رقابة القضاء لتنفيذ احكام التحكيم في القانون الوضعي

لا شك أن مسالة التحكيم من المسائل التى تحوز اهمية بالغة في عصرنا الحديث بيد انه في ذات الوقت تحوز مسالة تنفيذ احكام التحكيم اهمية لا تقل باى حال عن اهمية العملية التحكيمية ذاتها ، لذا ينبغى أن نقرر أن تنفيذ الاحكام الصادرة عن الهيئات التحكيمية تختلف عن الاحكام القضائية في مرحلة التنفيذ .

· ذلك أن احكام القضاء تحوز قوة التنفيذ اذا ما صدرت من محاكم الدرجة الأولي او الدرجة الثانية بحسب الاحوال حين أن احكام المحكمين لا تحوز هذه القوة الا بعد صدور اذن من القاضى المختص حين يرى البعض أن حكم المحكم يولد مشتملا على عنصر تنفيذه جبرا أي انه يولد مزودا بالقوة التنفيذية ، والصيغة التنفيذية التى يذيل بها ليست الا شكلا لترجمة هذه القوة الذاتية لحكم التحكيم . [1]

· والحق أن القاضى المختص يصدر امره بالتنفيذ لحكم التحكيم بمقتضى السلطة الولائية فالقاضى حينما يقوم بدوره هذا لا يخرج عن كونه يساعد شخصا عاديا يصدر حكما تنقصه القوة التنفيذية فيكمل القاضى دور المحكم ويسبغ على حكمه القوة التنفيذية ويجعله بذلك كالسندات التنفيذية . [2]

· وفى هذا الصدد يجب عدم الخلط – بطبيعة الحال – بين قوة التنفيذ لاحكام التحكيم وبين حجية الامر المقضى لهذه الاحكام . [3]

· وان كان هناك بعض الفقه يرسم حدودا لحجية الامر المقضى لاحكام المحكمين حيث يقصرها على تمسك اطراف العملية التحكيمية بها فان لم يتمسك بها المحكوم لصالحه فان القاضى لا يستطيع أن يضفى الحجية على حكم المحكمين من تلقاء نفسه فاذا رفض النزول على حكم هيئة التحكيم جميع الاطراف فلا يتصور أن يتمسك القضاء بحجية حكم صادر عن قضاء خاص يستمد اساسه من ارادة الاطراف . [4]

· وعلى اية حال تختلف التشريعات الوطنية في تحديد نوع الاجراء الذى ينبغى عمله حتى يمكن تنفيذ قرار التحكيم كما تختلف أيضاً في مدى الرقابة القضائية لتنفيذ حكم المحكمين .

· ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلي أن القائم بسلطة الرقابة في غالبية الانظمة القانونية العالمية هى السلطة القضائية ففى قانون المرافعات الايطالى يسمى القرار التنفيذى لحكم التحكيم “ LODO” فهو كالعقد من ناحية الالزام لاطرافه وفى القانون الانجليزى يقوم المعاون القضائى “ THE MASTER بمنح حكم المحكم الصفة التنفيذية .

· اما في قوانين الدول العربية يجعل القانون الكويتى الاختصاص في ذلك لرئيس المحكمة التى اودع اصل الحكم بادارة قلم كتابها فاذا ما صدر الامر من غير مختص نوعيا كان القرار باطلا بينما في لبنان فان الاختصاص ينعقد لرئيس محكمة الدرجة الأولي ويفصل بصفة مستعجلة في ذلك ، اما في المملكة العربية السعودية فان الامر بالتنفيذ يتم منحه بمناسبة رفض الاعتراض على حكم التحكيم او بصدور امر من المحكمة المختصة اصلا ينظم النزاع . [5]

· ولا يمنع ذلك من أن نقرر أن هناك تشريعات وطنية – كالقانون النمساوى والقانون النرويجى – تعتبر قرار التحكيم نافذ من تلقاء ذاته دون حاجة إلي أي اجراء ومنها – كالقانون السويدى والقانون الفنلندى – ما يتطلب اجراءا اداريا هو التاشير على القرار بالتنفيذ بمعرفة موظف مختص . [6]

· ويلاحظ اخيرا أن التشريعات الوطنية تختلف كذلك في نوع الرقابة التى تباشرها الجهة المختصة والمنوط بها منح الامر بالتنفيذ ما بين اخذ برقابة شكلية ( خارجية ) للقرار وبين اخذ برقابة موضوعية تتم في حضرة الخصوم .
· ولما أن كنا سنتعرض لرقابة القضاء المصرى لتنفيذ احكام التحكيم في القانون المصرى فانه ينبغى أن نقرر أن جل فقهاء القانون قرروا أن رقابة القضاء هى رقابة شكلية ( ظاهرية او خارجية ) بالدرجة الأولي فهى ليست بالرقابة الموضوعية ، حيث انه ليس على القاضى رفض تنفيذ الحكم او قبول تنفيذه .

· فليس على القاضى القيام بفحص عميق للحكم التحكيمى بحيث يرغب في ملاحظة مدى مطابقة الحكم للقانون وحيث يراقب موضوع هذا الحكم .
· ويلاحظ أن المشرع لم يجعل الاختصاص باصدار الامر بتنفيذ الحكم للمحكمة وانما جعله من سلطان رئيس المحكمة وذلك مراعاة لماهية الامر بالتنفيذ حيث أنه ليس طريقا للطعن وليس بحثا – بطبيعة الحال – لموضوع النزاع الذى فصل فيه الحكم