حكم محكمة القضاء الإداري فى قضية تسليم أحدى قوافل الأغاثة إلى غزة والمعروفة إعلاميا بأسم”قضية فتح المعابر”

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الادارى
الدائرة الاولى
بالجلسة المنعقدة علنا يوم الثلاثاء الموافق 11/11/2008
برئاسة السيد الاستاذ المستشار الدكتور/محمد احمد عطية
نائب رئيس مجلس الدولة رئيس المحكمة
و عضوية السيد الاستاذ المستشار/ منير محمد غطاس نائب رئيس مجلس الدولة
و عضوية السيد الاستاذ المستشار / فوزى على حسن شلبى نائب رئيس مجلس الدولة
و بحضور السيد الاستاذ المستشار / محمود اسماعيل مفوض الدولة
و سكرتارية السيد / سامى عبد الله خليفة سكرتير المحكمة
اصدرت الحكم الاتى
فى الدعوى رقم 61218 لسنة 62 ق
المقامة من/
1) احمد رامى عبد المنعم 2) امين سليمان اسكندر
3) جمال الدين تاج الدين حسن 4) جمال على زهران
5) جمال فهمى حسين 6) جمال حسن امام عياد
7) حمدى حسن على 8) حازم محمد فاروق
9) حمدين عبد العاطى صباحى 10) سيد عبد الغنى عبد المطلب
11) صلاح صادق 12) عادل عبد العزيزمحمد
13) عبد الحميد عبد الحافظ بركات 14) عبد الجليل مصطفى البسيونى
15) عبد العزيز محمد الحسينى 16) عبد الفتاح رزق صالح
17) جمال خليل خليل 18) محمد محمد ابراهيم البلتاجى
19) محمد مجدى على قرقر 20) محمد رفاعى ابو عطية
21) محمد عصمت سيف الدولة 22) محمد على عبد السلام محمد
23) مجدى احمد حسين 24) نيفين احمد سمير سيد
25) وفاء عبد السلام المصرى
و الخصوم المنضمون اليهم وهم :
1) محمد حافظ الاشقر 2) كريمة محمد على 3) فاتن منير عبد المنعم 4) محمد احمد جمال محمد عبد الغفار
5) فاطمة منير عبد المنعم 6) جابر عبد الجبار جمعة
7) حامد صديق سيد مكى
ضــــــــد
1) رئيس جمهورية مصر العربية بصفته
2) وزير الداخلية بصفته
3) وزير الدفاع بصفته

الوقــــائع
بتاريخ 13/9/2008 اقام المدعون دعواهم الماثلة بايداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة طالبين فى ختامها الحكم بقبولها شكلا بوقف تنفيذ والغاء قرار جهة الادارة بعدم السماح لهم بتسليم قافلة الاغاثة المصرية بما تحويه من مواد اغاثة انسانية لشعب غزة المحاصر مع ما يترتب على ذلك من اثار، اخصها السماح لقوافل الاغاثة الانسانية ومرافقيهم بتسليم مواد الاغاثة لشعب غزة على الحدود المصرية الفلسطينية معبر رفح، والزام جهة الادارة المصروفات وتنفيذ الحكم فى الشق العاجل من الدعوى بسمودته ودون اعلان.
ومن حيث انه دفع الحاضر عن جهة الادارة بعدم اختصاص المحكمة ولا نيا بنظر الدعوى باعتبار انها تتعلق بعمل من اعمال السيادة فان المادة (11) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على ان ” لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة “.
ومؤدى ذلك ما استقر عليه الفقه والقضاء ان اعمال السيادة هى تلك التى تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة ادارة فهى تارة تكون اعمالا منظمة لعلاقة الحكومة بمجلسى الشعب والشورى او منظمة للعلاقات السياسية بالدول الاجنبية وهى طورا تكون تدابير تتخذ للدفاع عن الامن العام من اضطراب داخلى او لتأمين سلامة الدولة من عدو خارجى، واعمال السيادة بهذا المفهوم، والتى تتصل اتصالا وثيقا بنظام الدولة وسيادتها فى الداخل والخارج لا تمتد اليها رقابة القضاء، اما غير ذلك من القرارات الادارية او الاعمال التى تمارسها الحكومة بوصفها سلطة ادارية فانها تخضع لرقابة القضاء الادارى طبقا لاحكام الدستور والقانون باعتباره صاحب الولاية العامة والقاضى الطبيعى المختص بنظر الطعون فى القرارات الادارية النهائية سلبية كانت او ايجابية .
وغنى عن البيان ان للقضاء سلطة تقرير الوصف القانونى للعمل المطروح عليه وما اذا كان يعد عملا اداريا عاديا يختص بنظره او عملا من اعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه .
ومن حيث انه لما كان ما تقدم وكان الثابت بالاوراق ان القرار المطعون فيه انما يتعلق بالاجراءات التى اتخذتها جهة الادارة – على النحو الوارد بالمستندات المقدمة من المدعين – ومنعت بموجبها المذكورين من التنقل من مكان لاخر داخل البلاد والوصول حتى الحدود المصرية الفلسطينية لتسليم ما حملوه معهم من معونات غذائية وانسانية لاهل غزة المحاصرين .
وهذا ما جانب جهة الادارة يعد من صميم وظائفها الادارية ومن الاعمال التنفيذية التى تمارسها الحكومة بوصفها سلطة ادارية وفيما يخص المدعين فان القرار المطعون فيه يمس حقهم فى التنقل من مكان لاخر داخل الوطن وهو من الحقوق التى اعتبرها الدستور حقوقا اساسية للمواطنين وبالتالى يكون للمحكمة الحق فى بسط رقابتها عليه، ويضحى الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولا نيا بنظر الدعوى – فى هذه الحالة – فى غير محله متعينا رفضه .
ومن حيث انه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الادارى فهو مردود بدوره ولا يقوم على سند قانونى سليم لما سلف بيانه من استجماع المنازعة الماثلة صفة المنازعة الادارية وتعلقها بقرار ادارى افصحت عنه جهة الادارة بما لها من سلطة فى هذا الشأن بمنعها مسيرة المدعين من الوصول الى هدفها المنشود .
ومن ناحية اخرى فانه فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة ومصلحة فان قضاء مجلس الدولة قد استقر على انه يكفى لقبول دعوى الالغاء ان يكون رافعها فى حالة قانونية خاصة من شأنها ان تجعل القرار لمطعون فيه مؤثرا تأثيرا مباشرا فى مصلحة شخصية له فضلا عن تحقق صفته فى اختصام القرار الادارى .
وبتطبيق ما تقدم ولما كان الثابت بالاوراق ان المدعين كانوا مشاركين فى المسيرتين اللتين منعتهما جهة الادارة قرارها المطعون فيه فحرمتهم بذلك – كمواطنين – من حقهم فى التنقل داخل اقليم الدولة وهو حق كفله لهم الدستور والقانون ومن ثم تكون لهم مصلحة جدية تبرر لجوئهم الى القضاء ومنازعة مسلك جهة الادارة بغية القضاء لهم الطلبات التى ابدوها انتصارا لمبدأ المشروعية وسيادة القانون، ومن ثم تقضى المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى انتفاء الصفة والمصلحة .
من حيث انه طلبات التدخل فقد اجاز المشرع بموجب نص المادة (126) من قانون المرافعات لكل ذى مصلحة ويتدخل فى الدعوى منضما لاحد الخصوم … ويكون التدخل بالاجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة او طلب يقدم شفاهة بالجلسة فى حضورهم ويثبت فى محضرها …) .
ومتى كان ذلك وكان الثابت بالاوراق ان طالبى التدخل هم من مواطنى جمهورية مصر العربية وقد شاركوا فى المسيرتين اللتين منعتهما جهة الادارة بقرارها المطعون فيه، وقد اوضحوا انهم متضررون من حرمانهم – دون سند القانون – من حقهم فى التنقل من مكان لاخر داخل البلاد ومن ثم يكون تدخلهم الى جانب المدعين فى طلباتهم قائما فى سنده المبرر له وبالتالى تقضى المحكمة بقبوله .
ومن حيث ان الدعوى قد استوفت اوضاعها الشكلية والاجرائية فانها تكون مقبولة شكلا.
ومن حيث ان مناط الحكم بوقف تنفيذ القرار الادارى توافر ركنى الجدية والاستعجال وذلك بأن يستند طلب الحكم فى التنفيذ الى اسباب جدية تبرره، وان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها .
ومن حيث انه عن ركن الجدية فان الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور عام 1923 ودستور عام 1956 واخيرا دستور جمهورية عام 1971 قد تواترت على كفالة الحقوق والحريات العامة للمواطنين وذلك لسموها حتى ان دستور عام 1971 قد افرد لها بابا خاصا من ابواب الدستور هو الباب الثالث ومقتضاه حماية هذه الحقوق والحريات العامة من اى افتئات او عدوان عليها، وقد تعتبر الحرية فى التنقل داخل الدولة او خارجها من الحريات اللصيقة بالانسان والمستمدة من فطرته وطبيعته الانسانية .
وقد نصت المادة (41) من الدستور على ان ( الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على احد او تفتيشه او تقييد حريته بأى قيد او منعه من التنقل الا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة امن المجتمع ويصدر هذا الامر من القاضى المختص او النيابة العامة وذلك وفقا لاحكام القانون .
وتنص المادة (50) منه على انه ” لا يجوز ان يحظر على اى مواطن الاقامة فى جهة معينة ولا ان يلزم بالاقامة فى مكان معين الا فى الاحوال المبينة فى القانون ” .
وقد جاء فى المادة (13) فقرة (1) من وثيقة الاعلان العالمى لحقوق الانسان ان ” لكل فرد حرية التنقل واختيار محل اقامته داخل الدولة ” .
ومن حيث ان المستفاد مما تقدم ان الدستور قد اعلى من شأن الحرية الشخصية، واعتبرها حقا مقررا للفرد فى سكونه او حركته فللفرد ان يستقر فى مكان فتتجلى بذلك حرية اساسية هى ” حرمة مسكنه ” او يتحرك متنقلا من مكان لاخر قريبا كان هذا المكان او بعيدا داخل الدولة او حتى عبر حدودها فتتجلى بذلك حريته فى التنقل .
ولما كان الحق فى التنقل فرع من الحرية الشخصية – على ما سلف بيانه – فانه لا يجوز مصادرته بغير علة لا مناهضته دون مسوغ او تقييده بلا مقتض .
وللفرد بموجب ذلك كله ان يلزم الدولة ممثلة فى سلطاتها العامة ( اقتضاءا) بأن تمتنع عن التعرض له باستيقاف احتجاز او قبض او حظر تجول او تحديد اقامة او حبس او اعتقال او تفتيش او استجواب او بأى اجراء اخر من اجراءات الاحتجاز او التحقيق او المحاكمة او العقاب الا فى الحدود التى يقررها الدستور والقانون .
ومن حيث لا انه ولما كانت مصر قد استوت على قمة العالمين الاسلامى والعربى بحضارة تليده وموروث ثقافى وشعب قوى متعلم وقيادة حكيمة قادرة، فقد اهلها ذلك لان تقود مسيرة الكفاح العربى على مدى قرون قدمت خلالها – فى سبيل قضايا العرب العامة والقضية الفلسطينية خاصة – الكثير من التضحيات وارواح الشهداء حتى استقر فى ضمير هذا الشعب ايمان راسخ بأن القضية الفلسطينية هى قضية الامة الاولى، والتزام بمساعدة الشعب العربى الفلسطينى حتى جاوز محنته ويعود – بأذن الله – حرا مستقلا يقرر مصيره بنفسه .
ومن حيث ان البين من ظاهر الاوراق ان المدعين والمنضمين الايهم وهم من فئات مختلفة من هذا الشعب – قد وهم الصمت الدولى ازاء الحصار الاسرائيلى الظالم لاكثر من مليون ونصف مليون عربى فلسطينى يتعرضون منذ ما يقارب عن عامين لعقاب جماعى يتعارض مع جميع المواثيق والاعراف الدولية وترتكب فى حقهم ابشع جرائم انتهاك رفح المصرية لتسليمها الى الاهل المحصارين فى غزة فى تحرك رمزى انسانى الهدف منه اغاثة هؤلاء المحاصرين المظلومين ولفت انظار العالم الى معاناتهم، ولكن الجهات الامنية – وحسب الظاهر من الاوراق – قد منعتهم من مواصلة مسيرتهم داخل اقليم الوطن حتى الحدود دون سند قانونى او مبرر مشروع فى مخالفة صريحة احكام الدستور والقانون واساءة لاستعمال السلطة، وتعارض واضح مع مواقف مصر السياسية المعلنة التى تأبى ان يجوع الشعب الفلسطينى او يحرم من حقه الطبيعى فى الحياة الكريمة الامنة داخل وطنه .
لما كان ذلك فان طلب المدعين وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قائما على سند جدى يبرره، كما يتوافر ركن الاستعجال لما يترتب على تصرف جهة الادارة مع المدعين من اضرار تنال من حريتهم العامة وحقهم فى التعبير عن ارائهم ومواقفهم من اهم قضايا العرب ورفضهم ذلك الفصل المأساوى من الظلم الذى يعيشه الشعب الفلسطينى .
هذا وتقضى المحكمة بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون اعلان عملا بحكم المادة 286 من قانون المرافعات .
ومن حيث ان من يخسر الدعوى يلزم بالمصروفات كنص المادة (184) مرافعات .

فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة : أولا : برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وباختصاصها .
وثانيا : بقبول طلبات تدخل الخصوم المنضمين الى جانب المدعين .
وثالثا : بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من منع المدعين من التنقل داخل الوطن حتى رفح المصرية مع ما يترتب على ذلك من اثار اخصها تسليم ما يحملونه من معونات انسانية – غير محظورة – لاهل غزة المحاصرين، وامرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون اعلان والزمت جهة الادارة مصروفات هذا الطلب، وباحالة الدعوى الى هيئة مفوضى الدولة لاعداد تقرير بالرأى القانونى فى طلب الالغاء .