كيف نشأت سلطة اقتراح القوانين

المؤلف : اشرف عبد الله عمر
الكتاب أو المصدر : السلطة المختصة باقتراح القوانين
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

نشؤ سلطة اقتراح القوانين في العراق
شهد العراق صدور عدد من الوثائق الدستورية اختصت بتنظيم ممارسة السلطة، وتمثلت تلك الوثائق في القانون الأساسي العراقي لعام 1925، والدستور الأول للجمهورية لعام 1958، ودستور (4) نيسان عام 1963 ( قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (25) لسنة 1963). ودستور (22) نيسان عام 1964 ( قانون المجلس الوطني رقم (61) لسنة 1964) ودستور (29) نيسان عام 1964، ودستور (21) أيلول عام 1968، ودستور (16) تموز عام 1970(1). هذا وقد تباينت الاتجاهات الدستورية بشأن حق إقتراح القوانين، التي تضمنتها الوثائق المتعددة .

وقد اخذ القانون الأساسي لعام 1925 بنظام الإقتراح المشترك، وأوكل حق الإقتراح لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية. وصورة الإقتراح هذه تعتبر من السمات المميزات للنظام البرلماني الذي تبناه القانون الأساسي العراقي. ونصت المادة (45) من القانون الأساسي على حق الإقتراح الممنوح للسلطة التشريعية بالنص ((لكل عضو من اعضاء مجلس النواب ان يقترح وضع لائحة قانونية عدا ما يتعلق بالأمور المالية التي سيأتي بيانها على شرط ان يؤيده فيه عشرة من زملائه، واذا قبل المجلس هذا الإقتراح يودعه مجلس الوزراء لسن اللائحة القانونية وكل إقتراح يرفضه المجلس لا يجوز تقديمه ثانية في الاجتماع نفسه)). وحدد القانون الأساسي السلطة التنفيذية ، بالوزارة والملك وعلى الرغم من ان الملك يعتبر رئيساً للسلطة التنفيذية، وهو بهذا الوصف يتمتع باختصاصات مهمة تطرق إليها بعض فقرات المادة (26) إلا انه ليس من هذه الاختصاصات (المبادرة بإقتراح مشروعات القوانين). أما فيما يتعلق بالوزارة فقد منحها القانون الأساسي حق إقتراح القوانين وفق المادة (62) الفقرة (2) التي تتضمن الآتي (( يقرر المجلسان اللوائح المرفوعة إليها من قبل الحكومة…)).

ويذهب البعض إلى أنه يمكن تفسير المادة (45) عن طريق الاستنتاج بمفهوم المخالفة، بأن حق الوزارة هنا يتضمن حق إقتراح القوانين المالية وغير المالية(3). وصفوة القول ان دستور عام 1925 قد أخذ بحق الإقتراح المشترك ما بين البرلمان والحكومة (الوزارة). ويؤيد هذا ما جرى عليه العمل في العراق في ظل احكام القانون الأساسي(4). أما بالنسبة للدستور المؤقت الصادر في (27) تموز عام 1958، فقد أحتوى على ثلاثين مادة وزعت على أربعة أبواب (5). وقد امتاز الدستور الأول للجمهورية الأولى في العراق، بأنه دستور موجز، وهذا الأيجاز الشديد أدى إلى عدم أحتواء الدستور على تنظيم مفصل لأي سلطة من السلطات وخاصة فيما يتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، مضلاً عن انه حجب تفاصيل مهمة عن اختصاصاتهما والعلاقة بينهما (6). ونصت المادة (21) من الباب الثالث من الدستورعلى ان ((يتولى رئيس مجلس الوزراء والوزراء السلطة التشريعية بتصديق مجلس السيادة)) ويتضح من هذا النص ان الدستور قد منح السلطة التشريعية إلى مجلس الوزراء.

ويفهم من النص كذلك ان المرحلة الأولى من عملية التشريع وهي مرحلة إقتراح مشروعات القوانين قد منحت ممارستها إلى مجلس الوزراء(7). وعلى هذا النحو فإن دراسة النص الدستوري تشير إلى أن المشرع الدستوري قد تبنى نظام الإقتراح المنفرد واوكل سلطة إقتراح القوانين إلى مجلس الوزراء بوصفه السلطة التشريعية . أما دستور عام 1963 (قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (25) لسنة 1963) (8). فقد عالج في بعض مواده العملية التشريعية، ومنها المادة (2) فقد جاء فيها (يتولى المجلس الوطني لقيادة الثورة السلطة التشريعية، فله حق وضع القوانين والأنظمة وتعديلها وإلغائها).

ويتضح من هذا النص ان السلطة التشريعية قد عهد بها إلى المجلس الوطني لقيادة الثورة، وبالرغم من ان الدستور لم يحدد تحديداً واضحاً مراحل العملية التشريعية، ومنها مرحلة الإقتراح. إلا انه يمكن القول ان اناطة مهمة وضع القوانين بالمجلس الوطني لقيادة الثورة، يشمل حق المجلس في إقتراح القوانين . هذا وقد منح دستور (22) نيسان عام 1964 (قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (61) لسنة 1964) السلطة التشريعية للمجلس الوطني لقيادة الثورة بموجب المادة (3) .

وجاء دستور (29) نيسان عام 1964 (قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (61) لسنة 1964) بنص الفقرة (ج) من المادة (69) منه على ان : (( تمارس الحكومة الأختصاصات التالية : … جـ. اعداد مشروعات القوانين والأنظمة…)). ويتبين من ذلك ، أنه بالرغم من ان الدستور قد نص في باديء الأمر على وجود هيئتين تمارسان السلطة التشريعية وهما ، المجلس الوطني لقيادة الثورة ومجلس الوزراء إلا انه خص مجلس الوزراء وحده بنص صريح يعطيه حق ممارسة تقديم اقتراحات مشاريع القوانين. ومن خلال ملاحظة النص الأصلي والنص المعدل للمادة (64). من دستور (21) أيلول عام 1968 يفهم ان الحكومة هي الجهة التي منحها الدستور حق تقديم إقتراحات مشروعات القوانين. فالدستور لم يشر صراحة او ضمناً إلى وجود جهة أخرى غير الحكومة تختص بتقديم مثل هذه الاقتراحات (عدا ما ورد في الفقرة (8) من المادة (44) المعدلة بشأن سلطات مجلس قيادة الثورة ).

أما دستور عام 1970 ، فقد تبنى نظام الإقتراح المشترك واناط حق إقتراح مشروعات القوانين بعدة جهات هي : رئيس الجمهورية، ومجلس قيادة الثورة، والمجلس الوطني ومجلس الوزراء.
___________________
1- أنظر في ذلك : د. احسان المفرجي، د. كطران زغير نعمه، د. رعد الجدة، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، مطبعة التعليم العالي والبحث العلمي، 1990، ص408.
د. نوري لطيف ، القانون الدستوري في العراق ، ط2، مطبعة علاء، بغداد، 1979، ص209.
د. حميد الساعدي، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق، دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل، 1990، ص167.
د. صالح جواد كاظم ، د. علي غالب خضير، د. شفيق عبد الرزاق، النظام الدستوري في العراق، وزارة التعليم العالي، بغداد ، 1980-1981، ص 104.
د. رعد الجدة، التشريعات الدستورية في العراق، بيت الحكمة ، بغداد ، 1982، ص29 وما بعدها .
2-يرى الأستاذ/ عطا بكري، ان الدستور العراقي جعل إقتراح القوانين المالية من اختصاص السلطة التنفيذية وحدها. بناء على طلب من الجانب البريطاني للهيئة التي شرعت القانون الأساسي واصدارها.
– أنظر الأستاذ/ عطا بكري، الدستور ، وحقوق الأنسان ومبادئ الدستور الأمثل، ج2 ، مطبعة الرابطة، بغداد، (1954)، ص197.
3- أنظر: د. عبد الله اسماعيل البستاني، مذكرات أولية في القانون الدستوري، بغداد، 1950-1951، ص350.
4- د. رعد الجدة، التشريعات الدستورية في العراق، المصدر السابق، ص60. د.منذر الشاوي، القانون الدستوري، الجزء2، مطبعة شفيق، بغداد ، 1964، ص41.
5- د. منذر الشاوي، المصدر نفسه، ص62.، الاستاذ / موسى القزويني، السلطة التشريعية في دساتير الجمهورية العراقية، طبع مكتب بغداد 1972، ص4
6- لمزيد من التفاصيل بشأن احكام دستور عام (1958)، أنظر :
– د. شمران حمادي، النظم السياسية والدستورية في الشرق الأوسط، شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، 1964، ص 943.
– د. صالح جواد الكاظم، و د.علي غالب خضير، و د. شفيق عبد الرزاق، النظام الدستوري في العراق، المصدر السابق ، ص 36.
7- يذهب الدكتور / حسان شفيق العاني، إلى اعتبار قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (25) لعام (1963)، جزءاً من دستور (27) تموز عام (1958) المؤقت.
انظر : حسان شفيق العاني، الدستور ، مطبعة جامعة بغداد، 1981، ص135.
8- نصت المادة (64) من دستور عام (1968) : (( أ. تمارس الحكومة الأختصاصات الأتية :
(( 4- الموافقة على لوائح القوانين والأنظمة ..)) وقد عدلت هذه الفقرة بموجب التعديل الرابع في 24/12/1969، ليصبح نص الفقرة (4) الآتي : (اعداد لوائح القوانين والانظمة).
انظر : الوقائع العراقية ، العدد 1819، بتاريخ 24/12/1969.

نشوء سلطة إقتراح القوانين في فرنسا
أخذت الدساتير الفرنسية اشكالاً مختلفة في معالجة مسألة إقتراح القوانين. فجعل دستور سنة 1791 من الملكية ، ملكية مقيدة بسلطاتها أي ملكية دستورية بمعناها الحديث . وتبنى الدستور نظام الإقتراح المنفرد من جانب البرلمان فقد نصت المادة الأولى من الباب الأول من القسم الثالث من الدستور على ان (يفوض الدستور، السلطة التشريعية وحدها السلطات الآتية : إقتراح وسن القوانين التشريعية) . وقد احتفظ الدستور للملك في ذات المادة (بحق دعوة السلطة التشريعية إلى النظر في بعض المسائل التي يقدر الملك أهميتها)(1) . ونجد الاتجاه نفسه في دستور السنة الاولى الصادر عام 1793، إذ نص في المادة (53) منه على ان (( إقتراح وسن القوانين يدخل ضمن اختصاص السلطة التشريعية )).

غير ان هذا الدستور لم يقترن بالتنفيذ بسبب الظروف التي كانت تعانيها فرنسا آنذاك (2). واعتنق الدستور الثاني في العام الثالث للجمهورية الصادر عام 1795 نظام الإقتراح المنفرد وقد أنشأ للمرة الاولى في فرنسا الثنائية في السلطة التشريعية ، بجعلها موزعة بين مجلسين، فالمجلس الأول هو (مجلس الشيوخ) ويتألف من مائتين وخمسين عضواً، والمجلس الثاني هو (مجلس الخمسمائة) وكان يضم هذا العدد من الأعضاء. وقد نص الدستور في المادة (76) منه على ان (إقتراح القوانين من اختصاص مجلس الخمسمائة) . كما نصت المادة (86) (على حق مجلس الشيوخ في قبول او رفض قرارات مجلس الخمسمائة). وبذلك فان حق المبادرة التشريعية او إقتراح القوانين كان منحصراً في مجلس الخمسمائة وحده ، بينما لا يحق لمجلس الشيوخ إلا ان يصوت على المشاريع المقدمة من المجلس الآخر، بقبولها او رفضها، دون ادخال أي تعديل عليها(3). واتجه دستور عام 1814 إلى منح الملك اختصاصات واسعة (4).

وقد انحصر حق الاقترح بالملك فقط، وفق احكام المادة (16) التي نصت بأن : (( الملك يقترح القوانين )) إلا ان المادة (19) قد منحت النواب (( حق مطالبة الملك بإقتراح قانون في موضوع ما، وتحديد ما يرونه مناسباً لمحتوى القانون )). وتضمنت المادة (15) من دستور سنة 1830 مبدأ الإقتراح المشترك إذ نصت على انه (( يختص بإقتراح القوانين كل من الملك ومجلس الأمراء والنواب )) . .واشار دستور سنة 1848 إلى مبدأ الإقتراح المشترك بصورة ضمنية إذ تطلب في المادة (75) منه استشارة مجلس الدولة بالنسبة للمشروعات الحكومية وتلك البرلمانية. ، أما دستور عام 1852 فقد منح حق إقتراح القوانين لرئيس الجمهورية وحده إذ اشارت المادة (8) من الدستور على: (اختصاص رئيس الجمهورية بإقتراح مشروعات القوانين).

كما نصت المادة (30) من الدستور على: (حق مجلس الشيوخ في عرض القواعد الأساسية لمشروع قانون على رئيس الجمهورية يوصيه إليه) ويلاحظ ان الدستور قيد حق البرلمان في صياغة مشروعاته صياغة قانونية ، وتبنى دستور 1865 نظام الاقتراح المشترك فقد نص في المادة (46) منه على ان : (( يختص بإقتراح القوانين كلٌّ من المجلسين والحكومة)). كذلك ورد حق الإقتراح المشترك في دستور سنة 1869 فنص في المادة الاولى منه على (( اشتراك الأمبراطور ومجلس النواب في إقتراح القوانين )) .

كما اخذ دستور سنة 1870 بالمبدأ نفسه إذ نصت المادة (11) من الدستور على ان ((السلطة التشريعية يمارسها كل من الأمبراطور ومجلس الشيوخ والنواب)) ونص المادة (12) على ان (( يختص بإقتراح القوانين كل من الأمبراطور ومجلس الشيوخ والنواب)). ونجد نظام الإقتراح المشترك أيضاً في دستور عام 1875 فقد نصت المادة (3) منه على ان (( للحكومة ولاعضاء المجلسين حق إقتراح القوانين))(5). نجد المنهج نفسه في الأحكام الدستورية الواردة في دستور عام 1946 و 1958، اذ اكدت حق الإقتراح المشترك واناطته بالبرلمان بمجلسيه، النواب والشيوخ ، ورئيس الجمهورية وفي ضوء ذلك فأن الإقتراح حقٌّ مشترك في ظل احكام النظام الدستوري الفرنسي.
____________________
1- Esmein، Element، de Droid Constitutional Francais et Compare، 1928، P. 512.
2-أنظر : د. أدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، مصدر سابق، ص234.
3- وهذا التباين في الاختصاص التشريعي قد وصفه واضع الدستور بعبارة شهيرة بقوله (( ان مجلس الخمسمائة أنما سيشكل خيال الجمهورية، بينما سيمثل ألف باء عقلها)). أدمون رباط، المصدر السابق، ص258-259، أحمد وفيق ، علم الدولة، مطبعة النهضة، القاهرة، 1935، ج2، ص309.
4- د. مصطفى البارودي، الحقوق الدستورية، مطبعة الجامعة السورية، (1952)، ج1، ص433.
5- د. عبد الرحمن القادري، مصدر سابق، ص 117.
– عبده عويدات، النظم الدستورية في لبنان والبلاد العربية والعالم، ط1، لبنان، (1961)، ص 275.

نشوء سلطة إقتراح القوانين في انكلترا والولايات المتحدة الامريكية
أولاً : في انكلترا :
يرتكز النظام الدستوري – العرفي – في بريطانيا على ثلاثة مبادئ أساسية ويدور تطبيقه حول ثلاث هيئات دستورية(1). فالمباديء الأساسية هي، مبدأ الفصل بين السلطات (2).، مبدأ سيطرة البرلمان ، مبدأ سيادة القانون. أما الهيئات الدستورية فهي ، البرلمان، والملك، والوزارة . ولقد بدأت الملكية في انكلترا بالصفة المطلقة إذ يجمع الملك بين يديه مختلف وظائف الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية . وفي تلك المدة لم يكن هناك تميز بين المراحل المختلفة التي تجرى بها العملية التشريعية. او لم يكن حق الإقتراح معروفاً بالمعنى الدقيق(3). الإقتراح بالمعنى الدقيق لم يبدأ في الظهور إلا عندما استكمل البرلمان هيمنته على الاجراءات التشريعية لسن القوانين، في عهد الملك (هنري السادس 1422-1471) عندما اصبح للبرلمان حق صياغة مقترحاته في شكل مشروع قانون يعرض على الملك للموافقة او الرفض، فإذا وافق عليه تحول إلى قانون مكتمل (4).

واستطاع البرلمان عن طريق اداتين تقرير حقه في التشريـع، الاداة الأولى تتمثل في سلطة البرلمان في الموافقة على الضرائب. فقد كان مجلس العموم-بحكم صفته التمثيلية عن الشعب – يساوم الملك في سبيل اصدار قانون معين مقابل موافقته على الضرائب التي يحتاجها . اما الاداة الثانية فكانت تتمثل في تقديمه عرائض للملك تتضمن الالتماس باصدار تشريعات معينة بحيث ان البرلمان ما كان ليوافق على الضرائب إلا اذا وقع الملك بالموافقة على العرائض المقدمة إليه . لكن على الرغم من ذلك فقد كان الملك يتعنت في اصدار التشريع، وفي حال موافقته على اصداره، فقد كان يصدره في صورة تفقده قيمته. ومن ثم طور الاسلوب إلى تقديم إقتراح التشريع بشكل مشروع. وعندئذ لم يكن امام الملك من طريق إلا ان يوافق على المشروع بصيغته أو لا يوافق، وعلى هذا النحو تمكن البرلمان من تأكيد حقه في العملية التشريعية وان يكون طرفاً في اي قانون يصدر(5). ويكاد يجمع الفقه بشأن سلطات الملك على ضرورة التمييز بين النظرية الدستورية والواقع العملي(6). فمن الناحية الدستورية يحتفظ الملك بكل سلطاته التقليدية بما في ذلك حق اقتراح القوانين .

اما من الناحية العملية فإن الوزارة بمقتضى النظام البرلماني، تمارس كل السلطات بما في ذلك اختصاصات الملك. فهي همزة الوصل بينه وبين البرلمان. وتبعاً لذلك لم يعد للملك حق اعداد مشروعات القوانين بحسب رأيه الشخصي، بل اصبح الأمر متروكاً للوزارة يؤيدها البرلمان . وفيما يتعلق بحق إقتراح القوانين . يلتزم الوزير الأول بطلب رأي الملك في مشروعات القوانين ، والمسائل الادارية المهمة قبل القيام بها بالنسبة لمشروعات القوانين التي يستخدم فيها حق الملك في الإقتراح . وفي ضوء ذلك ، يؤكد البعض ان انكلترا شهدت تنظيماً واحداً لحق الإقتراح هو الإقتراح المشترك بين الملك والبرلمان . إذ ان السلطة التشريعية مقسمة بين البرلمان والملك ، إذ يقوم مجلس البرلمان بوضع القانون بشكل مشروع يرفع للملك ولهذا الأخير الحق في رفضه او تحويله إلى قانون وذلك بالمصادقة عليه. هذا التطور ادى إلى تحرير السلطات التشريعية المطلقة التي كان يمارسها الملك واقتصار سلطاته في حقلين ، اولهما حق إقتراح القوانين .

وثانيهما حق الاعتراض على القوانين إذا صدر الإقتراح من البرلمان . وصفوة القول ان إقتراح القوانين في انكلترا قد برز بشكل دقيق في عهد الملك (هنري السادس) وان هذا الحق نشأ مشتركاُ بين الملك والبرلمان. ولكن حق الملك والبرلمان في إقتراح القوانين قد تأثر بشكل كبير بظهور مجلس الوزراء ، والاتجاه نحو جمع كل السلطات بيده بوصفه الهيئة التنفيذية للحزب الغالب في البرلمان . وقد ترتب على ذلك ان حق الإقتراح قد انتقل إلى الوزارة تمارسه باسم الملك او باسم الوزراء بإعتبارهم نواباً في البرلمان. ومع التطور السياسي بدأت سلطة البرلمان بالتطور بوصفها هيئة تشريعية بل انها اصبحت في مقدمة المؤسسات التي توجد على رأس الدولة وكان الفضل في ذلك يرجع إلى مجلس النواب أكثر منه إلى مجلس اللوردات. ويختص مجلس النواب بمناقشة مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة والموافقة عليها او بعضها. فإذا وافق مجلس النواب على مشروع القانون احاله إلى مجلس اللوردات(7). وهذا مجرد صيغة شكلية، ذلك لأن مجلس اللوردات لا يملك أي سلطة تجاه هذه القوانين التي وافق عليها مجلس النواب وكل ما يملكه هو تأخير الموافقة عليه واصداره (8).

ثانياً : في الولايات المتحدة :
يرتكز النظام الدستوري في الولايات المتحدة على الدستور الاتحادي الصادر في عام 1787 الذي يعتبر من اقدم الدساتير المكتوبة في العالم المعاصر. وعلى الرغم من تعديلات عدة أجريت عليه (بلغت ستة وعشرين تعديلاً) إلا ان هذه التعديلات قد حافظت على المعالم الرئيسية التي اصطبغ بها الدستور(9) . ولقد انشأ الدستور الأمريكي النظام الرئاسي الذي اراد به تقرير مبدأ فصل السلطات وذلك بتوزيع السلطات على هيئات مختلفة . ويتحقق الفصل بين السلطات بوجود : سلطة تنفيذية من اختصاص رئيس الجمهورية ، وسلطة تشريعية يباشرها الكونجرس بمجلسيه (أي مجلس النواب ومجلس الشيوخ) واخيراً سلطة قضائية (10). وبالرغم من ان الدستور قد عمل على تنظيم اختصاصات السلطات العامة إلا انه لم يتضمن نصاً صريحاً يخول الكونجرس سلطة إقتراح القوانين، ولكن استقر الرأي على ان السند الدستوري لاختصاص اعضاء الكونجرس بسلطة إقتراح القوانين يستفاد بشكل ضمني من نص فقرتين في الدستور هما : الفقرة الأولى من المادة الأولى من الدستور الأمريكي التي تنص بأن (( جميع السلطات التشريعية المقررة بموجب هذا الدستور تخول كونجرس الولايات المتحدة )). ومن طبيعة الأمر أن تخويل جميع سلطات التشريع يتضمن سلطة إقتراح القانون باعتبار ان إقتراح القوانين هو جزء من سلطة التشريع ومقدمه لها ومدخل إليها. أما الفقرة الأخرى فهي الفقرة السابعة من المادة الأولى التي تنص(11):
(( بان جميع مشروعات القوانين الخاصة بجمع او زيادة ايرادات الدولة ينبغي ان تصدر من مجلس النواب، ولكن لمجلس الشيوخ ان يقترح ادخال تعديلات على هذه المشروعات مثل سائر مشروعات القوانين الآخرى)). ويستفاد من هذه الفقرة ايضاً ان سلطة إقتراح مشروعات القوانين هي من اختصاص مجلس الشيوخ ومجلس النواب، فيما عدا مشروعات القوانين المتعلقة بجمع ايرادات الدولة او زيادتها فان إقتراحها يكون من اختصاص اعضاء مجلس النواب (12). ولا يشترط تقديم الإقتراح من عدد معين او نسبة معينة من الاعضاء وكثيراً ما تكون إقتراحات عضو الكونجرس بناء على رغبة الأجهزة التنفيذية او الادارية، او حزب من الأحزاب او جماعة من جماعات الضغط او بعض المواطنين العاديين من ابناء دائرته او غيرها.

فضلاً عن ان الدستور الأمريكي لم يتضمن نصاً صريحاً يخول الكونجرس سلطة إقتراح القوانين فإنه لم يتضمن ايضاً نصاً صريحاً يخول رئيس الجمهورية سلطة تقديم إقتراحات تشريعية (13). او نصاً يحرمه ذلك . بيد ان العمل قد جرى على ان للرئيس الأمريكي سلطة إقتراح القوانين استناداً إلى نص الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الدستور ونصها : (يقوم الرئيس من وقت لأخر بإبلاغ الكونجرس بمعلومات عن حالة الأتحاد. ويوصيه بأن يبحث الاجراءات التي يراها ضرورية وملائمة)(14). لذلك دأب الرؤوساء الأمريكيون على القاء خطاب بشأن حالة الأتحاد عند افتتاح كل دور من ادوار انعقاد الكونجرس، وذلك في جلسة مشتركة تضم اعضاء مجلس النواب والشيوخ معاً، كما يقوم الرئيس من وقت لآخر خلال دورة انعقاد الكونجرس بإرسال رسائل اخرى بشأن ما يعلن لهم من الموضوعات، او القاء بعضها شخصياً امام الكونجرس، بالنسبة للموضوعات بالغة الاهمية.

وجرى تفسير النص الدستوري المذكور، على ان لرئيس الجمهورية، سلطة إقتراح القوانين التي يراها ضرورية وملائمة. وبناءً على ذلك فقد اعتاد رؤوساء الجمهورية على ان يرفقوا برسائلهم السنوية وغيرها من الرسائل التي يوجهونها إلى الكونجرس (إقتراحات بقوانين) تسمى Administrative Bills) وهي غالباً ما تكون بصورة مشروع قانون تام الصياغة واحياناً بصورة فكرة لم تتم صياغتها القانونية. وبذلك الإقتراح التشريعي المباشر من جانب رئيس الجمهورية، أصبح للرئيس دور أساسي في التشريع (15).
______________________

1-انظر في ذلك : د. ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الاول ، الدول وانظمتها، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط3، 1983، ص167. د. محمد فؤاد مهنا ، دروس في القانون الدستوري ، النظامان الرئاسي والبرلماني في دساتير الدول العربية ، 1968 – 1969 ، بغداد ، ص 114.
2- من الناحية النظرية والدستورية يقوم النظام السياسي الإنكليزي على مبدأ الفصل بين السلطات مع وجود تعاون وتأثير متبادل بين السلطتين التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية (الحكومة). اذ من الثابت ان من حق البرلمان مساءلة الحكومة وحجب الثقة عنها. وبالمقابل يكون للحكومة حق حل البرلمان واجراء انتخابات جديدة .
د. ابراهيم عبد العزيز شيحا، و د. محمد رفعت عبد الوهاب، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية ، 1998، ص 342.
3- السيد صبري، حكومة االوزارة، مكتبة عبد الله وهبة ، القاهرة، 1944-1945 ،ص98.
4- د. عمر حلمي فهمي، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني، دراسة مقارنة ، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980، ص37.
5- د. ابراهيم درويش ، الدولة ، دار النهضة العربية، 1969، ص 322 وما بعدها .
6- د. محمود عاطف البنا، الوسيط في النظم السياسية ، ط2 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1994م، ص379.
7- يتألف مجلس اللوردات بطريقة معقدة ذلك أنه يعتبر من العهود الماضية والتي لم تنقرض إلى وقتنا الحاضر ، فهو ممثل الطبقة الاستقراطية في بريطانيا والتي ما زالت موجودة لحد الآن . ويتكون هذا المجلس من نوعين من الأعضاء : أعضاء بالوراثة وأعضاء بالتعيين . لمزيد من التفصيل أنظر : د. محسن خليل ، القانون الدستوري والنظم السياسية ، 1987،ص608 وما بعدها .
8- د. ربيع انور فتح الباب، الظروف الخاصة بنشأة نظام ازدواج الهيئة التشريعية، 1992، ص181.
9- تضمن الدستور الاتحادي عدة مبادئ رئيسية من اهمها :
– الشكل الجمهوري لنظام الحكم – الشكل الفيدرالي او الاتحادي.
– مبدأ الفصل بين السلطات – النظام الرئاسي كنظام للحكم .
– حماية الدستور لحقوق الانسان – سمو الدستور الاتحادي . د. ابراهيم عبد العزيز شيحا – د. محمد رفعت عبد الوهاب، النظم الساسية والقانون الدستوري مصدر سابق ص 353-358. د. محسن خليل ، القانون الدستوري والنظم السياسية ، 1987 ، ص 681 .د. عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والانظمة السياسية ، دار المعارف، ط1 ، ط4، 1965-1966، ص 258. د. محمود حلمي ، المبادئ الدستورية العامة ، دار الفكر العربي، 1964، ص 276. د. كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية ، مطبعة جامعة دمشق ، 1965، ص 282.
10- د. احمد ابو المجد، العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام الرئاسي، مجلة مصر المعاصرة، العدد (365) ، يوليو (1976) ، ص 54.
د. شمس مرغني علي، القانون الدستوري، دار الفكر العربي، (1977)، ص542.
د. عبد الرحمن القادري، الوجيز في المؤسسات السياسية والقانون الدستوري، النظم السياسية ، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، (1992) ص70 وما بعدها .
11- Article I.Sec. 7، 1 (all bills for raising revenue shall originate in the house of representatives، but the senate may propose or concur with amendments as on other bills).
12- د. يحيى السيد الصباحي، النظام الرئاسي الأمريكي والخلافه الأسلامية، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، (1993) ، ص 272.
13- ويذهب د. مصطفى ابو زيد فهمي : إلى اننا اذا لجأنا إلى النظام الرئاسي الأمريكي نجد ان الدستور يعترف للرئيس صراحة بحق الإقتراح .
انظر : د. مصطفى ابو زيد فهمي، الوجيز في القانون الدستوري، (1980) ص 417. كما يؤكد د. عبد الحميد متولي : ان السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية جعلت كلها من نصيب البرلمان وليس للرئيس حق إقتراح القوانين . د. عبد الحميد متولي، الوسيط في القانون الدستوري، الأسكندرية، ط1، (1956)، ص 232. اوضح د. محسن خليل: ان إقتراح القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية هو إقتراح يستقل به البرلمان وحدة، بحيث لا يمكن لرئيس الدولة ان يقوم به. د. محسن خليل، القانون الدستوري والنظم السياسية، مصدر سابق، ص 426. كذلك أكد د. فؤاد العطار : ان احدى النتائج التي ترتبت على الفصل التام بين السلطات في النظام الدستوري الأمريكي (ان ليس للرئيس حق إقتراح مشروعات القوانين. د. فؤاد العطار، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية ، (1965 – 1966) ، ج1 ، ص 420 .
14-Article 2، Sec، 3 ( he shall from time to time give to the congress information of the state of the union، and recommend to their consideration sach measures as he shall judge necessary and expedient).
15- يراجع بشان سلطة الرئيس الأمريكي في الإقتراح التشريعي :
– Cart Swisher : the theory and practice of American National Government، New York 1951، p. 102.
– Rowland Egger، the president of the United states، Mc Graw-Hill،Co.، 5th ed. ، 1962، P. 167.