بحث قانوني كامل عن الوصية

ابراهيم العناني

تعريفها:

في اللغة:-مأخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته سميت بذلك لأنها وصل لما كان في الحياة بعد الموت( ).
أما في الشرع:-فقد اختلفت عبارات الفقهاء فيها:-
فقال بعض العلماء / الوصية هي هبة الإنسان غيره عيناً أو ديناً أو منفعة على أن يملك الموصى له الهبة بعد الموت( ).
أو بعبارة أخرى:-هي التبرع بالمال بعد الموت.
وهناك أقوال أخرى في تعريفها وإن كانت كلها تؤدي إلى معنى واحد هذا المعنى يتمثل في كونها((تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريقة التبرع)) ( ).

ومن هذا التعريف يتبين لنا الفرق بين الوصية والهبة.
فالتمليك المستفاد من الهبة يثبت في الحال أما التمليك المستفاد من الوصية فلا يثبت إلا بعد الموت.
ومن الفروق بين الهبة والوصية أن الهبة لا تكون إلا بالعين.والوصية تكون بالعين وبالدين وبالمنفعة.
دليل مشروعية الوصية:-
جاءت نصوص الكتاب والسنة على مشروعية الوصية وعلى مشروعيتها انعقد إجماع الأمة:-
أما دليل الكتاب:-
فقول الله تعالى-(كتِبَ عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) ( ).
وقوله-تعالى-(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ)( ).
وقال أيضاً ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) ( ).
أما دليل مشروعيتها من السنة:-
ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-((ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده قال ابن عمر: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول ذلك إلا وعندي وصيتي)) ( ).
أما عن الإجماع فقد نقل ابن قدامة في المغني الإجماع على جواز الوصية حيث قال.((وأجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية)) ( ).

تمهيد:

مما ينبغي التنبيه عليه أن الله-تعالى-حينما تعبدنا بما أمرنا به فقد يبين لنا الحكمة من هذا الأمر أو هذا النهي وهذا موجود في كتاب الله-تعالى-كثير وقد لا يبين الحكمة في بعض الأوامر أو في بعض المنهيات لكن ليس معنى ذلك أننا نتوقف في فعل ما أمرنا به لعدم بيان الحكمة بل نقوم بفعله وإن لم تظهر لنا الحكمة من تشريعه.
ولما كانت الوصية من هذا النوع الأخير التي لم تأت نصوص الكتاب والسنة في بيان الحكمة من تشريعها أحببت أن أنبه على هذا الجانب فلو لم تظهر للبعض الحكمة من تشريعها فإن التشريع لها باقٍ مع العلم بأنه من نظر بعين البصيرة والفقه في الوصية وجد الكثير من جوانب الحكمة في تشريعها.

فمن هذه الجوانب:-
(1) قال الله-تعالى-عن يعقوب عليه السلام:-
(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). البقرة آية (133).
فهذه وصية من يعقوب لأبنائه بالتمسك بعبادة الله وحده لا شريك له فهذه وصية جامعة للموصي والموصى إليه بل هي من أنفع الوصايا على الإطلاق وللأسف غفل الكثير عن هذه الوصية ونظروا لما هو دونها في النفع فهي وصية الأولين والآخرين لأبنائهم وأتباعهم بل هي وصية رب العالمين لعباده
فمما ينبغي التفطن له أن يوصي أحدنا أولاده إذا حضرته الوفاة بما وصى به يعقوب أولاده لكي يثبتوا عليه حتى يلقوا ربهم سبحانه و-تعالى-.

(2) ومن الحكمة في تشريعها أنها تبرأ بها ذمة الموصي مما يحدث بعد موته وبخاصة إذا كان في أماكن يكثر فيها الجهل بعقيدة التوحيد فالموصي يوصي أولاده مثلاً وكذا أقاربه ببراءته من الحالقة والشاقة واللاطمة وكذا براءته من دعوى الجاهلية الممقوتة فإذا وصى الموصي بعدم شق الجيوب ولطم الخدود وحلق الرؤوس وغيرها من الأمور المنهية شرعاً فإنه ينجو من عذاب القبر فإن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال((إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)) والمراد بالبكاء هنا هو المصحوب بما ذكرناه آنفاً فإذا وصى بعدم هذه الأشياء وبراءته منها نجا بلا شك من عذاب القبر.
(3) ومن حكمها أنها عمل ينتفع به الميت بعد موته فلو أن أحد الموصين أوصى بعمل خيري دائم النفع فهذا بلا شك ينتفع به الميت فهو رصيد دائم يزيد له في حسناته بعد مماته.
قال-صلى الله عليه وسلم-((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)).
(4) ومن حكمها أنها أبرأ للذمة وعدم انشغالها بالديون التي على الموصي وفيها الحفاظ على مال الدائن وبراءة ذمة المدين وبهذا تظهر الحكمة بأن حقوق الآدميين محفوظة حتى وإن مات من عليه الدين .
(5) ومن حكمها أنها حماية للأموال ورعاية للقصر فلو أن رجلاً مات وترك ثروة مالية للورثة وبين هؤلاء الورثة قُصّر لا يحسنون التصرف في أموالهم وقد أوصى هذا الرجل بأن يكون زيد من الناس وصياً على أولاده فإن هذا الوصي يقوم مقام والدهم فيحافظ على هؤلاء القصر ويحافظ على أموالهم.
(6) ثم إنها صدقة تصدق الله بها على الموصي بعد وفاته فينبغي إذا كان صاحب مال ألا يحرم نفسه من الخير.

حكم الوصية:

يدور حكم الوصية بين الإيجاب والاستحباب والكراهة والتحريم.

(1) الوصية الواجبة:-
تجب الوصية إذا كان على الإنسان دين لا بينة به أي أنه يكون مديناً ولا أحد يعلم إلا الله والموصي وصاحب الدين هنا تجب الوصية لأن وفاء الدين واجب ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وكذا تجب الوصية للأقربين الذين ليس لهم حق في الإرث وكانوا فقراء والموصي غني فهنا تجب عليه الوصية لهؤلاء الأقارب.
دليل ذلك قوله-تعالى-((كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراًُ الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)) ( ).
قال العلامة ابن سعدي-رحمه الله-تعالى-في تفسيره لهذه الآية:-
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أي فرض الله عليكم يا معشر المؤمنين (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ) أي أسبابه كالمرض المشرف على الهلاك وحضور أسباب المهالك وكان قد(تَرَكَ خَيْراً) وهو المال الكثير عرفاً فعليه أن يوصي لوالديه وأقرب الناس إليه بالمعروف على قدر حاله من غير سرف ولا اقتصار على الأبعد دون الأقرب بل يرتبهم على القرب والحاجة ولهذا أتى بأفعل التفضيل.
وقوله(حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) دل على وجوب ذلك لأن الحق هو الثابت وقد جعله الله من موجبات التقوى.
واعلم أن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل والأحسن في هذا أنه يقال أن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجمله ردها الله -تعالى- إلى العرف الجاري، ثم إن الله -تعالى- قدر للوالدين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آية المواريث بعد أن كان مجملاً.
إلى أن قال-رحمه الله-:
ويبقى الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما من حجب شخص أو وصف فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم أحق الناس ببره.
وهذا القول تتفق عليه الأمة ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين لأن كلاً من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظاً واختلف المورد.
فهذا الجمع يحصل الاتفاق بين الآيات فإن أمكن الجمع كان أحسن من ادعاء النسخ الذي لم يدل عليه دليل صحيح( ) فالصحيح وجوب الوصية للأقارب غير الوارثين.

(2) الوصية المستحبة:-
ونعني بها الوصية المسنونة وهي التي كان فيها الموصي ذا مال وكذا ورثته أغنياء وكذا أقاربه لا حاجة لهم بالمال فهنا يستحب الوصية بما يراه الموصي نفعاً له بعد موته.

(3) الوصية المكروهة:-
وتكون هذه الوصية إذا كان مال الموصي قليلاً وورثته محتاجون لأنه في هذه الحالة ضيق على الورثة ولذا قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لسعد-رضي الله عنه-((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس))( ).

(4)الوصية المحرمة:-
ونعني بها مالا تجوز ويأثم صاحبها وهي نوعان:-

الأول:-ما زاد على الثلث لورود النهي عنه في حديث سعد رضى الله عنه المتقدم ( ).
الثاني:-إذا كانت لوارث.

فإن هذا معصية لله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-.
قال-تعالى-بعد ذكر آيات المواريث:(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) ( ).
وقال-صلى الله عليه وسلم-((لا وصية لوارث)) ( ).

(5) الوصية المباحة:
وهي ماعدا ذلك من الوصايا المتقدمة كأن يكون الموصي ماله قليل وورثته غير محتاجين أو ماله كثير جداً وورثته محتاجون فهنا تباح الوصية.

حكم تنفيذ الوصية:

يغفل كثير ممن أوصي إليهم عن حكم تنفيذ ما أسند إليهم في الوصية وأحياناً لايبالون بها وهذا خطأ فحكم تنفيذ الوصية واجب يأثم الموصى إليه بعدم تنفيذها أو تأخيرها إن كانت محددة بوقت فعلى من كان وصياً على شيء أن ينتبه لهذا الحكم.
متى يشرع تنفيذها:
يشرع تنفيذ الوصية إذا مات الموصي فإن كانت هذه الوصية حالّة بمعنى أنها في أمر يكون بعد موته مباشرة فهنا يجب في الحال تنفيذها كأن يكون أوصى بعدم ارتكاب مخالفات شرعية عند موته فهنا يجب على الوصي القيام بما أوصي به وإن كانت في أمور مالية فهنا يشرع تنفيذها أيضاً بعد موت الموصي وعلى حسب ما تقتضيه الحاجة.
الإضرار بالوصية:
الإضرار بالوصية يكون من قبل الموصي ويكون من قبل الموصى إليه.
فالإضرار بها بأن يوصي بأكثر من الثلث أو يوصي لغير الوارثين مع كونهم محتاجين وهذا على نحو ما ذكرناه في أحكام الوصية.
ومن الإضرار بها أيضاً تفضيل بعض الورثة على بعض أو إخراج المال مضارة بالورثة ونحوه أما الإضرار بالوصية من قبل الموصى إليه فيكون بإهمالها وعدم القيام بحقها أو يتصرف فيها بما ليس فيه مصلحتها بل فيه إفساد لها أو نقص منها ونحوه فهذا إضرار بالوصية.

أركان الوصية:

1) موصي. 3) موصى به.
2) موصى له. 4) موصى إليه.

أولاً: الموصي: والمراد به صاحب الوصية.

الشروط المعتبرة في الموصي.

1) كونه أهلاً للتبرع أي كامل الأهلية.
وكمال الأهلية يكون بالعقل والبلوغ والحرية والاختيار وعدم الحجر لسفه أو غفلة ونحو ذلك مما هو معلوم في شروط الأهلية
2) كونه لم يعاين الموت فإن عاينه لم تصح لأنه لا قول له.
3) كونه غير مدين ديناً يستغرق كل ماله فإن كان كذلك فإن الوصية لا تصح لأن سداد الديون مقدم على تنفيذ الوصية.
4) كونه غير هازل ولا مكره ولا مخطئ.
5) كونه غير معتقل اللسان فإذا طرأ على اللسان مرض منعه من النطق فإن وصيته لا تصح إلا بأمور:-
الأول:- إذا استمر لسانه معتقلاً فترة طويلة بحيث يكون كالأخرس فهنا تصح وصيته بالإشارة والكتابة ونحو ذلك.
الثاني:-أن يكون مريضاً مرضاً مزمناً في لسانه آيسٌ من شفائه فإنها تصح أيضاً وصيته بالإشارة المعهودة التي يخاطب بها الناس.
أما إذا كان مرضه مرضاً عارضاً وليس له إشارة معهودة ولا يستطيع الكتابة فإنها لا تصح وصيته.
تنبيهات حول الموصي:-
الأول:-تصح الوصية من الأخرس بإشاراته أو بكتابته فإننا نجد بعضهم يستطيع الكتابة والقراءة.
الثاني:-السفيه وضعيف العقل والصغير المميز تصح منهم الوصية إذا كانت تشتمل على نفع لهم بلا ضرر.

الثاني: الموصى له: والمراد به من تعين له الوصية.

الشروط المعتبرة فيه:-

1) أن لا يكون وارثاً للموصي.
لقوله-صلى الله عليه وسلم-((لاوصية لوارث))
وفي رواية((إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث)) ( ).
فإن خالف النص الموصي فأوصى لمن يرثه هل تصح هذه الوصية أم لا؟
سنذكر ذلك إن شاء الله في المسائل الهامة التي سنتعرض لها في آخر الرسالة.
2) كون الموصى له معيناً فإن كان مجهول العين فلا تصح له الوصية ويكفي العلم بالوصف كقوله أوصي للمساكين والفقراء أو أوصي لفلان بن فلان.
3) كون الموصى له أهلاً للتملك , فإن كان ممن لا يصح تملكه فلا تصح الوصية له.كالجني والبهيمة والميت ونحوه…
4) كون الموصى له حياً غير ميت.
فإن كان حياً حياة تقديرية كالجنين في بطن أمه فهل تصح له الوصية.
الصحيح أنها تصح للحمل الذي تحقق وجوده قبل صدور الوصية أما إن كان غير موجود حينها كما لو قال أوصيت لحمل فلانة وهي لم تحمل بعد فلا تصح لأنها وصية لمعدوم.
فإن أوصى لحمل تحقق وجوده فنزل ميتاً بطلت الوصية.
لكن هناك سؤال قد يطرأ على البعض بماذا يتحقق وجود الحمل؟
الجواب: يتبين تحقق وجود الحمل إن ولد قبل تمام ستة أشهر من وقت الوصية لأن هذه الفترة أقل مدة تضع فيها المرأة حملها.
5) كون الموصى له غير قاتل للموصي:
فإذا أوصى شخص لآخر ثم قتله الموصى له بعد الوصية بطلت الوصية إن كان القتل عمداً قياساً على الميراث لقول قال الفقهاء((من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه؟)).
أما إن أجازها الورثة فهل تصح؟
الصحيح أنها لاتصح وعند الأحناف تصح.
أما إن كان قتل خطأ فإن أجازها الورثة جاز وإلا فلا.
6) قبول الموصى له الوصية:
فإن لم يقبل بطلت فلو قال الموصي أوصيت لفلان بن فلان بكذا وقلنا هذه وصية من فلان لك فقال لا أريدها فهنا تبطل الوصية ويردها إلى الورثة.

هل يشترط إسلام الموصي والموصى له :

لا يشترط إسلام الموصي والموصى له.
فتجوز الوصية من المسلم إلى الكافر بشرط كونه معيناً وأن لا يكون محارباً للمسلمين فإن كان مرتداً هل تصح له الوصية؟
قولان لأهل العلم:
والصحيح أنها لاتصح له لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث ولكون ملكه يزول عن ماله بسبب ردته فلا يثبت له الملك بالوصية.
أما الوصية من الكافر للمسلم فإن كانت الوصية تصح من المسلم إلى الكافر فمن باب أولى صحتها من الكافر للمسلم.

الثالث:-الموصى به.

تعريفه والمراد به:-ما تحمله الوصية من قول أو كتابة أو ما يقوم مقامها.

ويشترط في الموصى به أمور:

1) كونه بعد موت الموصي فإن كان قبله فهو هبة وليس وصية.
2) كونه قابلاً للتمليك.
فلو أوصى بشيء يزول ملك الموصى له عنه أو أوصى بشيء سوف يملكه فمات قبل ملكه له فلا تصح الوصية به.
لكن إن أوصى بما لا يقدر على تسليمه صحت الوصية به وللموصي السعي في تحصيله.
3) كون الموصى به مباحاً.
فإن كان الموصى به غير مباح الانتفاع به فإنه لا يجوز للموصى له تنفيذه كما لو أوصى فلان بالتبرع بالمجلات الخليعة المفسدة للدين والدنيا وكذا لو أوصى بالتبرع باستراحات لزيد من الناس مع العلم أنه يستخدمها في معاصي الله وغيرها مما لا يجوز فإنه يحرم تنفيذ هذه الوصية المشتملة على معصية الله ورسوله.
لكن هل يلزم إنفاذها في أمور الطاعة؟
قيل إن الأمر يرجع فيه إلى الورثة والصحيح أن الأمر يرجع إلى الحاكم وذلك لاختلاف الأنظار فيها.

الرابع: الموصى إليه ((النائب عن الوصي)).

تعريفه: هو المأمور بالتصرف في الوصية بعد الموت وهو ما يسمى بالوكيل على الوصية أو بمعنى آخر الناظر على الوصية وغيرها.

الشروط المعتبرة فيه: (الموصى إليه)

1) التكليف: أي كونه مكلفاً أي بالغاً عاقلاً.
2) الرشد: والمراد به إحسان التصرف أي كونه ممن يحسن التصرف فيما ينفعه وينفع غيره.
3) الإسلام: فلا يصح في الموصى إليه كونه غير مسلم.
4) العدالة: فإن كان مخروم العدالة فلا تصح نيابته عن الموصي.
والمراد بالعدالة هنا الاستقامة على الدين والمروءة.
والاستقامة على الدين تتم بفعل المأمورات وترك المحرمات
ففعل المأمورات المراد بها الواجبات الملزمة من الكتاب والسنة والمحرمات ما جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريمه فيدخل في ذلك الكبائر مطلقاً وكذا الإصرار على الصغائر كل ذلك قادح في العدالة أما فعل صغيرة واحدة فلا يقدح في العدالة.
أما المراد بالمروءة:
فهي فعل ما يجمل الإنسان ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه.

تنبيهات على هذا الركن:

الأول: يتم تحديد التصرف من قبل الموصى إليه بما أوصي إليه فقط فإذا أوصى إليه أن ينظر في المال فليس له أن يزوج البنات مثلاً وكذا إذا أوصى إليه بأن ينظر في الوقف الفلاني فلا يحق له أن ينظر في غيره.

الثاني: في الموصى إليه ضرورة.
صورة هذا الأمر أن الميت لم يوصه بشيء لكن هو الذي تولى مال الميت بعد موته لأجل الضرورة.
مثاله: إنسان سافر ومعه صاحب في سفره فأتت إليه المنية ففارق الدنيا ولم يوص فهذا الصاحب يتولى مال صاحبه الميت وجوباً ولا يمكن أن يتركه وماله بل عليه أن يغسله ويكفنه منه.

الثالث: لا يجوز للموصى إليه عزل نفسه إذا كان في عزله ضرر على الوصية.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-:

لكن يمكن أن يستثنى من ذلك حالة الخطورة والضرر من تخلية الوصية , فإن بعض الأحيان تكون حالةٌ لو فقدت الوصيَّ شيئا ًقليلاً حصل الضرر الكثير فلعل هذه مستثناة لعلها تستثنى , إن استثنيت فهو في محله( ).
قلت: وقد حدد بعض أهل العلم عزل الموصى إليه نفسه بشروط منها:
1) إذا لم يوجد هناك حاكمٌ لأن العزل فيه تضييع للأمانة وإبطال لحق المسلم.
2) أن يتعذر تنفيذ الحاكم للموصى به لعدم ثبوته عنده أو لغيره من الأسباب.
3) أن يعرف الموصى إليه ظلم الحاكم وعدم مبالاته بأوقاف المسلمين ووصاياهم.
4) أن يخاف الموصى إليه أن يُسند الحاكم الوصية إلى غير أهل( ).

مبطلات الوصية :ـ

تبطل الوصية بعدم استيفاءها الشروط المعتبرة في أركانها.لكن أظهر ما يبطلها ثلاثة أمور:
1) موت الموصى له:
وذلك لأن الوصية حقه فإن مات قبل الموصي بطلت الوصية.
2) قتل الموصى له الموصي:
لأنه كما ذكرنا أن القتل يمنع الوصية فلو قلنا بعدم بطلان الوصية بالقتل لفتحنا باب شر عظيم فكل موصى له إذا أبطأ عليه موت الموصي قد يقتله ليأخذ الوصية.
3) تلف الموصى به:
فمتى تلف الموصى به بطلت الوصية فلو أوصى الميت لزيد بمال أو سيارة مثلاً فتلفت باحتراق أو غيره فإن الوصية تبطل.
4) رد الموصى له الوصية كما ذكرنا ذلك.
5) إنكار الموصي للوصية وجحودها.
فمتى أنكر الموصي أنه أوصى لزيد بكذا فإنها تبطل لكونه لا يريد إيصالها له.

الأمور المعتبرة في إثبات الوصية:

أولاً: الكتابة: دليل ذلك الحديث السابق.

((ماحق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) ( ).
فإذا كتب الموصي وصيته بقلمه وتحقق أنه قلمه وخطه فإن هذا يكفي في ثبوت الوصية ولو لم يشهد لكن هل يلزم أن تكون الوصية مختومة بخاتم الوصي أو هل يلزم الإمضاء عليها؟
أما الختم عليها فهذا لابأس به فإن وجد فهو زيادة في التوثيق لكن كونه لازم الوجود فهذا لا نقول به لأن الخط أبلغ وأوكد وبخاصة إذا كان الورثة يعلمون خط الموصي فإن إقرارهم بخطه كاف في ثبوت الوصية أما كون الختم لا يلزم من ثبوته ثبوت الوصية وذلك لأمرين:
الأول: أن الختم قد يزور عليه.
الثاني: أن الختم يمكن فيه التغيير والتصوير.
وهذا مما نشاهده كثيراً ونسمع عنه أكثر.
أما الإمضاء فهذا العمل به أعجب من سابقه بل هو غريب وعجيب في الاكتفاء به فإنه مما هو معلوم لدى الجميع أن الإمضاءات قد تتشابه بل يمكن تزويرها بعد الممارسة وهذا أيضاً مشاهد فالمعمول به في الوصية هو الخط ولهذا نجد أن أهل العلم إذا جاءت إليهم وصية لا يبحثون إلا على الخط.
لكن هناك أمر لايمكن تجاهله وهو: أن عدم لزوم العمل بالوصية إذا كانت مختومة ليس على إطلاقه بل إذا كانت الوصية مختومة بخاتم الموصي وهناك قرائن أخرى حفت بها وانتفت قرائن العكس فيعمل بالختم عندئذٍ.

ثانياً: الإشهاد:

فإن كان الموصى أُميَّاً يجهل الكتابة فالمشروع في حقه الإشهاد على وصيته عند تعذر كتابتها من قبله أو من قبل غيره.
لكن إن تمكن من الجمع بين الكتابة والإشهاد على الوصية فهذا فيه خير لأن فيه زيادة توثيق وإثبات وهو لا يلزم كما ذكر آنفا إذا كان الخط معروفاً.
لكن كلامنا عن الإشهاد العاري عن الكتابة فهل هو كاف في ثبوت الوصية نقول نعم الإشهاد العاري عن الكتابة كاف في ثبوت الوصية ولذا عدّه أهل العلم مما تثبت به الوصية.
دليل ذلك قوله-تعالى-:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ( ).
فدلت الآية على مشروعية الإشهاد على الوصية , لكن لابد من استيفاء الشروط التي جاءت الشريعة بها في الوصية المشهود عليها.

فمن هذه الشروط:

1) كون الشاهدين مسلمين فإن تعذر الحصول عليها فتكفي شهادة غيرهما من أهل الكتاب.
فإذا كان المسلم في سفر وحضره الموت ولا مسلمان عنده جاز له أن يُشْهِد على وصيته كافرين للضرورة.
2) كونهما ذكرين:
أما شهادة المرأة فهي مقبولة في الوصية له وغير مقبولة في الوصية إليه.
3) كونهما عدلين:
وهذا الشرط هو الذي اشترطه رب العالمين حرصاً منه سبحانه على المحافظة على أموال الناس ووصاياهم.
أما صفة العدالة فقد مرت بنا في الشروط المعتبرة في الموصى إليه فلتراجع.

ثالثاً: ومما تثبت به الوصية الإشارة:

فإن كان الموصي عاجزاً عن الكلام لاعتلال في لسانه أو لخرس فإن إشارته كافية في ثبوت وصيته لكن بشرط كونها مفهومة.
وقد أشرنا إلى شيء من ذلك سابقاً.
حكم التغيير أو الرجوع في الوصية :
الوصية عقد من العقود الجائزة التي يصح للموصي أن يغير فيها ما يشاء أو أن يرجع فيها.
فمتى أراد الموصي أن يرجع في وصيته أو أن يغير فيها شيئاً جاز له ذلك مادام على قيد الحياة مثل لو أوصى لبناء مسجد من ثلث ماله ثم رجع جاز ذلك فإن الوصية لا تلزم إلا عند الموت ولا تلزم أيضاً إلا بالقبول إذا كان الموصى له معيناً أو محصوراً يملك فإذا كان كذلك فإنه يجوز أن يرجع فيها أو أن يبدل و يغير فيها ما شاء مادام على قيد الحياة.

المسائل العامة في الوصية:

المسألة الأولى: في حكم الوصية للوارث:
ذكرنا فيما سبق أنه من شروط الموصى له أن لايكون وارثاً فإن كان وارثاً فهنا تصبح الوصية محرمة لكن هب أن هناك شخصاً أوصى لوارثه من ماله هل تثبت هذه الوصية في حق الموصى له أم أنها تبطل لكونها اشتملت على محرم.
نقول اختلف أهل العلم في هذه المسألة فذهب جمهور أهل العلم إلى إجازتها إذا سمح الورثة بذلك فإن سمح البعض بها ورفض الآخرون فهنا لا تصح.

وقال آخرون:-بل هي باطلة حتى وإن سمح الورثة بها ، لقوله-صلى الله عليه وسلم-((لا وصية لوارث)) فالنهي يدل على الفساد والبطلان فهي باطلة وإن أجازها الورثة والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من صحتها بشرط إذن الورثة فإن أذنوا جاز له ذلك لقوله-صلى الله عليه وسلم-((لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة)).
لكن نقول لكل صاحب وصية لا ينبغي له فعل ذلك حتى وإن أذن الورثة بذلك لما يترتب عليه من أضرار عظيمة لا يجهلها أحد ففيه إلقاء العداوة بين الورثة الذي ينتج عنه الحسد وقطيعة الرحم وغيرها من المشاكل المترتبة على هذا الخطأ فنصيحتي لكل عاقل موص أن لا يوصي لوارث خروجاً من الإثم ولما فيه من النفع العظيم للورثة.

المسألة الثانية: إذا أسقط الموصي عمن يرثه ديناً أو أوصى بقضاء ما عليه من ديون.
فهنا لا تصح أيضاً هذه الوصية لما فيها من النفع المحض للموصى له فلا يجوز للموصي أن يوصي بذلك إلا أن يجيزها الورثة ولكن إذا كان الورثة أغنياء وهذا الموصى له فقير لا يملك وعليه دين فالأولى في حقهم إجازتها لما فيها من التعاون على البر ويؤجرون على ذلك ولكن نقول لا يلزمهم إجازتها لكن إن أجازوا فهي من تمام البر والصلة.
المسألة الثالثة: إن أوصى لابن بنته هل تصح الوصية:
نقول هنا إن الأمر مبناه على قصد الموصي.
فإن كان يريد بذلك نفع ابنته الوارثة فهذا لاشك أنه لايجوز فيما بينه وبين ربه سبحانه و-تعالى- لقوله-تعالى-( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ).
قال بعض المفسرين في تفسيرها:
أن يوصي لولد ابنته وهو يريد ابنته.
أما إن كان مريداً لابن ابنته فقط فهنا تصح ولا إثم عليه.

المسألة الرابعة: إن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث.
فهنا الأمر يرجع إلى الورثة بعد موت الموصي فإن أجازوها جازت وإن لم يجيزوا ردت إلى الثلث وهذا هو قول جميع العلماء.

المسألة الخامسة: إن أوصى قبل موته لغير وارثه بأكثر من الثلث فأجازها الورثة فلما توفي رجعوا فيما أجازوه هل يعتد بردهم؟
هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال بسقوط حقهم ماداموا أذنوا للموصي بذلك ومنهم من قال بأن لهم الرد ولا تلزمهم إجازتهم حال حياة الموصي لأن الأصل أنهم لا يملكون ذلك إلا بعد موت الموصي وهذا هو الصحيح وعليه جمهور أهل العلم فمتى أجاز الورثة لغير وارث بالزيادة عن الثلث أو أجازوا بالوصية لوارث حال حياة الموصي فلهم الرجوع فيها بعد مماته لكونهم قبل موته غير مالكين لها.

المسألة السادسة: إذا مات الموصى له قبل موت الموصي فما الحكم؟ هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
فمنهم من قال إنها تكون لولد الموصى له إذا كان حياً ومنهم من قال لاتصح الوصية في هذه الحالة.
قال ابن قدامة-رحمه الله-:
ولنا أنها عطية صادفت المعطَى ميتاً فلم تصح( ).

المسألة السابعة: أيهما أفضل للموصي أن يوصي بالثلث أم الأفضل أن يوصي بأقل من الثلث؟
الأفضل في حق الموصي أن يوصي بأقل من الثلث لقوله- صلى الله عليه وسلم- ((الثلث والثلث كثير)) وقول ابن عباس-رضي الله عنهما-: ( لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم-قال:((الثلث والثلث كثير)) وأوصى الصديق-رضي الله عنه-بالخمس فإذا أوصى الإنسان بالربع أو بالخمس كان أفضل من الثلث ولا سيما إذا كان المال كثيراً وإن أوصى بالثلث فلا حرج ( ).

المسألة الثامنة:-رجل كتب في وصيته أن في ذمته لزوجته مبلغاً مالياً وقدره كذا ولم تكن هذه الزوجة تعلم أن في ذمته شيئاً فهل الوصي يعطي هذه الزوجة هذا المبلغ بغير يمين؟
نقول: في هذه الحالة لا يجوز لهذه المرأة أن تأخذ من ذلك شيئاً فإن هذا يكون وصية لوارث وهي لا تجوز بإجماع المسلمين إلا إذا أجازها الورثة.
أما من حيث الحكم فهنا لا تعطى هذه المرأة شيئاً من هذا المال حتى تصدقه على الإقرار في مرض الموت وإلا كان باطلاً عند أكثر أهل العلم.
فإن صدقته على الإقرار وادعى الورثة أو الوصي أن هذا الإقرار من غير استحقاق فهنا لا تعطى شيئاً حتى تحلف.

المسألة التاسعة:-لو أن رجلاً أوصى لأولاده بسهام مختلفة وأشهد على ذلك عند وفاته فهل تنفذ هذه الوصية؟
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-تعالى-في هذه المسألة:-
لا يجوز للمريض تخصيص بعض أولاده بعطية منجزة ولا وصية بعد الموت ولا يقر له بشيء في ذمته وإن فعل ذلك لم يجز تنفيذه بدون إجازة بقية الورثة وهذا كله باتفاق المسلمين.
ولا يجوز لأحد من الشهود أن يشهد على ذلك شهادة يعين بها على الظلم وهذا التخصيص من الكبائر الموجبة للنار،حتى قد روى أهل السنن ما يدل على الوعيد الشديد لمن فعل ذلك لأنه كالمتسبب في الشحناء وعدم الاتحاد بين ذريته لا سيما في حقه فإنه يتسبب في عقوقه وعدم بره( ).

المسألة العاشرة:-في طريقة كتابة الوصية:-
أولاً:-من المستحب أن يذكر في وصيته ما هو معروف في الوصايا فيقول:-
هذا ما أوصى به فلان بن فلان (ويذكر اسمه كاملاً ) بأنه يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق.

ثانياً:-ومما يندب له أيضاً في ذكر صدر وصيته أن يوصي أولاده وأهله بتقوى الله-تعالى-وتحقيق التوحيد الذي لا نجاة لبني آدم إلا بالموت عليه وأن يوصيهم بأن يصلحوا ذات بينهم وأن يطيعوا الله-تعالى-ورسوله-صلى الله عليه وسلم-وذلك بامتثال الأوامر واجتناب المحذور.

ثالثاً:-ويجب عليه إن كان عليه دين أن يذكره في صدر وصيته ثم يدعو عياله وأهله إلى المبادرة بتسديده وعدم التأخير في ذلك.

رابعاً:-ومما يندب إليه أيضاً أن يطلب من أهله عند موته بأن يتحروا فعل المسنون عن النبي-صلى الله عليه وسلم- من توجيهه إلى القبلة بعد موته وتغميض عينيه وتغسيله وتكفينه وفق ما جاءت به نصوص السنة.

خامساً:-ومما ينبغي أن يوصي به إذا كان في مجتمعات يكثر فيها الجهل أن يمنع ما جرت به عادة النساء وجهلة الرجال من لطم الخدود وشق الجيوب ورفع الأصوات بالنياحة والعويل فإن هذا كله مما جاءت نصوص السنة بالنهي عنه.

سادساً:-ومما يندب له أيضاً أن يوصي بأن يصلي عليه فلان المشهود له بالصلاح والتقى والورع والاستقامة على دين الله والعلم الذي هو ميراث النبوة فقد أوصى صحابة النبي-صلى الله عليه وسلم-بذلك فقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه((أنه أوصى أن يصلي عليه عمر وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب وأم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد وعائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير.

سابعاً:-أن يوصي أيضاً باجتناب البدع حال شروعهم في الذهاب به إلى المقبرة من رفع الصوت بالذكر أو غيره مما هو ليس من هدي السلف وهذا موجود في بعض البلدان الإسلامية.

ثامناً:-إن كان الموصي في أماكن تغطى فيها الرجال في نعوشهم فإنه يوصي بعدم تغطية نعشه مطلقاً وذلك للعظة والعبرة و كونه مخالفاً للسنة.

تاسعاً:-ومما يوصي به الميت الإسراع بجنازته إسراعاً وسطاً لا يضطرب منه الميت ولا تحصل منه مشقة للحاملين للجنازة أو المشيعين لها.

عاشراً:-ومما ينبغي أن يوصي به أن تمزق كل صورة له قام بعملها في حياته للضرورة فإن الشارع نهى عن التصوير إلا لضرورة وهنا ليس هناك ضرورة لبقاء هذه الصورة.

الحادي عشر:-ومما ينبغي أن يوصي به أيضاً إذا كان في بلد تكثر فيها المخالفات الشرعية.
الوصية بمنع ما يفعله أهل زمانه من تفاخرهم بإقامة السرادقات وإتيانهم بمقرئين للقراءة على روح الميت واجتماعهم لذلك سواء في ذلك يوم الوفاة أو الخميس أو ليلة الأربعين أو السنة الثانية وغيرها من الأيام فإن هذا كله لا يجوز بل حرام في ديننا.

الثاني عشر:-وهو أنفعها للموصي بعد موته وهي الوصية بالثلث أو الأقل منه من مال أو عقار ونحوه للمحتاجين وإذا كان الورثة محتاجين فالوصية بالأقل أولى.

الثالث عشر:-أن يركز في وصيته التى اشتملت على نفع دنيوي من مال أو عقار أو محاصيل على ذوي الحاجات من أقاربه الفقراء والمساكين وكذا الأرامل بشرط كونهم غير وارثين فهم الأولى بالمعروف.

الرابع عشر:-الإشهاد على وصيته بعد الفراغ منها أو ختمها أو الإمضاء عليها لكي يكون ذلك أوقع في الالتزام بتنفيذها ولعدم التلاعب بمضمونها.

الخامس عشر:-يحسن أن يضع عبارة جامعة تريح الموصى إليه كأن يقول (أوصي بخمس مالي يصرف بأعمال البر فيما يناسب الزمان والمكان والأحوال والأشخاص يتولى ذلك فلان حسب ما يراه مناسباً ونافعاً ).

وخلاصة كتابة الوصية المشتملة على نفع ديني أو دنيوي أن يقول فيها:-

أوصيت من مالي بعد قضاء ديني بكذا (ويذكر مالا)ً يصرف منه للمحتاجين كل شهر بكذا (ويذكره)أو كل سنة مما يحصد من المحاصيل (بكذا ويذكره) مع ذكر جهة المحاصيل.
أو ما يجمع من إيجار العقار كل شهر بكذا (ويذكر المبلغ مع ذكر جهة العقار).
وإن كان عالماً أو طالب علم وله كتب شرعية وأراد أن يوصي بها فيقول.
وكذا وقفت من كتبي الشرعية ما يلي (ويذكر أسماء الكتب ).
وجعلت مقرها بمسجد (كذا ويذكر اسم المسجد ).
وقفاً صحيحاً شرعياً على من يريد أن يتعلم الأحكام الشرعية ويعمل بها من العاملين بالسنة.
وجعلت المنفذ لهذه الوصية أرشد واحد من الصالحين من أولادي فإن أراد أن يوصي أحد أولاده فيذكره بعينه وإن أطلق فكما ذكرنا،فإن لم يكن فأرشد واحد من الصالحين من بلدتي.
وبالجملة فأنا برئ من كل فعل أو قول يخالف الشريعة ومن خالف في ذلك فعليه إثم مخالفته.
وسأطالبه بتلك الوصية يوم العرض على أسرع الحاسبين قال الله-تعالى-((فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم)).
وفي الختام أسأل الله-تعالى-أن يغفر لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق علي ولجميع المسلمين وأن يوفقني وإياهم لما يرضيه إنه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حررت هذه الوصية في يوم تاريخ اسم الموصي الإمضاء أو الختم
الشاهد الأول: الشاهد الثاني:
الاسم: الاسم:
التوقيع: التوقيع:

المسألة الحادية عشرة:– من توفي وعليه دين هل تنتقل التركة للدائنين أم للورثة؟
المقدم في هذه الحالة أن تنتقل التركة للورثة لكن لا بد أن يلتزموا بسداد الديون وهناك قول آخر أنها تنتقل إلى الدائنين إلا إذا خيف على التركة إهمالها أو أنهم سيأكلونها فيحال بينهم وبينها.
والصواب:-أنها تنتقل إلى الوكيل لسداد هذه الديون أو إلى القاضي لينظر فيها.
المسألة الثانية عشرة:-إذا توفي الوصي هل يشرع إقامة غيره؟
لا بأس بذلك بشرط الاتفاق من قبل أهله وعلى نظر الحاكم الشرعي وذلك لحفظ الوصية وإنفاذها.

المسألة الثالثة عشرة:-في استثمار أموال الوصايا وضوابطه الشرعية.
من محاسن شريعتنا الإسلامية أنها جاءت بحفظ الأموال من التلف والضياع ولذا عد المال أحد الضروريات الخمس التي يجب حفظه والاهتمام به وتنميته بالطرق المباحة شرعا ولما كانت أموال الوصايا من أهم الأموال التي يجب الموصي حفظها فإذا رغب في استثمارها وتنميتها مع الحرص التام على وضعها فيما يؤدي بها إلى ذلك.لكن لذلك ضوابط معتبرة وإلا فلا يجوز للموصى أن يستثمرها عند فقدان هذه الضوابط ومن هذه الضوابط:-
الضابط الأول:-أن لا يستثمرها إلا في المواضع الآمنة والمراد بالآمن هنا الأمن الدنيوي والأمن الأخروي.
فالأمن الدنيوي المراد به استثمارها مع من يأمنهم عليها ولا يدفعها إلا لأمين ولا يغرر بماله وغير ذلك من الأمور المنهي عنها شرعاً.
أما الأمن الأخروي:-فالمراد به عدم استثمارها فيما نهى عنه الشرع كوضعها في البنوك الربوية مثلاً أو الاتجار بها في الأمور المحرمة.
الضابط الثاني:-لا يجوز للموصى إليه بيع عقارات الأوصياء إلا بثلاثة مواضع:-
الموضع الأول:- أن يكون به ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دين أو ما لا بد منه.
الموضع الثاني:-أن يكون في بيعه غبطة وهو أن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن المثل أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب ونحوه.
الموضع الثالث:- أن يكون في بيعه منفعة عامة للأوصياء
كأن يكون في مكان لا ينتفع به أو نفعه قليل فيبيعه ويشتري في مكان ما يكثر نفعه أو أن تكون داره في مكان يتضرر الأوصياء بالإقامة فيها كسوء الجوار أو غيره فيبيعها ويشتري له بثمنها داراً يصلح له المقام فيها.
الضابط الثالث: عدم الأكل من مال الأوصياء إلا بقدر الحاجة فإن كان موسراً فلا يأكل من مالهم شيئاً أما القدر الذي يأكله إن كان فقيراً فله أقل الأمرين من أجرته أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعاً.
الضابط الرابع: عدم الإقراض من مال الأوصياء إلا إذا كان في الإقراض مصلحة كأن يخاف عليه من الهلاك أو يكون مما يتلف بتطاول مدته أو حديثه خير من قديمه.
أما إذا كان الإقراض من باب الإرفاق بالمقترض وقضاء حاجته فهذا الأولى عدمه.
بعض الأمور المتعلقة بهذه المسألة:
الأمر الأول: يجوز للوصي أن يشتري للأوصياء أضحية إذا كان مالهم كثيراً ولا يتضرر بشراء الأضحية وهذا من باب التوسعة في النفقة في هذا اليوم الذي هو عيد وفرح وسرور بل فيه جبر قلوب الأوصياء وتطييب قلوبهم وخاصة إذا كانوا أيتاماً فإن هذا العمل يلحقهم بمن له أب.
الأمر الثاني: لا يلزم الوصي إذا أكل من مال الأوصياء حال فقره ثم أغناه الله لا يلزمه عوض ما أكله حال فقره بخلاف من قال بإلزامه.لأن الله-تعالى-أمر بالأكل بدون ذكر عوض فإلزام الوصي بذلك لادليل عليه.
الأمر الثالث: لا يجوز رهن مال الأوصياء إلا بأمرين:
الأول: أن يكون الرهن عند ثقة يرده إذا قام الوصي برد ما كان سبباً في الرهن.
الثاني: أن يكون للأوصياء حاجة ضرورية في هذا الرهن كحاجتهم إلى نفقة أو كسوة أو بهائمهم وغيرها مما هم في حاجة ضرورية له.
الأمر الرابع: إذا أخذ الموصى له قرضاً من هذه الوصية لنفع نفسه به فلابد من وجود الضوابط المعتبرة في ذلك ومنها:
1) كتابة هذا القرض.
2) الإشهاد عليه.
3) إبلاغ الأوصياء بما استقرضه من مالهم.
4) تحديد اليوم الذي سيتم فيه تسديد هذا القرض.
5) أن لا يتضرر المال بحبسه عنده فإن كان هذا المال يستثمر فلا يقترض منه شيئاً.

المسألة الرابعة عشرة: في حكم زكاة الموصى به:
من الشروط المعتبرة شرعاً في وجوب إخراج الزكاة الملك التام للمُزَكى وهذه الملكية يتناولها صاحب المال والمستحق له فمتى ملكها أحدهما وجبت عليه الزكاة ومن خلال هذا الشرط نقول: لما كان صاحب المال الحقيقي غير موجود بقي المالك الثاني له وهو المستحق لهذا المال ولكنه لا يخلو من حالتين:
الأولى : إما أن يكون معيناً من قبل الموصي كزيد من الناس أو جماعة معينة من الناس فهنا الصحيح أن الزكاة تجب في هذه الحالة.
الثانية :أن تكون الوصية عامة أي لا تشمل أحداً بعينه أو جماعة بعينها كالفقراء والمساجد والغزاة واليتامى والأرامل وغيرهم ممن لم يعينوا من قبل الموصي فلا خلاف بين أهل العلم في عدم وجوب الزكاة فيها لافتقار شرط الملكية.
قال النووي في المجموع:
قال أصحابنا إذا كانت الماشية موقوفة على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى وشبه ذلك فلا زكاة فيها بلا خلاف وإن كانت موقوفة على معين واحد أو جماعة فإن قلنا بالأصح أن الملك برقبة الموقوف لله-تعالى-فلا زكاة بلا خلاف كالوقف على جهة عامة وإن قلنا بالضعيف أن المال في الرقبة للموقوف عليه ففي وجوبها عليه الوجهان المذكوران في الكتاب أصحها(لاتجب)( ).
قلت والصحيح ما ذكرناه من وجوب الزكاة على الوصية المعينة لأن ملكية الوصية انتقلت إلى هذا المعين وهو يملكها ملكاً مستقراً فكان وجوب الزكاة فيه أرجح عندي من عدم الوجوب.

المسألة الخامسة عشرة: إذا أوصى زيد من الناس بأن يصلي عليه فلان إذا توفي هل يجب تنفيذ ما أوصى به؟
نقول أجمع صحابة النبي-صلى الله عليه وسلم-على أن الأحق بالصلاة على الميت من أوصى له أن يصلي عليه ونقل إجماع الصحابة ابن قدامة-رحمه الله-في المغني ( ).
لكن هناك أمران:
الأمر الأول: إذا كان الوصي فاسقاً أو مبتدعاً فهل تقبل وصيته؟
نقول لا تقبل وصيته لكون الموصي جهل الشرع فترد الوصية.
الأمر الثاني: إذا كانت الجنازة سيصلى عليها في المسجد فمن الأحق بالصلاة عليه الإمام أم الوصي؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة.
والصحيح عندي أن الأحق بها الوصي بعد أن يستأذن الإمام تنفيذاً للوصية ومراعاة لحق الإمام الراتب.

المسألة السادسة عشرة: من أوصى بشيء من المال ثم استفاد قبل الموت مالاً آخر فهل يدخل في الوصية؟
الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم أن الوصية تعتبر من جميع ما يخلفه من المال سواء زاد هذا المال بعلمه أم بغير علمه وذهب مالك وغيره إلى أنه لا يدخل مع وصيته إلا ماعلم والصحيح ما ذكرناه من دخوله فيه.

المسألة السابعة عشرة: في الوصية المطلقة والوصية المقيدة:
أما صورة الوصية المطلقة أن يقول إن مت فثلثي للمساكين أو لفلان من الناس (ويذكر اسمه).
أما صورة الوصية المقيدة: أن يقول:
إذا مت من مرضي هذا أو في هذا البلد أو في سفري هذا فثلثي للمساكين.
فإذا عوفي من مرضه المذكور أو خرج من بلده أو عاد من سفره بطلت الوصية المقيدة لكونه علقها بشرط ولم يوجد شرطها.

المسألة الثامنة عشرة: إن أوصى الموصي لرجل ثم أوصى رجلاً آخر فأيهما يعد وصياً له؟
إن أوصى الموصي بالتصرف بعد موته فيما أوصاه بعد قضاء ديونه وتفريق وصيته والولاية على أولاده ونحوه ثم أوصى رجلاً آخر بما أوصى به الأول فهاهنا وصيان يتوليان أمر الوصية حسب طلب الموصي إلا أن يقول قد عزلت الأول.

المسألة التاسعة عشرة: في حكم الوصية بالنكاح.

لو أن رجلاً أوصى وصيه بتزويج بناته فهل يعتد بهذه الوصية؟
نقول هذه مسألة محل خلاف بين أهل العلم.

والذي يترجح عندي أن هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون لهؤلاء البنات ولاية عليهن من أخ أو عم أو جد ونحوه ممن يكونون محارم لهن من عصبات أبيهن فهنا لا يعتد بهذه الوصية لأنها ولاية تنتقل من الوصي إلى غيره شرعاً لقوله-صلى الله عليه وسلم-((لا نكاح إلا بولي)) ( ).
الحالة الثانية: أن لا يكون للبنات ولي فهنا يجوز للموصي أن يستنيب عنه من يرعى بناته إلى تزويجهن حفاظاً عليهن وحرصاً على تزويجهن أهل الكفاءة والصلاح والدين.

لكن إذا عين الموصي أزواج بناته فعلى الوصي إجبارها تنفيذا للوصية إلا إذا كان من عينه أبوها ليس من أهل التقوى والصلاح والدين فهنا يجوز له إبدالها غيره نظراً لمصلحتها.
وإن لم يعين الأب أحداً لبناته وكانت ابنته كبيرة صحت الوصية واعتبر إذنها وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها.

المسألة العشرون: هل يحق للوصي أن يقوم بتزويج ولد الموصي قبل بلوغه؟
في هذه المسألة تفصيل.
الحالة الأولى: أن يعلم حاجته إلى النكاح.
فهنا على الوصي تزويجه لأنه بزواجه يصون دينه وعرضه ونفسه فإنه ربما تعرض بترك التزويج إلى الزنا والحد وهتك العرض ونحوه من الأمور المحرمة ولا يلزم طلب الولد من الوصي تزويجه.
الحالة الثانية: أن لا يكون للولد حاجة إلى الزواج.
فهنا لا يزوجه لأنه فيه ضياع للمال في غير فائدة والوصي مأمور بحفظ مال الموصي.

المسألة الحادية والعشرون: هل يحق للقاضي أو الحاكم النظر في أمر الأوصياء الذين عينهم الموصي؟
نعم ينظر في أمرهم الحاكم أو من ينوب عنه كالقاضي مثلاً وذلك لكونهم ناظرين في أموال اليتامى وتفرقة الوصية بين المساكين.
فإذا جاء الوصي إلى الحاكم أو من ينوب عنه فقبله نفذت وصيته ولم يعزله ولكن يراعيه فإن تغيرت حاله بفسق أو ضعف أضاف إليه أميناً قوياً.
فإن كان الوصي أميناً ضعيفاً ضم إليه من يعينه أما إن كان الوصي فاسقاً فإن عليه أن يعزله ويقيم غيره حفاظاً على الوصية.

المسألة الثانية والعشرون: في حكم شهادة الوصي على من هو موصى عليهم.
هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
الأولى: أن يشهد عليهم في أمر ما فهنا شهادته عليهم مقبولة بلا خلاف لأنه لا يجر بشهادته نفعاً لهم ولا يدفع عنهم بها ضرراً.
الثانية: أن يشهد لهم.
فهنا فيها تفصيل أن يكونوا في حجره أي صغاراً فهنا أكثر أهل العلم على عدم قبول شهادته لأنه هو الذي يطالب بحقوقهم بل هو خصم فلم تقبل شهادته.
أما إذا كانوا كباراً ولا ولاية له عليهم فهنا تقبل شهادته لهم.

المسألة الثالثة والعشرون: إذا مات الشخص بعد أن أُحيل إلى التقاعد وعليه دين فلمن يصرف المعاش الذي حدد له من قبل الهيئة التي كان يعمل فيها للغرماء أم الورثة؟ من المعلوم أن هذا المبلغ الذي يتقاضاه الموظف بعد تقاعده على المعاش هو حق محض له ولهذا فإن هذا المال يصرف منه للغرماء أولاً وما بقي فللورثة.

المسألة الرابعة والعشرون: لا ينبغي لمن حضر مريضاً في مرض موته أن يقول له أوص بمالك في سبيل الله وتصدق وافعل كذا على سبيل استغراق ماله والإضرار بالورثة.
قال الله-تعالى-( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)( ).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية:
وقول ثالث قاله جمع من المفسرين: هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له من بحضرته عند وصيته: إن الله سيرزق ولدك فانظر لنفسك وأوص بمالك في سبيل الله وتصدق وأعتق حتى يأتي على عامة ماله أو يستغرقه فيضر بذلك الورثة فنهوا عن ذلك فكأن الآية تقول لهم: كما تخشون على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله إلى أن قال-رحمه الله-..
قال ابن عطية((….بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد والآخر القول الثاني , وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ويحمل أن يقدم لنفسه , وإذا ترك ورثته ضعفاء مهملين مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط , فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يمال معه.
قلت ( والقائل هو الإمام القرطبي-رحمه الله-).
وهذا التفصيل صحيح لقوله-صلى الله عليه وسلم-(( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) فإن لم يكن للإنسان ولد أو كان غنياً مستقلاً بنفسه وماله عن أبيه فقد أمِنَ عليه فالأولى حينئذ تقديم ماله بين يديه حتى لا ينفقه من بعده فيما لا يصلح فيكون وزره عليه( ).
المسألة الخامسة والعشرون: هل يجوز جعل المرأة وصياً ؟
اختلف أهل العلم في ذلك وأكثرهم على جواز أن تكون المرأة وصياً فإن عمر-رضي الله عنه-أوصى إلى حفصة ولم يقم دليل صريح صحيح في عدم جواز ذلك.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-:
لامانع من إقامة المرأة وصياً على ثلث ماله بشرطه لأن العلماء صرحوا بأنه تصح الوصية إلى كل مسلم مكلف عدل رشيد ولو امرأة وإذا صارت وصية فإنها تحوز جميع الثلث سواء كان نقوداً أو أثاثاً أو عقاراً وغير ذلك( ).

المسألة السادسة والعشرون: إذا تنازل الورثة عن حقهم للميت فما العمل في حق القاصرين وهل يكفي أن ينوب عنهم الوصي؟
إذا تنازل الورثة الغير قاصرين عن حقهم للميت فلا مانع من ذلك ويردّ نصيبهم إلى غير القاصرين ولا يجوز للوصي أن يتصرف في حق القاصرين بأي حال من الأحوال بل يبقى مالهم من الإرث إلى بلوغهم ثم يكون لهم الخيار بعد ذلك.

المسألة السابعة والعشرون: إذا أوصى الموصي بأن ماله له ولعياله وعيال عياله فهنا يدخل فيها الذكور والإناث الصغار والكبار ولا فرق أيضاً بين كون والد العيال حياً أو ميتاً.

المسألة الثامنة والعشرون: إذا أوصى الموصي لشخص ما بشيء, ثم ذكر وصايا أخرى ولم يذكر ذلك الشخص فيها فهل يمنع من الوصية؟.
لا يمنع من الوصية مادام أن هناك وصية منصوصاً عليه فيها فلا يمنع إلا بنفي تلك الوصية أو بينة تدل على نفي وصيته له.

المسألة التاسعة والعشرون: إذا أوصى الموصي لشخص ما وأولاده محتاجون هل يعمل بها؟
من أوصى بذلك فإنها تصرف على عياله المحتاجين فإن بقي شيء صرف الباقي لمن عينه.
المسألة الثلاثون: إذا قال الموصي للموصى له تصرف في مالي كيف شئت أو تصدق على من شئت هنا لايجوز له أن يأخذ من مال الموصي شيئاً لأنه لم يأذن له بذلك إلا أن يكون فقيراً كما ذكرنا ذلك سابقاً فيجوز له الأخذ منه بقدر حاجته.

المسألة الحادية والثلاثون: إذا توفي شخص ولم يوص فهل يشرع لأولاده إخراج شيء من ماله على أنه وصية؟
لايلزم الورثة أن يخرجوا له شيئاً من ماله ولكن إن فعلوا ذلك فأخرجوا له شيئاً مشاعاً معيناً كالثلث أو الربع أو أخرجوا دراهم معلومة يتصدقون بها عنه أو يشترون عقاراً يجعلونه وقفاً لله-تعالى-فكل هذا جائز بل هو من البر بأبيهم.

المسألة الثانية والثلاثون: المال الذي أُوصى به في أمر مبتدع أين يصرف؟
لو قام شخص فأوصى بأن ماله يصرف في أمور مبتدعة فلا يجوز للموصى له تنفيذ الوصية فإن قام بتنفيذها أثم وكانا مشتركين بالإثم.
وللوصي صرف هذا المال في أعمال البر المشروعة.

المسألة الثالثة والثلاثون: إذا أوصى شخص بمنع بعض أولاده من الإرث منه فما الحكم؟
لا يجوز لأحد أن يوصي بإلغاء أمر لزمه شرعاً فهذه وصية غير جائزة مصادمة لنصوص الشريعة فلا يعمل بها.

المسألة الرابعة والثلاثون: إذا أوصى شخص بأنه إذا مات يقوم الوصي بذبح شاة أو غيرها مما يحل هل يعمل بهذه الوصية؟
نقول هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون قصد الموصي النفع له وذلك بالدعاء له من قبل الفقراء والمساكين وغيرهم وكذا من جهة العمل أيضاً لأن الذبح أمر دعت إليه الشريعة فهنا لابأس بذلك ويجب تنفيذ هذه الوصية.
الثانية: أن تكون هذه العادة جارية كمن يعتاد ذبح ذبيحة للميت بعد أسبوع أو أربعين يوماً أو سنة لإقامة مأتمٍ لوفاة كما هو مشاهد في بعض البلدان فهذا بلا شك غير جائز لما فيه من الابتداع والمخالفة لنصوص الشريعة وبناءً عليه فلا ينبغي تنفيذ هذه الوصية.

المسألة الخامسة والثلاثون: في ذكر الوجوه التي تصرف فيها الوصية إذا كان الموصي لم يعين أحداً في الوصية.
ذكرنا فيما سبق أن الأولى للموصي أن يضع عبارة جامعة تريح الوصي ومن هنا كان ولابد على الموصى إليه أن يصرفها في الأمور التي فيها نفع عام للمسلمين كأعمال البر والقرب وأفضل ما يكون على فقراء الموصي الغير وارثين أما أعمال البر فكثيرة منها مياه الشرب وبناء المساجد وقضاء ديون الفقراء والصدقة عليهم وعلى طلبة العلم الشرعي وكذا تعليم القرآن وكذا مستظل للمسافرين وغير ذلك مما فيه نفع عام للمسلمين ويوصى للجهات الخيرية الموثوقة التي يقوم عليها أشخاص موثوقون يتولون صرفها في مصارف الخير التي تنفع المسلمين وهذه الجهات الخيرية كثيرة ولله الحمد في بلدنا وصرف أموال الوصايا إليها أصلح وأنفع من صرفها إلى غيرها.

المسألة السادسة والثلاثون:- قال الله-تعالى-: (…مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ).
ذكرنا فيما سبق أنه يبدأ عند تنفيذ الوصية بالدين أولاً فما الحكمة من أن القرآن-بدأ بالوصية وأخِّر الدين؟
الحكمة في تقديم ذكر الوصية على الدين في الآية الكريمة وإن كانت تتأخر في التنفيذ أنها لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض كان في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت في الذكر حثاً على إخراجها واهتماما بها وجيء بكلمة (أو) للتسوية فيستويان في الاهتمام وإن كان الدين مقدماً عليها( ).

المسألة السابعة والثلاثون:-من أوصى بمال يحج به عنه لا يخلو المال من كونه قليلاً أو كثيراً فإن كان كثيراً فإنه يصرف منه حجة بعد أخرى حتى ينفد إلا إذا نص في الوصية على أن يصرف في حجة واحدة.

المسألة الثامنة الثلاثون:-إذا قال الموصي إنني أوصيت بسهم من مالي ولم يعين قدر السهم.
فهنا المعتبر في كلام العرب هو السدس ولأن السهم أقل شيء مفرد قد تنصرف الوصية إليه.
لكن إذا قال أوصيت بشيء من مالي فهنا الشيء لا حد له في لغة العرب ولا في الشرع فهنا يصدق على أقل شيء مما يتمول.

المسألة التاسعة والثلاثون:-هل يؤجر الموصى إليه عند قبول وصية الموصى؟
لا شك أن قبول الموصى إليه هذا العمل أمر مندوب إليه وقربة يثاب عليها لكن بشرط أن تكون عنده قدرة على هذا العمل ويجد من نفسه توفر الأمانة أما إن كان لا يقدر عليها لاعتلال في بدنه أو لكونه لا يأمن نفسه على حفظها فلا يجوز له الدخول في الوصية.