مفهوم الشروط التعسفية ومضمون الحماية القانونية للمستهلك

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

قد تقف أحيانا حائرا ما بين امضاء عقد شراء خدمة او الغائه، وذلك عندما يعترض ارادتك شرط في العقد لا توافق عليه ولا تمتلك القدرة على تغييره، فتكون امام خيارين اما قبول العقد بكاملة او رفضه كاملا دون حق التعديل، ومثل هذه الشروط تستخدم بالعقود النموذجية، أي المعدة بشكل مسبق والتي لا تحتاج فيها الا لمليء بعض البيانات ومن ثم التوقيع، ولعل أوضح مثال على ذلك ، عندما تتقدم الى احد البنوك بطلب فتح حساب ، او للحصول على بطاقة ائتمانية او أي خدمة أخرى ، فتجد امامك عقد نموذجي ، لا تملك من الامر الا قبوله كاملا او رفضه كاملا دون الحق في مناقشته او تعديل شروطة، ، الا اللهم حقك في استثناء بعض الميزات مثل الرسائل النصية على العمليات.

ان مثل هذه العقود، اصبحت أكثر شيوعا وأكثر استخداما، ذلك لان العصر الحالي الذي يتميز بالسرعة، أدى الى تطور امور كثيرة من حولنا، ومن مظاهر هذا التطور تلك العقود، لا نها توفر على المزود الوقت في إعدادها والوقت في تقديم الخدمة، الامر الذي ينعكس إيجابا على الأرباح التي تصبو اليها الشركات والمؤسسات، والسؤال الذي يثار، وهو موضوع هذه المدونة، ان مثل هذه العقود التي تتغلب بها إرادة وقوة طرف على الطرف الاخر، بفرض شروط معينة على الطرف الأضعف(المستهلك) هل هي عقود صحيحه؟ هل يملك المستهلك أي حماية تجاه تلك الشروط التي تعد تعسفية بحقة؟ ام ان المستهلك لا يملك أيا من أنواع الحماية تجاهها؟

للإجابة على تلك التساؤلات، لابد من ان نتعرض بشكل موجز الى:
1. تعريف العقد، وأركانه.
2. عقد الإذعان والشروط التعسفية.
3. مضمون الحماية المقررة للمستهلك.

تعريف العقد واركانه:
إن الإرادة الحرة هي الأساس في التعاقد، وفي صحة العقود، ويعرف قانون المعاملات المدنية الإماراتي العقد بالمادة (125) منه ” هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويترتب عليه التزام كل منهما بما وجب عليه للآخر.ويجوز أن تتطابق أكثر من إرادتين على أحداث الأثر القانوني”، والمادة (129) من ذات القانون، حددت اركانا للعقد، ويترتب على انعدام أحدها اعتبار العقد باطلا وهذه الأركان هي:
1. التراضي.
2. أن يكون محل العقد شيئا ممكنا ومعينا أو قابلًا للتعيين وجائزا التعامل فيه.
3. ان يكون سبب العقد مشروعا.
وبما ان الشروط التعسفية في العقد، غالبا ما تمس التراضي، مما يتطلب منا ان نتعرض له بشيء من التفصيل اللازم دون ان نتعرض لشرح المحل او السبب في التعاقد، ذلك ان لا محل لهذا الشرح في هذه المدونة.

التراضي.
ان التراضي يعتبر ركنا من اركان قيام العقد صحيحا ، ويقصد بالتراضي التعبير عن الإرادة الحرة للمتعاقد ، وتعرف الإرادة لغة بانها ” عَزْمٌ، عَزِيمَةٌ، مَشِيئَةٌ، لاَ يَقُومُ بِعَمَلٍ إِلاَّ حَسَبَ إِرَادَتِهِ: -: كَمَا يَشَاءُ، حَسَبَ مَشِيئَتِهِ وَرَغْبَتِهِ”[1]، والتراضي هو تطابق ارادتين على احداث أثر قانوني معين أي التزام [2]، والتراضي هو الترجمة الفعلية “لمبدأ سلطان الإرادة” ، ويعرف مبدأ سلطان الإرادة: “أن الإرادة لها السلطان الأكبر في تكوين العقد وفي الاثار التي تترتب عليه، بل وفي جميع الروابط التعاقدية ولو كانت غير تعاقدية”[3]، و هذا المبدأ لم يظهر من العدم بل مر بمراحل تاريخيه طويلة، وعلى الرغم من انها ليست معرض بحثنا هنا ، لكن أرى من الضروري القاء بعض الضوء على التطور التاريخي للعقد ، وأثر مبدأ سلطان الإرادة فيه.

القانون الروماني لم يعترف باي عصر من عصوره بمبدأ سلطان الإرادة، بل كانت تتميز العقود بذلك العصر بالشكل، حيث تطلب القانون شكلا معينا لانعقاد العقد، سواء تمثل ذلك الشكل بألفاظ معينة، او بتصرفات معينة، والا اعتبر العقد باطلا اذا لم يتم اتباعها[4]، ومثال ذلك ان العقد يعتبر باطلا اذا لم يكتب باللغة اللاتينية [5]، وهذا يدلل على ان مبدأ سلطان الإرادة والتراضي المبني على إرادة صحيحه لأطراف العقد لم يكن ذي معنى، طالما ان الشكل لم يتم إتباعه في انعقاد العقد.

وظل مبدأ سلطان الإرادة في صيرورة مستمرة طوال قرون طويله، حتى ظهر بشكل جلي في القرن السابع عشر فأصبح مبدأ ثابت ومقرر، وبلغ أوجه في القرن الثامن عشر ، ليس على الصعيد القانوني بل على مختلف الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث كانت جميعها تستند على حرية الفرد ووجوب استقلال إرادته استنادا الى القانون الطبيعي، فكانت حرية الفرد واستقلاليته محور ذلك العصر، فعلى الصعيد الاقتصادي، طالبوا بأن الأسعار يجب ان تخضع لمبدا سلطان الإرادة وبالتالي للعرض والطلب المبني على حرية الافراد وليس على قرارات المشرع ، وعلى الصعيد الاجتماعي ظهرت نظرية روسو المتمثلة بكتابه “العقد الاجتماعي” ومحوره الإرادة الحرة للفرد ، وجاء قانون نابليون الذي قدس حرية الفرد واستقلاليته وامعن في احترام ارادته[6].

ولكن مع ظهور الاشتراكية وظهور الشركات الضخمة، ظهر معارضين لهذا المبدأ الذين قاموا بانتقاده، وكان انتقادهم مبني على أساس ان العقد انما هو نظام من النظم الاجتماعية يراد به تحقيق التضامن الاجتماعي، وأن الإرادة يجب ان توجه بهذا السبيل، وليس لغرض تحقيق ما للإرادة من سلطان، هذا بالإضافة الى انتقادات عديدة -هي ليست أيضا محلا للنقاش هنا- الا ان هذا الخلاف بين المؤيدين والمعارضين، كان له اثرا بالنظم القانونية وتطورها، وادى الى ترسيخ مبدأ سلطان الإرادة بالتشريعات المعاصرة ، حيث ان الإرادة حرة وكافية لأنشاء العقد وتحديد اثارة وانهائها ، ولها في سبيل ذلك مخالفة بعض القواعد المكملة في القانون، دون الامرة التي تتعلق بالنظام العام للدولة [7].

ولا يكفي وجود التراضي وانما يجب ان يكون التراضي صحيحا، وحتى يكون صحيحا فإن هناك شروطا يجب تحققها فيه، وهذه الشروط هي:
أ‌. الاهلية.
ب‌. ان تكون الإرادة صحيحه خالية من العيوب (الإكراه والتغرير والغلط).
اما الاهلية، فقد نص قانون المعاملات المدنية في المادة (157) على ” كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون”، والأهلية شرط من شروط صحة التراضي، حيث نميز بين أهلية الوجوب: واهلية الأداء، اما الوجوب فهي صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعلية [8]، اما الأداء: فهي صلاحية الشخص لاستعمال الحق [9]،والأهلية المطلوبة في العقود هي أهلية الأداء ، ويميز القانون بالأهلية بحسب السن كما يلي:

أ‌. الصبي غير المميز: وهو من لم يتم السابعة –هجريا-من عمرة ، حيث تعتبر جميع تصرفاته باطله.
ب‌. الصبي المميز: وهو من بلغ السابعة ولم يبلغ سن الرشد 21 سنه هجرية، وتكون جميع تصرفاته النافعة نفعا محضا صحيحة، وتصرفاته الضارة ضررا محضا باطله مثل التبرع، اما الدائرة بين النفع والضرر فهي موقوفة على إجازة الولي او المحكمة او بلوغه سن الرشد أي قابلة للإبطال.
ت‌. البالغ الرشيد: وهو من بلغ 21 سنه هجرية، تعتبر جميع تصرفاته صحيحة.

وقد تعترض الاهلية عوارض او موانع تمنع الشخص من ان يكون اهلا للتعاقد، اما العوارض فهي:
أ‌. الجنون والعته: اما الجنون: فهو فقدان القوى العقلية والملكات الذهنية بصفه مطلقه ويكون مصحوب بهياج، والعته: هو خلل يصيب العقل يجعل صاحبه مختلط الكلام فيشبه العاقل أحيانا والمجنون أحيانا أخرى، ولا يكون مصحوب بهياج [10]، وحكم المجنون والمعتوه الكبيران حكم القاصر عديم الاهلية بمعنى ان كل تصرفاتهم باطله .

ب‌. السفه والغفلة: والسفيه: هو من يبذر المال على غير مقتضى العقل البشري، وذو الغفلة :من يخدع بسهوله في المعاملات بسبب ضعف ادراكه، وتصرفاتهم تأخذ حكم الصبي المميز [11].

وأخيرا موانع الاهلية والتي يقصد بها تلك الظروف الخارجة عن شخص الانسان فتحول بينه وبين مباشرة التصرفات القانونية بالرغم من اكتمال أهليته [12]، وهي :

أ‌. العاهة الجسمانية: وهي ما ورد بالمادة (173) من قانون المعاملات المدنية ” إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للقاضي أن يعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك على الوجه الذي يبينه القانون”.

ب‌. المحكوم عليه بجناية: مثل الحكم بعقوبة الإعدام على الشخص الامر الذي يستتبع بطلان جميع تصرفات المحكوم علية من يوم صدور الحكم الى يوم تنفيذه باستثناء الوصية، المادة (74) من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنه 1987.

كما اشترط القانون لصحة التراضي، خلو الإرادة من العيوب وتلك العيوب هي:
أ‌. الإكراه: “تهديد المتعاقد دون حق بخطر يحيط به او بغيرة يدفعه الى ابرام عقد ما كان ليرضى بإبرامه مختارا”[13]، وبحسب احكام المادة (182) من قانون المعاملات المدنية، فالعقد الذي اكرة فيه على التعاقد كان العقد غير نافذ، الا إذا أجازة هو او ورثته بعد زوال الإكراه.

ب‌. التغرير والغبن: اما التغرير: ان يخدع احد المتعاقدين الاخر بوسائل احتياليه قوليه او فعليه تحمله على الرضا بما لم يكن ليرضى به بغيرها [14]، والغبن نوعان يسير وفاحش، اما الفاحش الذي لا يدخل تحت تقويم المقومين ، ويعتبر العقد الذي يشوب إرادة احد التعاقدين تغرير مقرون بغبن فاحش عقدا قابل للفسخ ، و المتعاقد المغرر به هو صاحب الحق بطلب فسخ العقد او اجازته.

ت‌. الغلط: حاله تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع، بان يتوهم الانسان صحة واقعه غير صحيحيه، او عدم صحة واقعه صحيحه، فيدفعه هذا الوهم الى التعاقد، ويعتبر العقد باطلا بحسب المادة (194)التي نصت على ” إذا وقع الغلط في ماهيته العقد أو في شرط من شروط الانعقاد أو في المحل بطل العقد”.

وبناء على ما سبق، فالتراضي ركن من اركان العقد، ولا يكفي ان يكون موجودا وانما يجب ان يكون صحيحا وخاليا من العيوب، وتجدر الإشارة الى ان التعبير الصحيح عن إرادة المتعاقدين عن ذلك التراضي ، تكون العبرة بالإرادة الباطنة، وليست الإرادة الظاهرة، بمعنى انه يجب ان يتحرى كل متعاقد النية الداخلية للمتعاقد الاخر، ولهذا جاءت المادة (258) من ذات القانون لتؤكد على ان العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وهذا ما اكدت علية المادة (265) من ذات القانون والتي جاءت بالنص على “إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين.-2 أما إذا كان هناك محل للتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات”، وهذا يدل على ان المشرع الاماراتي اعتبر الإرادة الباطنة او النية الأساس في التعاقد.

عقد الإذعان والشروط التعسفية:
يعرف عقد الإذعان: عقد لا يستطيع الطرف المذعن مناقشة شروطه، فهو اما ان يقبله كاملا او يرفضه كاملا، كعقد ادخال الكهرباء او الماء [15]، وبما ان المذعن بحاجة الى تلك الخدمة بشكل لا غنى عنها فهو مضطر الى القبول، بمعنى ان رضائه موجود ولكنه مفروض علية بسبب الحاجة، ويعتبر مكرها ليس بالمعنى الذي قدمناه سابقا وانما إكراه مرتبط بظروف اقتصادية او اجتماعية أكثر من نفسية تضطره لإمضاء هذا العقد [16]،وعرف قانون المعاملات المدنية الاماراتي عقد الإذعان في المادة (145)” القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط متماثلة يضعها الموجب لسائر عملائه ولا يقبل مناقشته فيها” ، واستقر الفقه على شروط يجب توافرها حتى نعتبر العقد عقد اذعان وهذه الشروط هي:
أ‌. ان يتعلق العقد بخدمات او سلع تعتبر من ضروريات الحياة للمستهلكين.
ب‌. احتكار الموجب “المزود” لهذه الخدمة احتكارا فعليا او قانونيا.
ت‌. صدور الايجاب “شروط التعاقد” الى الناس كافة وبشكل مستمر وعلى نسق واحد.

وانقسم الراي حول هذه العقود الى اتجاهين[17]:
اما الاتجاه الأول: فذهب الى انكار الصيغة التعاقدية عن مثل هذه العقود، فالعقد توافق ارادتين عن حرية واختيار، اما الحال بعقود الإذعان فهو اجبار، أي أقرب الى كونه فرض قانون من توافق ارادتين، وبحسب هذا الراي فان مثل هذه العقود يجب ان تفسر كما يفسر القانون ويراعى في تطبيقه مقتضيات العدالة وحسن النية ، وينظر فيه الى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وضع لتنظيمها ، فعقد الإذعان بحسب الأستاذ ديموج هو مركز قانوني منظم يجب ان يعنى في تطبيقه بصالح العميل أولا، ثم بما يستحق الحماية من صالح كل من طرفي العقد[18].

اما الاتجاه الثاني: فذهب الى ان هذه العقود عقود حقيقة، ويتوافر فيها التراضي بتوافق ارادتين، وكون أحد المتعاقدين أضعف من الاخر، انما هي ظاهرة اقتصادية وليست قانونية، وهذا لا يبرر انكار صفة العقد عن عقود الإذعان، لا يبرر للقاضي ان يفسر العقد لصالح الطرف الضعيف، بل يتمثل العلاج بتقوية الطرف الضعيف لمواجه الطرف الأقوى، وذلك من خلال وسيلتين، أولهما اجتماع المستهلكين على مقاومة المحتكر، والثانية تشريعية يتدخل المشرع وليس القاضي لينظم عقود الإذعان.

وعرف قانون المعاملات المدنية في نص المادة(145) القبول بعقود الإذعان ” القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط متماثلة يضعها الموجب لسائر عملائه ولا يقبل مناقشته فيها” ونص قانون المعاملات المدنية الاماراتي بالمادة (248) ” إذا تم العقد بطريقة الإذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف المذعن منها وفقا لما تقضي به العدالة ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك” كما نصت المادة (266) “يفسر الشك في مصلحة المدين. -2 ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن”، ومن خلال مراجعة الاحكام والمبادئ القضائية التي استقر على تطبيقها القضاء الاماراتي، نجد انه استقر على ان عقد الإذعان لابد من توافر الشروط السابق ذكرها [19].
ومضمون الحماية المقررة للطرف المذعن في ظل عقود الإذعان تتمثل في:
أ‌. اعطى المشرع للقاضي السلطة في تعديل او الغاء تلك الشروط.
ب‌. ان الأصل في تفسير العقود، انها تفسر لصالح المدين بالالتزام، ولكن في عقود الإذعان تفسر للطرف المذعن سواء كان دائنا ام مدينا بالالتزام.

واذ نلاحظ ان المشرع الإماراتي لم يحدد في نصوصه الشروط الواجب توافرها لنكون امام عقد اذعان، سوى ما تم النص علية بالمادة( 145) ، وهي ان تكون الشروط متماثله أي عقد نموذجي يصدر بصيغة واحدة للجميع ولا تقبل المناقشة بها اما تقبل كامله او ترفض كاملة ، الا ان ما جرى العمل به في القضاء الاماراتي والفقه في هذا الشأن ، هو ما ذكرناه من قبل لاعتبار العقد عقد اذعان من ضرورة توافر شروطه الثلاث، الا انه وان كان ذلك الاتجاه الغالب في القضاء والفقه ، نجد ان اتجاه اخر، ذهب الى وضع تعريف وشروط مغايرة لتلك الشروط المقررة بعقد الإذعان ، وان كان قد قصرها على العقد الذي يكون بين المستهلك والمزود دون غيرها ،وحدد شروطا ليكون الشرط شرطا تعسفيا وتلك الشروط هي [20]:

أ‌. ان يكون الشرط مفروضا على المستهلك بمعنى انه لم يملك الحق في مناقشته وتعديله.
ب‌. ان يستغل المزود وضعه وقوته الاقتصادية لفرض مثل هذا الشرط على المستهلك.
ت‌. ان يؤدي ذلك الى الاخلال في التوازن العقدي بين الطرفين، ويتمثل ذلك إذا تم حرمان المستهلك من حق من حقوقه كليا او جزئيا أ او أسفر عن إعطاء المزود ميزة ليست من حقه

ونحن نرى، ان عقد الإذعان او الشروط التعسفية، حقيقة موجودة في كثير من العقود حاليا، ونرى انه حتى نكون امام عقد اذعان يجب ان تتوافر الشروط الاتية:
أ‌. ان لا يملك المستهلك الحق في مناقشة بنود العقد او تعديلها.
ب‌. ان ينفرد هذا المزود بتقديم هذه الخدمة او السلعة، وإذا كان هناك مزودين اخرين يقدموا نفس السلعة فيجب ان تكون شروط العقد متماثلة في جوهرها وان اختلفت في تفاصيلها.
وبذلك تنصرف صفه عقد الإذعان على تلك العقود سواء كنا امام سلعة ضرورة من ضروريات الحياة ام لا، ذلك ان الحياة المعاصرة فرضت مستجدات جديدة، وخلقت سلوك استهلاكي جديد ومتميز، وأصبح الانسان يجد نفسه مدفوعا لشراء أشياء قد لا تكون ضمن أولوياته او احتياجاته الأساسية وانما يقوم بشرائها مدفوعا بالرغبة الى الاستهلاك التي تعززها الطرق الحديثة بالدعاية والاعلان.

مضمون الحماية المقررة للمستهلك:

قرر المشرع الاماراتي الحماية للمستهلك “المتعاقد” بصفه عامة ضمن القواعد العامة، وهي عقود الإذعان حيث، اعطى سلطة تعديل او الغاء تلك الشروط للقاضي المعروض عليه النزاع إذا توافرت شروط عقد الإذعان في العقد، كما ان تفسير عبارات العقود يكون للطرف المذعن سواء كان دائنا ام مدينا وهذا استثناء على القاعدة العامة التي تقرر التفسير لصالح المدين بالالتزام.

اما قانون حماية المستهلك رقم 24 لسنه 2006 ، لم يأت على ذكر الشروط التعسفية ، تعريفا او شروطا ، ولم يقرر حماية مباشرة منها ، الا انه ومن خلال قراءتنا الى نصوص قانون حماية المستهلك ولائحته التنفيذية ، نجد ان المشرع الاماراتي حاول تقييد صلاحيات المزود ، ومكافحة الشروط التعسفية من خلال تضمين نصوص قانون حماية المستهلك نصوص امرة لا يجوز الاتفاق على مخالقتها ، ويمكننا ان نلخص تلك الحماية “المكافحة ” من خلال النقاط الأتية :

أ‌. الضمان بحال وجود عيب: برد السلعة او ابدالها او إصلاحها، او إعادة تقديم الخدمة او رد ثمنها،
ب‌. ضمان الاضرار الناتجة عن استخدام السلعة وتعويض المستهلك المتضرر.
ت‌. يجب مطابقة السلع والخدمات المقدمة للمواصفات والمقاييس المعتمدة، وكذلك مطابقتها لشروط السلامة والصحة العامة.
ث‌. التزام المزود بالإعلان عن أي اضرار قد تصيب المستهلك نتيجة استخدامه للسلعة او الخدمة.
وان كنا نرى ان النص على مفهوم وشروط توافر الشروط التعسفية في قانون حماية المستهلك كان ليكون أفضل وأكثر تماشيا مع غاية هذا القانون، كون ان هذا القانون قد قرر لحماية الطرف الأضعف وهو المستهلك، ومن اهم صور الاستغلال هو وضع المستهلك بطرف المتعاقد المذعن او فرض شروط تعسفية علية، وهذا ما نتمناه على المشرع الإماراتي، من ان يتم النص على تعريف ومضمون الشروط التعسفية في قانون حماية المستهلك.

وكان الله من وراء القصد

[1] المعجم الغني
[2] د. عبد الرزاق السنهوري. الوسيط في شرح القانون المدني. المجلد 1.منشورات الحلبي بيروت 1998 ص 142
[3] المرجع السابق صفحة 120
[4] المرجع السابق صفحة 120
[5] الدكتور صوفي حسن أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، صفحه 221
[6] د.عبد الرزاق السنهوري مرجع سابق صفحة 122
[7] د.الشهابي الشرقاوي مصادر الالتزام الارادية، مكتبة الجامعة، الامارات العربية المتحدة، الطبعة الثالثة، صفحة41
[8] د.عبد الرزاق السنهوري مرجع سابق، صفحة 220
[9] د. عبد الرزاق السنهوري مرجع سابق، صفحة 220
[10] د.الشهابي الشرقاوي، مرجع سابق صفحة 121
[11] د. الشهابي الشرقاوي، مرجع سابق صفحة 122
[12] د. الشهابي الشرقاوي، مرجع سابق صفحة 123
[13] د. الشهابي الشرقاوي، مرجع سابق صفحة 127
[14] المادة 185 من قانون المعاملات المدنية الاماراتي رقم 5 لسنه 1985
[15] د. الشهابي الشرقاوي، مرجع سابق صفحة 58
[16] د.عبد الرزاق السنهوري مرجع سابق صفحة 191
[17] د.عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق صفحة 193
[18] د. عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق صفحة 193
[19] الطعن رقم (247) – لسنة 1990ق – تاريخ الجلسة 27/ 4/ 1991 – مكتب فني 2 – صـ 314]جلسة السبت 27 إبريل سنة 1991
[20] الدكتور محمد المرسى زهرة، الحماية المدنية للتجارة الالكترونية (العقد الالكتروني-الاثبات الالكتروني) (المستهلك الالكتروني، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى 2008، صفحه 131