حكم جنائي هام في ضوابط مصداقية الصحفي

حكم
باسم الشعب
محكمة جنح بولاق الجزئية
بجلسة الجنح والمخالفات المنعقدة علنا بسراي المحكمة في يوم الأربعاء الموافق 26مارس سنة 2008
تحت رئاسة السيد الأستاذ / شريف كامل مصطفى…………… رئيس المحكمة
وبحضور السيد الأستاذ / محمد الفيصل يوسف …………….. رئيس النيابة
والسيد / محمد على ………………………………………. أمين السر
في جنحة النيابة العمومية رقم 12663 لسنة 2007 جنح بولاق أبو العلا

ضد
المتهم / إبراهيم السيد إبراهيم عيسى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
بعد سماع المرافعة وطلبات النيابة العامة والاطلاع على الأوراق :-
حيث أن النيابة العامة قد أسندت إلى المتهم ” إبراهيم السيد إبراهيم عيسى ” انه في غضون الفترة من 27/8/2007 حتى 30/8/2007 بدائرة قسم بولاق:
أولا : أذاع أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة من شانها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة وذلك بان نشر بالعدد 130 من جريدة الدستور والتي يتولى رئاسة تحريرها والكتابة فيها خبرا كاذبا بعنوان ” أنباء عن سفر الرئيس مبارك إلى فرنسا لمدة يوم للكشف الطبي عليه ” وبالعدد رقم 132 أخبار كاذبة بعنوان ” الرئيس مبارك مريض بقصور بالدورة الدموية مما يقلل من نسبة وصول الدم إلى أوعية المخ ” وعنوانا أخر أورد فيه ” مستقبل مصر مرهون بقرارات عاطفية يتخذها الرئيس لحظة المرض ” كما نشر بذات العدد مقالا تحت عنوان ” الإلهة لاتمرض ” تضمن أخبارا وبيانات كاذبة أكد فيها شائعات المرض ، مما أدى إلى انخفاض مؤشر البورصة بصورة غير عادية وتصفية المستثمرين الأجانب لاستثمارات بلغت قيمتها أكثر من ثلاثمائة وخمسين مليون دولار الأمر الذي اضر بالمصلحة السياسية والاقتصادية للبلاد على النحو المبين بالتحقيقات .
ثانيا : نشر بسوء قصد – بإحدى الطرق العلانية – أخبار وإشاعالعقوبات. كاذبة من شانها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، بان نشر بسوء قصد وبطريق الكتابة والرسوم التوضيحية في عددي من جريدة الدستور المشار إليهما الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة موضع الاتهام السابق ، مواليا تكرار النشر دون اعتبار للثابت من عدم صحتها إذ نشر بالعدد رقم 132 مقالا تحت عنوان ” زيارة مبارك إلى برج العرب فشلت في القضاء على شائعة مرضه ” أكد خلاله تلك الأخبار والإشاعات مما الحق الضرر بالمصلحة العامة على النحو المبين تفصيلا بالتهمة الأولى وبالتحقيقات .
وطلبت عقابه بموجب المادتين 102 مكرر فقرة 1، 188 من قانون العقوبات .

وحيث أن واقعة الدعوى كما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تخلص في انه بتاريخ 3/9/2007 عرض على نيابة امن الدولة العليا محضرا مؤرخا 3/9/2007 محررا بمعرفة العميد محمد برغش بالإدارة العامة لمباحث امن الدولة بالقاهرة كشفت سطوره عن انه بتاريخ 30/8/2007 صدر العدد رقم 132 من جريدة الدستور متضمنا المانشت الرئيسي بصدر الصفحة الأولى بعنوان ” الرئيس مبارك مريض بقصور في الدورة الدموية مما يقلل من نسبة وصول الدم إلى أوعية المخ ويسبب إغماءات أحيانا ” وجاء مضمونه في إطار مقال لرئيس تحرير الجريدة الصحفي إبراهيم عيسى تحت عنوان ” الإلهة لا تمرض ” أشار من خلاله إلى أن رئيس الجمهورية حسب مصادر طبية – لم يحددها – مريض فعلا في الدورة الدموية مما يقلل من نسبة وصول الدم إلى أوعية المخ في لحظات تسفر عن إغماءات تستغرق ثوان أو دقائق وانه يترك للقارئ حرية الاتصال باى طبيب للوقوف منه على أثار قصور الدورة الدموية على رجل في سن الرئيس وما ينتج عنه من أمور ، وفى إطار إصرار المتهم على بث الأخبار والشائعات الكاذبة حول هذا الموضوع نشرت الجريدة المشار إليها بذات العدد وبالصفحة الأولى خبرا بعنوان ” زيارة مبارك إلى برج العرب فشلت في القضاء على شائعة مرضه ” تضمن انه رغم محاولات مؤسسة الرئاسة نفى شائعة مرض السيد الرئيس بترتيب زيارات له لمدينتي السادس من أكتوبر بالقرية الذكية وبرج العرب إلا أن ذلك لم ينجح في القضاء على شائعات مرضه ، وأضاف الضابط بمحضره انه سبق للجريدة الترويج للشائعات المثارة حول هذا الموضوع بعددها رقم 130 الصادر بتاريخ 27/8/2007 من خلال المانشيت الرئيسي الذي تمت صياغته بصورة مغايرة للحقيقة للتأكيد على صحة تلك الشائعات ، وذلك من خلال عناوين نصها ” أنباء عن سفر مبارك إلى فرنسا لمدة يوم واحد للكشف الطبي عليه” ، ” لماذا لم يخرج وزير الصحة أو طبيب السيد الرئيس ببيان عن حالته الصحية حتى يرد على الشائعات التي تتجدد يوميا حول مرض الرئيس” واختتم محرر المحضر بلاغه بأنه ترتب على نشر الجريدة الموضوعات المتعلقة بالظروف الصحية لرئيس الجمهورية العديد من التبعات السلبية والتي تمثلت في إثارة الفزع والقلق بين أوساط المواطنين وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة للبلاد سياسيا وامنيا واقتصاديا واضطراب الأوضاع بسوق الأوراق المالية المصرية وتناول العديد من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العربية والأجنبية لتلك الشائعات على ضوء ما نشرته الجريدة بما يمثل ترويجا لها إقليميا ودوليا ، وأرفق الضابط ببلاغه نسخة من عددي الجريدة موضوع المحضر لعرضه على السيد المستشار المحامى العام الأول لنيابة امن الدولة العليا للنظر والتصرف .

وحيث باشرت نيابة امن الدولة العليا تحقيقاتها في واقعة ذلك المحضر والتي استهلتها باستجواب المتهم ” إبراهيم عيسى ” بتاريخ 5/9/2007 والذي أنكر التهمة المنسوبة إليه مؤكدا على انتفاء النية لديه على نشر أخبار أو إشاعات كاذبة وانه نشر عن الشائعة ولم ينشرها وان الصحيفة التي يتولى رئاسة تحريرها كانت أخر صحيفة تناولت تلك الأخبار إذ سبقتها صحف أخرى في ذلك وان مانشرته صحيفة الدستور في هذا الشأن كان في حدود ممارستها لحقها الطبيعي في متابعة الأحداث ومجريات الشأن العام وما يدور في المجتمع المصري طبقا للدستور والقانون ، وأضاف بمسئوليته عن وضع السياسة العامة لصحيفة الدستور وخطوطها الرئيسية وإعدادها ومتابعة أخبارها وموضوعاتها حتى مرحلة النشر فضلا عن مسئوليته عن كتابة عمود يومي باسمه بتلك الصحيفة ، كما سئل بالتحقيقات الضابط مقدم البلاغ فقرر بذات مضمون ما ورد ببلاغه وأضاف أن المعلومات التي اشتمل عليها محضره تم فحصها وفحص الآثار والتداعيات المترتبة عليها بمعرفة المقدم ياسر المليجى الضابط بالإدارة العامة لمباحث امن الدولة ، وبسؤال الأخير بالتحقيقات قرر بذات مضمون ماورد بالبلاغ ، هذا وقد أرفقت بتحقيقات النيابة أثناء مباشرتها عدة عرائض انطوت على بلاغات ضد ذات المتهم وعن ذات الواقعة قدمت من كل من سمير محمد الششتاوى ، احمد جمعة شحاته ، خالد السعيد على ، على كريم على ، محمد سيد أمين ، شوقي سعد محمد ، محمد إبراهيم فهمي ، محمد احمد عبد الرحمن ، خالد إبراهيم عبد الفتاح ، واستكمالا منها لإجراءات التحقيق استعملت النيابة العامة من هيئة سوق المال عن الآثار التي تم رصدها على مؤشرات سوق الأوراق المالية وحركة تداول الأسهم في ضوء مانشره خلال الفترة من 27/8/2007 وحتى 30/8/2007 من شائعات كاذبة حول مرض رئيس الجمهورية ، كما استعلمت أيضا من البنك المركزي المصري عن التداعيات الاقتصادية الناجمة عما سلف .

وحيث انتهت النيابة العامة من مباشرة إجراءات التحقيق وقيدت الدعوى برقم 195 لسنة 2007 جنح امن دولة طوارئ بولاق ، وقدمت المتهم للمحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح بولاق الجزئية وفقا للقيد والوصف انف البيان رفق قائمة بأدلة الثبوت .
وحيث أن الدعوى تداولت بجلسات المحاكمة على النحو الثابت بمحاضرها مثل خلالها المتهم بوكلاء عنه – هيئة دفاع من المحامين – كما حضر كل من سمير محمد الششتاوى وادعى مدنيا بمبلغ 5001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت واحمد جمعة احمد شحاته وعلى كريم على وخالد السعيد على ومحمد إبراهيم فهمي المحامين وادعوا مدنيا بمبلغ 5001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت ضد المتهم ، وبجلسة المحاكمة الأولى بتاريخ 1/10/2007 قررت المحكمة التأجيل لجلسة 24/10/2007 للاطلاع على الأوراق مع التنبيه على الخصوم بان جلسات المحاكمة سوف تعقد بمجمع المحاكم الكائن بالقاهرة الجديدة بالتجمع الخامس تنفيذا لقرار السيد المستشار وزير العدل الصادر برقم 8158 /2007 بتاريخ 30/9/2007 ، مع استدعاء شهود الإثبات لسماعهم بتلك الجلسة ، واستأنفت المحكمة نظر الدعوى بمقر انعقادها الجديد وبجلسة 24/10/2007 حضر إطرافها والحاضرون عن المتهم ادعوا مدنيا قبل المدعى بالحق المدني بمبلغ 300001 جنيه ، والمحكمة استمعت إلى شهود الإثبات في الدعوى وهم رئيس الهيئة العامة لسوق المال ووكيل البنك المركزي المصري والمقدم ياسر المليجى ، وقررت نظر الدعوى باعتبارها جنحة عادية وقيدها في ضوء ذلك مع التصريح للمتهم بإعلان شهود النفي ، ونفاذا لقرار المحكمة فلقد قيدت الدعوى برقمها الحالي ، كما استمعت المحكمة إلى ثلاثة شهود نفى وهم محمد سعد هجرس ، ومحمد السيد النجار واحمد السيد النجار ، وتبادل أطراف الدعوى تقديم المذكرات والمستندات وهيئة الدفاع عن المتهم دفعت الدعوى بعدة دفوع حاصلها أولا : بطلان وانعدام اتصال المحكمة بالدعوى ثانيا : عدم دستورية مادتي الاتهام ثالثا : بطلان إجراءات التحقيق رابعا : بطلان الاستجواب خامسا : انتفاء القصد الجنائي لدى المتهم سادسا : عدم جدية تحريات مباحث امن الدولة و وعدم التعويل عليها سابعا : عدم قبول الادعاء المدني .

وبجلسة المحاكمة الأخيرة قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة اليوم وصرحت للخصوم بإيداع مذكرات في أسبوعين مناصفة تبدأ بالمدعى بالحق المدني، بيد أن وكيل المتهم أودع مذكرة بدفاعه خلال الأجل الذي رصدته له المحكمة .
وحيث أن المحكمة إذ تقدم لقضائها بأنه لما كان من المقرر في ضوء نص المادة 308 إجراءات جنائية أن الوصف القانوني هو إخضاع الفعل المادي المنسوب للمتهم لنص معين من النصوص العقابية ولئن كان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لان هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شانه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم إلا أن حد ذلك أن تلتزم ذات الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة ودارت حولها المرافعة .
وحيث انه لما كان من المقرر أن تنازع النصوص هو تزاحم ظاهري لنصوص تجريم متعددة إزاء فعل واحد على نحو يتبين به بعد تفسير صحيح لهذه النصوص أن احدها فحسب هو الواجب التطبيق وان سائرها يتعين استبعاده ، فتنازع النصوص يفترض أن نصا واحدا منها في النهاية هو الذي يطبق ، واهم القواعد التي تحسم التنازع بين النصوص الجنائية هي قاعدة ” النص الخاص يرجح على النص العام ” ويتميز النص الخاص باحتوائه على عناصر أخرى تحدد محتوى الوضع الواقعي على نحو أدق ، وتعليل ترجيح النص الخاص على النص العام أن الأول هو الأكثر دقة وتحديدا فكأنه وضع ليطبق على ذلك الوضع خصيصا ومن ثم يكون تطبيق النص الخاص عليه اصدق تعبيرا عن قصد الشارع .
وحيث انه لما كان نص المادة 102 مكرر فقرة أولى عقوبات قد جرى على أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تتجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شان ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، ونصت المادة 188 من ذات القانون على انه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرين إلف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير إذا كان من شان ذلك تكدير السلم العام وإثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة .

ولما كان البادئ من مطالعة وتفسير نص كل من المادتين سالفتى الذكر أن المادة 188 عقوبات تكاد تطابق الفقرة الأولى من نص المادة 102 مكرر عقوبات ، إذا أن كلمة أذاع الواردة بنص المادة 102 مكرر تعنى إعلام الناس بدون تمييز وبالتالي فهي تستوعب جميع وسائل العلانية بما فيها النشر وهى الوسيلة التي وردت بنص المادة 188 ، كما وان عدم ذكر الأوراق المصطنعة أو المزوه تدخل في مدلول البيانات غير المطابقة للحقيقة والفرق بين النصين يتمثل في أن المادة 188 تواجه حالة نشر الأوراق المنسوبة كذبا إلى الغير ، الأمر الذي يمكن معه القول بان هناك تكرارا للجريمة وتنازعا ظاهريا بين النصين يستوجب على المحكمة تطبيق احدهما واستبعاد الأخر ، ولئن كانت الواقعة المنسوبة للمتهم قد ارتكبت عن طريق النشر بإحدى الصحف ، وكان المشرع العقابى المصري قد خصص الباب الرابع عشر من قانون العقوبات للجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها وهو ذات الباب الذي تقع بين دفتيه جريمة المادة 188 يعد نصا خاصا نظرا لاحتوائه على عناصر تحدد محتوى الوضع الواقعي على نحو أدق من نص المادة 102 مكرر ومن ثم نص المادة 188 عقوبات يضحى هو الأجدر والأولى بالتطبيق لصدق تعبيره عن قصد المشرع ، بما يتعين معه على المحكمة تعديل القيد والوصف القانوني للواقعة باستبعاد نص المادة 102 مكرر فقرة أولى عقوبات من مادتي الاتهام وإضافة المادة 171 عقوبات .

وحيث انه عن الدفوع المبداه من هيئة الدفاع عن المتهم …. فإما عن الدفع المبدي بانعدام وبطلان اتصال المحكمة بالدعوى ، والمؤسس على أن المتهم قد أعلن بتقديمه للمحاكمة في جنحة امن دولة طوارئ أمام محكمة جنح امن الدولة طوارئ ببولاق ، بينما ينتظم نوعين من المحاكم ، محاكم جنائية عادية وهى تختص بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن ارتكاب الجرائم أيا كان مرتكبها إلا ما نص المشرع على انفراد غيرها به ، ومحاكمة أشخاص ذوى صفة خاصة .. والمحاكم الخاصة قد تكون دائمة كمحاكم امن الدولة الدائمة ومحاكم الأحداث والمحاكم العسكرية ، وقد تكون مؤقتة كمحاكم امن الدولة المنشاة بقانون الطوارئ والموقوتة بفترة قيام حالة الطوارئ وتعتبر المحاكم الخاصة المؤقتة محاكم استثنائية ..والمحاكم العادية تشمل محاكم الجنح الجزئية والجنح المستأنفة والجنايات والنقض ، أما المحاكم الاستثنائية فهي محاكم امن الدولة طوارئ والتي صدر بها القانون رقم 162 لسنة 58 بشان حالة الطوارئ ، فتنص المادة السابعة من ذلك القانون على أن ” تفصل محاكم امن الدولة الجزئية والعليا في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه وتشكل كل دائرة من دوائر امن الدولة الجزئية بالمحكمة الابتدائية من احد قضاة المحكمة وتختص بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين …… ويقوم بمباشرة الدعوى أمام محكمة امن الدولة عضو من أعضاء النيابة العامة ، وتنص المادة التاسعة من ذات القانون على انه يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم امن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام .

إلا انه من المقرر أن اختصاص هذه المحاكم بجرائم القانون العام التي تحال إليها لا يسلب القضاء العادي اختصاصه الأصيل بالمحاكمة عن هذه الجرائم ، ذلك أن قانون الطوارئ المذكور ليس فيه ا وفى اى تشريع أخر اى نص يفيد انفراد محاكم امن الدولة بالاختصاص بالفصل في هذه الجرائم ، فلا زالت المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة على هذه الجرائم .
( نقض 5/1/75 ، 24/5/76 ، 12/6/77 ، 30/11/78 مجموعة الأحكام س 29 ص 839 ، 10/12/85 س 36 رقم 200 ص 1088 ونقض 3/1/95 مجموعة أحكام النقض س 46 ص 67 رقم 5 )
ولو كان المشرع قد أراد أفراد محاكم امن الدولة طوارئ المذكورة بالفصل في جرائم من اى نوع وحدها دون سواها لعمد إلى الإفصاح عن ذلك صراحة على غرار نهجه في القانون رقم 105 سنة 80 بشان محاكم امن الدولة الدائمة والذي نص فيه على اختصاص تلك المحاكم بنظر الجرائم الواردة فيه اختصاصا استثنائيا دون غيرها … فالقانون وحده هو الذي يحدد اختصاص الهيئات القضائية كما نصت المادة 15/2 من قانون السلطة القضائية على أن تبين قواعد اختصاص المحاكم في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية ، وعلى ذلك فلا يجوز أن يحدد هذا الاختصاص قرارات إدارية ، والأصل وفقا للمادة المذكورة أن المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة فالفصل في جميع الدعاوى الجنائية إلا ما استثنى بنص خاص وهذا الاستثناء أما أن يكون بأفراد محكمة معينة عبر القضاء العادي اختصاصا بنظر جرائم معينة ولكنه لا ينص على انفرادها بها وحينئذ يكون الاختصاص بنظر تلك الجرائم مشتركا بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية ، وخير مثال على الاختصاص المشترك الدعاوى الخاصة بالجرائم التي تختص بنظرها محكمة امن الدولة طوارئ المشكلة طبقا لأحكام القانون رقم 162 سنة 58 إذ أن المحاكم العادية تشترك مع محاكم امن الدولة طوارئ في نظر تلك الجرائم بوصفها صاحبة الولاية العامة عملا بالمادة 15 من قانون السلطة القضائية ، وبحسبان أن قانون الطوارئ قد خلت نصوصه مما يفيد قصر الاختصاص بنظر الدعاوى الواردة فيه على محاكم امن الدولة وحدها .
وترتيبا على ذلك فإذا ما أقيمت الدعوى الجنائية ضد متهم عن إحدى الجرائم الواردة بالقانون رقم 162 سنة 58 بشان حالة الطوارئ أمام محكمة الجنح العادية فليس هناك مايمنع تلك المحكمة من نظر الدعوى بوصفها محكمة جنح عادية نظرا لان الأصل أن المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة على جميع الدعاوى الجنائية بما فيها جرائم امن الدولة طوارئ .

وحيث انه متى كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن النيابة العامة كانت قد قيدت واقعة الدعوى برقم 195 لسنة 2007 جنح امن دولة طوارئ وقدمت المتهم للمحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح بولاق الجزئية بموجب المادتين 102 مكرر فقرة أولى و 188 عقوبات بتهمة إذاعة ونشر أخبار وشائعات كاذبة عمدا من شانها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، فانه ولئن كانت جريمة المادة 102 مكرر تعتبر من جرائم امن الدولة طوارئ والتي تختص بنظرها محاكم امن الدولة طوارئ طبقا لأحكام قانون الطوارئ رقم 162 إلا انه ليس هناك مايمنع أو يحول قانونا دون نظر محكمة جنح بولاق العادية لهذه الدعوى باعتبار أن القانون المذكور لم يسلب المحاكم العادية حقها في نظر جميع الجرائم الواردة فيه ، ومن ثم فان طرح الدعوى الماثلة على محكمة جنح بولاق واستمرار هذه المحكمة في نظرها توطئة للفصل فيها لا يكون مشوبا بثمة خطا قانوني أو بطلان ، ولا ينال من ذلك أن المتهم قد أعلن وتم تكليفه بالحضور في الجنحة رقم 195 سنة 2007 جنح امن دولة طوارئ أمام محكمة جنح بولاق أبو العلا ، ومن ثم فان إعلان المتهم بجلسة المحاكمة وتكليفه بالحضور في الجنحة رقم 195 سنة 2007 جنح امن دولة طوارئ أمام محكمة جنح بولاق وطرح الجنحة على هذه المحكمة الأخيرة كمحكمة عادية لا ينال من صحة التكليف بالحضور ولا صحة اتصال المحكمة بالدعوى ولا يحول دون استمرار المحكمة في نظر الدعوى توطئة للفصل فيها ، هذا فضلا عن أن المحكمة كانت قررت أثناء نظر الدعوى بالجلسات قيدها جنحة عادية فقيدت برقمها الحالي وزادت على تعديل القيد والوصف القانوني للواقعة باستبعاد نص المادة 102 مكرر ، الأمر الذي يكون معه الدفع المبدي من هيئة الدفاع عن المتهم في هذا المنحى قد جاء عبر سند صحيح من القانون متعينا رفضه .
وأما عن الدفع المبدي بعدم دستورية مادة الاتهام تأسيا على أن نص المادة 188 عقوبات أقام قرينة قانونية تفترض سوء القصد بمجرد النشر وتلقى على المتهم بعبء إثبات حسن نيته بالمخالفة لنص المادة 67 من الدستور 00 فلما كان من المقرر أن محكمة الموضوع وحدها هي الجبهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية قبل الحكم أجلت نظرها وحددت أجلا لصاحب الدفع ليرفع الدعوى بشرط أن تعرض للدفع وتقول كلمتها فيه وإلا كان حكمها معيبا .

ولما كان ذلك وكان الأساس الذي قام عليه دفع المتهم بعدم دستورية المادة 188 عقوبات يتلخص في إهدار النص لقرينة البراءة وافتراضه سوء النية في المتهم بمجرد النشر ، وكان البين من استقراء المراحل التشريعية التي مر بها نص المادة 188 عقوبات والتعديلات التي طرأت عليه أن هذا النص في ظل التعديل المدخل عليه بالقانون رقم 568 لسنة 55 كان يعاقب المتهم على مجرد نشر الأخبار الكاذبة دون اشتراط أن يكون من شان النشر تكدير السلم العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة معتبرا حدوث هذه النتيجة أو احتمال حدوثها ظرفا مشددا للجريمة بل و افتراض سوء نية النشر ما لم يثبت حسن النية ، ثم انتهي المشرع ي تعديله الأخير لنص هذه المادة بموجب القانون رقم 95 سنه 96 إلي صياغة علي النحو التالي ” يعاقب بالحبس ….. كل من نشر بسوء قصد بأحدي الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبه أو …. إذا كان من شان ذلك تكدير السلم العام و أثاره الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة “

و الملاحظ علي التعديل الأخير لنص هذه المادة أن المشرع أضاف عبارة ” بسوء قصد ” ليوكد علي وجوب توافر القصد الجنائي لمعاقبة ناشر الأخبار الكاذبة بعد حذف عبارة ” مالم يثبت المتهم حسن النية ” و ذلك نزولا علي القواعد العامة التي تقضي بان عبء إثبات أركان الجريمة ومنها القصد الجنائي يقع علي عاتق سلطة الاتهام .
وحيث انه متي كان ذلك فان المحكمة تري دفع المتهم بعدم دستورية نص المادة 188 عقوبات وقد افتقد إلي الجدية لقيامه علي غير أساس قانوني سليم متعينا رفضه .
و أما عن الدفع المبدي ببطلان إجراءات التحقيق و الموسس علي أن طلب النيابة العامة بحضور المتهم لم يبين به ما إذا كان حضوره أمامها للسؤال أم للاستجواب فهو دفع ظاهر البطلان خليقا بالرفض .
وأما عن الدفع المبدي ببطلان الاستجواب تأسيسا علي تعمد أطاله مدته ، فلما كان المشرع قد كفل للمتهم ضمانات عديدة كي يدلي بأقواله في الاستجواب بحرية تامة دون خضوعه لأدني تأثير علي إرادته ، ومن هذه الضمانات عدم إحداث إجهاد نفسي للمتهم دون بتعمد المحقق أطاله وقت الاستجواب وما قد ينتج عن ذلك من تأثير في إرادة المتهم وعدم قدرته الذهنية علي متابعة المناقشة التفصيلية لوقت طويل ، إلا انه لما كان لا يوجد معيار زمني محدد لفترة إجراء الاستجواب ومن ثم فان تحديد الفترة المعقولة لإجرائه دون تأثير في إرادة المتهم تعتبر مسالة من المسائل التي تخضع لرقابة و تقدير محكمة الموضوع و التي تستخلصها من ظروف الدعوي وملابستها ومع ذلك فلقد قضت محكمة النقض بان الدفع ببطلان اعتراف المتهم لكونه جاء بعد التحقيق مرهق ومطول استمر فتره طويلة ليلا و استغرق ساعات طوال متصلة مما أدي إلي الإرهاق الذي اثر في صفاء ذهنه و إرادته لا يعد أكراها ما دام لم يستطل إليه بالاذي ماديا كان أم معنويا مالم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوي وملابستها تأثر إرادة المتهم .
( نقض 19/2/86 مجموعة أحكام النقض طعن 5583 لسنه 55ق و نقض 23/1/94 طعن رقم 3006 لسني 62ق )

وحيث انه متي كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن النيابة العامة قد بدأت إجراءات استجواب المتهم في الساعة الحادية عشر و نصف صباحا و انتهت منها في الساعة السادسة و النصف مساءا ذات اليوم ، ولم تستشعر المحكمة من خلال الخطة التي انتهجها عضو النيابة العامة في استجواب المتهم انه قد تعمد ارهاقة بإطالة الاستجواب أو إجباره عليه في ظروف نفسية صعبه و إنما الثابت أن الاستجواب قد جري مع المتهم ولديه حرية الاختيار و الاراده الكاملة و إلا لكان قد طلب إثبات ارهاقة و إجهاد بالتحقيقات سواء بنفسه أو بواسطة الحاضرين معه و هو مالم يحدث فضلا عن أن الاستجواب قد تم إجراؤه أثناء ساعات النهار ومن ثم فان استجواب المتهم علي ذلك النحو يضحي وقد تم وفق صحيح القانون بما ينأي به عن دائرة البطلان الأمر الذي يضحي معه الدفع ببطلان قد جاء علي غير سند صحيح من الواقع أو القانون متعينا رفضه .

وحيث انه علي موضوع الدعوي ولما كان المشرع قد اوجب في المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية علي مأمور الضبط القضائي تلقي بلاغات و الشكاوي التي ترد إليهم بشان الجرائم و كان البلاغ هو الأخطار بوقوع جريمة من أي شخص وقد يكون تحريريا أو مرسلا بالبريد أو منشورا في الصحف أو وسائل النشر أو الإعلام المختلفة كما أعطت المادة 25 من ذات القانون أيضا الحق لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوي الجنائية عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة أو احدي مأمور الضبط القضائي طبقا لنص المادة 26 أوجبت علي كل من علم من الموظفين العمومي أو المكلفين بخدمة عامة أو بسبب عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من تلك الجرائم أن يبلغ عنها فورا كما أوجبت المادة 31 علي مأمور الضبط القضائي البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوي ، بمعني انه يجب قانونا علي مأمور الضبط القضائي أن يقوم بالبحث عن الجرائم قبل وقوعها وقبل علمه بها فلا ينتظر ورود بلاغ إليه بوقوعها فان أسفر بحثه عن وقوع جريمة فعليه أن يواصل بحثه لمعرفه مرتكبيها و أن يحصل علي جميع الإيضاحات اللازمة لتسهيل التحقيق وهذه الإيضاحات هي ما يطلق عليها في العمل التحريات ، ولما كان ذلك وكان الضابط محرر البلاغ موضوع الدعوي الماثلة و القائم بالتحري عنها يعتبر من مأمور الضبط القضائي ذوو الاختصاص النوعي و المكاني الشامل أي يشمل أي جريمة في أي مكان بالإقليم المصري وفقا لنص المادة 23 إجراءات جنائية ، ومن ثم فان إبلاغه عن واقعه الدعوي قد خلا من أيه شائبة قانونية .

وحيث انه لما كانت الحماية الجنائية لامنا لدوله لا تقف في التشريع المصري عند حد حماية الأمن الخارجي إنما تمتد أيضا لتشمل حماية أمنها الداخلي أي سلطة الدولة و سيادتها علي محكوميها ومن المسلم به في فقه القانون العام أن عناصر الدولة تتمثل في الإقليم و الشعب و السلطة السياسية لذا فالمشرع العقابي عليه دائما أن يكفل حرية ممارسة الدولة لسلطتها السياسية علي مواطنيها ، فالدولة و أن كانت تتكون من رعاياها إلا أن لها شخصية مستقلة عن كل فرد من الإفراد وليس من شك في الأهمية العملية لتدعيم سلطة الدولة وسيادتها في مواجهة المحكومين ، إذ لولا تأكيد هذه السيادة أو السلطة لاضطربت الأمور العامة وشاعت الفوضى وأهدر الأمن وفى ذلك كله ما يلحق أفدح الإضرار بأفراد المجتمع جميعا الذين يملكون في جملتهم الدولة بكافة عناصرها لذلك كان على المشرع المصري أن يتدخل بتنظيم طائفة من الجرائم الماسة بأمن وسلامة الدولة داخليا .

ولما كانت حرية الصحافة ليست مطلقة وإنما يرد عليها كسائر الحقوق والحريات بعض القيود التي تكفل الالتزام بالمقومات الأساسية للمجتمع من ناحية وعدم المساس بحقوق الإفراد من ناحية أخرى ، والقيود التي ترد على حرية الصحافة بواسطة النصوص المتعلقة بجرائم النشر يهدف بها المشرع إلى حماية نوعين من المصالح الأول مصالح اجتماعية حيوية والثاني يشمل بعض الحقوق الأساسية للإفراد وعلى ذلك فللمجتمع مصلحة في أن تكون الإخبار ولا سيما المتعلقة منها بالصالح العام صحيحة مما حدا بالمشرع إلى تجريم نشر الإخبار الكاذبة والشائعات التي يكون من شانها تكدير السلم العام أو الإضرار بالمصلحة العامة ، وقد افرد المشرع بقانون العقوبات المصري بابا بعنوان الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها في المواد من 171 إلى 201 ، وجرائم النشر الواردة في هذا الباب في مجموعها جرائم مضرة بالمصلحة العامة ،

ولما كانت الحكمة التي تعياها المشرع من سنه لنص المادة 188 عقوبات المؤثمة لنشر الإخبار والشائعات الكاذبة بسوء قصد هي الضرب على ايدى العابثين ممن يعمدون إلى ترويج الأكاذيب التي يكون من شانها تكدير الأمن أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، وحرصا من المشرع على استقرار السكينة في ربوع البلاد لتنصرف الجهود إلى العمل المثمر دون يا ساو تخلف ، إذ أن حرية الإفراد في نشر الإنباء أو الإخبار التي تتعلق بالمصلحة العامة ليست مطلقة ولكنها كسائر الحريات الفردية محددة بحق الهيئة الاجتماعية في الذود عن مصالحها ومن هذه المصالح وصول المواطنين إلى الإنباء الصحيحة في كل أمر ذي صفة عامة ، أما نشر الأوهام والمفتريات والترهات فمن شانه أن يضلل الراى العام عن الحقائق الهادية إلى تكوين عقيدته فيما يعرض على أساس سليم ، ولقد قضت محكمة النقض بان المشرع في الدستور والقانون وان كان قد كفل للصحافة حريتها بما يحول كأصل عام دون التدخل في شئونها أو التقول عليها بقيود ترد رسالتها على أعقابها بحسبانها صوت الأمة ونافذة لاطلاع المواطنين على الحقائق التي لايجوز حجبها عنهم لاسيما فيما يمس الجماعة في الدفاع عن مصالحها وحقوق المواطنين التي لايجوز العدوان عليها أو المساس بها إلا أن المشرع إذ يلتزم بالقيم الخالدة منارا والأخلاق العامة نبراسا فقد نظم ممارسة هذه الحرية بوضع قيود تستلزمها الوقاية من سطوة الأقلام التي قد تتخذ من الصحف أداء للمساس بالحريات أو النيل من كرامة الشرفاء من سب أو قذف أو اهانة أو غير ذلك من أفعال يتأتى على المشرع إقرارها تحت ستار حرية الصحافة وما لها من قدسية وحماية ، وبتقدير أن الحرية في سننها لا تتصور انفلاتا من كل قيد ولا اعتداءا على حقوق الغير ولا تسلطا على الناس وباعتبار انه لا شيء في الوجود يكون مطلقا من لاى قيود ، فحرية الصحفي في نشر الإخبار لا يمكن تجاوزها إلا بتشريع خاص .

وحيث انه عن الجريمة المبسوطة فلما كان من المقرر قانونا بنص المادة 188 عقوبات انه ” يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير إذا كان من شان ذلك تكدير السلم العام وإثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة “.
ولما كانت جريمة هذه المادة تعتبر من جرائم التضليل لأنها تؤدى إلى تشويه الحقيقة وتضليل الراى العام وهو ما يهدد المجتمع بإضرار بالغة ، خاصة إذا كانت الإخبار غير الصحيحة التي نشرت تتصل بالسلم أو الصالح العام ، ولما كان لكل شيء مقام أركان فان جريمة الدعوى المطروحة وعلى ما استقر عليه الفقه وصار القضاء لها ثلاثة أركان هي الركن المادي وركن العلانية والركن المعنوي أو القصد الجنائي .
فإما عن الركن المادي لها فيتكون من نشاط اجرامى هو النشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها بالمادة 171 عقوبات ويجب أن ينصب النشر على موضوع معين حددته المادة بأنه أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو أوراق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير ، ويشترط المشرع لمعاقبة الجاني أن يكون من شان النشر المشار إليه تكدير السلم العام وإثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، ويقصد بالأخبار أو البيانات الكاذبة : الإعلام عن وقائع أو أحداث جارية جديدة أو قديمة بصورة غير مطابقة للحقيقة ، وتقوم الجريمة سواء كانت الإخبار أو البيانات التي نشرت غير صحيحة في مجموعها ا وفى جزء منها لاى مشوهة أو مبتورة ، ولقد قضت محكمة النفض بان نشر رئيس تحرير الجريدة خبرا تحت عنوان قرب استقالة الوزارة هو خبر كاذب ومن شانه أن يؤثر في نتيجة الانتخاب .

( نقض 27/2/39 المجموعة الرسمية س40 رقم 198 ص 529 )
ويستوي أن يكون الناشر هو أول مروج للخبر الكاذب ا وان يكون ناقلا له عن غيره فلا يغنى المتهم أن تكون العبارات أو الإخبار منقولة عن الغير وانه ترك للمجني عليه أن يكذب ما ورد فيها من وقائع أو تصحيحها إذ أن الإسناد في هذه الجريمة يقوم بالرغم من ذلك متى كانت الإخبار الكاذبة من شانها أن تلقى في الأذهان عقيدة ولو وقتية أو ظنا أو احتمالا بصحة الأمور المدعاة ، وهذا ما نصت عليه المادة 197 عقوبات بقولها انه ” لايقبل من احد للإفلات من المسئولية الجنائية مما نص عليه في المواد السابقة أن يتخذ لنفسه مبررا ا وان يقيم لها عذرا من أن الكتابات أو الرسوم أو الصور الشمسية أو الرمز أو طرق التمثيل الأخرى إنما نقلت أو ترجمت عن نشرات صدرت في مصر ا وفى الخارج أو أنها لم تزد عن ترديد إشاعات أو روايات عن الغير ، كما أكدت محكمة النقض على هذا المعنى أيضا بقولها ” أن نقل الكتابة التي تتضمن جريمة ونشرها يعتبر في حكم القانون كالنشر الجديد سواء بسواء ولا يقبل من احد للإفلات من المسئولية الجنائية أن يتزرع بان تلك الكتابة إنما نقلت عن صحيفة أخرى إذ الواجب يقتضى على من ينقل كتابة سبق نشرها بان يتحقق قبل إقدامه على النشر من أن تلك الكتابة لا تنطوي على أية مخالفة للقانون كمفهوم نص المادة 197 عقوبات .
( نقض جلسة 20/12/60 س 11 ص 929 وطعن رقم 9194 / 71 ق جلسة 28/10/2001 )
أما الشائعات الكاذبة فيقصد بها ترديد أقاويل أو أخبار غير صحيحة أو نشر أمور غير مؤكدة وغير مطابقة للواقع على أنها أمور صحيحة وهى تفترض أن صاحبها لم يستوثق منها قبل عرضها على الجمهور وبالتالي فلا يستطيع أن يتحلل من المسئولية بان يتخذ مبررا أن الإخبار التي نشرها لم تكن إلا مجرد ترديدا لشائعات ذلك أن الواجب يقضى على من ينقل أخبارا إلى الجمهور أن يتحقق أولا من أنها لا تنطوي على أية مخالفة للقانون وإلا يقبل الشائعة بدون تمحيص ، وقد استلزم المشرع للعقاب على نشر الإخبار أو الشائعات الكاذبة أن يكون من شان هذا النشر تكدير السلم العام وإثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة كان يكون من شان النشر إثارة اضطرابات أو فتنة أو قلق لدى المواطنين ، بيد أن الركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بمجرد إتيان الجاني للنشاط المادي للجريمة وقابليته لإحداث النتيجة الإجرامية أو احتمال حدوثها فلا يشترط لوقوع الجريمة حدوث نتيجة إجرامية فعلا كتكدير السلم العام وإثارة الفزع أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، ويرجع في تقدير ما إذا كانت أفعال المتهم من شانها أن تؤدى إلى حدوث النتيجة من عدمه لتقدير قاضى الموضوع في ضوء ظروف كل حالة على حده ووفقا للمجرى العادي للأمور ، ولعل فيما سلف مايبرر تصنيف بعض الفقهاء لهذه الجريمة بأنها من جرائم الخطر وليست من جرائم الضرر استنادا إلى أن المشرع قد اثر فيها واقتصر على مجرد إتيان الفعل الخطر فيما يقوم الركن المادي دونما النظر إلى تحقق الضرر فبفعل الجاني حسبما ورد بالنص القانوني إذا كان بسوء قصد تقوم الجريمة وتكتمل متى كان وقوع الضرر محتمل .

وأما عن الركن المعنوي فلقد عبر المشرع عنه بقوله من نشر بسوء قصد ، لاى مع علم المتهم بان الإخبار أو الشائعات التي ينشرها غير مطابقة للحقيقة ، فضلا عن اتجاه إرادته إلى هذا النشر ، ولا عبرة بعد ذلك بالبواعث في تكوين هذه الجريمة ، ومن ثم فان القصد المتطلب لقيامها هو القصد الجنائي العام الذي يتوافر بإرادة سوء نية المتهم وتوافر القصد الجنائي لديه ، فإذا ما ثبت أن المتهم لم يكن مستهدفا للمصلحة العامة فهو سيئ النية ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المتهم يعلم بعدم صحة الوقائع أو الإخبار المنشورة ، فمؤدى علمه بكذب الخبر قيام القرينة على وجود نية الإضرار .

وأما عن ركن العلانية فقد اشترط المشرع لقيام هذه الجريمة أن تقع بإحدى الطرق العلانية المبينة بالمادة 171 عقوبات وهى القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو الرموز أو لاى طريقة من طرق التمثيل العلانية أو لاى وسيلة أخرى من وسائل العلانية ، وتعتبر الكتابة و الرسوم والصور والرموز من طرق التمثيل العلنية إذا ما وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو لاى مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في لاى مكان .
(يراجع فيما تقدم الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية د. احمد فتحي سرور الطبعة السابعة ، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية د. عبد الرءوف مهدي طبعة 2003 ، شرح قانون الإجراءات الجنائية د. فوزية عبد الستار طبعة 93 ، شرح قانون العقوبات القسم العام د. محمود نجيب حسنى طبعة 82 ، جرائم النشر والإعلام د. طارق سرور طبعة أولى 2004 ، جرائم الصحافة في القانون المصري د. شريف سيد كامل طبعة 97 )

وحيث انه لما كان القانون الجنائي قد فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة فهي بغيته ينشدها انى وجدها سواء في شهادة أو اعتراف أو مستندات أو مجرد قرائن كيما يتمكن من اختيار عناصر اقتناعه الداخلي بما لا يصح معه مطالبة القاضي بالأخذ بدليل معين ، فالقانون جعل من سلطة القاضي أن يزن قوة الإثبات وان يأخذ من لاى بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، ولقد قضت محكمة النقض بان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدله مادامت أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها تصح وحدها لان تكون قرينة معينة أو دليلا أساسيا على ثبوت الجريمة .
( نقض 31/3/69 مجموعة أحكام النقض س 30 ص 437 )
كما لا يشترط أن يكون الدليل صريحا دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها ويكفى أن يكون ثبوتها منه بطريق الاستنتاج من الظروف والقرائن .

( طعن رقم 867/52 ق جلسة 31 /3/ 82 )
وحيث انه متى كان ما تقدم وهديا به وكانت المحكمة قد اطلعت على عددي صحيفة الدستور الصادرين بتاريخي 27و30/8/2007 فالفت الأول والذي يحمل رقم ( 130) وقد تصدر صفحته الأولى مانشيتا رئيسيا نصه ” أنباء عن سفر الرئيس مبارك إلى فرنسا لمدة يوم واحد للكشف الطبي عليه ” وتبعه عنوانا أخر كبير في صيغة سؤال نصه ” لماذا لا يخرج وزير الصحة أو طبيب الرئيس ببيان عن حالته الصحية حتى يرد على الشائعات التي تتجدد يوميا حول مرض الرئيس ! ” وجاء في تفاصيل العنوان ما نصه ” تجددت شائعات مرض الرئيس مبارك وغيابه التي باتت تتردد كل يوم حتى مع محاولات المحيطين مواجهة الشائعات بظهور الرئيس في زيارة للقرية الذكية تم التدبير لها على عجل الاسبوع الماضي … ورغم ذلك فان الشائعات لم تنقطع بل تدافعت من الجمعة حتى ظهيرة الأحد ومنها أن الرئيس سافر يوما واحدا إلى باريس للكشف الطبي العاجل عليه …… عموما شائعات أخرى تزعم أن الرئيس في غرفة العناية المركزة بمستشفى ببرج العرب ورواية تزعم انه في الإسكندرية وثالثة تصل بالأمر إلى ما هو ابعد من ذلك…. ”
كما تصدر الصفحة الأولى من العدد رقم (132 ) مانشيتا رئيسيا نصه ” الرئيس مبارك مريض بقصور في الدورة الدموية مما يقلل من نسبة وصول الدم إلى أوعية المخ ويسبب إغماءات أحيانا ” وعنوان أخر بذات الصفحة نصه ” مستقبل مصر مرهون بقرارات عاطفية يتخذها الرئيس في لحظة مرض ” كما اشتملت ذات الصفحة أيضا على خبر تحت عنوان ” زيارة مبارك إلى برج العرب فشلت في القضاء على شائعة مرضه ” ومما ورد بتفاصيل ذلك الخبر أن ” هذه الزيارة الثانية التي يقوم بها الرئيس لنفى شائعة المرض ورغم ذلك الشائعة تنطلق بين المرض والعياب بتفاصيل مختلفة في مناطق كثيرة على طول وعرض البلاد ” ،

ثم أعقب تلك العناوين والإخبار مقالا يوميا للمتهم مسمى ب ” من أول السطر” أورد فيه تحت عنوان ” الإلهة لا تمرض ” العبارات التالية ” أن الرئيس مبارك – حسب مصادر طبية – مريض فعلا بقصور في الدورة الدموية مما يقلل من نسبة وكمية وصول الدم إلى أوعية المخ الدموية في لحظات تسفر عن إغماءات طبيعية تستغرق بين ثوان ودقائق ، وهو ما يفسر ( أن صح ) الشائعة ( أن صحت ) التي تتحدث عن رؤية الرئيس وهو يترنح أو يهتز ذات مرة أثناء قيامه بزيارة لمؤسسة رسمية وساترك لك حرية الاتصال بطبيبك الخاص أو بطبيب قريبك أو جارك لتعرف بنفسك اثأر قصور الدورة الدموية على رجل في سن الرئيس وما ينتج عن ذلك من أمور … ثم يستطرد المتهم كاتب المقال قائلا ومتسائلا إلا يؤثر هذا على بلد ودولة !! ….. ثم اخشي ما أخشاه أن يتحول مرض الرئيس إلى فرصة كى تمرض مصر أكثر مما هي فيه من مرض يقعدها عن الحركة ويصيبها كما نرى بقرح فراش تشوهها وتشلها!!”
كما طالعت المحكمة الصورة الضوئية لمقال المتهم المسمى من أول السطر تحت عنوان ” حوار الرئيس ” بعدد صحيفة الدستور الصادر بتاريخ 1/9/2007 والمرفقة ببلاغ سمير محمد الششتتاوى للنيابة العامة ، إذ استهل المتهم مقاله بما نصه ” لطيفة جدا حوارات الرئيس مبارك مع الصحف الحكومية ، لطيفة لأنها حوارات طيبة لا تحمل لاى مواجهات ولا مناوشات ، بل أسئلة خجلة تتعمد وتحرص على أن تبدو دون لاى حياد مهني كأنها بيانات مملاه وموزعة على الصحفيين ، ثم هي حوارات لطيفة جدا لأنها لا تقول لاى شيء ولا تصرح باى جديد وهو كلام مكرر الغرض منه – كما هو واضح في حوار أمس الجمعة بالأهرام – تبديد شائعات مرض الرئيس ، ومع ذلك فلم نشهد صورة حديثة للرئيس مع رئيس تحرير الأهرام ولم يكن هناك لاى جهد لإظهار أن هذا الحوار حي أو حيوي ، ثم كان اغرب ما فيه ( رغم انه لاشيء غريب خالص في القصة ده كلها) التجاهل التام للرد على شائعات مرض الرئيس أو غيابه بل تحدث الرئيس عن شائعات التغيير الوزاري والتي نسيها الجميع أساسا …)

وحيث انه لما كان ذلك ولئن كانت الصحافة – بحسب المادة الأولى من القانون 96 لسنة 96 – سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسئولة في خدمة المجتمع تعبيرا عن مختلف اتجاهات الراى العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الإنباء والإخبار إلا أن ذلك كله يجب أن يكون في إطار المقومات الأساسية للمجتمع وإحكام الدستور والقانون ، وتسهيلا من المشرع ودعما لما تقوم به الصحافة من دور مهم فلقد أعطى للصحفي في القانون المذكور حق الحصول على المعلومات والإحصاءات والإخبار المباح نشرها طبقا للقانون من مصادرها سواء كانت هذه المصادر حكومية أو غير حكومية .
ولما كان القانون لم يطلق لكل حق العنان بل قيده بالشروط ووضع له الحدود والقيود لتكون بمثابة الدائة والنطاق فها هي صحيفة الدستور ، تلك الصحيفة المصرية المستقلة وها هو المتهم ” إبراهيم السيد إبراهيم عيسى ” الذي يترأس تحريرها قد اختط لنفسه ومن معه خطا إلى على نفسه إلا يحيد عنه وهو انتقاد الأوضاع المتردية في البلاد وإظهار المفاسد والفساد فتلك إذا خطته المستفادة من منهجه وكتاباته التي انطوت عليها الصحيفة رئاسته – ولا تثريب عليه في ذلك – إلا انه وفى غمرة من خوض الحديث ووهم الإباحة راح يجترا على النصوص ، نصوص القانون الذي رسم له الحدود فتخطاها وافلت من عقالها بأقواله وأفعاله من دائرة الإباحة ليهوى في دائة التأثيم غير مبال بسوء العواقب أو شرعية القوانين ، والقضاء من بعد إذ يقيم الحق والعدل وكما هو ملاذ كل مستغيث بالحق وكل من يبغى الترضية القضائية العادلة ، وكما هو عاصم للصحافة وراد لكل عدوان عليها أو نيل من حقوقها أو حريتها سواء كان اعتداءا أو إرغاما أو ترغيبا أو ترهيبا فهو أيضا عاصم لها من كل دخيل عليها مسيء ممن يتجاوزون الحدود والقيود وينبرون انفلاتا في الاعتداء على مصالح العباد بنشر الشائعات والأكاذيب ، فليس معنى إطلاق حرية الصحافة من أية قيود جائرة أن تتخذ بعض الأقلام من تلك الحرية بابا للمساس بمقومات المجتمع الأساسية وفوضى عارمة لا عاصم من جموحها وشططها الذي يعصف بثوابت المجتمع .

ولما كان الثابت بالأوراق أن الإخبار والشائعات التي تناولتها صحيفة الدستور بعدديها سألفى البيان والتي تدور في جملتها حول مرض رئيس الجمهورية واعتلاله صحيا وعدم قدرته على اتخاذ القرارات بل وغيابه عن إدارة شئون البلاد… ا ن هي إلا أخبار وشائعات لا أساس لها من الصحة ، وهذا ما يستفاد مما نشرته الصحيفة ذاتها من أخبار تفيد ظهور رئيس الدولة حال تفقده لعدد من المواقع وأدائه لمهام منصبه الرئاسي بما ينفى شائعة مرضه وغيابه ، وذاك هو الركن المادي للجريمة ، وكان الثابت أيضا أن المتهم وهو رئيس تحرير الصحيفة الناشرة قد اقر بتحقيقات النيابة بمسئوليته الكاملة عن نشر وكتابة تلك الإخبار والشائعات والتي استمر في نشرها رغم نفيها بظهور الرئيس بكافة وسائل الإعلام – وما اصدق نت ذلك نفيا – فراح يقطع بفشل تجوال الرئيس وزياراته المعلنة إعلاميا في القضاء على شائعة المرض والغياب رغم سبق نشره بصحيفة الدستور بتاريخ 24/8/2007 عنوانا رئيسيا نصه ” صحة الرئيس مبارك زى الفل ” مما يجزم بان المتهم لم يسطر ما سطره بصحيفته عن سلامة قصد أو حسن طوية ، وذاك هو الركن المعنوي للجريمة ، فكانت غايته الأساسية الترويج للإخبار والشائعات الكاذبة التي عجت بها صحائف صحيفته غير متأن ولا مستو ضاربا صفحا عما بان له وتجلى من كذب الشائعة ، الأمر الذي قد يؤدى – وبحسب المجرى العادي للأمور – إلى إشاعة روح القلق والاضطراب لدى المواطنين وينعكس حتما على الأوضاع السياسية والاقتصادية ، ومن ذلك التأثير سلبا على تصرفات وقرارات أصحاب رؤوس الأموال المتعاملين بسوق الأوراق المالية والمستثمرين فضلا عن إثارة الذعر بين المواطنين إذا ما علموا أن الدولة تحكم بقرارات عاطفية تصدر من رئيس معتل صحيا تفاجئه الإغماءات بين الحين والأخر ، أو إذا علموا أن الدولة بلا رئيس ! .. فلا ريب ا نفى ذلك كله ما يضر بالمصلحة العامة للبلاد .

لما كان ذلك فانه يكون وقر في يقين المحكمة ووجدانها أن المتهم ” إبراهيم السيد إبراهيم عيسى ” رئيس تحرير صحيفة الدستور وفى غضون الفترة من 27 وحتى 30/8/2007 بدائرة قسم بولاق أبو العلا بالقاهرة قد قارف الجريمة المسندة إليه بموجب المادتين 171 و 188 عقوبات وذلك بان نشر بإحدى طرق العلانية وبسوء قصد أخبارا وشائعات كاذبة تفيد مرض رئيس الجمهورية وغيابه عن إدارة شئون البلاد رغم الثابت من عدم صحتها وذلك بطريق الكتابة والرسوم التوضيحية في العددين رقمي 130و 132 من صحيفة الدستور التي يترأس تحريرها بطرحها على الجمهور وعرضها للبيع مما كان من شانه إثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة … ومن ثم فقد حقت عليه كلمة القانون بإدانته عملا بالمادة 304/2 إجراءات جنائية وإلزامه بالمصروفات الجنائية عملا بالمادة 313 إجراءات جنائية .

والمحكمة إذ تنزل على المتهم عقابها وقد انتظم القانون العقابي المصري العديد من الجرائم التي ترتكب عن طريق النشر ورصد لها عقوبات الحبس والغرامة وكان المشرع قد اتجه مؤخرا اتجاها مؤداه رفع عقوبة الحبس عن بعض تلك الجرائم انحيازا منه وانتصارا لحرية الراى والتعبير ، إلا انه ناى عن البعض منها بالتعديل مستبقيا لعقوبة الحبس لحكمة تعياها وارتاها تمثلت له فيما تتسم به تلك الجرائم من إخطار وإضرار تتعلق بأمن البلاد ومصالحها العامة بما ينم عن أن المشرع إنما قصد إلى التغليظ والتشديد في العقاب على ارتكاب تلك الجرائم دون غيرها مما طالة التعديل بالتخفيف أو التبديل ، لذا فالمحكمة وهى بصدد تقديرها للعقاب لا تال وفى تحقيق مراد الشارع بأخذ المتهم بالشديد من العقاب وفاقا لما جناه وما اقترفته يداه .
وحيث انه عن الدعوتين المدنيتين المرفوعة احدهما من المدعى بالحق المدني ، سمير محمد الششتتاوى المحامى والأخرى من المدعيين بالحق المدني احمد جمعة احمد شحاتة ، على كريم على ، خالد السعيد على ، محمد إبراهيم قهمى المحامون .
فلما كان من المقرر قانونا بنص المادة 251/1 إجراءات جنائية ” انه لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى ….” كما نصت المادة 251 مكرر من ذات القانون على انه ” لا يجوز الادعاء بالحقوق المدنية وفقا لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالا أو مستقبلا .

فأساس المطالبة بالتعويض أمام القاضي الجنائي هو أن يكون الضرر شخصيا ومترتبا على الفعل المعاقب عليه ومتصلا به اتصالجنائية.مباشرا ، فإذا لم يكن الضرر حاصلا من الجريمة وإنما كان نتيجة ظرف أخر ولو متصلا بالواقعة التي تجرى المحاكمة عنها انتفت على التبعية التي تربط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض في غير ذي حكم لها إذ قضت بان ولاية المحاكم الجنائية بالنسبة إلى الحكم بالتعويضات المدنية هي ولاية استثنائية تقتصر على تعويض ضرر شخصي مترتب على الفعل المكون للجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية ومتصل اتصالا مباشرا ولا يتعداها إلى الأفعال الأخرى غير المحمولة على الجريمة ولو كانت متصلة بالواقعة التي تجرى المحاكمة عنها لانتفاء علة التبعية التي تربط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية فإذا ما كان الضرر الذي لحق بالمدعية بالحق المدني والذي جعله الحكم أساسا للقضاء بالتعويض لم ينشا عن جريمة النصب التي دين بها الطاعن وإنما نشا عن التعرض لها في ملكيتها وهو فعل وان اتصل بالواقعة الجنائية المكونة لجريمة النصب إلا انه غير محمول عليها مما لا يجوز الادعاء به أمام المحكمة الجنائية لانتفاء علة التبعية التي تربط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية .

( نقض 16/5/67 مجموعة أحكام النقض س 18 رقم 130ص 667 )
كما قضت أيضا بان القلق والاضطراب الذي يتولد من الجريمة لدى احد المواطنين لا يجوز الادعاء به مدنيا أمام المحكمة الجنائية .
( نقض 22/5/55 مج س 6 ص 545 ، نقض 15/5/65 مج س 16 ص 133 ، نقض 16/5/67 مج س 18 ص 667 )
وعلى ذلك فالمجني عليه هو ذلك الشخص – طبيعي أو معنوي – الذي وقعت عليه نتيجة الجريمة أو أصابه ضرر قد نتج مباشرة عن الجريمة التي يريد تحريك الدعوى يتعين أن يكون الضرر الذي أصابه قد نتج مباشرة عن الجريمة التي يريد تحريك الدعوى الجنائية عنها فان لم يصبه ضرر أو كان قد أصابه ضرر ولكن غير ناتج مباشرة عن الجريمة موضوع الدعوى فان دعواه تكوين غير مقبولة ، ومن الامثله التي ساقها الفقه في هذا الصدد انه لايجوز للدائنين رفع الدعوى المباشرة على سارق المدين بناء على الإضرار التي لحقت بهم والمتمثلة في إفقارهم .
وحيث انه لما كان ذلك وهديا به وكان الثابت بالأوراق أن المدعيين بالحق المدني قد أقاموا دعواهم المدنية بطريق التبعية للدعوى الجنائية بصفتهم محامين ومن مواطني جمهورية مصر العربية ضد المتهم تأسيسا على ما أصابهم وألم بهم من أضرار مادية وأدبية جراء قيام المتهم – بصفته صحافيا ورئيسا لتحرير جريدة الدستور – بكتابة عناوين ومقالات تضمنت أخبارا وشائعات كاذبة تمثلت فيما روج له من تدهور صحة رئيس الدولة واعتلاله بل غيابه وعدم قدرته على اتخاذ القرارات مما كان من شانه أصابه المواطنين والمدعيين منهم بالارتباك والاضطراب والقلق .

وحيث انه متى كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن ما أتاه المتهم من نشر أخبار شائعات كاذبة عمدا إنما هي في حقيقتها أفعال تقع على الهيئة الاجتماعية ، بمعنى أن المجني عليه والمضرور فيها هو الدولة كمؤسسة بما لها من شخصية مستقلة عن شخصية كل فرد من الإفراد ، وان الإضرار التي يمكن أن تقضى إليها إنما هي أضرار تحيق بالهيئة الاجتماعية ومصالح الجماعة بأسرها والتي تمثلها الدولة بشكل مباشر ، ومن ثم فان الإضرار التي قد تلحق بالإفراد نتيجة لجرم المتهم كالارتباك والاضطراب والقلق والفزع تغدوا إضرارا غير مباشرة وغير شخصية ومن ثم فان ما أصاب المدعين بالحق المدني في الدعوتين المطروحتين من أضرار لم يكن حاصلا أبدا من جريمة المتهم ولم يكن محمولا عليها وإنما يعتبر نتيجة ظروف أخرى قد تكون متصلة بالجريمة أو مترتبة عليها ، الأمر الذي تضر معه الدعوتين المدنيتين وقد افتقدتا أهم شروط قبولهما والمتمثلة في وجوب ثبوت إصابة المدعيين بالحق المدني بضرر شخصي ومباشر وهو مالم يثبت للمحكمة ، ومن ثم بات متعينا على المحكمة القضاء فيهما بعدم القبول مع إلزام المدعيين بالحق المدني كل في دعواه بمصروفاتها عملا بالمادة 319 إجراءات جنائية حسبما سيرد بالمنطوق .
وحيث انه عن الدعوى المدنية المقابلة والمرفوعة من المتهم ضد المدعى بالحق المدني سمير محمد الششتاوى المحامى فلما كانت القاعدة المقررة أن الدعوى المدنية لا ترفع إلى المحكمة الجنائية إلا تبعا لدعوى جنائية قائمة ، إلا أن المشرع خرج على هذه القاعدة و استثناء بمقتضاه تختص المحكمة الجنائية بالفصل في طلب المتهم بتعويض الضرر الذي أصابه جراء الادعاء المدني عليه وفقا لحكم المادة 267 /1 إجراءات جنائية .

فمطالبة المتهم بالتعويض ليست إذا بسبب ضرر ناشئ عن جريمة وإنما بسبب الضرر الذي لحقه جراء إساءة المدعى بالحق المدني لاستعماله لهذا الحق ، على انه يشترط لا للمتهم بالتعويض في هذه الحالة أن تنتهي المحكمة في الدعوى المدنية المرفوعة من المدعيين بالحق المدني إلى الرفض ، فلا يكفى الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية أو بعدم الاختصاص بالإحالة إلى المحكمة المختصة لكي يقضى للمتهم بالتعويض ، بمعنى انه يلزم أن يكون هناك فاصلا في موضوع الدعوى المدنية وبالرفض .
( د. مأمون سلامة الإجراءات الجنائية في التشريع المصري الجزء الأول طبعة أولى ص 416 )
وحيث انه متى كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن المتهم ” إبراهيم السيد إبراهيم عيسى ” قد ادعى مدنيا قبل المدعى بالحقوق المدنية سمير محمد الششتاوى بمبلغ 30001 جنيه على سبيل التعويض ، ولما كانت المحكمة قد انتهت إلى هذا الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية المقامة من المدعى بالحق المدني ومن ثم بات متعينا على المحكمة القضاء في الدعوى المدنية المقابلة والمقامة من المتهم برفضها مع إلزامه بمصروفات المحاماة وفقا لما جاء بالمادة 319 إجراءات جنائية .

“فلهذه الأسباب”
حكمت المحكمة حضوريا بتوكيل /
أولا: بمعاقبة المتهم ” إبراهيم السيد إبراهيم عيسى ” بالحبس لمدة ستة أشهر مع الشغل وكفالة مائتي جنيه لإيقاف التنفيذ مؤقتا مع إلزامه بالمصروفات الجنائية.
ثانيا: بعدم قبول الدعويين المدنيتين وألزمت المدعيين بالحق المدني كل في دعواه بمصروفاتها ومبلغ خمسون جنيها مقابل أتعاب المحاماة.
ثالثا : برفض الدعوى المدنية المقابلة والمقامة من المتهم قبل سمير محمد الششتاوى وألزمت المتهم بمصروفاتها