دراسة في قانون الأحوال الشخصية العراقي .. دعوى الزواج

إذا ادّعى رجل زوجية امرأة ، فأنكرت ، أو ادّعت هي ، فأنكر ، فعلى المدّعي البينة وعلى المنكر اليمين .

واتفقوا على أنّ البينة لا بدّ أن تكون مِن رجلين عدلين ، وأنّ شهادة النساء لا تُقبل لا منفردات ولا منضمات ، إلاّ الحنفية فإنّهم قبلوا شهادة رجل وامرأتين على شرط العدالة ، فالعدالة عندهم شرط في إثبات الزواج لدى الإنكار والخصومة ، وليست شرطاً في صحة العقد لدى وقوعه .

وقال الإمامية والحنفية : يكفي أن يشهد الشاهد بالزواج دون ذكر الشروط والتفاصيل .

وقال الحنابلة : لا بدّ مِن ذكر الشروط ؛ لأنّ الناس يختلفون فيها ، فمِن الجائز أن يعتقد الشاهد صحة الزواج مع أنّه فاسد .

وقال الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة : يثبت الزواج بالاستفاضة ، وإن لَم تبلغ حد التواتر .

اما قانون الاحوال الشخصية العراقي فيحصر مبدأ اثبات الزوجية بالإقرار فقط وذلك في المادة (11) منه والتي تنص على :
(1-اذا اقر احد لإمراةٍ انها زوجته ،ولم يكن هناك مانع شرعي او قانون وصدقته ثبتت زوجيتها له بإقراره.
2- إذا اقرت المرأة انها تزوجت فلاناً وصدقها في حياتها ولم يكن مانع قانوني او شرعي ثبت الزواج بينهما, وإن صدقها بعد موتها فلا يثبت الزواج).

وفي هذا البيان لا بد لنا ان نبين ماهية الإقرار اولاً ومن ثم نبين صور الإقرار الذي يستعمل في اثبات الزوجية.

فالإقرار بحسب المادة (59) من قانون الإثبات العراقي النافذ رقم(107 ) لسنة1980, هو:(إخبار الانسان عن حق عليه لآخر).
اما بالنسبة لصور إقرار الزوجية فهي على النحو التالي :

إذا قدم الزوجان عريضة للمحكمة وايدا فيها وقوع زوجاهما بتأريخٍ معين على مهرٍ معلوم, وطلبا تصديق الزواج, فبعد التأكد من هويتهما والمستندات الأخرى وعدم وجود المانع الشرعي او القانوني وفقاً لتصادقهما على الزوجية يقرر القاضي تصديق الزواج بأثرٍ رجعي من تأريخ وقوعه.
إذا اقامت الزوجة دعوى اثبات الزوجية واقر الزوج امام المحكمة بالزوجية فيكفي الإقرار دليلاً لثبوتها وعلى المحكمة التأكد من هويتهما والمستندات الأخرى كافة –كإعلام الطلاق او شهادة الوفاة او القسام الشرعي, وغير ذلك.
إذا اقام الزوج دعوى اثبات الزوجية على المرأة وصدقته فهو اقرار بالزوجية من قبلها مع ملاحظة إبراز المستندات والتأكد من عدم وجود المانع.

هذا في حال حياة الزوجين اما في حال وفاة احدهما, فهنالك صور أخرى في بيان الزوجية, وهي على النحو التالي :

بالبينة على العقد : وهذه البينة اما ان تكون مستند الزواج (عقد الزواج) المنظم من قبل المحكمة, او البينة الشخصية أي الشهود الذي حضروا مجلس العقد وسماع صيغة العقد ايجاباً وقبولاً, ولا يثبت الزواج بشهادة ابني الزوجين لم ادعاه منهما, في حين ثبت اذا كان ابني الزوج وحده او ابني الزوجة وحدها.
بالبينة على اقرار المتوفى بالزوجية.
بالبينة على وجود المعاشرة الزوجية , وفي هذه الحالة يجب ان تقوم البينة على معاشرة صريحة وان لا يكون هنالك ما يدل على عدم شرعيتها فالأصل في اثبات المعاشرة هو الجانب الشرعي وهنا يطرح سؤال حول المعاشرة من الناحية الشرعية :

س/هل يثبت الزواج بالمعاشرة من الناحية الشرعية.
ترفع لدى المحاكم الشرعية بين الحين والحين دعوى الزواج ، وكثيراً ما يدلي المدّعي بأنّهما تعاشرا وسكنا في محل واحد كما يسكن الزوج وزوجته ، ويأتي بشهود على ذلك فهل يثبت ـ والحال هذه ـ أم لا ؟
الجواب :
إنّ ظاهر الحال يقتضي الحكم بالزواج حتى يثبت العكس ، أي أنّ المعاشرة تدل بظاهرها على وجود الزواج ، وهذا الظاهر يستلزم الأخذ بقول المدّعي حتى نعلم أنّه كاذب ، على أنّ الجزم بكذب مدّعي الزواج صعب جداً بناء على قول الإمامية مِن عدم شرط الشهادة في الزواج .

ولكن هذا الظاهر معارض بالأصل ، وهو أصل عدم حدوث الزواج ، لأنّ كل حادث شُك في وجوده فالأصل عدمه ، حتى يقوم الدليل عليه ؛ وعلى هذا يكون قول منكِر الزوجية موافقاً للأصل ، فيطلب الإثبات مِن خصمه ، فإن عجز عن إقامة البنية يحلف المنكِر وتُردّ الدعوى .

وهذا هو الحق الذي تستدعيه القواعد الشرعية ، حيث تسالم فقهاء الإمامية على أنّه إذا تعارض الظاهر مع الأصل يقدم الأصل ، ولا يؤخذ بالظاهر إلاّ مع قيام الدليل ولا دليل في هذه المسألة .

نعم إذا علم بوقوع صيغة العقد ، ثمّ شك في أنّها وقعت على الوجه الصحيح أو الفاسد يحكم بالصحة بلا ريب، أمّا إذا كان الشك في أصل وقوع العقد فلا يمكن أن نستكشف وجوده مِن المعاشرة والمساكنة بحال .

ولسائل أن يسأل : إنّ حمل فعل المسلم على الصحة يوجب الأخذ بقول مدّعي الزواج ؛ ترجيحاً لجهة الحلال على الحرام والخير على الشر ، فنحن مأمورون أن نحمل كل عمل يجوز فيه الصحة والفساد ، أن نلغي جانب الفساد ، ونرتب آثار الصحة .
الجواب :

إنّ الحمل على الصحة في مسألتنا هذه لا يثبت الزواج ، وإنّما يثبت أنّهما لَم يرتكبا محرَّماً بالمعاشرة والمساكنة ، وعدم التحريم أعم مِن أن يكون هناك زواج أو شبهة حصلت لهما ، كما لو توهما الحلال ، ثمّ تبين التحريم ـ ويأتي التفصيل في نكاح الشبهة ـ . وبديهة أنّ العام لا يثبت الخاص ، فإذا قلت : في الدار حيوان ، لا يثبت وجود الفرس أو الغزال . وكذلك هنا ، فإذا قارب رجل امرأة ولَم نعلم السبب فلا نقول هي زوجة ، بل نقول لَم يرتكبا محرَّماً ، وقد تكون المقاربة عن زواج ، وقد تكون عن شبهة . وإليك هذا المثال زيادة في التوضيح :

لو مر بك شخص ، وسمعته يتفوه بكلمة ، ولَم تدرِ هل كانت كلمته هذه شتماً أم تحية ؟ فليس لك أن تفسرها بالشتم ، كما أنّه لا يجب عليك رد التحية ـ والحال هذه لأنّك لَم تتأكد مِن وجودها . أمّا لو تيقنت بأنّه تفوه بالتحية ، وشككت هل كان ذلك بقصد التحية حقيقة أو بداعي السخرية ؟ فيجب الرد حملاً على الصحة ، وترجيحاً للخير على الشر .

وكذلك الحال فيما نحن فيه ، فإن حمل المعاشرة على الصحة لا يثبت وجود العقد ولكن لو علمنا بوجود العقد وشككنا في صحته نحمله على الصحة مِن دون توقف .

ومهما يكن ، فإنّ المعاشرة وحدها ليست بشيء ، ولكنّها إذا ضمت إلى سبب آخر تكون مؤيدة ومقوية ، والأمر في ذلك يُناط بنظر القاضي واطمئنانه وتقديره على شريطة أن لا يتخذ المعاشرة سنداً مستقلاً لحكمه([1]).

هذا بالقياس الى ثبوت الزواج ، أمّا الأولاد فإنّ الحمل على الصحة يستلزم الحكم بأنّهم شرعيون على كل حال ؛ لأنّ المعاشرة إمّا عن زواج وإمّا عن شبهة ، وأولاد الشبهة كأولاد الزواج في جميع الآثار الشرعية ، ولذا لو ادّعت امرأة على رجل بأنّه زوجها الشرعي وأنّه أولدها ، فأنكر الزوج واعترف بالولد يُقبل منه ؛ إذ مِن الممكن أن يكون عن شبهة .

وبالتالي ، فإنّ هذه المسألة إنّما تتم بناءً على عدم شرط الشهادة في العقد ، كما تقول الإمامية ، أمّا على قول سائر المذاهب فعلى مَن يدّعي الزواج أن يُسمّي الشهود وإذا ادّعى تعذّر حضورهما لموت أو غياب يتأتى القول المتقدم .

ولا بدّ مِن الإشارة إلى أنّ المعاشرة لا تُثبت الزواج مع الخصومة والنزاع ، أمّا مع عدم الخصومة فإنّنا نرتب آثار الزواج مِن الإرث ونحوه كما عليه العمل عند جميع المذاهب .

وبالتالي فالمعاشرة تثبت عندما يُرى الزوج في بيت زوجته ليلاً ويخرج نهاراً ويشتري لها لوازم المعيشة واحتياجات البيت وقد ذهبت محكمة التمييز بقرارها (إقرار 15/شخصية / 1976/ في 9/2/1976) إلى تصديقها زواجاً استناداً إلى:(اعتبار ادخال المدعي عليه للمدعية في المستشفى للولادة من جملة ادلة اثبات قيام الزوجية بينهما )([2]).

[1] . ولكنّ كلمات الفقهاء في البلغة مسألة اليد ، وفي الشرائع والجواهر باب الزواج : (تدلّ على أنّ المعاشرة تكشف بظاهرها عن الزواج ، وليس هذا ببعيد) .

[2] . مجموعة الأحكام العدلية .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت