التوافقية في مجلس الأمن الأزمة السورية إنموذجاً

الدكتور ضمير عبد الرزاق محمود جامعة الموصــــــــل

كلية العلوم السياسية/ فرع العلاقات الدولية

Abstract

The Charter Of the United Nations included giving the UN Security Council the responsibility of maintaining international peace and security ,However, the difference among the interests of permanent members of the Council and the use of the veto was one of the main reasons for disabling the Councils work to resolve the Syrian crisis . this has consequently led to prolonging the period of conflict increasing human and material losses , destructing the infrastructures , increasing the number of displaced persons and deepening the dispute between the local , regional and international parties . thus , the security council has become part of the problem and not part of the solution , which requires agreement among the permanent members towards the issues under discussion without sticking to the full interest of a state at the expense of others , so the question of using the vote by member states needs to be reviewed and the charter needs to be amended with this regard . this falls in the interest of international community and contributes to the building of world peace .

المقدمة :
من الطبيعي القول أن ميثاق الأمم المتحدة تضمن في حيثياته مهام مجلس الأمن الدولي والذي يعد المؤسسة الأهم والأكثر فاعلية في المنظمة الدولية ، لاسيما وضعه لمسألة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ومنع قيام حرب عالمية ثالثة في مقدمة تلك المهام .

ولدى التمعن في دور مجلس الأمن في حل الأزمات الدولية في المراحل السابقة فقد عبر في حقيقته عن إرادة دولة واحدة فرضت هيمنتها على بقية الأعضاء وهذا ما ينطبق على تأريخ الولايات المتحدة الأمريكية منذ إنفرادها بالمشهد الدولي في مرحلة القطبية الأحادية ، أو من خلال إستخدام إحدى الدول الأعضاء حق النقض ( الفيتو) وحسب ما تقتضيه مصالحها الوطنية أكثر مما تقتضيه مسألة الأمن والسلم الدوليين ، وهذا ما ينطبق على روسيا الاتحادية والصين في كثير من الأزمات الدولية وعبر مراحل مختلفة من عمر مجلس الأمن .

مما يعطي الإنطباع على إمتزاج تصريف الشؤون الخارجية للدول الأعضاء الدائميين في المجلس مع إرادة تحليل هذه الدول للقضايا الدولية ، وهذا جعل إرادة المجلس تتحدد بإرادة دولة واحدة دون النظر إلى إرادة الآخرين في المجلس أو إرادة المجتمع الدولي ، وهو ما يطلق عليه الإنفرادية في القرار ، مما فرض عملياً حالة من الطغيان في المجلس نتج عنه شلل تام عن التحرك الفعال وهو ما أبعده عن دوره الرئيس المرسوم له والمتمثل في فرض الأمن والسلم الدوليين.

ويزداد الأمر تعقيداً عندما يكون أحد الأعضاء الدائمين في المجلس هو في ذات الوقت عنصر فاعل في الأزمة المراد بحثها في المجلس مما ينعكس سلباً على فعالية المجلس تجاه تلك الأزمة ، إذ يعطي هذا الموقف القدرة لذلك العضو بالتحرك وفق ما تقتضيه مصلحته ومصالح الدول الحليفة له من خارج المجلس دون التخوف من أصدار قرارات فاعلة لإنهاء الأزمة أو حل بعض عقدها دون إرادته ، وقد يصل ذلك إلى حد تجميد قرارات الإدانه التي قد يتطلب الموقف إصدارها مما يدفع بأطراف الصراع إلى الذهاب إلى مديات بعيدة في التعنت بالمواقف السياسية أو في إستخدام القوة المفرطة دون النظر إلى تبعات ذلك وتأثيره على السكان المدنيين أو الخشية من المحاسبة وفق ماتمليه المسؤولية الدولية .

ووفقاً لطبيعة الأزمات الدولية الراهنة نجد أن الأزمة السورية التي نعيش تفاصيلها اليوم ينطبق عليها ما ذهبنا اليه كمثال حي وواقعي ، فرغم تعقيد الموقف وتشابكه إلا أن هناك إتفاق لدى أغلب المهتمين في الشؤون السياسية أن الأزمة السورية لايمكن حلها عسكرياً إنما من الضرورة بمكان أن تذهب كل الأطراف إلى مائدة المفاوضات والحوار عبر رعاية دولية وفي مقدمة ذلك رعاية الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن الدولي ، إلا أنأحد أطراف الصراع الأساسية في الأزمة السورية وهي روسيا الإتحادية تقف بكل ثقلها العسكري والسياسي لدعم النظام الحاكم في سوريا ، كما إستخدمت قوتها المفرطة الجوية والصاروخية في قصف المدن السورية وتدميرها بشكل هائل تحت غطاء ضرب المعارضة السورية التي تتهمها كونها جماعات إرهابية كداعش والنصرة وغيرها ، وقد تزامن ذلك مع تصدي روسيا وهي العضو الفاعل في مجلس الأمن الدولي لتعطيل العديد من مشاريع القرارات حول الأزمة التي قدمت من بقية الأعضاء من خلال إستخدامها لحق النقض ( الفيتو) مما يعني عملياً منع أو تجميد كل تحرك دولي بإتجاه حل الأزمة أو على الأقل محاولة حلحلة بعض عقدها في طريق الحل السياسي .

أهمية البحث :

تحظى الأزمة السورية بالأولوية والإهتمام الرسمي والشعبي وعلى المستويين الأقليمي والدولي ، وإنسحب هذا الإهتمام على المراكز الأكاديمية والبحثية ، وأنطلق ذلك وفق مسببات عديدة منها التعقيدات التي تقف بوجه الحل السياسي للأزمة ، وذلك لتعدد أطراف الصراع المحلية فضلاً عن التدخلات المباشرة وغير المباشرة الإقليمية والدولية ، كما أن الإنقسام الواضح في مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن من الأزمة عمق الخلاف بين الأعضاء وأعاد أجواء الحرب الباردة على مناقشات المجلس ، وترافق كل ذلك مع الخسائر المكلفة والجسيمة في صفوف المدنيين السوريين وتدمير البنى التحتية لمدنهم ، كما إنعكست طبيعة الصراع بشكل سلبي على بناء هيكلية الدولة السورية ووجودها ، وأعطى ذلك الأهمية في البحث عن أسباب فشل مجلس الأمن في حل الأزمة السورية .

إشكالية البحث :

يتقدم البحث في مضمونه وحيثياته في طرح إشكالية تتمحور في ماهية أسباب فشل مجلس الأمن الدولي في حل الأزمة السورية ، ومن خلال ذلك تم طرح العديد من الأسئلة التي حاولنا تلمسها للوقوف على أبعاد الموضوع وتلخصت بالأتي :

ماهي طبيعة وآلية التصويت لإعضاء مجلس الأمن الدولي تجاه مشاريع القرارات بموجب ميثاق الأمم المتحدة ؟ .
ماهي جذور الأزمة السورية وتفاعلاتها؟ وماهي طبيعة التدخلات الإقليمية والدوليةفيها ؟ .
ماهو أثر عدم حصول التوافق بين الدول الأعضاء في المجلس في إستمرار الأزمة السورية ؟
فرضية البحث :

التوافقية بين أعضاء مجلس الأمن ضرورة حاكمة لتفعيل دور المجلس في حل الأزمات الدولية ومنها الأزمة السورية ، وإستخدام الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن لحق النقض ( الفيتو) عطل من حل الأزمة وأفقد المجلس فاعليته وقدرته بإتجاه الضغط على أطراف الصراع لوقفه ، أومحاولة التخفيف من حدته.

منهجية البحث :

تناول البحث تطلب الإعتماد على المنهج التأريخي للوقوف على أهم محطات تكوين مجلس الأمن وطبيعة التصويت من الدول الأعضاء الذي عبر عن الإنفراد المصلحي دون إرادة ومصلحة المجتمع الدولي ، وكذلك جذور وتطورات الأزمة السورية ، ومن ثم الإعتماد على المنهج الوصفي التحليلي في محاولة لفهم المواقف السياسية تجاه الأزمة السورية وإنعكاس ذلك على فعالية مجلس الأمن .

هيكلية البحث :

لغرض الوقوف على المحاور الرئيسة للموضوع وفق المعطيات والمعلومات المتوافره ، تم إعداد هيكلية البحث وفق مطالب أربعة ، إذ تضمن المطلب الأول الوقوف على هيكلية مجلس الأمن الدولي وآلية تصويته على مشاريع القرارات ، ويتضمن المطلب الثاني جذور الأزمة السورية ، أما المطلب الثالث فقد تضمن التفاعلات الأقليمية والدولية للأزمة ، في حين تضمن المطلب الرابع مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي من الأزمة السورية .

مفهوم الأزمة :

يتطلب محاولة الفهم البحث في مفهوم الأزمةبشكل مبسط دون الذهاب إلى تفاصيلها وآلياتها، ويعد مفهوم الأزمة من المفاهيم الواسعة الإنتشار في المجتمع المعاصر والتي أصبحت ’مجسدة في كل نواحي الحياة ، إذ توزع وجودهامن حياة الإنسان في المجتمع وكذلك في مؤسسات الدولة وصولاً إلى الأزمات الدولية ، من هنا أصبح مفهوم الأزمة يتداول بشكل واسع وأصبح يمثل جزءاً مهماً في تفاصيل وواقع الحياة البشرية .

وقد جرت عدة محاولات لتقديم تعاريف محددة للأزمة إختلفت مع تباين وجهات النظر، ودون الخوض في التفاصيل فقد ’عرفت الأزمة إنطلاقاً من مفهومها الإجتماعي ” بإنها تتمثل بتوقف وحدات المنظومة وإضطراب العادات فيها مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن ولتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة مع الواقع([1]) ، أما الأزمة من الناحية السياسية تعني وجود مشكلة أو حالة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي إتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله إدارياً أو أو نظامياً أو إجتماعياً أو سياسياً أو إقتصادياُ أو ثقافياً ([2])، أما من الناحية الإقتصادية تعني الأزمة إنقطاع في مسار النمو الإقتصادي حتى إنخفاض الإنتاج أو عندما يكون النمو الفعلي أقل من النمو الإجتماعي ([3]).

المطلب الأول : هيكلية مجلس الأمن الدولي وآلية التصويت على مشاريع القرارات

وقعت الدول المشاركة في ختام مؤتمر الأمم المتحدة على ميثاقها بتأريخ 26حزيران / 1945 في مدينة سان فرانسسكو الأمريكية بعد مناقشة الظروف الدولية التي أدت إلى إنهيار عصبة الأمم المتحدة ، وقد ساهمت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى الأخرى في وضع ميثاق المنظمة الدولية ([4]) ، وقد أشار الميثاق في مادته الأولى التي تضمنت المقاصد والمبادئ من قيام المنظمة أن حفظ الأمن والسلم الدوليين هي الغاية الأساسية لوجود الأمم المتحدة ، إذ تؤدي دوراً رئيساً في تخفيف حدة التوترات الدولية ، ومنع الصراعات ، ووضع حد للإقتتال الجاري بشكل فعلي ، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم والأمن في العالم لغرض إزالتها ، وكذلك قمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم العالمي ، وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي ، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها ([5]) .

كما أشار الميثاق في ديباجته إن تشكيلة مجلس الأمن الدولي تتكون من خمسة أعضاء دائميين وعشرة أعضاء غير دائميين ، ومثلت الدول الأعضاء الدائميين في المجلس كل من ( روسيا الأتحادية ، الصين ، فرنسا ، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية ، الولايات المتحدة الأمريكية) ، أما الدول العشرة الأعضاء غير الدائميين يتم إنتخابهم عبر الجمعية العامة وتكون العضوية للدول غير الدائمة لمدة سنتين ، وقد عهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسة في أمر حفظ الأمن والسلم الدوليين ، ويعمل المجلس كنائب عن الجمعية للقيام بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات ([6]).

وحول مسألة التصويت في المجلس فقد أشار الميثاق أن قرارات المجلس تصدر بالمسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضاءه ، وفي المسائل الأخرى تصدر بموافقة تسعة من الأعضاء على شرط أن يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائميين الخمسة مجتمعة أو متوافقة ، بشرط أن تكون القرارات المتخذة بموجب أحكام الفصل السادس (حل المنازعات بالطرق السلمية ) ، والفقرة (3) من المادة (52) ( تشجيع مجلس الأمن للمنظمات الأقليمية لحل المنازعات المحلية على أن يمتنع من كان طرفاً في النزاع من أعضاء مجلس الأمن عن التصويت) ([7]) .

ووفقاً للميثاق أيضاً لايمكن إتخاذ أي قرار في المجلس وتعطيل فعاليته إذا تم معارضته من أحد الأعضاء الدائمين من خلال إستخدام حق النقض الفيتو ، لذلك يتطلب الأمر التوافق بين الأعضاء الدائميين لإصدار القرارات المطروحة ، إذ رأى واضعوا ميثاق الأمم المتحدة إستمرار الدول الخمسة الأعضاء الدائميين التي ساهمت بشكل رئيس في تأسيس الأمم المتحدة في إداء دور هام في صون السلم والأمن الدوليين ، وقد ’منحت الدول دائمة العضوية وضعاً خاصاً في مجلس الأمن ، إلى جانب القوة التصويتية الخاصة المعروفة باسم حق النقض (الفيتو ) ، وتم الاتفاق بين واضعي الميثاق في حالة قيام أحد الأعضاء الدائميين بالتصويت السلبي على مشروع القرار المطروح للتصويت لاتتم الموافقة على القرار ([8]).

وتجدر الإشارة أن العديد من الدول إعترضت خلال مناقشة مسودة الميثاق في حينها على طريقة وآلية التصويت في مجلس الأمن مبينة أن الصلاحيات التي ستمنح للدول الأعضاء لاسيما آلية التصويت هي ذات ابعاد واسعة قد تقلص من قدرة وفعالية الجمعية العامة، فضلاً أنها أعطت تميزاً عن الدول الأخرى قد يعطل من قدرة مجلس الأمن ذاته مستقبلاً من خلال تكبيل نفسه في حالة عدم التوافق أو في حالة التعسف في إستخدام حق النقض (الفيتو) من إحدى الدول الأعضاء ([9]) .

ويذكر الميثاق أيضاً أنه في حالة عدم توافق أحد الأعضاء الدائميين بشكل تام وقاطع مع القرار المطروح للتصويت وفي الوقت ذاته ليس لدى العضو الرغبة في إستخدام حق النقض (الفيتو) يمكنه في هذه الحالة اللجوء إلى عدم التصويت ، مما يسمح بإعتماد القرار بعد حصوله على العدد المطلوب المكون من تسعة أصوات مؤيدة للقرار ، وقد إستخدم جميع الأعضاء الدائميين من الناحية العملية حق النقض (الفيتو) في مناسبات مختلفة منذ تأسيس المنظمة الدولية وفق مصالح دولهم ، ويقدر عدد إستخدامه من الدول الأعضاء بحدود (279) مرة لغاية إنتهاء مدة الحرب الباردة ، ويبين المخطط أدناه طبيعة إستخدام حق النقض ( الفيتو) من الدول الأعضاء منذ قيام الأمم المتحدة لغاية عام 2017 .

المصدر : http://research.un.org/en/docs/sc/quick/veto

وعند المحاولة في تحديد الدول المستخدمة لحق النقض (الفيتو) يلاحظ أن الإتحاد السوفيتي السابق من أكثر الدول الأعضاء إستخداماً له حتى منتصف الستينات من القرن الماضي ، وكان الأساس في إستخدامه ينطلق من الدفاع عن مصالحه ، لاسيما أن إستخدامه في كل مرة جاء مع تولد القناعة لديه بعدم القدرة في حشد الأصوات المطلوبة من بقية الدول الأعضاء تجاه القضايا المطروحة ، وأدى الإسراف في إستخدام حق النقض (الفيتو) إلى تعطيل المجلس عن إداء مهامه ووظائفه في مناسبات عدة وأدى ذلك من الناحية العملية إلى عدم تحقيق الأمم المتحدة لغاياتها بمنع المنازعات ، إذ وقع بحدود (100) نزاع مسلح ذو نطاق واسع وكبير منذ تأسيسها ولغاية انتهاء مدة الحرب الباردة ، وكان ينظر المختصين والمراقبين إن من الأسباب الرئيسة لتلك النزاعات هو عدم فاعلية مجلس الأمن الدولي وتعطيل دوره من خلال إستخدام الأعضاء الدائمين لحق النقض (الفيتو) في ظل هيمنة القطبية الثنائية وأجواء الحرب الباردة ، ويشير (بطرس غالي) الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة واصفاً تلك الهيمنة بقوله ” إن توازن القوى السائدة في ظل الحرب الباردة حد من هامش الأمم المتحدة في صنع السلام ، فبقى عملها محصوراً بالعمليات التي كانت موضع رضى الدولتين العملاقتين لوحدهما ، ومن هنا لم تتسع هذه العمليات لصنع السلام وإبتداع صيغ جديدة للتوصل اليه ، بل إن الذي كان متاحاً للأمم المتحدة هو فقط النهوض بدور فني وليس فيه إبتكار سياسي كمراقبة وقف إطلاق النار بعدما يكون قد تقرر” ([10]) .

إلا أن الحرب الأمريكية على العراق في عام 1991 غيرت من هذه الأجواء وأعطت إنطباع عام لدى المجتمع الدولي بوجود آلية جديدة لإمن جماعي تتقدم فيه قواعد لبناء نظام دولي جديد على مصالح الدول الأعضاء وفق الأطر الذي وضعها ميثاق الأمم المتحدة ، إذ إستطاع مجلس الأمن في ظل الهيمنة الأمريكية أن تقدم نموذج جديد للتوافقات داخل المجلس من خلال عدم الإعتراض من جميع الدول الأعضاء بإستخدام حق النقض (الفيتو) مما أتاح تمرير العديد من القرارات الفاعلة والمجحفة تجاه العراق والتي تضمنت عقوبات صارمةبحقة (.([11]

وقد ساهمت سياسة التفرد الأمريكية في معالجة القضايا الدولية في إنكفاء دور الأمم المتحدة وفرض شروط الهيمنة الأمريكية على عملها ، ويشير الرئيس الأمريكي الأسبق (بل كلنتون) بهذا الصدد في خطاب القاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1995″ إن الولايات المتحدة يمكن أن تتصرف بمفردها دون الأمم المتحدة إذا أضطرت إلى ذلك مع أن قيمنا ومصالحنا يخدمها أيضا العمل مع الأمم المتحدة ” ([12]) .

وعن حالة الأضطرار التي أشار اليها الرئيس كلنتون فهي محاولة كسب الشرعية لبعض الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيقها من خلال قرارات يصدرها مجلس الأمن الدولي ، إلا أن أحداث 11/أيلول 2001 وما رافقها من تداعيات دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التخلي عن مسألة الشرعية لاسيما مع تبني سياسة الحرب الوقائية التي تتطلبت القفز على المبادئ والقيم التي كانت تلتزم بها منذ الحرب العالمية الثانية بضرورة كسب الشرعية للقرارات المتخذة في مجلس الأمن وقد أعطى تبني هذه السياسة صورة سلبية عن الولايات المتحدة الأمريكية بعدها دولة لاتكتسب سياستها الشرعية مستغلة البيئة الداخلية والدولية التي تولدت عن احداث 11/أيلول 2001 ([13]).

وقد تجسد ذلك من خلال إحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وإستخدامها القوة العسكرية دون إثباتها قيام العراق بالإعتداء عليها بشكل مباشر أو غير مباشر والدفاع عن نفسها ضد هذا الإعتداء ، أو حصولها على تفويض من مجلس الأمن بقرار واضح وصريح ، وهي مخالفة للفقرة (4) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة والتي يقضي بتحريم إستخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالات محددة فصلتها المادة (51) وهي الدفاع عن النفس في حالة هجوم دولة على أخرى ، وحالة التفويض من مجلس الأمن الدولي ([14]).

وإنطباقاً مع الميثاق بأخذ مجلس الأمن المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلم أو عمل من أعمال العدوان لدى حدوث مستجدات عدائية أو توترات متصاعدة أو غير ذلك ، ويطلب مجلس الأمن بداية الى الدول الأطراف في النزاع تسويته بالطرق السلمية ، وفي بعض الحالات يمكن للمجلس اللجوء الى فرض جزاءات وصولاً إلى الأذن بإستخدام القوة العسكرية لصون الأمن والسلم الدوليين وإعادتهما ، ويتولى رئاسة المجلس كل من أعضائه بالتناوب لمدة شهر واحد ، تبعاً للترتيب الأبجدي لأسماء الدول الأعضاء باللغة الأنكليزية (([15].

المطلب الثاني: جذور الأزمة السورية

من الطبيعي القول أن لكل ظاهرة جذور ومسببات بدونها لا يمكن الوقوف على الابعاد الحقيقية لدراسة الظاهرة ، وبناء على ذلك فإن جذور الأزمة السورية تعود إلى عقود عده سبقت إندلاعها في عام 2011 ، ودون الغور في تفاصيل تأريخية بعيدة يمكن العودة في ذلك إلى الإنقلاب العسكري الذي قاده الرئيس السابق ( حافظ الأسد ) في عام 1963 ومن خلاله إعتلت القيادات العسكرية السلطة في سوريا والتي حظيت بمساندة بعض القوى المدنية والعشائرية والتي إستطاعت إزاحت القوى البرجوازية التقليدية التي كانت تتسيد الموقف أنذاك ([16]) .

ودون تجاهل تعاظم مكانة سوريا كدولة ودور سياستها الخارجية خلال العقود الأربعة التي حكم بها الرئيس السابق ( حافظ الأسد) إلا أنه في الوقت نفسه لايمكن الإنكار عن تراجع ملف حقوق الإنسان ومؤسساته ، وكان إعلان الأحكام العرفية في عام 1963 “القشه التي كسرت ظهر البعير” كما يقال وترسيخ التضييق على الأحزاب السياسية ومنها الأحزاب المشاركة بما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية وإحتكار حزب البعث العربي الإشتراكي العمل السياسي بعده الحزب القائد لإدارة الدولة والمجتمع دون رقابة ومحاسبة وهو مارسخته نصوص الدستور الدائم عام 1973 ، وهو مايعني في واقع الحال الغاء وتقزيم العمل السياسي وفق المنهج الديمقراطي وإلغاء الدور البرلماني وتراجع إستقلالية القضاء وهو ما إنعكس بشكل سلبي وحاد في إضعاف وشلل في أجهزة الدولة ويستثنى من ذلك الأجهزة الأمنية التي تصاعد أعدادها وأعداد العاملين فيها وهو ما أدى في النهاية إلى إنهيار مقومات المجتمع المدني والدخول في أزمات إقتصادية متعاقبة مما ساهم في الإبتعاد وعدم التلاقي بين السلطة وفئات المجتمع بشكل تدريجي ، وإنعكس بشكل فعال على التكوين النفسي والفكري والروحي لإفراد المجتمع ومكوناته ([17]) .

وقد ساهمت محاولات تسيد المشهد السياسي في تعطيل عمل الجبهة الوطنية والتقدمية ومن ثم تحديد دور ومشاركة الأحزاب السياسية التي أصبحت عديمة الفعالية على مستوى النشاط السياسي مما إنعكس بدوره في إلغاء العمل الديمقراطي والسياسي في البلاد والهيمنة المطلقة على معترك الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية وما إنفكت البلاد تحكم من حزب واحد يتحكم بمقدراتها دون حساب ورقيب ، وكذلك محاولة السلطة خلق قوى أخرى فاعلة على الأرض مثل الأمن السياسي والمجالسالمحلية ([18]) .

ولم يتوقف الأمر عند حد الهيمنة بل أستخدمت أساليب الأضطهاد لقوى المعارضة بمختلف صورها وأشكالها لاسيما القوى الإسلامية التي كانت وماتزال تتصدر قوى المعارضة السورية ، ورغم إنتقاد ممارسة هذه الأساليب من منظمات دولية وعدد من الحكومات الغربية ، إلا أنه هناك قناعة راسخة لدى أكثرية الشعب السوري أن جود نظام حكم وإن كان يوصف بالديكتاتوري أفضل من سيطرة قوى إسلامية ومنها حركة الإخوان المسلمين التي تمتلك قاعدة لا يستهان بها ، ويعتقدون بأنها أفضل من عملية الفوضى التي تتطلبها عملية إنتقال السلطة ، فضلاُ عن تولد قناعة لدى العالم الغربي عموما ولدى الولايات المتحدة الأمريكية أن الرئيس (حافظ الأسد) هو الوحيد القادر على إدارة المعادلة السورية المعقدة ، لذلك عمدت الولايات المتحدة الأمريكية على إنتهاجها لسياسة إستمرار الأمر الواقع على ماهي عليه وهو ماكان يتوافق وطبيعة أهدافها في المنطقة العربية والأهم في كل ذلك سعي نظام حافظ الأسد عدم تغيير معادلة العلاقة مع إسرائيل ([19]) .

وكانت وفاة الرئيس (حافظ الأسد) في 10/حزيران / 2000 قد أسدلت الستار عن مدة مهمة من حياة سوريا والعالم العربي ، إذ إنتهى معه حلم الكثير من القوميين العرب الذين كانوا يعدونه حاملاً لرايتهم وهو الزعيم العربي الوحيد الذي إستطاع أن يجمع بين المبادئ القومية والواقعية السياسية وفق رؤية إستراتيجية ، إلا أن شخصنته للسلطة وجمعها في يده أفشل موضوعة التحديث السياسي من جانب ونجح في فرض الأستقرار النسبي في البلاد من الجانب الأخر([20]) .

وتوافق وصول الرئيس (بشار الأسد) إلى قيادة السلطة وإعلانه النية في إجراء إصلاح شامل حدث نوع من التفاؤل بإمكانية حدوث بعض التغيير في طريقة تعامل السلطة مع قوى المعارضة بل مع عموم الشعب السوري من خلال إعلانه الغاء سياسة الأقصاء والتهميش وتفعيل المشاركة السياسية وتبني دستور جديد وإجراء إصلاحات فعالة على مختلف المستويات ، وفي مقدمة ذلك تعطيل بعض القوانين الصارمة التي سبق وأن صدرت في الحقبة السابقة بحق بعض القوى السياسية المعارضة مثل إصدار عقوبة الإعدام على كل من ينتمي إلى حركة الأخوان المسلمين ، وفعلاً أستطاع إعتماده على أساليب قانونية ومؤسساتية لتغيير بحدود 60% من المناصب العليا في الدولة ، إلا أن هذا التفاؤل لم يستمر مع تبني سياسة صارمة مع قوى المعارضة التي كانت تنمو بسرعة وكذلك عدم إتخاذ السلطة خطوات جدية وملموسة في العديد من القضايا ، كذلك إستمرار النظام الإعتماد على الأساليب السابقة دون تغيير في عملية الإصلاح السياسي ، مما ساهم من الناحية العملية إلى إنقطاع التواصل بين النظام والقوى السياسية والإجتماعية الأخرى ([21]) .

أما على صعيد السياسة الخارجية فقد كان وصول الرئيس (بشار الأسد) إلى السلطة محل ترحيب من أكثر دول العالم ومنها الدول الغربية ، وقد حاول النظام الحاكم إستغلال هذه الأجواء لتحسين العلاقة مع الدول المجاورة ولاسيما تركيا والعراق ، إلا أن إنعكاس بعض الأجواء التي رافقت ذلك حالت دون نجاح مسعاه مثل توقف عملية السلام في الشرق الأوسط والحرب على العراق وتصعيد لهجته العدائية للولايات المتحدة الأمريكية لاسيما التي رافقت إنتفاضة الأقصى والتي أعادت حالة التوتر والتشنج في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ([22]).

وقد رافق تلك المرحلة تدهور واضح في مجالات الحياة المختلفة وفي مقدمتها الحياة الاقتصادية وإنعكس ذلك على زيادة نسبة السوريين ممن هم دون خط الفقر إلى ما نسبته 37% وبدأت المعارضة السورية وقوى الشعب المختلفة في البحث عن طريق جديد لتحقيق غاياتها وأهدافها والبحث عن بدائل جديدة لذلك ، لاسيما أن الساحة السورية أصبحت مهيئة للإنفجار في أي لحظة مع التغيير الحاصل في تونس ومصر وإنطلاق ما سمي بالربيع العربي ، إذ إنطلقت التظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح ومن ثم تصاعدت إلى المطالبة بإسقاط النظام ومن ثم تحولت إلى مواجهات مسلحة بين النظام وقوى المعارضة إمتدت إلى مساحات واسعة من المحافظات السورية ، ولم يستطيع النظام إنهاء الأزمة بسرعة من خلال تقديمه بعض التنازلات ولا من خلال إستخدام القوة في إنهاء المظاهر المسلحة مما أعطى الفرصة للقوى الإقليمية والدولية في التدخل بالشأن السوري وتعقيد الأزمة ([23]).

المطلب الثالث :التداعيات الأقليمية والدولية للأزمة السورية

ومما لاشك فيه أن الاهتمام الدولي بعموم منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بشكل خاص ليس بالأمر الجديد ، إذ كانت على الدوام ساحة للصراع والنفوذ بين الدول الكبرى ، ولكون سوريا تمثل قلب الوطن العربي فقد كانت مركزاً أساسيا لهذه الصراعات وبمختلف إمتدادتها السياسية والفكرية والعسكرية وكذلك الاقتصادية ، فضلاً عن مجاورتها لإسرائيل جعلها طرفاً أساسياً في الصراع العربي الإسرائيلي وفي الوقت نفسه أصبح من محاور علاقة سوريا مع الأطراف الدولية المهتمة بهذا الصراع ومنها الدول الكبرى ([24]) .

وإتساقاً مع ما تقدم فأن سوريا كدولة لها أهمية قصوى من الناحية الجيو – إستراتيجية من خلال تأثيرها الجيو سياسي فضلاُ عن موقعها الجغرافي المؤثر بشكل واضح في كل الصراعات الأقليمية التي جرت وتجري في المنطقة العربية وإمتدادها الأقليمي ، وتسهم التعقيدات والتشابك الداخلي مع العوامل الخارجية والعكس صحيح ، ويقيناً كلما إمتد عمر الأزمة السورية زمنياً إزداد تأثير العوامل الدولية والإقليمية فيها ، ولا بد من الإشارة أن النظام الحاكم في سوريا إعتمد كثيراً على هذه المعادلة من خلال تعامله مع الأزمة رغم الإنعكاسات الخطيرة لهذه المسألة لاسيما كون شكل الصراع أخذ البعد الطائفي في كثير من تداعياته ([25]).

وإختلفتمواقف الدول الإقليمية وكذلك الدوليةمن الأزمة السورية بموجب طبيعة مصالحها وتوجهاتها الستراتيجية ، وعند محاولة تثبيت هذه المواقف نجد أن الموقف الإسرائيليمنذ عدة عقود تمثل إهتمامه في مسألة هدوء جبهة الجولان ؛ لذلك فإن بقاء النظام الحاكم في سوريا يعد مصلحة إسرائيلية في هذا الجانب وهو يتماشى مع عدم وصول القوى الإسلامية المتطرفة الى السلطة ، ومع ذلك فإن هذه الرؤية ليست مطلقةفي إسرائيل فهناك من يؤمن إن إنهيار النظام الحاكم في سوريا سيوقف تعاظم الدور الإيراني في المنطقة ، ومع تطورات الأزمة بدأت إسرائيل لاتهتم بمسألة بقاءالنظام الحاكم في سوريا إلا بالقدر الذي يؤثر على وضعها الأمني والسياسي ([26]).

وقد تناغم الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي تجسد في رغبتها بإستمرار نظام ضعيف في سوريا رغم تقاطعها معه في العديد من القضايا إلا أن المهم لديها أن النظام الحاكم في سوريا لم يعد يشكل تهديداًعلى الأقل في المدى المنظورللمصالح الأمريكية والإسرائلية في المنطقة ، مع إستغلالهما لمايحدث من تطورات أحداث الربيع العربي والأزمة السورية لتهميش القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً في ظل أجواء الإنقسام العربي الرسمي والشعبي والهدوء الواضح في الجبهتين اللبنانية والفلسطينية وإنكفاء أعمال المقاومة بشكل شبه تام ([27]).

ووفق هذه الرؤية عملت الولايات المتحدة الأمريكية على ديمومة الصراع في سوريا إلى أقصى مدىعبر دعمهاالمترددلبعض فصائل المعارضة المسلحة السورية من خلال التسليح والتدريب دون تمكينها من تحقيق النصر النهائي على قوات النظام من جانب ودون تمكين قوات النظام من سحق قوات المعارضة بشكل كامل ؛ لذلك إقتصرت الفعاليات العسكرية على الطيران الحربي وإقامة قواعد في الجزيرة السورية وفي بعض المناطق التي تسيطر عليها القوى الكردية الحليفة لها ، فضلاُ عن توظيفها الأدوات الإستخبارية والإعلامية والإتصالاتية والمعلوماتية لأغراض تخدم تحقيق توجهاتها في سورية وخلق المناخات المناسبة لمخططاتها وبما يجعل الحرب في سوريا مستدامة لإغراقها وكذلك القوى الداعمة لها مثل روسيا وإيران في مستنقع الأزمة وإستنزاف قدراتها ([28]) .

كما إستمرت الولايات المتحدة الأمريكية في جهودها السياسية والدبلوماسية التشاورية عبر قنوات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالرغم من عدم قناعتها بإمكانية الوصول إلى إنهاء الصراع عبر مجلس الأمن لعدم وجود توافق بين الأعضاء الدائميين وهو ما لا’يمكن من إصدار قرارات فاعلة لحل الأزمة ، لاسيما أن الموقف الروسي الذاهب على طول الخط بإتجاه دعم مواقف النظام السوري بشكل فعال وتجلى ذلك بشكل واضح من خلال إستخدام الفيتو الروسي لأكثر من مرة لتعطيل مشاريع قرارات مقدمة لحل الأزمة السورية ، وفشل إدارة الرئيس (باراك أوباما) والأطراف الأوروبية الأخرى من خلال مفاوضات ماروثينية في الوصول إلى توافقات سياسية تستطيع من خلالها تمرير مشاريع القرارات التي تطرحها هي أو دول أخرى ، إذ تجلت السياسة البراغماتية التي مارستها إدارة الرئيس أوباما بشأن الأزمة السورية بشكل واضح من خلال حالة التردد في تعاملها مع المعارضة السورية بإستثناء الأكراد وعدم قدرتها في إتخاذ مواقف فعالة ومؤثرة في الأزمة ([29]).

ومن جانب أخر شهدت هذه المدة ما يشبه الصحوة والتي تمثلت في التحالف بين وروسيا والصين وإيران للوقوف بوجه المشروع الأمريكي والهادف إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط والعالم وجسدت ذلك من خلال الدعم السياسي والعسكري الواسع النطاق للنظام الحاكم في سوريا وصل إلى حد الإشتراك الحربي المباشر وغير المباشر فضلاً عن التحركات الدبلوماسية لاسيما في أروقة مجلس الأمن لوقف مشاريع القرارات الأمريكية والأوروبية تجاه الأزمة السورية والتي تكفلت به روسيا الإتحادية من خلال عضويتها في مجلس الأمن([30]).

وكان الموقف الروسي من الأزمة السورية ينطلق من الدفاع عن المصالح الذاتية الروسية والمتمثلة في تجديد توجهاتها القومية من خلال محاولة إثبات وجودها مرة ثانية كدولة عظمى وكفاعل دولي قادر على موازنة الدور الأمريكي في محاور جغرافية عديدة في العالم ومنها المنطقة العربية لاسيما مع تخبط السياسة الأمريكية بعد تدخلها المباشر في أفغانستان والعراق وبدت وكأنها غارقة في أوضاع لايمكن ضبطها والسيطرة عليها ([31]).

وبذلك أسقطت كل التحليلات والتوقعات الأمريكية والغربية التي رافقت إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق والتي أشارت إلى عدم قدرة روسيا الإتحادية القيام بأي نشاط أو دور سياسي فعال تجاه القضايا الأقليمية والدولية لعقود طويلة قادمة والإنكفاء على الدور الذي مارسه خلال مدة الحرب الباردة ، وترافقت كل هذه الجهود السياسية مع تطلع روسيا أن تكون الفاعل الرئيس في الأزمة السورية ونجحت إلى حد كبير في ذلك وتجلت صورة النجاح في إخراج قوى المعارضة من مناطقها الإستراتيجية التي كانت قد سيطرت عليها مع بداية الأزمة مثل حلب وغيرها ، مما أجبر قوى المعارضة إلى الدخول في مفاوضات إستانه وجنيف التي مازالت مستمرة إلى الأن دون تحقيقها لنتائج واضحة([32]) .

ولا بد من الإشارة أن الأزمة السورية لم تكن هي بداية الصحوة الروسية بل سبقتها محاولات لإفشال مساعي الولايات المتحدة الأمريكية وتحييد دورها على الساحة الدولية لذلك عملت على تحديها في العديد من القضايا منها بيع الأسلحة لدول غير صديقة للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك تقديمهاللمساعدات الفنية لإيران في مجال بناء المفاعلات النووية ، وكذلك إتخاذها مواقف مخالفة لتوجهات السياسة الأمريكية في قضايا متعددة مثل الأزمة اليوغسلافية وغيرها ، وهو ما أسقط فكرة الشراكة الإستراتيجية التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تبنيها كطريق لضم روسيا الإتحادية إلى المعسكر الغربي ([33]).

وقد حدد مساعد وزير الخارجية الأمريكي ( ستروب تالبوت ) طبيعة المخاوف الأمريكية من التحركات الروسية في هذا المجال قائلاً ” لأن روسيا تحدد أهداف خاصة بها وتحاول الإبتعاد عن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب فإننا من الممكن أن نواجه إحتداماً في التوتر بيننا وبين روسيا بسبب مشكلات دبلوماسية ومشكلة الأمن”([34]) .

وإتساقاً مع هذه الطروحات عملت روسيا الأتحادية على تعزيز مواقعها بهذا الإتجاه في منطقة الشرق الأوسط من خلال محاولتها التدخل في الأزمة السورية بشكل مباشر أو غير مباشر وإستخدامها قاعدة للإنطلاق نحو تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط ، وإن كانت لاترى في هذه المنطقة مكاناً لتعظيم أمنها القومي ومصالحها أكثر من محيطها الأقليمي لاسيما في دول آسيا الوسطى ، إلا أنها ترى من جانب آخر أن موقع سوريا الجيوسياسي يعد موطئ قدم لها على سواحل البحر الأبيض ويمثل منفذاً لأسطولها في البحر الأسود في قاعدة ( ستيفاستبول ) إلى البحر الأبيض ، وهذه المقاربة للأزمة السورية تأتي في قاعدتها الأساسية من منظور جيوستراتيجي ، فضلاً عن العمل بمنع تكرار ماحدث في التجربة الليبية من قبل حلفالناتو ([35]) .

ووجدت روسيا الفرصة في تحقيق ذلك من خلال حاجة النظام الحاكم في سوريا لطرف دولي يستطيع الإعتماد عليه عسكرياً وسياسياً في إدارة الصراع الذي تحول من صراع داخلي إلى صراع إقليمي ودولي ، وبذلك أصبحت روسيا تمثل الطرف الفاعل والرئيس في الأزمة السورية من خلال تبنيها لعملية التفاوض والنقاش مع الأطراف المختلفة من جانب ومن الجانب الأخر إستخدام قدراتها العسكرية الفائقة بشكل فعلي في الصراع إلى جانب النظام الحاكم في سوريا وضرب الفصائل المعارضة تحت غطاء ضرب مجاميع الإرهاب كالنصرة وداعش وغيرها ، وهذا يعد في الوقت ذاته دفاعاً عن الأمن القومي الروسي لاسيما من خلال محاولة القضاء على الروس المنتمين لهذه المجاميع على الأراض السورية ([36]) .

أما بصدد الموقف الصيني من الأزمة السورية فقد تمثل بالتقاطع والتناقض مع السياسة الأمريكية وإن كان هذا الموقف ليس بالجديد فعلىمدى التاريخ المنظور إتبعت الصين سياسة خارجية براغماتية في منطقة الشرق الأوسط تمثلت بمحاولة التوفيق بين إيدولوجيتها ومصالحها ، إلا أن الجديد في الأمر أن الصين طورت مواقفها من الإختلاف إلى حد التصادم والمواجهة السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية والذي ساهم إلى حد كبير في إحداث توازن قوى مع إصطفاف روسيا وإيران إلى جانبها في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في ظل تصاعد الأزمات في المنطقة والتي أصبح قاسمها المشترك النزاعات المسلحة ([37]).

أما بشأن السياسة الإيرانية في سوريا لاينكر وجود تنافس وتسابق روسي إيراني لتعزيز نفوذيهما وموقعيهما مع وجود إختلاف في وجهات النظر في كيفية إدارة الأزمة السورية إلا أن الواقعية التي تنتهجها السياسة الروسية تتمثل في عدم قدرتها التخلي عن إيران بإعتبارها تمثل القوات البرية لوجودها في سوريا ، وبدون وجود المتطوعينالإيرانيينوالمساندينلهم والممثلين بعشرات الألأف يعني جلب قوات روسية بديلة عنهم وهذا يعني زيادة الإنزلاق الروسي بالملف السوري أو يجبرها على إتخاذ خيارات أخرى قد تؤثر على إنجازاتها المتحققة في سوريا والتي أصبحت معطيات ثابته لايمكن التنازل عنها من وجهة النظر الروسية([38]) .

وقد عمدت إيران منذ مدة ليست بالقصيرة إلى توسيع نفوذها في منطقتي الخليج والمشرق العربي ، لذلك عملت على تعزيز علاقتها مع سوريا اذ وصلت إلى مرحلة التحالف الإستراتيجي وتبني محور معارض للتوجهات الأمريكية في المنطقة لاسيما بعد حرب لبنان عام 2006، وتجلى التحالف السوري الأيراني بشكل واضح خلال الأزمة السورية إذ كان هذا التحالف من الأسباب التي منعت سقوط النظام الحاكم في سوريا لأن سقوطه كان يعد ضربة إستراتيجية لإيران بخسارتهالحليف مهم لها ، كما يخشى قادة إيران أن يكون سقوط النظام الحاكم في سوريا بداية لحركة داخلية إيرانية معارضة قد تهدد وجود النظام الحاكم في إيران ([39]) .

وفيما يتعلق بالموقف التركي من الأزمة السورية لابد من الأشارة إلى تجذر سياسة نمطية معروفة للسياسة التركية الأتاتوركية تقوم على ركائز أساسية تتقدمها أهمالها لعموم قضايا الشرق الأوسط والدول العربية ، وكانت النقلة النوعية لهذه السياسات بعد عام 2002 وتبني حزب العدالة والتنمية سياسة جديدة تركزت في تحويل تركيا من دولة طرفية إلى دولة مركزية تستطيع من خلالها توفير الأمن والإستقرار لها ولجيرانها وكذلك المحيط الأوسع من ذلك ؛ لذلك توجهت نحو الإنغماس في العديد من القضايا الرئيسة العربية والإسلامية دون تخليها عن علمانيتها ([40]) .

وإستناداً ًلسياسة العمق الإستراتيجي التي وضع أسسها ( أحمد داؤود أوغلو ) والذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء عملت السياسة التركية على تصفير مشاكلها مع جيرانها من خلال محاولاتها تحسين علاقاتها مع سوريا التي كانت توصف على الدوام بالعدائية نتيجة إتهامها لسوريا بدعمها لحزب العمال الكردي والتي أدت إلى إثارة المشاكل وعدم الاستقرار في الداخل التركي ؛ لذلك حاولت بناء صداقة قوية من خلال الإنفتاح بشكل واسع على النظام الحاكم في سوريا في عهد الرئيس (بشار الأسد) وتعزيز العلاقات في المجالات المختلفة وفي مقدمتها العلاقات الاقتصادية([41]) .

وتغيرت هذه السياسة خلال الأزمة السورية من خلال معارضتهاللنظام الحاكم في سوريا وإن جاء ذلك بشكل متدرج ، وكانت البداية بمطالبتهاللنظام القيام بإصلاحات وتغييرات سياسية والغاء قانون الطوارئ وتبني مطالب المعارضة ، ومن ثم ذهبت أبعد من ذلك بإستقبالها لقيادات من المعارضة على أساس إيجاد لغة من التفاهمات مع نظام الحكم في سوريا ، كما إستمرت بتنظيمها سلسلة من مؤتمرات المعارضة وصولاً إلى تشكيلها للمجلس الوطني السوري ، ومع إستمرار نظام الحكم في سوريا إستخدام القوة العسكرية كوسيلة فاعلة لمعالجة الأزمة فرضت تركيا عقوبات إقتصادية وتجميدها للأموال ومنع سفر المسؤولين السوريين ، وتصاعد موقفها من خلال تقديم ملاذات أمنة لمقاتلي الجيش الحر والمطالبة بإقامة منطقة أمنة داخل الأراضي السورية كحل لمشكلة اللاجئين مما دفع النظام الحاكم في سوريا إلى تغيير موقفه من تركيا والتخلي عن سياسة إحتواء المواقف التركية إلى سياسة المواجهة ، وصعدت تركيا مواقفها من خلال التهديد بإستخدام القوة إلا أنها لاتسعى الى الإنزلاق عسكرياً بالازمة السورية لخشيتها من توسع المجابه مع حلفاء النظام الحاكم في سوريا مثل إيران ، وكذلك دفع حزب العمال لزيادة ضغطه العسكري على القوات التركية فضلاً عن إنتقال شرارة الإنقسام والصراع إلى داخل المجتمع التركي([42]).

أما النظام الحاكم في سوريا فقد عمل من جانبه على تلافي أخطاء الأنظمة العربية التي ضربها إعصار الربيع العربي وإزاحتهعدد من رؤساء الأنظمة العربيةمن خلال إتباع ستراتيجية دفاعية تمثلت في قطع وإيقاف سلسلة لعبة (الدومينو) التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي(باراك أوباما ) ودخوله في تحالف وثيق وإستراتيجي مع روسيا وإيران ، كما إمتلك النظام قدرة المناورة بين الحليفين فضلاُ عن تحالفه مع بعض الحركات الإسلامية والعربية المقاومة للمشروع الأمريكي في المنطقة العربية([43]) .

ولا بد من التأكيد على أن الربيع العربي هو إمتداد لمشاريع تقسيم الدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ، ويعد مشروع ( برنارد لويس ) هو الأكثر جدية لتقسيم المنطقة من خلال توظيف مراكز القرار الأمريكيالإنقسامات الطائفية والمذهبية وتحويلها من فكره إلى واقع عملي وفق مشروع مايسمى بالشرق الأوسط الكبير والتي جرى تطبيق وقائعة عبر مراحل متعددة والتي إستهلكت ما يقارب عقد ونصف بعد أن وفر إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق الأرضية المناسبة لتنفيذ المشروع الذي تضمن إعادة رسم التوازنات الإقليمية وإعادة النظر في خرائط وحدود الكيانات القائمة ([44]) .

كما عمل المشروع إلى نقل الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي عربي ، وكذلك إلى صراع أديان وطوائف وأقليات داخل الدولة العربية الواحدة وصولاً إلىتقسيم دول المنطقة إلى دويلات صغيرة ، وتم التركيز فيه على تقسيم الدول العربية المحورية مثل العراق ومصر وسوريا ، وكذلك دول الأطراف العربية مثل اليمن والسودان وليبيا ، ووفق هذا المشروع العمل على تقسيم سوريا إلى أربع دويلات ، دولتين سنية في حلب وأطراف دمشق ، ودولة شيعية علوية في الساحل ، ودولة درزية في الجولان ([45]).

كما ركز المشروع التفكيكي على تدمير جيوش هذه الدول ، إذ بدأت بتدمير الجيش العراقي بالعدوان الأطلسي الأمريكي وحله بشكل رسمي بعد عام 2003 ، ثم كانت المحاولة لتدمير الجيشين المصري والسوري بعدهما القوتين الرئيسيتين في ميزان قوى الصراع العربي الصهيوني ، والعمل على إدخالهما في عملية إستنزاف واسعة من خلال تصديهم للجماعات المسلحة الإرهابية، وهو ما سبقه من دق أسفين الصراع بين مكونات مجتمعاتها دينياً وطائفياُ وقومياً ، وكذلك وسعت هوة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين وصولاٌ إلى إطلاق حروب أهلية دامية في العديد من الدول العربية لاسيما الدول المواجهة مع إسرائيل ، ومن ثم العمل لاحقاً على نقلها إلى داخل الدول الإسلامية ، وهي الوسيلة الأكثر فاعلية لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد ([46]).

المطلب الرابع : التصويتفي مجلس الأمن حيال الأزمة السورية

مسألة التوسط السياسي لفتح حوار بين الدول أو القوى المتعارضةداخل الدولة الواحدة يصبح أمراً ضرورياً في حالة صعوبة التواصل بين حكومات هذه الدول أو بين قوى المعارضة وسلطة الدولة من أجل التقليل من حدة التوتر وتجنب مخاطر وصول الأزمة إلى حالة التصادم العسكري أو حتى محاولة إيقاف الصراع العسكري في حالة وقوعه ، ومنذ قيام الأمم المتحدة كان مجلس الأمن هو حلقة التواصل الرئيسة عن طريق الدبلوماسية الثنائية أو الجماعية أو لتجنب الصراع أو إدارته أو إيقافه ([47]).

وبالرغم من ذلك فإن مجلس الأمن يواجه العديد من التحديات الرئيسة التي تقف حائلاً أمام تنفيذ مهامه من بينها إعتراض دولة أو أكثر من الدول الأعضاء الدائميين على مبادرة ما أو مشروع قرار مقدم من إحدى الدول على مبادرة معينة لإسباب سياسية أو مصلحية للدولة أو لحلفاءها ، لذلك يتم العمل على عدم تمرير القرارات من خلال إستخدام حق النقض (الفيتو) وهذا تجسد في الواقع من خلال مواقف الولايات المتحدة الأمريكية من مشاريع القرارات التي لاتصب في مصلحة حليفتها (إسرائيل) ([48]).

ولم يسجل التاريخ أن مواقف الدول ولاسيما الدول الكبرى تأتي بمحض الصدفة أو كردود فعل آنية تجاه الأزمات الدولية إنما تستند إلى جذور راسخة في ثقافة الدولة وسياسة النظام القائم فيها والذي يعكس الطبيعة الأيديولوجية السائدة ، وبطبيعة الحال ان الموقف الروسي من الأزمة السورية والمتمثل بالوقوف مع النظام الحاكم سياسياً وإقتصادياً ساهم مع عوامل أخرى أقل أهمية في بقاء النظام على رأس السلطة وديمومته وإلى مدى ليس بالقصير ، وفي الوقت نفسه مثل ذلك نجاح لسياسة التحدي التي تحاول روسيا إظهارها أمام الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من القضايا الدولية ومن بينها الأزمة السورية ، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في مناقشات مجلس الأمن للأزمة إذ كان الموقف الروسي المعارض لكل المحاولات الأمريكية على الدوام ([49]) .

وقد ظهر الموقف الأمريكي خلال الأزمة السورية بالضبابية وعدم الجدية في حلهامتذرعاً بعدم القدرة على عمل الكثير في ظل استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ، وعدم إستخدامه لقدراته العسكرية أو التهديد بها من خلال الإعلان عن نية التدخل لصالح أحد الأطراف لإجبار الطرف الأخر على تقديم تنازلات ، وكذلك في الضغط على بقية الحلفاء ؛لأن مسألة إسقاط النظام لم تكن في أجندة السياسة الأمريكية ليس في عدم رغبتها في ذلك وإنما في عدم قدرتها على تحقيقه بدون قرار من مجلس الأمن والذي تقف روسيا حائلاً دون ذلك مع عدم رغبتها في تكرار التجربة في العراق وليبيا والتي أدت إلى نتائج كارثية ([50]) .

وقد أعطت السياسةالأمريكية في سورياالضوء الأخضر للدول الآخرى وفي مقدمتها روسيا ومن بعدها الدول الحليفة لها للتصرف وفق ماتقتضيه مصالحها والتحرك دون فرض قيود عليها وإن كانت شكلية ، وتعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه السياسة ستتيح لها فتح صفحة جديدة للعلاقة والتفاهمات مع روسيا وإيران حتى وإن كانت على حساب الشعب السوري أو وجوده ، في حين إستغلت روسيا التردد في السياسة الأمريكية وتبنت مواقف معارضة لكل المحاولات الأمريكية في مجلس الأمن وإستخدمت حق النقض (الفيتو) لإيقاف مشاريع القرارات المطروحة أمام المجلس حول الأزمة السورية ([51]) .

وليس من باب المصادفة ومنذ بدء الأزمة السورية في عام 2011 ولغاية عام 2017 استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو)تسع مرات اثناء اجتماعات مجلس الأمن لمناقشة تداعيات الأزمة السورية ، إذ عملت على عدم تكرار ما حدث في مناقشات الأزمة الليبية بإمتناعها مع الصين في حينه عن التصويت إعتقاداً منهما أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ستلتزم بروح القرارات الدولية والتعامل مع الجانب الإنساني للمدنيين إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية إستغلت الموقف ودعمت التدخل العسكري ضد نظام الرئيس السابق (معمر القذافي)وبذلك خسرت روسيا حليفاً مهماً لها في منطقة البحر الأبيض وعموم الشرق الأوسط ([52]) .

وإستناداً إلى ذلكفقد أدى عدم التوافق في مجلس الأمن إلى تفاقم الأزمة السورية إذ لم تستطيع الدول الأعضاء الراغبين بإصدار قرارات إدانةلإرتكاب أطرافالصراع مجازر بحق المدنيين ، وهذا إنعكس بشكل واضح على إستمرار الأزمة دون حل وأدى إلى مضاعفة أعداد القتلى والجرحى فضلاً عن تشريد الملايين من اللاجئينالسوريين في مختلف دول العالم ، فضلاً عن تدمير شبه تام للبنى التحتيةفي بعض المحافظات يعجز الكلام عن شرحه ووصفه ، وهذا ماجعل فعالية المجلس شبه معدومة نتيجة استخدام عضو واحد لحق النقض(الفيتو) بعكس إتجاهات ورغبة الأغلبية في المجلس وكذلك الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة مما يخلق قناعة بإستحالة معالجة المجلس للقضايا المطروحه حالياً وفي المستقبل ([53]) .

وللوقوف حول طبيعة التصويت على القرارات المتعلقة بالأزمة السورية من قبل الأعضاء لاسيما روسيا والصين لابد من العودة إلى سياق الأحداث وبدون الخوض في التفاصيل نجد أن الإستخدام الأول لحق النقض (الفيتو) الروسي حول الأزمة السورية كانت في جلسة المجلس المنعقدة بتأريخ 4/تشرين الأول 2011 وتركز التصويت الروسي ضد مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وفرنسا والمانيا والبرتغال لإدانة قمع النظام الحاكم في سوريا لمعارضيه ويهدد بعقوبات ضده في حالة عدم إيقاف القمع وإحترام حقوق الإنسان وبدء بإصلاحات فورية ، ووقفت الصين إلى جانب روسيا بموقفها من مشروع القرار ، في حين أيدت تسعة دول مشروع القرار وإمتنعت أربع دول عن التصويت وهي البرازيل والهند ولبنان وجنوب أفريقيا ([54]).

وكررت روسيا والصين إستخدامهما لحق النقض (الفيتو) للمرة الثانية ضد مشروع قرار تقدمت به فرنسا وبريطانيا بدعم من الدول العربية إلى مجلس الأمن بتأريخ 4/شباط 2012 يحمل رئيس النظام الحاكم في سوريا مسؤولية قتل المواطنين السوريين ، ويدعم القرار المشروع التي تقدمت به الجامعة العربية لتسوية الأزمة السورية والمتضمن تسليم السلطة إلى نائب الرئيس لإفساح المجال لعملية التحول الديمقراطي ، في حين صوتت الأعضاء الثلاثة عشر لصالح مشروع القرار ، وعلى الرغم من أن الصين تعد من الدول الأقل إستخداماً لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إلا أننا نجد موقفها مغاير في الأزمة السورية فقد إستخدمت حق النقض (الفيتو) لمرتين لإيقاف صدور قرارين يدعوان إلى تنحي الرئيس (بشار الأسد) ، وإستخدمت فيتو آخر ضد قرار يدعو إلى تطبيق الفصل السابع في الأزمة السورية ، وهكذا الحال ضد قرار يطالب بإحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية ([55]) .

وكان الإستخدام الثالث للفيتو الروسي مع موقف مماثل من الصين ضد قرار تقدمت به فرنسا وبريطانيا للمجلس في 19/تموز 2012 يسمح بإنتقال سلمي للسلطة تحت البند السابع ، وصوتت إحدى عشر دولة لصالح القرار في حين إمتنعت دولة جنوب أفريقيا وباكستان عن التصويت ، وقد نص القرار على تمديد عمل بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار الذي لم يكتب له النجاح([56]).

وتقدمت فرنسا بمشروع قرار آخر إلى المجلس في 22/مايس 2014 يدين فيه جرائم النظام الحاكم في سوريا وإحالة ملف الحكومة السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية ، إلا أن روسيا عادت وإستخدمت حق النقض (الفيتو)للمرة الرابعة ضد مشروع القرار مما حال دون تمريره([57]).

كما كررت فرنسا محاولاتها في 8/تشرين الأول 2016 بتقديمها مع إسبانيا مشروع قرار إلى المجلس يتضمن وقفاً لإطلاق النار والمعارك في مدينة حلب السورية ، إلا أن روسيا إستمرت بموقفها المتعنت ضد مشاريع القرارات المطروحة إزاء الأزمة السورية وإستخدمت حق النقض (الفيتو) للمرة الخامسة ، وبذلك عطلت كل محاولات الأعضاء الدائميين وغير الدائميين ورغبة المجتمع الدولي عموماً لإيجاد فرص لتسوية الأزمة أو على الأقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه والتخفيف من معاناة المدنيين السوريين العالقين في مناطق القتال أو الذين فروا إلى مناطق أكثر أمناً إلا أنهم يعانون من صعوبة العيش تحت ظروف قاسية ([58]).

وإمتداداً لهذه المواقف إستخدمت روسيا في 5/كانون الأول 2016 حق النقض (الفيتو) للمرة السادسة في مناقشات الأزمة السورية حول مشروع القرار المقدم من مصر وإسبانيا وفنزويلا والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والذي تضمن المطالبة بهدنة لمدة أسبوع للقتال الجاري في محافظة حلب السورية ، كذلك إستخدمت الصين حق النقض (الفيتو) على نفس القرار للمرة الخامسة وإمتنعت أنغولا عن التصويت ، وأيدت القرار إحدى عشرة دولة من الأعضاء الآخريين ، ودافع المندوب الروسي ( فيتالي تشوركين ) عن موقف بلاده من القرار كونه يضر بالموقف الإنساني في حلب من خلال قيامالمعارضة السورية بإستغلال ذلك لتعزيز مواقعها القتالية مبيناً أن القرار يجب أن يتضمن ضرورة الانسحاب من شرق مدينة حلب ، وإنتقد وزير خارجية فرنسا ( جان مارك أيرلوت)الموقف الروسي مشيراً بأنه منع المجلس من إداء دوره تجاه السكان المدنيين السوريين ، في حين طالب المندوب الصيني بإستمرار التشاور للوصول إلى التوافق بشأن الأزمة ([59]).

وخلال مناقشة مشروع جديد تقدمت به ثلاثة من الدول الأعضاء الدائميين وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بتأريخ 12/نيسان 2017 ، تضمن الطلب بتشكيل لجنة دولية لغرض التحقيق بالضربة الكيميائية بغاز السارين على مدينة خان شيخون السورية ( ريف أدلب ) بتاريخ 4/ نيسان 2017 ، والتي أوقعت بحدود 100 قتيل و500 جريح وأتهام القوة الجوية السورية بتنفيذه ، وطالب مشروع القرار الحكومة السورية بالتعاون مع اللجنة المقترحة وتقديم المعلومات المطلوبة ، إلا أن روسيا إستخدمت وللمرة الثامنة حق النقض( الفيتو)، في حين إمتنعت الصين وكازخستان وأثيوبيا عن التصويت ، وصوتت بوليفيا ضد القرار في حين أيدته عشر دول من الأعضاء ، وقد ندد وزير الخارجية البريطاني (بوريس جونسون ) بإستخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) ، وعد الرئيس الفرنسي ( فرانسو هولاند ) ” الموقف الروسي هو حماية لحليفها الأسد بشكل منهجي وأنها تتحمل مسؤولية ثقيله بإستخدامها الفيتو للمرة الثامنة” ، وقالت السفيرة الأمريكية (نكي هيلي ) ” أن روسيا تعزل نفسها من خلال دفاعها المستمر عن جرائم الأسد ” ([60]).

وقد دفع الهجوم الولايات المتحدة الأمريكية لشن عدد من الضربات الصاروخية لبعض مواقع قاعدة الشعيرات الجوية في حمص التي يعتقد إنطلاق الطائرات الحربية منها ، وأدى ذلك إلى توسيع هوة الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتصاعدت لهجة التصريحات المتبادلة إلى مستويات غير مسبوقة ، إذ أشار الرئيس بوتين حول ذلك بقوله ” إن مستوى الثقة بين البلدين قد تأكل منذ أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه ” ، في حين صرح وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون) بعد إجتماعه بالمسؤولين الروس ” أن العلاقات وصلت إلى مستوى متدني ودرجة الثقة ضعيفة بين الطرفين ، ودعى إلى رحيل الرئيس (بشار الأسد) عن السلطة ، وبالتأكيد فإن هذا التباعد في المواقف السياسية سيجد أثره البالغ على مناقشات مجلس الأمن ، وسيدفع روسيا إلى تبني مواقف تمنع من إصدار أي قرار تتقدم به الولايات المتحدة الأمريكية إلى المجلس بشأن الأزمة السورية ؛ لإنها ترى أن هذه المشاريع هي في حقيقتها محاولات لتمرير السياسات الأمريكية والأوروبية أكثر من كونها مشاريع قانونية وموضوعية ، لذلك سيتم البحث من كل الأطراف عن بوابات أخرى للولوج إليها في إيجاد تفاهمات سياسية لحل عقد الأزمة خارج إطار مجلس الأمن بعد فشله في إيجاد التوافق بين أعضائهالدائميين ([61]).

وللمرة التاسعة إستخدمت روسيا في 25/ تشرين الأول 2017 حق النقض ( الفيتو) ضد مشروع قرار أمريكي المتضمن تمديد مهمة لجنة التحقيق حول إستخدام الكيميائي في خان شيخون لمدة عام آخر ، وعلى أثر ذلك أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها محبطة بشدة ، وأشارت (هيذر ناورت ) المتحدثة بأسمها ” أنها تشعر بخيبة أمل جراء إستخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) ، فيما أعلنت (نيكس هايلي) سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة ” إن موسكو تنحاز مرة أخرى إلى جانب الأرهابيين الذين يستخدمون هذه الأسلحة وإنها تفعل كل ما في وسعها لكي لايواجه النظام الحاكم في سوريا عواقب إستخدامه للأسلحة الكيميائية ، وحصل مشروع القرار على تأييد إحدى عشر دولة وإعتراض بوليفيا وإمتنعت عن التصويت كل من الصين وكازخستان ([62]) .

الإستنتاجات:

هناك قناعة أن إستخدام روسيا الإتحادية لحق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن ضد أغلب مشاريع القرارات المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تهدف إلى عدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها المشاركة بحل أو توجيه الأزمة السورية خارج نطاق السياسات الروسية ، وهي تبقي بذلك الحل على ما ينتجه واقع الصراع العسكري والذي تسيره وفق إرادتها من خلال تقديم الدعم الكامل وبمختلف الأشكال للقوات النظامية السورية لتحقيق أهدافها والتي تقع في صالح المصالح الروسية التي تسعى لتحقيقها من الأزمة.

إستغلت روسيا الإتحادية الموقف المتردد للولايات المتحدة الأمريكية لاسيما موقف إدارة الرئيس (باراك أوباما) تجاه الأزمة السورية وبشكل خاص موقفها من بقاء الرئيس السوري (بشار الأسد) على رأس السلطة وكذلك دعمها للمعارضة السورية بشكل يؤثر في قلب المعادلة العسكرية والسياسية ساهم بشكل جاد في تحقيق المزيد من المكاسب لروسيا وحلفائها سواء علىصعيد الموقف العسكري أم السياسي.

تراجع الإهتمام الأمريكي من قبل إدارة (دونالد ترامب) في محاولات حل الأزمة السورية بشكل نهائي وتركيز إهتمامها على إنهاء التنظيمات المتشددة ومحاولات الحد من النفوذ الإيراني في إدارة الأزمة في الوقت الذي تضائل فيه دعمها لفصائل المعارضة السورية المعتدلة ، فيما تركز الإهتمام الدبلوماسي الروسي على تحديد مناطق عدم التصعيد وهذا الأمر لاينهي الأزمة السورية بشكل نهائي .

عدم توافق الدول الأعضاء جمد فاعلية مجلس الأمن وجعله يبدي وكأنه جزء من المشكلة وليس جزءاً أساسياً في الحل ، لاسيما أن مصالح الأطراف غير قابلة للتطابق أو على الأقل في التقاربوفق المنظور الحالي ومن ثم جعل مسألة التوافق فيما بينها في مجلس الأمن قضية تحتاج إلى مزيد من الوقت وهذا يعني عملياً المزيد من الخسائر البشرية والتكاليف الاقتصادية والمعاناة الإنسانية ، فضلاً عن دفع أطراف الصراع إلى تغيير مواقفها لاسيما المعارضة السورية التي قد تدفع تغيير المعادلة العسكرية في ظل إستمرار الدعم الروسي وغيره إلى النظام وإنحسار الدعم المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف العربية للمعارضة السورية مما أجبرها على تقديم تنازلات أساسية .

ولاشك أن مسألة التوافق بين أعضاء مجلس الأمن تعد من الأمور المهمة والأساسية لديمومة تفعيل عمل المجلس لا سيما إن كانت القضية المطروحة تتعلق بإصدار القرارات من المجلس والتي تقتضي من الأعضاء التصويت لصالح القرار أوضده، وقد يلجأ أحد أعضاء المجلس في بعض الأحيان إلى عدم التصويت على القرار في حالة تولد قناعة لديه بصواب ذلك إنسجاماً مع مصالحه أو مراعاة لعلاقاته مع بعض الدول، إلا أن الأمر الأكثر أهمية وخطورة هو ذهاب أحد الأعضاء الدائمين في المجلس إلى إستخدام حق النقض(الفيتو) لتعطيل القرار مما يعني من الناحية العملية تجميد فعالية المجلس تجاه أزمة معينه لاسيما إذا إقترن ذلك بمواقف متشدد دون مراعاةل مواقف الأعضاء الأخرين أو بطبيعة تفاعلات الأزمة ذاتها وكذلك عدم النظر بأهمية إلى الخسائر التي قد تسببها إستمرار الأزمة بين السكان المدنيين أوحتى الأطراف المتصارعة، فضلاً عن التدمير الواسع للبنى التحتية للدولة التي تضرب أركانها الأزمة نتيجة إستخدام القوة المفرطة من أطراف الصراع أوبعضها والتي لاتتطلبها في كثير من الأحيان طبيعة الصراع والغرض منها تتحدد في التأثير على أحد أطراف الصراع لبثروح الخوف والأستسلام بين مقاتليه وقياداته، إذا تم الأخذ بنظر الإعتبار القوة التدميرية الهائلة التيت سببها الأسلحة التقليدية الحديثة بمختلف صنوفها والتي أصبحت لا تقارن مع إستخداماتها في الحروب السابقة .

مما يعطي أهمية واضحة لضرورة الحصول على التوافق داخل المجلس للوصول إلى قرارات عملية وفاعلة ومنتجة، وهذا يتطلب أمرين أساسيين إما أن تتخلي روسيا عن إستخدام حق النقض (الفيتو) من خلال إقناعها بضرورة تغيير موقفها أوإقناع الأطراف الأخرى في مجلس الأمن بالقبول بالموقف الروسي كما هو، ويبدو أن الأمر ينفي غاية الصعوبة لتحقيقه ما على أرض الواقع، مما يوضح طبيعة تعقيد حل الأزمة عبر المجلس دون تحقيق التوافق بين أعضاءه، وهذا يعني من الناحية العملية تعطي لدور مجلس الأمن من إداء مهامه التي تضمنتها ديباجة ميثاق الأمم المتحدة وينعكس ذلك على إستمرار الأزمة إلى ما لانهاية والوصول إلى أهداف تحاول روسيا تحقيقها مستقبلاً أو محاولة حل الأزمة بعيداّ عن مجلس الأمن وهو مايتيح لها حرية التحرك والمناورة أكثر من تحركها داخل المجلس وبالتالي التملص والخلاص من كل الضغوطات التي يمارسها بقية الأعضاء، وهذا الموقف يدفع التحرك بحل الأزمة خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خلال محاولة حلال أزمة عبر مؤتمرات تعقد في جنيف وإستانه وغيرها ، أو محاولة الربط بين حل الأزمة مع مواضيع أو مشكلات أخرى أو الإستفادة من التحالفات القائمة عن الأزمة في تمرير المواقف السياسية .

التوصيات :

في ضوء ماتقدم نجد من الضروري طرح بعض التصورات التي تتضمن بدائل مقترحة لحل مشكلة عدم التوافق بين الأعضاء في مجلس الأمن وإصابته بالشلل بسبب آلية التصويت وإستخدام حق النقض (الفيتو)وعلى النحو التالي :

العمل على تعديل الميثاق بالعودة الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في حالة عدم تمكن مجلس الأمن الدولي من معالجة القضية المحالة اليه وتحديد سقف زمني لذلك أو أي آلية آخرى ، وفي حالة عدم موافقة الدول الكبرى على التعديل بالإمكان طرح القضية في إجتماع الجمعية العامة السنوي ومحاولة إصدار قرارات أو توصيات مما يزيد من الضغوطات على الدول الأعضاء في مجلس الأمن وهو ما سيدفع أو يسرع من جهودها لتحريك حالة الجمود والشلل في فعالية المجلس .

أعادة تكرار المحاولات السابقة التي تبنتها العديد من الدول ولاسيما الدول الطامحة للإنضمام إلى العضوية الدائمة في المجلس مثل البرازيل والمانيا واليابان والتي ستقلل من هيمنة الدول الكبرى ، وكذلك الطلب بإعادة النظر بآلية التصويت في المجلس ومنها الدعوة إلى الغاء التصويت بحق النقض (الفيتو) من جميع الدول .

بذل جهود دبلوماسية وقانونية وتحرك سياسي وإعلامي جدي وفعال من دول العالم المختلفة تساهم فيه الجمعيات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية لإعادة النظر في ميثاق وهيكلية الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن لمرور عدة عقود على قيامهما إختلفت خلالها الكثير من الوقائع والمعطيات وكذلك البيئة التي أقيمت من أجل حل تعقيدات ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فضلاً عن فشل الدعوات العديدة للإصلاح التي طرحت في السابق ، كذلك ظهور معطيات وأوضاع ومشكلات في بقاع العالم المختلفة تتطلب تعديلات في الميثاق من الغاء أوإضافة تنسجم مع الواقع الحاليلاسيما موضوع التدخل الإنساني وتحديد القضايا التي تهدد الأمن والسلم الدوليين ، وبالإمكان تحريك الموضوع وتبنية من دول العالم المختلفة بما فيها دول أوروبية وأفريقية وأسيوية ومن دول أمريكا الجنوبية ،لاسيما الدول التي تمتلك قدرات إقتصادية وعسكرية وتكنولوجية تمكنها من زيادة تأثيرها السياسي وفاعليتها الدبلوماسية، وكذلك العمل على زيادة فعالية المنظمات الجماهيرية والشعبية لدعم مثل هذا النشاط .
[1]. عليوه السيد ، إدارة الأزمات والكوارث ، مخاطر العولمة والإرهاب الدولي ، ط2، القاهرة ، دار الأمين للنشر والتوزيع ، 2002 ، ص13.

[2]. المصدر السابق نفسه ، ص13 .

[3]. هلال محمد عبدالغني ، مهارات إدارة الأزمات ، مركز تطوير الإداء والتنمية ، القاهرة ، ط4، 2004 ، ص5.

[4]. حسن نافعة ، الأمم المتحدة في نصف قرن ، دراسة في تطور التنظيم الدولي منذ 1945 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون ، الكويت ، 1995 ، ص45 .

[5]. ينظر الى الفصل الأول الفقرة 1 من ميثاق الأمم المتحدة ، المتضمن مقاصد الهيئة ومبادئها ، ص5 .

[6]. المصدر نفسه ، ص5 .

[7]. ينظر الى ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساس لمحكمة العدل الدولية ، الفصل الخامس من الميثاق المتضمن تأليف مجلس الأمن المادة (23) والمادة (27) حول آلية التصويت في المجلس ، ص21

[8]. ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساس لمحكمة العدل الدولية ، مصدر سبق ذكره ، ص21 .

[9]. قاد وزير خارجية استراليا حينها (H. V. Evatt ) الإعتراض في المناقشات وأيده العديد من رؤساء الوفود إلا أنه جوبه برفض شديد من ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة الإعتراضات ، للمزيد ينظر .. حسن نافعة ، الأمم المتحدة في نصف قرن ، مصدر سبق ذكره ، ص 69 .

[10] . Boutros Gali . An Agenda for peace, preventive Diplomacy . peace Making and peace- Keeping Report of the Secretary General Pursuant to statement Adopted by Summit Meeting of the Secretary Council on 31 ganury1992. United Nation . New York, 1992 , p7 .

[11]. ينظر حول قرارات المجلس بموجب الفصل السابع والجزاءات الاقتصادية على العراق .. عبدالعزيز المفتي ، تدمير العراق بين قرارات مجلس الأمن وعدوانية الإدارة الأمريكية 1990- 2003 ، بدون دار نشر ، 2014 ، ص ص 50- 73 .

[12]. الأمم المتحدة في عامها الخمسين ، بيانات زعماء العالم بالمناسبة ، نيويورك 22-24 تشرين الثاني / أكتوبر 1995، الأمم المتحدة ، نيويورك ، 1996، ص11 .

[13]. خنسان الغريب ، مأزق الأمبراطورية الأمريكية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، أذار / 2008 ، ص 21-23 .

[14][14]. محمد الهزاط ، الحرب الأمريكية البريطانية على العراق والشرعية الدولية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 292 ، السنة السادسة والعشرون ، مركز دراسات الوحدة العربية ، حزيران / 2003 ، ص78 .

[15]. حسن نافعة ، الأمم المتحدة في نصف قرن ، مصدر سبق ذكره ، ص99 .

[16]. للمزيد حول تشكيل الجبهة الوطنية والتقدمية والقوى المشاركة فيها .. ينظر باتريك سيل ، الأسد والصراع على الشرق الأوسط ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت ، ط 10، 2007 ، ص282

[17].حازم نهار ، مركز القاهرة لدراسة الحقوق ، مسارات السلطة والمعارضة في سورية 2000- 2008 ، نقد الروئ والممارسات ، الهيئة العامة لدار الكتب المعربة، القاهرة ، 2006، ص 11 .

[18].باتريك سيل مصدر سبق ذكره ، ص 284 .

[19]. هشام النجار ، سوريا التحولات الكبرى ، مشكلة الوطن ومستقبل العرب ، سما للنشر والتوزيع ، 2015 ، ص32 .

[20]. رايموند هيبنوش ، ثورة من فوق ، ترجمة حازم نهار ، مؤسسة رياض الريس للكتب والنشر ، ط1، 2011 ، ص 19 .

[21]. مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة أعلن عن نيته إجراء أصلاح شامل على الأوضاع في البلاد ، واتخذ العديد من الأجراءات التي ساهمت في إنتعاش الأمال بإجراء إصلاح حقيقي ، منها تشكيل جمعية لحقوق الإنسان وإعادة نشاط الجمعيات والهيئات وظهور بعض المنتديات والأنشطة النقابية وإجراء حوارات علنية مع من يمثلون السلطة في حينه لمناقشة القضايا الداخلية المختلفة وكذلك ملف السياسة الخارجية ، ورافق ذلك الإفراج عن المعتقلين وإغلاق سجن المزة ، وزيادة الرواتب للعاملين في الدولة ، وتراجع خلالها دور الأجهزة الأمنية ، إلا أن هذه الإصلاحات توقفت عند حدود معينة.. ينظر حول ذلك حازم نهار ، مركز القاهرة لدراسةالحقوق ، مصدر سبق ذكره ، ص 12 ، وكذلك رايموند هيبنوش ، مصدر سبق ذكره ، ص 31 .

[22]. رايموند هيبنوش ، المصدر نفسه ، ص 33 .

[23]. هشام النجار ، مصدر سبق ذكره ، ص36 .

[24]. إبراهيم سعيد البيضاني ، السياسة الأمريكية تجاه سوريا ، أمواج للنشر والتوزيع ، عمان ، 2015 ، ص9.

[25]. عزمي بشارة ، سورية : درب الألأم نحو الحرية محاولة في التأريخ الراهن ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، الدوحة – بيروت ، 2013، ص 13.

[26]. بدون أسم كاتب ،ملفات ساخنة ،الربيع العربي بعيون إسرائيلية ، دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية ، عمان ، 2013 ، ص16.

[27].أحمد سعيد نوفل وآخرون ، التداعيات الإستراتيجية للثورات العربية ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، الدوحة – بيروت ، 2014 ص24 .

[28]. منير الحمش ، ماذا تريد أمريكا من سوريا ؟ ولماذا تكره القومية العربية ؟ ، مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد457 في آذار 2017 ، ص136 .

[29]. غازي دحمان ، ” تداعيات التطورات السورية على العلاقات الروسية الأمريكية المرتقبة ” ، مجلة شؤون عربية ، القاهرة ، العدد 169 ، ربيع 2017 ، ص 87 .

[30]. حسن محمد الزين ، الربيع العربي أخر عمليات الشرق الأوسط الكبير ، دار القلم الجديد ، بيروت ، 2013 ، ص20 .

[31]. أحمد سعيد نوفل وأخرون ، مصدر سبق ذكره ، ص20 .

[32]. للمزيد حول هذه التحليلات ينظر الى أناتولي أوتكين ، الإستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين ، ترجمة أنور محمد أبراهيم ومحمد نصرالدين الجبالي ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 2003 ، ص 92.

[33]. أناتولي نوكتين ، مصدر سبق ذكره ، ص 127 .

[34]. المصدر نفسه ، ص 131 .

[35]. أحمد سعيد نوفل وأخرون ، مصدر سبق ذكره ، ص 34 .

[36]. سعيد رفعت ، دور الأوضاع السورية في إستدعاء التدخلات الخارجية وتصعيد النشاطات الإرهابية ، مجلة شؤون عربية ، القاهرة ، العدد 164، شتاء 2015 ، ص5 .

[37]. سنية الحسيني ، سياسة الصين تجاه الأزمة السورية هل تعكس إستخدام إستراتيجية جديدة في المنطقة ؟ مجلة المستقبل العربي، بيروت ، العدد 404، تشرين الأول / أكتوبر ، 2015 ، ص 41 .

[38]. حسين محمد الزين ، المصدر نفسه ، ص 92 .

[39]. براين مايكل جنكيز، ” ديناميكية الحرب الأهلية ” ، مؤسسة راند ، 2014 ، منشور على الشبكة العالمية للأنترنيت وعلى الرابط w.w.w . Rand .orq .

[40]. مينا أسحاق طانيوس ، ” السياسة التركية تجاه سوريا منذ 2002 حتى الأن ” ، المكتب العربي للمعارف للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2014، ص9.

[41]. للمزيد حول فهم تلك السياسة الجديدة .. ينظر ، أحمد داؤد أوغلو ، ” العمق الإستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية ” ، ترجمة محمد جابر ثلجي وطارق عبدالجليل ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، ط1، 2010.

[42]. هيفاء أحمد محمد ، ” الموقف التركي من الأزمة السورية “، مجلة دراسات سياسية ، بيت الحكمة ، بغداد، العدد 24، 2013 ص62 .

[43]. حسن محمد الزين ، ” الربيع العربي أخر عمليات الشرق الأوسط الكبير ” ، دار القلم الجديد ، بيروت ، 2013 ، ص21

[44]. عبدالإله بلقزيز ، ” أليات التفكيك وظواهره في الوطن العربي ” ، مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربي، بيروت ، العدد 443 ، الصادر في كانون الثاني / يناير 2016 ، ص66 .

[45]. لمزيد من التفاصيل حول مشروع برنارد لويس ، ينظر إلى عادل الجوجري ، ” برنارد لويس ، سياف الشرق الأوسط ومهندس سايكس بيكو 2 ، مخطط الفتنة والحروب الأهلية بين الطوائف ” ، دار الكتاب العربي ، دمشق القاهرة ، ص11

[46]. كان الجيش السوري لديه تسليح جيد مع بداية الأزمة من خلال إمتلاكه عدة الألف من الدبابات القتالية ، واكثر من 4000 ناقلة اشخاص مدرعة واكثر من 300 مقاتلة طائرة للهجوم البري فضلاً عن 165 طائرة هليكوبتر ، ينظر براين مايكل جنكيز ص4 ، وكذلك عبدالإله بلقزيز ، مصدر سبق ذكره ، ص 80 .

[47]. جيفري بيجمان ، الدبلوماسية المعاصرة التمثيل والإتصال في دنيا العولمة ، ترجمة د. محمد صفوت حسن ، دار الفجر للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2014 ، ص 225 .

[48]. جيفري بيجمان ، المصدر السابق نفسه ، ص 226 .

[49]. علي حسين باكير ، الدور الأمريكي المدمر في الأزمة السورية ، مقال منشور في(موقع سوريا نت ) على شبكة الأنترنيت العالمية بتأريخ 24/8/ 2015 ، وعلى الرابط Alsouria. Net

[50]. هشام النجار ، مصدر سبق ذكره ، ص 37 .

[51]. هشام النجار ، المصدر نفسه ، ص37 .

[52]. المصدر نفسه ، ص 38 .

[53]. نواف سلام ،” لبنان في مجلس الأمن 2010 – 2011 ” ، دار الساقي ، بيروت ، 2012، ص53

[54]. شريف درويش اللبان وأحمد علي إبراهيم ، دور الإعلام في أدارة الأزمات .. الأزمة السورية إنموذجاً ، تقرير صادر عن المركز العربي للبحوث والدراسات ، القاهرة ، بتأريخ 22/ تشرين الثاني / 2015

[55]. سنية الحسيني ، سياسة الصين تجاه الأزمة السورية هل تعكس إستخدام إستراتيجية جديدة في المنطقة ؟ مصدر سبق ذكره ، ص 41 .

[56]. مركز وثائق الأمم المتحدة المنشور على الموقع العالمي لشبكة الأنترنيت وعلى الرابط :

/ ar / org / un / w.w.w

[57]. المصدر نفسه .

[58]. مركز وثائق الأمم المتحدة المنشور على الموقع العالمي لشبكة الأنترنيت وعلى الرابط :

.ww.w un org/ar/

[59]. منشور على الموقع العالمي لشبكة الأنترنيت وعلى موقع قناة العربية وعلى الرابطwww.alarabiya.net

[60]. منشور على الموقع العالمي لشبكة الأنترنيت وعلى موقع قناة فرانس 24 وعلى الرابط :http://www.france24.com/ar

[61]. بدون أسم باحث ، الدور الروسي في الأزمة السورية ، مركز بلادي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية ، بغداد ، تشرين أول / 2012 ، ص 160 .

[62]. نقلاً عنمركز وثائق الأمم المتحدة المنشور علىالموقع العالمي لشبكة الأنترنيت وعلى الرابط : / ar / org / un / w.w.w

إعادة نشر بواسطة محاماة نت