ملاحظات على صياغة قانون الأونسترال النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات لسنة 1994

1- نظرة عامة

في 16 تموز/يوليه 1993، اعتمدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقانون التجاري الدولي (الأونسترال) القانون النموذجي في شأن التعاقد على السلع والإنشاءات لسنة 1993 بهدف مساعدة الدول على إصلاح قوانينها المتعلقة بإجراءات التعاقد وتحديثها. وتضمّن القانون النموذجي إجراءات ترمي إلى تحقيق أهداف المنافسة والشفافية والإنصاف والموضوعية في عملية التعاقد، وبالتالي مزيد من الاقتصاد والكفاءة في تلك العملية. وأصبح هذا القانون النموذجي متاحا لتستخدمه الدول التي ترغب في سنّ تشريعات تنظم عملية التعاقد، سيما، من قبل الجهات الحكومية. لكن اقتصر نطاق تطبيق القانون على التعاقد على السلع والإنشاءات، وأغفل تماما التعاقد على الخدمات.

وفي قرارها رقم 48/33 الصادر في 1 فبراير 1994، أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول بأن تأخذ بعين الاعتبار قانون الأونسترال النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات لسنة 1993 عندما تسن أو تنقح قوانينها الخاصة بالعقود الحكومية وذلك من أجل تحسين تلك القوانين وتوحيدها. كما أوصت ببذل كل الجهود اللازمة لضمان إعلان وإتاحة القانون إلى جانب دليل القانون على نطاق عام.

وفي 15 حزيران/يونيه 1994، أدخلت الأونسترال تعديلا جوهريا على القانون النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات بحيث أصبح يشمل أيضا التعاقد على “الخدمات”، ومن ثم، صدر قانون الأونسترال النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات لسنة 1994 على أساس أن بعض الجوانب المتعلقة بالتعاقد على الخدمات تخضع لاعتبارات تختلف عن تلك المعمول بها في التعاقد على السلع والإنشاءات. وبالتالي، اشتمل القانون النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات لسنة 1994 على التغييرات التي أُدخلت على القانون النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات لسنة 1993 بحيث يشمل التعاقد على الخدمات، دون أن يحلّ محلّ القانون السابق.

وفي قرارها رقم 49/54 الصادر في 17 فبراير 1995، أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن وضع أحكام تشريعية نموذجية للتعاقد على الخدمات تحظى بقبول الدول التي تطبق مختلف النظم القانونية والاجتماعية والاقتصادية يسهم في إرساء علاقات اقتصادية دولية منسجمة، كما أشارت غلى اقتناعها بأن إدراج أحكام تشريعية نموذجية في شأن الخدمات في نص موحد يتناول التعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات معا سيساعد جميع الدول بشكل كبير على تعزيز قوانين العقود فيها. وأوصت الجمعة العامة الدول بأن تأخذ بعين الاعتبار قانون الأونسترال النموذجي للتعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات لسنة 1994 عندما تسن أو تنقح قوانينها الخاصة بالعقود الحكومية وذلك من أجل تحسين تلك القوانين وتوحيدها. كما أوصت ببذل كل الجهود اللازمة لضمان إعلان وإتاحة القانون إلى جانب دليل القانون على نطاق عام.

2- السمات الرئيسة للقانون

ميز قانون الأونسترال للتعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات لسنة 1994 (“القانون النموذجي”) بين التعاقد على السلع والإنشاءات، والتعاقد على الخدمات من جهة الأساليب المستخدمة في التعاقد. وفي حالة التعاقد على السلع والإنشاءات، فإن أسلوب المناقصة هو الأسلوب الأساسي للشراء وفقا لقانون اليونسترال. ومع ذلك، تضمن القانون وسائل أخرى بديلة يمكن اللجوء إليها بشروط معينة ، وهذه الوسائل هي: المناقصة على مرحلتين ، وطلب تقديم اقتراحات ، والتفاوض التنافسي. وبالإضافة إلى ذلك، حدد القانون الشروط الواجب التقيد بها في حالة استخدام أساليب المناقصة المحدودة، وطلب عروض الأسعار، والأمر المباشر (الشراء من مصدر وحيد).

أما في حالة التعاقد على الخدمات (الذهنية)، ينصح قانون الأونسترال باستخدام أسلوب التماس الاقتراحات أو، إذا كان معمولا بذلك، أسلوب الإثبات المسبق للأهلية كأسلوب رئيس للتعاقد. وفي الحالتين يُنشر إعلان بطلب التعبير عن الاهتمام بتقديم الاقتراح أو طلب الإثبات المسبق للأهلية. واستثناء من ذلك، أجاز القانون استخدام أسلوب الالتماس المباشر إذا كان ذلك ضروريا لأسباب تتعلق بالاقتصاد والكفاءة وجعل ذلك رهنا بموافقة سلطة تحددها الدولة المتعاقدة في حالات معينة (إذا كانت الخدمات المراد التعاقد عليها لا تتوفر إلا لدى عدد محدود من الموردين أو المقاولين؛ أو إذا كان الوقت والتكلفة اللازمان لدراسة وتقييم عدد كبير من الاقتراحات غير متناسبين مع قيمة الخدمات؛ أو إذا كان الالتماس المباشر هو الوسيلة الوحيدة لكفالة السرية أو لازما لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية).

وحدد القانون ثلاثة أساليب لإجراءات اختيار المتعاقد: الأولى؛ الاختيار بدون تفاوض، والثانية؛ المفاوضات المتزامنة، والثالثة؛ المفاوضات المتتابعة. وفي جميع الأحوال، ينبغي على الجهة المتعاقدة، قبل استخدام أي من هذه الأساليب، أن تحدد درجة دنيا للكفاءة الفنية للعروض المقدمة بصرف النظر عن السعر، ثم تقارن بعد ذلك بين أسعار الاقتراحات التي حصلت على الدرجة الدنيا أو درجة أعلى.

وأجاز القانون للجهة المتعاقدة اللجوء إلى فريق محايد من الخبراء الخارجيين في إجراء الاختيار.

3- تنظيم القانون

يتكون القانون من قائمة محتويات، وديباجة، ثم، متن القانون مقسم إلى ستة (6) فصول تتضمن 57 مادة.

وأول ما يلفت الانتباه هو وجود قائمة محتويات في صدر القانون النموذجي. وبالتأكيد، يسهم وجود هذا القانون في زيادة توضيح مضمون القانون وتسهيل التعرف على محتوياته والتوصل إلى أي حكم فيه. وتجدر الإشارة إلى أن تقليد إدراج قائمة محتويات في النص الرسمي للقانون غير مألوف في معظم الدول العربية بل في دول نظام التقنين المدني بشكل عام. ولا يوجد ما يمنع من اعتماد هذا الأسلوب في الدول العربية.

والملاحظة الثانية، هي وجود ديباجة (تمهيد) في صدر القانون النموذجي تشرح أسبابه وأغراضه. وعلى عكس نظام التقنين المدني، كانت الديباجة تستخدم في نظام القانون الأنجلو-ساكسوني لشرح الأسباب التي دعت إلى إصدار القانون. وفي بريطانيا، كانت القوانين العامة public acts في الماضي تتضمن ديباجة طويلةpreamble لشرح الأسباب التي دعت إلى إقرار القانون. ولا تزال هذه الديباجة مهمة في القوانين الخاصة private acts[1]. وفي النظام القانوني الأنجلو-ساكسوني، تأخذ الديباجة عادة سلسلة جمل تبدأ كل جملة منها بعبارة “حيث إن” Whereas .

وقد استبدلتبالديباجة الآن في القوانين العامة في إنجلترا مادةتسمى “بيان المبادئ” statement of principles ، أو “بيان الأهداف” statement of objectives أو “بيان النتائج” statement of findings . وقد أوصت ” لجنة رينتون لإصلاح القانون ” بالتوسع في استخدام مادة “بيان المبادئ” لتوضيح القصد التشريعي. وذكرت اللجنة أنه عندما يعلن القانون أسبابا جديدة، أو يغير ممارسات أساسية، أو أعراف، أو قانون سائد، يكون من الأفضل بالنسبة للقارئ والمشرع أيضا أن يتم توضيح أهداف القانون أو مبادئه في شكل “بيان للمبادئ” statement of principles بدلا من توضيح ذلك في العنوان الطويل للقانون long title ، أو في الديباجة preamble ، أو “دفنه” في سياق القانون ككل[2].

وعلى عكس النظام الأنجلو-ساكسوني، لا تستخدم الديباجة في نظام التقنين المدني لشرح أهداف القانون وأسبابه، بل تستخدم لتدل على أن الجهة التي أعدت مشروع القانون مخولة قانونا لإصداره، وأنها اطلعت على كل القوانين والمراسم (القرارات) ذات الصلة.

وتتكون عناصر الديباجة الرئيسة، في نظام التقنين المدني، مما يأتي:

أ. اسم المسئول المخول وفقا للدستور بإصدار القانون (في حالة القانون الاتحادي، رئيس الدولة). وتأخذ هذه العبارة الصيغة التالية “نحن ××× رئيس دولة ××××”.

‌ب. عبارة تفيد اطلاع المخول بإصدار القانون على النص الدستوري الذي يمنح سلطة إصداره. وتأخذ هذه العبارة الصيغة التالية “بموجب السلطات المخولة لنا بموجب المادة (أو المواد) …… من الدستور”.

‌ج. عبارة تفيد اطلاع المخول بإصدار القانون على التشريعات التي ينبني عليها مشروع القانون أو التي سبقته فيما يتعلق بموضوعه. وتأخذ هذه العبارة الصيغة التالية “بعد الاطلاع علي القانون رقم ×× لسنة ×× في شأن ××، والقانون…”.

‌د. عبارة تفيد الاطلاع على ما عرضه الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء وأية موافقات سابقة على إصدار القانون.

مما سبق، يتضح لنا أن القانون النموذجي أخذ بمفهوم الديباجة في النظام الأنجلو-ساكسوني، لكن هذا الأسلوب، كما سبقت الإشارة، عفا عليه الزمن ولم يعد مستخدما حتى في الدولة التي شهدت نشأته؛ وهي بريطانيا.

والملاحظة الثالثة تتعلق بتنظيم القانون النموذجي. ويُقسم القانون النموذجي إلى ستة (6) فصول على النحو الآتي:

الفصل الأول: أحكام عامة

الفصل الثاني: أساليب التعاقد وشروط استخدامها

الفصل الثالث: إجراءات المناقصة

الفرع الأول: التماس العطاءات وطلبات الإثبات المسبق للأهلية

الفرع الثاني: تقديم العطاءات

الفصل الرابع: الأسلوب الرئيس للتعاقد على الخدمات

الفصل الخامس: الإجراءات الخاصة بأساليب التعاقد البديلة

الفصل السادس: إعادة النظر

ومن اللافت للنظر عدم وجود نموذج يُحتذى به في تنظيم القانون يمكن القياس عليه في أي قانون آخر، بل لا يوجد خيط واضح يبين طريقة تقسيم القانون وتصنيفه وتتابع فصوله. وباستثناء الفصلين الأول والثاني، لا يوجد منطق واضح في تقسيم الفصول من الثالث حتى الخامس. على سبيل المثال، الفصل الثالث مخصص لإجراءات المناقصة بعد الفصل الثاني المخصص لأساليب التعاقد. ومن ثم، يكون المنطق وراء التقسيم هو أساليب التعاقد. ويترتب على هذا المنطق، توقع أن يتم ترتيب باقي الفصول على حسب أساليب التعاقد مادام قد تم اتباع هذا المنطق في التقسيم. على سبيل المثال، يمكن تقسيم القانون على النحو الآتي:

الفصل الأول: أحكام عامة

الفصل الثاني: أساليب التعاقد وشروط استخدامها

الفصل الثالث: المناقصة (باعتبارها الأسلوب الأصلي للتعاقد)

الفصل الرابع: الأساليب البديلة للمناقصة

إلخ.

لكن ذلك لا يحدث. وبدلا من ذلك، يتبع الفصل الرابع في القانون النموذجي منطقا آخر تماما في تقسيم القانون؛ وهو التقسيم على حسب موضوع التعاقد. لاحظ أن منطق التقسيم في الفصل الثالث كان أسلوب التعاقد وليس موضوع التعاقد. ويقتضي منطق التقسيم على حسب موضوع التعاقد، تقسيم القانون، على سبيل المثال، إلى ما يلي:

……………..

الفصل الثالث: التعاقد على السلع

الفصل الرابع: التعاقد على الإنشاءات

الفصل الخامس: التعاقد على الخدمات

إلخ.

أو، إذا كانت أساليب التعاقد المستخدمة في حالتي التعاقد على السلع والإنشاءات واحدة، يمكن التقسيم على النحو الآتي:

الفصل الثالث: شروط وإجراءات التعاقد على السلع والإنشاءات

الفصل الرابع: شروط وإجراءات التعاقد على الخدمات

إلخ.

ومن ثم، لا يقدم لنا القانون النموذجي أي نموذج يمكن ان نحذو حذوه في تنظيم قانون آخر.

والملاحظة الرابعة، تخصيص عنوان لكل مادة. ورغم إن هذا الأسلوب له مزايا عدة؛ منها تسهيل التعرف على مضمون كل مادة، وتسهيل الإحالة، وتخصيص كل مادة لفكرة واحدة، وخلافه تنشأ، عادة، مشكلة في تفسير النص التشريعي في حالة اختلاف عنوان المادة عن مضمونها؛ وما إذا كان العنوان يمكن استخدامه في تفسير مضمون نص المادة في حالة غموض النص. ويرى البعض إنه لا ينبغي أن يُستخدم عنوان المادة في تفسير النص التشريعي الذي تتضمنه نظرا إلى أن الصائغ قد لا يحدد العنوان بشكل دقيق، أو لأنه في بعض الحالات يصعب تحديد عنوان دقيق. ولذلك، ينصح هؤلاء بوضع نص وقائي في مادة “التفسيرات” ينص على أن الهدف من العناوين هو تسهيل الإحالة فقط وليس توضيح مضمون المادة. ويرى آخرون إن الربط بين عنوان المادة وتفسير مضمونها من شأنه أن يجعل الصائغ أكثر دقة في صياغة عناوين المواد، والأهم، إن ذلك يجعله يلتزم بقاعدة الموضوع الواحد؛ والتي توجب تناول فكرة واحدة أو موضوعا واحدا في كل مادة.

وفي رأينا، إن عناوين المواد ينبغي أن تحقق كلا الهدفين؛ وهما: تسهيل التعرف على مضمون المادة وفي الوقت نفسه ضمان أن يعكس عنوان المادة مضمونها بدقة. وهذه هي مهمة الصائغ الماهر.

4- اختلاف المصطلحات

أول مشكلة تواجه صائغ القانون النموذجي هي اختلاف المصطلحات المستخدمة في القوانين المختلفة التي يهدف القانون إلى توحيدها أو التوفيق بينها. وعلى المستوى الدولي، يُضاف إلى مشكلة اختلاف المصطلحات مشكلة أخرى وهي مشكلة الترجمة الفنية. وسنتناول فيما يأتي كل مشكلة على حدة.

ومثال على مشكلة المصطلحات، مصطلح “الخدمات” services . فقد تكون الخدمة تبعية incidental كالخدمات التي تصاحب الإنشاءات مثل عمل الحُفر، ورسم الخرائط، والتصوير بالقمر الاصطناعي، والاستقصاءات المتعلقة بالزلازل، وما إلى ذلك من الخدمات التي تقدم بموجب العقد الأصلي الذي يتم بطريق المنافسة. وفي هذه الحالة تسري عليها ما يسري على الإنشاءات من جهة الأسلوب المستخدم لاختيار المتعاقد، إذا كانت قيمة هذه الخدمات لا تتجاوز قيمة الإنشاءات نفسها.

وقد تكون الخدمات مستقلة independent services ؛ بمعنى أنها قائمة بذاتها ولا تتعلق بأي عمل آخر. بل إن الخدمات المستقلة نفسها قد تكون “مادية” physical ، وقد تكون “ذهنية” intellectual . ومثال لعقود “الخدمات المستقلة المادية”، عقود النقل والحراسة والنظافة وتغذية العاملين، وخلافه. ومثال لعقود “الخدمات المستقلة الذهنية”، عقود الخدمات الاستشارية، وبحوص السوق، ودراسات الجدوى، وخلافه.

وبالطبع، سيختلف أسلوب التعاقد على حسب نوع الخدمة المتعاقد عليها. ففي حالة التعاقد على خدمة نظافة، مثلا، يمكن استخدام أسلوب “المناقصة المحدودة”، طبعا في حدود الأسقف المالية المحددة. أما في حالة التعاقد على تصميم مطار، مثلا، فلا يمكن اتباع هذا الأسلوب. بل ينبغي استخدام أسلوب للتعاقد من الأساليب التي نص عليها قانون الأونسترال (التماس الاقتراحات أو الإثبات المسبق للأهلية، أولا، ثم الاختيار بدون تفاوض، أو باستخدام مفاوضات متزامنة، أو مفاوضات متتابعة، أو حتى عن طريق اللجوء إلى فريق محايد من الخبراء الخارجيين لإجراء الاختيار.

ومن الملاحظ أن قانون الأونسترال قد ركز على “الخدمات التبعية” و “الخدمات الذهنية”، لكنه أهمل “الخدمات المادية المستقلة”.

ومثال على اختلاف المصطلحات في القوانين التي تنظم العقود الحكومية في الدول العربية، حالة “التعاقد مع مصدر وحيد” single-source procurement ، وحالة “التماس عروض أسعار” shopping . وفي الحالة الأولى، يجوز للجهة المتعاقدة أن تتعاقد مباشرة، دون اتخاذ إجراءات تنافسية، مع مصدر وحيد في حالات استثنائية تقترن عادة بالسلع أو الإنشاءات أو الخدمات ذات الطبيعة المعقدة والحالات العاجلة والكوارث، وإذا لم تتوافر السلع أو الإنشاءات أو الخدمات إلا لدى مورد أو مقاول أو متعهد معين ولا يوجد بديل أو سبيل آخر مقبول. أما في الحالة الثانية، فيستخدم أسلوب “التماس عروض الأسعار” في حالة السلع المتوفرة في المخازن أو ذات المواصفات النمطية والقيمة الصغيرة، أو الأشغال المدنية البسيطة ذات القيمة الصغيرة بحد أدنى معين للعروض المقدمة. والفرق ين الحالتين شاسع جدا.

وفي العالم العربي، تستخدم بعض الدول مصطلح واحد للدلالة على الحالتين. ومثال ذلك، مصر ودبي (الاتفاق المباشر)، والبحرين والسعودية (الشراء المباشر)، وعُمان (الإسناد المباشر)، وأبوظبي (الأمر المباشر). وفضلاً عن استخدام مصطلح واحد للدلالة على الحالتين، لاحظ أيضا استخدام أربعة مصطلحات مختلفة: الاتفاق، الشراء، الإسناد، الأمر.

وفي العراق، يُستخدم مصطلحان للدلالة على الحالة الأولى فقط؛ وهما: مصطلح “الدعوة المباشرة” (في حالة العقود ذات الطابع التخصصي أو حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية، إلخ.)، ومصطلح “العطاء الواحد” أو “العرض الوحيد” (في حالة العقود ذات الطبيعة الاحتكارية).

وفي سوريا والأردن، يستخدم مصطلح لكل حالة؛ في الحالة الأولى (حالة التعاقد مع مصدر وحيد)، يُستخدم مصطلح “التعاقد بالتراضي”، وفي الأردن مصطلح “الشراء المباشر”، على حين يُستخدم في الحالة الثانية (التماس عروض الأسعار)، مصطلح “الشراء المباشر” في سوريا، ومصطلح “التلزيم بالتفاوض” في الأردن.

ومن الواضح جليا أن هذا المشهد الفسيفسائي العجيب سيؤدي إلى صعوبة بالغة عند وضع قانون نموذجي للدول العربية في شأن العقود الحكومية؛ إذ أن أي مصطلح سيتم اختياره حتما سيكون غير مألوف في دولة، أو ربما دول، أخرى.

وفي القوانين النموذجية الدولية التي توضع لتحقيق الانسجام بين قوانين دول مختلفة، قد تخلق أخطاء الترجمة مشكلات كبيرة تؤثر حتى على مضمون القانون. ومثال ذلك، مادة (1)، فقرة (1)، في النسخة العربية للقانون النموذجي والتي تنص على أن القانون ينطبق “على كل اشتراء تقوم به الجهات المشترية للسلع….” وتجدر الإشارة إلى أن نصوص الأونسترال تصدر باربع لغات معتمدة؛ من بينها اللغة العربية. وبعبارة أخرى، لا يُعتبر أي خطأ في النص العربي منسوبا إلى الترجمة، لأن النص يعتبر أصليا كما لو كان قد صدر باللغة العربية. وفي النص العربي، استخدمت عبارة “كل اشتراء…..للسلع”، على حين، في النص الإنجليزي، استخدمت فقط كلمة procurement ومعناها “التعاقد بطريق المنافسة” دون ذكر كلمة “السلع”. وبعبارة أخرى، بموجب النص الإنجليزي، يسري القانون النموذجي على التعاقد على السلع والإنشاءات والخدمات، على حين أنه بموجب النص العربي، لا يسري إلا على السلع!!

5- نطاق التطبيق

من الضروري أن يتضمن أي مشروع قانون، مادة أو أكثر تحدد نطاق تطبيقه. ويمكن تقسيم نطاق التطبيق إلى ثلاثة أنواع؛ مكاني، وموضوعي، وشخصي. ويُقصد بنطاق التطبيق المكاني، المناطق التي سيطبق فيها القانون. ومن المفترض أن كل قانون يطبق في كل أراضي الدولة، ما لم ينص القانون على غير ذلك. ويُقصد بالنطاق الموضوعي، الأشياء محل القانون؛ أي التي سيُطبق عليها القانون. ومثال ذلك، قانون العقود الحكومية الذي يُطبق على السلع والإنشاءات والخدمات وفق تعريف كل منها. لاحظ أن قانون الأونسترال النموذجي لسنة 1993 لم يكن يشمل الخدمات. أما النطاق الشخصي، فيُقصد به الأشخاص أو الفئات أو الجهات التي سيسري عليها القانون. ومثال ذلك، في قانون العقود الحكومية، هل ستخضع شركات القطاع العام للقانون، أم لا؟

وعند وضع قانون نموذجي، يعتبر نطاق التطبيق من المسائل التي لا يمكن وضع نص موحد فيها يسري على كل الدول. وفي الوقت نفسه، لا يمكن ترك هذه المسألة للدول دون وضع ضوابط أو معايير أو قواعد تضمن عدم التمييز دون مبرر بين فئات المجتمع عن طريق تطبيق القانون على فئات معينة واستبعاد فئات أخرى من نطاق تطبيقه. ولذلك، يفضل عدم تحديد نطاق كامل للفئات التي يسري عليها القانون، وترك مسألة تحديد الفئات المستبعدة من نطاق التطبيق لكل دولة، وفي الوقت نفسه ينبغي وضع قواعد أو معايير أو ضوابط أو قواعد تمنع حدوث تمييز دون مبرر.

وقد صيغت مادة (1) “نطاق التطبيق” من القانون النموذجي كما يأتي:

“مادة 1- نطاق التطبيق

1- ينطبق هذا القانون على كل اشتراء تقوم به الجهات المشترية للسلع، ما لم تنص الفقرة (2) من هذه المادة على خلاف ذلك.

2- مع مراعاة أحكام الفقرة (3) من هذه المادة، لا ينطبق هذا القانون على:

(أ) الاشتراء المتصل بالدفاع الوطني أو الأمن الوطني؛

(ب) (يجوز للدولة المشرعة أن تحدّد في هذا القانون أنواعا أخرى من الاشتراء تستبعدها من نطاق تطبيق القانون)؛ أو

(ج) اشتراء سلعة مستبعدة بموجب لوائح الاشتراء.

3- ينطبق هذا القانون على أنواع الاشتراء المشار إليها في الفقرة (2) من هذه المادة في الحالات وفي الحدود التي تعلن فيها الجهة المشترية ذلك صراحة للمورِّدين والمقاولين عندما تطلب منهم، للمرة الأولى، المشاركة في إجراءات الاشتراء.”

وإذا أمعنا النظر في صياغة المادة (1) أعلاه، نجد أنها تنص، من حيث المبدأ، على شمول القانون لجميع أشكال التعاقد، مع الإقرار في الوقت نفسه بأن الدولة المشرعة يجوز لها أن تعفي أنواعا معينة من التعاقد من نطاق تطبيقه. وقصر القانون النموذجي الاستثناءات من نطاق تطبيقه فقط على حالة التعاقد المتصل بالدفاع الوطني أو الأمن الوطني، والحالات التي ينص عليها القانون نفسه أو اللائحة التنفيذية، وأوجب وضع القانون واللائحة في متناول الجمهور (مادة-5) لضمان ألا تتم الاستثناءات على نحو سرى أو غير رسمى. بل إن القانون النموذجي، وفق الفقرة (3)، رغم الاستثناء الوارد فى الفقرة (أ) بخصوص التعاقد المتصل بالدفاع أو الامن الوطنيين، شجع الدولة المشرعة التى هى على استعداد بصفة عامة لتطبيق القانون النموذجي على هذا النوع من الاشتراء، أن تفعل ذلك.

بيْد أن مادة (1) “نطاق القانون” في القانون النموذجي اقتصرت على النطاق الموضوعي، ولم تتناول النطاق الشخصي بل تركته لتعريف مصطلح “الجهة المشترية” في مادة (2) “التعاريف”.

وفي رأينا، أنه كان من الأفضل إدراج نطاق التطبيق الموضوعي ضمن مادة “نطاق التطبيق” وليس ضمن مادة التعاريف، لأن تحديد نطاق التطبيق حُكم موضوعي، ومن ثم، ينبغي عدم إدراجه ضمن التعاريف بل ضمن مادة نطاق التطبيق.

6- المرونة في وضع القواعد

تجنب القانون النموذجي وضع قواعد جامدة تسري على مختلف الدول، واتبع أسلوبا مرنا في الصياغة. ومثال ذلك ما نص عليه القانون النموذجي في تعريف “الجهة المشترية” والذي ينص على ما يلي:

“مادة (2-ب)

يُقصد بمصطلح “الجهة المشترية”:

1. الخيار الأول:

أي إدارة أو جهاز أو هيئة أو وحدة حكومية أخرى، أو أي شعبة متفرّعة عنها، تضطلع بالاشتراء في هذه الدولة باستثناء …؛ (و)

الخيار الثاني:

أي إدارة أو جهاز أو هيئة أو وحدة أخرى، أو أي شعبة متفرّعة عنها، تابعة لـ (“الحكومة” أو مصطلح آخر مستخدم للإشارة إلى الحكومة الوطنية للدولة المشرعة) تضطلع بالاشتراء باستثناء …؛ و

2. (يجوز للدولة المشرعة أن تدرج في هذه الفقرة الفرعية، وعند الاقتضاء، في الفقرات الفرعية التالية، جهات أو مؤسسات أخرى، أو فئات منها، كي يشملها تعريف “الجهة المشترية”)”

وبشكل عام، يشمل القانون النموذجي فى المقام الأول التعاقدات التي تدخل فيها الوحدات الحكومية وغيرها من الجهات والمؤسسات التي تعد جزءا من القطاع العام. أما مسألة تحديد هذه الجهات فتختلف من دولة إلى أخرى ومن ثم، يُعطي القانون خيارين بشأن المستويات الحكومية التى يتعين شمولها. الخيار الأول يُدخل فى نطاق تطبيق القانون النموذجي جميع الإدارات والوكالات والأجهزة الحكومية وسواها من الوحدات ضمن الدولة المشرعة والتى تتصل بالحكومة المركزية وكذلك بالشعب الفرعية الإقليمية والمحلية أو الحكومية الأخرى للدولة المشرعة. وهذا الخيار مناسب للدول غير الاتحادية والدول الاتحادية التي بوسعها أن تشرع قوانين لشعبها الفرعية. أما الخيار الثانى فستتبناه الدول التي ستطبق القانون على أجهزة الحكومة الوطنية فقط. وفي كل خيار، أجاز القانون النموذجي للدولة المشرعة أن تستثني ما تشاء.

وفى الفقرة الفرعية (ب-2)، أجاز القانون النموذجي للدولة المشرعة أن توسع نطاق تطبيق القانون النموذجي ليشمل بعض الجهات أو المؤسسات التى لا تعتبر جزءاً من الحكومة اذا كانت لديها مصلحة فى ان تطلب من تلك الجهات إجراء تعاقداتها التنافسية وفقا للقانون النموذجي.

بيْد أن المرونة في وضع القواعد قد تؤدي، أحيانا، إلى تفريغ النص من مضمونه المقصود. ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (31-3) من القانون النموذجي والتي تنص على ما يأتي:

“ما لم يُشترط خلاف ذلك في وثائق التماس العطاءات، يجوز للمورِّد أو المقاول أن يعدّل عطاءه أو يسحبه قبل الموعد النهائي لتقديم العطاءات دون أن يسقط حقه في استرداد ضمان عطائه. ويكون التعديل أو الإخطار بالسحب ساري المفعول إذا تسلّمته الجهة المشترية قبل الموعد النهائي لتقديم العطاءات.”

والأصل في القواعد العامة، أن الموجب يجوز له أن يعدل عطائه أو يسحبه قبل أن يصل إلى علم من وُجه إليه. وخلافا لهذه القاعدة، لا تجيز معظم القوانين ذلك في حالة العقود الحكومية، بل تفرض جزاء على المقاول أو المورد الذي يعدل عطاءه أو يسحبه قبل موعد فتح المظاريف. ويتمثل هذا الجزاء في مصادرة التأمين الابتدائي. وقد قصد القانون النموذجي من هذه المادة العودة إلى القواعد العامة. ولكن، لاعتبارات المرونة، أجاز الخروج عن هذه القواعد إذا تضمن دفتر الشروط شرطا خلاف ذلك، وبالتالي، أفرع هذه المادة من مضمونها المقصود.

7. الصياغة في شكل مبادئ مجردة مقارنة بالصياغة في شكل سلوكيات

بينما تركز الصياغة القانونية، سيما في الدول التي تطبق نظام التقنين المدني، على وضع قواعد عامة ومجردة، تركز الصياغة في النظرية الحديثة للصياغة التشريعية على وضع القواعد القانونية في شكل سلوكيات توضح “من” يفعل “ماذا”. وبدلا من وضع قواعد تتصل بقيم مجردة ولا توجه الخطاب إلى أحد، تركز النظرية الحديثة على توجيه الخطاب إلى من يعنيهم القانون.

ومثال ذلك، صياغة مادة في قانون للعمل في دول نظام التقنين المدني كما يلي:

– “للعامل الحق في الحصول على إجازة…….”

وبدلا من ذلك، تفضل النظرية الحديثة صياغة المادة على هذا النحو:

– “يُعطي صاحب العمل للعامل إجازة…….”

وعند وضع أحكام في قانون نموذجي، يكون وضع أحكام في شكل مبادئ مجردة أسهل بكثير من وضع أحكام في شكل سلوكيات. وبينما تكون صياغة الأحكام في شكل قواعد مجردة ملائمة للتشريعات العامة (كالقانون المدني، مثلا)، لا تكون كذلك في القوانين العادية الاجتماعية أو الاقتصادية. ويتضح لنا ذلك من تحليل المادة (3) في القانون النموذجي على النحو التالي:

“المادة 3- الالتزامات الدولية لهذه الدولة فيما يتصل بالاشتراء [والاتفاقات الحكومية الدولية داخل (هذه الدولة)]

في حدود تعارض هذا القانون مع التزام يقع على عاتق هذه الدولة بمقتضى، أو ناشئ عن، أي:

(أ) معاهدة أو شكل آخر من الاتفاق تكون طرفا فيه مع دولة أو دول أخرى،

(ب) اتفاق أبرمته هذه الدولة مع مؤسسة تمويل حكومية دولية، أو

(ج) اتفاق بين الحكومة الاتحادية لـ [اسم الدولة الاتحادية] وأي قسم فرعي أو أقسام فرعية لـ [اسم الدولة الاتحادية]، أو بين اثنين أو أكثر من هذه الأقسام الفرعية،

فإن شروط هذه المعاهدة أو هذا الاتفاق تكون هي السارية؛ على أن يخضع الاشتراء، في كل ما عدا ذلك من نواح، لأحكام هذا القانون.”

وقد صيغت هذه المادة في شكل قاعدة تحدد الحكم في حالة تنازع القانون النموذجي مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكون الدولة المشرعة طرفا فيها (الفقرتان “أ” و “ب”). فقد تكون الدولة ملتزمة باتفاقيات أو التزامات دولية تتصل بطرق إبرام العقود الحكومية كاتفاق “الجات” في شأن المشتريات الحكومية، أو إرشادات المشتريات لأعضاء الاتحاد الاوروبى، أو إرشادات المشتريات لمؤسسات الاقراض الدولية التي تنظم إجراءات العقود التي يتم تمويل تنفيذها بأموال مقدمة من تلك المؤسسات.

وكذلك، قد يتضمن قانون العقود نصوصا تتعارض مع الاتفاقيات التي قد تكون بين الدولة الاتحادية وأي قسم فيها، أو بين اثنين أو أكثر من أقسامها الفرعية (الفقرة “ج”).

وبموجب نص المادة (3) أعلاه في القانون النموذجي، تطبق نصوص الاتفاقيات والمعاهدات، وتُطبق نصوص القانون فيما عدا ذلك.

وقد يكون إدراج حكم كهذا في قانون وطني سائغا، من وجهة نظر الصائغين التقليديين في الدول التي تطبق نظام التقنين المدني، لكنه ليس مقبولا، من وجهة نظر النظرية التشريعية الحديثة. وبدلا من التفكير في قاعدة مجردة تتناول مسألة التنازع بين القانون والاتفاقيات الدولية أو الاتحادية، سيفكر الصائغ المدرب على النظرية الحديثة ببساطة في استبعاد العقود التي تتم وفق الاتفاقيات الدولية أو الاتحادية من نطاق تطبيق قانون العقود.

والآن، لننظر إلى قوانين العقود الحكومية في بعض الدول العربية لنرى كيف تعاملت مع هذه المسألة، سواء تأثرت بالقانون النموذجي، أم لا.

1. قانون المناقصات والمشتريات الحكومية رقم 36 لسنة 2002 (البحرين)

“مادة (3):

مع عدم الإخلال بأحكام المعاهدات والإتفاقيات النافذة في مملكة البحرين، يعمل بأحكام هذا القانون في شأن تنظيم عمليات الشراء للسلع والإنشاءات والخدمات، وتسري أحكامه على جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والبلديات والجهات الحكومية التي لها موازنة مستقلة أو ملحقة والشركات المملوكة بالكامل للدولة ومجلسي الشورى والنواب، ويستثنى من نطاق تطبيقه كل من قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني وذلك بالنسبة لشراء السلع والإنشاءات والخدمات ذات الطابع العسكري أو الأمني أو السري أو التي تتطلب المصلحة العامة عدم الإعلان عنها أو عدم تطبيق الإجراءات التي ينص عليها هذا القانون.”

وبداية، تعتبر صياغة المادة (3) المذكورة أعلاه معيبة، من وجهة نظر الاتجاهات الحديثة للصياغة التشريعية؛ ويتمثل هذا العيب في أنها تجمع بين ثلاثة أفكار أو ثلاثة موضوعات. والأصل، أن المادة التشريعية ينبغي أن تركز على فكرة واحدة أو موضوع واحد. وفيما يلي الأفكار التي تتناولها هذه المادة:

1- فكرة تنازع أحكام القانون مع أحكام المعاهدات والاتفاقيات النافذة في مملكة البحرين.

2- فكرة الأمر التنفيذي الموجه من رئيس السلطة التنفيذية (الملك) إلى جميع سلطات الدولة التنفيذية للعمل بأحكام هذا القانون.

3- فكرة تحديد النطاق الموضوعي (السلع والإنشاءات والخدمات) والشخصي (وحدات الدولة التي يسري عليها) هذا القانون.

وفيما يتعلق بالفكرة الأولى، لم يؤد النص الهدف المقصود منه؛ فلا توجد لدينا قاعدة واضحة تنص على أنه في حالة التنازع تسري أحكام المعاهدات والاتفاقيات. وفيما يتعلق بالفكرة الثانية، وهي فكرة الأمر التنفيذي، فإن الأصل أنها مادة فنية مكانها مرسوم (أو، مواد) الإصدار، ومن ثم، ينبغي عدم ربطها بحكم موضوعي كذلك الذي يتعلق بنطاق السريان؛ وهي الفكرة الثالثة. وبالتأكيد، يُفضل تناول مسألة نطاق السريان في مادة مستقلة.

2. نظام المنافسات والمشتريات، المملكة السعودية رقم (م58) وتاريخ 4/9/1427هـ

“المادة التاسعة والستون:

مع مراعاة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية النافذة التي تكون المملكة طرفاً فيها، يطبق هذا النظام ولائحته التنفيذية على جميع الأجهزة الحكومية والوزارات والمصالح والمؤسسات العامة والأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة المستقلة؛ عدا الجهات التي لها نظام خاص، فيطبق عليها هذا النظام فيما لم يُنظم في أنظمتها.”

ومثل نص المادة (3) في قانون البحرين، يوجب نص المادة (69) من القانون السعودي رقم 58 لسنة 1327 هجرية، على الجهات الحكومية المتعاقدة مراعاة الاتفاقيات الدولية النافذة عند تطبيق أحكامه. ومن ثم، فلا هو وضع قاعدة عامة تحكم مسألة تنازع أحكام القانون مع الاتفاقيات والمعاهدات، ولا هو استثنى صراحة الاتفاقيات والمعاهدات من نطاق تطبيق القانون.

3. تعليمات تنفيذ العقود رقم 1 لسنة 2008 (العراق)

“المادة (2):

أولا-تسري أحكام هذه التعليمات على العقود التي تبرمها الجهات التعاقدية الحكومية (دوائر الدولة والقطاع العام) ممثلة بالوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم مع الجهات الأخرى العراقية وغير العراقية لتنفيذ مقاولات المشاريع العامة للدولة أو العقود الاستشارية أو تجهيز السلع والخدمات المتصلة بها.

ثانياً-لا تسري أحكام هذه التعليمات علىالمشاريع والعقود العامة لدوائر الدولة الممولة من المنظمات الدولية أو الإقليمية والمنفذة استناداً إلى اتفاقيات أو بروتوكولات خاصة تبرم مع الأطراف العراقية بهذا الخصوص ويمكن الاستئناس بما ورد في هذه التعليمات فيما لم يرد به نص في هذه الاتفاقيات أو البروتوكولات وبما لا يتعارض مع القواعد والضوابط المعتمدة من هذه المنظمات.”

ومن حيث الشكل، تعتبر صياغة المادة (2) من تعليمات تنفيذ العقود رقم 1 لسنة 2008 الأكثر توفيقا، لأنها حددت في فقرتها “أولا” العقود التي تسري عليها أحكام التعليمات، وفي فقرتها “ثانيا”، العقود التي لا تسري عليها.