الحقوق المدنية و السياسية 

الحق فى تقرير المصير لكافة الشعوب دون استثناء الحق في تقرير المصير.

ومن المسلّم به في الفقه الحديث أن لهذا الحق وجهين أوّلهما ما يمكن تسميته بالمظهر الخارجي لتقرير المصير وهو ينصرف أساساً إلى حق الشعوب في الاستقلال، أما المظهر الداخلي فهو حق الشعوب في أن تقرر بحرية وتختار نظامها السياسي والاقتصادي وهو ما يعنى وجوب امتناع الدول عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى لما في ذلك من مساس بحقها في تقرير مصيرها، هذا ويعد حق تقرير المصير شرطاً لازماً لضمان تمتع الأفراد بحقوقهم المدنية والسياسية وكذلك بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك نجد أن المادة الأولى التي تتناول هذا الحق في العهدين الدوليين تتطابق تطابقاً تاماً.

تنص المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، وأن لها استنادا لهذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما تكفل نفس المادة حقوق الشعوب في ثرواتها ومواردها الطبيعية وذلك دون الإخلال بالالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبادئ المنفعة المشتركة، كما أنه لا يجوز بحال من الأحوال حرمان أي شعب من موارده المعيشية.

كما تلزم المادة المذكورة الدول الأطراف في العهد الدولي بمـا فيها الدول المسئولة عن إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي أو تلك التي مازالت تحت نظام الوصاية، أي كافة الشعوب التي لم تمارس بعد حقها في تقرير المصير أو تلك التي حرمت من ذلك، بالعمل على تحقيق حق تقرير المصير لتلك الأقاليم وأن تحترم هذا الحق تمشياً مع ميثاق الأمم المتحدة.

ينصرف مفهوم المادة الأولى من العهد الدولي إلى أن الترابط بين حق تقرير المصير، والتزام الدول بالعمل على تحقيقه، يتصل اتصالاً مباشراً بحماية وتعزيز الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي. ولذلك فإن الأطر الدستورية والترتيبات والنظم السياسية في الدولة يجب أن تصاغ بطريقة تضمن للأفراد فيها إمكانيات ممارسة الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد.
كذلك فإن حق الشعوب في استغلال مواردها الطبيعية يفرض على الدول كافة احترام هذا الحق، وقد نصت المادة السابعة والأربعون من العهد الدولي على أنه ليس في أي من أحكامه ما يجوز تأويله على نحو يفيد إخلاله بما لجميع الشعوب من حق أصيل في التمتع والانتفاع الكاملين بكل حرية بثرواتها ومواردها الطبيعية.

الواقع أن حرص العهدين الدوليين على النص على حق تقرير المصير فى مكان الصدارة ، أى فى المادة الأولى فى العهديين ، يستند إلى أن التجارب التاريخية أثبتت أن احترام حق تقرير المصير وتحقيقه للشعوب يساهم فى إرساء العلاقات الودية والتعاون بين الدول وفى تدعيم السلام والوفاق العالمى.

التزامات الدول المنبثقة عن العهد تحدد المادة الثانية من العهد الدولي الإطار العام للالتزام القانوني للدول الأعضاء. وهي بذلك لا تختص بحق من الحقوق بعينه بل تلزم الدول بجميع سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها بحماية الحقوق والحريات التي ينص عليها العهد الدولي، وبأن تضمن ذلك لكل الأفراد المقيمين في إقليم الدولة أو الخاضعين لولايتها وذلك دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو النسب.

ومفهوم المادة المذكورة يعنى عدم جواز احتجاج الدولة بأن تشريعاتها الداخلية لا تسمح بهذا التطبيق، فلا يحوز لها الاحتجاج بأن دستورها وقوانينها يعفيها من التزاماتها الدولية التي ارتضتها بالانضمام طواعية إلى العهد الدولي.

وينصرف ذلك إلى التزام الدولة بتعديل تشريعاتها الداخلية إذا لزم الأمر لتكون أكثر اتساقاً مع كفالة كافة الحقوق وحماية الحريات المنصوص عليها في العهد الدولي، وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لإمكان الممارسة العمليـة الكفيلة بذلك . على أنه يحق لكل دولة أن توفر الحماية المطلوبة قانونا وعملا للحقوق والحريات بالإسلوب الذى يتفق مع إجراءتها الدستورية.

ومن المعايير التي تؤخذ في الاعتبار لإلقاء الضوء على مدى التزام الدولة باحترام المادة الثانية من العهد الدولي، هو إلى أي مدى تجيز الدولة للإفراد الاستناد المباشر إلى نصوص العهد الدولي أمام القضاء الداخلي. فالالتزام القانوني الذي تتضمنه المادة المذكورة له عملاً وجه إيجابي وآخر سلبي. فالأول يعنى أنه على الدولة أن تتخذ التدابير الإيجابية اللازمة لحماية وتعزيز الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي والعمل على إزالة كافة العقبات التي تعوق ممارستها بما في ذلك التدابير التشريعية والقضائية والإدارية والبرامج التعليمية.

أما الالتزام السلبي فيتطلب من الدولة الامتناع عن انتهاك تلك الحقوق وعدم فرض أي قيود عليها تتجاوز ما تسمح به نصوص العهد الدولي، كما لا يجوز أن تفرغ القيود التنظيمية الحق من مضمونه.

غنى عن البيان أن الحماية الفعالة للحقوق والحريات التي تضمنها العهد الدولي تقتضي نشرالوعى العام بها وتعميمه ليس على أجهزة الدولة وأشخاصها وحسب بل بين الجماعة ككل ، وهى مهمة موكولة فى المقام الأول إلى الدولة العضو .
كذلك ينصرف مفهوم المادة الثانية من العهد إلى ضرورة وجود السلطات والأجهزة المستقلة والمحايدة والمؤهلة لتلقى الشكاوى التى يتقدم بها الأفراد فى حالة انتهاك حق من حقوقهم والتحقيق والفصل فيها ، لردع المعتدى وعقابه وتعويض صاحب الشكوى إذا اقتضى الأمر.

فحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من جانب الدولة لا تقتصر على تصرفات السلطات الرسيمة فقط بل تشمل أيضا التزام الدلوة لحماية هذه الحقوق من تعديات أفراد المجتمع أو تجمعاتهم على حقوق الغير.

حقوق المرأة والأسرة

تختص المادة الثالثة من العهد الدولي بالمساواة بين المرأة والرجل في التمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية التي ينص عليها العهد الدولي. والتزام الدولة بتحقيق ذلك يعنى أن عليها اتخاذ كافة الخطوات اللازمة لإزالة العقبات التي تعترض تطبيق هذه المساواة بما في ذلك إصدار التشريعات أو تعديلها، وبنشر الوعي بين الجماعة وسلطات الدولة، وكذلك اتخاذ تدابير إيجابية خاصة لتحقيق تلك المساواة.

فالدول الأعضاء في العهد الدولي مطالبة بالعمل على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في النطاق العام والخاص بما في ذلك أيضاً المساواة في الحق في التعليم بين الذكور والإناث خاصة وأن حرمان النساء من الممارسة الكاملة لهذا الحق أو التجاوز عنه يؤدى إلى استمرار تخلف المرأة عن الرجل وعجزها عن ممارسة الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد على قدم المساواة مع الرجل.

وإلى جانب الالتزام بكفالة المساواة بين الجنسين أمام القانون وحق المرأة في التمتع بالشخصية القانونية أسوة بالرجل، وفي حرية التنقل للأنثى الرشيدة وضرورة تكافؤ الفرص في تولى المناصب العامة والمساواة في الأجر لنفس العمل – على الدولة كذلك حماية المرأة من العنف في العلاقات الزوجية والعائلية، وحماية حق المرأة الحامل نتيجة لاعتداء جنسي في الإجهاض، وفي رفض الإجهاض ضد رغبتها أو التعقيم ضد الحمل، وكذلك حقها في توافر وسائل منع الحمل للراغبات في ذلك – تجنباً للإجهاض السري غير المأمون الذي يعرض صحة المرأة وأحياناً حياتها للمخاطر.

كذلك ينصرف مفهوم المادة الثالثة من العهد الدولي إلى تحريم ختان الإناث الذي أصبح يعرف بالتشويه الجنسي وهو ظاهرة مازالت شائعة في كثير من الدول الأفريقية وبعض الدول الإسلامية والعربية.

فالعهد الدولي يتطلب من الدول التي مازالت تشيع فيها هذه العادات، إصدار التشريعات اللازمة لتجريمها وكذلك نشر الوعي العام بمخاطرها وآثارها النفسية، وهي تعد خرقاً صارخاً لنصوص العهد الدولي بما في ذلك المادة السابعة منه التي تحرم التعذيب، والذي قد يصل في أحيان غير قليلة إلى الحرمان من الحق في الحياة الذي تحميه المادة السادسة من العهد.
كذلك يمتد التزام الدولة نحو حماية المرأة إلى شمول مدلول المادة الثامنة من العهد الدولي من ضرورة قيام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار في دعارة النساء والأطفال وحمايتهم من كافة صور الاستغلال الجنسي.

كذلك يعالج موضوع حقوق المرأة في نطاق الأسرة وذلك في المادة الثالثة والعشرين من العهد الدولي التي تنص على أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، وأن لها الحق بالتمتع بحماية المجتمع وبحماية الدول، وعلى أن للرجال والنساء ممن في سن الزواج الحق في إتمام ذلك وفي تكوين أسرة.

وفي نفس السياق تنص المادة المذكورة على وجوب توافر الرضا الكامل والحر في عقود الزواج من جانب كلا الطرفين على قدم المساواة. هذا وانخفاض سن الزواج خاصة بالنسبة للإناث في أحيان كثيرة يثير الشكوك حول مدى توافر ركن الرضا من جانب الصغيرات.

كذلك تتطلب المادة المذكورة من العهد الدولي قيام الدول باتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة بين الأزواج في الحقوق والمسئوليات، عند الزواج وأثناء قيامه، وانقضاؤه بما في ذلك تأكيد الحماية اللازمة للأطفال في تلك الحالة. هذا ويقضى مضمون نفس المادة بأن للمرأة أسوة بالرجل الحق في اكتساب أولادها لجنسية الدولة التي تنتمي إليها الأم في حالات الزواج المختلطة.
هذا وقد تسوغ الإشارة في صدد موضوع حقوق المرأة إلى أنه بغض النظر عن التحفظات التي أوردتها الدول العربية وبعض الدول الإسلامية الأخرى على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لاحتمال تعارضها مع الشريعة الإسلامية، فمن الملاحظ أن الحقوق التي تكفلها الشريعة الإسلامية للمرأة، وكذلك تحميها نصوص العهد الدولي مازالت مهدرة في عدد غير قليل من تلك الدول.

حقوق الطفل

تنص المادة الرابعة والعشرون من العهد الدولي على أن مركز الطفل كقاصر يكفل له الحق في الحماية الواجبة من أسرته ومن المجتمع ومن الدولة دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل الاجتماعي أو الملكية أو النسب. كما تجب المبادرة بتسجيل كل طفل وتسميته باسم يعرف به فور ولادته فضلاً عن اكتساب إحدى الجنسيات.

فعلى الدولة أن تتخذ كافة التدابير وإصدار التشريعات اللازمة لحماية حقوق الطفل بما فيها الحماية من العنف والمعاملة القاسية ومن أعمال السخرة والاستغلال الجنسي، وتحريم اشتراكهم في النزاعات المسلحة (وهي ظاهرة انتشرت على نطاق واسع في عدد من الدول الأفريقية) كذلك تتطلب هذه المادة من العهد الدولي اتخاذ تدابير فعالة من جانب الدول لحماية الأطفال الذين تتخلى عنهم أسرهم، وتوفير سبل رعايتهم في ظل ظروف أقرب ما يمكن إلى الجو العائلي اللازم لنموهم الطبيعي.

وإزاء تفشى ظاهرة أطفال الشوارع خاصة في عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية كما لا تخلو منها بعض الدول العربية فإن نطاق المادة الرابعة والعشرين من العهد الدولي أصبح ممتداً إلى مطالبة الدول المعنية بحماية هؤلاء الضحايا من المعاملة القاسية التي يلقونها من جانب الشرطة، كذلك تدبير الملاجئ اللازمة لإيوائهم وتأهيلهم.

كذلك ينصرف مدلول هذه المادة من العهد الدولي إلى التزام الدولة بوضع المعايير القانونية لتنظيم عمالة الأحداث بما يضمن حقوقهم ويحرم تشغيلهم في الأعمال الخطرة وكذلك منع تشغيل صغار السن من الأطفال.

ولا بد أن تحدد الدولة في قوانينها السن المعقول الذي يصبح فيه الحدث مسئولاً جنائياً. وفي حالة ارتكابه لأفعال يعاقب عليها القانون يجب عند حرمانه من حريته فصله في أماكن الاحتجاز عن البالغين وسرعة تقديمه للمحاكمة للبت في أمره، كما يجب أن يتضمن النظام الإصلاحي معاملة الأحداث معاملة تستهدف أساساً إعادة تأهيلهم اجتماعياً ولا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على القصر باعتبار أن ذلك يعد اعتداء على الحق في الحياة الذي تحرمه المادة السادسة من العهد الدولي.

تقييد الحقوق أثناء حالة الطوارئ
تجيز المادة الرابعة من العهد الدولي تعطيل بعض الحقوق المنصوص عليها فيه وذلك بصفة مؤقتة خلال فترة سريان حالة الطوارئ. على أن هناك حقوقاً لا يجوز المساس بها بأي حال من الأحوال وهي:-

  • – الحق في الحياة (المادة 6 من العهد).
  • – الالتزام بعدم تعريض الأفراد للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة (المادتان 6 ، 7).
  • – تحريم كافة أشكال الاسترقاق والعبودية (المادة 8).
  • -عدم جواز حبس أي شخص بسبب العجز عن الوفاء بالالتزامات التعاقدية (المادة 11).
  • -مبدأ عدم رجعية القوانين (المادة 15).
  • -الاعتراف للفرد بالشخصية القانونية (المادة 16).
  • -حرية الفكر والضمير والاعتقاد (المادة 18) واقع الأمر أن تلك الحقوق تتطلب تأكيد حمايتها في حالة الطوارئ لأنها أكثرها عرضة للانتهاك في تلك الظروف الاستثنائية. ومفهوم هذا التحديد ينصرف إلى عدم جواز تعليق النصوص التشريعية التي تحمى هذه الحقوق.

هذا وجواز تعطيل بعض الحقوق في حالة الطوارئ يجب يكون استثنائياً ومؤقتاً. كذلك يشترط لجواز إعلان حالة الطوارئ وقوع ظروف تهدد حياة الأمة، كما يجب أن يتم الإعلان بطريق رسمي وذلك ضماناً لاحترام مبدأ الشرعية وسيادة القانون وفق النصوص الدستورية والقانونية التي لا تتجاوز ما ينص عليه العهد الدولي. كما يجب تحديد نطاق السلطات الاستثنائية المعمول بها في هذه الحالة.

كذلك لا بد أن يقتصر جواز تعطيل بعض الحقوق المنصوص عليها فـي العهد علـى القدر اللازم فقط الذي تقتضيه حالة الطوارئ، وهو ما ينصرف إلى تحديد مده سريان حالة الطوارئ ونطاقها الجغرافي والمادي بما يراعى مبدأ التناسب مع الظروف التي استلزمت هذا الإجراء الاستثنائي.

كما أن إعلان حالة الطوارئ لا يعفي الدولة من الالتزام بنصوص القانون الدولي الإنساني في حالة وقوع نزاع مسلح دولي أو غير دولي، أو من وجوب احترام القواعد الآمرة في القانون الدولي.

كذلك تتطلب المادة الرابعة من العهد من كل دولة طرف فيه أن تبادر فور إعلان حالة الطوارئ في إقليمها بإبلاغ الدول الأخرى الأطراف (وذلك عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة) بنصوص العهد التي أحلت الدولة نفسها منها، وبمدة سريان حالة الطوارئ، وبالأسباب التي دفعتها لإعلانها وعليها كذلك وبالطريقة ذاتها أن تبلغ نفس الدول بتاريخ إنهاء حالة الطوارئ. كذلك ينصرف مفهوم المادة إلى أنه في حالة مد فترة الطوارئ يتعين على الدولة معاودة الإبلاغ بنفس التفصيل.

هذا ومن الملاحظ أنه إزاء تعاظم الآثار السلبية في كثير من الدول على حقوق الإنسان في ظل الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، فإن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، عند مناقشتها للتقارير الدورية للدول الأعضاء في العهد- تحرص على تأكيد التذكير بأن الإجراءات التشريعية والأمنية التي ترى الدول، اتخاذها للمشاركة في هذه الحملة يجب ألا تتناقض أو تنتقص من الالتزامات الدولية التي ارتضتها الدولة لحماية حقوق الإنسان بانضمامها طواعية إلى العهد.

الحق في الحياة
تنص المادة السادسة من العهد الدولي على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي، أي لا يجوز حرمان الشخص من حياته بطريقة غير قانونية أو غير عادلة.

وبدون حماية هذا الحق فإن كافه الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي تبدو خالية من المعنى ومعدومة الوجود. فالدولة ملتزمة بالحماية القانونية لهذا الحق، وبالتالي ففي البلاد التي لم تلغ منها بعد عقوبة الإعدام يتعين أن تنص قوانينها العقابية على تحديد دقيق وفي أضيق الحدود للجرائم البالغة الخطورة التي يجوز في حالات استثنائية حرمان مرتكبيها من الحق في الحياة طبقاً للقانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة، وليس خلافاً لنصوص هذا العهد أو لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

ومن مخاطر التوسع في مفهوم “الجرائم البالغة الخطورة” تعريف الإرهاب تعريفاً يشمل عدداً كبيراً من الأعمال المختلفة في جسامتها مما يعنى زيادة عدد الجرائم التي تحمل عقوبة الإعدام زيادة كبيرة وهو ما يتعارض مع مفهوم هذه المادة من العهد الدولي خاصة إذا لم تحدد تلك الأفعال تحديداً قانونياً لا يحتمل اللبس. كذلك لا يجوز تنفيذ هذه العقوبة إلا بعد صدور حكم نهائى باتّ من محكمة مختصة.

وتحرّم المادة السادسة من العهد إيقاع عقوبة اإعدام على من تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة كما لا يجوز تنفيذ العقوبة على امرأة حامل.

هذا وتقتضى حماية هذا الحق التزام الدولة وفقاً للقانون لضمان حق الغير في محاكمة عادلة بما في ذلك حقه في الدفاع أمام قاضيه الطبيعى، وإعمال مبدأ المتهم برئ حتى تثبت إدانته، كذلك حق المتهم في الطعن على الحكم بإدانته وبالعقوبة المحكوم بها أمام درجة قضاء أعلى، إلى جانب حق المحكوم عليه بالإعدام حكماً باتا في التماس العفو أو تخفيض العقوبة الذي تجوز الاستجابة له في جميع الحالات.

إن قدسية الحق في الحياة تعنى كذلك أنه حق لا يجوز إهداره حتى في حالات إعلان الطوارئ وفق ما تضمنته المادة الرابعة من العهد الدولي. كذلك فإن حماية هذا الحق تتطلب من الدولة العمل على تجنب الحروب والنزاعات المسلحة وكافة أشكال العنف الجماعى التي مازالت ويلاته تودى بحياة ملايين الأبرياء على نحو ما حدث في رواندا ويوجوسـلافيا السابقة في كوسوفو وسارييفو والبوسنة وصابرا وشاتيلا وفي الشيشان.

كذلك يندرج تحت حماية هذا الحق التزام الدولة بتقصى حالات الاختفاء القسرى وهي ظاهرة تتفشى في عدد غير قليل من دول أمريكا اللاتينية من أطراف العهد الدولي كما أن بعض الأقطار العربية مازالت تعانى منها.
هذا ومما يهدد الحق في الحياة تسرع التجاء الشرطة وقوات الأمن في استعمال الأسلحة النارية ضد المسيرات السلمية وعدم احترام تلك القوات للمعايير الدولية الخاصة باستعمال تلك القوات للأسلحة النارية.

فالدولة وفق المادة السادسة للعهد الدولي ليست مطالبة فحسب باتخاذ الإجراءات اللازمة لقمع الأعمال الإجرامية المؤدية إلى الحرمان من الحق في الحياة ولكن عليها أيضاً فرض التزام قوات الأمن التابعة لها بعدم قتل الأفراد تعسفياً

حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

تنص المادة السابعة من العهد على أنه لا يجوز إخضاع أى فرد للتعذيب أو عقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة كما تنص المادة العاشرة على وجوب معاملة جميع الأشخاص المحرومين من حرياتهم معاملة إنسانية مع احترام الكرامة المتأصلة في الإنسان.

هذا وبالرغم من أن غالبية التشريعات تنص صراحة على حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فان الواقع العملى يدل على أن مجرد وجود نصوص قانونية لا يحمى الفرد حماية فعالة من أبشع صور إهدار كرامة الفرد وحقه في المعاملة الإنسانية. ولذلك فإن الأمر يقتضى وجود أجهزة رقابية مستقلة ومؤهلة لتلقى شكاوى الأفراد والتحقيق الجدى فيها وضرورة إنزال العقاب بكل من ثبت ارتكابه لمثل هذه الأعمال إلى جانب تأمين حق الأفراد المحرومين من حرياتهم فـي الاتصال بمحاميهم وذويهم وفي الرعاية الطبية وذلك دون إضرار بإجراءات التحقيق. كذلك لا بد من توافر السجلات اللازمة لإثبات اسم المعتقل ومكان اعتقاله يتاح للأشخاص المعنيين حق الاطلاع عليها.

ومن المسلمات عدم جواز أخذ المحاكم بأى اعترافات قد يدلى بها المتهم نتيجة لمثل هذه المعاملة المحظورة إلا في نطاق إقامة الدليل على مساءلة من ارتكبها ضد المتهم.

إن حماية الفرد من هذه الأعمال هو حق لا يجوز المساس به حتى في حالات الطوارئ. كما أن واجب الدولة يستلزم حماية الفرد من ارتكابها من جانب رجال الدولة في عملهم الرسمى أو خارج عملهم الرسمى أو حتى بصفتهم الشخصية، كما لا يجوز إعفاء هؤلاء من المسئولية الشخصية بدعوى أن ارتكابهم لمثل هذا الأعمال يقع تنفيذاً لأوامر رؤسائهم أو بتكليف من سلطة عامة.

هذا ومفهوم التعذيب وفق المادة السابعة من العهد الدولي لا يقتصر على التعذيب البدنى بل يشمل كافة صوره النفسية والمعنوية، كما أن العقوبات البدنية كعقوبة الجلد على سبيل المثال قد استقر العرف على أنها تعتبر عقوبة لا إنسانية ومهدرة لكرامة الإنسان، أى تعد من العقوبات التي لا يجوز توقيعها على الفرد وفق هذه المادة .

الحق فى الحرية والأمان الشخصي

كفالة هذا الحق لازمة لتمكين الفرد من ممارسة الحقوق الأخرى والحريات العامة التي تضمنها العهد الدولي. فمن البديهي أن الشخص المقيد الحرية أو غير الآمن على نفسه وعرضه وماله لا يمكنه – على سبيل المثال – ممارسة حقه في حرية التنقل أوالترشيح للمناصب العامة أو تكوين الجمعيات … ولذلك تناولت المادة التاسعة من العهد الدولي ماهية هذا الحق وحدود تنظيمه، ومنها عدم جواز توقيف أو أعتقال أى شخص تعسفياً، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا للأسباب وطبقاً للإجراءات التي يقررها القانون.

وإذا وجب اعتقاله فلا بد من إبلاغه فور الاعتقال بالتهم المنسوبة إليه، كما يجب تقديم المقبوض عليـه بتـهمة جنائيـة للمحاكمة ومـن استكمال محاكمته دون تأخير أى خلال فترة زمنية معقولة، فطول المدة التي يقضيها المتهم في الاعتقال قبل تقديمه للمحاكمة تعتبر خرقاً لما تضمنته المادة المذكورة من العهد في فقرتها الثالثة. كذلك فلا يحرم شخص من حريته في الحق في التقدم للقضاء للبت دون تأخير في مدى قانونية اعتقاله وفي الأمر بالإفراج عنه إذا كان هذا الاعتقال غير قانونى.

هذا وتؤكد المادة السابعة عشر من العهد حق كل فرد في الحماية القانونية من التدخل التعسفي أو غير المشروع في خصوصياته أو شئونه العائلية أو بيته أو مراسلاته، كما تنص على كفالة عدم التعرض لشرف الفرد أو سمعته.

ظروف الاحتجاز الإنسانية

تؤكد المادة العاشرة من العهد الدولي وجوب حسن معاملة المحرومين من حريتهم، واحترام آدميتهم وكرامتهم ويلاحظ أن تعبير “المحرومين من حريتهم” يشمل كافة المحتجزين في السجون والإصلاحيات والمستشفيات أو غيرها أى شمول ذلك لكافة نزلاء المؤسسات العقابية دون استثناء التي تخضع لسيطرة الدولة.

كذلك تتطلب المادة المذكورة من العهد وجوب فصل الأشخاص المتهمين الذين مازالوا في طور التحقيق أو في انتظار صدور الحكم القضائى، وبين الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكاماً يقضون بموجبها فترة العقوبة التي يقررها القانون، ووجوب معاملة الفئة الأولى معاملة تتفق ووضعهم القانونى وذلك إعمالاً لمبدأ أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. ومن ناحية أخرى تنص المادة العاشرة على وجوب فصل الأحداث عن البالغين في جميع الأحوال عند احتجازهم سواء للتحقيق أو تنفيذاً للحكم بإدانتهم، ومعاملتهم بما يتفق مع سنهم ومراكزهم القانونية.

كما أن المادة تحث الدول على سرعة الفصل في قضايا الأحداث. كذلك يجب أن يتضمن النظام الإصلاحى معاملة السجناء معاملة تستهدف أساساً إصلاحهم وإعادة تأهيلهم اجتماعياً. هذا ويتداخل نص المادة العاشرة من العهد مع نص المادة السابعة التي تحرم التعذيب والمعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهدرة للكرامة. ولا يجوز للدولة الاحتجاج بعدم توفر الإمكانيات المادية للإفلات من الالتزام بالعمل على توفير احترام المعايير الدولية الخاصة بالأحوال المعيشية في السجون.

كما يجب أن توفر الدولة الأجهزة الرقابية المستقلة لضمان احترام حقوق المحرومين من حريتهم وتوفير سبل النظر والبت في الشكاوى التي قد يتقدمون بها، خاصة إزاء انتشار ظاهرة اكتظاظ السجون في عدد كبير من الدول الأطراف في العهد ومن بينها دول عربية. فتكدس السجون بنزلائها، وما يصاحبه بالتبعية سوء معاملة المسجونين فضلاً عن تدهور الأحوال الصحية وانتقال الأمراض المعدية إلى جانب عدم توفر الحاجات الأساسية من الغذاء المناسب ورعاية المرضى، يعد كذلك خرقاً للمادة العاشرة من العهد وقد يصل أيضاً إلى الحد الذي يعتبر إهداراً للمادة السابعة من العهد التي تحرم التعذيب. فمفهوم المادة العاشرة ينصرف أيضاً إلى التزام الدولة بالقضاء على هذه الظاهرة باعتبار أن تكدس السجون بنزلائها يتعارض مع متطلبات المعاملة الإنسانية الواجبة كما يهدر الكرامة الملازمة لصفة الإنسان.

حرية التنقل والسفر والعودة

طبقاً للمادة الثانية عشرة يشمل هذا الحق حرية اختيار الفرد لمحل إقامته وتغييره وحرية الانتقال من مكان لآخر والسفر خارج البلاد والعودة إليها.
ولا يجوز تقييد تلك الحقوق بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، والتي ينبغى أن تكون لازمة لحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. على أن جواز هذا القصر لا يكون إلا وفقاً لما ينص عليه القانون وضروراته في مجتمع ديمقراطى لحماية ما تقدم بما يعنى ضرورة تحديد القانون لمعيار هذا القيد وعدم جواز ترك الأمر للسلطة التقديرية للأجهزة الرسمية المختصة.

كذلك يجب أن تكون تلك القيود مستند إلى المساواة وعدم التمييز بين الأفراد سواء بالنسبـة للجنس أو اللون أو اللغة الدين أو المعتقدات السياسية.
هذا ولا يجوز تعليق حق الفرد في مغادرة بلده على سبب هذه المغادرة أو على المدة التي يقضيها الفرد بعيداً عنه أو البلد الذي يغادر إليه بما في ذلك هجرته. ويعنى هذا الحق شموله لحق الفرد في الحصول من دولته دون مصاعب أو تأخير على الأوراق الرسمية اللازمة مثل جواز السفر وكذلك الحق في تجديد مدة صلاحية هذه الأوراق كلما دعت الحاجة لذلك.

من المسلّم به أن هذه الحقوق مكفولة تلقائياً لكل من يتمتع بجنسية الدولة. كذلك فإنها مكفولة على قدم المساواة بالنسبة للأجانب المتواجدين في الدولة بشكل قانونى وذلك بالرغم من بعض القيود التي تنظم إقامتهم في إقليم الدولة المضيفة بما لا يتعارض مع التزاماتها الدولية.

حقوق الأجانب

تنص المادة الثانية من العهد على التزام الدولة بحماية حقوق الأفراد الموجودين بإقليمها أو يخضعون لولايتها أى أن تلك الحماية واجبه بالنسبة للأجانب أى بغض النظر عن مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات بين الدول، أو عن جنسية الفرد أو حتى في حالات عديمى الجنسية. فمبدأ عدم التمييز في كفالة الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي يحمى الأجانب وفقاً لمفهوم المادة المذكورة.

على أن هناك حقوقاً تقتصر ممارستها الكاملـة على المواطنين أى بجوز تقييدها بالنسبة للأجانب وذلك مثل الحق في المشاركة في إدارة الشئون العامة الذي تنص عليه المادة الخامسة والعشرون من العهد.

غنى عن البيان أنه من حق الدولة أن تضع الشروط التي تراها لدخول الأجانب إلى إقليمها والإقامة فيه ولكن إذا التزم الأجنبى بهذه الشروط فإن تواجده في إقليم الدولة يوفر له الحق في حماية حقوقه من جانب الدولة المضيفة.

هذا وتجيز المادة الثالثة عشر من العهد إبعاد الأجنبى المقيم بصفة قانونية في إقليم الدولة وذلك استناداً إلى قرار صادر طبقاً للقانون، على أنها كفلت للأجنبي الحق في التظلم من قرار الإبعاد.

الحق فى المحاكمة العادلة

لا جدال أن ضمانات إقامة العدالة تشكل ركناً أساسياً لازماً لحماية كافة حقوق الإنسان.
ومن هذا المنطلق تورد المادة الرابعة عشر من العهد الدولي المبادئ والحقوق التي تكفل ذلك فتتطلب المساواة بين الأفراد أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر في أية تهمة جنائية ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام قضاء مختص ومستقل ومحايد يتصف بالنزاهة، وينسحب ذلك على النواحى الإجرائية التي تحدد الضمانات القانونية للمتهم.

كذلك لا بد من احترام مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ثبوتاً قطعياً، وهو مبدأ أساسى لحماية حقوق الإنسان كما أنه يعنى أن عبء الإثبات يقع على عاتق سلطة الاتهام، وأن الشك يفسر دائماً لصالح المتهم. وعلى السلطات العامة كفالة الامتناع عن الأحكام المسبقة على نتيجة المحاكمة.

هذا وتكفل المادة الرابعة عشر من العهد الدولي عدداً من الضمانات لكل فرد توجه إليه تهمة جنائية حدها الأدنى يشمل إبلاغه فوراً بطبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه، وإتاحة الوقت الكافي للمتهم لإعداد دفاعه واحترام حقه في تكليف محام للدفاع عنه وحرية اتصاله بمحاميه وضمان سرية هذه الاتصالات، هذا فضلاً عـن ضرورة إجراء المحاكمة خلال فترة زمنية معقولة دون تأخير. الأمر الذي لا يعنى فحسب بداية المحاكمة بل يشمل الفترة التي تستغرقها المحاكمة حتى الحكم النهائى الباتّ أى كافة مراحل التقاضى.

كذلك من حق المتهم أو محاميه مواجهة شهود الإثبات، كذلك في حضور شهود النفي أمام المحكمة بنفس شروط مشاركة شهود الإثبات. ولا يجوز إجبار المتهم على أن يشهد ضد نفسه، أو دفعه للاعتراف بالجريمة. كما أن أى إكراه في ذلك لا يجوز الاعتداد بنتائجه أمام المحاكم. كما لا يجوز محاكمة أحد أو معاقبته مرة ثانية عن جريمة سبق أن صدر في حقه حكماً نهائياً فيها أو أفرج عنه طبقاً للقانون والإجراءات القانونية المعمول بها.

ولكل فرد أدين بحكم قضائى الحق في الطعن على الحكم بالإدانة وبالعقوبة أمام محكمة أعلى درجة طبقاً للقانون. وانطلاقاً من ذلك فإن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو محاكم خاصة تصدر أحكاماً نهائية يحرم الفرد من إحدى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، فالمحاكم العسكرية كما هو معروف لها اختصاص أصيل تنفرد بموجبه بالولاية في محاكمة العسكريين عن جرائم عسكرية وفق إجراءاتها الخاصة طبقاً لقوانين الأحكام العسكرية.

أما محاكمة المدنيين أمامها فهو إجراء يسقط حق الفرد العادى في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى في ظل كافة الضمانات التي تستلزمها المادة الرابعة عشر من العهد الدولي.

هذا وإذا رأت الدولة إعلان حالة الطوارئ وفق المادة الرابعة من العهد الدولي بما يسمح بأحكام مؤقتة تتضمن وقف بعض الحريات وتعطيل بعض الضمانات فإن تشكيل واختصاصات المحاكم العسكرية والمحاكم الخاصة يجب أن يخضع بدقه لعدم تجاوز الحدود التي تستلزمها بالضرورة حالة الطوارئ. كذلك فإن القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب يجب ألا تهدر نصوص المادة الرابعة عشر.

هذا وتعتبر المادة المذكورة أن الأصل هو وجوب علانية المحاكمة باعتبار أن ذلك يعد أحد ضمانات المحاكمة العادلة، أما جواز استبعاد الصحافة أو الجمهور من مشاهدة المحاكمة أو جانباً منها فلا يصح إلا لأسباب تتعلق في مجتمع ديمقراطى بالآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومى أو عندما تقتضى ذلك حرمة الحياة الخاصة لأطراف القضية أو إذا رأت المحكمة أن ظروفاً خاصة من شأن العلانية فيها الإضرار بمصالح العدالة.

على أن النطق بالحكم يجب أن يكون علنـاً إلا إذا اقتضت مصالح الأحداث أو المنازعات الزوجية أو الوصاية على الأطفال خلاف ذلك. هذا وقد أكدت المادة الخامسة عشر من العهد الدولي مبدأ عدم رجعية القوانين وتطبيق القانون الأصلح للمتهم، فهي تتضمن عدم جواز إدانة أحد في جريمة جنائية نتيجة فعل أو امتناع عن فعل لم يشكل وقت ارتكابه جريمة جنائية بنص القانون. كما لا يجوز توقيع عقوبة أشد من العقوبة واجبة التطبيق وقت ارتكاب الجريمة، ويستفيد المتهم من أى نص قانونى يصدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل صدور الحكم الباتّ فيها إذا كان النص القانونى اللاحق يقرر عقوبة أخف لذات الجريمة.

كذلك ينصرف مضمون المادة الرابعة عشر من العهد الدولي إلى أن أحد الأركان الأساسية لضمان إعمال الحق في المحاكمة العادلة هو استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة كأفراد. فاستقلال السلطة القضائية ككل يعنى اختصاصها بالولاية القضائية كاملة أى الانفراد بمهمة الفصل في المنازعات والخصومات، فالقضاء لا يمكن أن يؤدى رسالته في تأكيد سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وكفالة حرية المواطنين إلا باستقلاله.

أما ضمانات استقلال القاضى فبالإضافة إلى عدم قابلية القاضى للعزل فإن التعيين والنقل والندب والترقية تكون بيد السلطة القضائية، وكذلك مساءلة القضاة وتأديبهم والتحقيق معهم لا يكون إلا من ذات السلطة القضائية.

الحق فى احترام الحياة الخاصة

تتطلب المادة السابعة عشر من العهد الدولي احترام حرمة الحياة الخاصة وكفالة حق كل فرد في الحماية من التدخل التعسفي أو غير القانونى في حياته العائلية أو مسكنه أو خصوصية مراسلاته واتصالاته أو التعرض لشرفه وسمعته سواء من جانب الأفراد أو سلطات الدولة أو من جانب الأشخاص الطبيعيين أو القانونيين.

كما تتطلب المادة المذكورة من الدول الأعضاء في العهد الدولي إصدار التشريعات اللازمة لصيانة هذا الحق وكفالة الإجراءات الضرورية لحمايته بما في ذلك تحديد السلطات الرسمية التي يجوز لها وحدها وفق القانون والإجراءات الواجب الالتزام بها جواز التدخل في الحياة الخاصة إذا استلزمت مصلحة المجتمع مثل هذا التدخل مع تحديد دقيق للظروف التي تجيز ذلك.

ويعنى ما تقدم أن التدخل في الحياة الخاصة لا يجوز إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة أى تحريم التدخل التعسفي حتى إذا كان يستند إلى نصوص قانونية تتعارض مع نصوص العهد الدولي وأهدافه.

هذا وبالنسبـة لتعبيـرات “العائـلة” فإن ذلك ينسحب إلى كل من يعتبر عضواً في العائلة وفق المفهوم المتعارف عليه في كل دولة معنية كما أن مفهوم كلمة “مسكن” تعنى المكان الذي يقيم فيه الشخص أو يمارس فيه مهنته العادية. كذلك إذا اقتضت الظروف وفق القانون التفتيش الذاتى لأى شخص من جانب السلطات المختصة وحدها بذلك، فيجب أن يتم ذلك بمعرفة شخص رسمى مكلف من نفس جنس الشخص المطلوب تفتيشه ذاتياً.

ومما تجدر الإشارة إليه أن اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية قد اعتبرت أن قيام السلطات الإسرائيلية بهدم منازل الفلسطينيين، وكذلك الصعوبات التي يلاقيها الفلسطينيون في الحصول على تراخيص البناء يعد خرقاً للمادة السابعة عشر من العهد فهو يتعارض كلية مع التزام الدولة دون تمييز لحق كل فرد في الحماية من التدخل التعسفي في مسكنه وكذلك إهدار للمادة الثانية عشرة التي تحمى الحق في اختيار مكان الإقامة، والمادة السادسة والعشرين الخاصة بالمساواة بين الجميع أمام القانون وفي التمتع بحماية القانون.

حرية الفكر والاعتقاد
مضمون المادة الثانية عشرة من العهد الدولي ينصرف إلـى أوسـع التفسيرات لحريـة الفكر والاعتقاد أى حماية كافة صور الفكر والعقائد الدينية وعدم التمييز ضد أى صورة من صورها.

كما يشمل ذلك حماية حق الفرد والجماعة في إقامة الشعائر التي تتفق ومعتقداتهم، فلا يجوز تقييـد ذلك إلا بنص القانـون وبشرط أن يكـون التقييد لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة أو الآراء العامة أو لحماية حقوق الغير الأساسية وحرياتهم، وعموماً يجب أن تكون تلك القيود في أضيق الحدود.

وإذا كانت الدولة تعتبر ديناً معيناً، كدين رسمى لها أو كانت غالبية السكان تعتنق ديناً معيناً، فلا يجوز المساس بالحق المكفول لمن يعتنقون ديناً آخر. كما لا يجوز التمييز ضدهم في النواحى الأخرى مثل الحق في تولى المناصب العامة، أو حرمانهم من المزايا التي يتمتع بها المواطنون عامة.

كذلك تحمى هذه المادة من العهد الدولي حرية الآباء والأمهات والأوصياء القانونيين في تأمين التعليم الدينى لأطفالهم وفق معتقداتهم.

حرية الرأي والتعبير

حرية الرأى والتعبير عنه من مقومات النظم الديمقراطية، فالانتفاص منها هو انتفاص من الحكم الديمقراطى السليم. ومفهوم المادة التاسعة عشر من العهد الدولي ينصرف إلى أن حق الفرد في اعتناق الآراء التي يختارها دون تدخل هو حق لا يقبل أى قيد أو استثناء، كما أن حرية التعبير تشمل الحق في تلقى واستقصاء ونقل المعلومة للآخرين وفي التعبير عن الرآى والفكر ونقله إلى غيره بأى صورة إما شفاهة أو كتابة أو عن طريق الكلمة المطبوعة أو المسموعة أو في صورة فنية أو بأى وسيلة أخرى يختارها الفرد.

هذا وإن كانت حرية الفرد في اعتناق الرأى الذي يختاره لا تقبل بطبيعتها أى قيد، فإن إطلاق الحق في التعبير عن الرأى لا يعنى أنه لا يحمل معه واجبـات ومسئوليـات معينة تسمح بفرض بعض القيود التي تستلزمها حماية مصالح الآخرين أو مصلحة الجماعة ككل، على ألا تفرغ تلك القيود الحق في التعبير من مضمونه، أى يجب أن تقتصر على ما تقتضيه في الدول الديمقراطية حماية الأمن القومى أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة أو حقوق الغير وسمعتهم.

غالباً ما تتضمن النصوص الدستورية تأكيدات لحرية الرأى والتعبير ولكن دولاً كثيرة تحد بشكل ملحوظ من هذه الحرية بنصوص التشريعات الخاصة بحماية السمعة والشرف في جرائم السب والقذف، كما تتضمن عقوبات مغلظة فيما يتعلق بنقد رجال السلطة مما يؤدى عملاً إلى تقييد حرية التعبير بما يتجاوز الحدود التي ذهبت إليها المادة التاسعة عشر بشأن ارتباط ممارسة حرية التعبير بواجبات ومسئوليات تسمح بقيود معنية وفق القانون.

تعد حرية الصحافة من أقوى صور ممارسة حرية الرأى والتعبير إن لم تكن أقواها. فحق المواطن في الحصول على المعلومة عبر صحافة وإعلام حر فوجود صحافة حرة مستقلة لا تخضع للسيطرة الحكومية أو التحكم الرسمى يشكل أحد المعايير الرئيسية التي تؤخذ في الحسبان عند النظر في مدى التزام الدولة باحترام حرية الرأى والتعبير.

لذلك فإن تغليظ العقوبات الخاصة بجرائم النشر واحتواء النصوص القانونية المنظمة للصحافة على عبارات فضفاضة وغير محددة تحديداً دقيقاً من الناحية القانونية كما يمكن السلطات الاستناد إليها بيسر لتجريم أى نقد لسياسة الحكومة في القضايا العامة ويشيع جواً من الرهبة يسفر عما يسمى بالرقابة الذاتية يعد متنافياً مع المادة التاسعة عشر من العهد الدولي.

كذلك فإن استئثنار الدولة بملكية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة أو بجانب كبير منها، يعد قيداً رئيسياً على حرية الرأى والتعبير. فالإعـلام ليس جهازاً حكوميا بل مرفقاً عاماً يعكس حدود النطاق الذي يتحرك فيه الأفراد في المجتمع مدى توفر التعددية السياسية والثقافية السائدة في ظل الحرية التي ينظمها القانون.

ولذلك فإن حماية الدولة لحرية الرأى والتعبير تستلزم حرية إصدار الصحف وحرية ملكيتها في ظل تنظيم قانونى لهذا الحق يتسم بشفافية، ومعايير وشروط قبول أو رفض منح التراخيص اللازمة لذلك.

وعدم فرض شروط متطلبات مرهقة مثل ضخامة التأمين المالى الذي قد يصل إلى حد التعجيز الفعلى مما يؤدى عملياً إلى التضييق على القوى السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع أو حرمانها من إحدى السبل الرئيسية في ممارستها لحرية الرأى والتعبير.
هذا ولما كانت المادة الرابعة من العهد الدولي تجيز بعض القيود غير العادية خلال حالة الطوارئ، ومنها ما يمس حرية الرأى والتعبير، بوسائل منها الرقابة على الصحف والمطبوعات والمصادرة وما قد يتعدى ذلك إلى وقف الصحف أو إلغاء تراخيصها بالطريق الإدارى – فإن استمرار حالة الطوارىء التي تعدها المادة الرابعة حالة استثنائية عارضة – يعد قيداً غير مباشر على حرية الرأى والتعبير.

الحق فى التجمع السلمي

تكفل المادة الحادية والعشرون حماية هذا الحق الذي يعنى أن للمواطنين حق عقد الاجتماعات ليعبروا عن آرائهم في القضايا التي تهمهم بما في ذلك الحق في تنظيم المسيرات والتظاهر السلمى في الأماكن العامة. والأصل في هذا الحق إباحته للأفراد مجتمعين في حدود القانون في مجتمع ديمقراطى الذي ينظمه، أى شريطة عدم المساس بالأمن القومى أو السلامة العامة أو النظام العام أو بحماية الصحة العامة والآداب العامة أو بحقوق الغير وحرياتهم.
هذا ومفهوم المجتمع الديمقراطى ينصرف إلى أنه مجتمع يحترم مبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ولا يقتصر هذا الحق على الأحزاب السياسية بل يشمل كافة التجمعات المهنية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى.

كذلك فإن الحق في التجمع السلمى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحق في تكوين الجمعيات الذي تنص عليه المادة الثانية والعشرون، كما يتداخل مع الحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة الذي تضمنته المادة الخامسة والعشرون من العهد الدولي. ومن المشاهد أنه في عدد غير قليل من الدول الاعضاء ومنها الدول العربية لا تكتمل كفالة تلك الحقوق بمعنى أنها إذا سمحت بممارسة أحد تلك الحريات فإنها تقيد الحقين الآخرين وهو ما يتعارض مع نصوص العهد الدولي.

حرية تكوين الجمعيات

أصبح من المسلم به أهمية أنشطة المجتمع المدنى بما في ذلك دور الأحزاب السياسية والجمعيات في المجالات الاجتماعية سواء للمهنيين أو العمال، بما تتيحه لأفراد المجتمع من سبل ممارسة الحق في المشاركة في القضايا العامة وتنمية المجتمع بمعناها الشامل.

وفي ضوء ذلك نصت المادة الثانية والعشرون من العهد الدولي على أنه لا يجوز وضع قيود على حرية مشاركة الفرد مع الآخرين في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها لحماية مصالحه المشروعـة، عـدا تلك القيـود التي ينص عليها القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديمقراطى مصالح الأمن القومى أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الغير وحرياتهم. كذلك تنص نفس المادة على جواز تقييد هذا الحق بموجب القانون بالنسبة لأفراد القوات المسلحة والشرطة.

هذا وتتضمن نفس المادة فقرة خاصة بكفالة حقوق العمال والضمانات التي تصدرها اتفاقية منظمة العمل الدولية 1948 بشأن حرية مشاركة العمال وحماية حقهم في التنظيم. وقد أدرجت تلك الفقرة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالرغم من أن الموضوع برمته يندرج في الأساس تحت العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق العمال الصادرة عن منظمة العمل الدولية. وجاء هذا الإدراج في المادة الثانية والعشرين كما تقدم تجنباً لتسرب فهم خاطىء بأن إغفال تلك الإشارة قد يعنى أن العهد الدولي لا يعتبر حرية تكوين النقابات حقاً مكفولاً للعمال.

وبالنسبة للأحزاب السياسية فإن الحق في تشكيلها وفي ممارستها لنشاطها السياسي السلمى هو حق لا ينفصل أيضاً عن إجراء الانتخابات العامة بمعنى أن الحق في تكوين الأحزاب السياسية لا تكتمل ممارسته العملية إلا بنزاهة الانتخابات العامة الدورية التي تجرى لشغل مقاعد السلطة التشريعية وغيرها.

فمن منطلق المادة الثانية والعشرين من العهد الدولي فإن القيود التي تتعارض مع نصوصها تعد أيضاً مخالفة للمادة الخامسة والعشرين الخاصة بالحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة.

من الواضح أن قدرة المجتمع المدنى في المساهمة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان عامة محدودة بما يتاح له ذاته من حرية ممارسة الحق في تكوين جمعياته وممارسة نشاطه السلمى فإذا قيدت الدولة ذلك الحق فإن المجتمع المدنى يأتى عملياً في صدر من يعانى من انتهاكات حقوق الإنسان.

وتلك صورة لا تنفرد بها الأقطار العربية مخالفة بذلك ما تتطلبه المادة الثانية والعشرون من امتناع الدول الأعضاء عن ملاحقة وترهيب نشطاء حقوق الإنسان والجمعيات غير الحكومية وتعطيل الاعتراف الرسمى بها، في حين ينصرف مفهوم المادة المذكورة إلى مطالبة الدول بالعمل على توفير الظروف الملائمة لتمكين تلك الجمعيات من ممارسة نشاطها المشروع دون عائق بما في ذلك تقبل الحوار معها حول الهدف المشترك في حماية وتعزيز حقوق الإنسان.

إذا سلمنا جميعاً بأن الحق في نقد سياسة الحكومة يشكل أحد السمات الأساسية في النظام الديمقراطى الذي يسمح بالتعددية وتداول السلطة، فإن إسقاط هذا المفهوم على عدد غير قليل من الدول ومنها غالبية الدول العربية التي تفرض قيوداً متعددة على حرية تكوين ونشاط الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية، لتتحكم في قوى المجتمع المدنى وتقيد حركته وتحد من دوره وأنشطته، بما يتعارض مع العهد الدولي، فإن تلك الدول تنتقص بذلك بنفس القدر من ديمقراطية النظام القائم.

الحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة

إن حق كل مواطن في المشاركة في تسيير الشئون العامة في الدولة التي يتمتع بجنسيتها، سواء بنفسه أو بطريق غير مباشر بانتخاب ممثليه، بالتصويت، وكذلك في الترشيح لشغل المناصب العامة هو حق يعد من المسلمات في أى نظام ديمقراطى، وحماية هذا الحق مكفولة بنص المادة الخامسة والعشرين من العهد الدولي التي تقرره لكل مواطن رشيد دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المذهب السياسي أو الأصل القومى أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك.
والحق في الترشيح لشغل المناصب العامة لا ينبغى أن يتطلب عضوية الفرد في أحد الأحزاب السياسية أو في حزب بذاته. كذلك ينصرف مفهوم هذه المادة من العهد الدولـي إلى وجود تعارض بينها وبين الأنظمة التي لا تسمح بوجود أحزاب سياسية، أو تفرض وجود تجمع سياسى واحد ينفرد أو يكاد ينفرد بالحياة السياسية، أو حزب مسيطر يحافظ على استمرار ظروف معينة تسمح له قانوناً وعملاً باستمرار البقاء في الحكم. كذلك فإن ممارسة الحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة تستلزم إطلاق حرية تداول المعلومات والأفكار المتعلقة بالقضايا العامة والسياسية بين المرشحين والناخبين إعمالاُ للحق في حرية الرأى والتعبير وفق المادة التاسعة عشر من العهد الدولي بما في ذلك إطلاق حرية الصحافة في التعليق على القضايا العامة وممارسة دورها في إعلام وتنوير الرأى العام.

يتطلب العهد الدولي من أعضائه إصدار التشريعات اللازمة التي تمكن المواطنين من الممارسة الفعلية لهذا الحق والمشاركة في العمليات التي تشكل في مجموعها تسيير دفة الشئون العامة، فالقوانين التي تنظم ذلك ينبغى أن تستند إلى معايير موضوعية ومعقولة، فمن الجائز على سبيل المثال اشتراط توافر سن معينة أو مؤهلات معنية لشغل بعض المناصب العامة. والحق في التصويت الذي يجب أن يكفل لكل مواطن لا يجوز تقييده إلا بنصوص قانونية موضوعية ومعقولة مثل القيد على حالات الاختلال العقلى.

إن مفهوم المشاركة في تسيير الشئون العامة ينصرف في الأساس إلى ممارسة السلطة السياسية أى المشاركة في السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية بما يعنى كافة أوجه الشئون العامة بما في ذلك تشكيل وتوجيه الشئون السياسية على المستوى المحلى والإقليمى والدولي بالطرق والوسائل التي ينظمها دستور وقوانين البلاد.

فالمواطن يشارك في تسيير الشئون العامة بطريق غير مباشر إذا كان عضواً في الهيئة التشريعية أو التنفيذية، كما يساهم في ذلك بطريق غير مباشر عند طرح موضوع ما للاستفتاء العام في الدول التي تأخذ بهذا الأسلوب، أو بممارسة حقه في الانتخاب الحر لممثليه في تلك الهيئات حيث يمارسون السلطات الموكولة إليهم في تسيير الشئون العامة وفق الدستور المعمول به والذين يعدون مسئولين أمام ناخبيهم.

كذلك يندرج تحت مفهوم المشاركة المباشرة حق الأفراد في عضوية التجمعات والآليات المحلية التي تتخذ القرارات في الشئون المحلية كلها أو بعضها وفق التشريعات المنظمة لذلك.

ومن صور المشاركة مساهمة الأفراد من خلال تنظيمات المجتمع المدنى في الحوار مع السلطات العامة، الأمر الذي يقتضى حماية حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة والإعلام وحرية تكوين الجمعيات وحرية العمل السياسي وتكوين الأحزاب الحق في المساواة أمام القانون، والحق في التمتع بحماية القانون على قدم المساواة تكفله المادة السادسة والعشرون من العهد الدولي التي تحرم أى تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسي أو خلافه، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو النسب وحرية الاجتماع، أى كفالة الحقوق المنصوص عليها في مواد العهد الدولي أرقام 22،21،19 الخاصة على التوالى بحرية الرأى والتعبير وحرية التجمع السلمى وحرية تكوين الجمعيات، وهي تعد شروطاً لازمة لإمكان الممارسة الفعلية للحق في التصويت.

كذلك تتضمن المادة الخامسة والعشرون من العهد الدولي النص على دورية الانتخابات التي تجرى بالاقتراع السرى وتضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين بما ينصرف إلى مبدأ تداول السلطة. كذلك على الدولة أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بتمكين كل من له حق التصويت من الإدلاء بصوته بما في ذلك حق الأفراد في تسجيل أسمائهم في قوائم الناخبين في الحالات التي يؤخذ فيها بنظـام التسجيـل. هذا ومن المطلوب أيضاً إسناد مهمة مراقبة سلامة عملية الانتخاب إلى هيئة مستقلة لضمان اتمامها بحرية ونزاهة وسرية وفقاً للقانون المنظم لذلك والذي يجب أن يتفق مع أهداف العهد الدولي وهو ما يعنى حماية الناخبين من أى صورة من صور الضغط أو الإفصاح عن تصويتهم أو أى تدخل في عملية التصويت، كما لا بد من تأمين صناديق الانتخاب وأن يجرى فرز الأصوات في وجود المرشحين أو وكلائهم.

الحق في المساواة أمام القانون

الحق في المساواة أمام القانون، والحق في التمتع بحماية القانون على قدم المساواة تكفله المادة السادسة والعشرون من العهد الدولي التي تحرم أى تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسي أو خلافه، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو النسب أو غيره.

كما أن المادة العشرين من العهد الدولي تلزم الدول بأن تمنع بحكم القانون أى دعوة أو حض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف.

كذلك فإن المادة الرابعة عشر تنص علـى مساواة الجميـع أمام القضاء وعلى توفير الضمانات القانونية للجميع دون أى تفرقة. ومدلول تحريم التمييز أو التفرقة يشمل أى استبعاد أو قيد أو تفضيل يستند إلى أى من الأسباب المشار إليها أعلاه يؤدى إلى إحداث أثر ينتقص من الاعتراف لأى فرد بحق من حقوقه أو بممارسته له علي أساس من المساواة في كافة الحقوق والحريات المكفولة للجميع.

مبدأ عدم التمييز مبدأ عام وأساسي يرد في أكثر من مادة من مواد العهد الدولي، فإلي جانب المادة السادسة والعشرين تتكرر الإشارة إليه في عدة مواد منها المادة الرابعة عشر الخاصة بالمحاكمة العادلة، والمادة الخامسة والعشرون المتعلقة بالمشاركة في تسيير الحياة العامة. علي أنه يلاحظ أن المساواة في التمتع بالحقوق لا يعنى بالضرورة في جميع الحالات التطابق في المعاملة فعلى سبيل المثال فالحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة تجوز التفرقة فيه في حدود معينة بين المواطنين والأجانب.

كذلك فإن إعمال مبدأ المساواة قد يسلتزم في ظروف معينة اتخاذ تدابير إيجابية مؤقتة لتبديل أوضاع محددة يؤدى استمرارها إلى الإبقاء على عدم المساواة التي يحرمها العهد الدولي، الأمر الذي قد يرى معه جواز اللجوء إلى معاملة تفضيلية مؤقتة خلال مرحلة معينة للفئة التي تعانى من عدم المساواة حتى يتحقق الوضع الذي يكتمل فيه تصحيح تلك الأوضاع، على أنه يشترط أن تكون تلك المعاملة التفضيلية المؤقتة معقولة وموضوعية وهدفها مشروع وفق العهد الدولي.

حقوق الأقليّات

تكفل المادة السابعة والعشرون من العهد الدولي حق الأقليات العرقية والدينية واللغوية في التمتع في الدول التي يعيشون فيها بثقافتهم الخاصة وحقهم كأفراد في أن يعتنقوا ويمارسوا شعائرهم الدينية وفي استخدام لغتهم الخاصة. والهدف من حماية هذه الحقوق هو الإبقاء على التراث الثقافي بمعناه الواسع الشامل للإقليات بما يثري المجتمع ككل.
إن تلك الحقوق الواجب كفالتها للإقليات هي حقوق تضاف إلى الحقوق الأخرى التي ينص عليها العهد الدولي المكفولة للجميع بما فيهم الإقليات. على أن حماية حقوق الإقليات لا تعنى شرعية ممارستها بطريق يتعارض مع الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي.

كذلك تحمى هذه المادة من العهد حقوق السكان الأصليين في البلاد التي أصبحوا يشكلون فيها أقلية. ومن الملاحظ أن مدلول الثقافة بالنسبة لهؤلاء ينسحب على حماية عاداتهم الحياتية في المناطق التي يعيشون فيها، الأمر الذي قد يقتضى من الدولة إصدار التشريعات اللازمة لحماية هذه الثقافة وتمكين هؤلاء من المشاركة التي تحسن طريقة معيشتهم ومصادرها الطبيعية.

خلاصـة
من المناسب في ختام هذا الجزء من المدونة، العودة إلى التذكير بما أشرنا إليه في مستهلها من أن نشر ثقافة حقوق الإنسان في عالمنا العربي يحبذ مزيداً من توعية الفرد وتبصيره بالحقوق والحريات التي تكفلها له ولغيره في المجتمع المواثيق الدولية.
إن حقوق الإنسـان تشكل وحدة متكاملة ومترابطة ومتداخلة، فإهدار أي جانب منها، بغض النظر عن مصدره، فرداً كان أو سلطة، ينعكس سلباً بالضرورة على غيرها من الحقوق والحريات التي يجب أن تكون مكفولة للجميع على قدم المساواة. وحق الفرد في ممارسة حرياته في أوسع نطاق هو أمر مشروع لا يحد منه إلا وجوب احترام حقوق وحريات الآخرين.