على الرغم من أن عدم السريان هو الجزاء الطبيعي لتخلف اجراءات الاشهار فإن بعض المشرعين قد رتب على هذا التخلف جزاءات أخرى غيره من منطلق الغاية المتوخاة من تلك الاجراءات، وهذه الجزاءات قد تختلف من حيث القوة عن عدم السريان تبعاً لأهمية المصلحة التي سعى المشرع إلى حمايتها فتأتي اشد منه أو أخف، الأمر الذي يشير إلى وجود إجراءات إشهار معاقب عليها بجزاء أخف من عدم السريان وأخرى معاقب عليها بجزاء اشد منه ويلزمنا من ثم بالبحث في تمييز الشكل من اجراءات الاشهار في فقرتين على التتالي: فقرة لإجراء الإشهار المعاقب على تخلفها بجزاء أخف من عدم السريان، وفقرة لإجراءات الإشهار المعاقب على تخلفها بجزاء اشد من عدم السريان.

أولاً: الشكل وإجراءات الإشهار المعاقب على تخلفها بجزاءات أخف من عدم السريان

يقرر المشرع في بعض الحالات جزاء على عدم إشهار العقد يتمثل في عدم سريان اثر خاص من آثاره في حق الغير دون سائر هذا العقد. وتلك الحالة تتمثل فيما يأتي:

1. عقد بيع السفينة

أوجب قانون الامتيازات والرهون البحرية المصري الصادر برقم 35 سنة 1951 في ظل القانون البحري المصري القديم إشهار عقد بيع السفينة(1). وقد أراد المشرع بهذا الاشهار أن يتيح للدائنين أصحاب حقوق الامتياز على السفينة فرصة استيفاء حقوقهم من ثمن السفينة إذا ما أعلنوا معارضتهم دفع الثمن لكل من المالك القديم والمالك الجديد خلال ثلاثين يوماً من تاريخ آخر نشر في الصحف(2) ، فإذا قام الدائنون بالاعتراض على النحو السابق فإن حقوقهم تنتقل إلى الثمن ويمتنع على المشتري تسليم الثمن إلى البائع لكي يتمكن الدائنون الممتازون مباشرة امتيازهم عليه. أما إذا انقضت المدة المذكورة أعلاه فإن المشتري يمكنه الوفاء بالثمن إلى البائع وتخلص إليه ملكية السفينة غير مثقلة بتلك الامتيازات(3). ويبدو واضحا أن جزاء تخلف الإشهار هنا لا يكون عدم نفاذ بيع السفينة في حق هؤلاء الدائنين، فالعقد يكون نافذاً في حقهم ولكن ملكية السفينة تنتقل إلى المشتري مثقلة بهذه الامتيازات جراء عدم الإشهار. ولكن القانون العراقي قد سلك سبيلاً آخر إذ أن قانون تسجيل السفن رقم 12 سنة 1942 لم يجعل من سريان عقد البيع في حق الغير أو عدم سريان أثر من آثار العقد في حقه جزاء لعدم تسجيل السفينة، وإنما اكتفى في هذا الشأن بفرض غرامة مالية أو بالحبس، فالمادة (22) منه قد أوجبت تسجيل عقد بيع السفينة لقاء دفع رسم معين، والمادة (31) منه قررت فرض غرامة لا تزيد على 25 دينار أو حبساً لا تزيد مدته على ثلاثة اشهر على كل من يخالف حكم وجوب تسجيل عقد البيع(4).

2. عقد بيع المحل التجاري

جاء قانون التجارة العراقي النافذ الصادر برقم 30 سنة 1984 خالبا من معالجة مفصلة للمحل التجاري والعقود التي ترد عليه، لذلك فان عقد بيع المحل التجاري يعد بموجبه عقدا رضائيا لا يخضع للإشهار، ولكن حيث أن المحل التجاري يتكون من عناصر عديدة لكل منها نظامه القانوني فانه قد يبدوا مختلفا من حيث الظاهر وذلك لان التصرف في هذه العناصر يخضع للإشهار بقصد الاحتجاج في مواجهة الغير، فانتقال الحق في الاسم التجاري يتطلب تأشير ذلك في السجل التجاري الخاص بالأسماء التجارية(5). وكذلك الآمر بالنسبة إلى العلامات التجارية حيث يتوجب تأشير التصرف الوارد عليها في السجل الخاص بالعلامات التجارية(6). وكذلك الآمر بالنسبة إلى براءات الاختراع والنماذج الصناعية(7).أما في مصر، فإن عقد بيع المحل التجاري عقد رضائي لا يتطلب انعقاده شكلية معينة على وفق قانون بيع المحال التجارية ورهنها الصادر برقم 11سنة 1940(8). فقد نصت المادة (1) منه على أن ((يثبت عقد بيع المحل التجاري بعقد رسمي أو بعقد عرفي مقرون بالتصديق على توقيعات وأختام المتعاقدين ))، ويذهب الفقه في مصر إلا أن الكتابة لا تلزم حتى في نطاق الإثبات، وأنها تلزم فقط لإنشاء امتياز بائع المحل التجاري(9). ويخضع عقد بيع المحل التجاري في القانون المصري إلى إجراءات إشهار إذ يشترط أن يقيد بيع المحل في سجل خاص يعد لهذا الغرض في مكتب السجل التجاري في المحافظة أو المديرية التي يقع في دائرتها المحل التجاري(10). وان يتم هذا القيد خلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ العقد وإلا كان القيد باطلا(11). وتهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على ضمانات بائع المحل التجاري فهو لا يستطيع أن يتمسك بحقه في الامتياز أو الفسخ في مواجهة المشتري والغير ما لم يكن العقد مكتوب وتم إشهاره وفقا للإجراءات المنصوص عليها في التشريع(12). وحيث أن للبائع حق امتياز على المحل التجاري لاستيفاء الثمن أو ما تبقى منه فانه يلزم لاثبات هذا الامتياز أن يقوم بقيده على النحو السابق إذ أن من شان هذا القيد أن يتيح للغير الاطلاع على حالة المحل التجاري وما يثقله من امتياز ليكون هذا الامتياز من ثم نافذا في حقه، وليستطيع بناء على ذلك استيفاء حقه متقدما على الدائنين العاديين والدائنين أصحاب الرهون أو الامتيازات التالين له في المرتبة(13). وقد يلجأ البائع إلى فسخ عقد البيع في حالة امتناع المشتري عن دفع الثمن أو ما تبقى منه فيعود المتعاقدات إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد(14). حيث يسترد البائع المحل التجاري ويسترد المشتري ما دفعه من الثمن. وإذا كان المشتري قد تصرف في المحل التجاري للغير بيعا أو رهنا فان حقوقا عينية تترتب للغير على هذا المحل، وحيث أن الفسخ قد يلحق ضررا بحقوق الغير فان المشرع قد الزم البائع صراحة بالاحتفاظ بحقه في فسخ البيع بطريق قيده في السجل التجاري المخصص لذلك(15). لكي يتمكن من الاحتجاج به في مواجهة الغير وبخلاف ذلك لا يسري اثر الفسخ في حق الغير. وينبني على فسخ البيع سقوط حق الدائن المرتهن للمحل التجاري إذا ما قام البائع بإجراءات الإشهار السابقة والتي من شانها أعلام الدائن المرتهن بحق البائع في الفسخ، فيسترد هذا الأخير محله خاليا من الرهن. أما إذا لم يقم البائع بتلك الإجراءات فانه يسترد المحل التجاري مثقلا بالرهن في حالة فسخ عقد البيع(16).ويبدو من هذا أن الغاية من إجراءات الإشهار هي محافظة البائع على ضماناته وهي الإمتياز وحق الفسخ، فهذان الضمانان لا يسريان في حق الغير إلا إذا اشهر بيع المحل التجاري على وفق الإجراءات المبسوطة في ما تقدم، ويقتصر اثر تلك الإجراءات على هذين الضمانين إذ أن بيع المحل التجاري يكون نافذا في حق المتعاقدين والغير وان لم يتم إشهاره(17).

3. الإيجارات والمخالصات عن الأجرة

أن اثر التسجيل في هذه الحالة لا يمس وجود العقد ونفاذه سواء بالنسبة إلى المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير وإنما ينحصر تأثيره في أن التصرفات لا تكون نافذة في حق الغير فيما زاد عن المدة المقررة قانونا، أو بعبارة أخرى أن التصرف ينتج آثاره ويكون نافذا في حق الغير فيما يتعلق بالمدة المنصوص عليها في القانون ولا يكون نافذا بالنسبة إلى ما زاد عن هذه المدة(18). وهذا ما نجده في قانون التسجيل العقاري العراقي فيما يتصل بإيجار العقار المرهون رهنا تأمينيا، فإذا كان العقار مؤجرا قبل تسجيل الرهن ولم يبين ذلك في سجل الرهن وكان الإيجار بعقد رسمي ثابت التاريخ فإن الإيجار يكون نافذا في حق الدائن المرتهن خلال مدة الرهن على أن لا تزيد مدة ذلك على ثلاثة سنوات من تاريخ نفاذ عقد الإيجار، أما إذا زادت المدة على ثلاثة سنوات فإن عقد الإيجار لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إلا إذا سجل في سجل الرهن موافقته(19). وهو ما يعني أن الإيجار وفقا للشروط أعلاه يكون نافذا بين أطرافه وفي مواجهة الغير (الدائن المرتهن) في حدود السنوات الثلاثة، أما ما زاد عن هذه المدة فلا يكون نافذا في حق الغير إلا إذا سجل الإيجار في سجل الرهن في دائرة التسجيل العراقي بموافقة الدائن المرتهن، أي أن أثر التسجيل ينصرف إلى عدم نفاذ المدة الزائدة في حق الغير. كما أوجب الشرع المصري في قانون الشهر العقاري تسجيل الإيجارات والسندات التي ترد على منفعة عقار إذا زادت مدتها على تسع سنوات(20)، وكذلك المخالصات والحوالات بأكثر من أجرة ثلاث سنوات مقدما(21)، وقد رتب المشرع على عدم إشهار التصرفات السابقة إنها لا تكون نافذة في حق الغير فيما زاد على مدة التسع سنوات في الإيجارات والسندات ، وفيما زاد على أجرة ثلاث سنوات في المخالصات والحوالات(22).

ثانياً: الشكل وإجراءات الإشهار المعاقب على تخلفها بجزاءات اشد من عدم السريان

أن أهمية المصالح التي يتوخى المشرع حمايتها من خلال إجراءات الإشهار تحمله على تقرير جزاء اشد من جزاء عدم السريان في حق الغير عند تخلف تلك الإجراءات، فهذا الجزاء قد يصل إلى حد تجريد العقد من آية فاعلية في ترتيب الآثار وقد يكتفي بحرمان العقد من إنتاج أهم اثر من آثاره الآمر الذي يدق معه التمييز بين الشكل وإجراءات الإشهار، غير أن شدة الجزاء، على الرغم من ذلك، لا تعدم مثل هذا التمييز فهو يبقى ممكنا في ضل إجراءات الشهر المعاقب على تخلفها بأي من الجزائين المنوه بهما وهذا ما سنبينه فيما يأتي:

1. الشكل وإجراءات الإشهار المعاقب على تخلفها بحرمان العقد من إنتاج أهم اثر من آثاره

إن المادة (3) من قانون التسجيل العقاري العراقي تقضي بتسجيل جميع التصرفات العقارية التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية الأصلية والتبعية أو نقله أو تغييره أو زواله وكل تصرف مقرر لحق من الحقوق المذكورة وإلا وقعت تلك التصرفات باطلة، وقد ذهبنا، فيما تقدم من هذه الدراسة، إلى أن التسجيل في التصرفات العقارية لا يعد شكلا لهذه التصرفات ومن ثم فانه ليس ركنا لانعقادها(23). وعلى ذلك يتبادر السؤال هنا عما للتسجيل من اثر في ظل القانون المدني العراقي. وللإجابة ننوه بشيء مما سبق أن فصلنا فيه القول وهو أن الشكل في التصرفات العقارية يتمثل في الإقرار أمام الموظف المختص في دائرة التسجيل العقاري وليس في التسجيل في هذه الدائرة فالتسجيل لا يعدو عن كونه وسيلة لا علام الغير بوقوع التصرف ، فالتسجيل في السجل العقاري ، ليس له بحد ذاته من اثر بين ذوي الشأن، والدليل على ذلك أن التصرفات العقارية تتم بين ذوي الشأن من تاريخ الإقرار أمام الموظف المختص في دائرة التسجيل، ففي هذا التاريخ تحديدا يصبح العقد نافذا بين أطرافه وفي هذا التاريخ تحديدا ينشأ الحق العيني أو ينتقل أو يتغير أو يزول ، ومن هنا فان الملكية لا تنتقل إلى المشتري، في بيع العقار، إلا في هذا التاريخ تحديدا فهو يمثل لحظة انعقاد البيع(24). وهذا، في اعتقادنا، دليل مقنع على انه ليس للتسجيل أي اثر في إنشاء التصرفات العقارية. وإذا صح هذا بالنسبة إلى أطراف تلك التصرفات فإننا لا نجده صحيحا بالنسبة إلى الغير، فللتسجيل اثر في سريان الحقوق العقارية تجاه الغير ، فالتصرفات العقارية تنعقد بالإقرار أمام الموظف المختص ولكنها لا تكون سارية في حق الغير إلا من تاريخ التسجيل ولذلك فإذا باع شخص عقاره إلى آخر فان البيع ينعقد من تاريخ الإقرار أمام الموظف ولكنه لا يكون نافذا في حق الغير إلا من تاريخ تسجيله في السجل العقاري. ومما يجدر بالإشارة هنا أن التسجيل هو نتيجة حتمية تقع في جميع الأحوال بالنسبة إلى التصرفات الخاضعة للإقرار وذلك لان تسجيل معاملة البيع في السجل العقاري إنما يتم استنادا إلى الإقرار حتى في حالة امتناع بعض المتعاقدين عن إتمام إجراءات التسجيل النهائي بعد الإقرار والتوقيع في الاستمارة إذ أن الموظف المختص يقوم بذلك من تلقاء نفسه (25)،هذا على افتراض وصول الأمر إلى حد الإقرار أمام الموظف ، أما قبل ذلك فلا نكون بصدد تصرف عقاري. ولكن قد يعترض البعض على ما ذهبنا إليه بدعوة أن من شان ذلك ان يفتح الباب أمام المنازعات ويؤدي من ثم إلى التزاحم بين المتصرف إليهم بالعقار ،وان مثل هذا التزاحم لا وجود له قطعا عندما يكون التسجيل ركنا في التصرفات العقارية وذلك كأن يقوم شخص ببيع عقاره إلى اكثر من مشتر فيقر ببيعه للمشتري الأول أمام الموظف المختص ثم يقوم بتسجيله باسم المشتري الثاني في دائرة التسجيل العقاري. ونرد على هذا الاعتراض بأنه ليس من شان ما ذهبنا إليه أن يثير مثل هذا التزاحم وذلك لان إجراءات التسجيل التي رسمها قانون التسجيل العقاري ليست على تلك الدرجة من البساطة لتسمح عمليا بوقوع هذا التزاحم ، هذا إلى جانب أن هناك جهازا إداريا متكاملا يأخذ على عاتقه ممارسة تلك الإجراءات في مديريات التسجيل العقاري ، ولو قام البائع ببيع العقار مرة أخرى قبل التسجيل في السجل العقاري لما استطاع تسجيل البيع الثاني بل كيف يتأتى له ذلك واصل المعاملة السابقة موجود ولا شك لدى الموظف المختص ومتمثل في استمارة التسجيل التي تحمل توقيع المتعاقدين والشهود معا. ويفيد هذا كله انه ليس للتسجيل بموجب نصوص قانون التسجيل العقاري من اثر بين ذوي الشأن، وان أثره يقتصر على نفاذ الحق في مواجهة الغير. أما في مصر فتخضع التصرفات التي من شانها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقلة إلى التسجيل في الشهر العقاري ،فقد نصت المادة (9) من قانون الشهر العقاري المصري رقم116 لسنة 1946 على انه ((1- جميع التصرفات التي من شانها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغيره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشي من ذلك يجب شهرها بطريق التسجيل ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية. 2-ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم. 3- ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن )). ويبدو واضحا أن جزاء تخلف إشهار تلك التصرفات يتمثل في عدم نفاذها سواء بالنسبة إلى المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير ألا أن ذلك لا يمنع ترتب الآثار الشخصية بين المتعاقدين، وهنا يكمن معيار التمييز بين الشكل وإجراءات الإشهار في هذا النطاق، فعدم تحقق الشكل بوصفه عنصرا في العقد يفضي إلى انعدام آثار العقد كافة وعدم إمكان التوصل إلى إتمام العقد ،وهذا على خلاف إجراءات الإشهار فهي لا تجرد العقد من جميع آثاره ولا تحول دون إمكانية التوصل إلى جعل العقد ينتج جميع هذه الآثار، فاشتراط التسجيل لا يجعله شرطا من شروط انعقاد العقد أو صحته إذ أن هذا العقد ينتج جميع آثاره بمجرد إبرامه باستثناء اثر واحد هو الأثر العيني الذي يتراخى إلى حين تسجيل العقد(26). فلو أخذنا بيع العقار على سبيل المثال، وهو من التصرفات الناقلة لحق الملكية لرأينا أن أثره الأساس وهو نقل الملكية لا يترتب ما لم يسجل في الشهر العقاري، غير أن عدم التسجيل لا يمنع العقد من إنتاج آثار شخصية بين المتعاقدين، ومن هنا نجد أن البيع غير المسجل يرتب جميع آثاره في ما عدا الأثر العيني، فالبائع يلتزم بنقل ملكية المبيع إلى المشتري وبتسليمه وبضمان التعرض والاستحقاق والعيوب الخفية، كما يلتزم المشتري بدفع الثمن، ولذا فلو قام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري لامتنع عليه استرداده وذلك لانه ملزم بالضمان ،ولو أوفى المشتري بالتزاماته، أو لو كان قد دفع الثمن تحديدا، لتعين على البائع تسليم ثمار المبيع إليه إذا كان قد احتفظ به(27). وبالعكس فلو سلم البائع المبيع إلى المشتري ولم يدفع هذا الأخير الثمن له حينذاك لتعين عليه دفع الفوائد القانونية عن الثمن وذلك لتقابل الالتزامات في هذا العقد. إلى جانب ذلك فانه يمكن التوصل إلى نقل الملكية، وهو ما تعطل جراء تخلف الإشهار ،بطريق المطالبة بالتنفيذ العيني إذ بوسع المشتري أن يطالب البائع بالتنفيذ العيني وذلك لان من مقتضى التزام البائع بنقل الملكية أن يقوم بكل ما من شانه تسهيل تنفيذ هذا الالتزام كتقديم السندات والذهاب مع المشتري إلى دائرة الشهر العقاري، ويمكن أن يتم التنفيذ العيني بإقامة دعوى صحة التعاقد، فإذا ما أقام المشتري تلك الدعوى وصدر الحكم بصحة البيع ونفاذه قام الحكم مقام العقد، أما الملكية فأنها تنتقل إلى المشتري من تاريخ تسجيل الحكم ، وقد منح المشرع المشتري الحق في تسجيل صحيفة الدعوى في السجل لتفادي تصرفات البائع الضارة المتمثلة في ترتيب حقوق عينية على العقار قبل الفصل في موضوع الدعوى، ففي مثل هذه الحالة يكون الحكم بصحة البيع نافذا في حق الأشخاص الذين ترتب لهم حقوق عينية على العقار بعد تسجيل صحيفة الدعوى، ومن ثم لا تسري هذه الحقوق في مواجهة المشتري(28).

2. الشكل وإجراءات الإشهار المعاقب على تخلفها ببطلان العقد

ويكون بطلان العقد جزاء لمخالفة إجراءات الإشهار في بعض الأحيان، ولكن حيث أن هذا الجزاء مماثل للجزاء الطبيعي المترتب على تخلف الشكل فان التمييز بينهما يبدو أمرا صعبا من الناحية العملية فتخلف كل من الشكل وإجراءات الإشهار يفضي إلى حرمان العقد من فاعليته سواء بالنسبة إلى المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير ومثال ذلك تلك التصرفات الواردة على الماكنة في القانون العراقي، فهي لا تنعقد إلا بتسجيلها لدى دائرة الكاتب العدل المختص(29). كما جعل قانون المرور العراقي رقم 48لسنة 1971 المعدل التسجيل شرطا لانعقاد بيع المركبة إلى جانب الشكل المقرر لهذا البيع(30). وكذلك فقد رتب المشرع المصري بطلان رهن المحل التجاري(31). إذ لم يقيد عقد الرهن في السجل التجاري خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاده(32). ولكن على الرغم من وحدة الجزاء بين الشكل وإجراءات الإشهار في هذه الحالة فان ذلك لا ينهض سندا للقول بان إجراءات الإشهار تعد شكلا للعقد، وذلك لان مثل هذا الجزاء لم يرد إلا في حالات استثنائية محدودة جدا وتعد خروجا على الجزاء الطبيعي المقرر للإشهار وهو عدم السريان في مواجهة الغير، فهذا الجزاء لا يتفق وطبيعة هذه الإجراءات والغاية منها، كما أن هذا التنوع في الجزاء المقرر لتخلف الإشهار ينفي وضع الأخير ضمن إطار الشكلية إذ انه يشير إلى عدم وضوح طبيعة هذه الإجراءات بالنسبة إلى المشرع في حين أن الطبيعة القانونية للشكل لا لبس فيها، ولهذا نجد أن جزاء تخلفه واحد ممثل بالبطلان. ونرى أنه كان بمقدور المشرع أن يصل إلى الغاية التي رتب من أجلها جزاء البطلان على تخلف الإشهار لو أخضع تلك العقود للشكلية الرسمية إضافة إلى تطلب شهرها، فلا ينعقد العقد إلا إذا استوفى الشكل الرسمي ولا يكون ساريا في حق الغير إلا إذا تم إشهاره، وعلى ذلك نقترح تعديل نص المادة (30) من قانون الكتاب العدول النافد ليكون على النحو الآتي ((لا تنعقد التصرفات القانونية على الماكنة إلا إذا تمت بسند رسمي ينظمه الكاتب العدل ولا يكون له أي اثر اتجاه الغير إلا بعد قيده في السجل الخاص بذلك)) كما نقترح تعديل نص (5/5) من قانون المرور النافذ ليكون على النحو الآتي ((لا ينعقد بيع المركبة إلا إذا تم بسند رسمي ينظمه ضابط المرور المختص ولا يكون له أي اثر اتجاه الغير إلا بعد قيده في السجل الخاص بذلك)). ويخلص إلينا من كل ما تقدم أن إجراءات الإشهار لا تعد من الشكلية في شيء لا من حيث الطبيعة ولا من حيث الجزاء.

__________________________

– فقد فرض هذا القانون في المادة (9) منه قيد عقد شراء السفينة في سجل السفن، ولصق نشرات في لوحة الإعلانات بمصلحة الموانئ والمنائر بحصول البيع مع ذكر الثمن واسم المشتري ومحل إقامته ونشر ملخص للعقد مرتين تتخللهما ثمانية أيام في صحيفتين معدتين للإعلانات القضائية تصدران في الميناء الأصلي للسفينة فإن لم توجد ففي صحيفتين تصدران في الاسكندرية.

2- انظر المادة (9) من القانون نفسه.

3- انظر د. محمود سمير الشرقاوي: القانون البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968، فقرة (123)، ص140.

4- فقد نصت المادة (31) على انه ((كل شخص أ- يسمح بتشغيل سفينته قبل كتابة الاسم أو الرقم والأحرف الفارقة عليها وفقاً لأحكام هذا القانون (إلا إذا كانت السفينة متوجهة إلى محل التسجيل لتسجيلها) أو انه يعتمد تبديل الاسم أو الرقم أو الأحرف الفارقة المسجلة أو يمسحها أو يمحوها أو انه يتوسل بوسيلة ما لإخفائها أو كتمها أو انه يسبب ذلك ب- يبيع من شخص أو يعير أو يعطي شهادة ممنوحة وفق هذا القانون لشخص أو جماعة من غير أولئك الذين منحت لهم ليستعملوها أو أنه يستعملها لخدمة سفينة غير السفينة الممنوحة من اجلها جـ – يخالف حكما آخر من أحكام هذا القانون. يعاقب بغرامة لا تزيد على خمسة وعشرون دينار أو بحبس لا تزيد مدته على ثلاثة اشهر)).

5- ينظر المادة (24/ثانيا) من قانون التجارة العراقي .

6- ينظر المادة (19)من قانون العلامات التجارية رقم (21) لسنة 1957 المعدل .

7- ينظر المادتان (25،41)من قانون براءات الاختراع والنماذج الصناعية رقم 65سنة 1970 .

8- إلا أن هذا العقد اصبح على وفق قانون التجارة المصري الجديد الصادر برقم 17سنة 1999عقدا شكليا تشترط الكتابة لانعقاده وإلا وقع باطلا، وفق نص المادة (37/1) منه (كل تصرف يكون موضوعه نقل ملكية المتجر أو إنشاء حق عيني عليه أو تأجير استغلاله يجب أن يكون مكتوبا وآلا كان باطل).

9- انظر على سبيل المثال د. محسن شفيق: القانون التجاري المصري،ج1،ط1،دار نشر الثقافة، الاسكندرية، ص ص (790-791) .د. سميحة القليوبي: نظرية الأعمال التجارية، التاجر، الملكية الصناعية والتجارية، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية الجزء (69) سنة 1980، القسم الأول، ص ص (354-355).

0- انظر المادة (2) من قانون بيع المحال التجارية ورهنها.

1- انظر المادة (3)من القانون نفسه .

2- انظر المادة (4) من القانون نفسه .

3- كما يتيح له هذا الامتياز حق تتبع المحل التجاري والتنفيذ عليه تحت يد أي حائز له انظر المادة (14) من قانون بيع المحال التجارية ورهنها )

4- د. السنهوري :الوسيط ، ج1،المرجع السابق ، فقرة (478) ، ص709.

5- انظر المادة (5) من قانون بيع المحال التجارية ورهنها .

6- انظر د. علي حسن يونس ، المحل التجاري ، دار الفكر العربي ، القاهرة بدون سنة طبع ، ص258.

7- وهذا على خلاف ما قضى به قانون التجارة المصري الجديد حيث نصت المادة (28/1) على انه (لا تنقل ملكية المتجر في ما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير إلا من تاريخ قيد التصرف في السجل الخاص بذلك ونشر ملخصه في صحيفة السجل التجاري ).

8- إنظر عمر أبو شادي: شهر الحقوق العقارية، الطبعة الأولى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1947، ص25.

9- فقد جاء في المادة ( 314 ) من قانون التسجيل العقاري (( 1- إذا كان العقار المرهون مؤجرا فينبغي تثبيت ذلك في سجل الرهن بموافقة الدائن المرتهن وتعتبر هذه الإجارة نافذة في حق الدائن المرتهن خلال الرهن على أن لا تزيد على ثلاث سنوات من بدء سريان عقد الإيجار ولا يخل ذلك بحق ذوي العلاقة في مراجعة المحاكم المختصة بهذا الشأن )) .

20- وتتحدد هذه السندات هنا بسندات عقد العارية وقسمة المهاياة إلا إن الأخيرة لم تعد واجبة التسجيل وذلك لعدم جواز الاتفاق على بقائها مدة تزيد على خمسة سنوات.

إنظر محي الدين محمد سعد، محمود فؤاد محمد غالي: المرجع في أحكام الشهر العقاري والتوثيق والرسوم المتعلقة بها، عالم الكتب القاهرة، بدون سنة طبع، ص483، وكذلك عمر أبو شادي: المرجع السابق، ص24.

2- فقد نصت المادة ( 11) من قانون الشهر العقاري المصري على إنه (( 1- يجب تسجيل الإيجارات والسندات التي ترد على منفعة عقار إذا زادت على تسع سنوات والمخالصات والحوالات بأكثر من أجرة ثلاث سنوات مقدما وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك.

2- ويترتب على عدم تسجيلها إنها لا تكون نافذة في حق الغير فيما زاد على مدة تسع سنوات بالنسبة إلى الإيجارات والسندات وفيما زاد على أجرة ثلاث سنوات بالنسبة إلى المخالصات والحوالات)).

22- انظر المادة ( 11/ 2) من قانون الشهر العقاري .

23- فخالفنا بذلك ما يمكن اعتباره إجماعا فقهيا في العراق :انظر على سبيل المثال د.مصطفى مجيد شرح قانون التسجيل العقاري، ج1، المرجع السابق، ص43–45. د.غني حسون طه: المرجع السابق، ص217-218. د. كمال قاسم ثروت: المرجع السابق، ص120. د.سعيد مبارك، د. طه الملا حويش د.صاحب عبيد الفتلاوي: الموجز في العقود المسماة ،دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد، 1993 ص89. المحامي مكي إبراهيم لطفي: الشكلية القانونية، التعهد بنقل ملكية العقار والشقق السكنية، مطبعة الإرشاد، بغداد، بدون سنة طبع، ص30-36.

24- فالأشياء المعينة بالذات تنتقل ملكيتها بقوة القانون بمجرد إبرام العقد وقد نصت المادة 247 من تقنيننا المدني على أن ((الالتزام بنقل الملكية او أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل )) .

25- انظر المادة (113) من قانون التسجيل العقاري النافذ .

26- انظر محي الدين محمد سعد، محمد فؤاد محمود غالب: المرجع السابق، ص434. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الكتاب قد ذهب إلى أن عقد البيع في ظل نصوص قانون الشهر العقاري ليس سوى عقد شكلي، إلا أن هذا الاتجاه لم يحظ بقبول غالبية الفقه والقضاء في مصر، يراجع في ذلك د.خميس خضر:المرجع السابق،ص133.

27- انظر د. إسماعيل غانم : المرجع السابق ، ص129-130 .د.محمد لبيب شنب ، د.مجدي صبحي خليل : المرجع السابق ، ص123-124 .د.خميس خضر : المرجع السابق ،ص124 .د.توفيق حسن فرج :عقد البيع والمقايضة ، مؤسسة الثقافة الجامعية ،القاهرة ،1985 ،ص200-203 .

28- انظر د.إسماعيل غانم : المرجع السابق ،ص130-131 د.محمد لبيب شنب ، د. مجدي صبحي خليل المرجع السابق ،ص 128-131 د. توفيق حسن فرج : المرجع السابق :ص204-208 د.خميس خضر : المرجع السابق، ص134-138 .

29- انظر المادة (30/ثانيا) من قانون الكتاب العدول رقم 33لسنة 1998 .

30- انظر المادة (5/5) من قانون المرور.

3- وقد اصبح عقد رهن المحل التجاري عقدا شكليا على وفق المادة ( 37/1) من قانون التجارة المصري النافذ حاليا رقم 17لسنة 1999 .

32- انظر المادة (19) من قانون بيع المحال التجارية ورهنها رقم 11 لسنة 1940، وقد ذهب غالبية الفقه في مصر إلى أن البطلان الوارد في هذه المادة ينصرف إلى القيد في السجل التجاري لا إلى عقد الرهن انظر د.علي البارودي: مبادئ القانون التجاري منشأ العارف، الإسكندرية، 1986، ص121 د.سميحة القليوبي، القانون التجاري، نظرية الأعمال التجارية، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986 ص381 وانظر خلاف ذلك د. راتب جبريل الجنيدي، الاتجاهات الحديثة لرهن المنقول دون حيازة، الأردن 1981 ص388. ومن الجدير ذكره هنا أن البطلان بموجب المادة أعلاه لا يترتب إلا إذا اضر تخلف القيد بالغير، فقد نصت المادة (22) من التشريع نفسه على انه ((لا يترتب على إغفال واحد أو اكثر من الإجراءات والبيانات السابقة البطلان إلا إذا اضر ذلك بالغير)). ومن مفهوم المخالفة نستنتج انه إذا لم يضر تخلف القيد بالغير فالعقد ينشا صحيحا وينفذ في حق الغير، وهو ما يعني بدوره انه على الرغم من تخلف إجراءات الإشهار فان العقد ينتج آثاره بالنسبة إلى المتعاقدين والغير على حد سواء، الأمر الذي لا يثير صعوبة في تمييز الشكل من إجراءات الإشهار.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .