لمحة عن مستجدات مسطرة التحقيق في مشروع قانون المسطرة المدنية ليناير 2015
إعداد: ذ. عبد الرحيم بنيحيى

باحث في العلوم القانونية

خريج ماستر الأسرة في القانونين المغربي و المقارن- كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية- جامعة ابن زهر أكادير-

مقدمة:

عرف أحد الفقه[1] إجراءات التحقيق بأنها ” كل ما تتخذه المحكمة أو المقرر من إجراءات جائز قبولها قانون للتحقيق في دعوى قائمة أو في دعوى مستقبلية”.

من خلال هذا التعريف نلاحظ أن إجراءات التحقيق تعتبر من بين الأعمال الإجرائية التي يرتب عليها القانون مباشرة أثرا إجرائيا وتكون جزء من الخصومة، و أن الهدف منها هو التحقيق[2] في الدعوى وإثبات وقائع النزاع بتقديم دليل، ومثاله الاستدلال بشهادة شاهد أو الطعن في صحة الدليل كالادعاء بالزور وإزالة الغموض والإبهام المحيط بوقائع النزاع، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح ” الاستيضاح”.[3] وتبليغ الخصوم بالأوراق والمستندات والمذكرات المدلى بها في الدعوى التي يمكن أن يحتج بها في مواجهتهم.

و بالعودة إلى مسطرة التحقيق في التشريع المغربي فإنها لم تأتي من فراغ بل اتت نتيجة مناخ تاريخي وسياسي واجتماعي ،وذلك انطلاقا من قانون المسطرة المدنية القديم ظهير 12 غشت 1913 الذي ساهم بترسانته القانونية المتأثرة بالقانون الفرنسي على تطور مسطرة التحقيق في التشريع المغربي ووضع مسطرة تراعي خصوصيات العمل القضائي المغربي، وصولا إلى القانون الحالي المؤرخ في 28 شتنبر1974 والمعدل لاحقا بمقتضى ظهير10 شتنبر 1993 الذي يعتبر قانون في حقيقته امتدادا لقانون المسطرة المدنية القديم وفق صيغته المعدلة خاصة بمقتضى ظهير 1954، يحمل مجموعة من المقتضيات الهامة في ما يخص مسطرة التحقيق التي نظمها المشرع في الباب الثالث من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية الحالي تحت عنوان “إجراءات التحقيق” في الفصول من 55 إلى 102 منه. التي يظهر منها أن المشرع المغربي لم يحصر هذه الإجراءات بل أوردها على سبيل المثال.

و من خلالها عمل المشرع المغربي على إحداث أحكام جديدة و حديثة تعكس التطور الذي عرفه البحث الفقهي و القضائي في المغرب، وذلك عبر وضع مشروع جديد يتعلق بقانون المسطرة المدنية في شهر يناير سنة 2015، يكرس لنص تشريعي متكامل ومتوازن يساير الدستور أولا ويواكب النظريات الحديثة في المجال المسطري ثانيا.[4] ويتضمن هذا المشروع مجموعة من المستجدات مست الجوانب المتعلقة بالمجال الإجرائي المدني ومن بينها إجراءات التحقيق في الدعوى والتي سنبرز أهم مقتضياتها الجديدة.

المطلب الأول: مستجدات الفرع الأول و الثاني من مشروع قانون المسطرة المدنية ليناير 2015

جاء الفرع الأول من مشروع قانون المسطرة المدنية ليناير 2015 موسوما بعنوان المقتضيات العامة، الذي جاء بمجموعة من المقتضيات و الأحكام الجديدة تعكس التطور الذي يعرفه المغرب، و تساير دستور المملكة لسنة 2011 (الفقرة الأولى). أما الفرع الثاني فهو مخصص لإجراء من إجراءات التحقيق ألا وهي الخبرة التي واكبها المشرع في المشروع الحالي بمجموعة من المقتضيات الجديدة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مستجدات الفرع الأول المخصص للمقتضيات العامة

انطلاقا من المادة 55 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه ”يمكن للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف قبل البت في جوهر الدعوى، الأمر بإجراء خبرة أو الوقوف على عين المكان أو البحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء من إجراءات التحقيق متى كان ذلك ضروريا أو مجديا.

يجب على الأطراف أن يساهموا في إجراءات تحقيق الدعوى وفقا لما تقتضيه قواعد حسن النية، وللمحكمة ترتيب الآثار عن كل امتناع أو رفض غير مبرر.

إذا كان مستند للإثبات يوجد بحوزة طرف في الدعوى أو الغير، يمكن للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة، بناء على طلب الطرف الآخر، ما لم يوجد مانع قانوني الأمر بالإدلاء به في أجل معقول، تحت طائلة الحكم عليه في حالة الرفض غير المبرر بغرامة تهديدية.

باستثناء شرط الكتابة، لا يخضع تقديم الطلب المشار إليه في الفقرتين أعلاه لأي شكلية محددة، كما لا يشترط فيه تحديد المستند المطلوب الإدلاء به سوى من حيث نوعه.

يمكن لممثل النيابة العامة أن يحضر أي إجراء من إجراءات التحقيق المأمور بها.

لا يستجاب لطلب إجراء الخبرة أو إعادتها متى تبين للمحكمة وجه الحكم في القضية.”

نستخلص ما يلي :

أضاف المشرع لمقتضى الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية الحالي معطى جديد ينص على ضابط من الضوابط الواجب على القاضي أن يتقيد بها عند الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، وذلك بتأكده قبل الأمر بأي إجراء من كون الإجراء المتخذ ضروريا أو مجديا حسب ما جاء في الجملة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة 55[5]من المسودة “..متى كان ذلك ضروريا أو مجديا..”

والرأي في اعتقادي أن هذا المعطى الجديد سيساهم إلى حد كبير في توسيع صلاحية القاضي، وذلك بمنحه السلطة في تكييف القضية والأمر بإجراء من إجراءات التحقيق قبل البث في جوهر الدعوى متى رأى أن ذلك ضروري ومجدي حتى لا يشغل وقته فيما لا طائل من ورائه ولا صالح منه.

كما ألزم المشرع في الفقرة الثانية[6]من المادة 55 من المشروع أطراف الدعوى أن يساهموا في إجراءات التحقيق بحسن نية، وذلك لمساعدة المحكمة في القضية المعروضة عليها، ومنح المشرع للمحكمة سلطة ترتيب الآثار عن كل امتناع أو رفض غير مبرر للأطراف في المساهمة في ذلك.

ومنح المشرع في الفقرة الثالثة[7] من هذه المادة من المشروع لأطراف الدعوى أحقية مطالبة المحكمة أو القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر، الطرف الأخر في الدعوى أو الغير بتقديم مستند لإثبات يوجد بحوزته، في حالة عدم وجود مانع قانوني، وذلك في أجال معقولة تحدده المحكمة تحت طائلة غرامة تهديدية في حالة الرفض الغير المبرر. باعتباره مقتضى قد يساهم في تسريع البث في القضية من طرف المحكمة على أساس مستند الإثبات الذي يعتبر الفاصل في الدعوى حينها، ولكن الإشكال هنا أن المشرع لم يرد مفهوم المانع القانوني الذي أورده في هذه الفقرة حيث بوجوده لن تأمر المحكمة بهذا الإجراء.

كما تم منح للنيابة العامة بدليل الفقرة ما قبل الأخيرة من هذه المادة من المسودة إمكانية حضور أي إجراء من إجراءات التحقيق المأمور بها من طرف المحكمة، وهنا تبقى لنيابة العامة الاختيار يعني أن المشرع لم يجبرها عن الحضور، و أشار المشرع في الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه ” لا يستجاب لطلب إجراء الخبرة أو إعادتها متى تبين للمحكمة وجه الحكم في القضية” وقد حسن المشرع في هذا المقتضى وذلك مراعاة منه حتى لا يتم تطويل المسطرة وإرهاق الخصوم بإجراءات لا طائل منها .

ويتضح مما سبق أن المادة 55 من المشروع أتت بمقتضيات وضوابط جديدة يتقيد بها القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة عندما تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، وذلك لتفادي تطويل الإجراءات وتعطيل الفصل في القضايا وإرهاق الخصوم بإجراءات لا طائل منها.

وبالرجوع إلى المادة 56 من مسودة المشروع[8] نلاحظ أن المشرع منح للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة سلطة أن يحدد أجل أقصاه 15 يوما لطالب إجراء من إجراءات التحقيق، ليضع المبلغ الذي يتطلبه الإجراء في صندوق المحكمة من تاريخ توصله بالإشعار الموجه إليه من لدن كتابة الضبط، وذلك تحت طائلة صرف النظر عن الإجراء والبث في القضية على حالتها، وإذا صدرت المحكمة الأمر بإجراء التحقيق تلقائيا فإنه يتم فيه تعيين الطرف الذي يتولى إيداع هذا المبلغ .

حيث يستفاد من هذا المعطى الجديد أن المشرع استطاع أن يعالج مكامن الخلل والقصور في الفصل 56 من قانون المسطرة المدنية الحالي الذي لم ينص على أي أجل محدد لتحدده المحكمة لطالب إجراء من إجراءات التحقيق، بل منح صلاحية تحديده للمحكمة مما قد يطول المسطرة والإجراءات، وهذا ما نتبه إليه المشرع في المسودة مراعاة منه في ضرورة تسريع البث في القضايا.

الفقرة الثانية : مستجدات الفرع الثاني من المشروع “الخبرة”

جاء المشروع بمجموعة من المستجدات التي تخص الخبرة و نذكر منها:

التنصيص في الفقرة الأولى [9]من المادة 59 من مسودة المشروع على امكانية تعيين أكثر من خبير في حالة أمر القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة بإجراء الخبرة وذلك على خلاف ما تم التنصيص عليه في الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية الحالي، الذي قيد المحكمة بتعيين خبير واحد، كما تم التنصيص في المادة 62 [10]من المسودة على أنه يمكن تجريح الخبير الذي لم يعين باتفاق الأطراف وذلك في نفس حالات الفصل 62 من قانون المسطرة المدنية الحالي، إلا أن المقتضى الجديد هنا هو أنه في الفقرة الثانية من هذه المادة تم إضافة جزاء ” عدم قبول الطلب” في حالة عدم احترام أجل خمسة أيام لتقديم طلب التجريح الذي يبدأ سريانه من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبير، إضافة إلى تمكين الخبير في هذه المادة من أن يثير أسباب التجريح من تلقاء نفسه، الأمر الذي لم يكن معمولا به في قانون المسطرة المدنية الحالي، كما تم التنصيص على ضرورة إشعار الخبير فورا بمسطرة التجريح المقدمة في مواجهته، ويطلب منه التوقف مؤقتا عن إنجاز الخبرة إلى حين البث في المسطرة.

وأضاف المشرع مقتضى جديد في هذا الفرع وذلك بصريح الفقرة الثالثة[11] من المادة 63 من المسودة التي تنص على ضرورة إجراء الخبير لمحاولة الصلح بين الأطراف، وذلك بغية منه تشجيع وتكريس العدالة التصالحية.

المطلب الثاني: مستجدات الفرع الثالث و الرابع من مشروع قانون المسطرة المدنية لسنة 2015

واكب المشرع المغربي التطور الذي تعرفه بلادنا في البحث الفقهي و القضائي، وذلك بوضع مقتضيات تساير هذا التطور، حيث من خلال الفرع الثالث من هذا المشروع وسع المشرع من مفهوم المعاينة لكي لا تقتصر على الأماكن فقط المعمول بها في القانون الحالي( الفقرة الأولى). كما نظم إجراء الابحاث على نحو يساير العمل القضائي ببلادنا لحل الإشكالات العالقة في مسطرة تلقي شهادة الشهود ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مستجدات الفرع الثالث من المشروع ” المعاينة”

من خلال هذا الفرع نلاحظ أن المشرع وضع عبارة “المعاينة ” عنوانا للفرع الثالث في المشروع محل عبارة ” معاينة الأماكن ” المعنون به الفرع الثالث من الباب الثالث في القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية الحالي، وباستقراء المواد [12]67،68[13]،69[14]و[15]70 من المشروع فإن مفهوم المعاينة هو الشيء المتنازع عليه، بمعنى أن المشرع هنا وسع مفهوم المعاينة سواء كان أماكن أو أشياء أخرى وذلك على خلاف ما تم التنصيص عليه في قانون المسطرة المدنية الحالي في الفرع الثالث من الباب الثالث في القسم الثالث المخصص لإجراء معاينة الأماكن حيث قيد المشرع المعاينة هنا في الأماكن فقط.

الفقرة الثانية: مستجدات الفرع الرابع من المشروع ” الأبحاث”
يمكن إجمال أهم هذه المستجدات في ما يلي:

باستقرائنا للفقرة الثانية[16]من المادة 77 من مشروع قانون المسطرة المدنية نلاحظ أن المشرع رفع سقف الغرامة التي يمكن الحكم بها على الشهود المتخلفين عن الحضور أمام المحكمة إلى حد مائتي درهم كحكم قابل لتنفيذ رغم التعرض والاستئناف، على خلاف ما تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية[17] من الفصل 77 من قانون المسطرة المدنية الحالي الذي نص على غرامة لا تتعدى خمسين درهما، كما تم في الفقرة الثالثة[18]من المادة 77 من المشروع بالرفع من سقف الغرامة التي يمكن الحكم بها على الشهود المتخلفين عن الحضور أمام المحكمة برغم من استدعائهم للمرة الثانية بغرامة لا تتعدى خمسمائة درهم، وذلك على خلاف ما نص عليه المشرع في قانون المسطرة المدنية الحالي في الفقرة الثالثة[19]من الفصل 77 الذي نص على غرامة لا تتعدى مائة درهم .

كما تمت إضافة معطى جديد، بنص المادة 81 من المسودة في فقرته الثانية على أنه ”إذا كان الشاهد يتكلم لغة أو لهجة يصعب على الأطراف أو الشهود الآخرين فهمها أمكن الاستعانة، إما تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف، بكل شخص قادر على الترجمة شريطة أن لا يقل عمره عن ثمانية عشر سنة وأن لا يكون مدعوا لأداء شهادته في القضية وأن يؤدي اليمين على أن يترجم بأمانة إذا كان من غير التراجمة المقبولين لدى المحاكم”.

وجاء هذا المعطى في اعتقادي تماشيا مع ما أسفره العمل القضائي من صعوبات في هذا الشأن ، كما أشارت هذه المادة في فقرتها الأخيرة إلى أنه ” يؤدي من لا قدرة له على الكلام الشهادة بالكتابة أو بالإشارة المفهمة.” كمستجد لم ينص عليه المشرع من قبل في قانون المسطرة المدنية الحالي، الذي سيمنح للمحكمة سلطة واسعة في الاستعانة بكل شاهد تراه ملائما في القضية بغض النظر عن قدرته في الكلام أم لا ، كما أعطت المادة 82 [20] من المشروع الإمكانية لأي طرف في الدعوى وذلك في إطار الأبحاث التي يأمر بها القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة، أن يطرح مباشرة على الطرف الآخر أو على أحد الشهود أسئلة من أجل توضيح وقائع الدعوى، كمعطى جديد جاء لرقي بمسطرة الأبحاث التي يأمر بها القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة لتوضيح وقائع الدعوى بكيفية صريحة أمامها لتكوين قناعة أثناء الحكم.

المطلب الثالث: مستجدات الفرع الخامس و السادس من مشروع قانون المسطرة المدنية لسنة 2015

أضاف المشرع المغربي أحكاما و بنودا جديدة لتنظيم إجراء اليمين تنظيما يساير ما أسفره العمل القضائي، و تبسيط للمساطر المعمول بها في هذا المجال (الفقرة الأولى). كما وضع تقسيما جديدا لإجراء تحقيق الخطوط و الزور مع مجموعة من الأحكام و المقتضيات الجديدة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مستجدات الفرع الخامس من المشروع ” اليمين”
أضاف المشرع مقتضى جديد بصريح الفقرة الأخيرة من المادة 85 من المشروع التي تنص على أنه ” يجوز أن توجه اليمين الحاسمة في أي حالة كانت عليها الدعوى أمام المحكمة سواء ابتدائيا أو استئنافيا، ولا يجوز للمحكمة أن تمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفا في توجيهها.” وهو الأمر الذي لم ينص عليه المشرع من قبل في قانون المسطرة المدنية الحالي، وهذا المقتضى الجديد سيوسع دائرة إعمال إجراءات اليمين الحاسمة في أي حالة كانت عليها الدعوى ابتدائيا أو استئنافيا.

كما أشير أنه تمت إضافة بندين للمادة 88 من المشروع (المادة 88-1 والمادة 88-2)، حيث المادة 88-1 “أجازت للنائب القانوني طلب تحليف الخصم إذا كان مخولا بذلك ولا يجوز له أداء اليمين نيابة عمن يمثله”، أما المادة 88-2 أضافت صلاحية للمحكمة بأن توجه تلقائيا لمن ادعى حقا على التركة وأثبته يمينا على أنه لم يستوف هذا الحق من المتوفى بنفسه أو بغيره، ولا أن المتوفى أبرأه منه أو أحاله على غيره وأنه لم يستوف دينه من الغير، وأنه لم يكن عليه للمتوفى في مقابل هذا الحق دين أو رهن. وإذا توفي من وجهت إليه اليمين يؤديها ورثته طبقا للقانون .”

الفقرة الثانية : مستجدات الفرع السادس من المشروع ” تحقيق الخطوط والزور”

وضع المشرع المغربي تقسيما جديدا لهذا الفرع حيث قسمه إلى جزئيين فرعيَّيْن، فالجزء الفرعي الأول معنون ” بتحقيق الخطوط” والجزء الفرعي الثاني معنون ” ادعاء الزور” الذي قسم بدوره إلى كل من الزور الفرعي والزور الأصلي .

فمسطرة تحقيق الخطوط عموما هي مجموعة من الإجراءات التي وضعها القانون لإثبات صحة المحررات العرفية التي يحصل إنكارها لتكون حجة للتمسك بها في مواجهة المنكر[21].

حيث في الجزء الأول من هذا الفرع نسجل مجموعة من المقتضيات الجديدة ونجملها في ما يلي :

-وضع بند للمادة [22]90 وهو البند 90-1 الذي أعطى صلاحية للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة أن تأمر الجهة المودع لديها المستند الرسمي بإحضاره للمقارنة وفي حالة الامتناع تطبق المقتضيات المنصوص عليها في القانون الجنائي.

-و تم التنصيص على غرامة مرتفعة بالمقارنة مع قانون المسطرة المدنية الحالي، حيث نصت المادة 91 من المسودة على أنه ” إذا ثبت من التحقيق أن المستند محر أو موقع ممن أنكره أمكن الحكم عليه بغرامة لفائدة النيابة العامة من 500 إلى 5000 درهم بالإضافة إلى ما قد يحكم به من تعويضات ومصاريف.”

وذلك على خلاف ما تم التنصيص عليه في المادة 91 من قانون المسطرة المدنية الحالي الذي نص على أنه ” إذا ثبت من تحقيق الخطوط أن المستند محرر أو موقع ممن أنكره أمكن الحكم عليه بغرامة مدنية من مائة إلى ثلاثمائة درهم دون مساس بالتعويضات والمصاريف.” وتمت إضافة بندين جديدين للمادة 91 من المسودة ( 91-1) و( 91-2) و الغاء الفصل 95 من قانون المسطرة المدنية الحالي .

خاتمة:

من خلال ما سبق يتضح أن مشروع قانون المسطرة المدنية يناير 2015 استطاع أن يعالج جوانب مهمة من مكامن القصور فيما يخص الباب الثالث من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية الحالي المعنون بإجراءات التحقيق في الدعوى، وذلك بتنصيص على ضوابط ومقتضيات جديدة تنص على إجراءات بسيطة وسريعة تستجيب لحاجيات المتقاضين ومرفق القضاء ولكن أقترح في ضوء هذا المشروع ما يلي:

-وضع مفهوم للمصطلح “المانع القانوني” الذي أورده المشرع في الفقرة الثالثة من المادة 55 من مشروع قانون المسطرة المدنية.

-أقترح تنظيم إجراء الحضور الشخصي ، و أدعو المشرع إلى التراجع عن حذفه من الفصل 334 من مسودة المشروع وذلك لدوره التنقيبي، التي بها يتم ملامسة واقع النزاع بفضل الاتصال المباشر بالخصوم.

-كما أدعو المشرع المغربي لحذف مسطرة التصالح أمام الخبير المنصوص عليها في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية في مادتها 63 في الفقرة ما قبل الأخيرة منها ، وأن يمنع صراحة القاضي من تفويض صلاحياته بهذا الشأن وهو بهذا سيحذو حذو أغلب التشريعات الحديثة كالتشريع الفرنسي.

[1]. محمد المجدوبي الإدريسي، إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، الطبعة الأولى 1996 مطبعة الكاتب العربي- دمشق . الصفحة : 09

[2]. ويعرف الفقه التحقيق بأنه “مرحلة من الدعوى تثار فيها مناقشة الوسائل الواقعية والقانونية المدعمة لكل طلب أو دفع بحيث يسعى كل خصم إلى إقناع المحكمة بصحة ادعائه أو بعدم صحة ادعاء خصمه، كما يسعى القاضي من خلالها إلى الإلمام بوقائع النزاع والتأكد من مطابقتها للحقيقة تسهيلا لمهمته في الفصل في النزاع”.

[3]. وفي ذلك أصدرت محكمة النقض قرارا بتاريخ 31\1\1989 رقم 196 ملف عقاري عدد 449\85 جاء فيه: ” حقا إن ما بني عليه القرار المطعون فيه من الإجمال والإبهام وإن كان حاصلا في موضوع الدعوى فإنه لا يوجب الغاءها إلا بعد المدعي برفعه وبيانه، وإغفال المحكمة عن هذا الإجراء نتج عنه ضرر للطرف الطاعن ماديا وزمنيا مما جعل قانون المسطرة المدنية يتحاشاه وينيط بالمقرر اتخاذ جميع الإجراءات لجعل القضية جاهزة، ولا شك أن من بين الإجراءات رفع الإجمال والإبهام ليحصل الفهم ويتضح موضوع النزاع، وتصبح القضية جاهزة وإداك يتم الفصل في القضية، وفي الإخلال بذلك خرق لمقتضيات الفصل 334 من فانون المسطرة المدنية ” القديم ”

قرار منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 60 يناير- فبراير 1990، ص 81.

[4]. عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية لسنة 2015، الطبعة الثامنة يوليوز 2016، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الصفحة: 9 و10

[5]. تنص الفقرة الأولى من المادة 55 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه : “يمكن للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف قبل البت في جوهر الدعوى، الأمر بإجراء خبرة أو الوقوف على عين المكان أو البحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء من إجراءات التحقيق متى كان ذلك ضروريا أو مجديا…”

[6]. الفقرة الثانية من المادة 55 من المشروع تنص على أنه ” يجب على الأطراف أن يساهموا في إجراءات تحقيق الدعوى وفقا لما تقتضيه قواعد حسن النية، وللمحكمة ترتيب الآثار عن كل امتناع أو رفض غير مبرر. ”

[7]. تنص الفقرة الثالثة من المادة 55 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه : “إذا كان مستند للإثبات يوجد بحوزة طرف في الدعوى أو الغير، يمكن للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة، بناء على طلب الطرف الآخر، ما لم يوجد مانع قانوني، الأمر بالإدلاء به في أجل معقول، تحت طائلة الحكم عليه في حالة الرفض غير المبرر بغرامة تهديدية.”

[8]. تنص المادة56 من مسودة المشروع على أنه “يحدد القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة المبلغ الذي يتطلبه القيام بإجراء من إجراءات التحقيق ويأمر طالبه بإيداعه بصندوق المحكمة داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ توصله بالإشعار الموجه إليه من لدن كتابة الضبط ، وإذا صدر الأمر بإجراء التحقيق تلقائيا فإنه يتم فيه تعيين الطرف الذي يتولى إيداع هذا المبلغ .

إذا لم يقم من كلف من الأطراف بإيداع المبلغ المحدد خلال المهلة المبينة في الأمر، جاز للطرف الآخر أن يقوم بإيداع هذا المبلغ.

يصرف النظر عن الإجراء في حالة عدم إيداع هذا المبلغ في الأجل المحدد وتبت المحكمة في القضية على حالتها.”

[9]. تنص الفقرة الأولى من المادة 59 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه “إذا أمر القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة بإجراء خبرة، عين خبيرا أو أكثر ليقوم بهذه المهمة إما تلقائيا أو باقتراح الأطراف أو اتفاقهم…”

[10]. تنص الفقرة الثانية من المادة 62 من مسودة المشروع على أنه ” يقدم طلب التجريح داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبير تحت طائلة عدم قبوله .

يمكن للخبير أن يثير أسباب التجريح من تلقاء نفسه.

يشعر الخبير فورا بمسطرة التجريح المقدمة في مواجهته ويطلب منه التوقف مؤقتا عن إنجاز الخبرة في انتظار البت في هذه المسطرة.

تبت المحكمة في غرفة المشورة في طلب التجريح داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تقديمه، ولا يقبل هذا المقرر أي طعن إلا مع الحكم البات في الجوهر.”

[11] . تنص الفقرة الثالثة من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه “..يجري الخبير محاولة الصلح بين الأطراف ويضمن في محضر مرفق بالتقرير أقوال الأطراف وملاحظاتهم ويوقعون معه عليه مع وجوب الإشارة إلى من رفض منهم التوقيع…”

[12] . تنص المادة 67 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” يجوز للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو للمحكمة، إما تلقائيا وإما بناء على طلب أحد الأطراف، الأمر بمعاينة الشيء المتنازع عليه، وفي هذه الحالة يحدد في الأمر اليوم والساعة التي تتم فيها هذه المعاينة بحضور الأطراف الذين يتعين استدعاؤهم بصفة قانونية، فإذا كان الأطراف حاضرين وقت النطق بالأمر أمكن للمحكمة أن تقرر إجراءها حالا.”

[13] . تنص المادة 68 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” إذا كان موضوع المعاينة يتطلب معلومات تقنية لا تتوفر عليها المحكمة تأمر في نفس المقرر بتعيين خبير للحضور وإبداء الرأي. إذا تقرر إجراء المعاينة خارج دائرة نفوذ المحكمة الصادر عنها الأمر أمكن انتداب محكمة أخرى لإجرائها.

[14] . تنص المادة 69 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” يجوز للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو للمحكمة، عند الاقتضاء، الاستماع أثناء المعاينة إلى أشخاص معينين وإجراؤها بحضورهم متى كانت هناك فائدة تبرر ذلك.

[15] . تنص المادة 70 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” يحرر محضر بالمعاينة ويوقع حسب الأحوال من طرف رئيس الهيئة وكاتب الضبط أو من طرف القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية وكاتب الضبط، ويودع هذا المحضر رهن إشارة

الأطراف بكتابة الضبط .”

[16]. تنص الفقرة الثانية من المادة 77 من المسودة قانون المسطرة المدنية على أنه ” يمكن الحكم على الشهود المتخلفين بحكم قابل للتنفيذ رغم التعرض والاستئناف بغرامة لا تتعدى مائتي درهم .”

[17]. تنص الفقرة الثانية من الفصل 77 من قانون المسطرة المدنية الحالي على أنه ” يمكن الحكم على الشهود المتخلفين بحكم قابل للتنفيذ رغم التعرض أو الاستئناف بغرامة لا تتعدى خمسين درهما.”

[18] . تنص الفقرة الثالثة من المادة 77 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” يجوز استدعاء الشهود من جديد فإن تخلفوا مرة ثانية حكم عليهم بغرامة لا تتعدى خمسمائة درهم، غير أنه يمكن في جميع الأحوال إعفاء الشاهد من الغرامة المحكوم بها عليه إذا قدم عذرا مقبولا.

[19]. تنص الفقرة الثالثة من الفصل 77 من قانون المسطرة المدنية الحالي على أنه ” يجوز استدعاؤهم من جديد فإن تخلفوا مرة ثانية حكم عليهم بغرامة لا تتعدى مائة درهم.

[20]. تنص المادة 82 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” يمكن لأي طرف في الدعوى، في إطار الأبحاث التي يأمر بها القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المحكمة، أن يطرح مباشرة على الطرف الآخر أو على أحد الشهود أسئلة من أجل توضيح وقائع الدعوى.

لا يجوز للطرف أن يقاطع الشاهد أثناء إدلائه بشهادته. تتلو على كل شاهد شهادته ويوقع عليها أو يذكر فيها أنه لا يعرف أو لا يريد التوقيع.

[21]. إدريس الشبلي- مسطرة تحقيق الخطوط في القانون المغربي ، مسطرة تحقيق الخطوط في القانون المغربي – دراسة مقارنة- الطبعة الأولى 2016 المطبعة والوراقة الوطنية مراكش الصفحة : 51

[22] . تنص المادة 90 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أنه ” إن المستندات التي يمكن قبولها للمقارنة هي بصفة خاصة :

– التوقيعات على سندات رسمية ؛

– الكتابة أو التوقيعات التي سبق الإقرار بها؛

– الجزء الذي لم ينكر من المستند موضوع التحقيق.

يؤشر ويوقع القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو رئيس الجلسة حسب الأحوال على مستندات المقارنة.”

إعادة نشر بواسطة محاماة نت