دراسة قانونية حول الضرر البيئي العابر للحدود و المسؤولية القانونية الدولية

مقال حول: دراسة قانونية حول الضرر البيئي العابر للحدود و المسؤولية القانونية الدولية

الأساس القانوني للمسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود

الأستاذ أوتفــات يوسف، أستاذ مساعد “أ” كلية الحقوق والعلوم السياسية

جامعة آكلي محند أولحاج البويرة، الجزائر

Abstract

Our contemporary era has known of the serious and repeated violations has the environment, the severity of the damage causes vary according to the type of act commit, some of these damages not exceeding the simple exercise of activity, some of which other extend to large distances, they cross the border, and prejudicial to the environment of neighboring countries such as the transportation and storage of hazardous waste from developed countries ver the developing countries . This brings us to the study of the rules of the international responsibility and its evolution as one of the systems of international law the foundations which could be inspired by the Governance; guaranteeing has the Damaged Part , a necessary compensation.

We will consider the international responsibility due to the pollution of the environment due to a significant transboundary harm, the doctrine of the error of the theory of the action illicit international then, the theory of risk or well the theory of strict liability.

Key words: international responsibility- the doctrine of mistake – the theory of international action illegal – the theory of strict liability.

ملخص

حدثت في زمننا المعاصر اعتداءات جسيمة ومتكررة على البيئة أضرت بها، اختلفت جسامة هذا الضرر باختلاف نوع الفعل المرتكب، فبعض هذه الأضرار لا تتجاوز ممارسة النشاط، وبعضها يمتد إلى مسافات بعيدة تعبر الحدود لتنال من بيئة الدول المجاورة مثل نقل وتخزين النفايات الخطرة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، مما يدفعنا إلى دراسة أساس قواعد المسؤولية الدولية وتطورها باعتبارها إحدى نظم القانون الدولي والركيزة التي يمكن الاستناد إليها للحكم للمضرور بالتعويض اللازم. نتعرض في دراستنا لأساس المسؤولية الدولية عن تلوث البيئة نتيجة وقوع ضرر عابر للحدود،لنظرية الخطأ ونظرية العمل الدولي غير المشروع ثم نختم بنظرية المخاطر أو مايسمى بنظرية المسؤولية الموضوعية.

الكلمات المفتاحية:

الأساس القانوني – المسؤولية الدولية – النفايات الخطرة – نظرية الخطأ – نظرية الفعل الدولي غير المشروع – نظرية المخاطر.

مقدمة

أدى التطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي حققه الإنسان إلى تماديه في السيطرة على الطبيعة بوسائل أدت إلى نتائج لا بد من مقاومتها. كتلوث المياه نتيجة إلقاء المخلفات الصناعية فيها، تلوث الهواء نتيجة للتجارب الذرية، وتلوث البحار نتيجة إلقاء مخلفات السفن. وهذه الأضرار دفعت رجال القانون للبحث عن سبل السيطرة ومنع الأضرار الناتجة عنها فتوصلوا إلى اعتبار المسؤولية الدولية وسيلة علاجية ووقائية للمنع والحد من الأضرار البيئية العابرة للحدود، التي يمكن أن تنتج عن أفعال أو أنشطة تقوم بها الدولة سواء كانت مشروعة، أو غير مشروعة في نظر القانون الدولي.

تعتبر المسؤولية الدولية المترتبة عن الأضرار البيئية من المواضيع المعقدة والدقيقة التي لم تستقر معالمها وتتضح حتى الآن، حيث يشوبها الكثير من الغموض وعدم التحديد، فمثلا التلوث البيئي لم يستقر الفقه الدولي على تعريف محدد له، وهي جزء أساسي في كل نظام قانوني ومدى فعالية النظام يتوقف على مدى نضوج قواعد المسؤولية فيه. ي

قصد بالأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الدولية، الفعل المنشئ للمسؤولية الدولية. تتمثل إشكالية هذه الدراسة في معرفة المبدأ القانوني الذي نستند إليه، في إقامة المسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود، على عاتق أشخاص القانون الدولي؟ هذا الفعل قد يكون مشروعا ولكنه خطر يترتب عليه وقوع ضرر، أو يكون غير مشروع دوليا ينجر عنه الإخلال بإلتزام دولي. فنحن إذا أمام حالتين لقيام المسؤولية:

الحالة الأولى:قيام الدولة بفعل غير مشروع وهي الصورة الغالبة لقيام المسؤولية.

استقر الفقه الدولي على أن الشرط الهام لقيام المسؤولية الدولية هو خرق أو انتهاك إلتزام دولي بفعل إيجابي أو سلبي، وأيا كان مصدره سواء ورد هذا الإلتزام في معاهدة دولية أو قاعدة عرفية أو مبدأ من مبادئ القانون الدولي(المبحث الأول).

الحالة الثانية:هي قيام شخص دولي بنشاط مشروع ولكنه يتسم بخطورة ما ويترتب على هذا النشاط وقوع ضرر للغير، فإنه ينسب لهذا الشخص الدولي المسؤولية الدولية على أساس نظرية المخاطر، أو كما سمتها لجنة القانون الدولي “الأفعال التي لا يحظرها القانون الدولي” (المبحث الثاني)، ويكون هذا النشاط الخطر هو الفعل المنشئ للمسؤولية([1]).

لقيام المسؤولية الدولية لا بد أن يقع فعل يصلح في نظر القانون الدولي أساسا للمسؤولية الدولية، بشرط أن يصح نسبة هذا الفعل إلى دولة ما أو منظمة دولية، وأن يترتب عليه أضرار لشخص آخر من أشخاص القانون الدولي([2]).

المبحث الأول: الفعل الدولي غير المشروع كأساس لقيام المسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود

تعددت الاتجاهات الفقهية والقضائية في مجال تحديد الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الدولة نتيجة قيامها بأعمال ونشاطات تؤدي إلى إحداث أضرار بالدول الأخرى إن كانت هذه الأسس مختلفة ومتباينة، إلا أنها أخذت حيزا متغيرا في مجال دراسة المسؤولية الدولية([3]).

اعتبر الفقيه “جروسيوس” أن المسؤولية تقوم على أساس الخطأ، بحيث أن الدولة لا يمكن أن تعتبر مسؤولة ما لم ترتكب خطأ بالتالي لا تقوم المسؤولية ما لم يصدر عن الدولة فعل خاطئ يضر بغيرها من الدول([4]).

أمام الانتقادات التي وجهت إلى نظرية الخطأ اتجه جانب من الفقه الدولي إلى تبني أساس آخر لمسؤولية الدولة يتفق مع طبيعة القانون الدولي، وهو الفعل الدولي غير مشروع (الفرع الأول)، الذي يجب أن تتوافر فيه شروط معينة (الفرع الثاني) تصلح لقيام المسؤولية الدولية في نظر لجنة القانون الدولي، وأن يحدث نتيجة خرق أو انتهاك إلتزام دولي أيا كان مصدره (الفرع الثالث).

المطلب الأول: مضمون الفعل الدولي غير المشروع

ساد نقاش كبير بين فقهاء القانون الدولي حول مفهوم العمل غير المشروع، فيرى البعض يحدد العمل غير المشروع بأنه مجرد انتهاك دولة لواجب أو عدم تنفذيها لإلتزام تفرضه قواعد القانون الدولي. بينما يشير البعض الآخر إلى أن:” العمل غير المشروع كعنصر في المسؤولية الدولية هو السلوك المخالف للإلتزامات القانونية الدولية، بمعنى آخر هو الخروج عن قاعدة من قواعد القانون الدولي. فالعمل الدولي غير المشروعة ومخالفة قاعدة قانونية دولية أي كان مصدرها، اتفاقية دولية أو العرف أو المبادئ العامة للقانون”([5]).

رأى الفقيه “روسو” أنه عندما نستبعد نظرية الخطأ فإن الأساس الوحيد المقبول للمسؤولية الدولية هو مخالفة إحدى قواعد القانون الدولي.

كما اعتبر الفقيه “بول روتر” العمل غير المشروع أساسا للمسؤولية الدولية بل الشرط الأول والأهم لقيامها. أما الأستاذ “Partaczik“، فبعد أن عرف المسؤولية بقوله:” في اعتقادنا أن مسؤولية الدولة الدولية تتولد من طبيعة الأشخاص المكونين للقانون الدولي، والذي تربطهم الحقوق والإلتزامات المحددة والتي تشكل العلاقات الدولية وبعدها يصل إلى نتيجة مفادها أن العمل المنسوب للدولة هو الذي يشكل مصدر هذه المسؤولية”([6]).

يعرف الفقيه “آقو” “Ago” مقرر اللجنة الفرعية للقانون الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة العمل غير المشروع بأنه:”مخالفة من جانب الدولة لإلتزام قانوني مفروض عليها بمقتضي إحدى قواعد القانون الدولي”.

وفي الاتجاه نفسه جاء تعريف الفقيه “ديبوي” للعمل غير المشروع دوليا بأنه:” مجرد الإخلال بقواعد القانون، بالتالي لا توجد حالة للبحث في العوامل النفسية أو البحث في نوايا الدولة الفاعلة مما يسهل مأمورية المضرور ويخفف من عبء الدليل، فيكفي إثبات الفارق الموضوعي بين السلوك الحقيقي للدولة وبين مضمون الإلتزام القانوني المفروض عليها”([7]).

إلى جانب الفقه الدولي، نجد القضاء الدولي منه محكمة العدل الدولية التي استندت على الفعل غير المشروع دوليا في رأيها الاستشاري الذي أصدرته عام 1949م بشأن تعويض موظفي منظمة لأمم المتحدة أثناء تأديتهم لوظائفهم في أعقاب حادث مقتل “الكونت برنادوت” وسيط الأمم المتحدة في فلسطين. واستندت عليه أيضا في حكمها على قضية “برشلونة تراكشن” الصادر في 05/02/1970م، حينما ذكرت أنه من حق الحكومة البلجيكية أن تتقدم بشكوى لو أنها أثبتت أن أحد حقوقها قد جرى المساس به، وأن هناك انتهاكا لإلتزام دولي ناشئ عن معاهدة أو قاعدة عرفية([8]).

أثمرت الجهود الدولية عن اعتماد نظرية الفعل الدولي غير المشروع كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية في الدولة المعنية بحماية البيئة عن الأنشطة الخطرة وما تحدثه من مساس بسلامة البيئة الدولية. فأصبح أي انتهاك لإلتزام دولي تضمنته المعاهدات الدولية يرتب المسؤولية الدولية للدولة التي نسب إليها الانتهاك. حيث ألزمت اتفاقية منظمة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م الدول بحماية البيئة من الدمار وإقرارها بمسؤولية الدولة المنتهكة لهذا الإلتزام وإلزامها بتعويض الدول المتضررة من الدمار البيئي([9]).

تقوم المسؤولية الدولية عند تحقق السلوك المخالف لإلتزامات قانونية دولية، ذلك أن الإلتزامات القانونية التي تفرض على الدولة أيا كان مصدرها قد تأتي في صورة الإلتزام بعمل أي(إلتزام إيجابي)، أو امتناع عن عمل (إلتزام سلبي) وأن مخالفة الإلتزام الدولي سواء كان إيجابيا أو سلبيا يعتبر عملا غير مشروع([10]). تتخذ الدول على هذا الأساس عدة تدابير واحتياطات من أجل منع وقوع الضرر البيئي العابر للحدود. وهذا يرتب عليها ضرورة الإلتزام بها لحماية البيئة الدولية. ومن المعروف في شتى نظريات القانون أن الإلتزام صفة لازمة وواجبة لكل قاعدة قانونية وعدم الوفاء بها يشكل عملا غير مشروع دوليا، ويرتب المسؤولية الدولية التي تتضمن الجزاء.

المطلب الثاني:شروط قيام المسؤولية الدولية على أساس الفعل الدولي غير المشروع

يشترط لقيام المسؤولية الدولية وفقا لنظرية العمل الدولي غير مشروع، وحسب رأى لجنة القانون الدولي توافر شرطين حيث نصت المادة الثانية، من المشروع النهائي المعنون بعناصر فعل الدولة غير المشروع دوليا على:” ترتكب الدولة فعلا غير مشروع دوليا إذا كان التصرف المتمثل في عمل أو إغفال:
ينسب إلى الدولة بمقتضى القانون الدولي، و

ب- يشكل خرقا لإلتزام دولي على الدولة”([11]). بالنسبة لعنصر إسناد الفعل غير المشروع إلى الدولة يقصد به نسبة الواقعة المنشئة للمسؤولية الدولية إلى أحد أشخاص القانون الدولي ذلك أن العمل غير المشروع لا يعد عملا دوليا إلا في حالة إسناده إلى الشخص الدولي، وبه تقوم المسؤولية الدولية للدولة. حتى يكون العمل غير مشروع ذا طبيعة أو تكييف دولي كان يتوجب إسناده أو إلحاقه بالدولة أو أحد أجهزتها أو موظفيها أو ممثليها أو العاملين لديها. طالما أن الدولة ذاتها تتحمل المسؤولية عن تصرفات أجهزتها. لذا تناولنا مسؤولية الدولة بصفة عامة لأن الفعل غير مشروع تجاوز حدود الدولة إلى ضرر يقع على إقليم دولة أخرى فالمسألة إذا لم تعد داخلية وإنما تجاوزت الحدود، في هذه الحالة يحكمها وينظمها القانون الدولي([12]).

يتمثل العنصر الثاني في خرق الإلتزام الدولي، وهو عنصر جوهري لقيام المسؤولية الدولية. ومن هذه الشروط أيضا هناك شرط ثالث، وهو حدوث الضرر اختلف الفقه الدولي حول اشتراط الضرر في العمل غير المشروع، فثار التساؤل ما إذا كان الضرر يعد شرطا ثالثا لقيام المسؤولية الدولية عن انتهاك القانون الدولي؟ هناك اتجاه يعتبر حدوث الضرر عنصر ثالث لتحقق العمل الدولي غير المشروع، فبدونه لا تكون المسؤولية الدولية لفقدانها أهم عنصر وهو الضرر.

لذا يجب أن يثبت أن الإخلال بالإلتزام الدولي المنسوب لشخص دولي قد يسبب ضرر لشخص دولي آخر حتى تقوم المسؤولية الدولية.

أما الاتجاه الغالب من الفقه الدولي فيذهب للقول أن الضرر لا يعد شرطا من شروط المسؤولية. يرى الأستاذ “عبد العزيز محمد سرحان” أن:”اشتراط الضرر في العمل غير المشروع لقيام المسؤولية الدولية يتنافى والاتجاه الذي ذهب إلى اعتبار العمل غير المشروع وحده كافيا لإثارة مسؤولية الدولة، طالما نسب لها هذا العمل المخل. وإن المسؤولية الدولية ما هي إلا نتيجة متولدة عن هذا الفعل أي أن المسؤولية هي الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي العام على عدم احترام أحد أشخاص القانون لإلتزاماته الدولية“([13]).

المطلب الثالث:خرق الإلتزام الدولي لقيام المسؤولية على أساس الفعل غير المشروع

ترتبط المسؤولية الدولية بالإلتزام، فلا معنى لإلتزام دولي بغير تحمل المسؤولية من جانب الشخص القانوني الذي تخاطبه القاعدة القانونية فكل مخالفة لإلتزام دولي تفرضه قواعد القانون الدولي كقيام الدولة بفعل غير مشروع، مثل خرق الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحماية البيئة أو عدم الإلتزام بالتدابير الوقائية المتمثلة في العرف الدولي لمنع الضرر العابر للحدود مثل:(تقييم المخاطر، الإعلام والإخطار الإذن المسبق…)، أو عدم الإلتزام بمبادئ عامة للقانون لحماية البيئة.

استقر الفقه الدولي على أن الشرط الأول لقيام المسؤولية الدولية هو خرق أو انتهاك إلتزام دولي أيا كان مصدره سواء كان في معاهدة دولية أو قاعدة عرفية، أو مبدأ من مبادئ القانون الدولي. بالتالي فلا بد من التمييز بين المسؤولية الدولية في حالة انتهاك إلتزام دولي اتفاقي وحالة انتهاك إلتزام دولي عرفي([14]).

بالنسبة لحالة انتهاك إلتزام دولي اتفاقي أو تعاهدي فالمعاهدة هي اتفاق بين شخصين أو أكثر يلزم الأطراف باحترامها وتنفيذها. ومن قصر في القيام بهذا الإلتزام تترتب عليه المسؤولية الدولية، وبالتالي يلزم على الأطراف باحترام المعاهدة وتنفيذها بحسن نية. هذا ما بينته اتفاقية ” فيينا “لقانون المعاهدات([15]).

فإذا قامت دولة بالإخلال بإلتزاماتها المقررة في معاهدة ما فإنها ترتكب عملا غير مشروع وتكون مسؤولة عن تعويض الأضرار التي تصيب الآخرين. مثلا تحريم تصدير النفايات الخطرة إلى الدول التي منعت استيراد هذه النفايات، بالتالي نقل أية كمية منها إلى دولة أعلنت عدم استيرادها يعد مخالفة لإلتزام دولي فرضته اتفاقية دولية عالمية(بازل)، وامتناع عن عمل(منع التصدير). كذلك نجد معاهدتي أوسلو ولندن لمنع الإغراق للنفايات والمواد الضارة في البحار عام 1972م التي حددته المواد التي يحظر حظرا مطلقا إغراقها، أو المواد التي لا يجوز إغراقها إلا بتصريح خاص من السلطات المختصة([16]) كذلك قيام الدولة، مثلا بتصدير النفايات إلى دولة أخرى بطريقة غير مشروعة وذلك دون الحصول على موافقة أو إخطار الدولة الأخرى.

الحالة الثانية هي حالة خرق إلتزام دولي عرفي حيث تعتبر الإلتزامات الدولية في غالبيتها ذات منشأ عرفي خاصة فيما يتعلق بأحكام المسؤولية الدولية، لأن هذه الأحكام المنظمة للمسؤولية الدولية كانت في بدايتها وقبل تقنينها ذات أصل ومصدر عرفي سواء من حيث تحديدها أو من حيث مساءلة أطرافها([17]).

بالتالي مخالفة هذه القواعد العرفية الدولية يعد انتهاكا لإلتزام قانوني دولي، فهو بمثابة عمل غير مشروع يستوجب المسؤولية الدولية وهناك العديد من القواعد العرفية التي تحكم نشاط الدول في مجال حماية البيئة الدولية من التلوث بصفة عامة([18]).

تعتبر المبادئ العامة للقانون قواعد دولية وجب احترامها لما لها من قوة إلزامية مساوية للمعاهدات والعرف الدوليين. لذلك فإن خرق مثل هذه المبادئ العامة تجعل الدولة مسؤولة مسؤولية دولية عن فعل غير مشروع قامت به، ونحن قد تناولنا في الفصل الأول المبادئ العامة للقانون لحماية البيئة، منها مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق، ومبدأ حسن الجوار، ومبدأ الملوث الدافع، وأوضحنا مدى ملائمتها كأساس قانوني لإقرار إلزام الدولة بحماية البيئة من الصرر البيئي العابر للحدود عند قيامها بأي نشاط أو تصرف قانوني ولذلك فإن أي انتهاك للمبادئ السابقة يترتب عليه المسؤولية الدولية على عاتق الدولة المخالفة وفقا لنظرية الفعل غير المشروع دوليا. يتحقق الفعل غير المشروع بانتهاك إلتزام دولي عندما يكون سلوك الدولة مخالفا لما تتطلبه قواعد منع الضرر البيئي سواء كان اتفاقيات دولية أو مبادئ عامة للقانون أو عدم اتخاذ تدابير وقائية.

بالتالي النتيجة في جميع الحالات واحدة، وهي مخالفة إلتزام دولي مما يوجب قيام المسؤولية. وهو ما ذهب إليه الفقيه “ديبوي” بأن:الإلتزام الدولي الوارد في المبدأ(21) من إعلان” استكهولم “وغيره من المبادئ العرفية الدولية، لا يفرض على الدولة مجرد إلتزام بسيط بالمراقبة والوقاية من التلوث، بل يوجب عليها إلتزام بتعويض كافة المضرورين من التلوث العابر للحدود”([19]). المبحث الثاني:الأفعال التي لا يحظرها القانون الدولي كأساس لقيام المسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود لما كانت نظرية الخطأ لا تصلح لمعالجة كافة أنواع الأضرار، وقد لا تستطيع الضحية إثبات خطأ الشخص القانوني المتسبب في الضرر، بالتالي لا يحصل المضرور على التعويض المناسب. أيضا نظرية الفعل غير المشروع لم تعد صالحة لتغطية كافة الأضرار خاصة الناتجة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي. أصبح من المتعين أن يبحث الفقه والقضاء الدولي عن نظرية جديدة حديثة تتناسب مع الأضرار الناتجة عن الأفعال التي لا يحظرها القانون الدولي([20]).

أدى التطور التكنولوجي والثورة العلمية وما لحقها من تقدم علمي إلى ظهور مخاطر استخدام الوسائل التقنية المتقدمة على البيئة الدولية، فظهرت نظرية المخاطر لتغطية حالات المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها الأنشطة المشروعة، والتي تتكون من شقين: أولهما الخطر إذ أنه لو لا الخطورة لما تقررت المسؤولية.

– وثانيهما الضرر الذي يعد الركيزة الثانية في هذه النظرية. المطلب الأول:مضمون نظرية المخاطر(الأفعال التي لا يحظرها القانون الدولي) درس الفقه الدولي نظرية المخاطر وبدأ الحديث عنها كبديل عن نظرية الخطأ والفعل غير المشروع دوليا بما يتناسب وطبيعة هذه النشاطات الخطرة، والأضرار الناجمة عنها. جاءت نظرية المخاطر([21])، التي أطلقت عليها لجنة القانون الدولي تسمية الأفعال التي لا يحظرها القانون الدولي، لسد ثغرات نظرية الخطأ والفعل غير المشروع دوليا، وعدم قدرتهما على مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي لاسيما في مجالات الطاقة النووية، القيام بأنشطة في الفضاء الخارجي، وكذا نقل النفايات الخطرة.

تقوم فكرة المخاطر على أنه من يقوم بنشاطات خطرة يجب أن يتحمل المسؤولية عن المخاطر التي تنجم عنها دون حاجة لإثبات وقوع الخطأ أو الإخلال بإلتزام دولي. ناقش الفقيه “بول فوشيل” “Poual Fouchill” فكرة المسؤولية الدولية الناتجة عن المخاطر، وضرورة نقلها إلى القانون الدولي إذ حاول أن يضع قاعدة ليحصل عليها بموجبها الأجانب الذين يتضررون من جراء الحروب الأهلية على أقاليم الدول التي يحدث فيها على التعويض المناسب([22]).

كذلك الفقيه” شارل روسو” الذي يقر بتطبيق نظرية المخاطر في مجال العلاقات الدولية باعتبارها نظرية ذات طابع موضوعي([23]). هناك العديد من الاتفاقيات الدولية في الفقه الدولي التي أوردت نظرية مخاطر وتأكيدها نذكر منها بروتوكول تعديل اتفاقية فيينا عام 1997م بشأن المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية الذي نص على:” أن مشغل المنشأة النووية يتحمل مسؤولية الأضرار النووية التي يثبت أنها كانت بسبب حادثة نووية([24]).

لاحظت لجنة القانون الدولي عدم كفاية الخطأ والفعل غير المشروع دوليا كإطار قانوني للمسؤولية الدولية، وذلك بسبب ازدياد النشاط الدولي التقني واستغلال مناطق كانت بعيدة كل البعد عن القانون.

مثل:امتلاك الأسلحة الذرية الفتاكة، وتلويث البيئة بشتى عناصرها. لهذا أدرجت لجنة القانون الدولي المسؤولية الدولية عن النتائج الضارة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي. حدد المقرر الخاص للجنة “سرينيفاسا راو” ضرورة توفر عدة شروط حتى تقوم هذه المسؤولية وهي:عنصر عبور الحدود، عنصر التبعة المادية للضرر(النتيجة المادية) وعنصر الآثار على الاستخدام أو الانتفاع.

والمسؤولية الدولية عن النتائج الضارة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي، لا تنشأ إلا عن نشاط مادي يتسم بالخطورة التي تنذر باحتمالات وقوع أضرار عبر الحدود([25]). يعتبر الخطر أحد المبررات لإقامة المسؤولية الدولية وأحد أهم شروطها إذا ما تأسست على الفعل المحظور دوليا، فعبرت لجنة القانون الدولي عن المقصود بالخطر أنه:”الشيء المتأصل في استعمال الأشياء التي تعتبر بحكم خصائصها المادية خطرة في حد ذاتها، ومثال ذلك المواد المشعة والمواد السامة أو القابلة للاشتعال، والتي تسبب أضرار تحدث في مناطق قريبة أو أماكن تساعد فيها على حدوث آثار ضارة عبر الحدود“([26]).

يقصد أيضا بالنشاطات الخطرة تلك التي تحتاج لإنجازها إلى أشياء خطيرة بسبب خصائصها الفيزيائية، مثل المواد المشعة والمواد السامة، أو بسبب موقعها كوجود أنشطة في المناطق الحدودية، مثل بناء سد على الحدود يمكن أن يضر بالدولة المجاورة، أو بسبب استعمالها، مثل نقل البترول عبر البحار التي يمكن أن تضر بالبيئة البحرية([27]).

أكد الفقه الدولي من بينهم “تابن فيلد” “Teben Fled“، و”جيسوب” “Jessup” بأن تطبيق نظرية المخاطر ترتبط بالنشاطات الخطرة بقولهما:” من يقوم بنشاط شديد الخطورة عليه أن يتحمل المسؤولية عن المخاطر التي تترتب عن هذا النشاط”([28]). نستنتج أن نظرية المخاطر هي إمكانية مساءلة الشخص القانوني إذا مارس نشاط مشروع من الناحية القانونية الدولية، ويتسم بالخطورة بحيث ينتج عنه ضرر للدول المجاورة. ففي هذه النظرية العبرة بحدوث الضرر، فهو وحده يرتب المسؤولية الدولية في حق الدولة المضرورة([29]).

تفترض المسؤولية الدولية المبنية على أسس تقليدية وجود خطأ ترتكبه الدول يترتب عليه ضرر. ولما كان الضرر يترتب عادة عن فعل غير مشروع (استغلال مصنع أو استخراج ثروات طبيعية)، فإن المسؤولية الدولية الحديثة تكون عن فعل مشروع دوليا. لذلك لا يشترط وجود الخطأ وإنما يكفي وقوع الضرر. وعلى ذلك يمكن أن تترتب المسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود إما عن فعل غير مشروع دوليا، أو نتيجة الأفعال التي لا يحظرها القانون الدولي.

المطلب الثاني:عنصر الخطر في الأنشطة التي لا يحظرها القانون الدولي اتجه الفقه الدولي للبحث عن وسيلة قانونية تقرر المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها الأنشطة غير المحظورة دوليا، وقد وجد ضالته في الخطر الذي تتسم به هذه الأنشطة حيث اعتبره مبررا مناسبا لإقامة المسؤولية الدولية([30]).و أن خطورة النشاط فرضت إلتزامات أساسية تتعلق بمنع الضرر وتحقيق الهدف الوقائي للمسؤولية الدولية بصفة عامة. بالتالي حتى تقوم المسؤولية الدولية لا بد من أن يكون النشاط الذي تقوم به الدولة خطرا.

اختلف الفقه الدولي على تحديد مفهوم موحد للخطر، إذ يرى الفقيه “هاندال” “HANDALLE” أن:”الخطر يعني احتمال وقوع حادث ضار دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى وقوع الآثار الضارة «. بينما يرى الفقيه “باربوزا” ” BARBOZA” أن:”الخطر يتمثل في الأنشطة التي يحتمل أن ينجم عنها آثار مدمرة”([31]). ويشترط في الخطر المميز للنشاط الغير محظور دوليا، والذي يمكن أن تبنى عليه المسؤولية الدولية أن يكون متوقعا أي قابلا للتنبؤ به، وأن يكون ملموسا أي لا تخفى جسامته. بالنسبة للشرط الأول بأن يكون الخطر مما يمكن التنبؤ به، وأن يكون هذا التنبؤ عاما لا يتعلق بحالات محددة، وإنما بمجمل النشاط نفسه.

فمثلا إن التنبؤ بخطورة نقل النفايات الخطرة عبر الحدود لا يستند إلى التنبؤ بالأخطار المحتملة لرحلة بحرية معينة وإنما إلى نشاط نقل النفايات الخطرة بحرا، والتوقع العام يشير إلى حدوث أضرار بالغة خطورة بالبيئة البحرية عند حدوث حادث أثناء عملية النقل([32]).

أما الشرط الثاني بأن يكون الخطر ملموسا يقصد به الخطر الذي يمكن ملاحظته وإدراكه وذلك بإعمال معايير موضوعية بحتة لا تأخذ بعين الاعتبار شخصية الممارس للنشاط. وبصورة عامة فإن الخطر الملموس هو الخطر الذي يمكن إدراكه من خلال الطبيعة المادية للشيء، أو النشاط الممارس([33]).

تناولت اتفاقية الكويت بشأن التعاون من أجل حماية البيئة البحرية من التلوث عام 1978م الخطر حيث نصت على:” أن تعمل كل دولة على إدراج تقييم الآثار المحتملة بالنسبة للبيئة في جميع أنشطة التخطيط التي تشمل على مشاريع في نطاق إقليمها وبصفة خاصة في المناطق الساحلية، والتي يمكن أن تنطوي على خطر جسيم من أخطار التلوث في المنطقة البحرية”([34]).

كذلك التوصية الصادرة من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن التلوث العابر للحدود . أشارت إلى الخطر الجسيم، فنصت في البند (6) منها أنه:” قبل أن يبدأ بلد من البلدان أشغالا لأي أنشطة يمكن أن توجد خطرا جسيما على هيئة تلوث عابر للحدود ينبغي لهذا البلد أن يقدم معلومات مسبقة إلى سائر البلدان المتأثرة أو التي يمكن أن تتأثر”([35]).

المطلب الثالث: الضرر كعنصر أساسي لقيام المسؤولية الدولية عن الفعل المشروع دوليا يعتبر الضرر الركن الأساسي الذي ينبعث منه التفكير في مساءلة محدثه وتحريك دعوى التعويض في مواجهته. وقد استقر الرأي في النظرية العامة للمسؤولية المدنية على أن الضرر من الشروط الجوهرية لقبول دعوى المسؤولية([36]) العقدية، أم التقصيرية. الضرر البيئي شرط أساسي لا تتحقق المسؤولية الدولية إلا به سواء صدر من دولة أو منظمة أو أحد الكيانات الخاصة التابعة للدول، فلما كان الضرر بصفة عامة([37])، هو الشرط الأساسي لدعوى المسؤولية المدنية حيث لا مسؤولية مدنية بدون ضرر، ولا ضرر بدون المساس بمصلحة مشروعة يحميها القانون.

فإن الضرر البيئي هو الأساس الجوهري في المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية. يقصد بالضرر البيئي الأذى الحال أو المستقبلي الذي ينال من أي عنصر من عناصر البيئة، والمترتب على نشاط الشخص أو فعل الطبيعة والمتمثل في الإخلال بالتوازن البيئي سواء كان صادرا من داخل البيئة الملوثة أم واردا عليها([38]).

يختلف الضرر البيئي عن غيره من الأضرار مما يجعله منفردا يتميز بالخصائص التالية: – أنه ضرر غير شخصي (عام)، ويتعلق بالمساس بشيء لا يملكه شخص معين، وإنما يستعمل من قبل الجميع دون استثناء([39])، فالنشاط الذي ينجم عنه تلوث بيئي يسبب في أغلب الأحوال ضررا يتسم بالعمومية، أي يصيب البيئة بعناصرها ومكوناتها([40]). – أنه غير مباشر أي أنه لا يصيب الإنسان أو الحيوان أو الأشياء مباشرة، بل تتدخل وسائط من مكونات البيئة في إحداثه، حيث تساهم العديد من المسببات في إحداث الضرر كالماء والهواء، والغازات المنبعثة من المصانع التي ينجم عنها تسلل الأضرار، وتراكمها تدريجيا وامتزاجها لتصل إلى ضرر بيئي واضح المعالم([41]). إضافة إلى اعتبار الضرر البيئي غير شخصي وغير مباشر، فإنه كذلك ضرر متراخي حيث لا تتضح آثاره في غالب الأحيان والحالات إلا بعد فترة زمنية طويلة، لذلك يطلق عليه البعض تسمية الضرر التراكمي.

حيث يظهر عند تراكم المواد الملوثة للبيئة وتأتي في شكل أمرض تأثر على الكائنات الحية([42]). وأن الضرر البيئي ذو طابع انتشاري حيث لا يعتد بالحدود الجغرافية ولا بالفترة الزمنية، فهو واسع النطاق لا يمكن التحكم فيه مما يؤدي إلى خرق أقاليم الدول الأخرى وانتشار مواد غير مرغوب فيها كالتلوث الذي يعد من أهم المظاهر خاصة ذات الطابع الانتشاري والاستمراري للضرر البيئي([43]).

الضرر البيئي العابر للحدود هو أحد الشروط الجوهرية التي تتأسس عليه المسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود الناتج في غالب الأحيان عن الأنشطة المشروعة التي تقوم بها الدولة. فهو يعرف -الضرر العابر للحدود-على أنه:” التلوث العابر للحدود ذو اتجاه واحد والذي يجد مصدره في دولة وينتج آثاره في دولة أو أكثر. أو التلوث ذو اتجاهين والذي يجد مصدره في دولة وينتج آثاره في دولة أخرى وتوجد في هذه الدولة الأخرى مصادر للتلوث تنتج آثارها في الدولة الأولى“([44]).

وعرفته أيضا لجنة القانون الدولي بأنه:” الضرر الذي يقع في إقليم غير الدولة المصدر أو في أماكن أخرى موضوعة تحت ولاية تلك الدولة أو تحت سيطرتها سواء وجدت حدود مشتركة بين الدولتين المعينتين أم لم توجد”([45]). يفترض الضرر البيئي العابر للحدود وجود إقليمين أحدهما يمثل مكان ممارسة النشاط ويسمى بالدولة المصدرة، والآخر يمثل المكان المتأثر بمخاطر النشاط ويسمى بالدولة المتأثرة وهو ضرر عادي كإجراء نشاط نووي تترتب عليه آثار عابرة للحدود.

وهي بطبيعتها أضرار تمس الأشخاص (كفقدان الحياة والإصابة الجسمانية أو أضرار على الصحة)، كما تمس الأشياء كالأضرار التي تلحق الممتلكات والأموال الأمر الذي يجعلها غير قابلة للاستعمال، وكما تمس المناطق كالناقلة البترولية الإفريقية التي تسببت في تلوث أدى إلى التأثير في استخدام إسبانيا لسواحلها([46]).

الخاتمة: أضحت الأسس التقليدية للمسؤولية الدولية غير صالحة في أغلب الأحيان، لتغطية الضرر البيئي العابر للحدود، لاسيما نظرية الخطأ، مما أدى إلى تطبيق نظرية المسؤولية المطلقة كأساس لتغطية الأضرار البيئية، لقيت هذه النظرية دعما كبيرا من طرف الفقه والقضاء، وأخذت بها العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البيئة، نظرا لكون نظام المسؤولية الموضوعية لا يحتاج من المضرور إثبات الخطأ، وإقامة علاقة السببية المباشرة بسبب تداخل مصادر نتائج الضرر البيئي، فتنقطع معه علاقة السببية المباشرة.

نستطيع القول أن نظرية المخاطر قد تكون ملائمة للسيطرة على مخاطر التكنولوجيا الحديثة وخاصة في التأسيس للمسؤولية الدولية عن الضرر البيئي العابر للحدود، فالنشاطات الإنسانية في الآونة الأخيرة أصبحت تركز على الربح السريع ومنه الإنتاج السريع لتلبية حاجيات استهلاكية كبيرة وتتطلب خصائص معينة. ولا يمكن إنتاج السلع دون أن يكون ذلك مقترنا بإنتاج النفايات التي تعد سببا جوهريا لقيام الضرر البيئي العابر للحدود، وعليه فإن مشروعية النشاط الإنساني لا تعني غياب الخطر على البيئة، لهذا نرى أن تأسيس المسؤولية الدولية البيئية الناتجة عن وقوع ضرر عابر للحدود، بالاعتماد على نظرية المخاطر أمر لابد منه على اعتبار انه يحقق:
-التقييد إلى أقصى حد ممكن من حركة النفايات الخطرة عبر الحدود ومنه تستفيد العديد من الدول، خصوصا الدول النامية التي لا -تملك الوسائل التكنولوجية للتعامل مع الكميات المعتبرة من النفايات الخطرة التي تنتجها الدول المتقدمة.

-إعفاء المضرور من أعباء وصعوبات الإثبات ومنه الحصول على التعويض المناسب وبأيسر السبل، مباشرة بعد وقوع الضرر البيئي العابر للحدود.

قائمة المراجع

([1]) نعيمة عميمر، النظرية العامة لمسؤولية الدولة الدولية في ضوء التقنين الجديد، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 2010، ص 47.

([2]) أحمد بلقاسم، المسؤولية الدولية الناشئة عن الفعل الدولي غير المشروع وعوائق تقنينها، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، الاقتصادية والسياسية، العدد الأول، الجزائر، ديسمبر 2009، ص 445.

([3])علي بن علي مراح، المسؤولية الدولية عن التلوث عبر الحدود، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة بن يوسف بن خدة، الجزائر، 2006- 2007، ص 152.

([4]) محسن عبد الحميد فكيرين، النظرية العامة للمسؤولية الدولية عن النتائج الضارة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، 1999، ص 17.

([5]) محسن عبد الحميد أفكرين، المرجع نفسه، ص 18.

([6]) نقلا عن معمر رتيب محمد عبد الحافظ، المسؤولية الدولية عن نقل وتخزين النفايات الخطرة، دار النهضة العربية، مصر، 2007، ص333.

([7]) لخضر زازة، أحكام المسؤولية الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي العام، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2011، ص 89.

([8]) ميلود زين العابدين قنصو، المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية، رسالة ماجستير، في قانون البيئة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة جيلالي ليابس، سيدي بلعباس، الجزائر، 2012 – 2013، ص 55.

([9]) أحمد بلقاسم، المرجع السابق، ص 449.

([10]) تقرير لجنة القانون الدولي، إلى الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، عن أعمال دورتها 48نالوثيقة:(A/CN.4SER.A/1998). ([11]) نعيمة أعميمر، المرجع السابق، ص 142

([12]) يوسف معلم، المسؤولية الدولية بدون ضرر ( حالة الضرر البيئي )، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، فرع القانون الدولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر، 2011- 2012، ص 112.

([13]) عبد العزيز محمد سرحان، قواعد القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، مصر، 1990، ص 497.

([14]) معمر رتيب محمد عبد الحافظ، المرجع السابق، ص407.

([15]) أنظر:المادة (26) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، دخلت حيز النفاذ عام 1980، والتي تنص:” كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية “، وثيقة منظمة الأمم المتحدة:

Vol 1155,I 18232 ([16]) نقلا عن معمر رتيب محمد عبد الحافظ، المرجع السابق، ص، ص 408-409.

([17]) نعيمة عميمر، المرجع السابق، ص 114.

([18]) معمر رتيب محمد عبد الحافظ، المرجع السابق، ص، ص 412 – 413.

([19]) DUPUY Pierre, droit international public, pedone, Paris, 1992, pp322- 323 ([20]) صالح محمد بدر الدين، المسؤولية الموضوعية في القانون الدولي، دار النهضة العربية، مصر، 2004، ص 33.

([21]) ظهرت نظرية المخاطر في أواخر القرن19 بفرنسا، ومن أبرز روادها الأستاذ “سالي” من خلال كتابه حوادث العمل والمسؤولية المدنية، والأستاذ “جرسران” في كتابه المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحية، اعتبروا أن فكرة الخطأ أثرا من آثار الماضي الذي كانت المسؤولية المدنية فيه تختلط بالمسؤولية الجنائية والتعويض بالعقوبة. فالمسؤولية الخطئية ماهي إلا تحقيق لفكرة الذنب التي تقوم عليها المسؤولية الجنائية، وهذه الفكرة لم يعد لها مجال في العصر الحديث التي ترمي المسؤولية المدنية فيه إلى تحقيق غاية هامة هي تعويض الضرر الذي لحق المضرور لا إلى التوقيع العقوبة على المسؤولية. لذا يجب هجر فكرة الخطأ واستبدالها بفكرة المخاطر التي لا تشترط أن يكون الضرر ناشئا عن انحراف سلوكه محدثه حتى يلزم بالتعويض عنه، بل تكفي أن يكون الضرر قد وقع نتيجة نشاطه. يكون أساس المسؤولية الفعل الضار لا الخطأ. راجع: محمد عبد القادر الحاج، مسؤولية المنتج والموزع، دراسة مقارنة في قانون التجارة الدولية مع مقارنة الفقه الإسلامي، دار النهضة العربية، ط2، مصر، 2005م، ص 214.

([22]) محسن عبد الحميد فكيرين، المرجع السابق، ص 158.

([23]) معمر رتيب محمد عبد الحافظ، المرجع السابق، ص 355.

([24]) المادة (2) من بروتوكول تعديل اتفاقية فيينا بشأن المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية لعام 1997م. راجع الوثيقة (INFCIRC/566). ([25]) راجع حولية لجنة القانون الدولي، مج1، الوثيقة:(A /CN.4SER.A/1998)، ص157.

([26]) راجع:حولية لجنة القانون الدولي، 1988م، الوثيقة، A/CN. 4/413)(U.N.Doc، ص 13.

([27]) صافية زيد المال، المسؤولية الدولية عن النتائج الضارة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي، رسالة ماجستير في القانون الدولي العام، كلية الحقوق جامعة بن عكنون، الجزائر، 1995 – 1996، ص 27.

([28]) صافية زيد المال، المرجع السابق، ص 26.

([29]) صالح محمد بدر الدين، المرجع السابق، ص 47.

([30]) معمر رتيب محمد عبد الحافظ، المرجع السابق، ص 392.

([31]) جعفر داودي، المسؤولية الدولية عن تلويث البيئة البحرية بأنشطة غير محرمة دوليا، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، كلية الحقوق، جامعة باجي مختار، عنابة، الجزائر 2013- 20ص14، 62.

([32]) يوسف معلم، المرجع السابق، ص93.

([33]) المرجع نفسه، ص 64.

([34]) راجع:نص المادة 11 من اتفاقية الكويت الإقليمية الخاصة بالتعاون لحماية البيئة البحرية من التلوث لعام1978، على الرابط الإلكتروني:

http://www.unitar.org/cwm/publication/cbl/synergy/UNEP. ([35]) يوسف معلم، المرجع السابق، ص94.

([36]) نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للإلتزام، مصادر الإلتزام، دار الجامعة الجديدة، مصر، 2004م، ص440.

([37]) لقد عرف الفقه الضرر بصفة عامة على أنه:” الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له سواء تعلق ذلك الحق أو تلك المصلحة بسلامة جسمه أو عاطفته أو ماله أو حريته أو شرفه أو غير ذلك. راجع علي فيلالي، الإلتزامات- العمل المستحق للتعويض- موفم للنشر، الجزائر، 2002م، ص244.

([38]) نقلا عن:حسن حنتوش رشيد الحسناوي، دعوى التعويض عن الضرر البيئي، مجلة أهل البيت، العدد 13، المجلد، العراق، جوان 2012، ص 60.

([39]) رضوان حوشين، الوسائل القانونية لحماية البيئة ودور القاضي في تطبيقها، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الجزائر، الفترة التكوينية 2003 – 2006، ص 60.

([40]) أحمد محمود سعد، استقراء لقواعد المسؤولية الدولية في منازعات التلوث البيئي، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، مصر، 1994 ص، ص66-67.

([41]) أحمد محمود سعد، المرجع نفسه، ص، ص 225-226.

([42]) جميلة حميدة، النظام القانوني للضرر البيئي وآليات تعويضه، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2011م، ص93.

([43]) جميلة حميدة، المرجع نفسه، ص، ص 90- 91. صافية زيد المال، المرجع السابق، ص، ص36-37.

([44]) أحمد محمود سعد، المرجع السابق، ص، ص 66-67.

([45]) بشير جمعة عبد الجبار الكبيسي، الضرر العابر للحدود عن الأنشطة التي لا يحظرها القانون الدولي، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2013، ص28. ([46]) صافية زيد المال، المرجع السابق، ص، ص36-37.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.