بحث قانوني و دراسة شاملة للعقد في القانون

مدخل لنظرية العقد
منقول من موقع : http://www.moqatel.com

تعريف العقد

العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه.
والعقد، كذلك، هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، أو بعبارة أخرى، هو توافق إرادتين على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها.

تعريف العقد في القانون الفرنسي

المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي، تعرّف العقد بأنه “اتفاق يلتزم، بمقتضاه، شخص أو أكثر نحو شخص أو أكثر، بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو بالامتناع عنه”.

تعريف العقد في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء

يطلق العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، ويطلق أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته. ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.
وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، لما في كل أولئك من معنى الربط والتوثيق.
أما المعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء لكلمة العقد فانه لا يبعد عن المعنى اللغوي له، بل هو حصرُ له وتخصيص لما فيه من العموم، وللعقد معنيين عندهم، ويطلق بإطلاقين: فمن عباراتهم ما يفيد أن العقد هو ربط بين كلامين ينشأ عنه حكم شرعي بالتزام لأحد الطرفين أو لكليهما.
وهذا يتفق كل الاتفاق مع تعريف القانونيين للعقد بأنه توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله أو إنهائه.
ولذا فإن أكثر الفقهاء لا يطلقون اسم العقد على الطلاق، والإبراء، والإعتاق وغيرها مما يتم بكلام طرفٍ واحدٍ من غير كلام الطرف الثاني. في حين يطلقون اسم العقد على البيع، والهبة، والزواج، والإجارة وغيرها مما لا يتم إلاّ بربط كلامين من طرفين.
وبجوار هذا فإن هناك من الكتاب في الفقه من يعممون، فيطلقون كلمة العقد على كل تصرف شرعي، سواء أكان ينعقد بكلام طرفٍ واحد أم لا ينعقد إلاّ بكلام طرفين.

وفي الجملة أن كتب الفقه تذكر كلمة العقد، وتريد بها أحياناً المعنى العام، وهو المراد للتصرف، وتذكرها أحياناً وتريد بها المعنى الخاص، وهو ما لا يتم إلاّ من ربط كلامين يترتب عليه أثرُ شرعي. وهذا هو المعنى الشائع المشهور حتى يكاد ينفرد هو بالاصطلاح، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن إذا أطلقت كلمة العقد. أما المعنى الثاني فلا تدل عليه كلمة العقد، إلاّ بتنبيه يدل على التعميم.
ويطلق جمهور الفقهاء والأحناف منهم خاصة العقد بمعنيين:
الأول: هو تعليق كلام أحد المتعاقدين بكلام الآخر، شرعاً، على وجه يظهر أثره في المحل.
والثاني: العقد هو ما يتم به الارتباط بين إرادتين، من كلام وغيره، ويترتب عليه التزام بين طرفيه. فالعقد عند هؤلاء، لا يكون إلا في ما يحدث بين اثنين من تعاقد أو ارتباط بإرادتيهما.

الالتزام

يتوقف التعريف بالالتزام على المذهب الذي يؤخذ به في شأنه حيث يتنازعه مذهبان:

المذهب الشخصي:
وهو الذي يعتبر الالتزام رابطة بين شخصين ويستند إلى فكرة السلطة التي يخولها الحق لصاحبه، وهذه السلطة قد ترد على شيء كما في الحق العيني، وقد ترد على شخص كما في الحق الشخصي، وهي سلطة كاملة في الحق العيني كالملكية، أما في الحق الشخصي فلا تتناول إلاّ بعض حرية المدين وجانباً من نشاطه.

المذهب المادي:
وهو الذي يعتبر الالتزام رابطة بين ذمتين، باعتباره يمثل حقاً في ذمة الدائن، ويمثل حقاً في ذمة المدين، ويعتمد المذهب على التقريب بين الحق الشخصي والحق العيني باعتبار أن العنصر الغالب في الحق هو محل الحق لا أطراف الحق. فالحق الشخصي يجب أن يجرد من الرابطة الشخصية أي من علاقة الدائن بالمدين وأن ينظر إليه كعنصر من عناصر الذمة المالية.
ويمكن تعريف الالتزام بأنه رابطة قانونية بين شخصين، يلتزم، بمقتضاها، أحدهما، وهو المدين، بأن يقوم بعمل، أو بالامتناع عن عمل معين.
وعلى ذلك يكون للالتزام أركان ثلاثة هي:
1. طرفا الالتزام، دائن ومدين.
2. رابطة قانونية، يلتزم بمقتضاها المدين بأداء معين.
3. محل الالتزام وهو ما يجب على المدين أداؤه.
وقد عرّف المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري الالتزام، بأنه “حالة قانونية بمقتضاها يجب على الشخص أن ينقل حقاً عينياً، أو أن يقوم بعمل، أو أن يمتنع عن عمل”.
الفرق بين العقد والالتزام والتصرف القانوني
العقد يكون بتوافق إرادتين إيجاباً وقبولاً. أما الالتزام فهو التصرف المتضمن إرادة إنشاء حق من الحقوق أو إنهاء حق أو إسقاطه سواء أكان التصرف الذي ينتج التزاماً هو في مقابلة التزام من جانب آخر كما في البيع والإجارة، أم كان هذا الالتزام من جانبٍ واحدٍ كما في الوقف.
والالتزام بهذا المعنى يكون أعم من العقد الذي يشترط فيه اجتماع إرادتين على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء. على أن البعض قد خص الالتزام عند الإطلاق بحالة التزام الشخص نفسه. ولذا فانهم يطلقونه على أحوال الإرادة المنفردة، وهو بهذا المعنى يكون مقابلاً لمعنى العقد.
وأمّا التصرف: فهو ما يصدر من الشخص المميز بإرادته قولاً أو فعلاً ويرتب عليه الشارع نتيجة ما. وهو يشمل الالتزام والعقد. فالتصرف أعم من العقد لأنه يتناول ما كان بإرادتين، وما كان بإرادة واحدة. كما يتناول ما كان منشئاً لحق أو منهياً له كالطلاق أو مسقطاً له كالإبراء، كما يتناول ما لم يكن فيه شيئاً من ذلك كما في الإخبار بدعوى أو إقرار بحقٍ سابقٍ أو إنكار له أو حلف على نفيه. فهو إخبار بثبوت حق وليس إنشاء لالتزام أو إسقاط له.
وعلى هذا فإن فأي عمل من أعمال الإنسان، لا يوصف بأنه تصرف قانوني، إلا حيث تكون الإرادة قد اتجهت إلى إحداث أثر قانوني، ويتم هذا الأثر نتيجة مباشرة لاتجاه الإرادة إليه. أما إذا لم تقصد الإرادة إحداث أثر قانوني، يربط صاحبها ويقيده، أمام القانون، فلا نكون بصدد تصرف قانوني، بل عمل من أعمال المجاملات، كدعوة صديق إلى غداء.

شروط العقد وشروط صحته

نظراً إلى أن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني معين، لهذا، كان لا بد لانعقاد العقد من وجود أركان له، وهي:
1. الركن الأول وهو التراضي بين طرفيه.
2. الركن الثاني وهو المحل.
3. الركن الثالث وهو السبب.
4. وقد يضيف القانون أو المتعاقدان، ركناً رابعاً، وهو الشكل، وهذا هو العقد الشكلي.
ويترتب على فقدان ركن من هذه الأركان، بطلان العقد بطلاناً مطلقاً. فإذا انعدم التراضي لانعدام التمييز والإرادة، مثلاً، أو إذا انعدم السبب أو المحل، أو إذا لم يستوفيا ما يشترطه القانون، كأن كانا غير مشروعين، مثلاً، كان العقد باطلاً.
ويستلزم القانون، فضلاً عن هذه الأركان الثلاثة، التراضي والمحل والسبب، أن يكون كل من طرفَي العقد متمتعاً بالأهلية، وأن تكون إرادة كل منهما خالية من العيوب.
فاستيفاء العقد لأركانه شرط لانعقاده، والتمتع بالأهلية وسلامة الإرادة من العيوب، شرط لصحته. وجزاء فقدان أحد شروط الانعقاد، هو البطلان المطلق. أما جزاء فقدان شرط من شروط الصحة، فهو القابلية للإبطال، أو ما يسمى بالبطلان النسبي.
مجال العقد
يتحدد مجال العقد بالاتفاقات المنشئة للالتزامات بين أشخاص القانون الخاص، فتخرج من مجاله الاتفاقات المتعلقة بفروع القانون العام كالمعاهدة وهي اتفاق بين دولة ودولة أخرى وتحكمها قواعد القانون الدولي، والنيابة وهي اتفاق بين النائب وناخبيه وتحكمها قواعد القانون الدستوري، والوظيفة وهي اتفاق بين الحكومة والموظف وتحكمها قواعد القانون الإداري.
غير أنه حتى في مجال القانون الخاص تقتصر منطقة العقد على الاتفاقات المتعلقة بالذمة المالية، فنستبعد من مجاله الاتفاقات المتعلقة بروابط الأحوال الشخصية كالزواج، لأن الزواج ولو أنه، اتفاق بين الزوجين، إلاّ أن القانون وحده هو الذي يحدد آثاره، ولذا لا يعتبر عقداً بالمعنى الصحيح

أركان العقد

الأركان جمع ركن وهو جانب الشيء القوي الذي يتوقف عليه وجوده بكونه جزء ماهيته، كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة والصيغة بالنسبة للعقد.
فركن الشيء جزؤه الذي يتركب منه ويتحقق به وجوده في الوجود، بحيث إذا انتفى لم يكن له وجود.
وأركان العقد هي: التراضي، المحل، السبب.

أولاً: التراضي

التراضي هو تطابق إرادتين. والمقصود بالإرادة، هنا، هي الإرادة التي تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين، هو إنشاء الالتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه.
والتراضي، كذلك، هو توافق الإرادتين على إحداث أثر قانوني معين. ويُعَدّ التراضي ركن العقد الأساسي. فإذا فُقِدَ، لم ينعقد العقد. غير إنه يلزم أن يكون هذا التراضي سليماً، أي أن تكون إرادة كل من طرفي العقد، قد خلت من أي عيب يعيبها، من غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال. فإذا شاب رضاء أي من المتعاقدين عيب من هذه العيوب، كان العقد قابلاً للإبطال لمصلحته.
وقد نصت المادة 89 من القانون المدني المصري على أن “يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك، من أوضاع معينه لانعقاد العقد”.
على أن الإرادة، وهي أمر كامن في النفس، لا يمكن أن تحدث أثراً قانونياً معيناً، إلا إذا ظهرت إلى الخارج، أي إلا إذا أفصح صاحبها عنها.

ما هي الإرادة:

يرى علما النفس أن الإرادة كظاهرة نفسية تمر بمراحل أربع:
المرحلة الأولى: مرحلة التصور وفيها يستحضر الشخص العمل القانوني الذي يريد إبرامه.
والمرحلة الثانية: مرحلة التدبر وفيها يوازن الشخص بين شتى الاحتمالات والنتائج.
والمرحلة الثالثة: مرحلة التصميم وفيها يبت الشخص في الأمر، وهذه المرحلة هي جوهر الإرادة أو هي الإرادة نفسها.
والمرحلة الرابعة: مرحلة التنفيذ التي ينقل فيها الشخص إرادته من كامن النفس إلى العالم الخارجي فيفصح عن إرادة معينة تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين.
والتعبير عن الإرادة، يكون باللفظ، وبالكتابة، وبالإشارة المتداولة عرفاً. كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، أي يكون التعبير عن الإرادة مطابقاً لحقيقة ما قصدت إليه. ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً، إذا لم ينص القانون، أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً.
ويعتبر من قبيل القبول الضمني قيام الوكيل بتنفيذ الوكالة، إذ يدل هذا على قبوله لها.
وهناك فرق كبير بين السكوت والتعبير الضمني. فالتعبير الضمني، يفترض أن الشخص قد سلك مسلكاً معيّناً، يمكن أن يقطع في الدلالة على إرادته. أما السكوت، فهو أمر سلبي، لا يقترن بأي مسلك أو موقف، فضلاً عن أنه غير مصحوب بلفظ أو كتابة أو إشارة.
والسكوت لا يمكن أن يُعدّ طريقاً للتعبير عن الإيجاب. ذلك أن الإيجاب عرض، والعرض لا يمكن أن يستفاد إلا بفعل إيجابي، أي بفعل إيجابي محدد موجّه إلى الغير.
أمّا فيما يتعلق بالقبول، فالقاعدة، كذلك، أن القبول لا يمكن أن يستفاد من مجرد السكوت، إذ لا ينسب إلى ساكت قول. وكقاعدة عامة من غير المتصور أن يكون السكوت تعبيراً عن الإرادة والتي هي عمل إيجابي، في حين لا يتضمن السكوت إيجاباً لأنه عدم، والعدم لا ينبئ بشيء وهو كذلك لا يتضمن قبولاً. إلا أنه إذا كان مجرد السكوت لا يُعدّ قبولاً، فإن هناك حالات استثنائية، يمكن أن يكون السكوت فيها دليلاً على القبول، وهي حالات يقترن فيها بالسكوت ظروف وملابسات، ويسمى السكوت الملابس. ومثال ذلك:
1. ما ذهب إليه القضاء الفرنسي من أن السكوت يُعدّ قبولاً، إذا كان بين المتعاقدين تعامل سابق، واتصل الإيجاب بهذا التعامل السابق.
2. وكذلك الحال، إذا كانت طبيعة المعاملة تقضي بذلك، مثل ما جرت عليه عادة المصارف من إرسال بيان إلى عملائها بالحساب الجاري، فإن عدم اعتراض العميل على هذا البيان، في وقت مناسب، يُعدّ اعتماداً له.
3. إذا كان الإيجاب يسفر عن منفعة خالصة للموجّه إليه، فإن سكوت من وُجّه إليه البيان يُعدّ قبولاً.
مثال ذلك، أن يَعِد شخص آخر بأن يبيع له ما له، بمبلغ معين، إذا أظهر رغبته في ذلك، في ظرف مدة محددة. فيسكت هذا الأخير، فيكون سكوت الموعود قبولاً، لأن الوعد مفيد له فائدة بحتة، ولا يلزمه بأي التزام.
أو كعارية استعمال تعرض على المستعير فيسكت فيعتبر سكوته في هذه الحالة قبولاً. حيث أن الإيجاب يتضمن منفعة ظاهرة لمن وجه إليه.
وينتج التعبير أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجّه إليه. ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ( المادة 91 من القانون المدني المصري). وإذا عيّن ميعاد للقبول، التزم الموجب بالبقاء على إيجابه، إلى أن ينقضي هذا الميعاد.
والتعبير عن الإرادة إيجاباً كان أو قبولاً قد تسبقه مفاوضات بين المتعاقدين يمر فيها العقد بمراحل مختلفة، كمرحلة الوعد بالعقد، والعقد الابتدائي، والتعاقد بالعربون، وقد لا يجمع المتعاقدين مجلس واحد فتثار مسألة زمان ومكان انعقاد العقد أو ما يعرف بالتعاقد فيما بين الغائبين.
1. الوعد بالتعاقد:
كالوعد بالبيع مثلاً هو عقد يلتزم بمقتضاه الواعد ببيع شيء إذا أظهر الموعود له رغبته في الشراء في مدة معينة، وكثيراً ما يلجأ إلى هذا العقد في الحياة العملية، خصوصاً بعد أن تعقدت المعاملات وتشعبت ومن أمثلة ذلك: ما تلجأ إليه شركات البناء العقارية لتيسير تأجير مبانيها فتضمن عقود الإيجار الصادرة منها وعداً ببيع العين إلى المستأجر. وكما يصدر الوعد من البائع فقد يصدر أيضاً من المشتري ويسمى بالوعد بالشراء.
2. العقد الابتدائي:
قد يكون الوعد بالتعاقد ملزماً للجانبين ومثل هذا الوعد يسمى في العمل بالعقد الابتدائي، وفيه يتفق الطرفان على جميع شروط العقد المراد إبرامه، مع تحديد أجل العقد النهائي. فإذا حل الأجل المحدد لتحرير العقد النهائي وامتنع أحد الطرفين دون سبب مقبول عن إمضائه جاز للطرف الآخر رفع دعوى صحة التعاقد للحصول على حكم بثبوت البيع.
وإذا ظهر هناك اختلاف بين الشروط الواردة في العقد الابتدائي والشروط التي تضمنها العقد النهائي تعين الرجوع إلى ما تضمنه العقد النهائي.
3. التعاقد بالعربون
العربون هو مبلغ من المال (أو أي شيء منقول آخر)، يدفعه أحد المتعاقدين إلى المتعاقد الآخر، وقت انعقاد العقد. ودفع العربون، وقت إبرام العقد، يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه. إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه. هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر.
والغرض من دفع العربون إما الدلالة على أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن الصفقة ونقض العقد، وإما الدلالة على أن العقد قد تم نهائياً، وأن القصد من دفع العربون هو ضمان تنفيذه.
ويرجع إلى نية المتعاقدين الصريحة أو الضمنية لتحديد الغرض من العربون.
والظاهر من استقراء أحكام المحاكم المصرية: أن العربون إذا دُفِعَ في عقد بيع ابتدائي كان دليلاً على جواز العدول، وإذا دُفِعَ في عقد بيع نهائي كان دليلاً على أن العقد أصبح باتاً.
4. التعاقد فيما بين الغائبين:
قد لا يضم المتعاقدين مجلس واحد فتمضي فترة من الوقت بين صدور القبول وعلم الموجب به، كما في العقود التي تتم بالمراسلة أو بواسطة رسول. فهل ينعقد العقد في الوقت والمكان اللذين صدر فيهما القبول؟ أم في الوقت والمكان اللذين علم فيهما الموجب بالقبول؟
وقد فصل التقنين المدني المصري في الخلاف القائم بين الفقهاء حول تحديد ومكان التعاقد بين الغائبين فقرر في المادة (97) مدني أنه:
1. يعتبر التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
2. ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول”.
عيوب الرضا
التراضي لا يكون صحيحاً، إلا بشرطين:
1. أن يكون صادراً من ذي أهلية.
2. أن يكون صادراً من ذي إرادة سليمة، غير مشوبة بعيب من عيوب الرضا.
وعيوب الرضى هي:

الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال.

أ. الغلط
هو وهم، يقوم في ذهن الشخص يحمله على اعتقاد غير الواقع. أي اعتقاد خاطئ يقوم في ذهن المتعاقد، فيدفعه إلى التعاقد. فإذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر، قد وقع، مثله، في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه. ومعنى ذلك أن الغلط لا يؤدي إلى إبطال العقد إذا تعذر على الذي وقع في الغلط إثبات أن الغلط كان مشتركاً أو كان المتعاقد الآخر يعلم به، أو يسهل عليه العلم به. ولا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم. ولكن، يجب تصحيح الغلط، وليس لمن وقع في غلط، أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية. ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد، الذي قصد إبرامه، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد. وعلى ذلك يظل من يشتري شيئاً معتقداً غلطاً أن له قيمة أثرية، مرتبطاً بعقد البيع، إذا عرض البائع استعداداً لأن يسلمه نفس الشيء الذي انصرفت نيته إلى شرائه.
والغلط في القانون كالغلط في الواقع يؤدي إلى بطلان العقد بطلاناً نسبياً إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع. فإذا كان الغلط في القانون جوهرياً وتناول قاعدة قانونية لا تتصل بالنظام العام فيمكن التمسك به لإبطال العقد، ومن الغلط في القانون أن يبيع شخص نصيبه في التركة معتقداً أنه يرث الربع في حين أنه يرث الثلث.
أما الغلط في القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام فلا يؤثر على صحة العقد فلو أجر مالك أرض زراعية بأكثر من سبعة أمثال الضريبة المفروضة عليها جهلاً منه بالقاعدة القانونية المقررة في هذا الشأن، فإن الأجرة تُخفض إلى الحّد القانوني، ولا يجوز للمالك طلب إبطال العقد لغلطة في القانون، كما كان في قانون إيجارات الأراضي الزراعية قبل تعديله. وعلى من يدّعي أن إرادته معيبة بالغلط، أن يثبت هذا الغلط، الذي وقع فيه، وإثبات الغلط يكون بكافة سُبُل الإثبات.

ب. التدليس
هو إيهام الشخص بغير الحقيقة، بقصد حمْله على التعاقد.
ويجوز إبطال العقد، للتدليس، إذا كانت الحيل، التي لجأ إليها أحد المتعاقدين، أو نائب عنه، من الجسامة، أنه لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد. ويُعَدّ تدليساً السكوت، عمداً، عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلَّس عليه، ما كان ليبرم العقد، لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة.
وظاهر من هذا التعريف أن التدليس لا يعتبر عيباً مستقلاً من عيوب الرضا، بل هو علة تعيب آخر، وهذا العيب هو الغلط. ذلك أن الغلط إمَّا أن يكون تلقائياً أي ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه وإما أن يكون مستثاراً، أي تثيره في الذهن الحِّيل التي استعملها المتعاقد الأخر، وفي الحالتين يكون العقد قابلاً للإبطال للغلط.
وللتدليس ثلاثة عناصر هي:
1. استعمال وسائل احتيالية.
2. نية التضليل ( للوصول إلى غرض غير مشروع ).
3. أن تكون الحيلة مؤثرة أي تحمل على التعاقد.

العنصر الأول

وتتخذ الحيل المستعملة في التدليس صوراً شتى، تختلف باختلاف حالة العاقد المدَلّس عليه. ولذا فالمعيار فيها ذاتياً.
فكل إخفاء لواقعة لها أهميتها في التعاقد سواءً كان ذلك بطريق إيجابي وهو الكذب، أو بطريق سلبي وهو الكتمان تعتبر تدلساً مفسداً للرضا متى اكتملت فيه العناصر المكونة للتدليس.

العنصر الثاني

نيّة التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع، فإذا انتفت نية التضليل فلا تدليس، كما هو الشأن فيما يصدر من الباعة من انتحال أحسن الأوصاف لسلعهم بقصد ترويجها فهذا من قبيل الكذب الذي لا أثر له على صحة العقد، ولكن لو وقع المتعاقد الآخر في غلط نتيجة لهذا العمل فيبطل العقد للغلط لا للتدليس.
أمّا إذا كان الغرض من التضليل مشروعاً فلا تدليس كما لو استعمل المودع ـ وقد تبين له أن المودع عنده غير أمين ـ طرقاً احتيالية للحصول على إقرار منه بالوديعة.

العنصر الثالث

أن تكون الحيلة مؤثرة أي أن تبلغ من الجسامة حداً يعتبر دافعاً للمتعاقد على التعاقد. وجسامة الحيلة يرجع فيها إلى معيار ذاتي لأنها تتوقف على حالة المدلس عليه، إذ من الناس من يصعب خداعه، ومنهم من يسهل غشه. ويلاحظ أنه إذا تم العقد بين أكثر من شخصين كعقد شركة مثلاً، وكان موضوعه غير قابل للانقسام فانه يمتنع على العاقد المدّلس عليه طلب، أبطال العقد، متى كان باقي المتعاقدين بمعزل عن هذا التدليس، ولا يستطيعون العلم به، ويقتصر حقه والحالة هذه على طلب التعويض ممن صدر منه التدليس.

ج. الإكراه

الإكراه هو ضغط، يتعرض له أحد المتعاقدين، يولّد في نفسه رهبة، تدفعه إلى التعاقد.
والإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلاّ بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قِبَل للمكره باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً.
وهذا هو الإكراه المفسد للرضا وهو يختلف عن الاكراه المعدم للرضا والذي يترتب عليه بطلان العقد بطلاناً أصلياً، كما لو أمسك المكرِه بيد المكرَه والقلم فيها للتوقيع على العقد حيث لا يمكن القول حينئذٍ بوجود الإرادة بعكس الإكراه المفسد للرضا فالإرادة موجودة وإن لم تكن مختارة. وإذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه. والإكراه يكون مشروعاً أو غير مشروع بحسب الغرض منه. فإذا كان الغرض من الإكراه مشروعاً فانه لا يفسد العقد سواء كانت وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة. كل هذا بشرط ألاّ تصل الوسيلة غير المشروعة على درجة الجريمة المعاقب عليها.

د. الاستغلال

قد ينظر إليه من الناحية المادية فيسمى غبناً، وقد ينظر إليه من الناحية النفسية فيسمى استغلالاً.
فإذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبيّن أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلاّ لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد.
وعدم التعادل يكون عادة في العقود المحددة، إلا أنه أيضاً قد يكون كذلك في العقود الاحتمالية إذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد الطرفين يرجح كثيراً على احتمال الربح. وذلك متى اجتمع في العقد الاحتمالي معنى الإفراط ومعنى استغلال العاقد. كما في بيع عقار مقابل إيراد مرتب لمدى حياه البائع، إذا كان احتمال وفاة البائع قريبة الحدوث بسبب كبر السن وضعف الصحة وتفاقم العلة.
والاستغلال كما يقع في عقود المعاوضات سواء أكانت محددة أم احتمالية، قد يقع كذلك في أعمال التبرعات سواء أكانت عقوداً كالهبة أم أعمال قانونية صادرة من جانب واحد كالوصية. ويقصد بالطيش البيّن: هو عدم البصر بالأمور وقلة المبالاة بعواقب الأعمال أو هو الاهتمام بالمنافع الحالة وإغفال المضار المستقبلية وعلى هذا فهو مرض يصيب الأشخاص الطبيعية دون الأشخاص المعنوية. والهوى الجامح: هو رغبة شديدة تقوم في نفس الشخص ولو لم يكن معروفاً بالطيش، تفقده دون أن يدري سلامة الحكم على أعمال معينة هي موضوع هذه الرغبة. وأيما كان نوع النقص الذي يعاني منه المغبون فإنه يجب أن يكون معلوماً من الطرف الآخر، وأن يقصد استغلاله لصالحه.
وجزاء الاستغلال يتمثل في أحد أمرين هما: القابلية للإبطال أو إنقاص التزامات المتعاقد المغبون.
وللاستغلال عنصران:
1. العنصر المادي: وهو عدم التعادل، أو انعدام المقابل في العقد، ولا بد أن يكون هذا الغبن فاحشاً.
2. العنصر النفسي: وهو وجود ضعف معيّن لدى المتعاقد المغبون، واستغلال المتعاقد الآخر هذا الضعف. ويمكن إثبات الاستغلال في العقود بجميع وسائل الإثبات.

ثانياً: المحل

وهو الركن الثاني من أركان العقد.
محل الالتزام ومحل العقد
أ. محل الالتزام
محل الالتزام هو ما يتعهد به المدين، والمدين يلتزم إما بإعطاء شيء كنقل الملكية للشيء المبيع، أو ترتيب حق عيني على شيء كالرهن، وأما القيام بعمل كالتزام مقاول ببناء منزل، أو الامتناع عن عمل كالتزام بائع المتجر بالامتناع عن مزاولة نفس التجارة في الجهة الكائن فيها المتجر المبيع.
ب. ومحل العقد
هو العملية القانونية، التي يراد تحقيقها من طريق التراضي. وهذه العملية القانونية، تتحقق من طريق جملة الالتزامات الناشئة عن العقد.
ومحل العقد يتنوع بحسب الغايات المتعددة، التي يريد المتعاقدون تحقيقها.
ويشترط في محل العقد، ألا يكون مخالفاً للنظام العام أو للآداب.
ويجب أن يستوفي محل الالتزام، إذا كان شيئاً، الشروط الآتية:
* أن يكون الشيء موجوداً، أو قابلاً للوجود.
* أن يكون داخلاً في التعامل.
* أن يكون معيّناً أو قابلاً للتعيين.
ويجب في محل الالتزام، إذا كان أداء عمل، أو الامتناع عن عمل:
* أن يكون ممكناً.
* أن يكون مشروعاً.
* أن يكون عملاً شخصياً من جانب المدين.

ثالثاً: السبب

وهو الركن الثالث من أركان العقد.
والسبب في العقد، هو الغرض الذي يقصد المتعاقد إلى تحقيقه، أو هو الباعث، الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد. والبواعث التي تحمل الإنسان على إبرام عقد ما، هي بواعث متعددة، ومتنوعة، ومختلفة من عقد إلى أخر، ومن متعاقد إلى آخر. فإذا سألت لماذا اشترى فلان هذا المنزل؟ كانت الإجابة لأنه يريد أن يسكنه، أو يريد استغلاله فندقاً، أو يؤجره … وهكذا. وسبب العقد، أي سبب العملية القانونية، التي يريد العاقد تحقيقها، هو ما يُعرف بالباعث أو الدافع الفردي، أو الباعث الذاتي. ويجب أن يكون سبب العقد مشروعاً، أي لا يكون مخالفاً للنظام العام أو للآداب، أما السبب في الالتزام: فهو ما يحمل الشخص على الالتزام، وهو واحد في كل نوع من أنواع العقود، ففي البيع مثلاً سبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع إليه، وسبب التزام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري هو التزام هذا الأخير بدفع الثمن إليه. أيّ أنه في كافة عقود البيع سبب التزام المشتري أو سبب التزام البائع واحد لا يتغير. والسبب في هذا المعنى يشترط فيه شرطاً واحداً وهو أن يكون موجوداً.
وإذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو للآداب، كان العقد باطلاً

البطلان

البطلان هو الجزاء المترتب على فقدان ركن من أركان العقد. فيصبح العقد كأنه لم يكن. والبطلان نوعان هما:

أ. العقد الباطل بطلاناً مطلقاً
وهو يعني أن العقد لم ينعقد، أصلاً، ولذلك، يكون للمتعاقدين، ولكل ذي مصلحة، أن يتمسك بالبطلان. ولا يترتب على العقد الباطل بطلاناً مطلقاً، أي أثر، ولا تصح إجازته.

ب. العقد الباطل بطلاناً نسبياً.
* هو عقد صحيح، ينتج أثاره جميعاً. ولكنه يكون مهدداً بالزوال، متى طلب إبطاله أحد طرفَيه، وهو من وضع الإبطال في مصلحته. فإذا حكم بالبطلان، أصبح العقد باطلاً، من يوم انعقاده، مثل العقد الباطل بطلاناً مطلقاً. والعقد الباطل بطلاناً نسبياً، لا يمكن طلب بطلانه، إلا بواسطة طرف في العقد، هو من حماه القانون بهذا البطلان، وتجوز إجازته، بنزول صاحب الحق عن طلب البطلان.
* إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد، فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق.
* ويزول حق إبطال العقد بالإجازة، الصريحة أو الضمنية. وتستند الإجازة إلى التاريخ، الذي تم فيه العقد، من دون إخلال بحقوق الغير.
* ” يسقط الحق في إبطال العقد، إذا لم يتمسك به صاحبه، خلال ثلاث سنوات. ويبدأ سريان هذه المدة، في حالة نقص الأهلية، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفي حالة الغلط والتدليس، من اليوم الذي ينكشف فيه، وفي حالة الإكراه، من يوم انقطاعه. وفي كل حال، لا يجوز التمسك بحق الإبطال، لغلط أو تدليس أو إكراه، إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد” (المادة140 من القانون المدني المصري).
* ” إذا كان العقد باطلاً، جاز لكل ذي مصلحة، أن يتمسك بالبطلان. وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. ولا يزول البطلان بالإجازة. وتسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة، من وقت العقد” (المادة 141من القانون المدني المصري).
* ” في حالتَي إبطال العقد وبطلانه، يعاد المتعاقدان إلى الحالة، التي كانا عليها قبل العقد. فإذا كان هذا مستحيلاً، جاز الحكم بتعويض معادل. ومع ذلك، لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته، أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة، بسبب تنفيذ العقد” (المادة 142من القانون المدني المصري).
* ” إذا كان العقد في شق منه باطلاً، أو قابلاً للإبطال، فهذا الشق، وحده، هو الذي يبطل. إلا إذا تبيّن أن العقد ما كان ليتم بغير الشق، الذي وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال، فيبطل العقد كله” ( المادة 143من القانون المدني المصري ). وهذا ما يعرف بانتقاص العقد، حيث يفترض بقاء نفس العقد مع بتر الجزء الباطل منه إذا كان هذا العقد قابلاً للانقسام.
ومن صور الانتقاص أنه يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على سعر آخر للفوائد سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أي حالة أخرى تشترط فيها الفوائد على ألاّ تزيد على 7%، فإذا اتفقا على أكثر من ذلك وجب تخفيضها إلى النسبة المقررة، وتعين رد ما دُفِعَ زائداً على هذا المقدار. ويشترط لانتقاص العقد الشرطين التاليين:
1. أن يكون العقد باطلاً في جزء منه فقط. فإذا كان باطلاً بأكمله فلا ينتقص بل يتحول إلى عقد آخر إذا توافرت شروط ذلك.
2. أن يكون العقد قابلاً للانقسام فإذا لم يكن كذلك ترتب على بطلان جزء منه بطلان العقد بأكمله، وتحول إلى عقد آخر إذا توافرت شروط ذلك.
* ” إذا كان العقد باطلاً أو قابلاً للإبطال، وتوافرت فيه أركان عقد آخر، فإن العقد يكون صحيحاً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه، إذا تبيّن أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد” (المادة 144 من القانون المدني المصري).
وهذا ما يعرف بنظرية تحول العقد، ومن صور تحول العقد الباطل إلى عقد صحيح ما نصت عليه المادة (108) من قانون التجارة المصري من أن الكمبيالة التي لا تتوافر فيها الشروط التي يتطلبها القانون تعتبر سنداً عادياً إذا كانت مستوفية الشروط اللازمة لهذه السندات.
ويشترط لتحول العقد ثلاثة شروط هي:
1. بطلان العقد الأصلي.
2. استجماع العقد الأصلي عناصر عقد آخر.
3. انصراف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى العقد الآخر.
حالات خاصة للبطلان
حدد القانون المصري حالات خاصة للبطلان، منها:
1. ما نصت عليه المادة 471 من القانون المدني المصري، من أنه “لا يجوز للقضاة، ولأعضاء النيابة، ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم، ولا للمحضرين، أن يشتروا، بأسمائهم، ولا باسم مستعار، الحق المتنازع فيه، كله أو بعضه، إذا كان النظر في النزاع، يدخل في اختصاص المحكمة، التي يباشرون أعمالهم في دائرتها، وإلا كان البيع باطلاً”.
2. كما نصت المادة 472، كذلك، على أنه “لا يجوز للمحامين، أن يتعاملوا مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها، إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها، سواء أكان التعامل بأسمائهم أم باسم مستعار، وإلا كان العقد باطلاً”. والجزاء في الحالتين السابقتين هو البطلان المطلق.
3. كما نصت المادة 479 على أنه “لا يجوز لمن ينوب عن غيره، بمقتضى اتفاق، أو نص، أو أمر من السلطات المختصة، أن يشتري بنفسه مباشرة، أو باسم مستعار، ولو بطريق المزاد العلني، ما نيط به بيعه بموجب هذه النيابة، ما لم يكن ذلك بإذن القضاء، ومع عدم الإخلال بما يكون منصوصاً عليه في قوانين أخرى”.
4. وكذلك ما نصت عليه المادة 480، من أنه “لا يجوز للسماسرة، ولا للخبراء، أن يشتروا الأموال المعهودة إليهم، في بيعها، أو في تقدير قيمتها، سواء أكان الشراء بأسمائهم أم كان باسم مستعار”.
والجزاء في الحالتين، هو البطلان النسبي، كما جاء في المادة 481 “يصح العقد في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين، إذا أجازه من تم البيع لحسابه”.

آثار العقد

إذا استجمع العقد أركانه وتوافرت في كل ركن شروطه، انعقد العقد صحيحاً وترتب عليه آثاره، وآثار العقد تتحدد من حيث نطاقها بالعاقدين، فلا تنصرف إلى الغير، وهذا ما يعرف بنسبية آثار العقد. فأثر العقد ينصرف إلى المتعاقدين، سواء تم التعاقد مباشرة أو بوساطة نائب، ما دام هذا النائب قد تعامل باسم الأصيل، إلا أن أثر العقد يمتد كذلك إلى خلفاء العاقد وهم من يمثلهم في العقد، والخلف إمّا أن يكون خلفاً عاماً، وإمّا أن يكون خلفاً خاصاَ.

أ. الخلف العام أو الخلف بسبب عام

وهو مَن تنتقل إليه ذمة غيره المالية، كلها أو جزء منها، مثل الوارث. وعلى ذلك، فالخلافة العامة، لا تكون إلا بسبب الوفاة. وتنص المادة 145 من القانون المدني المصري علي أن “ينصرف أثر العقد إلي المتعاقدين والخلف العام، دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث، ما لم يتبين من العقد، أو من طبيعة التعامل، أو من نص القانون، أن هذا الأثر لا ينصرف إلي الخلف العام”.
بمعنى أن أثر العقد، لا ينتقل إلى الخلف العام، في بعض الحالات، وهي:
1. إذا كانت طبيعة الالتزام، تتعلق بشخص المدين في تنفيذها. مثال ذلك لا يلتزم ورثة الرسام بتنفيذ التزام مورثهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى ورثة الطبيب والمحامي والمهندس. لأن عقود هؤلاء الأشخاص مع الغير، روعي فيها شخصية صاحب هذه المهنة.
2. إذا اتفق المتعاقدان على عدم انصراف أثر العقد إلى الورثة.
3. إذا نص القانون على عدم انتقال أثر العقد إلى الورثة، مثل عقد الوكالة.

ب. الخلف الخاص

وهو الذي لا يخلف السلف في جملة ذمته المالية أو في حصة منها كالثلث أو الربع بل يخلفه في عين معينة بالذات أو في حق عيني عليها كالمشتري يخلف البائع في المبيع، والموصى له بعين في التركة يخلف فيها الموصي، والمنتفع يخلف المالك في حق الانتفاع. فالخلف الخاص هو من يتلقى شيئاً، سواء كان هذا الشيء حقاً عينياً أو حقاً شخصياً. أما من يترتب له حق شخصي في ذمة شخص آخر فلا يكون خلفاً خاصاً له، بل هو دائن له فالمستأجر ليس خلفاً للمؤجر بل دائناً له.
والأصل أن الخلف الخاص ـ على عكس الخلف العام ـ لا تنصرف إليه آثار العقود التي يعقدها السلف إذا كان العقد الصادر من السلف لا يتناول الحق الذي تلقاه عنه الخلف الخاص. فمشتري العقار خلف خاص للبائع ولكن لا شأن للمشتري بالعقود الصادرة من البائع في غير ما يمس هذا العقار. أما إذا كان العقد الصادر من السلف يمس الحق الذي تلقاه عنه الخلف الخاص، وكان هذا العقد ثابت التاريخ وسابقاً على عقد الخلف الخاص، فقد عالج المشرع المصري هذه المسألة في المادة (146) مدني فقرر: “إذا انشأ العقد التزامات وحقوق شخصية، تتصل بشيء انتقل بعد ذلك، إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق، تنتقل إلى هذا الخلف، في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء، إذا كانت من مستلزماته، وكان الخلف الخاص يعلم بها، وقت انتقال الشيء إليه”.
وشروط انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص، هي:
1. أن يكون عقد السلف سابقاً، في تاريخه، على العقد الذي انتقل به الحق إلى الخلف.
2. أن يكون الحق، أو الالتزام الذي قرره عقد السلف، من مستلزمات الشيء، أو الحق الذي انتقل إلى الخلف الخاص.
3. أن يكون الخلف عالماً، وقت انتقال الحق إليه، بالعقد الذي أبرمه السلف، وبالآثار التي ترتبت عليه.

أثر العقد بالنسبة إلى الغير

القاعدة العامة في شأن عدم انصراف آثار العقد إلى الغير، أن اثر العقد لا ينصرف إلى غير العاقد أو من يمثله، أي لا ينصرف إلى الغير الأجنبي عن العقد، فلا يحمله التزاماً ولا يكسبه حقاً والقاعدة في شقها السلبي أكثر إطلاقاً منها في شقها الإيجابي.
فأمّا الجانب السلبي للقاعدة، أي عدم انصراف الالتزامات الناشئة عن عقد إلى من كان أجنبياً عنه فيكاد يكون مطلقاً.
أمّا الجانب الإيجابي للقاعدة أي عدم اكتساب حقاً من عقد لم يكن ممثلاً فيه فليس في إطلاق الجانب السلبي منها، لأنه ايسر على المنطق أن يتقبل اكتساب الشخص لحق من عقد هو أجنبي عنه عن أن يتقبل التزامه بتعهدات ناشئة عن هذا العقد. لذا فالاستثناءات الواردة على الجانب الإيجابي للقاعدة أكثر من تلك الواردة على الجانب السلبي منها.
ولعل من أهم هذه الإستثناءات ما تعلق بالاشتراط لمصلحة الغير وتنص المادة (152) من القانون المدني المصري على أنه “لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقاً”.

الاشتراط لمصلحة الغير

هو عمل قانوني يشترط فيه شخص يسمى المشترط على شخص آخر يسمى المتعهد بأن يقوم بأداء معين لمصلحة شخص آخر يسمى المنتفع”.
ويجوز للشخص أن يتعاقد، باسمه، على التزامات، يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية، مادية كانت أو أدبية. وهذا العقد، يشترط فيه أحد الطرفين، ويسمى المشترط على الطرف الآخر، ويسمى المتعهد التزاماً لمصلحة شخص ثالث، ويسمى المنتفع أو المستفيد، حتى ينشأ لهذا الشخص الثالث حق مباشر من العقد، مثل عقد التأمين على حياة شخص لمصلحة ابنه أو بنته أو زوجته، وهذا الشخص الثالث، ليس طرفاً في العقد، وليس ممثلاً فيه.
تنفيذ العقد وزوال الرابطة التعاقدية.

تنفيذ العقد

يترتب على انعقاد العقد صحيحاً نشوء رابطة قانونية بين طرفيه تسمى بالرابطة التعاقدية وهي ملزمة للمتعاقدين. وعن قوة هذه الرابطة عبر المشرع المصري عنها في المادة (147) مدني بقوله: ” العقد شريعة المتعاقدين “. وتنص المادة (148) مدني على أنه:
1. يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه، وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية.
2. ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول كذلك ما هو من مستلزماته، وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام.
ويترتب على ذلك ( أولاً ) وجوب تنفيذ ما تقضي به هذه الرابطة من التزامات ناشئة عن العقد، و(ثانياً) عدم جواز حل هذه الرابطة بإرادة واحدة أي بإرادة أحد المتعاقدين فقط إلا في حالات خاصة نص عليها صراحة وهي:

إنهاء العقد

1. إنهاء العقد بالإرادة المنفردة
القاعدة أن العقد، لا يجوز إنهاؤه بإرادة منفردة، أي بإرادة أحد طرفيه، استناداً إلى قاعدة ( العقد شريعة المتعاقدين ). إلا أنه توجد حالات استثنائية، يجوز فيها الإنهاء بإرادة منفردة، وهي:
أ. إذا وجد شرط في العقد، يجيز لأحد المتعاقدين إنهاء العقد بإرادته، كما في عقد الإيجار، مثلاً (يجوز أن يعقد العقد لمدة ست سنوات، مثلاً، على أن يكون لكل من المؤجر والمستأجر، كل سنتين، مثلاً، الحق في إنهاء العقد بإرادته).
ب. هناك حالات ينص عليها القانون، ويجيز فيها لأحد المتعاقدين، أو لكليهما، إنهاء العقد قبل انتهاء مدته وتمام تنفيذه، مثل ذلك في القانون المصري:
* عقد الشركة ( المادتان 529، 531 مدني ) ـ عقد الوكالة ( المادة 715 مدني ) ـ عقد العمل غير المحدد المدة ( المادة 694 مدني ).
* قد ينص القانون على إعطاء أحد المتعاقدين، دون الأخر، حق نقض العقد بإرادته المنفردة. ويبرر هذا الحق برغبة المشرع في حماية المتعاقد. ومن هذه الحالات: حق الواهب في الرجوع في الهبة، في بعض الأحوال (المواد 500 ـ 503 مدني مصري). وحق المعير في إنهاء العارية، قبل انقضاء مدتها، في بعض الأحوال ( المادة 644 مدني مصري ). وفي عقد التأمين، يجوز إنهاؤه، في بعض الأحوال، بإرادة المؤمن له (المادتان 759، 762 مدني).

2. إنهاء العقد أو تعديله بقوة القانون
هناك حالات يتدخل فيها المشرع، فيفرض إنهاء العقد، أو تعديله، على الرغم من إرادة المتعاقدين، منها:
أ. انقضاء الزراعة بموت المستأجر (لمادة 626 مدني مصري).
ب. انتهاء العارية بموت المستعير (لمادة 645 مدني مصري).
ج. انتهاء عقد العمل بموت العامل (المادة 697 مدني مصري).
د. انتهاء الوكالة بموت الوكيل أو الموكل ( المادة 714 مدني مصري).
على إن انتهاء العقد في الأحوال السابقة ومثيلاتها، بالوفاة، ليس مرجعه، في الواقع، إرادة المشرع، إنما مرجعه، في الحقيقة، إرادة المتعاقدين الضمنية، نظراً إلى أن شخصية المتعاقد، هي محل اعتبار في العقد.
ونجد المشرع يتدخل، على الرغم من إرادة المتعاقدين، مقرراً إنهاء العقد، أو تعديله. ففي عقد الإيجار، كثيراً ما يتدخل المشرع لتحديد الأجرة، من طريق رفعها أو خفضها على الرغم من إرادة الطرفين، مثلما حدث في الأراضي الزراعية، والعقارات المبنية. وقد يتدخل المشرع بتشريعات، ينقص بها سعر الفائدة، حتى في العقود السارية وقت صدوره، أو ليمنح المدين أجلاً جديداً للوفاء، أو ليمكنه من الوفاء قبل الأجل.

تعديل العقد بوساطة القاضي

طبقاً للقوة الملزمة للعقد ( العقد شريعة المتعاقدين )، لا يجوز للقاضي أن يعدل العقد، أو ينهيه قبْل تنفيذه، إلا باتفاق أطراف العقد. إلا أن المشرع قد يتدخل باستثناءات لهذه القاعدة، كما جاء في القانون المدني المصري، وهي:
1. سلطة القاضي في خفض الشرط الجزائي، إذا أثبت المدين أن التقدير، كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
2. إذا تم العقد بطريق الإذعان، وكان قد تضمن شروطاً تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط، أو أن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك بما تقضي به العدالة.
3. إذا طرأت حوادث استثنائية عامة، لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها، أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهِقاً للمدين، يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهِق إلى الحد المعقول.
4. يكون للقاضي سلطة منح المدين أجلاً للتنفيذ، إذا استدعت حالته ذلك، ولم يلحق الدائن ضرر جسيم من تأجيل حقه.
تفسير العقد
تفسير العقد من عمل القاضي، غير أنه ملزم باتباع قواعد معينة لضمان عدم خروجه على مهمته الأصلية وهي تفسير العقد إلى التعديل فيه.
وإذا كانت عبارة العقد واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها، من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين.
أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء، في ذلك، بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.
ويفسر الشك في مصلحة المدين. ومع ذلك، لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان، ضارّاً بمصلحة الطرف المذعن.
فإذا تم العقد بطريق الإذعان، وكان قد تضمن شروطاً تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط، أو أن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة. ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف ذلك.
ومع ذلك، إذا طرأت حوادث استثنائية عامة، لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها، أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهِق إلى الحدّ المعقول. ويصبح باطلاً كل اتفاق يخالف ذلك.

جزاء عدم تنفيذ العقد

المسؤولية العقدية هي الجزاء المترتب على عدم تنفيذ العقد. وتنفيذ العقد تنفيذا عينياً واجب حيث يجبر المدين بعد إعذاره على تنفيذ التزامه تنفيذا عينياً متى كان ممكناً.
والمسؤولية العقدية لا تقوم إلا إذا توافر الخطأ في جانب المدين، فإذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه. ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه.

زوال الرابطة التعاقدية

تزول الرابطة التعاقدية بالانقضاء أو بالانحلال أو بالإبطال فهو ينقضي بتنفيذ الالتزامات التي ينشئها. وهذا هو مصيره المألوف.
ولكنه قد يزول قبل تمام تنفيذه، أو قبل البدء في تنفيذه فيُحلّ. فالفرق إذن بين انحلال العقد وانقضائه أن الانحلال يكون قبل أن ينفذ العقد، والانقضاء لا يكون إلا عند تمام التنفيذ.
وانحلال العقد غير إبطاله. كلاهما زوال للعقد ولكن الانحلال يرد على عقد ولد صحيحاً ثم ينحل بأثر رجعي أو دون أثر رجعي، أما الإبطال فيرد على عقد ولد غير صحيح ثم يبطل بأثر رجعي في جميع الأحوال. والعقد، في حالة الإبطال وفي حالة الانحلال بأثر رجعي، لا يزول فحسب بل يعتبر كأن لم يكن.

انقضاء العقد

تزول الرابطة التعاقدية بالانقضاء بعد أن تكون قد استنفذت أغراضها، كما هو الشأن في الالتزام التعاقدي. ففي العقد الفوري كالبيع مثلاً سواء كان حالاً أم مؤجلاً ينقضي بتنفيذ ما يرتبه من التزامات في ذمة كل من الطرفين، أما عقد المدة فينقضي بانقضاء المدة المحددة له دون حاجة إلى تنبيه بالإخلاء (م 598 مدني) فإن لم تحدد له مدة انقضى بإنهائه من أحد المتعاقدين بشرط مراعاة مواعيد التنبيه بالإخلاء (م 563 مدني).

انحلال العقد

قد ينحل العقد بعد البدء في تنفيذه، وقد ينحل قبل البدء في تنفيذه. وقد يكون الانحلال كاملاً يتناول الرابطة التعاقدية بأسرها بالنسبة إلى الماضي والمستقبل أو بالنسبة إلى المستقبل فقط. وقد يكون جزئياً يقتصر على إعفاء المدين من بعض التزاماته. وقد يتم الانحلال باتفاق الطرفين وهذا هو (التقايل). أو لسبب من الأسباب التي يقررها القانون وهذه هي الرجوع، والإنهاء بالإرادة المنفردة، والفسخ.

أ. التقايل
هو حل للعقد باتفاق المتعاقدين. ويُعَدّ الاتفاق على التقايل عقداً، يتم بإيجاب وقبول صريحين أو ضمنيين. وقد تنصرف إرادتا المتعاقدين إلى تقدير أثر رجعي للتقايل، لتعود الحالة بينهما إلى ما كانت عليه قبْل التعاقد. وقد تنصرف إرادتاهما إلى قصر أثر التقايل على المستقبل فقط. وسواء أكان للتقايل أمْ لم يكن، فإنه لا يجوز أن يؤثر في الحقوق، التي كسبها الغير، بناءً على العقد.

ب. الرجوع
قد يقرر المشرع لأحد المتعاقدين حق العدول عن العقد الصادر منه بالرجوع فيه بإرادته وحدها كما هو الشأن في الهبة (المواد 500إلى 503 مدني).

ج. الإنهاء
هو تعبير عن إرادة واحدة يحل بها الرباط التعاقدي بالنسبة إلى المستقبل دون أن ينسحب أثر ذلك إلى الماضي. والإنهاء بهذا المعنى لا يكون إلا بالنسبة إلى العقود التي أجاز فيها المشرع حل الرابطة التعاقدية بإرادة منفردة منها: عقد الوكالة، وعقد العارية، وعقد الوديعة.
ويشار إلى أن التعسف في استعمال هذا الحق يستوجب تعويض الطرف الآخر، متى استعمل هذا الحق في ظروف غير مواتية للطرف الآخر.

د. الفسخ
في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يُوفِ أحد المتعاقدين بالتزامه، جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين، أن يطالب بتنفيذ العقد، أو فسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مبرر. ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً، إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز له أن يرفض الفسخ، إذا كان ما لم يوفِ به المدين قليل الأهمية، بالنسبة إلى الالتزام في جملته (المادة 157 مدني مصري). ومن نص هذه المادة، يتضح أنه لطلب الفسخ ثلاثة شروط، وهي:
(1) أن يكون العقد من العقود الملزمة للجانبين (التبادلية)، أي دون العقود الملزمة لجانب واحد.
(2) أن يكون التنفيذ راجعاً إلى المدين، أي أن المدين أخل بالتزاماته.
(3) أن يكون المتعاقد، طالب الفسخ، قد نفذ التزامه، أو مستعداً لتنفيذه، وقادراً على إعادة الحالة إلى ما كانت عليه.
الفرق بين بطلان العقد وفسخه
البطلان يرجع إلى تخلف ركن من أركان العقد أو إخلاله. بينما الفسخ هو حل للرابطة العقدية، بسبب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه.

كيفية تقرير الفسخ

الفسخ يكون بحكم القاضي وهذا هو الأصل. وقد يكون باتفاق المتعاقدين. ويكون في بعض الأحوال بحكم القانون ويسمى عند ذلك إنفساخاً.

أ. الفسخ القضائي
ويشترط للمطالبة بالفسخ القضائي الشروط الآتية:
(1) أن يكون العقد ملزماً للجانبين.
(2) ألا يقوم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه.
(3) أن يكون المتعاقد الآخر الذي يطلب الفسخ مستعداً للقيام بالتزامه من جهة، وقادراً على إعادة الحال إلى أصلها إذا حكم بالفسخ من جهة أخرى.

ب. الفسخ الاتفاقي
يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه.

ج. انفساخ العقد بحكم القانون
في العقود الملزمة للجانبين، إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت الالتزامات المقابلة له، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه.
والالتزام لا ينقضي بسبب استحالة تنفيذه إلا إذا كانت هذه الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي. وأن العقد لا ينفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون إلا إذا انقضى الالتزام. فالعقد إذن لا ينفسخ إلا إذا استحال تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي، وما لم يثبت المدين هذا السبب الأجنبي بقى ملزماً بالعقد وحكم عليه بالتعويض

النيابة في التعاقد

يمكن تعريف النيابة بأنها حلول إرادة شخص (وهو النائب)، محل إرادة شخص آخر (وهو الأصيل)، في إبرام تصرف قانوني، تنصرف آثاره إلى ذمة الأصيل، لا إلى ذمة النائب.
وهكذا، نجد، في النيابة، شخصاً، يعبر عن إرادته، باسم غيره، ولحساب هذا الغير. ولكن آثار التصرف لا تضاف إليه، وإنما إلى هذا الغير. وبذلك، يكون النائب طرفاً في التصرف (في العقد مثلاً)، ولكن لا يكون طرفاً في العلاقة الناشئة عن هذا التصرف. وهنا يقتصر دور النائب على إبرام هذا العقد. أما آثار العقد فتؤول إلى ذمة الأصيل، كما لو كان هو الذي تعاقد شخصياً.
ويحقق نظام النيابة فوائد عملية كبيرة. فهو يسمح بإقامة أشخاص، ينوبون عن ناقص الأهلية وعديمها، فيحلون محلهم في التصرفات القانونية. ثم إنه من شأنه، كذلك، أن ييسر لأي شخص، أن يعقد العقد بوساطة غيره، الذي تمنعه ظروف خاصة من ذلك، كبُعده، أو غَيبته، أو قِلة تجربته، أو كثرة أعماله أو مشاغله.
وتنقسم النيابة، من حيث مصدرها، إلى:

1. نيابة قانونية
وتتحقق عندما يخوّل القانون شخصاً معيّناً سلطة النيابة عن غيره. ومثالها نيابة الولي الشرعي عن أبنائه القُصَّر؛ “والولي الشرعي هو الأب، أو الجد الصحيح. والجد الصحيح هو أب الأب”.

2. نيابة اتفاقية:
(إرادية) إذ يُعيَّنْ النائب بإرادة الأصيل، كما في الوكالة.

3. نيابة قضائية
إذ يعين القاضي النائب، كنيابة الوصي، والقيّم، والحارس القضائي، والقضاء هو الذي يختارهم.
ولكي يتحقق وجود النيابة، لا بد من استيفاء ثلاثة شروط هي:
1. أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل.
2. أن يكون التعامل باسم الأصيل، لا باسم النائب.
3. أن تجري إرادة النائب في الحدود المرسومة للنيابة.

أهلية التعاقد

الإنسان، لدى ولادته، تكون له شخصية قانونية، صالحة لأن تثبِت له حقوقاً، ولأن تقرر عليه واجبات والتزامات. ولكنه لا يستطيع أن يباشر الأعمال والتصرفات القانونية بنفسه، فهو غير أهل لمباشرة هذه الأعمال. ويجب التفرقة بين تمتع الشخص بالحقوق وقابليته لتحمل الالتزامات، وهو ما يطلق عليه “أهلية الوجوب”، وبين قدرة الشخص على أن يقوم بالأعمال الناجمة عنها تلك الحقوق والالتزامات، والتي تسمى ” أهلية الأداء “.
“كل شخص أهل للتعاقد، ما لم تسلب أهليته، أو يُحدّ منها بحكم القانون”.
ويمر الإنسان، من حيث أهليته، ومن وقت ولادته، بأدوار ثلاثة، هي:
1. الدور الأول
ويبدأ من ولادة الطفل، وينتهي ببلوغ سن التمييز، وهي سن سبع سنوات. ويكون الشخص، في هذا الدور، صغيراً، غير مميز (عديم الأهلية).
“ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله. وتكون جميع تصرفاته باطلة”.
2. الدور الثاني
ويبدأ من سن التمييز، وينتهي ببلوغ الإنسان سن الرشد. وفي هذا الدور، يكون الشخص صبيّاً مميزاً، ولكنه غير كامل عناصر الرشد ( ناقص الأهلية ).
يجوز لناقص الأهلية أن يطلب إبطال العقد، وهذا مع عدم الإخلال بإلزامه التعويض، إذا لجأ إلى طرق احتيالية، ليخفي نقص أهليته”.
إذا كان الصبي مميزاً، كانت تصرفاته المالية صحيحة، متى كانت نافعة نفعاً محضاً، وباطلة، متى كانت ضارّة ضرراً محضاً. أما التصرفات المالية، الدائرة بين النفع والضرر، فتكون قابلة للإبطال، لمصلحة القاصر، ويزول حق التمسك بالإبطال، إذا أجاز القاصر التصرف، بعد بلوغه سن الرشد، أو إذا صدرت الإجازة من وليّه، أو من المحكمة، بحسب الأحوال”.
” إذا بلغ الصبي المميز الثامنة عشرة من عمره، وأذن له في تسلم أمواله، لإدارتها، أو تسلمها بحكم القانون، كانت أعمال الإدارة منه صحيحة، في الحدود التي رسمها القانون”.

3. الدور الثالث

ويبدأ ببلوغ الشخص سن الرشد، وهي إحدى وعشرون سنة، بالنسبة إلى القانون المصري. وفي هذا الدور، يُعَدّ الشخص رشيداً بالغاً (كامل الأهلية)، ما لم يحدث له عارض من عوارض عدم الأهلية، يؤدي إلى انعدام أهليته أو نقصها.

عوارض الأهلية

1. بعضها يؤثر في العقل، وهي: الجنون، والعُتْه، والسَّفَه، والغفلة.
2. بعضها يصيب الجسم، فيجعل الشخص عاجزاً عجزاً، جزئياً أو كلياً، عن القيام على أمر نفسه، كإصابة حواسّ الشخص ببعض العاهات.
3. وبعضها يمنع الشخص عن الإشراف على أمواله كالغَيبة.
4. والبعض الآخر يفرض على الشخص على سبيل العقوبة

الجنون

مرض يعتري الشخص يؤدي إلى زوال العقل، والجنون قد يستوعب كل أوقات المريض به، وهذا هو الجنون المطبق، وقد يجن المريض فترة من الزمن ويفيق أخرى وهذا هو الجنون المتقطع.

العته

المعتوه هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام، فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم. والمعتوه كما يقول الفقهاء في الشريعة الإسلامية قد يكون على شيء من التمييز فينصرف إليه حكم الصبي غير المميز.
أما المشرع المصري فانه ألحقه في الحكم بالمجنون فجعل تصرفاته اللاحقة لتسجيل قرار الحجر باطلة أما السابقة على تسجيل قرار الحجر فصحيحة إلا إذا ثبت أن حالة العته كانت شائعة وقت التعاقد أو أن المتعاقد الأخر كان على علم بها. (م 114 مدني)

السفه الغفلة

السفيه: هو المغلوب بهواه فيعمل بخلاف موجب العقل والشرع مع قيام العقل حقيقة.
وذو الغفلة: هو من لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة فيغبن لسلامة قلبه.
“المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه، تحكم عليهم المحكمة، أو ترفع الحجر عنهم، وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في القانون”.
1. يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر.
أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر، فلا يكون باطلاً، إلا إذا كانت حالة الجنون، أو العته، شائعة وقت التعاقد، أو كان الطرف الآخر على بيّنة منها”.
2. إذا صدر تصرف من ذي الغفلة، أو من السفيه، بعد تسجيل قرار الحجر، سرى على هذا التصرف ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام.
أما التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر، فلا يكون باطلاً أو قابلاً للإبطال، إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ”.
3. يكون تصرف المحجور عليه، لسفه أو غفلة، بالوقف أو بالوصية، صحيحاً، متى أذنت فيه المحكمة.
وتكون أعمال الإدارة الصادرة عن المحجور عليه لسفه، والمأذون له بتسلم أمواله، صحيحة، في الحدود التي رسمها القانون”.
4. إذا كان الشخص أصمّ أبكم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه، بسبب ذلك، التعبير عن إرادته. جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائياً، يعاونه على التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك.
ويكون قابلاً للإبطال كل تصرف من التصرفات، التي تقررت المساعدة القضائية عليها، متى صدر عن الشخص، الذي تقررت مساعدته قضائياً، بغير معاونة المساعد، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة”. (المواد 113، 114، 115،116، 117 من القانون المدني المصري).

ملاحظات عامة عند كتابة العقد

1. يجب أن يشتمل العقد على جميع البيانات، الخاصة بأسماء المتعاقدين، وجنسياتهم، وأرقام هوياتهم، وتاريخ صدورها، وعناوينهم تفصيلاً.
2. إقرار المتعاقدين بأهليتهم للتعاقد، مع التأكد من ذلك.
3. تاريخ تحرير العقد، ومكان عقده.
4. وصف محل العقد وصفاً تفصيلياً بما لا يدَع أي مجال للتفسير أو الاجتهاد، مع توضيح أن أطراف العقد على علم تام نافياً للجهالة بهذه الأوصاف. مثال ذلك في عقد البيع، وصف الشيء المبيع وصفاً شاملاً، جامعاً، من جميع الوجوه.
5. تحديد المقابل، وكيفية ووقت وطريقة أدائه، فمثلاً في عقد البيع، يذكر ثمن المبيع وكيفية دفعه، هل دفعة واحدة؟ أو على دفعات أو أقساط، ومقدار كل قسط، وتاريخ دفعه؟ ومكان دفعه؟
6. التأكد من صحة وسلامة جميع الأوراق والمستندات المبني عليها العقد.
7. توضيح التزامات جميع أطراف العقد توضيحاً، لا يجعل هناك أي مجال للَّبس أو الاجتهاد أو التنصل من تنفيذ هذه الالتزامات. مع تحديد تواريخ تنفيذ الالتزامات تحديداً قاطعاً وواضحاً.
8. وضع شرط جزائي في العقد، يكون واضحاً ومحدداً وذا قيمة فاعلة، تجبر الطرف المخل على تنفيذ التزامه، تجنباً لتطبيق الشرط الجزائي عليه.
9. ضرورة تسجيل العقود، التي يتطلب القانون تسجيلها، في أقرب وقت. مع مراعاة الشكل في العقود الشكلية.
10. في حالة وجود أشخاص مستفيدين من العقد، غير أطرافه، يجب تحديدهم تحديداً واضحاً، مع بيان حقوقهم المترتبة علي العقد.
11. في حالتَي الوكالة والنيابة في التعاقد، يجب التأكد من صحتهما وسلامتهما وسريانهما حتى وقت توقيع العقد. وأن الوكالة أو النيابة تجيز للوكيل أو النائب التعاقد على إنشاء وإقرار التزامات العقد وفي حدود السلطة المخولة له.
12. التأكد من عدم وجود كشط أو شطب أو تصحيح، في بنود العقد.
13. توقيع العقد، من قِبل المتعاقدين والشهود.
وأخيراً يجب التأكد من استيفاء العقد لأركانه وشروطه، وعدم مخالفته القوانين المعمول بها.

تقسيم العقود

تتنوع العقود وتتعدد، حتى لا يكاد يحصرها عدّ. والإرادة حرة في إنشاء الالتزام أيّاً كان، فالالتزامات ليست محددة، الأمر الذي يؤدي، بالضرورة، إلى تنوع العقود.
والقانون ينظم طائفة من العقود ـ وهي العقود المسماة ـ لكي يعين الأفراد على تنظيمها، فوضع تحت نظرهم تنظيماً، يراه نموذجياً لها. إن أرادوا استعمالها تسري على عقدهم أحكام القانون. ولهذا، جاءت قواعد القانون المنظمة لهذه العقود المسماة، قواعد مكملة لإرادة الطرفين، لا تنطبق، إلا إذا لم يتفقا على ما يخالفها. ويبقى دائماً للأفراد حرية إنشاء ما يرون من عقود، غير تلك التي وردت في نصوص القانون. وعندئذٍ، يرجع إلى إرادتهم، وحدها، في تنظيم أحكام هذه العقود. ويطلق على تلك العقود، التي لم ينظمها المشروع، العقود غير المسماة.

التقسيم الأول: تقسيم العقود إلى عقود مسماة، وأخرى غير مسماة

العقود المسماة
هي تلك العقود التي خصها القانون باسم معين، ونظمها، لشيوعها بين الناس. وهي “إما تقع على الملكية، وهي البيع، والمقايضة، والهبة، والشركة، والقرض، والصلح. وإما أن تقع على المنفعة، وهي الإيجار وعارية الاستعمال. وإما أن تقع على العمل، وهي المقاولة، والتزام المرافق العامة، وعقد العمل، والوكالة والوديعة والحراسة. ويضاف إلى ذلك عقود الغرر، وهي المقامرة، والرهان، والمرتب مدى الحياة، وعقد التأمين، ثم عقود التأمينات، الشخصية والعينية، وهي الكفالة، ورهن الحيازة، والرهن الرسمي”.

أما العقود غير المسماة
فهي تلك العقود، التي لم يخصها المشرع باسم معين، ولم يقم بتنظيمها، وذلك لقِلّة شيوعها.
وما دامت القاعدة أن الإرادة حرة في إنشاء ما تشاء من عقود، كان من المستحيل حصر العقود غير المسماة.
وطائفة العقود المسماة في تطوير مستمر، فقد يصبح عقداً من الشيوع بأهمية إلى درجة توجب تنظيمه، فيتدخل المشرع، منظماً له. وينتقل، بذلك، من العقود غير المسماة إلى العقود المسماة. وهذا ما فعله المشرع حين نظم عقد التأمين.
وإذا كان من المستحيل تعداد العقود المختلفة، فإنه من الممكن، على الأقل، وضع تقسيمات مختلفة لها، وذلك بقصد بيان ما تتخصص به كل طائفة منها.

التقسيم الثاني: يمكن تقسيم العقود:

1. من حيث انعقادها، إلى عقود رضائية، وعقود شكلية، وعقود عينية.
2. ومن حيث طبيعتها، إلى عقود محددة واحتمالية، وعقود فورية ومستمرة، وعقود ذاتية وجامعة، وعقود إذعان ومساومة حرة، وعقود أصلية وتبعية.
3. ومن حيث أثرها، إلى عقود ملزمة للجانبين، وملزمة لجانب واحد، وعقود تبرع ومعاوضة.

1. تقسيم العقود، من حيث انعقادها:

أ. العقود الرضائية
ب. العقود الشكلية
ج. العقود العينية

أ. العقد الرضائي

هو العقد الذي يكفي لانعقاده التراضي، أي أنه عقد يكفي لانعقاده توافق الإرادتين، أي تطابق الإيجاب والقبول. ولا يلزم لانعقاده أي شكل معين، ولا تهم طريقة التعبير عن الإرادة، وقد يكون التعبير عن الإرادة بالكتابة، أو المشافهة، أو بالإشارة، أو أي طريقة أخرى. والأصل في القوانين الحديثة، أن تكون رضائية. ولكن يرد على هذا الأصل إستثناء، يتمثل في وجود بعض العقود، الشكلية والعينية.
وقد ساد مبدأ الرضائية الفقه الإسلامي. فالعقد ينعقد بارتباط بين إرادتين، ومن دون حاجة إلى شكل معين، تظهر فيه هذه الإرادة، وأيّاً كانت وسيلة التعبير عن الإرادة. إلا أن جمهور الحنابلة والمالكية والشافعية، يشترطون في عقد الزواج، أن تكون صيغته منبثقة من لفظتَي النكاح أو الزواج، لمن يعرف اللغة العربية. بينما يجيز الأحناف انعقاد الزواج بلفظتَي الزواج والنكاح وغيرهما من الألفاظ الدالة على التمليك في الحال، بشرط نية أو قرينة، تعين على أن المقصود هو الزواج. على أن جميع الفقهاء يتفقون على رأي واحد، في أن عقد الزواج لا ينعقد بالفعل، بل لا بد فيه من القول للقادر عليه، و ألا يتم إلا بأقوى الدلالات على الإرادة، وهو القول.

ب. العقود الشكلية
العقد الشكلي هو عقد لا يكفي التراضي لانعقاده، بل يلزم فوق ذلك، أن يتم التعبير عن الإرادتين، في شكل معين، وهذا الشكل يُعَدّ ركناً في العقد، لا ينعقد من دونه. ومثاله العقد الرسمي، الذي يوجب المشرع ـ لانعقاده ـ تحريره أمام موظف عام مختص ـ الموثق. ومثاله في القانون المصري عقد الهبة والرهن الرسمي، وقد يستلزم المشرع الكتابة لانعقاد العقد، ولكنه يكتفي بالكتابة العرفية، من دون استلزام الرسمية، أي من دون إجراء العقد أمام الموثق، مثاله في القانون المصري ما نصت عليه المادة 507 من القانون ا لمدني، من أنه “يجب أن يكون عقد الشركة مكتوباً، وإلا كان باطلاً”. ويجب التفرقة بين شكل العقد، وشهر العقد، أي تسجيله في الشهر العقاري. فإن شهر العقد إجراء، لا يستلزمه المشرع لانعقاد العقد، بل هو يلزم فقط لكي يترتب عليه أثر واحد من أثاره، وهو انتقال الملكية والحق العيني، فمن دون هذا الإجراء، لا يقع انتقالهما. ولكن هذا لا يمكن أن يؤثر على وجود العقد في ذاته، وعلى وجوب التزام الطرفين به وتنفيذه.
فعقد البيع العقاري عقداً رضائياً، ينعقد بمجرد التراضي، وقبْل التسجيل. بينما عدم استيفاء الشكلية اللازمة لانعقاد العقد، يعني عدم وجود العقد، وعدم ترتيب أي أثر عليه. وقد يستلزم المشرع الشكل الرسمي لانعقاد عقد، ويستلزم، فوق ذلك، شهره، لانتقال الملكية. وعندئذٍ، يجب إتمام الإجراءين، مثل الهبة على العقار، فيلزم إتمام الهبة في ا لشكل الرسمي أمام الموثق، حتى يتم انعقادها، كما يلزم، بعد ذلك، تسجيلها لكي تنقل ا لملكية.

ج. العقود العينية
العقد العيني هو عقد لا يكفي التراضي لانعقاده، بل يستلزم تسليم الشيء محل العقد، أي لا يتم انعقاده إلا بالقبض، ولا يلزم شكل معين لانعقاده. والعقود العينية في القانون الفرنسي أربعة، هي القرض والوديعة والعارية ورهن الحيازة. أما القانون المصري، فلا يعرف العقود العينية.

. تقسيم العقود، من حيث طبيعتها
أ. عقود محددة، وعقود احتمالية.
• العقود المحددة
• العقود الاحتمالية
ب. عقود فورية، وعقود مستمرة.
• العقود الفورية
• العقود الممتدة أو الزمنية
ج. عقود ذاتية، وعقود جامعة.
• العقود الذاتية
• العقود الجامعة
د. عقود المساومة الحرة، وعقود الإذعان.
• عقود المساومة
• عقود الإذعان
هـ. عقود أصلية، وعقود تبعية.
• العقود الأصلية
• العقود التبعية
أ. العقود المحددة والعقود الاحتمالية
* العقد المحدد
هو العقد الذي يعرف فيه كل متعاقد، وقت انعقاده، مدى ومقدار غنمه أو غرمه من العقد، أي مقدار ما سيأخذ ومقدار ما سيعطي، بصرف النظر عن التعادل بين هذين المقدارين.
* العقود الاحتمالية
وتسمى، كذلك، عقود الغرر. ولا يعرف فيها كلا المتعاقدين، أو أحدهما مقدار ما يعطي أو ما سيأخذ، وقت انعقاده.
ب. العقد الفوري، والعقد الممتد
* العقد الفوري
وهو عقد ينشأ بين طرفَيه التزامات قابلة، بطبيعتها، لأن تنفذ دفعة واحدة. ولا يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه. ولا ينشأ بين طرفَيه علاقة قانونية ممتدة بطبيعتها. ويظل العقد فورياً، حتى لو أجل فيه التزام أحد الطرفين إلى أجل مستقبل. فالبيع بثمن مؤجل، هو عقد فوري، ذلك أن الزمن لا يتدخل في تحديد مقدار هذا الثمن، وإنما يحدد فقط موعد تنفيذه. ويظل كذلك، حتى لو قسط المقابل على أقساط.
ج. العقد الممتد أو الزمني
وهو عقد يستلزم، بطبيعته، أن ينشأ بين طرفيه التزامات، يستمر تنفيذها فترة من الزمن، أو يتكرر هذا التنفيذ عدة مرات، مثل عقد الإيجار، وكذلك عقد التوريد.
العقد الذاتي، والعقد الجامع
* العقد الذاتي
ويسمى، كذلك، العقد الفردي. وهو العقد الذي يتم بين شخصين أو أكثر، معينين بذواتهم. ويقتصر أثره عليهم وعلى خلفائهم. مثل عقد بيع عقار مملوك لعدة مشتاعين ـ أي يملكون العقار على المشاع بينهم ـ أو قسمته.
هـ. العقد الجامع
وهو عقد ينظم، على نحو دائم، مصالح جماعة معيّنة غير ممثلة، تمثيلاً كاملاً في أشخاص عاقديه. وقد يعترض عليه أفراد الجماعة، ويظهر عدم رضائهم عنه. ولكنه على الرغم من ذلك، يسري في حقهم مثل عقد العمل الجماعي أو المشترك، وهو اتفاق تنظم، بمقتضاه، شروط العمل بين نقابة أو أكثر من نقابات العمال، أو اتحاد نقابات العمال، وبين واحد أو أكثر من أصحاب الأعمال الذين يستخدمون عمالاً ينتمون إلى تلك النقابات.
و. عقود المساومة الحرة، وعقود الإذعان
* عقود المساومة الحرة
وهي عقود يكون للمتعاقدين فيها حرية مناقشة شروط التعاقد، والموافقة عليها. وتشمل غالبية العقود.
ز. عقود الإذعان
وهي عقود، يكون فيها أحد المتعاقدين في وضع، يمكنه من وضع شروط العقد، مقدماً على نحو لا يقبل المناقشة. ويكون على الطرف الآخر إما أن يقبلها، وإما أن ينصرف عن العقد. مثل العقد مع شركات ومؤسسات النقل أو الكهرباء والهاتف. وهذه العقود، لا يكون طرفا العقد في وضع متساوٍ. فغالباً ما يكون الإيجاب عام، وبشروط موحدة، على نحو مستمر، من شخص في مركز اقتصادي أقوى. وغالباً ما يكون محتكراً. ويكون الطرف الأخر في وضع أضعف، وعليه الرضوخ والتسليم بشروط الطرف الأقوى.
ج. العقود الأصلية والعقود التبعية
* العقد الأصلي
وهو العقد الذي يقوم بذاته، ولا يتبع غيره، مثل الإيجار وعقد البيع.
* العقد التبعي
وهو عقد لا يوجد مستقلاً، بل يقوم إلى جانب علاقة قانونية سابقة، ويكون تابعاً لها، مثل عقد الرهن، وعقد الكفالة. وعلى ذلك، إذا كان العقد الأصلي باطلاً، فيكون العقد التبعي باطلاً، تبعاً له. وعلى العكس، إذا كان العقد التبعي باطلاً، فلا يبطل العقد الأصلي.

3. تقسيم العقود من حيث أثرها

أ. ملزمة للجانبين، وملزمة لجانب واحد.
ب. عقد تبرع، وعقد معاوضة.

أ. عقد ملزم للجانبين، وعقد ملزم لجانب واحد

* عقد ملزم للجانبين
ويسمى، كذلك، عقداً تبادلياً. وهو عقد تنشأ، بموجبه، التزامات متقابلة على كل من طرفَيه. فيكون كل منهما دائناً ومديناً، في الوقت عينه، مثل عقد الإيجار وعقد البيع.
* العقد الملزم لجانب واحد
وهو عقد ينشئ التزامات في جانب واحد من طرفَيه، مثل عقد الهبة، الذي يلزم فيها الواهب بنقل ملكية شيء وتسليمه، ولا يلزم الموهوب في هذا العقد بأي التزام، وكذلك مثل عقد الوديعة.
* العقد التبادلي الناقص
ينشأ هذا العقد، أساساً، ملزماً لجانب واحد، مثل عقد الوديعة. فيكون أحد الطرفين فقط، المودع لديه، ملتزماً بالمحافظة على الشيء ورده. ولا يلزم المودع بأي التزام. ولكن قد ينفق المودع لديه نفقات في حفظ الوديعة، تحدث ضرراً له. فعلى ذلك، يلزم المودع، وهو الطرف الآخر، بأن يرد للمودع لديه هذه النفقات، أو يعوضه عما أصابه من ضرر. وعلى ذلك، يكون العقد، في هذه الحالة، عقداً تبادلياً ناقصاً، أو غير تام، طبقاً للقانون الروماني.

ب. عقد المعاوضة وعقد التبرع

* عقد المعاوضة
هو العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلاً لما أعطاه، مثل عقد البيع والإيجار.
* عقد التبرع
هو عقد لا يأخذ فيه أحد المتعاقدين مقابلاً لما أعطاه، مثل عقد الهبة.

تقسيمات أخرى للعقود

يمكن وضع تقسيمات أخرى للعقود، من حيث تنظيم القوانين لها، إلى:
أولاً: العقود المدنية: وهي التي ينظمها القانون المدني، ويطلق عليها العقود المسماة.
ثانياً: العقود التجارية: وقد نظمها القانون التجاري.
ثالثاً: العقود الإدارية: وقد نظمها القانون الإداري.
رابعاً: عقود الأحوال الشخصية: وينظمها قانون الأحوال الشخصية.
خامساً: العقود العمالية: وينظمها قانون العمل.
أولاً: العقود المدنية
نظم القانون المدني المصري العقود المسماة، وقسمها إلى:
1. العقود التي تقع على الملكية.
2. العقود الواردة على الانتفاع بالشيء.
3. العقود الواردة على العمل.
4. عقود الغرر.
5. عقد الكفالة.
العقود التي تقع على الملكية وهي:
أ. البيع.
ب. المقايضة.
ج. الهبة.
د. الشركة.
هـ. القرض.
و. الصلح.

أ. عقد البيع
البيع عقد يلتزم به البائع، أن ينقل إلى المشتري ملكية شيء، أو حقاً مالياً آخر، مقابل ثمن نقدي. ويجب أن يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً؛ ويُعَدّ العلم كافياً، إذا اشتمل العقد علي بيان المبيع وأوصافه الأساسية، بياناً يمكن من تعرفه. ويلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري بالحالة، التي كان عليها وقت البيع. ويكون الثمن مستحق الوفاء، في المكان والزمان، اللذين سلم فيهما المبيع، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك. (وقد نظم القانون المدني المصري عقد البيع، في المواد من 418 إلى 481، متضمناً التزامات البائع ـ والتزامات المشتري ـ والشيء المبيع ـ والثمن ـ بيع ملك الغير ـ بيع الحقوق المتنازع عليها ـ بيع التركة ـ البيع في مرض الموت ـ بيع النائب لنفسه).

ب. عقد المقايضة
المقايضة عقد يلتزم به كل من المتعاقدين، أن ينقل إلى الآخر، على سبيل التبادل، ملكية مال، ليس من النقود. وإذا كان للأشياء المتقايض فيها، قيم مختلفة في تقدير المتعاقدين، جاز تعويض الفرق بمبلغ من النقود، يكون معادلاً. وتسري على المقايضة أحكام البيع، بالقدر الذي تسمح به طبيعة المقايضة. ويُعَدّ كل من المتقايضين بائعاً للشيء الذي قايض به، ومشترياً للشيء الذي قايضه. (وقد ونظم القانون المدني المصري المقايضة، في المواد من 482 إلى 485).

ج. عقد الهبة
الهبة عقد يتصرف، بمقتضاه، الواهب في مال له، دون عوض. ويجوز للواهب، دون أن يتجرد من نية التبرع، أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معيّن. ولا تتم الهبة، إلا إذا قبِلها الموهوب له أو نائبه. وتكون الهبة بورقة رسمية، وإلا كانت باطلة. ويجوز في المنقول، أن تتم الهبة بالقبض، من دون حاجة إلى ورقة رسمية، وتكون هبة الأموال المستقبلة باطلة. ويجوز للواهب أن يرجع في الهبة، إذا قبِل الموهوب له ذلك. فإذا لم يقبَل الموهوب له، جاز للواهب، أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان مستنداً في ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع. ويُعَدّ عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة، بنوع خاص،
(1) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية.
(2) أن يرزق الواهب، بعد الهبة، ولداً، ويظل حياً إلى وقت الرجوع.
(3) أن يخلّ الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو نحو أحد من أقاربه، إخلالاً، يكون جحوداً كبيراً من جانبه. ويترتب على الرجوع في الهبة، بالتراضي أو بالتقاضي، أن تُعَدّ الهبة كأن لم تكن (وقد نظم القانون المدني المصري الهبة، في المواد من 486 إلى 504).

د. عقد الشركة
الشركة عقد يلتزم، بمقتضاه، شخصان أو أكثر، بأن يسهم كل منهم في مشروع مالي، بتقديم حصة من مال أو من عمل، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو من خسارة. وتُعَدّ الشركة، لدى تكوينها، شخصاً اعتبارياً. ولكن لا تحتج بهذه الشخصية على الغير، إلا بعد استيفاء إجراءات النشر، التي يقررها القانون. ومع ذلك للغير، إذا لم تقم الشركة بإجراءات النشر المقررة، أن يتمسك بشخصيتها. ويجب أن يكون عقد الشركة مكتوباً، وإلا كان باطلاً. وكذلك يكون باطلاً كل ما يدخل على العقد من تعديلات، من دون أن تستوفي الشكل، الذي أفرغ فيه ذلك العقد (وقد نظم القانون المدني المصري، في المواد من 507 إلى 537، الشركة ـ وأركانها ـ وإدارتها ـ وآثارها ـ وانقضاءها ـ وتصفيتها ـ وقسمتها).

هـ. عقد القرض
القرض عقد يلتزم به المقرض، أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود، أو أي شيء مثلي آخر. على أن يرد إليه المقترض، عند نهاية القرض، شيئاً مثله، في مقداره ونوعه وصفته. وعلى المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها، عند حلول مواعيد استحقاقها. فإذا لم يكن هناك اتفاق على فوائد، عُدَّ القرض بغير أجر. وينتهي القرض بانتهاء الميعاد المتفق عليه (وقد نظم القانون المدني المصري القرض، في المواد من 538 إلى 544).

و. عقد الصلح
الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً، أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن ينزل كل منهما، على وجه التقابل، عن جزء من ادعائه. ويشترط فيمن يعقد صلحاً، أن يكون أهلاً للتصرف في عوض في الحقوق، التي يشملها عقد الصلح. ولا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية، أو بالنظام العام. ولكن، يجوز الصلح على المصالح المالية، التي تترتب على الحالة الشخصية، أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم. ولا يثبت الصلح، إلا بالكتابة، أو بمحضر رسمي. ولا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون (وقد نظم القانون المدني المصري الصلح، في المواد من 549 إلى 557).

1. العقود الواردة على الانتفاع بالشيء.
وهي:
أ. الإيجار.
ب. العارية.

أ. عقد الإيجار
الإيجار عقد يلتزم المؤجر، بمقتضاه، أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معيّن، مدة معيّنة، لقاء أجر معلوم. ويجوز أن تكون الأجرة نقوداً، كما يجوز أن تكون أي تقدمة أخري. وإذا لم يتفق المتعاقدان على مقدار الأجرة، أو علي كيفية تقديرها، أو إذا تعذر إثبات مقدار الأجرة، وجب اعتبار أجرة المثل. وإذا عقد الإيجار، من دون الاتفاق علي مدة، أو عقد لمدة غير معيّنة، أو تعذر إثبات المدة المدعاة، عُدَّ الإيجار منعقداً للفترة المعيّنة لدفع الأجرة. ويلتزم المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها، في حالة تصلح معها لأن تفي بما أعدّت له. وعلى المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة. ويلتزم المستأجر بأن يستعمل العين المؤجرة على النحو المتفق عليه. ولا يجوز للمستأجر أن يحدِث بالعين المؤجرة تغييراً من دون إذن المؤجر، إلا إذا كان هذا التغيير لا ينشأ عنه أي ضرر للمؤجر. وللمستأجر حق التنازل عن الإيجار، أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما استأجره، أو بعضه، ما لم يقضِ الاتفاق بغير ذلك. وفي حالة التنازل عن الإيجار، يبقى المستأجر ضامناً للمتنازل له عن تنفيذ التزاماته. ويجب علي المستأجر، أن يقوم بالوفاء بالأجرة، في المواعيد المتفق عليها. كما يجب على المستأجر أن يردّ العين المؤجرة، عند انتهاء الإيجار. وإذا نبه أحد الطرفين على الآخر بالإخلاء، واستمر المستأجر، مع ذلك، منتفعاً بالعين بعد انتهاء الإيجار، فلا يفترض أن الإيجار قد تجدد، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك (وقد نظم القانون المدني المصري، في المواد من 558 إلى 634 الإيجار وأركانه وأثاره، والوفاء بالأجرة، والتزامات المؤجر والمستأجر، العين المؤجرة، التنازل عن الإيجار والإيجار من الباطن، انتهاء الإيجار، موت المستأجر أو إعساره، إيجار الأراضي الزراعية، إيجار الوقف).

ب. عقد العارية
العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك، ليستعمله، بلا عوض، لمدة معيّنة، أو في غرض معين، على أن يردّه بعد الاستعمال. وليس للمستعير أن يستعمل الشيء المعار، إلا على الوجه المعيّن، وبالقدر المحدد، وذلك طبقاً لما يبيّنه العقد، أو تقبله طبيعة الشيء، أو يعيّنه العرف. ولا يجوز له، من دون إذن المعير، أن ينزل عن الاستعمال للغير، ولو على سبيل التبرع. ويلتزم المعير أن يسلم الشيء المعار بالحالة، التي يكون عليها وقت انعقاد العارية، وأن يتركه للمستعير طوال مدة العارية. وعلى المستعير أن يبذل في المحافظة علي الشيء العناية، التي يبذلها في المحافظة على ماله. ومتي انتهت العارية، وجب على المستعير أن يردّ الشيء الذي تسلمه، بالحالة التي يكون عليها، وذلك من دون الإخلال بمسؤوليته عن الهلاك أو التلف. وتنتهي العارية بانقضاء الأجل المتفق عليه، فإن لم يعيّن لها أجل، انتهت باستعمال الشيء فيما أعير من أجله. وتنتهي العارية بموت المستعير، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره. كما يجوز للمعير أن يطلب، في أي وقت، إنهاء العارية، في بعض الأحوال، منها إذا أساء المستعير استعمال الشيء، أو إذا عرضت للمعير حاجة عاجلة للشيء، لم تكن متوقعة (وقد نظم القانون المدني المصري، في مواده من 635 إلى 645 العارية، والتزامات المعير، والتزامات المستعير، وانتهاء العارية).

2. العقود الواردة على العمل

وهي:
أ. المقاولة.
ب. عقد العمل.
ج. الوكالة.
د. الوديعة.
هـ. الحراسة.

أ. عقد المقاولة
المقاولة عقد يتعهد، بمقتضاه، أحد المتعاقدين، أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي عملاً، لقاء أجر، يتعهد به المتعاقد الأخر. ويجوز أن يقتصر المقاول على التعهد بتقديم عمله، على أن يقدم رب العمل المادة، التي يستخدمها، أو يستعين بها على القيام بعمله. كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم العمل والمادة معاً. ويضمن المهندس المعماري والمقاول، متضامنين، ما يحدث خلال عشر سنوات، من تهدم، كلي أو جزئي، فيما شيداه من مبانٍ، أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى، ذلك، ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل، قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، ما لم يكن المتعاقدان، في هذه الحالة، قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة أقلّ من عشر سنوات. وتبدأ مدة السنوات العشر من وقت تسلم العمل (وينظم القانون المدني المصري، في مواده من 646 إلى 667 التزامات المقاول، والتزامات رب العمل، المقاولة من الباطن، انقضاء المقاولة).

ب.عقد العمل
عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين، بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر، وتحت إدارته، أو إشرافه، مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. ولا يشترط في عقد العمل أي شكل خاص، ما لم تنص القوانين واللوائح الإدارية على خلاف ذلك. ويجوز أن يبرم عقد العمل لخدمة معيّنة أو لمدة معيّنة. كما يجوز أن يكون غير معين المدة. وإذا كان عقد العمل معين المدة، انتهي من تلقاء نفسه بانقضاء مدته. فإذا استمر طرفاه في تنفيذ العقد، بعد انقضاء مدته، عُدّ ذلك منهما تجديداً للعقد لمدة غير معيّنة. ويجب على العامل أن يؤدي العمل بنفسه، وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد. ولا ينفسخ عقد العمل بوفاة رب العمل، ما لم تكن شخصيته قد روعيت في إبرام العقد. ولكن ينفسخ العقد بوفاة العامل (وينظم القانون المدني المصري عقد العمل، وأركانه، والتزامات العامل، ورب العمل، وانتهاء عقد العمل، في المواد من 674 إلى 698).

ج. عقد الوكالة
الوكالة عقد يلتزم بمقتضاه، الوكيل، بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل. ولا بد من وكالة خاصة في كل عمل، ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع، والرهن، والتبرعات، والصلح، والإقرار، والتحكيم، وتوجيه اليمين، والمرافعة أمام القضاء. والوكالة الخاصة لا تجعل للوكيل صفة، إلا في مباشرة الأمور المحددة فيها، وما تقتضيه هذه الأمور من توابع ضرورية، وفقاً لطبيعة كل أمر، وللعرف الجاري. والوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة، من دون أن يجاوز حدودها المرسومة، على أن له أن يخرج عن هذه الحدود، متى كان من المستحيل عليه إعلام الموكل سلفاً، وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل، ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف. وعلى الوكيل، في هذه الحالة، أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة. وإذا تعدد الوكلاء، كانوا، لذلك، مسؤولين بالتضامن، متى كانت الوكالة غير قابلة للانفصال، أو كان الضرر، الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ مشترك. وتنتهي الوكالة بإتمام العمل الموكل به، أو بانتهاء الأجل المعيّن للوكالة. وتنتهي، كذلك، بموت الموكل أو الوكيل. ويجوز للموكل، في أي وقت، أن ينهي الوكالة، أو يقيدها، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. غير أنه إذا كانت الوكالة صادرة لمصلحة أجنبي، فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة، أو يقيدها، من دون رضاء من صدرت الوكالة لمصلحته، ويجوز للوكيل أن ينزل، في أي وقت، عن الوكالة، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. ويتم التنازل بإعلانه للموكل. غير أنه لا يجوز للوكيل، أن ينزل عن الوكالة متي كانت صادرة لمصلحة أجنبي إلا إذا وجدت أسباب جدية، تبرر ذلك، على أن يُعلم الأجنبي بهذا التنازل (وينظم القانون المدني المصري الوكالة، في مواده من 699 إلى 717).

د. عقد الوديعة
الوديعة عقد يلتزم به شخص، أن يتسلم شيئاً من آخر، على أن يتولى حفظ هذا الشيء، وعلى أن يرده عيناً. والأصل في الوديعة أن تكون بغير أجر، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك (وينظم القانون المدني المصري الوديعة، في مواده من 718 إلى 728).
هـ. عقد الحراسة
الحراسة عقد، يعهد الطرفان، بمقتضاه، إلى شخص آخر، بمنقول، أو عقار، أو مجموع من المال، يقوم في شأنه نزاع، أو يكون الحق فيه غير ثابت. فيتكفل هذا الشخص بحفظه، وبإدارته وبردّه مع غلته المقبوضة، إلى مَن يثبت له الحق فيه. ويجوز للقضاء أن يأمر بالحراسة، في أحوال معيّنة. ويحدد الاتفاق أو الحكم القاضي بالحراسة، ما على الحارس من التزامات، وما له من حقوق وسلطة. وتنهي الحراسة باتفاق ذوي الشأن جميعاً، أو بحكم القضاء (وقد نظم القانون المدني المصري الحراسة، في المواد من 729 إلى 738).

3. عقود الغرر

وهي:
أ. المقامرة والرهان.
ب. المرتب مدى الحياة.
ج. التأمين.
د. الكفالة.

أ. المقامرة والرهان
يكون باطلاً كل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان. ويستثنى من ذلك ما رخص فيه قانون أوراق النصيب، والرهان الذي يعقده فيما بينهم المتبارون شخصياً في الألعاب الرياضية (وقد نظم القانون المدني المصري ذلك في المادتين 739 و740).

ب. المرتب مدى الحياة
يجوز للشخص، أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتباً دورياً، مدى الحياة، بعوض أو بغير عوض. ويكون هذا الالتزام بعقد أو بوصية. ويجوز أن يكون المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له، أو مدى حياة الملتزم، أو مدى حياة شخص آخر. والعقد الذي يقرر المرتب، لا يكون صحيحاً، إلا إذا كان مكتوباً، ومن دون إخلال بما يتطلبه القانون من شكل خاص لعقود التبرع (وقد نظم القانون المدني المصري المرتب مدى الحياة، في المواد من 741 إلى 746).

ج. عقد التأمين
التأمين عقد يلتزم المؤمن، بمقتضاه، أن يؤدي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لمصلحته، مبلغاً من المال، أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر، في حالة وقوع الحادث، أو تحقق الخطر المبيّن في العقد. وذلك نظير قسط أو أي دفعة مالية أخرى، يؤديها المؤمن له للمؤمن (وقد نظم القانون المدني المصري التأمين، في المواد من 747 إلى 771).

د. عقد الكفالة
الكفالة عقد يكفل شخص، بمقتضاه، تنفيذ التزام، بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام، إذا لم يفِ به المدين نفسه. ولا تثبت الكفالة، إلا بالكتابة. وتجوز كفالة المدين بغير علمه. بل تجوز على الرغم من معارضته. ويبرأ الكفيل لدى براءة المدين. وتجوز كفالة الكفيل. وإذا وفى الكفيل الدين، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قِبل المدين (وقد نظم القانون المدني المصري الكفالة في مواده من 772 إلى 801).

المصادر والمراجع

1. أحمد فراج حسين، وحشمت أبو ستيت، “الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية”، مؤسسة الثقافة الجامعية، ط1، الإسكندرية.
2. إسماعيل غانم، “مصادر الالتزام”.
3. أنور العمروسي، المحامي بالنقض والإدارية العليا، “الوجيز في الصيغ القانونية الحديثة في العقود”.
4. أنور سلطان، “مصادر الالتزام”، دار النهضة العربية، بيروت، 1983.
5. عبدالرازق السنهوري، “الوسيط”.
6. عبدالمنعم البدراوي، “أحكام الالتزام”، كلية الحقوق، جامعة القاهرة.
7. عبدالمنعم البدراوي، “مصادر الالتزام”، كلية الحقوق، جامعة القاهرة.
8. عبدالمنعم حسن، “الموجز في النظرية العامة للالتزام”.
9. محمد أبو زهرة، “الملكية ونظرية العقد في الفقه الإسلامي”، دار الفكر العربي، القاهرة.
10. المصباح المنير ـ القاموس المحيط.
11. قانون الشركات المساهمة، وشركات التوصية بالأسهم، والشركات ذات المسؤولية المحدودة الرقم 159 لسنة 1981، مجلة المحاماة.
12. القانون المدني المصري، مجلة “المحاماة”.