بحث و دراسة حول الاثراء بدون سبب في القانون المغربي

مقال حول: بحث و دراسة حول الاثراء بدون سبب في القانون المغربي

بحث و دراسة حول الاثراء بدون سبب في القانون المغربي

كردافي صالح .
طالب باحث :” ماستر القانون المدني”
كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بأكادير

المطلب الأول : الإطار التاريخي لدعوى الإثراء بلا سبب

عرف الإثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الإلتزام منذ القدم،غير أنه لم يتقرر كقاعدة عامة إلا في القوانين الحديثة ، لدى سنحاول دراسة تطور هذه القاعدة في القانون الروماني(الفقرة الأولى) ، وفي القانون الفرنسي ( الفقرة الثانية ) ثم التشريع المغربي (الفقرة الثالثة ) .

الفقرة الأولى : القانون الروماني

لم تظهر قاعدة الإثراء بلا سبب كمبدإ عام في القانون الروماني ، وإنما أخد بها في طائفتين من الدعاوى ، وهما دعوى الإسترداد لما دفع دون سبب ، ودعوى الاثراء بلا سبب[1] .
فبالنسبة لدعوى الإسترداد لما دفع دون سبب فتتضمن مايلي :
ــ دعوى إسترداد ما دفع شخص للغير دون سبب ، ظنا منه أنه مدين به.
ــ دعوى يسترد بها الشخص ما دفع للغير لسبب مشروع لم يتحقق .
ــ دعوى يسترد بها مادفع خلاف أحكام القانون :أي حق المدين في استرداد مادفعه من فوائد غير قانونية من دائنه .
ــ دعوى استرداد ما دفع في أحوال معينة إذا كان لسبب غير موجود أو لسبب لم يتحقق .
أما بالنسبة لدعوى الإثراء بلا سبب فإن نطاقها كان ضيقا ، حيث يشترط لإعمالها أن يكون التعاقد بين شخصين لا يخضع أحدهما لسلطة الأخر ، لتتطور بعد ذلك وتشمل التعاقد ما بين شخصين لا يخضعان لأي سلطة ، كمثال عن ذلك شريك تعاقد مع الغير فنتج عن هذا التعاقد نفع عاد على الشريك فيصبح لهذا الأخير الرجوع على الشركاء الأخرين في حدود ما أثروا به[2].
ويرجع ظهور هذه الدعاوى في القانون الروماني إلى طابع الشكلية الذي كان القاعدة العامة و مصدر القوة الملزمة للعقود 1. وتتميز هذه الدعاوى كذلك بأن الإثراء يجب أن يكون قد انتقل مباشرة من الذمة المالية للمثري إلى الذمة المالية للمثرى دون تدخل أجنبي .

الفقرة الثانية: القانون الفرنسي .

تأثر المشرع الفرنسي عند وضعه لمدونة نابوليون بالقانون الروماني الذي أخد بقاعدة الإثراء بلا سبب في حالات خاصة[3]، لدى لم يتضمن قانون نابوليون أي نص يشير إلى الإثراء بلا سبب كمبدأ عام ، بل إقتصر على بعض تطبيقات هذا المبدأ ، أبرزها الفضالة والدفع غير المستحق للغير .
كما ساهمت طريقة فقهاء الشرح على المتون في تلقي التشريع في فرنسا،والتي كانت تعتمد على التفسير القانوني لنصوص مدونة نابوليون3[4]،دون الخروج عن النص التشريعي ورد كل الأحكام الغير المنصوص عليها صراحة إلى أحكام ورادة في المدونة ، مما أدى إلى استبعاد قاعدة الإثراء بلا سبب كمبدأ عام .
وبموجب قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 11 يونيو 1892 في قضية ( تاجر السماد)4 ؛ تم الأخد بقاعدة الإثراء بلا سبب ،لكن على أساس أنها تطبيق لقواعد الفضالة الناقصة التي اختل ركن القصد في تولي شؤون الغير فيها5[5].
غير أن نظرية الفضالة الناقصة عجزت عن شمول كل تطبيقات الإثراء بلا سبب مما دفع القضاء الى الإعتراف بقاعدة الإثراء بلا سبب كمبدإ عام ، ومصدر للإلتزام6[6]،مع تقييده بشرطين: أولهما أن دعوى الإثراء بلا سبب هي دعوى احتياطية بحيث لا يمكن اللجوء إليها إلا في حالة غياب وسيلة قانونية اخرى ، أو دعوى موازية تمكن المتضرر من الحصول على التعويض[7].وثانيهماأن يكون الإثراء واقعة قائمة وقت المطالبة بها .

الفقرةالثالثة : التشريع المغربـــــي .

يعود الفضل في جعل قاعدة الإثراء بلا سبب مبدأ عاما في القانون المغربي إلى أسس الشريعة الإسلامية ، والدور الكبير للفقهاء ،إلى جانب الأحكام القضائية التي أغنت مبدأ الإثراء بلا سبب، وجعلته مصدرا عاما ، قائما بذاته ومستقلا عن غيره من المصادر3[8].
وقد افرد قانون الإلتزامات والعقود المغربي نصوصا خاصة للإثراء بلا سبب بين دفتيه ، في الباب الثاني في القسم الأول منه ، وعرفه في الفصل 66 من ق ل ع ” من تسلم أو حاز شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء إلتزم برده لمن أثري على حسابه” كما أن المشرع المغربي اعتبر الدفع الغير المستحق كتطبيق لقاعدة الإثراء بلا سبب في الفصول 68 إلى 74 من هذا الظهير، أما الفضالة فقد أوردها في الفصل الخامس من القسم السادس، وجعلها من أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة والفضالة وذلك في الفصول 943 إلى 958 .

المطلب الثاني :التأصيل القانوني والفكري لنظرية الإثراء بلا سبب .

ظهرت قاعدة الإثراء بلا سبب منذ القدم ، إلا أنها لم تتبلور بشكلها الحالي إلا في عصور متأخرة نسبيا ، نتيجة تأثير مجموعة من الأفكار والتفسيرات التي ساعدت بشكل كبير في وضع أسسها .
وسنحاول تقسيم هذا المطلب إلى أربعة فقرات سنتناول في( الفقرة الأولى) قاعدة الإثراء بلا سبب والفضالة ، وفي ( الفقرة الثانية) قاعدة الإثراء بلا سبب ومناط المسؤولية المدنية ، أما( الفقرة الثالثة ) فسنعرض فيها قاعدة الإثراء بلا سبب ونظرية تحمل التبعة ،في حين سنخصص ( الفقرة الرابعة) لقاعدة الإثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الإلتزام .

الفقرة الأولى :قاعدة الإثراء بلا سبب والفضالة

عمل فقهاء الشرح على المتون في فرنسا على التقريب بين نظرية الإثراء بلا سبب والفضالة ، وبرروا ذلك بكونهما تقومان على نفس الأساس ، أو تنشآن من نفس السبب وهو التدخل في شؤون الغير لدى يمكن تطبيق أحكام دعوى الفضالة المقررة في الفصل (1375) من القانون المدني الفرنسي على دعوى الإثراء بلا سبب[9] ، غير أنهم لم يجعلوا دعوى الإثراء بلا سبب صورة من صور دعوى الفضالة ، لإختلاف أحكام كل منهما ، فدعوى الإثراء بلا سبب لا يسترد فيها المثري إلا مقدار الإثراء الذي تحقق ، على عكس دعوى الفضالة إذ يسترد الفضولي كل المصارف النافعة التي تحملها .
هذا الموقف تعرض للإنتقاذ ؛ فبالرغم من توافق دعوى الإثراء بلا سبب ودعوى الفضالة من حيث مبدأ عدم إثراء الشخص على حساب الغير2[10]، ويختلفان في كون الإثراء بلا سبب لا يستلزم أي شرط خاص بل يكفي أن يفتقر شخص فيثري شخص أخر على حسابه دون مبرر قانوني .
أما الفضالة فتستلزم شرطا خاصا يتمثل في تدخل الفضولي قاصدا القيام بعمل عاجل لمصلحة الغير .

الفقرة الثانية :الإثراء بلا سبب والمسؤولية المدنية .

تبنى جانب من الفقه خاصة الفقيه الفرنسي بلانيول،فكرة الشبه بين الإثراء بلا سبب ،والفعل
الغير المشروع [11]،على أساس أن المفتقر يصاب بضرر يتمثل في الافتقار،الذي حصل له
وحينما يطالب برد الاثراء المسبب في افتقاره من الشخص الذي اثري على حسابه، فهو
يطالب بالتعويض عن هذا الضرر،وهذا الأخير يرجع فيه الى أحكام المسؤولية
المدنية،وأساس دفاع الفقيه بلانيول عن هاته الفكرة، يعود الى تقسيمه لمصادر الالتزام
لمصدرين:العقد والقانون،فأدخل الالتزام بالتعويض في المسؤولية المدنية،والالتزام برد ما
أثرى به الشخص على حساب غيره في نطاق مصدر واحد هو القانون.
هذا الموقف تعرض بدوره للانتقاد،باعتبار أن أحكام الاثراء بلا سبب تختلف عن أحكام المسؤولية المدنية على مستوى التعويض،فالبنسبة للتعويض في الاثراء بلاسبب لا يشترط وقوع خطأ من جانب المثري ،ليكون سببا لقيام واقعة رد الاثراء،أما سبب التعويض في المسؤولية المدنية فهو ارتكاب عمل غير مشروع،نتيجة خطأ الشخص أو إهماله.

الفــقرة الثالــثة:قاعــدة الإثراء بلا سبب وقاعدة تحمل التــــبعـــة

عمد الفقيهانربير و تيسير إلى تقييم نظرية الإثراء بلا سبب على أساس اقتصادي واجتماعي ، وذلك من خلال مقال في المجلة الشهرية للقانون المدني سنة 1904 أورد فيها أن كل شخص عليه أن يتحمل ما يترتب على نشاطه من نتائج ضارة أو نافعة ، فمادام الإنسان هو صاحب الحق في المنافع التي يجنيها بنشاطه ، فهو كذلك ملزم بتعويض الأضرار التي يحدثها للغير [12].
هاته النظرية لقيت تأييدا من طرف فقيه أخر هوكودميه إلا انه أضاف إلى هذه النظرية العناصر التالية:
ــ سبب الإثراء يجب أن يكون نشاطا غير عادي للشخص الذي افتقر أما إذا كان جزءا من نشاطه العادي ، فإن الإثراء يعد مجرد نتيجة للحياة الإجتماعية ولا يستحق التعويض .
ــ الطابع الإحتياطي لدعوى الإثراء بلا سبب حيث لا يباح استخدامها إلا إذا تعذر استخدام وسيلة أخرى[13].
وقد حاول بعض الفقهاء تفسير الأساس الإقتصادي لدعوى الإثراء بلا سبب بكون ان كل شخص يستفيد من ضرر لحق بالغير ، يلتزم بتعويض هذا الضرر ، وان الإستفادة التي تحصل تعتبر أساس المسؤولية بشكل خاص وتتوقف على حدوث خطأ أو خطر.[14]
غير أن هذه النظرية انتقدت لكونها تقارب مابين الإثراء بلا سبب والمسؤولية ، سواء على أساس الخطأ أو الخطر، رغم اختلاف النظامين ليتم تعويضها بنظرية جديدة ترجع أساس رد الإثراء بلاسبب إلى فكرة العدالة التي تقوم على قواعد الأخلاق أو قواعد القانون الطبيعي ، اضافة الى العوامل القانونية الواقعية ، والتي منها عامل الإستقرار الإجتماعي1.
وكذلك عامل الإمكان أي القدرة على الإنشاء الواقعي والعملي للنظم ، بالإضافة إلى العامل التاريخي الذي يحقق الترابط بين العرف والتشريع والأنظمة السابقة .

الفقرة الرابعة :الإثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الإلتزام

حاول العديد من الفقهاء تفسير أساس الإلتزام برده إلى الإثراء ، فذهب فريق منهم إلى رده إلى أحكام الفضالة ، وقام آخرون بتفسيره على أساس المسؤولية ، واتجه فريق أخر إلى الاستعانة بقاعدة تحمل التبعة و فكرة العدالة ، ليستقر على قاعدة الإثراء بلا سبب في الأخير باعتبارها نظاما عاما قائما بذاته ومصدرا مستقل للإلتزام .
وقد أخدت عدت تشريعات حديثة بقاعدة الإثراء بلا سبب كمصدر للإلتزام ، ومنها؛قانون الإلتزامات والعقود المغربي في الفصل 66 و 67 ، والقانون المصري في المادتين 179 و 180 ، والقانون اللبناني في المادة 140 ، والقانون الألماني في المادة 812 ، وتجدر الإشارة إلى أن جل التشريعات التي أخدت بقاعدة الإثراء بلا سبب كمصدر للإلتزام تضع بجانبها تطبيقات لهذه القاعدة وتجعل لها أحكاما خاصة2[15]، تختلف عن أحكام قاعدة الإثراء بلا سبب ، ومن أمثلة ذلك الدفع غير المستحق والذي تناوله المشرع المغربي في قانون الإلتزامات والعقود من خلال الفصول (68 إلى 76) ، أما المشرع المصري فتناولها في القانون المدني المصري في المواد ( 180 إلى 187) ، بالإضافة إلى رد الإثراء الذي ينتج عن الفضالة المنظم في قانون الإلتزامات والعقود من الفصل (943 إلى 958) وتناولها المشرع الموريتاني في الفصل الخامس من الباب السابع من الكتاب الثالث تحت عنوان أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة .

خــــــــــــاتـــــمــــــــة

وبناءا على ماسبق،يتضح أن دعوى الاثراء بلا سبب مبدأ قد اختلفت طريقة اعتماده في معظم التشريعات ، فمنها من اعتبره أساسا ثانويا للالتزامات،وأخرى صنفته كمصدر من مصادر الالتزام.
أما المشرع المغربي فقد تناول نظرية الاثراء بلا سبب بطريقة خاصة في الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول تحت عنوان الالتزامات الناشئة عن اشباه العقود ، ونظمها الى جانب الدفع غير المستحق للغير ،في حين أنه كان الأجدر أن يفرد لها أحكاما خاصة بها كمصدر مستقل للالتزام يجد مجالا لتطبيقه في التشريع المغربي.
وهذا ما تقتضيه ضرورة الاستجابة للأصوات المنادية بتعديل قانون الالتزامات والعقود الذي عمر قرنا دونما حصول تغيير فيه ينسجم وبناء الدولة المغربية الحديثة.

لائحة المراجع المعتمدة:

ألان بنابنت ، القانون المدني ، ترجمة منصور القاضي ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر والتوزيع .
المختار بن أحمد عطار ، النظرية العامة للإلتزامات في ضوء القانون المغربي ، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى
الشنيوي نورة غزلان ، العقود المسماة في ظل ظهير الإلتزمات والعقود المغربي ، مطبعة الورود، الطبعة الثانية 2009
ادريس العلوي العبدلاوي ، النظرية العامة للإلتزام ، الطبعة الأولى 2000 مطبعة النجاح الجديدة .
إدريس العلوي العبدلاوي ،الإثراء بلا سبب ( دون الإشارة إلى دار الطبع والسنة)
عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مصادر الإلتزام ، بند 777 طبعة 1998-دون الاشارة الى دار النشر.
مصطفى العوفي ،المقتضب في النظرية العامة للإلتزام ، مطبعة القرويبن الطبعة الأولى 2005
الهوامش

[1] المختار بن أحمد عطار ، النظرية العامة للإلتزامات في ضوء القانون المغربي ، مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الأولى 2011 ص 332.
[2] – نفسه ص 333
[3] – الشنيوي نورة غزلان، العقود المسماة في ظل ظهير الإلتزمات والعقود المغربي،مطبعة الورود، الطبعة الثانية ، 2009 ص 76
[4]-مصطفى العوفي ،المقتضب في النظرية العامة للإلتزام ، مطبعة القرويبن الطبعة الأولى ،2005 ، ص 195
[5] – ادريس العلوي العبدلاوي ، النظرية العامة للإلتزام ، الطبعة الأولى 2000 مطبعة النجاح الجديدة ص 49.
[6] – ألان بنابنت ، القانون المدني ، ترجمة منصور القاضي ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر والتوزيع ص 330
[7] – عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مصادر الإلتزام ، بند 777 طبعة 1998-دون الاشارة الى دار النشر-، ص 1148
[8] -بن أحمد عطار ، النظرية العامة للإلتزامات…، مرجع سابق ، ص 335
[9] – ادريس العلوي العبدلاوي ،الاثراء بلا سبب ،مرجع سابق ، ص:49
[10] – إدريس العلوي العبدلاوي النظرية العامة للإلتزام ، مرجع سابق ، ص50-51
[11] – إدريس العلوي العبدلاوي النظرية العامة للإلتزام ،مرجع سابق ،ص 52
[12]- ادريس العلوي العبدلاوي،النظرية العامة… مرجع سابق ص 55
[13] – نفسه ص57
[14] – ادريس العلوي العبدلاوي،النظرية العامة… مرجع سابق ص 60
[15] – المختار بن أحمد عطار ، مرجع سابق ص 336 و337

شارك المقالة

1 تعليق

  1. موضوع جميل ،شكرا للكاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.