بحث قانوني ودراسة متميزة عن حل العقود و النتائج المترتبة عليها قانونا

ورقه بحثيه بعنوان:
الانفساخ و النتائج المترتبه عليه

يارا محمود النجادات

المقدمه:

لا شك أن القانون المدني الأردني أهتم بموضوعات كثيره في نصوصه , ومما لا شك فيه أيضا أنه أعطى مساحه كبيره للعقد ; لما للعقد من أهميه كبيره في حياتنا اليوميه , لولا العقد لكن هناك الكثير و الكثير من الخلافات بين الأشخاص بغض النظر عن العلاقه بينهم و عن مراكزهم إن قانونيه ام تجاريه كانت .

فقد وضع نصوصا خاصه لإنعقاد العقد وهي: التراضي و المحل و السبب وأخيرا الجزاء , ووضع أيضا نصوصا خاصه لزوال الرابطه العقديه منها : ما يكون بالتنفيذ , بالإراده المنفرده , الفسخ و الإنفساخ ; و يكون زوال العقد بتراضي المتعاقدين أو التقاضي أو بمقتضى نصوص القانون,ولم ينسى المشرع التطرق إلى تبعه الهلاك التي تلحق زوال الرابطه العقديه في بعض حالاتها .

لما تعاقد محمد و كريم على بيع خمسه عشر تحفه و سبعه لوحات , بثمن معجل مئتان و خمسون دينار أردني ومؤجل خمس مئه دينار أردني تقبض عند التسليم , الذي سيكون بعد أسبوعين من تاريخ التعاقيد الذي تم في الخامس عشر من نيسان لعام 2010 , وبعد موعد التعاقد بخمسه أيام أي في العشرين من نيسان لعام 2010 شب حريق في محل محمد نتيجه تماس كهربائي مما أدى الى هلاك كامل البضاعه في المحل , عند حلول موعد التسليم لم يتم التسليم .

في ضوء الوقائع السابقه سيتم تقسيم هذه الورقه ألى مطلبين يعالج الأول موضوع الإنفساخ )الماده 247 من القاون المدني الأردني ) , أما المطلب الثاني فيعالج تبعيه الهلاك ( الماده 472 من القانون المدني الأردني ).

المطلب الأول :الإنفساخ

عرف الفقهاء الإنفساخ على أنه : “تخلف التزام أحد المتعاقدين وقت التنفيذ بقوه القانون بسبب الإستحاله الراجعه لسبب أجنبي لا يد للمتعاقد به ودون حاجه إلى حكم قضائي ودون الحاجه لطلب من الدائن ” (1)( ..وفي هذا الصدد فقد نصت الماده 247 من القانون المدني الأردني على أنه : “في العقود الملزمه للجانبين إذا طرأت قوه قاهره تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا انقضى معه الإلتزام المقابل له وأنفسخ العقد من تلقاء نفسه …”(3) . وتنص الماده 448 من نفس القانون على أنه “ينقضي الإلتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسببب أجنبي لا يد له فيه”.

يتبين لنا أنه إذا أصبح الإلتزام مستحيلا لسبب أجنبي فان هذا الإلتزام بنقضي بذلك ,وهذا حكم تقتضيه طبيعه الأشياء ذلك أنه إذا أستحال التنفيذ أصبحت هذه الإستحاله سببا لإنقضاء الحق (3).

ويدخل في أستحاله التنفيذ القوه القاهره و السبب الأجنبي و الحادث الفجائي .التي نص عليها المشرع الأردني في أطار المسؤوليه العقديه في نص الماده 247 المتقدم بيانها , وكذلك نص الماده261 الذي جاء فيها “إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كآفه سماويه أو حادث فجائي أو قوه قاهره أو فعل الغير أو فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون أو الاتفاق بغير ذلك” (4), يقصد بالقوه القاهره و الحادث الفجائي : ما كان من فعل الطبيعه بحيث لا يمكن توقعه ولا تلافيه .

بالرجوع إلى الوقائع محل الدراسه وتطبيقها على ما سبق, نجد أن التماس الكهربائي الذي أدى إلى حريق معرض محمد لا يمكن توقعه ولا تلافيه فهو قوه قاهره ,بناء على ذلك فقد استحال على البائع محمد تنفيذ التزامه بتسليم التحف و اللوحات الى كريم مما أدى إلى إنفساخ العقد تطابقا لنص الماده( 247) من القانون المدني الاردني.

أنور سلطان,مصادر الالتزام,الطبعه الرابعه,دار الثقافه,عمان,2010,صفحه 264
القانون المدني الاردني رقم 43 لسنه 1976
يوسف عبيدات,مصادر الالتزام,الطبعه الاولى,دارالمسيره,عمان,2009,صفحه266.
عبد القادر الفار,أحكام الالتزام,الطبعه السادسه,دار الثقافه,عمان ,2010,صفحه232

أما التساؤل الأخر الذي يدور بصدد معالج هذه الوقائع فهو الاثر القانوني المترتب على اثر انحلال العقد و المعجل الذي قام كريم بدفعه لمحمد , لقد اجابت الماده 248 من القانون المدني الاردني على هذا التساؤل معتبره العقد اصبح منفسخا مما يؤدي الى إعاده الحال الى ما كان عليها قبل العقد وهو هنا اعاده المئتان و خمسون دينارا أُردنيا الى كريم .

وقد جاء النص القانوني كما يلي “إذا أنفسخ العقد أو فسخ أعيد المتعاقدان إلى الحاله التي كانا عليها قبل العقد فإذا أستحال ذلك يحكم بالتعويض”.

وهذا النص في القانون المدني إنما يعكس الحرص على مصلحه المتعاقدين ,.فلو قرر القانون فسخ العقد دون إعاده الحال إلى ما كانت عليه ولا الحكم بالتعويض لكان هذا الأمر فيه إجحاف بحق المشتري كريم الذي قام بدفع مبلغ من الثمن مقدما ولكان فيه أثراء بلا سبب بحق البائع محمد .

وتأييدا لكل السابق ذكره فقد قضت محكمه التمييز الموقره بأنه ” إستنادا إلى الماده (247) من القانون المدني الأردني التي تقضي بإعاده المتعاقدين في العقد المفسوخ إلى الحاله التي كانا عليها قبل العقد فإذا أستحال يحكم بالتعويض فعلى محكمه الموضوع التي حكمت بإعاده ثمن السياره المباعه خارج دائره التسجيل إلى المشتري و إعاده السياره إلى ورثه البائع مع علمها بإن المشتري قد أستغل السياره من تاريخ عقد البيع أن تتحقق بأن السياره كانت على حالها عند التعاقد”.(1) قياسا عليه يتبين أنه على محمد إعاده المئتين و خمسون دينارا اردنيا التي كانت بمثابه دفعه اولى إلى المشتري كريم , ليعود الحال ألى ما كان عليه قبل التعاقد.

(1)تمييز حقوق رقم44/ 1988,منشورات عداله بنفس المضمون انظر تمييز/ حقوق 590 /2010 هيئه خماسيه تاريخ 27-4-2010.

المطلب الثاني:تبعة الهلاك قبل التسليم

حددت الماده( 472)من القانون المدني حكم من أحكام هلاك المبيع بالقول :”إذا هلك المبيع في يد المشتري بعد تسليمه لزمه أداء الثمن المسمى للبائع ,إذا هلك قبل التسليم بسبب لا يد للمشتري فيه يكون مضمونا على البائع “.من هذا النص يمكن القول أن حكم هلاك المبيع يختلف فيما إذا كان عند المشتري بعد التسليم وهذا ليس محور بحثنا أو عند البائع قبل التسليم وهو ما يهمنا في ورقتنا هذه.()

هلاك المبيع عند المشتري يمكن أن يحصل لأسباب كثيره منها الإهمال أو التقصر أو تعدي الغير إو القوه القاهره وهذا بدوره الذي يؤدي إلى زوال العقد بتراضي المتعاقدين أو التقاضي أو بمقتضى نصوص القانون فكل هلاك له زوال يتوافق معه سنتابع عن إنفساخ العقد بقوه القانون لاستحاله تنفيذ التزام المدين لسبب اجنبي.

يترتب على انفساخ العقد بقوه القانون لاستحاله تنفيذ التزام المدين لسبب اجنبي انقضاء هذا الالتزام و انقضاء الالتزام المقابل له تبعا لذلك (1), معنى ذلك ان المدين و قد استحال تنفيذ التزامه لا يستطيع مطالبه الدائن بتنفيذ ما تعهد به,وبذا يتحمل المدين تبعه استحاله تنفيذ التزامه , من ذلك أن المبيع اذا كان عينا معين بالذات تنتقل تبعه هلاكه , لا مع انتقال الملكيه , بل مع انتقال الحيازه.(2)

اذا كان الهلاك لا يد لاحد المتبايعين فيه انفسخ البيع و استرد المشتري ما اده من الثمن , ذلك ما تضمنته الماده (500) من القانون المدني الاردني ,ان كان المشتري لم يدفع الثمن بعد فلا يجبر على دفعه ,وان كان قد اداه فيستطيع استرداد ما اداه , وان رفض ذلك فيستطيع طلبه من القضاء .

السبب في عدم تحمل المشتري تبعه الهلاك قبل التسليم بارغم من انه اصبح مالكا , أن الملكيه لا تخلص له فعلا الا عند التسليم , وإن التزام البائع بالتسليم هو جزء متمم من التزامه بنقل الملكيه ,فإذا كان التسليم لم يتم فإن التزامه بنقل الملكيه يكون هو ايضا ناقص التنفيذ بالرغم من ان الملكيه تكون قد انتقلت للمشتري.(3)

محمد الزعبي,شرح عقد البيع ,دار الثقافه,عمان,2006,صفحه82.
سلطان ,مرجع سابق ,صفحه 265
عبد الرزاق السنهوري,الوسيط في شرح القانون المدني,الجزء الرابع,دار أحياء التراث,بيروت,1969,صفحه 612.
المرجع نفسه ,صفحه 611

بالرجوع الى الوقائع و مقارنتها بما سبق من شرح نجد ان اتفاق البائع محمد و المشتري كريم على التعاقد كان صحيحا لايشوبه اي عيب من عيوب الاراده , وكان من الممكن انتقال الملكيه من البائع محمد الى المشتري كريم في نفس اللحظه الا ان الاتفاق الذي بينهم كان على التسليم في وقت لاحق .

ولكن نشوب الحريق في محل محمد بعد تسليم كريم الدفعه الاولى من الثمن ادى الى هلاك البضاعه كامله بسبب القوه القاهره ,التي لم يكن من الممكن توقعها من البائع محمد و لا تلافيها , بناء على ذلك فان تبعه الهلاك تقع على عاتق البائع محمد و تسديد باقي الثمن ينقضي عن المشتري كريم .

الذي يستطيع بدوره العوده على البائع محمد بما اداه من ثمن بناء على نص الماده( 500 )من القانون المدني الاردني ,وان امتنع البائع محمد من اعاده المال الى المشتري كريم ,جاز له طلب المبلغ عن طريق القضاء .

وتأييدا لكل السابق ذكره فقد قضت محكمه التمييز الموقره بأنه ” استنادا الى الماده (247) من القانون المدني الاردني التي تقضي باعاده المتعاقدين في العقد المفسوخ الى الحاله التي كانا عليها قبل العقد فاذا استحال يحكم بالتعويض فعلى محكمه الموضوع التي حكمت باعاده ثمن السياره المباعه خارج دائره التسجيل الى المشتري و اعاده السياره الى ورثه البائع مع علمها بان المشتري قد استغل السياره من تاريخ عقد البيع أن تتحقق بان السياره كانت على حالها عند التعاقد”.(1)

1)تمييز حقوق رقم44/ 1988,منشورات عداله بنفس المضمون انظر تمييز/ حقوق 590 /2010 هيئه خماسيه تاريخ 27-4-2010.

الخاتمه

بعد دراسه لوقائع السابقه في ضوء نصوص القانون و الفقه و أحكام المحاكم ,يتبين لنا أن عقد البيع الذي قام بين البائع محمد و المشتري كريم هو عقد بيع صحيح , فسخ بحكم القانون بسبب التماس الكهربائي الذي يدرج في القانون الاردني تحت القوه القاهره كشكل من أشكال السبب الاجنبي سندا للماده 247 من القانون المدني الاردني .

ويترتب على فسخ العقد إعاده الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد , وصورته هنا إسترداد المشتري كريم المئتان و خمسون دينار اردني التي اداها من الثمن .

واكثر من ذلك فإن للسيد كريم و هو المشتري كل الحق في استرداد المبلغ الذي دفعه وإن امتنع البائع محمد من إعاده المال إلى المشتري كريم كان له اللجوء الى القضاء بناء على نص الماده 500 من القانون المدني الاردني و المطالبه بالمئتان و خمسون دينار التي أداها من الثمن المتفق عليه.

قائمه المصادر

أولا: الكتب.
– أنور سلطان , مصادر الالتزام , الطبعه الرابعه , دار الثقافه , عمان , 2010.
– يوسف عبيدات , مصادر الالتزام , الطبعه الاولى , دار المسيره , عمان , 2009 .
– عبد القادر الفار , أحكام الالتزام , الطبعه السادسه , دار الثقافه ,عمان , 2010 .
– محمد يوسف الزعبي,شرح عقد البيع,الطلعه الأولى ,دار الثقافه,عمان,2006.
– عبد الرزاق السنهوري , الوسيط , الجزء الرابع,دار احياء التراث العربي,لبنان,1969.

ثانيا :التشريعات .

القانون المدني الاردني رقم 43 لسنه 1976.

ثالثاً : القرارات القضائيه .
– تمييز/حقوق 44/ 1988منشورات عداله .
– تمييز/ حقوق 590 /2010 منشورات عداله .