أركان الجرائم الماسة بالسكينة العامة

المؤلف : ندى صالح هادي الجبوري
الكتاب أو المصدر : الجرائم الماسة بالسكينة العامة

…ان الجريمة أضحت حينما تم تأطيرها من خلال سن التشريعات التي تكفل لها ذلك. وعلى هدى الفكرة القانونية سنتولى بيان أركانها، فاركان الجريمة تنقسم الى عامة وخاصة، فالأركان العامة هي التي تشترك فيها جميع الجرائم، أما الأركان الخاصة فأمرها مختلف إذ لكل جريمة أركان خاصة تتميز بها عن غيرها. وعلى الرغم من هذا الاتفاق إلا ان التشريعات الجنائية قد اختلفت حول عدد الأركان العامة، فبعض التشريعات قررت بأن الأركان هي فقط الركن المادي والركن المعنوي(1) والبعض الآخر نص على إنها ثلاثة أركان هي الركن المادي والركن المعنوي والركن الشرعي(2) ولم يختلف الفقه عن التشريعات الجنائية بهذا الخصوص فلقد تعددت الآراء حولها فاتجاه ذهب الى القول بأنها تتكون من ركنين هما ركن مادي وركن معنوي ، وآخر ذهب الى إنها تتكون من ثلاثة أركان هي الركن المادي والركن المعنوي والركن القانوني (الشرعي) واتجاه يرى بان أركان الجريمة العامة أربعة(3).

و نرى بان الأركان العامة تتكون من ركنين عامين هما الركن المادي والركن المعنوي، تماشياً مع رأي غالبية الفقه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى اتفاقا مع ما ذهب إليه المشرع العراقي، فضلاً عن ان الركن الثالث (الركن الشرعي) لا يتفق مع المنطق لأنه مخلوق فكيف يخلق المخلوق الخالق(4) وبقدر تعلق الأمر بموضوع الجرائم محل الدراسة فشأنها شأن بقية الجرائم في التشريع العراقي أركانها العامة هي ركنين، ركن مادي وركن معنوي فضلاً عن ركن ثالث يميزها عن غيرها من الجرائم وهو الخطر إذ يحتل مكانة مهمة في إطارها لذلك فضلنا بحثه بصورة أكثر تفصيلاً وفي مبحث خاص به لبيان مدى أهميته في هذه الجرائم.
المبحث الأول
الركــــن الـمــــادي
إن الجريمة لا تقوم ولا تنهض بدون ركن مادي(5) فهو مظهرها الخارجي(6) وهو بدوره يتكون من ثلاثة عناصر السلوك الذي هو جوهره، والذي يتعين ان يفهم بمعناه الواسع فكما يضم الفعل الايجابي فانه ينبع من الامتناع أيضاً(7). والنتيجة الجرمية، والعلاقة السببية ما بين السلوك والنتيجة.ولهذا قيل بان لا جريمة بدون ماديات وفي ضوء ذلك سنتولى بيان هذه العناصر بشيء من التفصيل.
المطلب الأول
السلوك

وهو ارتكاب فعل جرمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون(8) فالسلوك هو الذي يؤدي الى النتيجة الضارة، بمعنى ان القوة السببية التي من شأنها ان تقضي الى إحداث آثار مادية خارجية(9) إلا إن هذا المفهوم يركز على سببية السلوك وليس على السلوك ذاته كأنه ظاهرة طبيعية يخلع عنها أية صفة إنسانية(10). ويخضعه لقوانين السببية التي ليست موضع اهتمام الشارع إلا قليلاً ولا نجده على قدر من الأهمية القانونية، وعليه حصر نطاق السلوك في الدائرة التي يرسمها القانون(11). وعلى وفق هذا تم تحديد السلوك السلبي (الامتناع) والسلوك الايجابي وهذا ما سندرسه بالآتي:
الفرع الأول
أنواع السلوك
إن قانون العقوبات لا يحفل بكل أنواع السلوك البشري وإنما يهتم فقط بذلك السلوك الإجرامي والذي يصل الى مرتبة معينة ويكون متعارضاً مع نصوص القانون ،ومن أنواع السلوك التي يأخذها المشرع بنظر الاعتبار السلوك الايجابي وهو الذي يتحقق بحركة عضوية إرادية، وهو بذلك يقوم على ركيزتين مهمتين هما الإرادة والحركة العضلية التي تجسد اتجاه الإرادة، فالحركة العضوية أو العضلية تتحقق بأي حركة يختارها الشخص ويراها مناسبة وكافية للوصول الى النتيجة التي يسعى الى تحقيقها(12) فإذا أراد على سبيل المثال القتل فانه يستخدم يديه للطعن، وكذلك الحال إذا أراد السرقة فانه يستخدم يديه أيضاً وهكذا. أما الإرادة فهي قوة نفسية مدركة تدفع الشخص الى استخدام احد أعضائه على وفق ما يراه ملائماً لتحقيق النتيجة التي يسعى إليها، وهذا يعني توفر علاقة سببية ما بينها وبين أعضاء ذلك الفرد هذا من جانب، ومن جانب آخر فان الإرادة تسيطر على جميع أجزاء الحركة العضوية، وعليه نستبعد الحركات العضوية اللاإرادية من نطاق الحركات العضوية التي يعتد بها الشارع(13). فالسلوك الايجابي إذن مفاده القيام بما ينهى عنه القانون يتمثل بحركة عضوية إرادية، ولابد للسلوك الايجابي من ان يكون هكذا، فإذا ما ثبت ان الشخص لم يباشر فعله عن إرادة حرة فلا يوصف فعله بأنه إرادي لان إرادة السلوك أمر لازم وضروري في جميع الجرائم العمدية، فإرادة الفعل مفترضة، والإنسان يفترض فيه أن لا يصدر عنه إلا ما هو إرادي ولكن هذا الافتراض قابل لإثبات العكس، فبانعدام الصفة الإرادية للفعل لا تقوم الجريمة ولكن ينظر في العقاب لان الإرادة هي التي يجب ان تحيط بالفعل في جميع الحالات، هذا ويلاحظ بان الحركة العضوية التي تجسد السلوك الايجابي ليست على وتيرة واحدة فقد تكون كلها (كحركة اللسان) وقد تكون كتابة أو تصويراً أو مشياً أو ايماءاً بالرأس.

وعليه فان السلوك الايجابي يخلق نوع من الجرائم هي (الجرائم الايجابية) التي تقوم وتتحقق بنشاط ايجابي صادر عن إنسان مسؤول يقرر له القانون عقاباً، وهي الغالبية في التشريعات الجنائية حيث ان التشريع العقابي ينهى أكثر مما يأمر. وفي ضوء ذلك فان الجرائم الماسة بالسكينة العامة شأنها شأن بقية الجرائم الوارد ذكرها في قانون العقوبات ترتكب بسلوك ايجابي مؤداه الإرادة والحركة العضوية، كجريمة الضوضاء(14) التي يرتكبها الجاني باستخدام يديه لرفع صوت المذياع أو التلفاز، جريمة اللغط التي تتحقق بحركة اللسان…الخ، حيث انه يتوسل بهذا النشاط الايجابي تحقيق النتيجة التي يسعى للوصول إليها وهي إقلاق راحة السكان. و لا يقف الأمر عند الجرائم الايجابية التي ترتكب بنشاط أو سلوك ايجابي وإنما ذهب المشرع العراقي في بعض الحالات الى الأخذ بنظر الاعتبار نوع آخر من السلوك المؤدي الى ارتكاب الجرائم، ذلك لان السلوك ذو مدلول متسع في نظره وهذا النوع الآخر من أنواع السلوك، هو السلوك السلبي (الامتناع) والذي يراد به إحجام الشخص عن إتيان سلوك معين كما ان المشرع ينتظر منه في ظروف معينة، فالسلوك السلبي هو مجرد الإحجام أي بفعل معين، إنما يتساوى الفعل الايجابي لان وراء تجريم كل سلوك أياً كان نوعه مصلحة يراها المشرع جديرة بالحماية(15). وعلى هدى ما تقدم يكون للسلوك صفة قاعدية مفادها تكييف الرابطة ما بين السلوك وقاعدة فرض الواجب(16) هذا ويلاحظ بان السلوك السلبي شأنه شأن السلوك الايجابي لابد من ان تتوفر فيه الإرادة لدى مرتكبه، لان السلوك الذي يعتد به الشارع هو السلوك الإرادي فالإرادة عنصر جوهري فيه فهي محوره ومصدره وتسيطر عليه إرادة السلوك السلبي تؤخذ بمعنى واسع فهي تعني عدم توجهها للقيام بالفعل مع القدرة على ذلك، وعليه فان ما يؤثر في إرادة السلوك الايجابي هو ذاته الذي يؤثر في إرادة السلوك السلبي. إلا انه يلاحظ بأنه ليس كل امتناع عن القيام بعمل معين يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ويتمثل في الامتناع عن القيام بواجب يفرضه القانون، والامتناع عن القيام بعمل يأمر به الاتفاق، إذ ان الامتناع الذي يشكل جريمة يعاقب عليها في قانون العقوبات أو القوانين الأخرى المكملة له لابد من ان يكون منصوص عليه في صلبها. هذا ولابد من الإشارة الى ان السلوك السلبي يخلقا نوعا آخر من أنواع الجرائم الى جانب الجرائم الايجابية هي الجرائم السلبية التي لا تقل أهمية عن سابقتها في نظر المشرع الجنائي، على الرغم من إنها تعد استثناء يرد على الأصل العام في قانون العقوبات حيث ان الأصل انه ينهى أكثر مما يأمر(17).وتعرف الجرائم السلبية بـ(جرائم الامتناع) لان المشرع يجرم هنا لمجرد الامتناع بغض النظر عن النتيجة التي تترتب عليه، ومعيار التفرقة ما بين الجرائم الايجابية والجرائم السلبية هو نص القانون، فإذا كان القانون ينهي عن القيام بفعل معين فان الجريمة ايجابية وإذا كان يعاقب على الامتناع عن القيام بفعل يأمربه فان الجريمة سلبية. ولكن يلاحظ بان هذه الجرائم (السلبية) تقسم بدورها الى ثلاثة أنواع :
أولاً: الجرائم السلبية البسيطة: حيث يقوم الركن المادي فيها على مجرد الامتناع الذي يقوم به مخالفاً بذلك نص القانون دون حاجة الى ترتيب نتيجة معينة على هذا الامتناع فالنصوص القانونية المتعلقة بها تشير فقط الى الامتناع دون ان تأخذ بنظر الاعتبار النتيجة الضارة بحيث ان تحققها أو عدمه لا يؤثر على اكتمال عناصر الركن المادي، بمعنى إنها لا تدخل عنصراً في الركن المادي لهذا النوع من الجرائم السلبية، ومثل هذه الجرائم قليلة العدد إلا ان التشريعات تحاول زيادتها والإكثار منها على أساس ان التعاون والقيام بواجب معين هو مبدأ من المبادئ الإنسانية، إذ إن الإنسانية تقتضي تقديم المساعدة للآخرين فهي أمر ضروري، ومثل هذه الجرائم ينص عليها في قانون العقوبات أو في القوانين الخاصة المكملة له، هذا ويلاحظ بان اغلب هذه الجرائم في قانون العقوبات تعد من المخالفات، وقليلها من الجنح . ثانيا: الجرائم السلبية بطريق الامتناع: إن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أم ان تكون ايجابية وأما ان تكون سلبية فالأصل ان النص هو الذي يحدد طبيعة الجريمة، أما في حالة سكوت النص فأنها تحتمل التأويل عندئذ تكون الجريمة ايجابية لان الأصل في قانون العقوبات ان ينهي أكثر مما يأمر.

ثالثاً : الجرائم السلبية المسبوقة بسلوك ايجابي: فهذا النوع من الجرائم يجمع بين النوعين السابقين من الجرائم السلبية (الجرائم السلبية البسيطة والجرائم السلبية بطريق الامتناع) حيث ان الجاني يمتنع عن القيام بفعل يأمر به القانون من خلال ارتكابه سلوكا ايجابياً كما في جريمة عدم الحصول على إجازة أو رخصة لممارسة عملاً معين فامتناع الجاني عن القيام بواجب مفروض عليه قانوناً وهو الحصول على إذن أو رخصة من السلطات المختصة ومع ذلك مارس مهنته أو عمله فانه يكون مرتكباً لجريمة من الجرائم السلبية المسبوقة بسلوك ايجابي(18). وعليه يلاحظ بان الجرائم الماسة بالسكينة العامة غالبيتها من الجرائم السلبية البسيطة لاسيما وإنها قد ترتكب بسلوك سلبي كما ترتكب بسلوك ايجابي.

الفرع الثاني
ضوابط تحديد السلوك الإجرامي
إن المشرع الجنائي لا يحفل عادة بكل أنواع السلوك البشري وإنما السلوك الذي يأخذ بنظر الاعتبار هو الذي يتجاوز النصوص القانونية بحيث يشكل اعتداء على حق محمي بالقانون. وعليه كان لابد من ضوابط معينة لمعرفة السلوك الذي يأخذه الشارع بعين الاعتبار ويعده سلوكا إجراميا، وهذه الضوابط هي :
أولا: وقت ارتكاب السلوك الإجرامي:
إن معظم التشريعات الجنائية كقاعدة عامة لا تعتد بوقت ارتكاب السلوك إلا استثناءاً وفي بعض الحالات، بحيث لا تقوم لها قائمة إلا إذا ارتكب الفعل في وقت معين كمه في جريمة الضوضاء التي يمنع فيها استخدام الوسائل المسببة للصخب والضجيج في الأماكن والطرق العامة والأماكن المخصصة للمنفعة العامة ابتداءً من الساعة العاشرة ليلا حتى الساعة الثامنة صباحا(19) وذلك لان الإنسان في هذه المدة يكون بأمس الحاجة للراحة والدليل على ذلك قوله تعالى )الله الذي جعل الليل لتسكنوا فيه( (20) وعليه فهي من الجرائم التي تأخذ بالاعتبار وقت ارتكاب السلوك ،ذلك لان اغلبها ترتكب في وقت معين إذ بدونه لا تنهض ولا تقوم لها قائمة، وقد لا يعتد به في جريمة أخرى وذلك لان المشرع قد جرمها بسبب انتهاك وقت هدوء الأفراد وراحتهم . أما بالنسبة لمكان ارتكاب السلوك الإجرامي فقد لا يعتد به كعنصر أساسي من عناصر تحقق جريمة ما إذ بدونه لا تنهض ولا تقوم لها قائمة، وقد لا يعتد به في جريمة أخرى. إلا إن الذي يهمنا هنا هو إن الجرائم الماسة بالسكينة العامة هي من الجرائم التي تأخذ بالاعتبار بمكان ارتكاب السلوك كما في جريمة إلهاب الألعاب النارية إذ يستلزم ارتكابها في الأماكن التي يمكن أن ينشأ عن إلهابها فيها إتلاف أو خطر أو ضرر ولعل من ابرز هذه الأماكن مصنع أو مستودع للذخائر أو الأسلحة أو ملحقاته، أو مخزن للمعدات العسكرية، أو منجم، أو بئر للنفط، أو مستودع للوقود أو المواد القابلة للالتهاب أو المفرقعات، أو محطة للقوة الكهربائية أو المائية أو الذرية، أو محطة للسكك الحديدية، أو ماكنة قطار أو عربة فيها شخص، أو عربة ضمن قطار فيه أشخاص، أو مطار، أو طائرة، أو حوض للسفن أو سفينة، أو مبنى مسمون، أو محل آهل بجماعة من الناس، أو مبنى مشغول من دائرة رسمية أو شبه رسمية، أو مؤسسة عامة ذات نفع عام(21). وعليه إذا لم يرتكب السلوك في مكان من الأماكن التي وردت أنف على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر لا يعد مرتكبا لجريمة من الجرائم الماسة بالسكينة العامة وان كان قد سبب إتلاف أو ضرر أو خطر ولكن هذا لا يعني بان الجاني قد ينجو بفعلته ويفلت من العقاب ذلك لأنه قد مارس نشاطا إجراميا معاقب عليه قانونا .

ثانيا: الوسيلة المستخدمة في ارتكاب السلوك الإجرامي :
الوسيلة هي كل ما يمكن أن يستعمله الجاني لارتكاب جريمته(22) فالوسائل التي ترتكب بها الجرائم متعددة ومتنوعة إذ إن لكل مجرم وسائله الخاصة به لتنفيذ جريمته لذا فهي متباينة من جريمة إلى أخرى ومن جاني إلى آخر(23) وعليه نجد بعض التشريعات الجنائية قد اهتمت بهذا الضابط لأنه من الممكن أن يؤثر في جسامة الجريمة ومن تلك التشريعات قانون العقوبات العراقي وفيض الجرائم (24) التي لا تهتم بالوسيلة التي يستخدمها الجاني لارتكاب احدها والدليل على ذلك جريمة إلهاب الألعاب النارية(25) التي يشترط المشرع لقيامها من استخدام وسيلة معينة وإنما أي وسيلة من شأنها إحداث إتلاف أو ضرر أو خطر، وكذلك جريمة أطلاق العيارات النارية من سلاح ناري داخل المدن أو القرى أو القصبات(26) .
المطلب الثاني
النتيجة الجرمية
إن النتيجة الإجرامية هي العنصر الثاني من عناصر الركن المادي بعد السلوك فمن المعلوم ان السلوك الإجرامي غالباً ما ينتج أثره وهذا النوع الذي يتوقف عنده في الغالب وجود الجريمة، إذ ان لها أهمية قانونية تتجلى بان الركن المادي في معظم الجرائم لا تكتمل عناصره إلا بقيامها لاسيما في جرائم الضرر كذلك إنها تحدد فيما إذا كانت النتيجة الإجرامية عمدية أم غير عمدية الأمر الذي يتحدد بموجبه المسؤولية الجنائية وبالتالي تقرير العقاب(27). أما إذا اتجهت الإرادة نحو الفعل دون النتيجة كنا أمام جريمة غير عمدية، ولكن إذا ما تجاوزت قصد الجاني كنا أمام جريمة متعدية القصد(28) فضلاً عن إنها تعّد محور تحديد بعض ضوابط السلوك لاسيما مكان ارتكاب الجريمة. ومع هذه الأهمية الكبيرة والعملية لفكرة النتيجة في القانون إلا ان عناية الفقه بها ضئيلة بالنسبة الى باقي عناصر الركن المادي، فعلى الرغم من الجهود التي بذلت من اجل إضفاء الوضوح على فكرة النتيجة إلا ان الغموض ما زال يكتنفها فهي بحاجة الى التحديد بوضوح. على الرغم من ذلك فقد قرر الفقه بان لكل جريمة نتيجة، وعلى هذا فقد تنازع الفقه في مدلولين مدلول مادي وآخر قانوني، لذا سنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الأول المدلول المادي للنتيجة والثاني لمدلوله القانوني ومن ثم نحاول معرفة فيما إذا كانت الجرائم موضع الدراسة لها نتائج إجرامية ذات مدلول قانوني أو ذات مدلول مادي أم الاثنين معا بالتتابع.
الفرع الأول
المدلول المادي للنتيجة
إن السلوك بعّده بواقعة لابد وان يؤدي الى إحداث تغيير في العالم الخارجي بذلك يمكن القول بان مفهوم النتيجة المادي يترتب على السلوك من ناحية، ومن ناحية أخرى صور الفقه القديم النتيجة على إنها الواقعة التي تترتب على السلوك والتي يكون الجاني قد عمل على تحقيقها كهدف أو كغاية(29). وهي بهذا المعنى تمثل الأثر المترتب على السلوك والذي يأخذه المشرع بنظر الاعتبار، فالنتيجة بمدلولها المادي هي الأثر الذي يترتب على السلوك ومن ثم تدركه الحواس، لذلك فقد عرفت بأنها التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك(30).

لقد سبق وان بينا بان النتيجة هي عنصر من عناصر اكتمال الركن المادي للجرائم إلا ان هذا الأمر ليس مطلقاً فنظرة بسيطة لنصوص القانون تكون كفيلة بان تدلنا على ان هنالك مجموعة من الجرائم يكتفي فيها المشرع لاكتمال ركنها المادي في السلوك دون النتيجة لأنه رأى في هذا السلوك ضرراً يصيب مصالح المجتمع الأساسية وعلى هدى هذا الرأي كان الفقه قد فرق بين مجموعتين من الجرائم وفقاً للضرر أو عدم الضرر الناتج كعنصر من عناصر الركن المادي وهما جرائم ذات نتيجة مادية وجرائم سلوك محض (شكلية). فالجرائم المادية هي الجريمة التي يستلزم نموذجها في سبيل وجودها تغييراً معيناً في العالم المادي ينشأ عن سلوك مرتكبها(31)، وهي بذلك لا تكون تامة إلا بتحقيق النتيجة كما في جرائم الضرر(32).

وعليه يلاحظ بان النتيجة في هذا النوع من الجرائم لها أهمية كبيرة ولها أولوية في سياسية التجريم والعقاب، وهذه النتيجة ليست مادية فحسب وإنما يمكن ان تكون معنوية كما في القذف أو السب.أما بالنسبة لجرائم السلوك المحض أو الجرائم الشكلية كما يطلق عليها البعض(33) ففي هذه الجرائم نستنتج من تسميتها بان المشرع يجرمها لمجرد ارتكاب السلوك بغض النظر عن النتيجة المترتبة عليه وتعرف بأنها تلك الجرائم التي يتطلب نموذجها القانوني لغرض تحقيقها إتيان بسلوك سواء أكان ايجابياً أم سلبياً دون ان يشترط لقيامها ان يترتب على ذلك السلوك إحداث تغيير في العالم الخارجي(34) ومن هذه الجرائم جرائم تزييف النقود حيث تعدّ تامة وان لم يحصل تداول لتلك النقود، إذ ان مجرد حيازة الجاني لأدوات التقليد يعّد مرتكب لجريمة التزييف(35). نستنتج مما تقدم بان النتيجة ذات المدلول المادي تشكل عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة المادية إذ تمثل ما يترتب على السلوك ولا تندمج فيه بل تظل متميزة عنه ولاحقة عليه، فضلاً عن ان العقاب المترتب على السلوك الذي أدى الى النتيجة الضارة لا يختلف بتخلفها فهو يؤثر في تمام الجريمة، في عّدها تامة أم لا. ولكن إذا كانت النتيجة عنصر من عناصر الركن المادي فأنها ليست كذلك في كل أنواع الجرائم وإنما هنالك جرائم يمكن ان يسأل عنها الجاني حتى ولو لم يحقق النتيجة الضارة كما في جرائم السلوك المحض التي يجرمها المشرع لمجرد ارتكاب السلوك بغض النظر عن النتيجة وعلى مقتضى هذا فقد تم تقسيم الجرائم وفق المدلول المادي للنتيجة إلى جرائم مادية(جرائم ذات نتيجة) وجرائم سلوك (جرائم شكلية) وعليه فان النتيجة الجريمة نسبية تختلف باختلاف الجرائم دون اعتداد بشخصية الجاني أو غايته من الجريمة. وتأسيسا على ما تقدم فان الجرائم الماسة بالسكينة العامة قد تترك بعضها أثراً مادي وبالتالي فإنها تنطوي تحت لواء الجرائم المادية والتي تتحقق فيها نتائج ذات مدلول مادي كما في جريمة إلهاب الألعاب النارية .(36)
الفرع الثاني
المدلول القانوني للنتيجة

إن الهدف الرئيس من تجريم بعض السلوكيات هو صيانة المصالح الأساسية في المجتمع، والحيلولة دون إصابتها أو الاعتداء عليها. إذا النتيجة بمفهومها القانوني هي ضرر أو خطر ينال حق أو مصلحة جديرة بالحماية(37) وهذا الاعتداء يتمثل بمجرد الإضرار الفعلي بتلك المصلحة أو ذلك الحق أو بتعريض أيا منها للخطر(38) ولقد سار على هذا الاتجاه الفقه الإيطالي فوفقاً لرأيه تقوم الجريمة لمجرد ارتكاب السلوك الذي يتمثل باعتداء على الحق أو المصلحة محل الحماية وبذلك لا تكون النتيجة هنا أمراً مستقلاً عن السلوك وإنما صفة فيه(39) مندمجة معه.

وعلى هذا عرفها البعض بأنها الاعتداء على مصلحة يحميها المشرع سواء أدى هذا الاعتداء الى الإضرار بالمصلحة المعتدى عليها أو تهديدها بالخطر(40). أو هي حقيقة قانونية محضة تتمثل بالاعتداء أو المصلحة التي يحميها القانون بالعقاب على الجريمة وهذا الاعتداء أما يتخذ صورة الإضرار بهذه المصلحة أو بتعريضها للخطر(41). وهذا ما دعى أنصار المدلول القانوني للنتيجة الى القول بان الجرائم جميعها أما ان تعرض المصالح الأساسية والمحمية جنائياً للضرر أو تعرضها للخطر. وعلى وفق ذلك تم تقسيم الجرائم وفقاً للمدلول القانوني للنتيجة الى جرائم ضرر وجرائم خطر، فمن حيث جرائم الضرر توصف بأنها نوعاً خاصاً من أنواع الجرائم تتميز بان الضرر عنصر في السلوك الموصوف بأنموذجها القانوني، بحيث يتوجب لقيامها ان تصاب المصلحة المحمية بضرر فعلي منها وان يتحقق القاضي من حدوث هذا الضرر بتلك المصلحة. وبناء على ذلك فقد عرفها بعض الفقهاء بأنها الجرائم التي يتطلب المشرع لقيامها ان يسفر سلوك الجاني عن تدمير أو فقد أو نقص المصلحة المحمية جنائياً، أي هي تلك الجرائم التي تترتب عليها نتيجة ضارة محسوسة تنتهك عن طريقها المصلحة المحمية مباشرة(42).إذن جرائم الضرر هي التي يكفي لقيامها توفر ضرر سواء كان عاماً أم خاصاً بمعنى سواء كان ضرراً يصيب عموم الأفراد أو الجماعة أم ضرر يصيب فرداً معين بالذات، أما بالنسبة لجرائم الخطر فهي التي يستلزم لتحققها توفر الخطر وهو احتمال وقوع الضرر بمعنى إنها تقوم لمجرد ارتكاب السلوك الذي يهدد أو يعرض المصلحة أو الحق للأضرار الفعلي أو الخطر(43).

ونستنتج مما تقدم بان النتيجة وفقاً لمدلولها القانوني تتسم بأنها تقوم لمجرد ارتكاب الجاني سلوكاً سواء كان ايجابياً أم سلبياً له خاصية الاعتداء على مصلحة محمية جنائياً وهنا لا يعد الاعتداء، أي النتيجة بمفهومها القانوني عنصراً مميزاً عن السلوك وإنما صفة مندمجة فيه ذلك لان خاصية الاعتداء على الحقوق أو المصالح القانونية هي صفة لازمة لكل سلوك يعاقب عليه المشرع.ومن خلال عرض كلا المدلولين المادي والقانوني للنتيجة يتبين أنهما متطرفان فيما ذهبا إليه، فمن حيث المدلول القانوني للنتيجة كان أنصاره قد خلطوا بين أمرين هما النتيجة والغاية من التجريم، وهم بذلك يقيمون نظريتهم على أساس ان النتيجة هي عنصر من عناصر الجريمة إذ بدونهما لا جريمة، ولكن يلاحظ ان الغاية من التجريم هي حماية مصالح المجتمع الأساسية لان الأصل في الأفعال الإباحة وما برر من قيود على هذا الأصل هو استثناء عليه فان الغاية من التجريم شيء والنتيجة في الجريمة شيء آخر فهما ليسا وجهان لعملة واحدة كما ذهب أنصار المدلول القانوني هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يترتب على قولهم بان النتيجة هي عنصر من عناصر الجريمة القول بان جميع الجرائم لها نتائج، إذن المدلول القانوني للنتيجة الجرمية هو خلط بين موضوع الجريمة وعناصرها.أما بالنسبة لأنصار المدلول المادي فالنتيجة عندهم كما تم بيانه بأنها التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك، ولكن كما هو معروف بان للسلوك آثار كثيرة ولكن النتيجة الجريمة في نظرهم هي الأثر الذي يعتد به المشرع في تجريمه للسلوك الذي ينال الحق أو المصلحة التي يراها جديرة بالحماية. وبناء على ما تقدم فلا يصح الأخذ بمدلول دون الآخر إذن النتيجة هي التغيير الذي يترتب على السلوك في العالم الخارجي والذي يأخذه المشرع بنظر الاعتبار حينما يجرم سلوك ينال حق أو مصلحة جديرة بالحماية، فهنا تم الأخذ بكلاهما ولكنه أولى بالأهمية المدلول المادي على المدلول القانوني، حتى إن البعض ذهب الى القول بأنها الواقعة التي تترتب على السلوك وتستقل عنه محدثة تغييراً في العالم الخارجي(44). وهذا يعني بان النتيجة التي لها أولوية في نظر المشرع هي النتائج المادية ومن ثم النتائج القانونية لأنها مساساً مادياً بحق أو مصلحة التي يرى المشرع بأنها جديرة بالحماية فهي نتيجة طبيعية للواقعة المادية، ولكن هذا القول لا ينطبق على الجرائم الماسة بالسكينة العامة حيث ان النتيجة التي يأخذها الشارع بعين الاعتبار حينما يجرم سلوكيتها هي المساس بالمصلحة أو الحق الذي يراه جدير بالحماية أي النتيجة القانونية بغض النظر عما إذا ترتب على ذلك السلوك تغييراً في العالم الخارجي أم لا وفيما بعد إذا ترتب على السلوك المرتكب ضرراً مادياً ملموساً.
المطلب الثالث
علاقة السببية
في بعض الجرائم لا يمكن ان يسأل شخص عن جريمة تامة لمجرد ارتكابه للسلوك الذي جرمه المشرع بل لابد من ان يؤدي سلوكه الى إحداث نتيجة يعتد بها القانون(45) بعبارة أخرى لابد من ان تكون هنالك رابطة أو علاقة ما بين السلوك المرتكب والنتيجة المترتبة عليه وهذه الرابطة أو العلاقة أو الصلة يصدق عليها في الفقه الألماني مصطلح العلاقة السببية.

فهي الصلة التي تربط ما بين الفعل والنتيجة وبما ان هذين العنصرين ضمن تكوين الركن المادي لأي جريمة فالعلاقة السببية تشكل عنصره الثالث كنتيجة طبيعية للأمور، وهي بذلك تحتل مكانة هامة إذ إنها تجمع بين واقعتين ماديتين هما الفعل والنتيجة، فضلاً عن ان وجودها يحدد فيما إذا كانت الجريمة تامة أم لا وبالتالي تختلف مسؤولية مرتكبها، بمعنى إذا توافرت كانت الجريمة تامة فيسأل مرتكبها عن النتيجة، وبالعكس إذا انتفت لا يسأل الجاني عن جريمة تامة وإنما عن شروع فيها إذا كانت جريمة عمدية.وبما إنها تربط بين واقعتين ماديتين هما الفعل والنتيجة إذن هي ذات طابع مادي لأنها عنصر من عناصر الركن المادي الذي يمثل ماديات الجريمة، أي النتيجة تنسب الى الجاني متى ما كان وقوعها يسبب السلوك الذي ارتكبه فضلاً عن ان المعيار الواجب الأخذ به لتحديدها أنه لابد من ان يكون متفقاً مع طبيعتها المادية، إلا انه من الصعوبة وضع هذا المعيار لأنه قد تعدو النظريات بشأنه كنظرية السببية المباشرة ومفادها ان الجاني يكون مسؤولاً عن النتيجة التي حدثت في العالم الخارجي إذا كان لها اتصالاً مباشراً بالسلوك أو الفعل الذي ارتكبه، بمعنى ان السلوك الذي ارتكبه وأحدث نتيجة متصلة به اتصالاً مباشراً لا تشترك معه عوامل هو الذي يحدد مسؤولية الجاني. فبوجود هذه العوامل الأخرى تنقطع العلاقة السببية وفقاً لهذه النظرية(46).فضلاً عن نظرية السبب الملائم أو نظرية السبب المناسب ومفادها ان هنالك عوامل ممكن ان تشترك مع السلوك في إحداث نتيجة ما فكلها تتعادل من حيث تحقيق الرابطة السببية إلا إنها تميز بين نوعين من هذه العوامل، عوامل مألوفة وأخرى شاذة، فالعوامل التي تؤخذ بنظر الاعتبار الى جانب سلوك الجاني هي العوامل المألوفة، أما الشاذة فإذا ارتبطت مع سلوك الجاني فأنها تقطع الرابطة السببية وبالتالي فانه لا يسأل عن جريمة تامة وإنما عن شروع فيها فقط(47). وأخيراً نظرية تعادل الأسباب ومؤداها بان السلوك الذي ارتكبه الجاني وأدى الى حدوث النتيجة الضارة تشترك معه عوامل أخرى وجميعها متعادلة في تحقيق العلاقة السببية ما بين السلوك والنتيجة بغض النظر عما إذا كانت سابقة أم لاحقة أم معاصرة للفعل ولا تنقطع الرابطة السببية إلا إذا كانت العوامل الأخرى كافية لوحدها لإحداث النتيجة الضارة(48).

وفي ضوء ما تقدم نرى بان علاقة السببية تكون عنصر من عناصر الركن المادي ووجودها ضروري ولازم لتحديد مسؤولية الجاني فيما إذا كانت الجريمة تامة أم لا. في بعض الجرائم لاسيما تلك التي يشكل فيها السلوك واقعة مستقلة عن واقعة النتيجة بمعنى ان هنالك جرائم تعد السلوك والنتيجة واقعتين منفصلتين، وهنالك طائفة أخرى من الجرائم تعد متحققة لمجرد ارتكاب السلوك الذي جرمه المشرع، بغض النظر عن النتيجة المترتبة عليه، بعبارة أخرى ان النتيجة مندمجة مع السلوك وغير منفصلة عنه وبالتالي فأنها لا تستلزم توفر علاقة أو رابطة سببية ما بينهما ومن هذه الجرائم جرائم الخطر المجرد والتي معظمها من المخالفات(49).
وبما ان الجرائم موضوع الدراسة تم تقسيمها إلى قسمين الجرائم ذات الخطر الجرد وجرائم الخطر الملموس وأوضحنا بان العلاقة السببية لا تتحقق في القسم الأول منها وإنما قد تتحقق في القسم الثاني منها إذن الرابطة السببية قد تتحقق في الجرائم الماسة بالجريمة العامة وتشكل عنصرا ثالثا من عناصر ركنها المادي .
المبحث الثاني
الركن المعنوي
ان التشريعات الحديثة تتطلب تظافر الركنين المادي والمعنوي معاً اذا ان بدون الاول قيام للجريمة وبدون الاخير لاتتحقق المسؤولية الجزائية وعليه بدونهما لا قيام للجريمة(50)، فالجريمة لا تتجسد كفكرة قانونية بمجرد توفر الركن المادي فيها(51) بل لابد من أن يكون السلوك صادراً عن إرادة إنسان مميز(52). فالركن المعنوي يتمثل في الصلة النفسية ما بين السلوك وفاعله(53). ودراسة الركن المعنوي ستكون من خلال تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين خصص الأول للقصد الجنائي وأنواعه، والثاني للخطأ وأنواعه كالآتي:
المطلب الأول
القصد الجرمي
يتحقق القصد الجنائي في الجرائم العمدية وهي تلك الجرائم التي ترتكب بصورة متعمدة من قبل الجاني وهو صورة الركن المعنوي فيها لذلك سوف نبحث مفهومه وعناصره وصوره لاسيما وان الجرائم الماسة بالسكينة العامة قد يرتكب البعض منها وهو الغالب بصورة عمدية ويكون القصد الجنائي متحققا فيها.
الفرع الأول
تعريف القصد الجرمي
عرف المشرع العراقي في المادة (33) من قانون العقوبات بأنه: (توجيه الفاعل إرادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً الى النتيجة الجرمية التي وقعت أو أي نتيجة جرمية أخرى)(54). نستنتج من مجمل التعريفات المتقدم ذكرها إن القصد الجنائي هو انصراف إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة مع علمه بالنتيجة، ومن هذا يتبين انه يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة. اما المشرع اليوناني فقد عرفه القصد الجنائي بأنه:(….. يرتكب جريمته عن قصد من اتجهت إرادته الى تحقيق الوقائع التي تقوم بها وفقاً للقانون وعناصر هذه الجريمة، ويتوفر القصد كذلك لدى من علم إن من شأنه فعله أن يجعل من الممكن تحقيق هذه الوقائع فوافق على هذا الإمكان)(55). أما بالنسبة للمشرع اليوغوسلافي فقد عرفه في المادة السابعة من قانون العقوبات اليوغوسلافي عرف القصد بأنه: ( تعد الجريمة مرتكبة عمداً إذا كان الفاعل عالماً بفعله واتجهت إرادته الى ارتكابه علماً من شأن فعله أو امتناعه إحداث نتيجة غير مشروعة فرضيَّ بذلك)(56) فضلاً عن أن المشرع الإيطالي الذي عرفه في المادة (43) من قانون العقوبات الإيطالي بقوله: (تعد الجريمة عمدية أو متوفراً فيها القصد الجنائي إذا كانت النتيجة الضارة أو الخطرة التي تعتبر أثراً للفعل أو الامتناع والتي يعلق القانون عليها وجود الجريمة قد توقعها الجاني أو أرادها كأثر لفعله أو امتناعه)(57) وكذا الحال بالنسبة للمشرع السويسري عرفه بالقول بأنه: (لا يعاقب شخص على جناية أو جنحة إلا إذا تعمد ارتكابها وذلك ما لم ينص القانون على غير ذلك ويتوفر العمد متى ارتكب الجاني الجناية أو الجنحة عن علم وإرادة)(58).
الفرع الثاني
عناصر القصد الجرمي
إن القصد الجنائي يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة، فالعلم هو الإحاطة بالشيء(59)، وإدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع(60) فالمبدأ العام يقضي بوجوب الإحاطة بالعلم لكل ما له أهميته في بيان الجريمة لان القصد أساسه العلم بكل عنصر من العناصر المكونة للجريمة(61) إلا إن هذه القاعدة ليست عامة وإنما يمكن أن يرد عليها استثناءات فثمة عناصر تخرج عن نطاق العلم كضرورة لقيامه وهذا الخروج له ما يبرره(62).فالعلم أما أن يكون بالوقائع وأما أن يكون بالقانون، فالعلم بالقانون هو أمر مفترض(63) أما العلم بالوقائع فهو الذي يؤخذ بنظر الاعتبار إذ يستلزم العلم بالحق المعتدى عليه والنتيجة وعلاقة السببية، فالعلم بموضوع الحق المعتدى عليه هو إرادة الاعتداء على الحق الذي قدر المشرع جدارته بالحماية، وغالباً ما يكون هذا الحق ذا محل وذا كيان مادي، فإذا ما انصب فعل الجاني عليه تحققت النتيجة الجرمية فيه. وبناءً على ذلك يفترض علم الجاني بوجود هذا الحق، وبالعكس فإذا كان يجهل هو وصف الحق المعتدى عليه انتفى لديه القصد(64)، فضلاً عن ذلك لا يمكن أن يكون الجاني عالماً بخطورة الفعل الذي يرتكبه، إلا إذا كان قائماً على أساس علمه بان هناك خطورة فيه تمس الحق وإلا انتفى لديه القصد(65)، وكذا الحال بالنسبة للنتيجة فالأمر يستلزم من الجاني أن يكون عالماً بالنتيجة المترتبة على السلوك الذي يرتكبه(66) فضلاً عن ضرورة علمه بوجود رابطه سببية ما بين السلوك والنتيجة وهو بذلك يكون قد توقع السبب الذي أدى الى النتيجة الضارة التي وقعت، ولكن هذه النتيجة التي يتوقعها الجاني قد تحدث كاملة أو قد لا تحدث بكاملها، ولكن هذا الاختلاف لا يؤثر على العلم بالنتيجة لان القاعدة العامة تقضي بأنه لا ضرورة للعلم بالنتيجة الجرمية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. أما بالنسبة للإرادة الحرة فان توفرها كعنصر من عناصر القصد يشترط ان تكون متجهة نحو السلوك والنتيجة معاً(67).

وعليه فان المشرع لا يعتد بغير الأفعال الإرادية ويترك ما عداها جانباً وان أدت الى أضرار جسيمة(68)، فالإرادة هي قوة نفسية من شأنها الخلق والسيطرة، فهي تخلق فكرة الجريمة ومن ثم يأتي دور السيطرة في مرحلة التنفيذ، أما مرحلة التفكير فيكون لها دور نفسي يدخل في حيثيات الركن المعنوي، أما مرحلة التنفيذ فأنها تدخل في حيثيات الركن المادي بوصفها عنصراً فيه(69) فإرادة السلوك لازمة في جميع الجرائم العمدية(70) إذ لا جريمة ما لم يكن السلوك إرادياً ذلك لان إرادة السلوك أمر مفترض لأنه صادر عن إنسان يفترض انه قد مارسه بإرادته(71) فضلاً عن إرادة النتيجة المترتبة على ذلك السلوك ذلك لان لا قصد بدون إرادة السلوك أو النتيجة(72).
الفرع الثالث
صور القصد الجرمي
للقصد الجنائي أنواع متعددة ومتنوعة فهو أما أن يكون مباشراً أو احتمالياً أو محدداً أو غير محدد أو عام أو خاص، أو بسيط أو مقترن بسبق الإصرار، فمن بينها ما يمكن ان يتوفر في الجرائم محل الدراسة ولعل من أهمها القصد العام، هو الذي يمكننا القول بتوفر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة بوضوح، ولكن ذلك يستلزم منا بيانهما فالقصد المباشر هو توجه الجاني إرادته الى إحداث نتيجة معينة يريد الوصول إليها وهو عالم بصورة يقينية بحدوثها، أو بلزوم حدوثها لأثر حتمي لفعله(73) أما القصد الاحتمالي فهو قبول الفاعل إحداث نتيجة جرمية معينة فإذا بفعله يولد نتائج لم يكن يقصدها أو يريد الوصول إليها، وان كان قد قدر احتمال وقوعها وقبل المخاطرة بحدوثها(74). فهذه الصورة من صور القصد يمكن تحققها في جريمة الضوضاء بعدّها من ابرز تطبيقات الجرائم محل الدراسة ففيها يكون الجاني قد قصد إزعاج الآخرين ولكنه توقع إصابتهم بعاهة مستديمة كفقدان حاسة السمع مثلاً أو وفاة أحدهم إذا تجاوز الإزعاج الحد المسموح به ولكنه أقدم على فعله قابلاً المخاطرة بحدوث النتائج التي توقعها وان لم يكن يريدها أو يسعى الى الوصول إليها ابتداءاً، وقد اخذ به المشرع العراقي في المادة (34) منه (تكون الجريمة عمدية إذا توفر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة كذلك :
ب- إذا توقع الفاعل نتائج إجرامية لفعل فأقدم عليها قابلاً المخاطرة بحدوثها)(75) . ونستنتج مما تقدم بان القصد الاحتمالي يتكون من عنصرين هما :
العنصر الأول: توقع الجاني حصول النتيجة الجرمية الناشئة عن فعله أو عدم فعله. العنصر الثاني: قبول الجاني المخاطرة بحدوثها على الرغم من توقعه للنتيجة الجرمية المحتملة. أما بالنسبة للقصد العام فهو الذي يستلزم توفره في جميع الجرائم العمدية وبما ان البعض من الجرائم موضوع الدراسة ترتكب بصورة عمدية(76). لذلك يمكن أن يتوفر فيها هذا القصد.
المطلب الثاني
الخطـــأ
للإنسان من حيث الأساس حرية تامة في سلوكه اليومي، طالما انه ملتزم بحدود القانون إلا انه قد ينتج عن بعض الأفعال المباحة نتائج ضارة بالنفس أو المال تدفع المشرع الى مسألة مرتكبها(77). وأساس هذه المسؤولية هو انه إذا كان قد أبيح للناس حرية التصرف فشرط الإباحة هو عدم الأضرار بالآخرين، لأن الرجل العادي في سلوكه المعتاد يجب أن يكون حذراً ويقظاً بالقدر الكافي الذي يجنبه إلحاق الضرر بالغير، فإذا كان من حق كل إنسان مثلاً أن يقود سيارة بعد حصوله على رخصة فان من واجبه أن يكون حذراً بالقدر اللازم لتجنب دهس المارة.وعليه فانه إذا لم يتخذ الحيطة والحذر اللازمين فانه يكون قد ارتكب خطأ يحقق جرائم يطلق عليها بالجرائم غير العمدية(78) وهي مبينة غالباً في القانون من فئة الجنح والمخالفات(79).وبما إن الجرائم موضوع الدراسة هي من المخالفات لذا فان الخطأ يمكن أن يكون متصورا فيها لاسيما أنها ترتكب بصورة غير عمدية عن طريق الخطأ، ولكن ما هو الخطأ؟.
الفرع الأول
تعريف الخطأ
هو إخلال الشخص عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولته تبعاً لذلك أن يفضي تصرفه الى إحداث النتيجة الإجرامية سواء كان توقعها أم لم يتوقعها في حين كان ذلك باستطاعته ومن واجبه ولكنه حسب على غير أساس إن في استطاعته اجتنابها(80).من التعريف المتقدم ذكره يتبين بان للخطأ عنصرين أولهما الإخلال بواجب الحيطة والحذر من جهة، ووجود علاقة نفسية أو ذهنية ما بين مرتكب السلوك والنتيجة فهذه العناصر هي التي تحدد وجود الخطأ في فعل الجاني الذي تترتب عليه اعتبارات قانونية معينة تختلف عن ما قد يترتب على ارتكاب الجاني لسلوكه بشكل متعمد ومقصود وعليه نحاول بيان هذه العناصر.
الفرع الثاني
عناصر الخطأ
ان الخطأ يقوم على أساس توفر عنصرين لا ثالث لهما. فبالنسبة للعنصر الأول يمكن القول بان الحيطة والحذر هما واجب عام يلقى على عاتق كل إنسان في سلوكه وأعماله ليتجنب الأضرار بالآخرين، ولكن ما هي صوره، وما هو مقداره؟ بمعنى آخر ما هي التصرفات التي يتوجب على الشخص أن يقوم بها ليوصف سلوكه بالحيطة والحذر؟ اتجه الفقه الحديث في هذا الشأن الى البحث في معيار واجب الحيطة والحذر فمنهم من قال بان معياره موضوعي يتمثل في الشخص المعتاد الذي يضع نفسه مكان مرتكب السلوك ، فإذا وجد نفسه يتصرف كما يتصرف مرتكب السلوك، فمعنى ذلك إن من قام بذلك الفعل لم يخالف واجب الحيطة والحذر، أما إذا تصرف على نحو أكثر حيطة وحذر فهذا يعني بان من قام بذلك السلوك قد اخل بضرورة التزامه بالحيطة والحذر اللازمين لتصرفاته وبالتالي فانه يعّد مرتكباً لفعل يستحق عليه العقاب(81).

ومنهم من قال بمعيار شخصي والذي يعتمد في تحديد الالتزام بواجب الحيطة والحذر من عدمه على السلوك المعتاد للفاعل نفسه، فإذا كان الفاعل معتاداً على أن يتصرف بأسلوب معين في ظل ظروف معينة، ولكنه تصرف بأسلوب آخر اقل حيطة وحذراً مما اعتاد عليه عد مخالفاً لضرورة التزامه بهذا العنصر(82).إلا إننا نرى بان المعيار الواجب أخذه بنظر الاعتبار فيما يتعلق بواجب الحيطة والحذر هو المعيار الموضوعي لأنه الصالح للتطبيق في جميع الحالات ومقبول لدى معظم الناس وليس المعيار الشخصي الذي يقود الى اتجاه المهملين والرعناء والمستهزئين بسلامة الغير، وعلى أية حال فان سلوك الرجل المعتاد ليس سلوكاً مطلقاً وإنما يجب تقدير هذا السلوك وفقاً لظروف ارتكابه كالمكان، والزمان، أو حالة الطقس، أو الحالة الصحية لمرتكب ذلك السلوك….الخ، لكي يصل الى الحكم على ذلك السلوك بأنه مخالف لواجب الحيطة والحذر اللازمين أم لا.أما العنصر الثاني فانه ضروري لقيام الخطأ ومحتواه عدم توقع النتيجة مع وجود واجب توقعها، وإمكانية توقعها والحيلولة دون حدوثها، وعليه فان هذا العنصر لتحققه يستلزم توفر أمور معينة كعدم توقع النتيجة الجرمية أي عدم العلم بها، وضرورة توقع مرتكب السلوك النتيجة الضارة المترتبة عليه أو أي نتيجة جرمية أخرى ممكن أن يسببها ذلك السلوك، وهذا الأمر هو نتيجة منطقية لواجب الحيطة والحذر، فضلاً عن ضرورة إن تتوفر لدى الشخص مرتكب الفعل إمكانية توقعها(83) أي أن يكون باستطاعته أو في قدرته توقعها، فإذا لم يكن بمقدوره أن يتوقعها فلا يعد مخطئا، فضلاً عن أن يتوفر لدى مرتكب السلوك واجب الحيلولة دون وقوعها، أي يجب أن يتخذ معظم الإجراءات اللازمة للحيلولة دون حدوثها(84).وفي ضوء ما تقدم يمكن القول بان الفاعل إذا ارتكب خطأ أدى الى حدوث جريمة من الجرائم الماسة بالسكينة العامة فانه مرتكب لهذه الجريمة بصورة غير عمدية، وهذا أمر متصور لان بعضها من الممكن أن يرتكب بطريق الخطأ كما في جريمة عدم اتخاذ الاحتياط الكافي لحيوان في حيازته أو تحت سيطرته لمنع أو تفادي حدوث الضرر(85).
الفرع الثالث
الجريمة متعدية القصد
إن الجريمة متعدية القصد صورة من صور الركن المعنوي وفيها تتعدى النتيجة الحاصلة النتيجة التي كان الجاني يريد تحقيقها، فتكون اشد جسامة(86).واقرب الأنماط السلوكية الى الجريمة متعدية القصد، هو التسبب بالوفاة نتيجة الضرب، كما في جريمة الضرب المفضي الى الموت(87)، فهذه الجريمة كان الجاني يقصد الإيذاء فقط، ولكن فعله ينتهي إلى وفاة المعتدى عليه أي إن فعله أدى الى نتيجة لم يكن يقصدها أو يريدها ولم يتوقعه ابتداءا وهي اشد جسامة من النتيجة التي كان يسعى إليها من فعله، وقد اتجه جانب من الفقه الى القول بان هذا النوع من الجرائم تدخل في نطاق القصد الاحتمالي استناداً الى إن نتائجها محتملة وقد تكون متوقعة من قبل الجاني، ولكن هذا الرأي محل نظر لان القصد الاحتمالي يفترض فيه التوقع فضلا عن قبوله لها ، بعبارة أخرى إن الجاني متوقعاً للنتيجة الأشد ، التي من المحتمل أن يسببها فعله، وقبل المخاطرة بحدوثها(88).

ولكن الإرادة في الجريمة متعدية القصد منصرفة إلى ترتيب الحدث (البسيط) (النتيجة الجرمية الأساسية) وهي النتيجة المقصودة(89) وغير منصرفة الى ترتيب الحدث الأشد خطورة وجسامة منها(90).وعليه فان مسؤولية الفاعل عن الحدث الجسيم المترتب على فعله تقوم على عنصرين هما إخلال الجاني بواجب الحيطة والحذر حيث أقدم على ارتكاب الجريمة الأساسية وهو لم يكن على قدر كافي من التبصر لكي لا يتجاوز الحدود التي رسمها لنفسه، فضلاً عن عدم توقعه الحدث الجسيم إلا انه كان بإمكانه توقعه والحيلولة دون حدوثه. وفي ضوء ما تقدم يمكننا القول بان بعض الجرائم محل الدراسة قد تتحقق فيها الجريمة المتعدية القصد لاسيما إذا لم يتخذ الجاني واجب الحيطة والحذر ولم يقصد حدوث أي نتيجة اشد جسامة أو توقعها واعتقد إن بإمكانه تجنبها كما في جريمة إطلاق العيارات النارية داخل المدن أو القرى أو القصبات أو أي مادة مفرقعة أخرى فقد يتفاقم الأمر من مجرد إزعاج وإقلاق لراحة سكان المدن أو القرى أو القصبات الى التسبب بوفاة احدهم أو إصابته بمرض قد يمنعه من مزاولة أعماله المعتادة، وكذلك الحال بالنسبة لجريمة الضوضاء التي يتعدى فيها الأمر من مجرد تعكير صفو المواطنين الى إصابة احدهم بنوبة قلبية أو فقدان إحدى حواسه كالسمع مثلاً، بعبارة أخرى قد يتعدى فعل الجاني في أي جريمة من الجرائم الماسة بالسكينة العامة من مجرد إصابة المجني عليهم بأمراض نفسيه الى أمراض جسدية، أو الاثنين معاً، كأن يصاب احدهم بارتفاع في ضغط الدم مما يصاحبه تدهور في حالته النفسية أو بالعكس، قد تتحقق فيها الجريمة المتعدية القصد .يتضح مما ورد سالفاً بان الجرائم موضوع الدراسة بنوعيها هي من نوع المخالفات التي تخضع للأحكام العامة بمعنى يتحقق فيها العنصران المادي والمعنوي، ذلك لان هناك طائفتين من المخالفات، طائفة تخضع للأحكام العامة فتتطلب قصداً جنائياً حينما تكون عمدية، وخطأ غير عمدي في بعضها عندما ترتكب بطريقة غير عمدية .

أما بالنسبة للطائفة الأخرى فهي المخالفات التي تخرج عن نطاق الأحكام العامة وتتحقق لمجرد ارتكاب السلوك المسبب لها عن إرادة حرة واعية وعلى الرغم من حسن نية فاعلها فلا يستلزم القانون توفر العمد أو الخطأ فيها، ذلك لان تجريم المخالفات هو أمر ضروري لصيانة أوضاع المجتمع وتنظيمه والمحافظة عليه بصرف النظر عن خطورتها أو مقدار عقوبتها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هذه الطائفة ركنها المادي يتكون من عنصرين فقط هما الفعل والنتيجة دون العلاقة السببية ذلك لان هذا النوع من المخالفات يجرمه المشرع بمجرد ارتكاب السلوك ولا يستلزم الأمر فيها تحمل أعباء تكاليف إثبات أن سلوك الفاعل أدى الى تلك النتيجة لتفاهتها وبساطتها بالإضافة الى ذلك لا يتصور تحقق الشروع في هذا النوع من الجرائم .فضلاً عن ذلك إن النتيجة التي تتحقق في الجرائم محل الدراسة هي النتيجة ذات المدلول القانوني المتمثلة بالاعتداء على حق أو مصلحة يرى المشرع بأنها جديرة بالحماية لأنها فضلاً عن إنها من جرائم الخطر فهي من المخالفات أيضاً.
المبحث الثالث
الخطر
إن الجرائم الماسة بالسكينة العامة هي من الجرائم التي تشكل الأفعال الخطرة، أو الأوضاع الخطرة المتأتية من سلوكيات بعض الأشخاص وهي بذلك يشكل الخطر ركناً مهماً من أركانها يعد بذلك جوهر الدراسة شانها في ذلك شان جرائم الخطر من الجنح. لذا ارتأينا دراسته بشيء من التفصيل في هذا المبحث الذي سيقسم الى ثلاثة مطالب، نتناول في المطلب الأول تعريفه، وفي الثاني درجاته وفي الثالث أنواعه.
المطلب الأول
مفهوم الخطر
إن القول بان الخطر عنصرا في نموذج الكثير من الجرائم يتناسب مع الدور الكبير الذي تقوم به التشريعات الجنائية الحديثة لأنه أصبح ضروريا لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها المصالح القانونية وبما أن الجرائم الماسة بالسكينة العامة ينص على الخطر في نموذجها القانوني لذا ارتأينا توضيحه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الأول تعريفه وفي الثاني طبيعته.
الفرع الأول
تعريف الخطر
الخطر لغة ً من (أخطر) أي اشرف كما في قولهم اخطر المرض رجلاً بمعنى اشرف على الموت، أو بمعنى الاهتزاز والتبختر كما في قولهم خطر الرجل في مشيه(91). أي اهتزاز وتبختر، وقيل أيضا خاطر بنفسه أي قام بفعل ما يكون الخوف هو منه(92) إذا الخطر هو الإشراف على الموت، والإشراف هو الإنذار بوقوع ضرر ما، كما في الخطر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة حيث إنها تنذر بوقوع ضرر أما بالنسبة للخطر اصطلاحاً فلقد استعرضت الاتجاهات الفقهية المختلفة عند تعريفها له تعريفات متعددة ومختلفة اختلافاً جوهرياً، فقد عرفه البعض بأنه حالة واقعية أي مجموعة الآثار المادية ينشأ بها احتمال حدوث أي اعتداء ينال الحق(93). كما عرف بأنه موقف موضوعي(94).يلاحظ على التعريفين السابقين بان أنصارهما قد وصف الخطر بالماهية أو الهيئة التي يكون فيها وقت وقوعه فهو موقف أو حالة واقعية. في حين جاء فريق آخر ليعرفه بأنه الضرر الممكن أو الضرر المحتمل أو الاحتمال أو الضرر المستقبلي(95).يلاحظ بان من قال بهذا التعريف قد ذهب عكس الاتجاه الأول بمعنى انه قد حدد الخطر بالحدث أو النتيجة المتوقعة في المستقبل فهو ضرر ممكن أو محتمل أو مستقبلي.

نتيجة لهذا الاختلاف فقد ظهر اتجاه فقهي آخر يعرف الخطر بأنه موقف طبيعي موضوعي يوجد حالة من الشك والتردد بين تحقق النتيجة وعدم تحققها(96). يلاحظ على هذا التعريف بأنه يعتبر الخطر حالة غير مستقرة تتراوح بين التحقق وعدم التحقق. ولكن هذا الاتجاه قد تعرض للنقد فقد رأى الفقهاء المعاصرون بأنه يتقاطع مع علاقة السببية التي تستلزم وجود موقف مؤكد وليس مجرد الشك فهذه العلاقة تشترط قيام صلة ما بين الأسباب والنتائج. وقد عرف الخطر بأنه الحالة التي تتمثل في إمكان التأثير الضار على المصلحة المحمية جنائياً(97). كما عرف أيضا بأنه موقف يترتب عليه إمكان الإضرار بمجال كبير أو قليل، بالإضافة إلى اتجاه آخر عرف بأنه الضرر الممكن(98).

ان هذه التعريفات تشير الى انه يمكن تعريف الخطر بالاعتماد على عنصر الإمكان كعنصر من عناصره، إلا ان التعريف الأول يشير الى ان الخطر الذي يهدد المصالح المحمية هو حال، وهذا الحال هو مستمر حتى ينتج عنه ضرر، فإذا نتج الضرر زال الخطر على أساس ان الخطر مرحلة أولية تسبق الضرر وان تحقيق الضرر هو الأمر اللاحق. أما التعريف الثاني فيلاحظ بأنه يلغي الخطر كمرحلة أولى ويسميه بالضرر بمعنى ان الخطر هو جزء من الضرر وهذا أمر غير مقبول ومحل نظر، فضلاً عن ان هذه التعريفات يلاحظ عليها النقص وعدم الاكتمال(99). لذلك ظهر اتجاه آخر ليعرف الخطر بأنه الحالة التي تتمثل في إمكانية التأثير الضار على المصالح المحمية قانوناً(100) .

في حين عرفه البعض الآخر بأنه احتمال حدوث الضرر أو احتمال تحقق نتيجة ضارة مستقبلية(101).يلاحظ على التعريف بأنه يصف الخطر ويبينه ويشرحه ولكنه لا يضع تعريفاً محدداً له، وهناك من يعرفه بأنه ضرر محتمل أي انه ضرر احتمالي يصيب الأموال القانونية في المستقبل أو هو ضرر قريب الحدوث(102).يلاحظ على هذه التعريفات ان أصحابها قد عرفوا الخطر بأنه محتمل، والاحتمال هنا من صفات الضرر وبالتالي فانه لا يوضح معنى الخطر بالشكل المطلوب قانوناً. في حين عرفه آخرون بأنه حالة توفر فيها قدر ذو شأن من العوامل الميسرة لحدوث ضرر ما(103).

يلاحظ على هذا التعريف إذا لم تكن هذه العوامل الميسرة لحدوث ضرر ما ذات اثر فعال فلا خطر في حقيقة الأمر، كما يلاحظ بان هذا التعريف يختلف عن بعض التعريفات السابقة التي اعتمدت في مفهوم الخطر على الاحتمال أو الإمكان وذلك لان أنصار هذا التعريف اعتمدوا على صلاحية تلك العوامل الميسرة لإحداث ضرر ما وهذا مأخذ عليه لأنه يفترض بالتعريف ان يكون مانعاً جامعاً بمعنى .

لذا جاء جانب آخر من الفقه ليعرف الخطر بأنه حالة واقعية تتمثل في مجموعة من الآثار المادية التي ينشأ بها احتمال حدوث ضرر ينال المصلحة المحمية جنائياً(104).يلاحظ على هذا التعريف بان أمر واقعي لا خيالي إنما وجود حقيقي مادي، وهذا الوجود يتمثل بظهور تلك الآثار المادية في العالم الخارجي تلك الآثار التي تنذر باحتمال حدوث ضرر كما في جريمة إلهاب الألعاب النارية التي تفترض تهديداً فعلياً بتعرض المصالح المحمية جنائياً للخطر(105)، فالخطر في هذه الجرائم يتمثل في إيجاد حالة واقعية تنذر بشكل جدي بالضرر سواء وقعت تلك الحالة بسلوك ايجابي أم بسلوك سلبي(106).وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف الخطر بأنه( أفعال ناشئة عن أشخاص معينين من الممكن ومن المحتمل ان ينشأ عنها أضرار غير محددة تصيب عدد غير محدد من الأشخاص في حياتهم أو أموالهم).
الفرع الثاني
طبيعة الخطر
تعددت الآراء حول طبيعة الخطر وتنوعت الاتجاهات، إلا ان ابرز الاتجاهات التي تناولت طبيعته هي الاتجاه الشخصي، والاتجاه الموضوعي واتجاه مختلط سوف نوضح كلا منها ومن ثم نرى ما هو الاتجاه الغالب؟ فيما يتعلق بالاتجاه الشخصي فأصحاب هذا الاتجاه يذهبون الى القول بان الخطر هو تقدير أو انفعال ينجم عن موقف معين غير مؤكد أو على الأثر الذي يتخلف في وجدان الجماعة ومشاعرهم ويؤدي الى وجود اضطراب بين أفرادها(107). وبالتالي فان الخطر في تقديرهم أمر لا وجود له في الحقيقة وذلك لأنه لا يوجد إلا الضرر أو عدم الضرر هذان الأمران لا ثالث لهما.

فإذا حدث الضرر فهذا يعني انه كان من الضروري ومن اللازم ومن المحتم ان يقع ذلك الضرر، وإذا لم يقع فان هذا يعني انه من الممكن ان يحدث ومن ثم لا توجد حالة وسط ما بين هاتين الحالتين، وعليه فلا وجود للخطر في نظرهم فهو أمر خيالي لا وجود له إلا في مخيلة وذهن من يفتقد وجوده(108).وكما اعتقد الزميل عبد الباسط الحكيمي بان الخطر ما هو إلا نوع من الإحساس أو الانفعال أو التخوف الناجم عن موقف غير مؤكد، ولهذا يقال بأنه يكون الإنسان محيطاً بكل شيء يدور حوله لابد من ان تتحقق حالة تبصر جميع الاحتمالات الممكنة لظاهرة معينة وأخذها بعين الاعتبار أو الاعتداد بها ويؤكدون بذلك انه لا يوجد خطر أو ضرر لأنه لا مجال للتهديد أو التخوف من حالة معينة بل لابد من ان يكون لدى الفرد السيطرة المطلقة على الأمور.

ويترتب على ذلك بان النتيجة التي تحدث بسبب السلوك الإجرامي لا يمكن عدها تهديداً بالخطر إذ لابد من ان تكون ضرر و إلا يعّد السلوك الذي أثاره الجاني مباحاً وبالتالي لا عقاب عليه لأنه لم يحقق نتيجة ضارة. وعليه فان الخطر في حساباتهم هو مجرد شعور لدى الفرد يتوقع منه ضرر أما الاتجاه الآخر أي الاتجاه الموضوعي فانه يذهب عكس ما ذهب إليه الاتجاه الأول يقوم وينهض على أساس موضوعي مؤداه ان الخطر له كيان مادي واقعي(109) وعليه فان الخطر حالة واقعية تبدو متطابقة مع الخبرة العامة ومستخلصة من الطابع الخاص بالموضوع وبعيدة كل البعد عن المشاعر والانفعالات والأحاسيس، وذلك لأنه إذا لم يكن للخطر كيان مادي واقعي فلا يمكن للمشرع ان يجرم بعض السلوكيات ويعدها خطرة وان القيام بها يعد جريمة معاقب عليها جنائياً على سبيل المثال في نطاق الجرائم غير العمدية ان المشرع يعاقب الشخص عن الضرر الذي ينشأ عن سلوكه على الرغم من عدم اتجاه إرادته إلى ذلك لان سلوكه تضمن الخطر، ولهذا السبب تم تجريم جميع الأفعال غير العمدية وان كان معاقبة مرتكب الجريمة غير العمدية قائم على أساس غير صحيح وغير قانوني(110).

وعليه يؤكدون بان الخطر هو تهديد للمصلحة المحمية جنائياً ومن الممكن ان يسبب ضرراً إذا توفرت له الظروف والعوامل اللازمة لذلك، وهذا يعني بان الضرر قد يختلف في بعض الأحيان على الرغم من توقع حدوثه لأسباب معينة قد تكون غير ظاهرة ومن توقع ذلك الضرر فعدم معرفة تلك العوامل لا يعود الى عدم وجود كيان حقيقي للخطر وإنما سببه جهل الفرد وعجزه عن الإحاطة بكل ما يلم بالظاهرة ووزنها. ويؤكد بان للخطر كيان مادي حقيقي، إذ يجب توفر ظروف وعوامل ملائمة لحدوث النتيجة إذ ان الجاني لا يخلق بفعله إمكان حدوث النتيجة ولكنه قد يزيد من إمكانية حدوثها بتوفر عوامل وظروف معينة كما في جريمة الضوضاء إذا كان الشخص يعاني من إضطرابات سمعية فان الصخب والضجيج يعد سبباً في فقدان حاسة السمع لديه، إلا ان هذا السبب أو العامل مسبوق بعوامل متعددة، وهي الاضطراب السمعي لدى ذلك الشخص بحيث يصبح ذلك الضجيج سبباً جديداً أضيف الى الأسباب والعوامل الأخرى.ففي هذه الحالة نجد الجاني لم يخلق بفعله إمكان حدوث الواقعة (فقدان حاسة السمع) ولكنه زاد إمكانية حدوثها عندما توفرت ظروف وعوامل معينة، وعليه فان الخطر موقفاً أو حقيقةً مستقلة عن مشاعر الأشخاص وانفعالاتهم، بعبارة أدق يمكن الجزم بان الخطر حقيقة موضوعية(111).

بمعنى ان تقدير الخطر في وجوده أو عدم وجوده لا يتوقف على تجاوز الأشخاص وخبراتهم العامة وذلك لان الاعتقاد بان الخطر أمر خيالي ولا وجود له كما ذهب ليه أنصار الاتجاه الشخصي هو اعتقاد محل نظر لأنه لا يعني وجوده مطلقاً(112).أما بالنسبة للاتجاه المختلط فقد حاول أنصاره التوفيق بين الاتجاهين السابقين الشخصي والموضوعي وذلك بتعريفهم للخطر بأنه صلاحية ظاهرة معينة أو عوامل معينة لإحداث زوال أو نقصان لقيمة تشبع حاجة ما، وان هذه الصلاحية ذات كيان مادي وطابع شخصي في آن واحد، بمعنى إنها مزيج من الاتجاه الشخصي والاتجاه الموضوعي في تحديد طبيعة الخطر وذلك لأنها تستخلص من وقائع الحياة ذاتها ووفقاً للمجرى العادي للأمور من الناحية الشخصية فأنها تعتقد بوجود الخطر ، فهو أمر خيالي في أذهان الأفراد كافة وذلك حينما يتخوفون من خطر(113).

وعلى الرغم من هذا المزيج إلا ان النسبة كونها موضوعية أكثر مما هي شخصية هي الراجحة، ولهذا يحتج بها في مواجهة الكافة ،ولكن هذا الاتجاه له من يؤيده وذلك بالقول بان (تجارب الحياة تعلم ان اثر ما يترتب عادة على أمر ما ومن ثم يمكن الإحساس فور قيام ذلك الأمر يترتب ذلك الأثر عليه) يصدق هذا على الضرر والخطر في آن واحد. فكل موقف أو مسلك دلت عليه تجارب الحياة على انه مصدر للضرر يكون مثلاً فيه عند توفر خطر هذا الضرر، وأما الضرر لا ينتج عنه فعلاً فيرجع ذلك الى انه أحيانا تتدخل ظروف لم تكن بالحسبان ولم يكن يتأتى الوقوف عليها فتحول دون حدوث ما كان متوقعاً من ضرر(114).

وعلى الرغم من المؤيدين له إلا انه تعرض الى انتقادات منها تعريف الخطر بالصلاحية هو من باب تعريف الشيء بالخصائص والوظائف لا بالمكونات، وعليه فان هذا التعريف يعد الصلاحية عنصراً من عناصر تكوين الخطر يتوقف على هذا العنصر بقية العناصر الأخرى المكونة له وهو بذلك يكون قد ادخل عنصراً غريباً عن عناصر مكونات الخطر الحقيقة ذلك لان الصلاحية تعد وصف أو حكم على الشيء وتابع لوجوده وعليه فان تعريف الخطر بالصلاحية هو خلط ما بين الذات ووصف الشيء والحكم مساساً من شأنه ان يظهر الى العالم الخارجي(115).وتأسيساً على ما تقدم نرى بان الاتجاه الراجح في تحديد طبيعة الخطر هو الاتجاه الموضوعي الذي يقوم على مبدأ أساسي مؤداه بان للخطر كيان مادي وواقعي وتماشياً مع اتجاه الفقه والتشريع لتحديد مفهوم الخطر ولكن هذا لا يمنع من ان تؤخذ بنظر الاعتبار العوامل ذات الطبيعة الشخصية(الاتجاه الشخصي) مثل الأحاسيس والعواطف والانفعالات لأنها تعد عوامل مساعدة في تكوين الخطر. إذن الخطر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة هو خطر له كيان مادي وواقعي يمس مشاعر وعواطف الآخرين.
المطلب الثاني
درجات الخطر
إن الخطر يمكن ان يكون موجوداً بدرجات متباينة فهي تتدرج من الأدنى الى الأعلى، فأدنى درجات الخطر لا تحقق الضرر ويبدو شبه مستحيل، أما أعلى درجاته فعلى العكس تماماً فأنها تحققه بصورة بالغة الخطورة ،إلا انه يلاحظ بان درجات الخطر لا يمكن احتسابها وفقاً للطرق الرياضية البحتة، فمثلا إذا كان حدوث ضرر معين يتطلب ان يكون ذلك الوضوح بنسبة معينة كأنْ تتراوح ما بين 1%- 2% فان ذلك سوف يستحيل حدوثه بالنسبة للخطر لان هذه الطريقة لا تسمح بالتمييز ما بين ما هو خطر وبين ما هو غير ذلك(116).وعليه فقد اقترح البعض وسيلة أو طريقة معينة أو معيار لاحتساب درجات الخطر وهي الإمكان الجدي ويراد بها نسبة الاقتراب من الضرر(117).

غير إن هذه الوسيلة ليست دائماً تعطى النتائج الصحيحة لدرجات الخطر لان درجة الإمكان لهذا يمكن عّدها في بعض الحالات كافية من حيث الأهمية لإيجاد خطر وفي حالات أخرى لا تكون كذلك.وبناءً على الانتقادات التي وجهت الى هذه الطريقة أو الوسيلة أو المعيار فلقد قرر بعض الفقه بان لدرجة الخطر معنيان لا معنى واحد، أولهما: كمية العوامل الميسرة للضرر أو النتيجة ومقدار نسبتها أو وزنها في مجموعة العوامل الأخرى المماثلة لها، وذلك من خلال وضع مقياس الى مجموع العوامل ذاتها.

وثانيهما: يراد بها صفة أو شدة الضرر المنذر بوقوع الخطر، ولكن يلاحظ على هذا الرأي بأنه قد جمع بين معنيين متطرفين متناقضين وذلك لأنه إذا كانت قياس درجة الخطر تطبق على مرحلة من مراحل الجريمة وهي مرحلة الخطر، فان درجة الضرر هي الأخرى تطبق بدورها على مرحلة الضرر وكلاهما مختلفتان عن الأخرى، وهو بذلك يكون قد خلط بين درجتين متغايرتين(118).فضلاً عن درجة الخطر هي ليست على مستوى واحد وإنما تتدرج كما سبق الإشارة إليه من الحدود الدنيا الى الحدود العليا وما بينهما ، ففي الدرجات الدنيا يكون قدر العوامل التي تشترك مع السلوك في إحداث الضرر شبه المستحيل، وذلك لان نزول الدرجة عن القدر اللازم يعني عدم قيام الخطر أصلاً وبالتالي لا يوجد تخوف حقيقي من إمكانية ان يحدث ضرر(119).

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للدرجات الدنيا فانه ليس كذلك بالنسبة للدرجات الوسطى التي تتوسط الدرجات الدنيا والدرجات العليا للخطر، إذ ان التخوف من الخطر في وجودها أمراً راجع الى مسألة تساوي عوامل إحداث الضرر وعوامل الحيلولة دونه والدرجة الوسطى للخطر هي درجة الإنذار بضرر محتمل احتمالاً وسطاً(120).

أما بالنسبة للدرجات العليا فهي التي تنذر بضرر محتمل احتمالاً قوياً، بمعنى ان الخطر في أعلى درجاته يكون قد بلغ الدرجة القصوى له وهي درجة الإنذار بضرر فعلي(121).والخطر حينما يكون في أقصى درجاته يكون ذلك راجعاً لأسباب معينة كأن تكون القوة القاهرة سواء بفعل الطبيعة أم بالحادث الفجائي أم بفعل الإنسان أم بالإكراه….الخ.

ومعيار تحديد درجات الخطر يرجع الى ظروف معينة لعل من أبرزها الأهمية الاجتماعية لموضوع الاعتداء أي الحق أو المصلحة التي يرى المشرع بأنها جديرة بالحماية. فضلاً عن الضرر الذي يمكن ان يصيب ذلك الحق أو تلك المصلحة، فضلاً عن السبب الرئيسي وراء عملية التهديد بالضرر أي الغاية أو الهدف الأساسي من ارتكاب الجريمة. وعلى الرغم من كل ما تقدم فان المشرع قد ترك لمحكمة الموضوع مسألة تقدير درجة الخطر فعلى سبيل المثال قد يكون الخطر في أقصى درجاته حينما يكون مهدداً لأنظمة الدولة أو حياة الأفراد، أو عدد كثير غير محدد من الأشخاص أو مصلحة ذات قيمة كبيرة في نظر الشارع. وعلى أية حال فان درجة محددة للخطر يمكن الاعتراف بها لأنها كافية وقادرة على إنشاء خطر يصيب المجتمع وأفراده.وعليه فان درجات الخطر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة هي من الدرجات الوسط لان الدرجات الدنيا لا تحقق جريمة أصلاً ، فضلاً عن ان الدرجات العليا تنذر بوقوع ضرر حتمي وأكيد، وهو الأمر غير متحقق في الجرائم المذكورة آنفاً، لأنها من باب المخالفات التي تتميز ببساطتها بالنسبة لبقية أنواع الجرائم كالجنايات والجنح(122).
المطلب الثالث
أنواع الخطر
لقد تعددت صور الخطر تبعاً لتعدد آراء الفقهاء واتجاهاتهم ومشاريعهم، ونتيجة لذلك ظهرت أنواع مختلفة من الخطر نتناولها في هذا المطلب لتحديد النوع الذي يتوفر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة وذلك في خمسة فروع نتناول في الأول: الخطر المجرد والخطر الواقعي وفي الثاني: الخطر الفردي والخطر العام وفي الثالث: الخطر البعيد والخطر القريب، وفي الرابع: الخطر الحال والخطر المستقبلي، وأخيراً الخطر المباشر والخطر غير المباشر.
الفرع الأول
الخطر المجرد والخطر الواقعي
بات من الضروري بحث الخطر المجرد والخطر الواقعي في مقدمة أنواع الخطر وذلك لأهميتهما في الجرائم الماسة بالسكينة العامة حيث ميز الفقه بينهما من حيث الجرائم المترتبة على كل واحد منهما.فبالنسبة للخطر الواقعي يخلق نوع من الجرائم يطلق عليها بالجرائم ذات الخطر الواقعي (الملموس) والتي تتميز بكون الخطر عنصراً فيها بحيث يتوجب على القاضي أن يثبت وجوده في واقعة واضعاً في تقديره كافة الظروف المحيطة بها.في حين الخطر المجرد ينشأ نوع آخر من الجرائم يطلق عليه بالجرائم ذات الخطر المجرد والتي لا تستلزم منه تحمل عبء تكاليف إثبات الخطر فيها إذ إنها تعد متحققة لمجرد ارتكاب سلوكها لأنها تعرض حقوق الآخرين المحمية جنائياً للتهديد بالخطر، بعبارة أدق ان مجرد ارتكاب سلوك معين يراه المشرع بأنه خطر يهدد المصالح المحمية قانوناً فان ذلك يعد كافياً لقيامها وعليه فان الخطر لا يستلزم ان يكون عنصر من العناصر المكونة لها أو النص عليه في أنموذجها القانوني.

وبناءً على ما تقدم فان الخطر عنصر من عناصر تكوين الجرائم ذات الخطر الواقعي التي يشترط النص عليها في أنموذجها القانوني على توفر الخطر على العكس من الجرائم ذات الخطر المجرد(123)، إذن الخطر هو أساس التجريم في بعض أنواع جرائم الخطر ولابد من التثبت من تحققه في جميع الوقائع و إلا كان تطبيق النص عند عدم وجود الخطر أمر غير سليم(124) بغض النظر عن النص عليه في صلب النصوص القانونية ،ذلك لان الخطر المجرد في الجرائم ذات الخطر المجرد هو خطر مفترض، بمعنى ان المشرع يفترض وجوده في سلوكياتها التي يجرمها، وهذا يعني بأنه قابل لإثبات العكس كما جاء في المؤتمر العاشر لقانون العقوبات العراقي لسنة 1969(125).

ولقد رفض غالبية الفقه فكرة افتراض الخطر، لأنه لا يمكننا معرفة فيما إذا كانت الجريمة من جرائم الخطر أم لا ، فضلاً عن افتراض الخطر يعني تثبيت أسس التجريم على مبدأ الافتراض وهذا يعد رجوعاً من المشرع الى العقاب على عدم الطاعة(126)، ولكن هذا الرفض ليس مطلقاً أي ان الخطر يمكن ان يكون مفترضاً بموافقة غالبية الفقه بالنسبة لبعض الجرائم البسيطة كالمخالفات(127).في حين ان الخطر الواقعي غير مفترض وإنما منصوص عليه صراحة في النص القانوني وبناءً على ذلك فانه يلزم إثباته في جميع الحالات والوقائع إذ ان تقديره يخضع لكافة الظروف يستلزم من القاضي إثباته ،فضلاً عن ذلك إن الخطر المجرد يهدد بحدوث ضرر غير محدد في حين الخطر الواقعي يؤدي الى إحداث ضرر معين(128).وكذلك ان الخطر الواقعي هو حالة تتوفر فيها جميع العناصر اللازمة والضرورية للأضرار بالحق أو المصلحة المحمية جنائياً، فهو خطر حال وشيك الوقوع ومن شأنه ان يؤدي مباشرة الى نتائج ضارة. أما الخطر المجرد فهو لا يشكل اعتداء أو تهديداً مباشراً للحقوق أو المصالح المحمية جنائياً لأنه لم يستكمل بعد جميع العناصر الموضوعية اللازمة للأضرار بها. وتأسيساً على ما تقدم فان الخطر المتحقق في غالبية الجرائم الماسة بالسكينة العامة هو الخطر المجرد وبالتالي يترتب على هذا الخطر عموم مميزاته، فضلاً عن الخطر الواقعي في البعض القليل النادر منها كما في جريمة إلهاب الألعاب النارية في إمكان من شأن إلهابها فيها إحداث ضرر أو خطر أو إتلاف(129).
الفرع الثاني
الخطر الفردي والخطر العام
إن الخطر الفردي أو الخاص هو الذي يهدد المصالح الفردية المحمية جنائياً بالضرر، كحق الإنسان في الحياة وحقه في ماله…الخ(130)، بمعنى انه يهدد شخص معين بالذات أو مجموعة محددة من الأشخاص. أما الخطر العام فهو الذي يهدد مباشرة المصالح العامة المحمية جنائياً بالضرر(131)، بمعنى انه يهدد عدد غير محدد من الأشخاص أو عدد كبير منهم ولو أمكن تحديدهم. وقد عرفت بعض التشريعات الخطر العام بأنه تعريض الحياة أو التكامل الجسدي لعدد كبير غير محدد من الأشخاص أو الأموال ذات القيمة الكبيرة وغير المحددة للخطر(132).وبناءً على ما تقدم فالجرائم موضوع الدراسة من الممكن عند ارتكابها ان تعرض مجموعة غير محددة من الأشخاص أو الأموال ذات القيمة الكبيرة وغير المحددة أيضا للخطر، فان هذا القول ينسجم مع الخطر العام، إذن الخطر العام هو المتحقق في جميع الجرائم الماسة بالسكينة العامة.
الفرع الثالث
الخطر القريب والخطر البعيد
إن معيار التفرقة أو التمييز ما بين الخطر القريب والخطر البعيد هو نص القانون، فحينما يشترط المشرع احتمال حدوث الضرر أكثر من عدم حدوثه يكون الخطر قريب أما إذا اشترط احتمال عدم حدوث الضرر أكثر من حدوثه، يكون الخطر بعيد. وعليه بما ان الجرائم الماسة بالسكينة العامة نصوصها تقضي احتمال حدوث الضرر أكثر من عدم حدوثه إذن يتوافر فيها الخطر القريب.
الفرع الرابع
الخطر الحالي والخطر المستقبلي
لقد تعددت الآراء حول تعريف الخطر الحالي فمنهم من عرفه بأنه إمكان تحقق الضرر حالاً، وعرفه البعض الآخر بأنه موقف يدعو الى خوف جدي من ضرر معين على وشك الوقوع(133).أما الخطر المستقبلي فهو خطر وهمي مجرد لا أساس له في الواقع وهو مجرد خيال وتصور في الأذهان(134). وعلى هذا الأساس فقد ذهب البعض الى القول بتوفر الخطر الحالي في الجرائم ذات الخطر الواقعي كما في جريمة إلهاب الألعاب النارية وجريمة عدم اتخاذ الاحتياط الكافي لحيوان في حيازته أو تحت سلطته لمنع وقوع أي ضرر أو خطر، والخطر المستقبل يتوافر في الجرائم ذات الخطر المجرد(135). وعليه كلا النوعين متوافر في الجرائم الماسة بالسكينة العامة.
الفرع الخامس
الخطر المباشر و الخطر غير المباشر
الخطر المباشر هو الخطر الذي يتحقق بتوفر جميع الظروف والعوامل اللازمة لإحداث الضرر، أما الخطر غير المباشر فهو الذي يتحقق بتوفر ظرف ما في المستقبل لإحداث الضرر(136).ان هذا التقسيم قائم على أساس اكتمال عناصر الركن المادي بالفعل والنتيجة والعلاقة السببية، وبما ان قسم من الجرائم الماسة بالسكينة ركنها المادي يتكون من عنصرين فقط هما الفعل والنتيجة كالجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر المجرد فالخطر المتحقق فيها هو الخطر غير المباشر، أما الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الملموس فان الخطر الذي يتحقق فيها هو الخطر المباشر ذلك لان ركنها المادي يتكون من عناصره الثلاثة (الفعل، النتيجة، علاقة السببية) .
_____________________
[1]- ينظر نصوص المواد (28-33) من قانون العقوبات العراقي.
2- ينظر نصوص المواد (79-88) من قانون العقوبات العماني، والفصل الثاني من الباب الأول الكتاب الأول من قانون العقوبات لدولة الإمارات العربية المتحدة.
3- د.محمود إبراهيم إسماعيل، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات، الطبعة الثانية، مطابع دار الهنا، القاهرة، ص133.
4- د.علي راشد، شرح القانون الجنائي، مدخل وأصول النظرية العامة، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، 1974، ص219.
5- د.عبود السراج ، قانون العقوبات (القسم العام)، جامعة دمشق، 2002، ص189.
6- د.عوض محمد، قانون العقوبات (القسم العام)، دار المطبوعات الجامعية، ص54.
7- ينظر نص المادة 194 من قانون العقوبات العراقي.
8- ينظر نص المادة 28من قانون العقوبات المذكور أعلاه.
9- د.سمير الشناوي، الشروع في الجريمة، أطروحة دكتوراه، دار النهضة العربية، 1971، ص84-86.
10- د.مأمون سلامه ، قانون العقوبات (القسم العام)، الجريمة، الطبعة الثانية، 1976، ص134.
11- د.مأمون محمد سلامه، المرجع ذاته، ص127.
12- د.حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد، الأحكام العامة، دار الحرية للطباعة، الطبعة الثانية، الجزء الأول، 1976، ص52-53.
13-د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، المرجع السابق، ص283.
14- ينظر نص المادة (495/ ثالثاً) من قانون العقوبات العراقي.
15- د.محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، مطبعة دار النشر الثقافية، 1950، ص168.
16- د.مأمون محمد سلامه، المرجع السابق، ص115 .
17- د.رؤوف عبيد، مباديء القسم العام من التشريع العقابي، دار الفكر العربي، الطبعة الرابعة، 1979، ص207.
18-ينظر نص المادة (495/خامساً) من قانون العقوبات العراقي.
19- ينظر نص المادة (2/2 ) قانون منع الضوضاء رقم 21 لسنة 1966.
20-}المؤمن/61{.
21-ينظر نص المادة (342/ ثانيا) من قانون العقوبات.
22- د.حسنين إبراهيم عبيد، المرجع السابق، ص137.
23- د.فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، مطبعة الزمان، بغداد،1996، ص146.
24- ينظر نص المادة 406 من قانون العقوبات العراقي.
25- ينظر نص المادة 495/أولاً من القانون ذاته.
26- ينظر نص ذات المادة/ ثانيا من القانون أعلاه.
27- د.حميد السعدي، المرجع السابق، ص158.
28- د.جلال ثروت، نظم القسم الخاص، الجزء الأول، المكتب المصري الحديث، 1997، ص94.
29- د.عمر السعيد رمضان، قانون العقوبات، القسم الخاص، 1965، ص104.
30- د.محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص288.
31- د.رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1971، ص560.
32- د.رمسيس بهنام، المرجع ذاته، ص560.
33- حميد السعدي، المصدر أعلاه، ص165.
34-د.رمسيس بهنام ، المصدر السابق، ص560.
35- ينظر نص المادة (285/1) من قانون العقوبات العراقي.
36- ينظر نص المادة 495/ اولاً من قانون العقوبات العراقي .
37- د.حسنين إبراهيم، النظرية العامة للظروف المخففة، أطروحة دكتوراه، دار النهضة العربية، 1970، ص207.
38- د.احمد فتحي سرور، أصول السياسية الجنائية، دار النهضة العربية، 1972، ص168.
39- د.محمود محمود مصطفى المصدر السابق، ص235.
40- د.سمير الشناوي، المرجع السابق، ص98.
41-د.جلال ثروت، المرجع السابق، ص88.
42- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم في القانون الجنائي،المرجع السابق، ص103.
43- د.محمود نجيب حسني ، المرجع السابق، ص291.
44- د.عمر السعيد رمضان، المصدر السابق، ص109.
45- د.احمد عبد العزيز الألفي، شرح قانون العقوبات اللبناني (القسم العام)، المكتب العربي الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1969، ص213.
46- د.علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات(القسم العام)، الدار الجامعية، ص182-283.
47- د.محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، ص272.
48- د.محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، ص274.
49- د.مأمون سلامه، قانون العقوبات (القسم العام)، الطبعة الثانية، ص102.
-50.Carreu and E،swinfen Green ،criminal law and procedure،sweet and maxwell،London،1940،P.9-16.
51- د.عدنان الخطيب، الوجيز في شرح المبادئ العامة في قانون العقوبات، مطبعة الجامعة السورية، 1955، ص317.
52- د.محمد مصطفى القللي، في المسؤولية الجزائية، مطبعة الاعتماد، 1945، ص75.
53- د.احمد عبد العزيز الالفي، المرجع السابق، ص305.
54- د.علي حسين الخلف و د.سلطان عبد القادر الشاوي، المباديء العامة في قانون العقوبات، وزارة التعليم العالي، بغداد، 1982، ص283.
55- د.محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، العدد148،ص20.
56- د.محمود نجيب حسني، نظرية القصد الجنائي، المرجع أعلاه ، ص20.
57- د.محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص20.
58- د.محمود نجيب حسني ، المرجع السابق، ص18.
59- د.فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، المرجع السابق، ص218.
60- د.رؤوف عبيد، المرجع السابق، ص284.
61- د.علي راشد، المرجع السابق، ص358.
62- د.محمود نجيب حسني، نظرية القصد الجنائي، ص557.
63- د.عوض محمد، المرجع السابق، ص227-229.
64- د.محمود نجيب حسني، المرجع أعلاه، ص60. وكذلك د.محمد الفاضل، المباديء العامة في قانون العقوبات، الطبعة الثانية، 1963، ص457.
65- د.محمد الفاضل، المرجع السابق، ص458.
66- د.محمود نجيب حسني، القصد الجنائي، المرجع السابق، ص75.
67- د.محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص66. ومحمد الفاضل، المرجع السابق، ص237.
68- د.مأمون سلامه، قانون العقوبات القسم العام، الجريمة، ط2، ص280.
69- د.عوض محمد، المرجع السابق، ص217-218.
70- د.علي بدوي، الأحكام العامة في القانون الجنائي، الجزء الأول في الجريمة، مطبعة نوري، 1938، ص339.
71- د.حسن صادق المرصفاوي، قواعد المسؤولية الجنائية في التشريعات العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، 1972، ص66.
72- د.عوض محمد، المرجع أعلاه، ص223-225.
73- د.محمود نجيب حسني، نظرية القصد الجنائي، المرجع السابق، ص224. وكذلك د.السعيد مصطفى، الأحكام العامة في قانون العقوبات، دار المعارف، الطبعة الرابعة، مصر، 1962،ص396.
74- د.محمود نجيب حسني، نظرية القصد الجنائي، المرجع السابق، 1976، ص228.
75- ينظر نص المادة (34/آ/ ب) من قانون العقوبات العراقي.
76- د.مصطفى القللي، المرجع السابق، ص181.
77- د.عبود السراج، المرجع السابق،ص229.
78- د.جلال ثروت المرجع السابق،ص219. وكذلك د.مأمون سلامة، المرجع السابق، ص216.
79- يمكن أن ترتكب بعض الجنايات استثناء بصورة غير عمدية إذا صاحبها ظرف من الظروف، ينظر نص المادة (343/2/3) من قانون العقوبات العراقي.
80- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني(القسم العام)، المرجع السابق، ص637. وأيضاً إيهاب يسر أنور علي، الخطأ غير العمدي في قانون العقوبات والقانون المدني، رسالة ماجستير، القاهرة، 1991،ص1.
81- د.فوزية عبد الستار، النظرية العامة للخطأ غير العمدي، دار النهضة العربية، 1973، ص73. وأيضاً د.شريف سيد كامل محمد، النظرية العامة للخطأ في القانون الجنائي (دراسة تأصيلية للركن المعنوي في الجرائم غير العمدية)، أطروحة دكتوراه، القاهرة، 1992،ص526.
82- د.فوزية عبد الستار، المرجع السابق، ص71. وأيضاً د.شريف سيد كامل محمد، المرجع السابق، ص528.
-83A.charane et M.C fayard، les،Delit d’Im pradence،Rer،s.c.Grim،1975،p.1.
84- محمد صبحي نجم، قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق،ص305.
85- ينظر نص المادة (495 / خامساً) من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969المعدل.
86- د.جلال ثروت، نظرية الجريمة متعدية القصد، المرجع السابق، ص8.
87- ينظر نص المادة (410) من قانون العقوبات العراقي .
88- د.محمود نجيب حسني، نظرية القصد الجنائي، المرجع السابق،ص422.
89- د.جلال ثروت، نظرية الجريمة متعدية القصد، المرجع السابق،ص393.
90- د.جلال ثروت، ذات المصدر أعلاه، ص396-398.
91- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، مطبعة مصر، الجزء الأول ، 1961، ص243.نقلا عن عبد الباسط الحكيمي ، المصدر السابق ،ص98.
92- الشيخ احمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المصباح المنير، دار المعارف، 1977، ص173.
93- د.محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات(القسم العام) ، دار النهضة العربية، الطبعة السادسة، 1989، ص284.
94- د.سمير الشناوي، المرجع السابق، ص65-66.
95- د.عبد الفتاح الصيفي، المطابقة في مجال التجريم (محاولة فقهية لوضع نظرية عامة للمطابقة)، دار النهضة العربية ، الطبعة الثالثة، 1991، ص132.
96- د.سمير الشناوي، المرجع السابق، ص65-66.
-97 Schorder(H): op.cit p.8.
-98Roda (J.C): les delits de mise en denenger، R.I.D.D.P،1969،p.357.
99-عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص11.
100- د.علي يوسف حربه، المرجع السابق، ص108.
101- د.عبد الفتاح الصيفي، المرجع السابق، ص132.
102- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المرجع السابق، ص108.
103- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المرجع ذاته، ص108. نقلا عن عبد الباسط الحكيمي ، المصدر السابق ،ص15 ،17
104- د.محمود نجيب حسني ،المرجع السابق، ص284.
105- ينظر نص المادة (495/أولا) من قانون العقوبات العراقي.
106- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المرجع السابق، ص106-107.
-107Bostos(J) et polito ff(s):op. Cit.p.338.
108- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر أعلاه، ص105.
109-د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المرجع السابق، ص106.
110- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر أعلاه، ص105.
111- د.سمير الشناوي المرجع السابق، ص64.
112- د.سمير الشناوي المرجع السابق، ص65.
113- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر السابق، ص106.
114- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر أعلاه، ص106.
115- د.علي يوسف حربه، المرجع السابق، ص101.
-116 Schroder: op.cit،p.9.
117- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص43.
118- د.علي يوسف حربه، المرجع السابق، ص141.
119- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر السابق، ص109.
120- ذات المؤلف، ذات المصدر، ص110.
121- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر اعلاه، ص110.
122- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص53.
-123 Schroder: op.cit،p.16-20.
-124 Bostos(J) et polito ff(s):op. Cit.p.343.
125-ينظر توصيات المؤتمر، المجلة الجنائية القومية، السنة 1970، مجلد 13، 1974. أشار إليها عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص52.
126- د.رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المصدر السابق، ص63.
-127 Bostos(J) et polito ff(s):op. Cit.p.343.
128- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص53.
129- ينظر نص المادة (495/ أولا ً) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
130- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات(القسم العام)، دار النهضة العربية، 1996، ص296.
131- ذات المؤلف، ذات المصدر، ص296.
132-ينظر نصوص المواد (216-217) من قانون العقوبات الهولندي، أشار إليها عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص58.
133- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص59.
134- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في شرح قانون العقوبات(القسم العام)، المرجع السابق، ص389.
-135 Pinter et niski:op cit، p.158.
136- عبد الباسط الحكيمي، المرجع السابق، ص60.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت