك الأجراء المطلوب أتخاذه داخل الدولة الواحدة، خلافاً لما، إذا كان الأجراء القضائي مطلوب أتخاذه خارج الدولة ولعل الصعوبات التي تنشأ عن ذلك يمكن تجاوزها وحلها الحل الأمثل إذا ما وفق بين أعتبارين هامين هما:

1- مبدأ أحترام السيادة الأقليمية لكل دولة(1)، فلا يمكن لقاضي أن يأتمر بنصوص قانونية صادرة من مشرع أجنبي، كذلك فأن القاضي الوطني لا يلزم بتنفيذ طلب مقدم من سلطة قضائية أجنبية.

2- أن تحقيق العدالة يتطلب من المحكمة التي تنظر الدعوى أن تفحص وتدقق الأدلة كافة التي تفيدها في الأثبات وأستجلاء الحقيقة في هذا الشأن. إن التوفيق بين الأعتبارين أعلاه يحتم وجود نوع من المساعدة المتبادلة بين الدول ولكن هذه المساعدة لا تعني بالضرورة الأنتقاص من سيادة الدول على أقاليمها ولا التنازل عنها (أي عن السيادة) للدولة طالبة الإنابة القضائية(2).

الأصل أن المحاكم الأجنبية غير ملزمة بتنفيذ الإنابة القضائية إلا إذا كان قانونها الداخلي يلزمها بذلك أو كانت تلك الدولة ملتزمة بموجب أتفاقية دولية بذلك. وعليه فأن أساس الإنابة القضائية هو المجاملة الدولية، وهذه عبارة عن مجموعة من العادات تسير عليها الدول على سبيل المجاملة لتسير العلاقات فيما بينها وذلك دون أي ألتزام قانوني أو أخلاقي يقع عليها(3). لذا فقواعد المجاملة الدولية ليست ملزمة وأنما تحتمها حسن النية واللياقة في العلاقات بين الدول بعضها ببعض ويكمن السبب الرئيس لقواعد المجاملة الدولية على الصعيد الدولي في الرغبة في زيادة أواصر الود بين الدول وزيادة وشائج وتيارات التعامل بين أشخاص القانون الدولي(4).

لذا فأن عدم مراعاة قواعد المجاملة الدولية لا يؤدي إلى تفعيل المسؤولية الدولية على عاتق تلك الدولة ولا يمكن عده من الأعمال غير المشروعة في القانون الدولي ولكن مع ذلك قد تترتب آثار سيئة على الدولة التي لم تطبق قواعد المجاملة الدولية إذ قد تقابل بالمعاملة بالمثل وقد يؤدي عدم مراعاة القواعد المذكورة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول المعنية. ويمكن أن يكون طلب الإنابة القضائية الدولية ملزماً إذا كان التشريع الداخلي للدولة المنابة يلزم سلطاتها بذلك من خلال المعاملة بالمثل كما يمكن أن تكون الإنابة ملزمة بموجب الأتفاقيات الدولية التي تعقدها الدول. وبالنسبة للمعاملة بالمثل(5). فأنه يفيد الأتفاق على تمتع السلطات القضائية لدولة ما بخصوص طلب الإنابة القضائية للدولة الأجنبية سواء تم ذلك تشريعياً بموجب القوانين واللوائح المطبقة أو بالنظر إلى المعاملة من حيث الواقع، فالمعاملة بالمثل بموجب القوانين عندما ينص القانون في كلتا الدولتين على الحق المراد التمتع به ويتميز هذا النوع من المعاملة بالمثل بسهولة أثباته إذ من السهل الرجوع إلى قوانين الدول لمعرفة هذا الحق، ولكن يعاب على هذه النوع أن بعض الدول يشترط أن تكون المعاملة بالمثل تامة الحق بين الطرفين.

كذلك يمكن أن تكون المعاملة بالمثل واقعياً، وذلك عندما تعامل الدولة في هذا المجال بايجابية إذا كانت سلطاتها القضائية تحصل على ذلك الحق في تلك الدولة الأجنبية فعلاً، دون وجود نص تشريعي في تلك الدولة أو أتفاقية بين هاتين الدولتين، ولكن يؤخذ على هذا النوع الصعوبة المتحققة من وجوده إذا ما تغير أتجاه الدولة. دون أن تعلم الدولة الأخرى التي تأخذ بمبدأ التبادل الواقعي بهذا التغيير(6). لأهمية الإنابة القضائية في العلاقات الخاصة الدولية فقد أتجهت الدول إلى تنظيم أحكامها في أتفاقيات التعاون القضائي أو القانوني فيما بينها على شكل أتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف(7). وبموجب هذه الأتفاقيات أصبحت الدول الأطراف فيها ملزمة بتنفيذ طلب الإنابة القضائية المطلوبة من الأطراف المتعاقدة الأخرى وبالشروط و الطرائق التي تنص عليها، وفي حالة رفض دولة متعاقدة تنفيذ طلب الإنابة -في هذه الحالة- وبدون سند قانوني فأنها تتحمل المسؤولية الدولية الناشئة عن هذا الرفض وذلك لأخلالها بألتزاماتها الدولية التي ألتزمت بها.

__________________

1- لقد ظهرت تعريفات متعددة للسيادة عند الفقهاء القانون الدولي، إذ عرف كونسي رايت (Quincy Wright) السيادة بأنها المركز القانوني لوحدة تخضع للقانون الدولي وتعلو على القانون الداخلي، وعند ستارك ((Starke فأن السيادة هي السلطة التي تمتلكها الدولة في نطاق الحدود التي يرسمها القانون الدولي، وقد عرف بوتر (السيادة) بأنها لا تستبعد خضوع القضاء للقانون إذا كان أرادياً)، د. جمعة صالح حسين محمد عمر، القضاء الدولي وتأثير السيادة الوطنية في تنفيذ الأحكام الأجنبية، القاهرة، لسنة 1998، ص97.

2- وذكر الأستاذ Hute (لو أن كل دولة لا تستطيع أن تعتمد على التعاون والتعاضد القضائي الدولي المناسب، سيكون من المستحيل عملياً على أي دولة التملص من ضرورة هذا التعاون والتعاضد القضائي وخصوصاً أن هذه الدولة يجب عليها أحترام متطلبات العدالة الحقيقية حينئذ سيكون كل شئ معاً ضمن مصلحة الأطراف في الدعوى ومن مصلحة تحقيق العدالة من خلالها ستمتلك محاكم الدولة الوسائل اللازمة لأستقبال هذه الطلبات من الخارج) Hute، op، cit،. p. 347.

3- د. عصام العطية، القانون الدولي العام، بغداد، 1983، .ص15.

4- د. أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي العام، مطبعة دار النهضة، القاهرة، 2004، ص68.

5- د. أشرف وفا عمر، المركز القانوني للأجانب في القانون المقارن والقانون المصري، القاهرة، 2003، ص77.

6- د. أحمد أبو الوفا، مصدر سبق ذكره، ص397.

8- من أهم الأتفاقيات الجماعية في هذا الشأن أتفاقية لاهاي 1970 للحصول على الأدلة في الخارج أنظر Bernard Audit، op، cit، p. 348. وكذلك د. هشام علي صادق، مصدر سبق ذكره، ص25.

المؤلف : عبد المطلب حسين عباس الموسوي
الكتاب أو المصدر : الانابة القضائية في القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص36-39

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .