بحث و دراسة عن قواعد القانون الدولي الخاص اليمني

د. أشواق علي سالم بن بريك
أستاذ القانون الدولي الخاص المساعد كلية الحقوق- جامعة عدن

تقــديم:

لكي ينجم عن أي علاقة قانونية اثر في الواقع, ينبغي أن يكون لهذه العلاقة أطراف تشكل احد عناصرها الأساسية, ولتحديد القانون الذي يحكم هذه العلاقة يجب العودة إلى عناصرها, لذلك فإن العلاقات القانونية تنقسم إلى نوعين:
1. إذا كانت عناصر هذه العلاقة مرتبطة بالدول أو بالمنظمات الدولية, فإن مثل هذه العلاقة يحكمها القانون الدولي العام, وهي خارج موضوع هذا البحث المتواضع.
2. إذا كانت عناصر هذه العلاقة مرتبطة بأشخاص طبيعية أو معنوية, ففي هذه الحالة سوف تنقسم العلاقة إلى قسمين بناء على جنسيات عناصرها:
• إذا كانت عناصر هذه العلاقة محلية وداخل حدود الدولة فإن القانون الوطني بكل فروعه هو الذي يحكمها, وهي كذلك خارج موضوع هذا البحث.
• إذا اشتملت هذه العلاقة على عنصر أجنبي فلا يمكن تطبيق القانون الوطني عليها مباشرةً بسبب اختلاف جنسيات أطرافها أو ارتباط موضوع هذه العلاقات بإقليم دولة أجنبية أو أن التصرف القانوني أو الواقعة تمت خارج إقليم الدولة.
تعد العلاقة المرتبطة بالقانون الخاص والمشتملة على عنصر أجنبي السبب الرئيسي في تنازع قوانين الدول المختلفة في اختصاص محاكمها بنظر هذه العلاقة, حيث تختلف القوانين في تقييم مثل هذه العلاقة لاتصال بعض من عناصرها بالدولة المعنية, كما تبرز أيضا مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق, مثل قانون جنسية ألأطراف, أو قانون محل نشؤ العلاقة القانونية, أو قانون موقع المال, أو قانون المحكمة المختصة المعروض عليها النزاع, مما يؤدي إلى عدم الاستقرار في العلاقات والمعاملات الدولية وتضيع المصالح والحقوق.

لقد استلزم حل هذه الإشكالية وجود فرع خاص من فروع القانون الخاص يهتم بتنظيم علاقات الأفراد الخاصة ذات العنصر الأجنبي, وهو ما أتفق على تسميته بالقانون الدولي الخاص, والذي يحمل بين دفتيه العديد من الموضوعات الهامة والمترابطة مثل:
1. التمييز بالجنسية بين الوطني والأجنبي.
2. تحديد مركز الأجانب وقدرتهم على التمتع بالحقوق داخل إقليم الدولة.
3. تحديد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية بنظر المنازعات بعنصر أجنبي.
4. بيان القانون الواجب التطبيق على هذه المنازعات.
5. تحديد إمكانيات تنفيذ الأحكام الأجنبية.
وعلى هذا يمكن تعريف القانون الدولي الخاص بأنه: “مجموعة القواعد القانونية التي تعيِّن الاختصاص التشريعي والاختصاص القضائي الدولي في علاقة قانونية مشوبة بعنصر أجنبي”, ويقصد به “بيان القواعد التي تحدد ولاية محاكم الدولة في المنازعات المشتملة على عنصر أجنبي”, من خلال أسس وشروط على أساسها يمكن الوصول إلى تحديد المحكمة المختصة, ودون أن تكون هذه القواعد أو القواعد التي يحال إليها ذات طبيعة دولية أو متجاوزة للسلطة الوطنية, بل إن ذلك عبارة عن محاولة لحل المشاكل التي تتجاوز الحدود الإقليمية للدولة بالاستعانة بالقوانين المحلية التي تعمل عادةً لضرورات محلية.

أسباب اختيار موضوع البحث:

نتيجة للتطورات السريعة في الحياة المعاصرة والانتقال الواسع للأفراد والأموال عبر الحدود وتزايد اتصال أفراد الشعوب المختلفة بعضهم ببعض ودخولهم في علاقات قانونية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها مرتبطة بأكثر من دولة بسبب جنسية أطرافها, أو محل انعقادها, أو محل وجودها, أو السبب المنشئ لها, فقد فرض ذلك استجابات مناسبة لمواجهتها في التشريعات المحلية والدولية بما يتلائم مع مصالح الدول والأفراد والمجتمع الدولي في تحقيق العدالة والأمان القانوني لجميع الأطراف. إضافة إلى هذا ولكون القانون الدولي الخاص قانون دائم التطور لمواكبته كل المتغيرات الدولية والاختلافات في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول, ولارتباطه بالعديد من فروع القانون الأخرى, فقد أدى هذا التطور إلى بروز متطلبات متجددة لا يستطيع أي مجتمع أن يعني بها منفرداً, بل و “يتطلب البحث عن قواعد قانونية ملائمة لحكم هذه العلاقات ذات الطابع الدولي”.
والقانون الدولي الخاص بالأساس هو قانون وطني كسائر القوانين الداخلية الأخرى, وهو فرع من فروع القانون الخاص يحكم علاقات خاصة بين الأشخاص مشتملة على عنصر أجنبي. وتقتصر وظيفة بعض قواعد هذا القانون على إسناد العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي إلى القانون الواجب تطبيقه عندما تتنازع قوانين عدة دول على تنظيم هذه العلاقة دون أن تمس موضوع النزاع, أي أنها ترشد قاضي الموضوع إلى القانون الواجب تطبيقه والمحكمة المختصة في الموضوع المعروض عليه, بينما تقوم قواعده الأخرى بالفصل في النزاع مباشرةً كقواعد الجنسية ومركز الأجانب وتنفيذ الأحكام الأجنبية. وغالباً ما تتوزع هذه القواعد على القوانين الوطنية المختلفة مثل القانون المدني والتجاري وغيرها, مما يستلزم بذل المزيد من الجهد والوقت لأطراف النزاع والقاضي في القضايا المشتملة على عنصر أجنبي. إضافة إلى ذلك, وبرغم كونه قانوناً داخلياً وطنياً إلا أنه يعتمد في بعض أحكامه على مصادر دولية غير مفصلة في التشريع المحلي وقد تطغي في بعض الأحيان عند التطبيق على التشريع الوطني.

أهداف البحث:

اتجه مؤخراً العديد من الدول نحو تجميع قواعد القانون الدولي الخاص الموزعة على القوانين المحلية المختلفة ووضعها في قانون واحد تحت مسمى القانون الدولي الخاص للدولة المعنية, وهو ما نسعى إليه من خلال هذا العمل المتواضع الذي نحاول من خلاله تتبع مواد هذه القواعد في أهم القوانين اليمنية, كما سنحاول تحليلها للوصول إلى مقترحات موضوعية تضم خلاصة بحثنا هذا الذي سينقسم إلى المقدمة ومبحثين وخاتمة مشتملة على المقترحات وذلك على النحو التالي:
مقدمة البحث: وهي عبارة عن تعريف بالقانون الدولي الخاص, مشتمل على أسباب وأهداف البحث.
المبحث الأول: الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية, وينقسم إلى مطلبين
1) المطلب الأول: الالتزامات الدولية في مواد الدستور والقانون الخاص اليمني.
2) المطلب الثاني: الاختصاص القضائي الدولي في مواد القانون اليمني.
المبحث الثاني: تنازع القوانين, وينقسم إلى مطلبين
1) المطلب الأول: مواد القانون اليمني عن التنازع في الدعاوى الخاصة بالأحوال الشخصية.
2) المطلب الثاني: مواد القانون اليمني عن التنازع في الدعاوى الخاصة بالحقوق المالية.
خاتمة البحث: وهي خلاصة لما تم تناوله في البحث مع مقترحاتنا حول الموضوع.

المبحث الأول
الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية

الأجنبي هو العنصر الأساسي للقانون الدولي الخاص, ويعتبره التشريع اليمني اهلاً للتقاضي امام محاكم الجمهورية متى توافرت فيه شروط الاهلية طبقاً للقانون ولو لم يكن أهلا بحسب قانون بلاده. كما منحه الحماية القضائية أمام المحاكم اليمنية طبقاً للشريعة والقانون. ففي الدعاوى المعروضة على القاضي اليمني والمشتملة على عنصر أجنبي, فإن أول ما يقوم به القاضي هو تقييم هذه العلاقة وتحديد ما إذا كانت المحاكم اليمنية مختصة بنظر الدعوى, وذلك بالعودة إلى القواعد المنظمة للاختصاص القضائي الدولي في التشريعات الوطنية, والتي نجدها بشكل رئيسي في الباب الثاني الفصل الاول المواد من (78 إلى84) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني النافذ رقم (40) لسنة 2002م, والتي تحدد مجالات إختصاص الأجهزة القضائية اليمنية في القضايا المشتملة على عنصر أجنبي. فإذا توصل القاضي إلى إختصاص المحاكم الوطنية إنتقل بعد ذلك إلى البحث عن القانون الواجب تطبيقه على موضوع الدعوى من خلال العودة إلى القواعد المحلية التي ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق.
أهم الاصطلاحات المرتبطة بالاختصاص القضائي الدولي في القانون اليمني:
يلاحظ غالبا في المسائل المرتبطة بالقانون الدولي الخاص, استخدام اصطلاحي الموطن ومحل الإقامة اللذان يختلف مدلولهما بين مختلف النظم القانونية. فالموطن في إنجلترا مثلا يقصد به الإقليم الذي يقيم فيه الشخص على وجه الدوام ولو تركه مؤقتا، أما في فرنسا فيقصد به المركز الرئيسي لأعمال الشخص ويقصد به عنوان محدد في مدينة معينة. ولهذا فمن المهم الإشارة إلى تعريفهما القانوني في التشريع اليمني, وبالأخص قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني الذي يعرفهما في المواد من ( 33- 38) على النحو التالي:
الموطن العام هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ويباشر فيه أعمال الحياة العادية ويستوفي ماله ويؤدي ما عليه.
موطن الأعمال هو المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة أو مهنة أو وظيفة، ويكون موطناً لـه لإدارة هذه الأعمال.
الموطن القانوني هو الموطن الذي يباشر فيه الشخص تصرفات قانونية بالإنابة عن شخص آخر لا يمكنه القيام بتلك التصرفات بسبب وجود عارض ما, “فموطن القاصر ومن في حكمه هو موطن النائب عنه قانوناً، ولياً أو وصياَ, وموطن التركة قبل القسمة هو آخر موطن للمتوفى عنها”.
الموطن المختار ويقصد به اختيار موطن معين لممارسة عمل قانوني معين تختص به المحكمة. “يجوز اتخاذ موطن مختار لتنفيذ عمل قانوني معين بالاتفاق مع الطرف الآخر كتابة أو بإعلانه به بوجه رسمي ويعتبر المحل المختار موطناً بالنسبة لكل ما يتعلق بهذا العمل بما في ذلك إجراءات تنفيذ الاتفاق إلا إذا اشترط صراحة قصر هذا الموطن على أعمال دون أخرى”.
موطن الشخص الاعتباري موطن الشركات والجمعيات والمؤسسات القائمة أو التي في دور التصفية هو مركـز إدارتها الرئيسي، ويعتبر مقر فرعها موطناً لها في المسائل المتعلقة به.
محل الإقامة المكان الذي يقيم فيه الشخص بصفة مؤقتة لعمل عارض أو ظرفٍ خاص.

المطلب الأول
الالتزامات الدولية في مواد الدستور والقانون الخاص اليمني

نص الدستور اليمني في مادته السادسة على العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة, وفي هذا التزام واضح للدولة اليمنية بالعمل وفق المواثيق الدولية وقواعد القانون الدولي المعترف بها. واستنادا إلى هذا النص الدستوري سمح القانون المدني اليمني النافذ بتجاوز أحكامه المتعلقة بالتنازع وإعطاء الأولوية في التطبيق للقواعد التي نص عليها قانون خاص أو اتفاق دولي أو معاهدة دولية نافذة في الجمهورية, وفي حالة عدم وجود نص في قوانين الجمهورية اليمنية يحكم مسألة تنازع القوانين المعروضة على القضاء. فقد ألزم القانون القاضي بالرجوع إلى قواعد القانون الدولي الخاص المتعارف عليها دولياً, بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. إضافة إلى هذا نص قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني على أن العمل بقواعده لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين اليمن وبين غيرها من الدول في هذا الشأن. ويؤكد قانون الجنسية اليمني على التزام اليمن بأحكام جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل مجلس النواب اليمني في مسائل الجنسية والتي أبرمت أو تبرم بين اليمن والدول الأجنبية.
من خلال هذه المواد نلاحظ بان المشرع اليمني أكد احترام اليمن لالتزاماتها الدولية, بل وأعطى لها الأولوية في التطبيق على قانونه الوطني في المسائل المرتبطة بها. من جانب آخر ترك المشرع اليمني لقانون البلد الذي ترفع فيه الدعوى تحديد قواعد الاختصاص والمسائل الإجرائية في النزاع المعروض عليه, وتجنب الدخول في تنازع معه حيث نص القانون المدني اليمني على أن: “يرجع في قواعد الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية إلى قانون البلد الذي ترفع فيه الدعوى”, مما يعفي الأجهزة القضائية اليمنية من الاختصاص في القضايا المشتملة على عنصر أجنبي والمنظورة في بلد آخر. فإذا رفعت الدعوى أمام قضاء أجنبي فإن قانون ذلك البلد هو الذي يحدد ما إذا كانت محاكمه مختصة بنظر الدعوى أم لا, وينحصر دور القضاء اليمني بتحديد قواعد الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية في القضايا المرفوعة أمامه فقط, ويدل ذلك على عدم تدخل القضاء اليمني في القضايا المرفوعة أمام القضاء الأجنبي.

تنفيذ السندات التنفيذية الأجنبية:

التنفيذ إجراء قضائي تمنح المحكمة المعنية بموجبه للأحكام والقرارات القوة التنفيذية, ويعتبر تنفيذ السندات التنفيذية الأجنبية في إقليم الدولة اليمنية من الاختصاص القضائي الدولي للمنظومة القضائية اليمنية, والمرتبط مباشرة بسيادة الدولة والتزاماتها المتبادلة أمام المجتمع الدولي.
ينظم تنفيذ السندات التنفيذية الأجنبية في الجمهورية اليمنية قانون المرافعات والتنفيذ المدني في المواد (491-497) منه, والتي تشترط لتنفيذ السندات التنفيذية الأجنبية أن تكون رسمية ومن السندات التنفيذية المعتبرة وفقا للقانون ومكتسبة لقوة الأمر المقضي به دون الإخلال بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين اليمن وبين غيرها من الدول في هذا الشأن. وتحدد المادة (494) من القانون الشروط التالية:
1- ألاَّ يخالف السند التنفيذي الأجنبي أحكام الشريعة أو الآداب العامة أو قواعد النظام العام في اليمن.
2- أن تكون المحاكم اليمنية غير مختصة بالنزاع الذي صدر فيه السند التنفيذي الأجنبي وان المحكمة الأجنبية التي أصدرته مختصة به طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها.
3- أن يكون التنفيذ بنفس الشروط المقررة في ذلك البلد لتنفيذ السندات التنفيذية اليمنية معاملة بالمثل.
4- أن يكون السند التنفيذي صادراً من محكمة أو هيئة قضائية مختصة وان يكون الحكم أو الأمر حائزاً لقوة الأمر المقضي به وفقاً لقانون ذلك البلد الأجنبي.
5- أن يكون الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد كلفوا بالحضور ومثلوا أمام تلك المحكمة تمثيلاً صحيحاً.
6- ألاَّ يتعارض السند التنفيذي الأجنبي مع حكم سبق صدوره من المحاكم اليمنية.
من خلال هذه الشروط نلاحظ تناقض نص الفقرة (2) للمادة (494) مع نص المادة (32) من القانون المدني التي أرجع فيها المشرع إلى قانون البلد الذي ترفع فيه الدعوى تحديد قواعد الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية. فإذا رفعت الدعوى ابتداء أمام المحكمة الأجنبية وكانت مختصة بها وفقاً لقانونها, فإن قانون المحكمة الأجنبية عندها هو الذي يحدد قواعد الاختصاص. أما إذا كانت المحاكم اليمنية هي المختصة وفقا للقانون الأجنبي فيمكن الدفع به من قبل أطراف الخصومة التي اشترطت الفقرة (5) مثولهم أمام المحكمة بشكل صحيح بعد أن اشترطت الفقرة (4) وجوب اكتساب السند التنفيذي لقوة الأمر المقضي به. فإهمال هذا الحق يعتبر تنازلا عنه وقبولا للحكم ولولاية المحكمة الأجنبية, وليس على المشرع اليمني اشتراط ذلك عند التنفيذ والدخول في منازعة مع الحكم الأجنبي طالما وقد ترك له أمر الرجوع إلى قواعده في الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية. فإذا لم يتحقق شرط الفقرة (2) من المادة (494) فإن موضوع النزاع الذي صدر فيه السند التنفيذي الأجنبي غير قابل للحل, وقد يتسبب في عدم استقرار بعض العلاقات والتعاملات الدولية لليمن, وتضييع مصالح وحقوق مواطنين يمنيين في الخارج معاملة بالمثل. أما أن يشترط المشرع اليمني للتنفيذ ألاَّ يخالف السند التنفيذي الأجنبي أحكام الشريعة الإسلامية, أو الآداب العامة, أو قواعد النظام العام في اليمن, وألاَّ يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم اليمنية, أو في قضية في نفس الموضوع قدمت أولا أمامها ومازالت منظورة, وأن يكون التنفيذ بنفس الشروط المقررة في ذلك البلد لتنفيذ السندات التنفيذية اليمنية, فإن هذه الاشتراطات لها ما يبررها.

غير أن المشرع في هذا القانون لم يتطرق للسندات التنفيذية للتحكيم الدولي والاتفاقيات الدولية المرتبطة به, والتي أشار إليها القانون اليمني رقم (22) لسنة 1992م بشأن التحكيم في مادتيه (3و7) من خلال موقع التحكيم خارج الجمهورية أو جنسية أطرافه فقد ذكرت المادة (3) بأنه: “تسري أحكام القانون على أي تحكيم يجرى خارج الجمهورية إذا اختار طرفاه ذلك”. وتضيف المادة (7) أنه: “يجوز لطرفي التحكيم إذا كان أحدهما أو كليهما غير يمنيين الاتفاق على القانون الذي يخضع له التحكيم شكلاً وموضوعاً وعلى لغة التحكيم ومكانه”, وكذا المادة (61) من قانون الاستثمار اليمني التي نصت على أنه: “دون إخلال بالحق في الالتجاء إلى القضاء اليمني.. يجوز تسوية منازعات الاستثمار المتعلقة بتنفيذ أحكام هذا القانون والتي تنشأ بين الحكومة والمشروع وذلك عن طريق التحكيم بأي من الأساليب التالية وفقا لاختيار المستثمر أو المشروع:
1- الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية.
2- الاتفاقية الدولية لفض منازعات الاستثمار التي تنشأ بين الدولة ومواطني الدول الأخرى.
3- أي اتفاقية دولية أو ثنائية تكون الجمهورية طرفاً فيها.
4- قواعد وإجراءات التحكيم التجاري الخاص بلجنة القانون التجاري الدولي التابعة لهيئة الأمم المتحدة في اقرب مركز إقليمي للتحكيم التجاري الدولي يعمل وفقا لهذه القواعد.
5- قواعد وإجراءات التحكيم داخل الجمهورية اليمنية.

ولكون قرارات التحكيم الدولية تختلف عن الأحكام القضائية والسندات الرسمية المعتمدة في أنها قد تكون صادرة عن مركز تحكيم غير حكومي وغير تابع لقانون الدولة المتواجد فيها مركز التحكيم, ولكون التحكيم غالبا ما يتقيد بشروطه وقانونه وإجراءاته التي أتفق عليها الخصوم وليس قانون الدولة الأجنبية, فإن شروط المادة (494) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني لتنفيذ السند الأجنبي بأن يكون السند التنفيذي صادراً من محكمة أو هيئة قضائية مختصة, وأن تكون المحكمة الأجنبية التي أصدرته مختصة به طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها, لا يمكن تحققهما إلا إذا اعتبرنا مركز التحكيم محكمة رسمية مختصة تابعة لنفس الدولة الأجنبية. أما إذا اعتبرنا حكم التحكيم من السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في بلد أجنبي فوفقا للمادة (495) سيتم الأمر بتنفيذه بنفس الشروط المقـررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في اليمن. هنا أيضا سنواجه مشكلة إذا كانت الشروط المقـررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ السندات الرسمية المحررة في اليمن ليست منصفة فإن المعاملة بالمثل ستحل بحكم التحكيم دون أن يكون له علاقة بقوانين ذلك البلد مما يستوجب إعادة النظر في هذه المواد وتفصيلها لكل نوع من السندات التنفيذية الأجنبية.

الحصانة القضائية للدبلوماسيين وأموال الدول الأجنبية: تعتبر الحصانة القضائية للممثلين الدبلوماسيين للدول الأجنبية عنصرا مهما من عناصر الحصانة الدبلوماسية يستهدف عدم إخضاعهم لأية ملاحقات قضائية داخل إقليم الدولة المعتمدين لديها, وذلك لاستبعاد أية معوقات تحول دون قيامهم بعملهم التمثيلي بصفة طبيعية. وقد خصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية سنة 1961م الممثل الدبلوماسي وأفراد أسرته بالإعفاء من القضاء المدني والإداري, شريطة أن لا يكونوا من رعايا الدولة المعتمد لديها وأن لا تكون إقامتهم الدائمة بها وما لم يتعلق الأمر:
‌أ- بدعوى عينية متصلة بعقار خاص موجود في إقليم الدولة المعتمد لديها الدبلوماسي، ولا يتبع لحكومته ولأغراض البعثة.
‌ب- بدعوى متصلة بتركة يكون فيها لهم بصفتهم الشخصية مركز بوصفهم منفذين للوصية أو مديرين للتركة أو وارثين أو موصى لهم.
‌ج- بدعوى متصلة بمهنة حرة زاولوها, أو بنشاط تجاري قاموا به في الدولة المعتمدين لديها خارج نطاق المهام الرسمية.
وميزت هذه الاتفاقية بين الممثل الدبلوماسي وبين أعضاء طاقمه في هذا الإعفاء, كذلك فعلت اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية سنة 1963م مع الأعضاء القنصليين. وبالرغم من التزام اليمن بهاتين الاتفاقيتين عمليا إلا أننا لا نجد ما يشير إلى ذلك في قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني سوى ما ورد في المادة (350) الفقرة (12) من أنه: “لا يجوز التنفيذ أو التحفظ على أموال الدول الأجنبية والمنظمات الدولية باستثناء ما كان منها خاضعاً لقواعد القانون اليمني الخاص”, مما يستلزم تحديدها في مواد قانونية.

المطلب الثاني
الاختصاص القضائي الدولي في مواد القانون اليمني

حدد قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني رقم (40) لسنة 2002م في المواد من 78 إلى 84 اختصاص القضاء اليمني في الدعاوى المرفوعة أمامه على النحو التالي:
‌أ- على اليمني ولو لم يكن لــه موطن أو محل إقامة في اليمن بإستثناء القضايا المتعلقة بعقار يقع خارج الأرض اليمنية. وهذا يعني أن القضاء اليمني يختص في أي قضية يكون المدعى عليه فيها يمني الجنسية سواءً كان موجوداً في اليمن أو خارجها, ما عدى القضايا المتعلقة بمال غير منقول (عقار) وغير موجود في اليمن فالأمر متروك فيه لقانون موقع العقار, حيث نصت المادة (78) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني على أن: ” تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المرفوعة على اليمني ولو لم يكن لــه موطن أو محل إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار واقع في الخارج”.
‌ب- على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في اليمن, واستثنى منها الدعاوى المتعلقة بعقار يقع خارج الأرض اليمنية, حيث نصت المادة (79) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني على أن: “تختص المحاكـم اليمنية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار في الخارج”.
‌ج- على الأجنبي الذي ليس له موطن في اليمن. وقد حدد المشرع اليمني الدعاوى التي يختص القضاء اليمني بنظرها, وذلك في المادة (80مرافعات) والتي تنص على أن “تختص المحاكم اليمنية بنظر الدعــاوى المرفوعة على الأجنبي الذي ليس له موطن في اليمن وذلك في الحالات الآتية:
إذا كان له موطن مختار في اليمن.
إذا كانت الدعوى تتعلق بمال موجود في اليمن.
إذا كانت متعلقة بالتزام نشأ أو نفذ أو كان واجباً تنفيذه في اليمن.
إذا كانت متعلقة بإفلاس اُشهر في اليمن.
إذا كانت الدعوى تتعلق بطلب نفقة للام أو للزوجة أو للصغير إذا كانوا مقيمين في اليمن.
إذا كانت الدعوى بشأن نسب الصغير أو الولاية على نفسه متى كان مقيماً في اليمن.
إذا كانت الدعوى متعلقة بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية وكان القانون اليمني هو الواجب التطبيق في الدعوى.
إذا كانت الدعوى متعلقة بالتركات في ثلاث حالات:
إذا كانت التركة قد بدئ في تقسيمها في اليمن أو
كان المورث يمنياً أو كانت أموال التركة كلها أو بعضها في اليمن.
إذا كان لأحد المدعى عليهم موطن أو محل إقامة في اليمن.
‌د- إذا قبل المدعى عليه ولايتها صراحةً أو ضمناً ولو لم تكن داخلة في اختصاصها. فإذا كان المدعى عليه يمنياً أو أجنبياً مقيماً في اليمن فالاختصاص ينعقد للمحاكم اليمنية, حيث نصت المادة (81) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني على أن: ” تختص المحاكم اليمنية بالفصل في الدعوى ولو لم تكن داخلة في اختصاصها طبقاً للمواد السابقة إذا قبل المدعى عليه ولايتها صراحة أو ضمنا”.
‌ه- الاختصاص بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة, حيث نصت المادة (82) من نفس القانون على أن: “تختص المحاكم اليمنية بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة المرتبطة بالطلبات الأصلية إذا كانت مختصة بها”.
‌و- الاختصاص بالإجراءات الوقتية والتحفظية التي تنفذ في اليمن, حيث نصت المادة (83) من القانون على أن: ” تختص المحاكم اليمنية بالأمر بالإجراءات الوقتية والتحفظية التي تنفذ في اليمن ولو كانت غير مختصة بالدعوى الأصلية”.
ومن خلال ما تقدم يمكن تصنيف قواعد الاختصاص القضائي للمحاكم اليمنية في الدعاوى المشتملة على عنصر أجنبي إلى ثلاث فئات بناءً على:

1. مركز اطراف الدعوى: استنادا إلى القاعدة العامة التي تقرر الاختصاص للمحاكم اليمنية بالدعاوى المرفوعة أمامها باستثناء ما يتعلق منها بعقار واقع في الخارج, إذا تحققت إحدى الحالات التالية:
إذا كان المدعي عليه يمني الجنسية. ويسري ذلك على الأشخاص الطبيعية سواءً كانوا في اليمن أو خارجها وكذا الأشخاص الاعتبارية دون أن ينتقص ذلك من حقهم بالقبول صراحةً أو ضمناً بالاختصام أمام محكمة أجنبية ( المادة 78مرافعات).
إذا كان المدعي عليه أجنبي متوطن او مقيم في اليمن. ويسري ذلك على الأشخاص الطبيعية والاعتبارية. ويشترط للشخص الاعتباري الأجنبي, أن يكون مركز إدارته الرئيسية أو فرعه أو وكالته موجود في اليمن. (المادة 79مرافعات)
الخضوع الإرادي لأطراف الدعوى صراحةً أو ضمناً لولاية القضاء اليمني, بشرط توافر رابطة جدية بين النزاع المطروح والمحاكم اليمنية. فإذا كان المدعى عليه أجنبياً ليس له موطن في اليمن, وكانت الدعوى في غير الحالات المحددة في المادة (80 مرافعات), فإن الاختصاص لا ينعقد إلا بقبول المدعى عليه لولايتها بحسب نص المادة (81 مرافعات). وإذا رفعت الدعوى أمام المحاكم اليمنية وهي غير مختصة بنظرها ولم يحضر المدعى عليه, تحكم المحكمة بعدم إختصاصها من تلقاء نفسها استناداً لنص المادة (84 مرافعات), لأنه في هذه الحالة يعلن عدم قبوله لولايتها.

2. نوعية الدعوى: وتنقسم إلى قسمين:
ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية للأسرة من زواج وطلاق, إذا كان القانون اليمني هو الواجب التطبيق.
ما يتعلق بالنفقات والولاية على النفس والنسب إذا كان:
1) المدعى عليه أجنبيا ليس له موطن أو محل إقامة في اليمن, و
2) المدعي زوجة كانت أو أماً أو طفلاً مقيماً في اليمن.
ما يتعلق بدعاوى التركات. فإضافةً إلى وجوب أن يكون المدعى عليه اجنبياً ليس له موطن أو محل إقامة في اليمن, يشترط القانون لانعقاد الاختصاص للقضاء اليمني أن تكون التركة قد بدئ في تقسيمها في اليمن أو كان المورث يمنياً أو كانت أموال التركة كلها أو بعضها في اليمن.
ما يتعلق بالمعاملات المالية. وتشمل كافة الدعاوى المتعلقة بمال موجود في اليمن, وكذا دعاوى الالتزامات التعاقدية إذا نشا الالتزام أو نفذ أو كان واجباً تنفيذه في اليمن, وغير التعاقدية إذا وقع الفعل من يمني خارج اليمن وعاد بعده إلى اليمن, إضافة إلى دعاوى الافلاس.

3. في فن تنظيم الخصومة في الدعاوى المرتبطة والقضايا المستعجلة على النحو التالي:
الفصل في المسائل الاولية التي يتوقف الحكم في الدعوى على الفصل فيها (المادة 82 مرافعات).
الفصل في الطلبات العارضة المرتبطة بالطلبات الاصلية في الدعوى المنظورة أمامها (المادة 82 مرافعات).
الاختصاص بالإجراءات المستعجلة التي تكون مرتبطة بولاية محكمة اجنبية ويراد بمقتضاها إتخاذ إجراء في اليمن وقتي (مثل نفقة او تعويض مؤقت) أو تحفظي (مثل فرض حراسة على مال منقول مرتبط بالنزاع). وترتبط الإجراءات الوقتية والتحفظية التي تنفذ في اليمن بشروط تنفيذ السند التنفيذي الأجنبي.
نلاحظ من خلال هذا التقسيم بان الاختصاص في الفئة الثانية بناءً على نوعية الدعوى قد تحدد إساساً إذا كانت الدعوى مقامة على اجنبي ليس له موطن في اليمن. ولهذا السبب وضع المشرع شروطاً إضافية تتعلق بالمدعي أو بموضوع الدعوى هروباً من تعقيدات التنازع في هذه الحالة لكون المدعى عليه ليس تحت سلطته المباشرة, مما لا يسمح له بتنفيذ أحكامه دون الحاجة إلى تدخل جهات أجنبية بشروطها, متجاهلاً الضرر الذي قد يلحقه بالمدعي وخاصةً إذا كان مواطناً يمنياً ليس له من يدافع عن حقوقه سوى سلطة بلاده. ففي دعاوى النفقة والنسب إشترط المشرع اليمني الإقامة في اليمن للمدعي وهو(الطفل أو الزوجة أو الأم) وليس الموطن. ولكون المدعى عليه أجنبي ليس له موطن في اليمن فلا يمكن للمدعي طفلاً أو زوجة أو أماً أن يكون مقيماً إلا إذا كان الأمر متعلق بالمرأة اليمنية المتزوجة من اجنبي وأبنائها. وفي حال كانت الدعوى متعلقة بالزواج والطلاق والفسخ, وهي من مسائل الأحوال الشخصية التي قصدها المشرع اليمني في المادة (80 مرافعات), فقد أشترط لكي ينعقد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية ان يكون القانون اليمني هو الواجب التطبيق, إلا أنه لم يحدد الشروط الواجب توافرها في المدعي او في الدعوى وأرجع هذه الدعاوى إلى قانون الأحوال الشخصية عند المرافعة فقط, وليس كقانون واجب التطبيق.

المبحث الثاني
تنازع القوانين في القانون اليمني

تؤدي النزاعات في العلاقات الخاصة بعنصر اجنبي إلى تنازع قوانين الدول المرتبطة بموضوع النزاع في تقييم هذه العلاقة وتحديد إختصاص محاكمها. ويعرف تنازع القوانين بانه ” تزاحم قانونين متعارضين أو أكثر لدولتين أو أكثر بشأن حكم علاقة قانونية أجنبية في احد عناصرها على الأقل”. ويقصد بالعلاقات الخاصة العلاقات بين الأفراد التي لا تتصل بالمصلحة العامة للدولة بشكل مباشر بل عن طريق مصالح الأفراد المنتمين لهذه الدولة, وتنظمها عادةً القوانين الخاصة كقوانين الأحوال الشخصية والمدنية والتجارية.
وفي التشريع اليمني نجد المواد المتعلقة بتنازع القوانين بشكل رئيسي في الباب الثاني الفصل الثاني المواد من 23 إلى 35 من القانون المدني اليمني النافذ رقم (14) لسنة 2002م, والتي تحدد موقف المشرع اليمني في تنازع القوانين من حيث المكان, وتكييف العلاقات في قضايا تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه, حيث تنص المادة (32 مدني) على أنه ” يرجع في قواعد الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية إلى قانون البلد الذي ترفع فيه الدعوى”. وتعطي هذه المادة الشرعية لتصرف القاضي برجوعه إلى قانونه الوطني, طالما أن الدعوى قد رفعت أمامه. فإذا رفعت الدعوى أمام المحاكم اليمنية, فان القانون اليمني هو المرجع في تحديد قواعد الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية, وهو المرجع أيضاً في تقييم العلاقات المسببة لهذا التنازع, حيث تنص المادة (23 مدني) على أن “القانون اليمني هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقة في قضية تتنازع فيها القوانين وذلك لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها”. ويفهم من ذلك أنه طالما أن الدعوى قد قدمت أمام القاضي اليمني, فان ذلك يمكن اعتباره طلباً إليه بتحديد القانون الواجب تطبيقه.

أهم الاصطلاحات المرتبطة بالتنازع في القانون اليمني:

عرف المشرع اليمني في القضايا المشتملة على عنصر أجنبي الاصطلاحات التي عادة ما تؤدي إلى التنازع مثل الأهلية والجنسية على النحو التالي:

الأهلية: الأهلية نوعان أهلية وجوب للحقوق الشرعية للشخص وعليه, تثبت له منذ ولادته كالميراث لا يفرق بين الورثة في السن, وأهلية أداء بمقتضاها يباشر الإنسان حقوقه المدنية. فعلى سبيل المثال يشترط في المتعاقدين أن يكون كل منهم كامل الأهلية للتصرف, فتصرف فاقد الأهلية غير صحيح ويتوقف تصرف ناقص الأهلية على الإجازة له بذلك. وبناءً عليه رجع المشرع اليمني في الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم إلى قانون جنسيتهم, وأشار إلى انه في التصرفات المالية التي تعقد في اليمن وتترتب آثارها فيه لا يؤبه بنقص أهلية الطرف الأجنبي الراجع إلى قانون بلده إذا كان فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه، وكان كامل الأهلية بحسب القانون اليمني (المادة 24 مدني). والأهلية الكاملة في القانون المدني اليمني (المادة 50) هي “سـن الرشد خمس عشرة سنة كاملة إذا بلغها الشخص متمتعاً بقواه العقلية رشيداً في تصرفاته يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية والتصرف فيها، ويجوز أن تشترط القوانين الخاصة سناً أعلى يحق للشخص بموجبها ممارسة أية حقوق أخرى أو التمتع بها”. فعلى سبيل المثال الأهلية التجارية في المادة (23) من القانون رقم (32) لسنة 1991م بشأن القانون التجاري وتعديلاته تنص على “كل يمني بلغ الثامنة عشر ولم يقم به مانع شرعي أو قانوني يتعلق بشخصه أو بنوع المعاملة التجارية التي يباشرها يكون أهلاً للاشتغال بالتجارة”, لكن فيما يخص أهلية المرأة الأجنبية لممارسة التجارة فإن المادتين (26و27) من القانون التجاري اليمني ترجع ذلك إلى قانون جنسيتها, مع افتراض حصول الزوجة الأجنبية على إذن من زوجها بممارسة التجارة وتزوجها طبقاً لنظام انفصال الأموال.

الجنسية: الأجنبي في القانون رقم (6) لسنة 1990م بشأن الجنسية اليمنية وتعديلاته المادة (1) الفقرة (ب) البند (2), هو “الشخص غير المتمتع بالجنسية اليمنية”. ولتعيين قانون الجنسية الواجب تطبيقه في حالة الشخص متعدد الجنسيات إذا كانت احدي جنسياته هي الجنسية اليمنية فبحسب المادة (34) من القانون المدني, يتم ذلك على أساس أنه يحمل الجنسية اليمنية دون الاعتداد بالجنسيات الأخرى ويكون القانون اليمني وحده هو الواجب التطبيق. أما في حالة الشخص الذي لا تعرف جنسيته أو تكون له جنسيات متعددة في وقت واحد ليس من ضمنها الجنسية اليمنية, فعلى القاضي تعيين قانون الجنسية الواجب تطبيقه بحسب المادة (34) من القانون المدني. أما في نظام الأشخاص الاعتبارية الأجنبية من شركات وجمعيات وغيرها, فقد أرجعت المادة (24) من القانون المدني في تحديد قانون جنسيتها بالعودة إلى قانون الدولة التي اتخذت فيها مركز إدارتها الرئيسي الفعلي, باستثناء من باشرت نشاطها الرئيسي في اليمن حيث يرجع في نظامها إلى القانون اليمني. نلاحظ في نص المادة (24) إشارة المشرع اليمني إلى شرط مباشرة الأشخاص الاعتبارية الأجنبية نشاطها الرئيسي في الجمهورية ليرجع الاختصاص للمحاكم اليمنية استثناءً من الاختصاص بحسب الدولة التي يقع فيها مركز إدارتها الرئيسي الفعلي. وهذا الاستثناء لا ينطبق على الواقع القانوني اليمني, فليس مسموحاً بأي نشاط تجاري في اليمن إلا بشريك يمني ولا حتى إنشاء فرع لشركة أجنبية إلا عن طريق وكيل يمني تاجر, فالمادة (28) من القانون التجاري اليمني تنص على انه “من يوم نفاذ هذا القانون لا يجوز لغير يمني الاشتغال بالتجارة في الجمهورية اليمنية إلاَّ إذا كان له شريك أو شركاء يمنيين”. وتضيف المادة (29) منه على أنه “من يوم نفاذ هذا القانون لا يجوز لشركة أجنبية إنشاء فرع لها في الجمهورية اليمنية ولا يجـوز أن تباشر أعمالاً تجاريـــة في الجمهورية اليمنية إلا عن طريق وكيل يمني تاجر”. لذا فالأشخاص الاعتبارية الأجنبية لا يمكنها مباشرة نشاطها في اليمن إلا بشريك يمني أو وكالة مما يعني عدم إمكانية جعل اليمن مركزا لنشاطها الرئيسي.

المطلب الأول
مواد القانون اليمني عن التنازع في الدعاوى الخاصة بالأحوال الشخصية

حدد المشرع اليمني في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية, القضايا التي يرجع فيها إلى القانون اليمني فقط وهي على النحو التالي:
1. الزواج والطلاق والفسخ والنفقات– القانون اليمني للأحوال الشخصية عند المرافعة (المادة 25مدني).
2. المسائل الموضوعية الخاصة بالولاية والوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعية لحماية القصر والمحجوزين والغائبين (المادة 26 مدني).
3. الميراث والوصية وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت – قانون الأحوال الشخصية اليمني (المادة 27 مدني).
هنا نلاحظ إخضاع المشرع اليمني للقضايا الخاصة بالأحوال الشخصية التي تتضمن عدة مواضيع أولها الزواج وما إرتبط به مثل خطبة ومهر وعقد وانحلال وغيرها, إضافة إلى النسب والنفقات والوصية والمواريث, إلى القانون اليمني فقط, وخص بالتحديد قضايا الميراث والوصية وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت إلى قانون الأحوال الشخصية تحديدا, أما قضايا الزواج والطلاق والفسخ والنفقات فقد أرجعها إلى نفس القانون عند المرافعة فقط.
وبما أنه من المعلوم أن قانون الأحوال الشخصية اليمني رقم (20) لسنة 1992م وتعديلاته ماخوذ أساسا من الشريعة الإسلامية, وكل ما لم يرد به نص في القانون يعمل بأقوى الادلة في الشريعة الاسلامية بحسب المادة (349) منه. هذه الخاصية التي يتميز بها قانون الأحوال الشخصية اليمني تجعله معزولاً عن كل ما هو أجنبي. فالدول الأجنبية بشكل عام تستند في قوانينها الى مصادر وضعية وديانات مختلفة تتناقض بشكل مباشر, وخاصةً في قضايا الاحوال الشخصية مع كثير مما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف. وقد وضع المشرع اليمني ذلك نصب عينيه عند تحديده للقانون الواجب التطبيق في قضايا الأحوال الشخصية, فهو إما أن يحيلها إلى القانون اليمني دون تحديد, وإذا أحالها إلى قانون الأحوال الشخصية فعند المرافعة فقط, ما عدى ما يتعلق بالميراث والوصية وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت فقد احاله بشكل صريح إلى هذا القانون, الذي يشترط أن تكون الأموال موضوع الدعوى موجودةً أصلاً في اليمن, بحيث لا يمكن أن يرجع فيها إلى قانون أجنبي, وإذا كانت الأموال موجودة خارج اليمن فان قانون موقع المال هو الذي يحكم هذه العلاقة.
فإذا رجعنا على سبيل المثال لزوجة الأجنبي اليمنية لتكون مدعية في دعوى طلاق أو نفقة أو نسب لابنها, فإن عليها أن تتقدم بدعوى وفقا لنص المادة (104) الفقرة (6) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني التي تشترط إثبات قيام الزوجية كأحد أدلتها, وليس في قانون الأحوال الشخصية اليمني نص يحدد شروط الزواج المختلط سوى شروط عقد الزواج بشكل عام والمحددة بشاهدين عدلين مسلمين والولاية على المرأة وقيد وثيقة الزواج لدى الجهة المختصة وموافقة وزير الداخلية, و”بان الزواج الذي لم يستوفي أركانه وشرائطه باطل” بحسب المادة (30) منه. إضافة إلى ذلك إن “من أجرى عقد زواج دون ولاية او وكالة فهو فضولي, وعقد الزواج من الفضولي يعتبر كلا عقد” بحسب المادة (22) منه, في حين أن القانون لم يحدد الجهات المخولة عقد الزواج لا في الداخل ولا في الخارج. فإذا تم العقد في الخارج من جهة غير مخولة فلا عقد, وإذا لم يشهد عليه شاهدين عدلين مسلمين فهو باطل, وإذا لم يعقد للمرأة وليها فهو باطل, وإذا لم يثبت بأن الزوج مسلم في بيانات العقد فهو باطل.
من خلال ما أوردناه سابقاً نلاحظ بأن هذه القضايا مرتبطة بتعاليم الشريعة الإسلامية ولا يمكن تطبيقها على الأجنبي الذي ليس له موطن في اليمن, كما لا يمكن تطبيق القانون الاجنبي في اليمن إذا جاء مخالفاً لإحكام الشريعة الإسلامية والآداب العامة والنظام العام, بحسب نص المادة (35) من القانون المدني “لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي تعين تطبيقه طبقاً للنصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الآداب العامة في الجمهورية”.

المطلب الثاني
مواد القانون اليمني عن التنازع في الدعاوى الخاصة بالحقوق المالية

تنقسم الحقوق المالية إلى حقوق شخصية وحقوق عينية. فالحقوق الشخصية هي ما تعلق بذمة الغير دون أن تحدد بمال معين, ويقابلها بالنسبة للغير الديون أو التعهدات أو الالتزامات المتعلقة بالذمة. والحقوق العينية هي ما كان للإنسان من حقوق في مال بعينه عقار أو منقول, وتنقسم إلى أصلية وتبعية، الأصلية وتشمل حق الملكية وما يتفرع عنه من حقوق مثل حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق الاستغلال وكذا حقوق الارتفاق, أما التبعية فهي الحقوق التي تنشأ لضمان حق تعلق بالذمة وتزول بزوال الحق الذي تضمنه وقد تزول بنفسها كحق الرهن وحق الامتياز.
وقد حدد المشرع اليمني هذه القضايا وارجعها إلى القانون الواجب التطبيق على النحو التالي:
1. في الحيازة والملكية والانتفاع والحقوق العينية الأخرى إذا كان المال غير منقول (عقار) فيرجع في ذلك إلى قانون موقع المال (المادة 28 مدني).
2. في الحيازة والملكية والانتفاع والحقوق العينية الأخرى إذا كان المال منقولاً فيرجع فيه إلى قانون المكان الذي يوجد به المال المنقول وقت تحقق سبب الحيازة أو الملكية أو الانتفاع أو أي حق عيني آخر أو سبب فقدها (المادة 28 مدني).
3. في الآثار المترتبة على العقود, باستثناء العقود التي تبرم في شأن مال غير منقول (عقار) والتي يطبق عليها قانون موقع العقار, فيرجع فيها بحسب المادة (29) من القانون المدني إلى:
قانون الموطن المشترك للمتعاقدين, إذا كانوا من موطن واحد,
قانون البلد الذي تم فيه العقد, إذا لم يكونوا من موطن واحد بشرط ان لا يكونا قد اتفقا على قانون آخر أو يتبين من ظروف الحال أنهما قصدا تطبيق قانون آخر,
القانون المتفق عليه بين الطرفين,
4. في شكل العقود فيرجع فيها بحسب المادة (30) من القانون المدني الى:
قانون البلد الذي تمت فيه,
القانون الذي يحكم موضوعها,
قانون موطن المتعاقدين المشترك, أو قانونهما المشترك.
بهذا الخصوص نرى بأن المشرع اليمني قد سلك نفس المسلك الذي سلكه العديد من المشرعين العرب, وذلك لاعتبارات سياسية وإقتصادية وفنية تتعلق بالمال المنقول وغير المنقول, إلا أنه لم يتطرق الى الحقوق المعنوية والفكرية والذهنية والادبية والفنية التي صارت من المسائل الضرورية التي يجب التطرق لها في قواعد الاسناد اليمنية وقد ذكرتها المادة (125) من القانون المدني بالنص على أن “الحقوق الفكرية يكفلها القانون وتنظمها القوانين الخاصة كحق المؤلف والمخترع والمكتشف”. وتشتمل الحقوق الفكرية على الحقوق الشخصية والعينية, فهي تحوي الحق الشخصي لاسم المؤلف أو المخترع والحق العيني للقيمة المادية لإنتاجه أو اختراعه. ويعتبر من القوانين الخاصة أيضا قانون الحق الفكري اليمني رقم (19) لعام 1994م الذي يعترف بحق المؤلف لغير اليمني, إذا كان قانون بلده يعامل اليمنيين بالمثل او بناءً على الاتفاقيات الدولية التي تكون الجمهورية اليمنية طرفاً فيها, كما ويعطي الحماية القانونية للرسوم والنماذج الصناعية للاجانب المقيمون في اليمن. أما الأجانب المقيمون في الخارج فتتقرر لهم الحماية طبقاً لاتفاقية دولية تعقدها الجمهورية اليمنية مع الدولة التي ينتمون إليها, أو بناءً على المعاملة بالمثل. ويستطيع كل اجنبي له مشروع انتاجي او خدماتي في اليمن ان يطلب تسجيل علامته الصناعية والتجارية فيها. ويتقرر للأجانب أصحاب المشروعات في الخارج وللاشخاص الاعتبارية الاجنبية التي يكون نشاطها الرئيسي في الخارج الحق في تسجيل علامتهم الصناعية والتجارية, وحقوق المكتشف والمخترع والمقترح طبقاً لاتفاقية دولية تعقدها الجمهورية اليمنية مع الدولة التي ينتمون اليها او بناءً على المعاملة بالمثل.

الخلاصة والمقترحات:

من خلال كل ما تقدم نخلص إلى أن القانون الدولي الخاص اليمني يتوزع على العديد من القوانين اليمنية, وتتواجد قواعده الأساسية في القانون المدني وقانون المرافعات والتنفيذ المدني, مما يستلزم من الجهة القضائية المعنية جهداً كبيراً في البحث والتدقيق في تلك القوانين للوصول إلى حل في القضية المنظورة أمامها, وجهداً أكبر من المواطن المعني بالقضية لمعرفة حقوقه وإلتزاماته, فكيف يكون الحال بالنسبة للأجنبي. هذا من جانب ومن جانب آخر نجد في بعض المواد المرتبطة بهذا المجال إختلافات بين قانون وآخر, أو تعريف لنفس المصطلح بطرق مختلفة بين قانون وآخر مثل تعريف التاجر في المادة (18) من القانون التجاري والمادة (2) من قانون السجل التجاري.
واستنادا إلى كل ماذكرناه في سياق هذا البحث المتواضع من ملاحظات نرى أنه من الضروري تجميع المواد المتعلقة بالقانون الدولي الخاص اليمني في قانون واحد ونقترح لهذا الغرض ما يلي:
1. تشكيل لجنة متخصصة لجمع المصادر الدولية مثل وثائق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الارتباط بمشاكل القانون الدولي الخاص, وكذا الاتفاقيات الدولية والثنائية الموقع عليها اليمن, ودراستها وتقديم ملخص بها.
2. تشكيل لجنة متخصصة من الكوادر الأكاديمية والمعنية يكون وظيفتها:
حصر وتجميع المواد المتعلقة بعناصر القانون الدولي الخاص المتوزعة في مختلف القوانين اليمنية.
دراسة هذه المواد وتنقيحها وتصحيحها بشكل أكثر وضوح وارتباط بالواقع اليمني والتجارب السابقة, وإعادة ترتيبها بشكل مستقل عن القانون الذي كانت جزءً منه وتقسيم هذه المواد إلى مجموعات بحسب موضوعها.
مقارنة المواد المشتركة أو المتداخلة أو المتناقضة بين القوانين وتوحيدها وخاصةً التعريفات.
الاستفادة من ملخص الوثائق الدولية, ومراجعة المواد المرتبطة بالقانون الدولي الخاص اليمني على أساسه.
3. إعداد مسودة مشروع قانون للعرض على مجلس النواب يسمى القانون الدولي الخاص اليمني يتم ترتيبه بحسب المجال القانوني الذي يناقشه.

المراجع:
1 – د. عوض الله شيبة الحمد السيد, الوجيز في القانون الدولي الخاص ” الجنسية-الاختصاص” الطبعة الثانية 1997م ص 562.
2 – محمد خالد الترجمان/ د. فؤاد عبد المنعم رياض, تنازع القوانين والاختصاص القضائي وأثار الأحكام الأجنبية 1988م ص23.
3 – د. محمد عبد الله المؤيد