ذهب جمهور الفقهاء الى ان مكان اعتداد المطلقة رجعيا هو مسكن الزوجية الذي كانت تسكن فيه قبل الطلاق ، وذهب بعض الشافعية وبعض الحنابلة الى ان مكان عدة المطلقة الرجعية هو المكان الذي يختاره الزوج ، ونبين ذلك في الفروع الاتية :

الفرع الاول : القائمين باعتداد المطلقة الرجعية في مسكن الزوجية

ذهب الحنفية والمالكية والمشهور عند الشافعية والحنابلة الى وجوب اعتداد المطلقة الرجعية في مسكن الزوجية ونورد فيما يلي اقوالهم كما وردت وادلتهم :

اولاً : الحنفية :جاء في البدائع )وَمَنْزِلُهَا الَّذِي تُؤْمَرُ بِالسُّكُونِ فِيهِ لِلِاعْتِدَادِ هوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ زَوْجِيَا وَقَبْلَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ((1)

ثانياً : المالكية: جاء في مختصر خميل لمخرشي )يَعْنِي لَوْ نَقَلَها زَوْجُيَا إلَى غَيْرِ الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَ تُعْرَفُ بِالسُّكْنَى فِيهِ ثُمَّ طَلقَها أَوْ مَاتَ فَإِنَّها تُرَدُّ إلَى الْمَنْزِلِ الْأَوَّلِ فَتَعْتَدُّ فِيه وَيُتّهمُ الزَّوْجُ عَلى أَنَّه إنَّمَا أَرادَ إسْقَاطَ حَقّْها مِنْ السُّكْنى فِي الْعِدَّةِ فِي الْمَنْزِلِ الْأَوَّلِ وَالْعِدَّةُ حَقّ لِلَّه وَوَاوُ وَاتُّهمَ وَاوُ الْحَالِ أَوْ وَاوُ الْعَطْفِ عَمَى نَقَليها (2)

ثالثاً : القول المشهور عند الشافعية :جاء في اسنى المطالب )وَعَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُها مِنْهُ ذُو الْعِدَّةِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي لِآيَةِ } لَا تُخْرِجُوهنَّ { وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النّْهايَةِ ، وهوَ مَا نَصَّ عَليهِ فِي الْأُمّْ كَمَا قَالَوُ ابْنُ الرّْفْعَةِ وَغَيْرُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ ، وهُوَ أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّه الْمَذْهبُ الْمَشْهورُ وَالزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ((3)

رابعاً :الحنابلة:جاء في كشاف القناع)وحكم الرجعية في العدة حكم المتوفى عنها في لزوم لمنزل لقوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ،وسواء أذن لها الزوج في الخروج أولم يأذن،لان ذلك من حقوق العدة، وهي حق لله تعالى فلا يملك الزوج إسقاط شيء من حقوقيا ) (4)

واستدل الجمهور بما يلي:

1- قول الله تعالى )لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ( : ان اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الْبَيْتَ إلَيْهَا بِقَوْلِه عَزَّ وَجَلَّ } لَا تُخْرِجُوهنَّ مِنْ بُيُوتِهنَّ { وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْها هوَ الَّذِي تَسْكُنُوُ ، وَلِهذَا فإنَّهَا إذَا زارَتْ أَهلَها فَطَلَقَها زَوْجُيَا كَانَ عَليْها أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيه فَتَعْتَدَّ ثَمَّةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هو الْمَوْضِعُ الَّذِي يُضَافُ إلَيْها واِنْ كَانَتْ هيَ فِي غَيْرِهِ)(5)

2-جَعَلَ اللَهُ لِلْمُطَلَقَةِ الْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَرْضًا وَاجِبًا وَحَقِّا لَازِمًا هوَ لِلَهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُمْسِكَه عَنْها ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسْقِطَهُ عَنْ الزَّوْجِ (6)

3- قوله تعالى في نفس الآية )لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) فهي تضمنت النهي عن خروج المطلقة الرجعية ؛ لأنها بصدد أن يحدث لمطلقها راي في ارتجاعها ما دامت في عدتها ؛ فكأنها تحت تصرف الزوج في كل وقت (7).

الفرع الثاني :اعتداد المطلقة الرجعية حيث يشاء الزوج

ذهب بعض فقياء الشافعية واحد قولي الحنابلة الى ان للزوج ان يسكن معتدته الرجعية حيث يشاء ونورد اقوالهم فيما يلي :

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ) قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى ، فَأَمَّا مَوْضِعُيَا فَمُخْتَلَفٌ بِحَسَبِ الْعِدَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَمَوْضِعُيَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ ، وَهوَ إِلَى خِيَارِ الزَّوْجِ فِي إِسْكَانِيَا حَيْثُ شَراءَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الْمَأْمُونَةِ : لِأَنَّه سُكْنَى زَوْجِيَّةٍ يُسْتَحَقُّ مَعَ النَّفَقَةِ ، فَأَشْبَهتْ حَالَيَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَقَدْ كَانَ مُخَيّرا فِي نَقْلِها كَذَلِكَ بَعْدَهُ ، وَيَكُونُ هَذَا السُّكْنَى مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيّْينَ( (8)

الحنابلة: قالوا )الرجعية زوجة ولو السفر والخلوة بها ووطئها)(9) مما يعني ان لو ان يسكنها حيث شاء طالما يستطيع السفر والخلوة ووطئها ، فضلا عن كونيا زوجة ، والزوجة يحق لو اسكانيا حيث يشاء .

والواضح من متونهم انهم استندوا الى حق الزوج في اسكان مطلقته الرجعية حيث يشاء بما يأتي

– ان المطلقة الرجعية زوجة لها حكم الزوجة قبل الطلاق ، وبما ان للزوج اسكان زوجته قبل الطلاق حيث شاء ، فكذلك المطلقة رجعيا .

– ان سكنى المعتدة الرجعية ليست حقا لله تعالى وانما من حقوق الادميين فيجوز ان يسكنها حيث يشاء.

الترجيح:

ان الله سبحانه وتعالى الزم الزوج بعدم اخراج معتدته الرجعية من بيت الزوجية وعدم خروجها من تلقاء نفسها ، لحكمة الا وهي المراجعة بدليل قوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ..والامر هو المراجعة ، لذا فعدم الخروج هو لقصد المراجعة وليس لذاتية البيت ، وعليه فان كان اخراج الزوجة يؤدي الى المقصد الاساس هو الرجعة فلا نرى بائسا في الخروج والا فلا .

فمه ان مسكن الزوجية كان بالقرب من اهل الزوجين وكان الاهل هم السبب في الطلاق وما اكثر حالات تدخل الاهل …فما المانع من انتقال الزوج من هذا المسكن الى مسكن تهدئ فيه النفوس ، بغية مراجعتها .__

________________

1- ينظر : علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ،ج 3 ، ط 2 دار الكتب العلمية بيروت لبنان ، 1406 ى 1986 م . ص 205

2- ينظر : ابي عبدالله محمد الخرشي ، شرح مختصر خميل ، ج 4 ، ط 2 ، المطبعة– الاميرية ، بولاق مصر 1317 ى ص 157

3- ينظر: ابي يحيى زكريا الانصاري الشافعي ، اسنى المطالب شرح روض الطالب ج 3 ، المطبعة الميمنية ، ص 404

4- ينظر : الشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي ، كشاف القناع ،ج 5 ، الطبعة الاولى 1418 ى 1997 م دار الكتب العلمية بيروت لبنان، ص 509

5- ينظر : علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ،ج 3 ، ط 2 دار الكتب العلمية بيروت لبنان ، 1406 ى 1986 م ص 205

6- ينظر : ابن العربي ، احكام القران ، مسالة هل للمطلقة المعتدة السكنى ، ج 7

7- ينظر : الجامع لأحكام القران ، القرطبي ، مصدر سابق ، ج 81 ، ص 851

8- ينظر : العلامة أبو الحسن الماوردي ، الحاوي الكبير ، ج 11 ، دار الفكر بيروت دون تاريخ طبع ، ص 249

9- ينظر : البهوتي ، الروض المربع ، مصدر سابق ، ج 1 ، ص 378 2

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .