دراسة و بحث في القانون الدستوري

أ / ابراهيم العناني

القانون الدستوري

خطة البحث :
• مقدمــــة
• المبحث الأول: مفهوم القانون الدستوري و مصادره
المطلب الأول : تعريف القانون الدستوري
المطلب الثاني : مصادر القانون الدستوري
• المبحث الثاني: الفرق بين القانون الدستوري و بعض المصطلحات المشابهة
المطلب الأول : الفرق بين القانون الدستوري والدستور
المطلب الثاني: الفرق بين القانون الدستوري والنظام الدستوري
• المبحث الثالث: علاقة القانون الدستوري بفروع القانون الأخرى وطبيعته
المطلب الأول : العلاقة مع فروع القانون العام
المطلب الثاني: العلاقة مع فروع القانون الخاص والفروع المختلطة
المطلب الثالث : طبيعة قواعد القانون الدستوري
• الخاتمـــة

المقدمــــة

الإنسان اجتماعي بطبعه لا يستطيع أن يعايش ظروف الحياة بمفرده إنما يجب أن ينخرط ضمن جماعة من الناس إلا أن قيام هذا الانخراط ضمن الجماعة يؤدي إلى قيام تعارض بين مصلحته كفرد و مصلحة الآخرين و من ثم كان من الواجب وضع تنظيم للعلاقات بين الفرد و المجتمع وهذا التنظيم لا يكون إلا من خلال وضع القواعد القانونية و من هنا ظهر ما يسمى بالقانون .
فالقانون ضروري لحفظ كيان الجماعة البشرية و استقرارها و أمنها و طالما أن الجماعة ضرورة ولا حياة للإنسان إلا في الجماعة، فالقانون كذلك ضروري ولا غنى عنه و لولاه لعمت الفوضى.
وقد ساير القانون التطور الحضاري للإنسان وقسم القانون إلى خاص و عام و قسم هذا الأخير(أي القانون العام) إلى عدة فروع من بينها القانون الدستوري و هذا ما نحن بصدد إبراز ماهيته.
فما هو القانون الدستوري؟ و ما هي مدلولاته؟

المبحث الأول: مفهوم القانون الدستوري

المطلب الأول: تعريف القانون الدستوري

كلمة دستور ليست هي أيضا كلمة عربية الأصل بل يجمع معظم الكتاب على أنها كلمة فارسية دخلت اللغة العربية عن طريق الأتراك, وهي تعني الدفتر آو السجل الذي تجمع فيه قوانين الملك وضوابطه.
والقانون الدستوري هو قانون وضعي كبقية القوانين الأخرى وهو يختص بتنظيم جانب معين من النشاط في المجتمع, أما بالنسبة لتعريفه فهناك عدة معايير يمكن الاستناد عليها لتعريفه:

الفرع الأول: المعيار اللغوي: وهو يبحث في الأساس اللغوي لكلمة دستور والتي تعني الأساس آو البناء آو التكوين, وانطلاقا من هذا المعيار يمكن تعريف القانون الدستوري بأنه (مجموعة القواعد التي تنظم أسس الدولة وتحدد تكوينها.

الفرع الثاني: المعيار الشكلي أو الرسمي: طبقا لهذا المعيار فان القانون الدستوري هو (دراسة وثيقة الدستور المطبقة فعلا في بلد ما وفي زمن ما .ويعرف أيضا طبقا لهذا المعيار على انه (مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة المسماة بالدستور أي أنه ذالك الفرع من القانون الذي يدرس القواعد القانونية الواردة أو المدونة في الدستور فقط وعلى هذا المنوال عرّف البعض الآخر القانون الدستوري بكونه علم الدساتير المكتوبة .

الفرع الثالث: المعيار الموضوعي ( المادي ) : إن هذا المعيار لا ينظر إلى وثيقة الدستور بل ينظر إلى ما هو دستوري من حيث الموضوع سواء كان منصوص عليه في وثيقة الدستور أم لا , أي ينظر إلى القواعد القانونية التي تبين شكل الدولة بسيطة أو مركبة وكذلك نشاط السلطتين التشريعية والتنفيذية والعلاقة بينهما .
ويخلص البعض إلى تعريف القانون الدستوري في ظل هذا المعيار بأنه: مجموعة القواعد القانونية الخاصة بنظام الحكم في مجتمع سياسي معين وفي وقت معين.

المطلب الثاني: مصادر القانون الدستوري

الفرع الأول: المصادر الرسمية الشكلية

التشريع:

ويقصد بالتشريع (سن القواعد القانونية و إكسابها قوتها الإلزامية عن طريق سلطة مختصة وفقا لإجراءات معينة )(2). وعادة ما تسمى هذه السلطة بالمؤسسة التشريعية.
وقد ازدادت أهمية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة و تعقيد نشاطها و بالتالي زيادة ارتباطها بالأفراد و الجماعات و الدول.
(1)– د الأمين شريط ،الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة , الجزائر بن عكنون ديوان لمطبوعات الجامعية , الطبعة الثانية 2002 ، ص : 5
(2)-الأستاذ حسني بوديار , الوجيز في القانون الدستوري , دار العلوم ،الجزائر ، ص 2

الفرع الثاني : المصادر التفسيرية

أولا: العــرف:
يمكن تعريفه بأنه السلوك أو التصرف الذي يطبق بشكل ثابت أمام مشكل معين، كلما تكرر ذلك المشكل، باعتباره سلوكا واجبا و ملزما. وبناءًا على ذلك فان العرف يتضمن عنصرين:
أ) عنصر مادي: وهو تكرار نفس الحل أمام نفس المشكل و هذا يعني:
– أن يتجدد التكرار أكثر من مرة .
– أن يحوز ذلك الحل صفة العمومية، أي لا يعارضه الأشخاص أو الهيئات الحاكمة.
– أن يكون الحل واضحا ، أي لا يحتمل الغموض و تعدد التفاسير .
– أن يكون ثابتا، أي أن لا ينقطع التطبيق لو تكرر المشكل.
ب) عنصر معنوي: و هو أن يتولد في ضمير الجماعة أو الهيئات الحاكمة شعور بأن ذلك السلوك أو ذلك الحل ملزم و هو قاعدة قانونية، وأن يكون هذا الشعور أو الاعتقاد راسخا مع الاقتناع أن مخالفة ذلك السلوك يترتب عنه الجزاء القانوني.
و يجب هنا التفرقة بين العرف الدستوري و الدساتير العرفية، فهذه الأخيرة هي مجموعة من العادات المتعلقة بالسلطة التي نشأت دون وجود نصوص قانونية سابقة لها في نفس المجال،مثلما هو الحال في إنجلترا. أما العرف الدستوري فهو ينشأ إلى جانب الدساتير المكتوبة إما لتكملتها أو تفسيرها أو تعديلها .
ملاحظة: يشترط في العرف أن يكون عامًا و قديمًا و ثابتًا وأن لا يكون مخالفا للقوانين.

ثانيا: القضاء(السوابق القضائية)
هي الأحكام التي تصدرها المحاكم بخصوص مشكل معيّن و التي تصبح نموذجا يعتمد في كل القضايا المشابهة، و يحترم بصفة دائمة، والقضاء كمصدر من مصادر القانون الدستوري له دور كبير في البلدان التي تطبق الرقابة الدستورية عن طريق المحاكم مثل الولايات المتحدة، أما في البلدان التي تطبق رقابة دستورية سياسية أو مختلطة مثل فرنسا و الجزائر فإن القرارات و الآراء التي يصدرها المجلس الدستوري تؤدي هذا الدور .

ثالثا: الفقه :
يقصد بالفقه آراء رجال القانون المتخصصين اللذين يقدمون من خلال بحوثهم و دراساتهم فتاوى ووجهات نظر تكمل و تفسر وتعيب القانون أو أحكام القضاء، ويمكن للفقه أن يكون مصدرا مهما في بعض الدول مثل بريطانيا، لكن أهميته ثانوية في معظم البلدان.(1)
(1) د.الأمين شريط، المرجع السابق، ص23

رابعا: الدين:
إن الأديان التي تهتم بالمعاملات مثل الإسلام توجد فيها قواعد دستورية، ففي الإسلام نجد أن الشريعة الإسلامية كانت مصدرا لكافة القوانين، أما حاليا فهي تشكل مصدرا لقوانين الأحوال الشخصية وبعض الموضوعات في القانون المدني مثل الأوقاف.
أما بالنسبة للقانون الدستوري فإن بعض الدول تنص في دساتيرها على بعض القواعد المتعلقة بالسلطة مثل إيران و باكستان…الخ، و الملاحظ أن الشريعة الإسلامية توجد بها مبادئ دستورية، كالشورى ومبدأ البيعة، ومبدأ العدالة و المساواة و كفالة الحقوق و الحريات العامة.

المبحث الثاني: الفرق بين القانون الدستوري وبعض المصطلحات المشابهة.

بجانب اصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى مشابهة له , وهي قريبة منه لكن ليس لها المعنى ذاته ونظرا للتشابه اللغوي والاختلاف في المعنى بين هذه المصطلحات والقانون الدستوري , يتوجب علينا التمييز بين مفاهيم هذه التسميات :

المطلب الأول : الفرق بين القانون الدستوري والدستور:
إن الدستور عبارة عن وثيقة أو عدة وثائق قانونية تصدر عن هيئة مختصة وفقا لإجراءات معينة وتتضمن القواعد المتصلة بنظام الحكم في بلد معين وفي زمن معين (1 ). والدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلا غير موجود في بعضها لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور , وفضلا عن ذالك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدرا من بين مصادر القانون الدستوري , وان كان هو الذي يحتل المرتبة الأولى.

المطلب الثاني: الفرق بين القانون الدستوري والنظام الدستوري:
يطلق على نظام سياسي ما بأنه نظام دستوري إذا كانت الحكومة فيه تخضع لنظام أعلى وهو الدستور ولا يملك الحاكم الخروج عنه, وعليه فان قيام حكومة استبدادية يعتبر منافيا للنظام الدستوري لأن الحاكم لا يلتزم بحدود القانون ولا يخضع لها. ( أي أن النظام الدستوري يقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة ( 2 ).
لذلك فالفرق بين المصطلحين يتمثل في أن كل دولة يوجد فيها قانون دستوري, ولكن قد لا تكون ذات نظام دستوري ما دامت لا تقوم على حكومة دستورية.
( 1 ) لأستاذ حسني بوديار ، المرجع السابق ، ص :17
( 2 ) د. الأمين شريط ، المرجع السابق، ص: 152

المبحث الثالث: علاقة القانون الدستوري بفروع القانون الأخرى وطبيعته

المطلب الأول: العلاقة مع فروع القانون العام
يمكن إبراز أهم مظاهر هذه العلاقة بالنسبة للقانون العام الخارجي (الدولي العام ) ثم بالنسبة لفروع القانون العام الداخلي 1 .

الفرع الأول : القانون العام الخارجي الدولي العام:
إن القانون الدولي العام يهتم أساسا بنشاط الدولة في المجال الخارجي , أي انه ينظم العلاقة بين الدول والهيئات الدولية الأخرى مثل هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية…الخ , أما القانون الدستوري فيبحث أساسا في القواعد الخاصة بنظام الحكم داخل الدولة.
ورغم اختلاف مجال كلى القانونين إلا أنهما يشتركان في دراسة بعض المواضيع مثل: موضوع الدولة نفسها والمعاهدات الدولية , ومبدأ سيادة الدولة, وحقوق الأجانب وموضوع جنسية الأشخاص .
أما مظاهر الاختلاف فهي كثيرة، نذكر منها أن القانون الدولي يحكم علاقات المجتمع الدولي برمته في حين ينحصر دور القانون الدستوري داخل دولة فقط .

الفرع الثاني : القانون العام الداخلي :

أولا :العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الإداري: إن القانون الإداري هو مجموعة المبادئ والقواعد والأحكام المتعلقة بتنظيم الإدارة وسيرها ورغم صعوبة التفرقة بينهما إلا أن مجال القانون الدستوري يتعلق بهيكلة وتنظيم المؤسسات السياسية العليا في الدولة وخاصة السلطات الثلاثة وهي السلطة التشريعية , والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
في حين أن القانون الإداري يهتم بالسلطة التنفيذية أساسا , وعلى كل حال فالقانون الدستوري هو الذي يضع الأسس التي يبنى عليها القانون الإداري ( فرئيس الجمهورية مثلا يسهر على تنفيذ القوانين التي يسنّها البرلمان ) 2 .

ثانيا :العلاقة بين القانون الدستوري والقانون المالي : يتحدد مجال القانون المالي بتنظيم ميزانية الدولة, أي تنظيم إيرادات الدولة ومصروفاتها ويلاحظ بان الدساتير تتضمن القواعد الأساسية التي تلتزم بها الدولة من اجل تحضير الميزانية وكذا الإنفاق العام وفرض الضرائب والإعفاء منها.
( 1 ) د الأمين شريط, المرجع السابق ، ص 10
( 2 ) الأستاذ. حسني بوديار ،المرجع السابق ، ص16

المطلب الثاني: العلاقة مع فروع القانون الخاص والفروع المختلطة.

الفرع الأول : العلاقة مع القانون الخاص :
الدستور عندما يترك العلاقات الخاصة تنظم بشكل حر ودون تدخل من جانبه , خاصة أن هذه القوانين التي تضبط هذه العلاقات يغلب عليها طابع الاستقرار الثبات مثل القانون المدني والقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية لكن رغم ذالك نجده يتضمن المبادئ والأسس العامة للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع مثل النص في الدستور الجزائري لسنة 1960في المادة 52على أن الملكية الخاصة مضمونة ويجب احترامها من طرف الغير , وكذالك في المادة 58 التي تنص على حماية الأسرة ورعايتها وتنظيمها , ويعود إلى القوانين الخاصة تجسيد هذه المبادئ وتفصيلها .

الفرع الثاني : العلاقة مع الفروع المختلطة
نذكر من بين هذه الفروع القانون الجزائي وقانون الإجراءات الجزائية فإذا كان القانون الدستوري يحدد أسس المجتمع ويبين النظام السياسي القائم فيه، فان القانون الجزائي هو الوسيلة الرئيسية لحماية كل ذلك من الإعتداء و المساس به كما يضع الضمانات القانونية لحماية حقوق الإنسان و حرياته من خلال قانون الإجراءات الجزائية.و هكذا يتبين أن المبادئ الرئيسية للقانون الجزائي و لقانون الإجراءات الجزائية نجدها متضمنة في الدستور.ومن الأمثلة على ذلك، بالنسبة للقانون الجزائي: نجد أن الدستور يجرم كل الأفعال التي تنتهك حرمة الإنسان وتمس بحقوقه …
وبالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية ينص الدستور على عدم جواز التفتيش إلا بمقتضى القانون وبأمر صادر من السلطة القضائية المختصة وأن كل مواطن بريء حتى تثبت إدانته طبقا للقانون .

المطلب الثالث : طبيعة قواعد القانون الدستوري
اختلف الفقه بشأن مدى إلزامية القواعد الدستورية، وانقسم إلى إتجاهين الأول إنجليزي بزعامة أستنAustin و الثاني فرنسي بزعامة ديجيDuguit

الفرع الأول: المدرسة الإنجليزية
تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية و إلزاميتها على مدى توافر عنصر الجزاء المتبدي في الإكراه المادي Contrainte matérielleالذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه استن أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد آداب تحميها جزاءات أدبية بحتة ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا للقانون بالمعنى الصحيح،مما يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني 1 .

الفرع الثاني: المدرسة الفرنسية
ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الإعتداد بالجزء المعنوي ، لأن كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الإجتماعي Contrecoup socialعلى حد قول زعيم المدرسة ديجي .
وبهذا فإن كل قاعدة لها جزاءها وإن كان الإختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الإجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة ، وعليه فإن أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح