حماية حقوق الملكية الفكرية مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان

تقاس الأمم المتحضرة من خلال صيانتها لحقوق الأفراد ورعايتها لمصالحهم الشخصية ويأتي في المقدمة من ذلك مبدأ حماية الخصوصية الذي أخذ يتسع في مداه منذ زمن بعيد كمفهوم إنساني

وكمصطلح حقوقي فيما يدعى بحقوق الملكية الفكرية أو الإبداعية وقد تبنت العمل بموجبه العديد من دول الغرب القرن الثاني عشر للميلاد. وتعد السودان من بين أهم الدول العربية العاملة بهذا المبدأ ولها ثقلها الدولي في الأمم المتحدة بهذا الشأن حيث أنشئت منذ زمن ليس بالقصير المعاهد والمناهج التعليمية من أجل تربية النشء على أهمية احترام هذا المبدأ بوصفه حقا من حقوق الإنسان.

وجدير بالذكر فإن الكثير من الحكومات في البلدان المتقدمة أفرزت له حيزاً واسعاً من القوانين والآليات والمعاهد العلمية المتخصصة من أجل حماية الإبداع المحلي بوصفه نتاجاً (قوميا)ً وامنياً للبلد و(إنسانيا) بوصفه قيمة عالمية تقتضي تضافر الجهود الدولية من اجل حفظه وحمايته كموروث ثقافي وتاريخي عالمي للعديد من الشعوب القديمة والحية.

ومن أشكال الخصوصية تلك تأتي حماية حقوق الملكية الفكرية والإبداعية للآخرين وصيانتها من السرقة والقرصنة والعبث. وحقوق الملكية هي ككل الحقوق الإنسانية الأخرى بل هي تأتي في مقدمة الحقوق الحضارية للأفراد والشعوب إلى جانب كونها جهدا وكدا ومعرفة ومشاريع تقدم حضاري بكل معنى الكلمة.وبشكل أوضح فإن الملكية الفكرية هي عبارة عن أموال مباشرة على شكل إنتاج جاهز للتسويق وتحقيق الأرباح فربما تكون أقيامها بمقدار درهم وربما تكون مليارات الدولارات وسرقتها باية ذريعة وقصد تعني سرقة لأموال الآخرين. لذا يجب ان تكون محمية في أطر القوانين القضائية وأن توضع من أجلها التدابير الوقائية للحيلولة دون التجاوز عليها من قبل الخارجين على القانون وينبغي العمل على إدراك أهميتها من الناحيتين الإنسانية والوطنية من خلال وضع التشريعات والقوانين اللازمة فضلاً عن تعزيز سبل دعم الجهات الناشطة والعاملة من أجل حمايتها بشتى الطرق والأساليب تماما مثلما تفعل الأمم المتقدمة حيث لجأت لتفعيل شبكة من العلاقات العامة والمدنية يتقدمها نظام المخبر السري في العديد من دول العالم الغربي والأميركي فهناك آلاف التصاميم والماركات واللوحات الفنية والأعمال النحتية النادرة والآثار والمسكوكات وغيرها من الأشياء واللقى النادر جميعها تنطبق عليها معايير الملكية الفكرية والإبداعية للأفراد والأمم.

وفي المقابل فإننا نجد دولا كبرى ضالعة في سرقة تكنولوجيا المعلومات والابتكارات الصناعية.ومن ابرز هذه الدول تأتي الصين التي تسخر آلافا من مهندسيها كعيون تتلصص لها في بلدان الغرب عن آخر منتجات (المودرن) في شتى الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.وكلنا سمع قصصاً في غاية الطرافة عن قيام الحكومة بإتلاف كميات هائلة من أقراص (cd) الصلبة أو أنواع من الساعات ذات الماركات الدولية .كذلك روسيا التي متخصصة بسرقة التكنولوجيا الراقية خصوصاً فيما يتعلق ببرامج الفضاء والتسلح النووي وقد استخدم الروس في هذا المجال حتى الدلافين البحرية لتصوير ترسانة الدفاعات الأطلسية المتاخمة للحدود البحرية السويدية وقد ورد عن تلك الحوادث قصص استخباراتية اسطورية.

ويعد العراق من بين الدول الأوائل الذين صادقوا على المعاهدات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية ولكنه للأسف الشديد ظل متأخرا عن هذه الدول بأشواط بعيدة جداً فحين النظر لما يجري تحت أنظار المتخصصين والمهتمين من قضايا عبث وخروقات لحقوق ملكية الآخرين في العراق تحديداً فإننا سنواجه كارثة تشي بإهمال واضح لحقوق الإنسان في هذا الجانبي الحيوي والمهم. ومن ذلك السطو على النتاجات الثقافية والفنية والمبتكرات الصناعية وطرق الإنتاج التكنولوجية ورغم ان العراق من بين الدول التي راعت هذه الجوانب منذ فترات ليست بالقصيرة فإننا وبعد انهيار الوضع الأمني وانعدام الرقابة وتراجع الحرص الوطني والابتعاد عن القيم والمبادئ المهنية لبعض المؤسسات الرقابية وتفشي الكوادر غير المتخصصة أدى إلى تسريب الكثير من البضائع الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك البشري وفي المقدمة منها المواد الغذائية.ناهيك عن سرقات تحصل للمواد والمنتجات الأدبية والفنية كالمؤلفات والدواوين الشعرية والقصائد الغنائية والألحان والرسومات والمنحوتات وغيرها الكثير.

والأسوأ من ذلك فإن الآثار العراقية المنهوبة أخذت تدخل بعض المعارض الدولية المتخصصة بأسماء وتواريخ مزورة لدول لا تمتلك جذورا تاريخية حقيقية ومنها مثلاً لفائف من المخطوطات النادرة التي تعود للصابئة المندائيين ويقدر اقرب تاريخ لها بحدود 500- الى 650 عام قبل الميلاد وهي مكتوبة بلغتهم الحالية وقد تمت سرقتها من سويات منطقة الطيب المنطقة التي سكنها المندائيون منذ آلاف السنين قبل الميلاد والتي يسمونها بعاصمة الأرض وهي أولى المدن التي بناها النبي شيت في بلاد الرافدين منذ أزمان سحيقة غير معروفة.وان هذه اللفائف موجودة الآن في متحف أثينا في واشنطن وقد تم إبلاغ وزارة الثقافة العراقية والمتحف العراقي ورئاسة الوزراء بسيل من البيانات حول إمكانية إعادتها ولكن دون جدوى.وهناك الكثير من هذه الأمثلة فيما يتعلق بالسطو على حقوق الملكية التراثية للعراق.

ولو أردنا التعمق كثيراً في هذا الجانب لأتضح لنا حجم الماسي الكبيرة التي يتعرض لها العراق في كل حين وساعة. فالعراق كالجسد الذي تستأصل أحشائه وأوصاله أمام عجز المسؤولين الكبار من اتخاذ أي اجتراء ضد الجناة ولا يدري امرؤ ما السبب!.

ومن الطريف ان نذكر عن قيام بعض الأحزاب والمنظمات المدنية باستعارات غير رسمية تعد من قبيل السرقة الفكرية عند كتابتها لبيانات التأسيس والأنظمة الداخلية وبيانات الاحتجاج وغيرها من أدبيات العمل التنظيمي.
والأغرب من كل ذلك فإن بعض المؤسسات الأجنبية تستأثر بالأطروحات والمقترحات ومشاريع العمل المقدمة إليها من قبل منظمات عراقية بشأن قضايا حقوق الإنسان والعمل الديمقراطي لتستحوذ عليها بطرق غير شرعية ومن ثم تعيدها كإنتاج أصل باسمها لتتقاضى من اجله ملايين الدولارات!

وأخيرا فمثلما بدأنا علينا نختتم الكلام بالقول بأن الأمم المتخلفة تقاس هي الأخرى من انهيار حقوق حماية الفكرية في بلدانها وبنوع ما قد تعتبر شريكاً أو محرضاً لهدر هذه الحقوق.
من هنا ينبغي على المسؤولين في وزارتي التربية وحقوق الإنسان المناهج التعليمية في جميع المراحل التدريسية وتأسيس المعاهد المتخصصة لتخريج الخبراء الأكاديميين وقضاة متخصصين بأحكام هذا الشأن. فضلاً عن وزارتي التنمية والداخلية المعنيتين أكثر بضرورة وضع التدابير والمناهج التدريبية الخاصة بتعقب عمليات القرصنة والاستحواذ على الملكية الفكرية الخاصة أو الوطنية أو الإنسانية بأية صفة كانت وذلك عن طريق وضع آليات ومتدربين والاستفادة من الخبرات الدولية المتخصصة في هذا الجانب.
حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال إهمال مقدرات المواطنين وحقوقنا التراثية وجعلها نهباً لأصحاب النفوس المريضة والسراق ممن لا تأخذهم على أموال الشعب والوطن غيرة.