القاعدة العامة في التعويض عن الضرر المعنوي أنه شخصي يقتصر على المضرور نفسه ، ومن ثم فلا ينتقل إلى غيره بالميراث أو بالعقد أو غير ذلك من أسباب الانتقال إلاّ إذا أصبحت مطالبة المضرور به محققة ، وهذا ما أكده المشرع العراقي بقوله (ولا ينتقل التعويض عن الضرر الأدبي إلى الغير إلاّ إذا تحددت قيمته بمقتضى إتفاق أو حكم نهائي)) (1). وتحديد التعويض على هذا الأساس يقتضي اتفاقاً بين المضرور والمسؤول سواء كان من الأفراد أو من الهيئات الإدارية ، أو أن يكون هذا الاتفاق لم يتحقق فلجأ المضرور إلى إقامة دعوى التعويض على الإدارة أمام القضاء وصدر حكم نهائي فيها في شأن ذلك ، أما قبل الاتفاق وصدور حكم نهائي من المحكمة فلا ينتقل الحق في التعويض إلى الغير بل يزول هذا الحق بموت المضرور . ويبدو لنا أن المشرع العراقي قد سلك منهج التشدد في تعويض الضرر المعنوي من وجهين : الأول من حيث المطالبة به ، والثاني من جهة وضع قيود على انتقاله إلى الورثة ، وهو ما سوف نتناوله في الفرعين الآتيين :

الفرع الأول : الأشخاص الذين يجوز لهم المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي

الأصل أن كل من أصيب بضرر معنوي له الحق في التعويض عنه شخصياً ، فإذا كان الضرر المعنوي ناجماً عن موت شخص بحادث معين فيتعين التمييز بين الضرر المعنوي الذي أصاب المتوفي أثناء حياته كالآلام التي لحقت به من جراء إصابته بجروح معينة ، والضرر المعنوي الذي أصاب أقارب المتوفي وذويه في عواطفهم وشعورهم الشخصي من جراء الألم والحزن الذي حل بهم . فالضرر المعنوي الذي أصاب الميت نفسه فلا ينتقل حق التعويض عنه بالميراث إلاّ إذا تحدد مقدار التعويض بمقتضى إتفاق أو بحكم نهائي وفقاً لما نص عليه المشرع العراقي(2) في بداية كلامنا عن هذا الموضوع ، وبخلاف ذلك فلا يمكن التعويض عنه ، لأن المضرور بموته لا يمكن أن يكون قد حدد التعويض لا بالاتفاق أو بالمطالبة القضائية(3). أما الضرر المعنوي الذي يصيب ذوي الميت بطريق مباشر ، فإن المشرع العراقي نص بأنه (( ويجوز أن يقضي بالتعويض للأزواج وللأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب)) (4). وعلى هذا الأساس فإن المضرور في هذه الحالة يستعمل الدعوى الشخصية(5) الخاصة به للمطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصابه ، ويسمى الضرر الذي لحق به بالضرر المرتد أو المنعكس . هذا وإذا تمعنا في النص المتقدم نجد أنه لا يثير أية إشكالات فيما يتعلق بالأزواج فهذا التعبير يشمل الأزواج والزوجات بشرط أن تكون صلة الزوجية قائمة وقت وقوع الوفاة ، ومن ثم يستطيع الحي منهما أن يطالب بتعويض الضرر المعنوي . غير أن لفظ الأقارب أثار نقاشاً بين بعض من فقهاء القانون المدني العراقي ، وذلك لأن درجة القرابة تختلف قرباً وبعداً وقوة وضعفاً ، ولهذا فقد ذهب جانب منهم إلى أن المقصود بالأقربين من الأسرة هم أقارب المتوفي إلى الدرجة الثانية وهم أبوه وأمه وجده وجدته لأبيه أو لأمه وأولاده وأولاد أولاده واخوته وأخواته بالإضافة للزوج الحي(6). بينما ذهب الجانب الثاني إلى أن المقصود بالأقربين من الأسرة هو أحد ورثة المصاب، وهذا يعني أن الضابط في تحديد المدعي بالتعويض عن الضرر المعنوي يكون من خلال الرجوع إلى قواعد الميراث(7).ونحن بدورنا نرى مع بعض الفقه(8) أن أياً من الاتجاهين السابقين لم يصب الحقيقة ، وذلك لأن المشرع العراقي ، في موضع آخر من القانون المدني ، قد حدد المقصود بأسرة الشخص وبذوي قرباه بقوله ((أسرة الشخص تتكون من ذوي قرباه ويعتبر من ذوي القربى من يجمعهم أصل مشترك)) (9). كما أن القرابة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة ، فالقرابة المباشرة هي الصلة بين الأصول والفروع ، والقرابة غير المباشرة أو قرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل مشترك دون أن يكون أحدهما فرعاً للآخر ، ويعتبر أقارب أحد الزوجين في القرابة والدرجة نفسيهما بالنسبة للزوج الآخر(10). ووفقاً لما تقدم فإن الأب والجد والأم والابن والبنت والحفيد يعتبرون من القرابة المباشرة ، بينما يعتبر الأخوة والأخوات وفروعهما والأعمام والعمات والأخوال والخالات وفروعهم من القرابة غير المباشرة . فكل من هؤلاء يُعد من الأقربين من أسرة المتوفي ، ومن ثم يكون باستطاعته المطالبة بتعويض الضرر المعنوي الذي عانى منه بسبب فقد عزيز عليه ، طالما أن المشرع لم يحدد القرابة بدرجة معينة ، وهذا هو الرأي السائد في الفقه(11).ومما لاشك فيه أن وضعاً كهذا يخلق عبئاً ثقيلاً للمسؤول عن الضرر المعنوي ، لأنه يحفز عدداً كبيراً من أقارب المتوفي للمطالبة بتعويض ما أصابهم من ألم وحزن ، الأمر الذي يعرضه إلى الضائقة المالية ومن ثم قد يسبب ذلك إعساره ، كما أن هذا الأمر قد ينقلب ضد مصلحة بعض الأقارب حتى لا يحصلون من جراء ذلك إلاّ على قدر بسيط من التعويض المستحق لهم(12).ولهذا فقد بادر المشرع العراقي إلى تعديل ذلك بالقرار رقم ((815)) في 20/6/1982(13)، وتعديله الثاني ذي الرقم (106)) في 11/2/1985 ، والذي نص بأن(14) ((لا يستحق التعويض عن الضرر الأدبي إلاّ زوج المتوفي وأقاربه من الدرجة الأولى الذين أصيبوا بآلام حقيقية وعميقة)) (15). وقبل الدخول في تفاصيل النص المتقدم لابد أن نشير إلى أن قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم ((52)) لسنة 1980 ، يسري على السيارات العائدة لدوائر الدولة والقطاع الاشتراكي عدا الجيش وقوى الأمن الداخلي ، ولهذا فإن هذه الجهات تقوم بتسديد أقساط التأمين المستحقة عليها وفقاً لما نظمه القانون ، ثم تقوم شركة التأمين الوطنية بدفع هذه المبالغ إلى المضرور عندما يتحقق الخطر المؤمن ضده ، ولكن يبقى للمضرور مع ذلك حق الرجوع على هذه الجهات عند عدم تغطية مبلغ التأمين للأضرار المعنوية(16). وبعد هذه المقدمة البسيطة عن قانون التأمين الإلزامي نعود إلى القول بأن المشرع العراقي قد فعل حسناً بهذا التعديل ، إذ هو بذلك يكون قد جنب المسؤول عن الضرر المعنوي سواء كان من الأفراد أم الهيئات الإدارية ، من أن يتعرض للإعسار بفعل مطالبة عدد كبير من أقارب المتوفي بالتعويض من غير ما ذكر في النص المتقدم ، كما أن من شأن هذا النص أن يضمن حصول الزوج الحي وأفراد أسرة المتوفي ممن حددهم النص المتقدم على تعويضات توازي الأضرار المعنوية التي أصابتهم بفعل فقد مورثهم . غير أن التساؤل المطروح هنا هل أن القرار المذكور قد عدل فعلاً الفقرة الثانية من المادة ((205)) من القانون المدني العراقي أم أن القرار المذكور يقتصر على تحديد المستحقين للتعويض من حوادث السيارات وفقاً لقانون التأمين الإلزامي رقم ((52)) لسنة 1980 بحيث تبقى القاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة المتقدمة سارية على الحالات الأخرى ؟ للإجابة عن ذلك نقول أننا نعتقد مع بعض الفقه(17)، أن هذا القرار قد وضع الأمور في نصابها الصحيح ، فكما هو واضح من النص أن حق المطالبة بتعويض الضرر المعنوي يقتصر على الزوج الحي وأقارب المتوفي من الدرجة الأولى وهم أبوه وأمه وأولاده ، ولا يعطي القاضي تعويضاً لهؤلاء جميعاً إذا ما وجدوا ، ولكن يعطي التعويض لمن أصابه منهم ألم حقيقي بموت المصاب بشكل يتحقق معه وجود الضرر المعنوي المتمثل في الحزن الشديد والألم المرير(18)، وعليه فإن القرار المذكور يكون قد ألغى أحكام القانون المدني في هذا الشأن وبعبارة أخرى فإنه يعد تعديلاً لهذا القانون في هذا الخصوص رغم تعلق القرار المذكور بحوادث السيارات الخاضعة لقانون التأمين الإلزامي وذلك للأسباب القانونية الاتية :

إن الحكمة من تشريع هذه القاعدة القانونية ، تتمثل في مساعدة المسؤول عن الضرر المعنوي بحيث لا يتعرض إلى ضائقة مالية تؤدي به إلى الانهيار إزاء سلسلة طويلة من المدعين بتعويض الضرر المعنوي الذي أصابهم من جراء وفاة شخص عزيز عليهم . فإذا كان الأمر كذلك فيتعين إذن توفر هذه الحكمة في أي حادث آخر يؤدي إلى موت شخص معين ، والقول بخلاف ذلك يؤدي إلى معاملة المسؤول عن حوادث السيارات وفقاً لأحكام قانون التأمين الإلزامي معاملة أفضل من معاملة المسؤولين عن حالات الوفاة نتيجة لحوادث أخرى ، ولهذا فلا نرى ما يوجب إلى هذه المعاملة المتميزة(19). وإذا كان هذا الأمر يصلح في القانون المدني فإنه يطبق من باب أولى في القانون الإداري ، ولهذا يتعين حصر الأشخاص المستحقين للتعويض عن الضرر المعنوي وفقاً لما رسمه القرار المذكور سواء كان الحادث ناجماً عن السيارات العائدة للإدارة أم أنه ناجم عن الأشياء الأخرى التي تكون الإدارة مسؤولة عنها ، كما هو الحال بالنسبة للضرر المرتد جراء وفاة المصاب بالصعقة الكهربائية ، والقول بخلاف ذلك يؤدي إلى إثقال كاهل الإدارة مما يعرض الأموال العامة للتبديد .
إذا كان المشرع الجنائي يهتم في بعض الأحيان بالوسيلة أو الأداة التي استخدمت في إرتكاب الجريمة ، فإن المشرع المدني لا يهتم بذلك وإنما ينصرف همه إلى الضرر الناجم عن العمل غير المشروع وتعويض الضرر . كما أن أهمية الخطأ في المسؤولية الإدارية او المدنية تبدو ثانوية في كثير من الأحيان ، فأي خطأ مهما كان عدا بعض الحالات كما لاحظنا في المسؤولية الإدارية يكفي لقيام هذه المسؤولية إذا تحققت الشروط الأخرى(20)، بل أن هذه المسؤولية تقوم في بعض الحالات من دون أن يكون هناك خطأ ينسب إلى المسؤول عن الضرر ، ومن ثم يتعين القول بأن المشرع عندما يحدد الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بتعويض الضرر المعنوي بسبب الوفاة في الزوج الحي وأقاربه من الدرجة الأولى فإن هذا لا يعني أن إرادة المشرع قد اتجهت إلى تحديد هؤلاء الأشخاص بالنسبة إلى حوادث السيارات وفقاً لأحكام قانون التأمين الإلزامي فقط ، ويبقى القانون المدني سارياً بالنسبة إلى الحوادث الأخرى أي بعبارة أخرى فإن القرار المذكور يُعد استثناءً لأحكام القانون المدني بخصوص الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بتعويض الضرر المعنوي الناجم عن فقد شخص عزيز ، فهذا القرار حسب قناعتنا ، يعني أن إرادة المشرع الحديثة قد اتجهت إلى تحديد الأشخاص الذين يجوز لهم المطالبة بتعويض الضرر المعنوي بسبب وفاة شخص عزيز عليهم ، وذلك بهدف التخفيف عن المسؤولين من حوادث الوفاة لأجل أن لا يثقل عاتقهم إزاء سلسلة طويلة من المطالبين بتعويض الضرر المعنوي ، ومن ثم فإن القرار المذكور يُعد قاعدة قانونية عامة تعبر عن إرادة المشرع الحديثة ، ومن ثم فهو يحل محل الفقرة الثانية من المادة ((205)) من القانون المدني العراقي التي أصبحت بمثابة الإرادة القديمة للمشرع(21).
كما أن المشرع العراقي نص صراحة في القرار المذكور على إلغاء كل نص قانوني يتعارض مع أحكام هذا القرار(22)، وبذلك فإن هناك إلغاءً أو تعديلاً لأحكام القانون المدني في هذا الخصوص ، صحيح أن المشرع لم يذكر النص القانوني الذي يريد إلغاءه في القانون المدني ، إلاّ أنه رغم ذلك يكون قد ألغى صراحة ما ورد في الفقرة الثانية من المادة ((205)) ، وذلك لأن المشرع عندما يصدر تشريعاً جديداً قد يعين القاعدة القانونية التي يريد إلغاءها على وجه التخصيص ، وقد ينص على إلغاء كل قاعدة قانونية تخالف ما نص عليه ، كما أنه قد يجمع بين الطريقتين في الوقت نفسه ، أي أنه بعد أن يحدد القاعدة القانونية التي يريد إلغاء أحكامها ، ينص في الوقت نفسه على إلغاء كل نص قانوني آخر يخالف أحكام القانون الذي شرعه ، والشيء الذي أخذ به المشرع العراقي في هذا القرار أنه قد نص على إلغاء كل قاعدة قانونية تتعارض مع أحكام هذا القرار ، ومن ثم فإن القاعدة القانونية الواردة في الفقرة الثانية من المادة ((205)) تدخل ضمن هذا الإلغاء الصريح والمطلق(23). أما في مصر فإن القانون المدني المصري قد وسع من دائرة الأقارب الذي يحق لهم المطالبة بتعويض الضرر المرتد الذي أصابهم بفقد مورثهم بقوله ((ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلاّ للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب)) (24). ووفقاً لهذا النص فإن التعويض يقتصر على الزوج الحي وأقارب الميت إلى الدرجة الثانية ، وهم أبوه وأمه وجده وجدته لأبيه أو لأمه ، وأولاده وأولاد أولاده وأخوته وأخواته(25). ونحن بدورنا لا نؤيد التوسع في شمول أقارب المتوفي الذي يحق لهم المطالبة بتعويضهم عن الآلام والمعاناة جراء فقد عزيزهم بفعل أعمال الإدارة الخاطئة ، وذلك حفاظاً على الخزينة العامة للدولة المخصصة للمشروعات التي تشبع الحاجات العامة . ويلاحظ أن القانون العراقي قد اقتصر على ذكر تعويض الأقارب عما يصيبهم من ألم جراء موت المصاب ، فإن ذلك لا ينفي حقهم في التعويض عما يحسونه من ألم بسبب أي أذى آخر دون الوفاة ، كتشويه المصاب أو بتر عضو في جسده أو إصابته بعاهة مستديمة ، وقد يتبادر إلى الذهن أن الحصر الوارد في القرار رقم ((815)) المعدل للأقارب الذين يثبت لهم الحق في التعويض عما يحسونه من ألم جراء موت المصاب لا يكون منطبقاً عندئذٍ ، إلاّ أنه في الحقيقة أن هذا الحصر يكون في هذه الحالة واجب الاتبـاع من باب أولى ، بل ينبغي الزيادة فيه ، لأنه كلما كان الضرر الذي حل بالمصاب الأصلي أخف كان تألم أقاربه تبعاً لذلك أقل(26)، فإذا تضاءل هذا الضرر أو اقتصر على أن يكون ضرراً معنوياً فقط ، فالغالب ألاّ يكون هناك محل لتعويض أقارب المضرور الأصلي عما قد يدعونه من ضرر معنوي مرتد ، حتى أن بعض الفقه يرى أنه من الصعب أن يعطي القاضي تعويضاً لغير الأب والأم(27). ومثل هذا الأمر نجده واضحاً في القانون الإداري ، لأنه في كثير من الأحيان تقوم الهيئات الإدارية بأعمال قانونية غير مشروعة يترتب عليها ضرراً معنوياً للمصاب ولذويه ومن ذلك مثلاً القرارات الإدارية الخاطئة بحجز بعض الأفراد ، ثم يتضح بعد ذلك للقضاء الإداري بطلان هذا القرار . ولهذا فإننا ندعو قضاءنا الإداري إلى أن يحكم لأقارب المصاب وهم أبوه وأمه وأولاده دون سن الرشد في هذه الحالة بالتعويض عن الأضرار المعنوية التي أصابتهم من جراء ذلك ، فضلاً عن إلغاء القرارات الإدارية المذكورة .

وعلى أية حال فإنه إذا تعدد الأشخاص الذين أصابهم ضرر معنوي مرتد عن إصابة المضرور الأصلي ، وتحققت فيهم جميعاً الشروط اللازمة للحصول على التعويض ، وبخاصة صفة الزوجية أو درجة القرابة المطلوبة ، ثبت لكل منهم حق مستقل عن حق غيره في الحصول على التعويض المناسب عما أصابه شخصياً من ضرر معنوي بسبب وفاة مورثهم ، ومن ثم يحق لهم المطالبة بالتعويض مجتمعين أو متفرقين ، من دون أن يؤثر إستعمال أحدهم حقه في ذلك بحقوق الآخرين(28).

الفرع الثاني : القيود التي ترد على انتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي إلى الورثة

لا خلاف بين الفقهاء حول الضرر المادي ، فهو يخول المضرور حقاً مالياً بمجرد حدوث الضرر وينتقل إلى ورثته ، سواء كان قد طالب به أمام القضاء وحكم له قبل وفاته أم لم يطالب به ، فهذا الحق يأخذ سائر موجودات التركة ، ويقسم على الورثة حسب نصيبهم الشرعي(29).

أما بخصوص انتقال الحق في تعويض الأضرار المعنوية التي لحقت بالمتوفي فهو أيضاً ينتقل إلى ورثته إذا ما توصل المضرور إلى اتفاق مع المسؤول سواء كان من الأفراد أم الأشخاص الإدارية بشأن مبلغ التعويض ، أو في حال حصوله على حكم نهائي من المحكمة بخصوص التعويض ، ففي هذه الحالة فإن مبلغ التعويض يدخل في ذمته المالية وينتقل منه إلى ورثته مثله في ذلك مثل سائر باقي عناصر التركة(30).غير أن الأمر يختلف في الحالة التي يتوفى فيها المضرور قبل أن يتفق مع المسؤول ، أو قبل أن يحصل على حكم بالتعويض عما لحقه شخصياً من ضرر معنوي ، فهل ينتقل حق التعويض إلى ورثته في هذه الحالة ؟ إن الإجابة عن ذلك يحكمها اتجاهان يدوران بين المنع أو التقييد والإطلاق ، مما يقتضي منّا بيان ذلك وفق لما يأتي :

أولاً . تقييد انتقال حق تعويض الضرر المعنوي إلى الورثة

يرى جانب من الفقه(31)، أن الحق في تعويض الضرر المعنوي لا ينتقل إلى الغير بالميراث أو بالعقد أو بغير ذلك من أسباب الانتقال إلاّ إذا اتفق المضرور مع مرتكب الضرر على مبدأ التعويض ومقداره ، أو إذا صدر حكم نهائي من قبل القضاء بالتعويض وفقاً لما نص عليه القانون المدني العراقي ، أو طالب به المضرور أمام القضاء وفقاً للقانون المدني المصري . وإلى ذلك ذهب المشرع العراقي بقوله ((ولا ينتقل التعويض عن الضرر الأدبي إلى الغير إلاّ إذا تحددت قيمته بمقتضى إتفاق أو حكم نهائي)) (32). وكذلك نظم المشرع المصري ذلك بقوله ((يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضاً ، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلاّ إذا تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب الدائن به أمام القضاء)) (33). وبذلك فإن القاعدة العامة في هذه التشريعات تمنع انتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي بأي سبب من أسباب الانتقال ، والاستثناء هو جواز هذا الانتقال عند تحقق أحد الأمرين السابقين. فإذا توفي المضرور قبل أن يتحقق واحد من هذين الاحتمالين ، فلا ينتقل الحق في التعويض إلى ورثته ، بل يموت وينتهي هذا الحق بموت صاحبه ، ولا يجوز لهم المطالبة به بعد ذلك بخلاف ما لو تحقق أحد الأمرين المذكورين ، فإن الحق في تعويض الضرر المعنوي ينتقل إلى ورثته(34). وفي هذا الصدد يلاحظ أن المشرع العراقي أكثر تشدداً من نظيره المصري وهو أمر واضح عند التمعن في النصين السابقين .هذا وقد أستند أصحاب هذا الاتجاه إلى عدد من الأسانيد القانونية (35) لتبرير رأيهم المذكور وهي على الوجه الاتي :

فمن حيث طبيعة الحق في التعويض عن الضرر المعنوي ونشأته فهو يُعد في رأي بعض الفقهاء حقاً شخصياً يتصل بالمضرور ويتوقف اعتباره من الحقوق المالية ، ومن ثم دخوله في ذمته المالية على مطالبته به . ولهذا فإذا توفي المضرور قبل مطالبته بهذا الحق ، فإنه ينقضي ولا يجوز انتقاله إلى ورثته (36)، وأساس ذلك أن الضرر المعنوي لا يمس ذمة المضرور المالية ، ومن ثم فلا تنتقص به الذمة المالية ، ولذلك لا يجوز للورثة المطالبة بجبر هذا الانتقاص لأنه غير موجود ، وحتى لو قيل أن دعوى التعويض تعد حقاً مالياً ، فإن المضرور وحده فقط يستطيع أن يقوم بها وذلك لسببين :

أ . إن التعويض المقابل لقيمة غير مالية يصعب تقديره من دون تدخل إرادة المضرور لأنه وحده الذي يستطيع أن يفصح عن مقدار ما لحق به من ضرر معنوي .

ب. إن هذا الحق يتصل بشخص المضرور وفقاً لما نصت عليه المادة ((261)) من القانون المدني العراقي والتي جاء فيها بأنه ((يجوز لكل دائن ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل باسم مدينه حقوق هذا المدين إلاّ ما اتصل منها بشخصه خاصة أو ما كان منها غير قابل للحجز…))(37). وعليه فلا يجوز لغير المضرور أن يحل محله في المطالبة بهذا الحق(38).

ومن الأسس الأخرى التي قال فيها أصحاب هذا الاتجاه ، أن المضرور الذي توفي قبل أن يرفع دعوى التعويض ، وهي دعوى ناشئة عن ضرر شخصي لحق بالمورث يجوز أن يكون قد تنازل عنها ، ومن ثم فليس للورثة بعد ذلك مباشرة هذه الدعوى ، كما أن مثل هذه الدعاوى تستهدف إشباع رغبة الانتقام لدى المضرور ، ومثل ذلك ينبغي أن ينقضي بموت صاحبها فإذا توفي هذا الأخير دون أن يرفعها فكأنه بذلك قد عفى عن المسؤول(39).
ويقول أيضاً أنصار الاتجاه المقيد أن الهدف من تعويض الضرر المعنوي ، هوهدف ذو طابع شخصي يقتضي منح هذا التعويض لمن أصيب شخصياً بالضرر المعنوي ، وذلك لأن القيم المعوض عنها هي في الأصل قيم غير مالية ، وبالرغم من ذلك فإن هذه القيم تسمو على القيمة المالية ، ولهذا فإنه لا يمكن لأي مبلغ نقدي أن يجبر مثل هذا الضرر الذي لحق بهذه القيم اللهم إلاّ إذا استهدف المبلغ المدفوع كتعويض عنها التخفيف عن المضرور وتسليته ، وهذا يوجب منح هذا التعويض له شخصياً . ولذلك فإن دفعه إلى ورثته من شأنه أن يخالف الهدف منه ، ومن ثم يتعارض مع القيم الإنسانية إذ سيكون التعويض عندئذٍ بمثابة عقوبة لمحدث الضرر أكثر منه تعويضاً للمضرور ، كما أن حصول الورثة عليه يكون إثراءً أو كسباً من دون سبب ، وهذا الإثراء ليس له من تبرير(40).
وهناك أساس أخير استند إليه أنصار هذا الاتجاه حاصله أن القول بانتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي إلى الورثة من شأنه أن يتعارض مع قواعد الاختصاص القضائي ، والتي بمقتضاها لا تسمح قوانين الإجراءات الجزائية برفع الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية إلاّ لمن أصابه ضرر مباشر وشخصي من الجريمة(41)، والضرر المعنوي الذي أصاب المضرور إذا كان يعد ضرراً مباشراً وشخصياً له غير أنه ليس كذلك بالنسبة لورثته(42).

ثانياً . انتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي إلى الورثة

وهذا الاتجاه يُعد على العكس تماماً من الاتجاه المقيد ، وقد قال به جانب آخر من الشراح ، وخلاصة رأيهم أن الحق في التعويض عن الضرر المعنوي ينتقل إلى الورثة كالضرر المالي من دون أن يشترط لذلك اتفاق المضرور مع المسؤول أو المطالبة به حال حياة صاحبه طالما أن هذا الأخير لم يتنازل عنه(43). هذا وقد ناقش أصحاب هذا الاتجاه الحجج التي ساقها أنصار الاتجاه المقيد وتوصلوا إلى عدم صحتها ، ففيما يتعلق بنشوء الحق في التعويض وطبيعته غير المالية ، فإن القول بأن حق التعويض عن الضرر المعنوي لا يعد حقاً مالياً ، ومن ثم فلا يدخل في ذمة المضرور المالية إلاّ بعد أن تصدر منه المطالبة به ، فمثل هذا القول لا يتفق مع المبادئ العامة ، إذ أن المسلّم به أن الحق في التعويض عن الضرر المعنوي تنشأ المصلحة فيه للمضرور من وقت وقوع الفعل الضار … ومن ثم فلا محل لتعليق نشوء الحق في التعويض عن الضرر المعنوي على حصول المطالبة به . وذلك لأن المطالبة بهذا الحق ليست شرطاً لنشوئه وإنما هي تحسم تقديره ، فهذه المطالبة لا تعدو أن تكون سوى استعمالٍ لهذا الحق الأمر الذي يفترض سبق نشوئه حكماً . وعليه فإن هناك فرقاً بين الحق واستعماله ، بالإضافة إلى أن هذا التعليق أمر لا يتفق مع المنطق ، لأنه إذا كان الحق لا يوجد ولا يدخل في الذمة المالية قبل المطالبة به ، فإن هذه المطالبة ذاتها لا تصح قبل وجود الحق المطالب به ، ولهذا فإن القول بذلك يؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة ، الأمر الذي يجعل نشوء الحق في التعويض عن الضرر المعنوي مستحيلاً(44). وإذا قيل أن مبلغ التعويض لا يوجد إلاّ من يوم الحكم به ، بحيث يكون هذا الحكم منشئاً أو محدداً للحق في التعويض ، تعين علينا القول بأن هذا الحكم نفسه يعد كاشفاً لهذا الحق الذي وجد من وقت الفعل الضار ، كما أن الالتزام المقابل لهذا الحق هو التزام مالي ، قابل للتقويم النقدي ، ولذلك فإن حكم القاضي كاشفٌ ويتعلق بمبدأ التعويض إلاّ أنه منشئ بالنسبة لتحديد محله من حيث صورته ومقداره ، وعلى ذلك يكون الحق في التعويض حقاً مالياً قبل إقامة الدعوى به وقبل صدور الحكم بشأنه(45).

وكذلك فإن ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه المقيد من أنه يصعب تقدير الضرر المعنوي الذي لحق بالمضرور إذا لم يبادر نفسه إلى رفع الدعوى ، يعد قولاً غير مقبول لأسباب عدة منها : أن هذا الضرر لا يقدر من قبل المضرور ، بل من قبل القاضي . ومن جهة أخرى فإن صعوبة تقدير الضرر المعنوي لا تنعدم حتى ولو رفع المضرور الدعوى بنفسه ، ولهذا فإن هذا الأمر لا يمنع من قبول الدعوى . بل لعل قرب ورثة المضرور منه ومعاصرتهم لآلامه ما يمكنهم من معرفة ما أصابه من ضرر بصورة أكثر وضوحاً من تلك التي يتوصل إليها القاضي من خلال الخبراء(46). وما يقول به الاتجاه المقيد من أن الحق في التعويض عن الضرر المعنوي ينقضي إذا توفي المضرور قبل المطالبة به ، وعندئذٍ تكون عدم مطالبة المضرور بهذا الحق قبل وفاته قرينة على تنازله عنه ، ومن ثم ليس لورثته المطالبة به ، فإن ذلك أمر غير مسلم به ، لأن الفقه والقضاء يريان أن هذه القرينة لا أساس لها من الصحة ، وذلك لأنه لا يمكن افتراض التنازل عن هذا الحق بمجرد عدم رفع الدعوى به قبل الوفاة ، إذ أنه قد تحصل الوفاة فور وقوع الخطأ ومن ثم فلا يجد المضرور الوقت اللازم لرفعها . وعلى هذا الأساس فإن النزول عن الحق في التعويض لا يفترض ، بل يلزم لذلك أن يصدر من المضرور ما يؤكد ذلك على وجه اليقين . وفي ضوء ما تقدم يكون لورثة المضرور ممارسة الدعوى بالحق بالتعويض باسم مورثهم ، متى كان هذا الحق لم يسقط بالتقادم(47). ومن جهة أخرى فإن القول بأن الحق في التعويض عن الضرر المعنوي ، هو حق متصل بشخص المضرور بحيث لا يجوز لغيره أن يباشره نيابة عنه ، فهذا القول أيضاً بعيداً عن الصواب ، لأن الورثة ليسوا من الغير ، بل أنهم يخلفون المورث في حدود تركته ويكملون شخصيته ويقومون مقامه في جميع حقوقه خلافاً للدائنين حال حياته . وبذلك يحق لهم رفع الدعوى به أمام المحاكم المختصة(48). وإذا كان الحق في التعويض عن الضرر المعنوي يرتبط بشخص المصاب بحيث لا يجوز أن ينتقل إلى الغير إلاّ إذا عبر عن إرادته في اقتضائه ، فإن أثر هذه الصفة الشخصية للحق في التعويض يظهر في منع انتقاله بين الأحياء ، غير أن هذه الصفة لا تمنع من ثبوت هذا الحق في ذمة وتركة المضرور ، ومن ثم انتقاله إلى ورثته ما دام أنهم استمرارٌ لشخصه . بل أن في إقدامهم على المطالبة بهذا الحق ما هو إلاّ تفسيراً لإرادة المضرور طالما أنهم امتدادٌ لشخص مورثهم(49). وأخيراً فإن ما يقال من أن الهدف من التعويض عن الضرر المعنوي ، يأبى معه مطالبة الورثة به ، نقول أنه يتعين التمييز بين الحق في التعويض بوصفه وسيلة ، وبين الترضية المعنوية بوصفها أثراً لهذا الحق ، ونعتقد بأن المقصود من التعويض ليس إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل الضار ، وإلاّ فإنه لا يمكن إعادة المتوفي إلى قيد الحياة، بل أن المقصود به هو توفير بعض المزايا وشيئاً من الترضية تكون بديلاً عن تلك التي حصل الاعتداء عليها ، وإذا كانت الترضية المعنوية قيمة غير مالية إلاّ أن الحق في التعويض عنها يعد حقاً مالياً ينتقل بوفاة المضرور إلى الورثة(50). وإذا قيل أن موت المضرور وحصول ورثته على التعويض من شأنه استفادتهم مالياً من آلامه ، فهذا هو الآخر غير مقبول ، لأن الحق قد نشأ قبل وفاته ومن ثم دخل في ذمته المالية ، ولا يعقل أن يخرج منها لمجرد وفاة المضرور قبل إقامة الدعوى به . وإلاّ كان من مصلحة المسؤول أن يقضي على المضرور في الحال ليتقي بذلك تعويض الضرر . ولهذا فإن اشتراط إقامة الدعوى قبل وفاة المضرور معناه إضاعة الحق في التعويض عن الضرر المعنوي الذي ينجم عن الوفاة الفورية رغم بشاعة الفعل الضار الذي ارتكبه في حالة الخطأ الموصوف ، وعند المفاضلة بين حصول الورثة على مقابل نقدي لآلام مورثهم ، وبين استفادة المسؤول من وفاة المضرور الذي لم يرفع الدعوى يتعين علينا اختيار الأمر الأول(51). ومن جهة أخرى فليس في حصول الورثة على التعويض ما يمكن عدّه إثراء بلا سبب ، لأن القانون هو الذي يقضي بتعويض هذا الضرر وهو لا يعني بالبحث عما إذا كان الهدف منه سيتحقق بعد ذلك . كما أنه هو الذي يحكم بانتقال التركة إلى الورثة ، وعليه فليس في طلب الورثة التعويض النقدي لما أصاب مورثهم من آلام ما ينافي الأخلاق ، بل أنهم عندما يفعلون ذلك ، فإنهم يقومون بما كان يحق لمورثهم فعله ، وبالإضافة إلى ذلك فإن المثل العليا تأبى أن يفلت مرتكب الفعل الضار من الجزاء لمجرد أن المضرور قد توفي قبل رفع دعوى التعويض(52). وإذا كان المضرور قد رفع الدعوى بالتعويض فإنها تنتقل إلى ورثته ، ولم يقل أحد أن حصول الورثة على التعويض بالرغم من علمهم أنه يقابل الضرر المعنوي الذي أصاب مورثهم ، أمر يتعارض مع الأخلاق والمثل العليا ، وبالرغم من أن الهدف من هذا التعويض لن يتحقق في شخص المضرور ما دام قد توفي بعد مدة قصيرة من إصابته(53). وبشأن موقف القضاء والفقه في القانون الإداري فإنه يُستشف من آراء بعضهم أنها مع الاتجاه المقيد بدليل إقرارها القيود التي نصت عليها التشريعات المدنية(54).

ونحن بدورنا لا نرى هذا الرأي ، ومن ثم نضم صوتنا إلى ما قال به أصحاب الاتجاه الثاني وذلك لوجاهة الحجج التي قالوا بها ، ولذلك فإن الورثة يمثلون المضرور ومن ثم يحق لهم أن يطالبوا باسمه بالتعويض الذي يستحق له بعد ذلك ويوزع عليهم حسب أنصبتهم الشرعية(55).

وفي ضوء ما تقدم يبدو لنا جلياً أن المشرع العراقي ، قد تأثر بالاتجاه المقيد لانتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي بل أنه أخذ بأكثر الآراء تطرفاً في هذا الشأن ، عندما اشترط تقرير التعويض بحكم نهائي(56)، على خلاف من التشريعات الأخرى والتي اكتفت بمجرد رفع الدعوى(57) لانتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي ، ولذلك نرى مع الفقه بأن هذا المسلك التشريعي بعيد عن جادة الصواب ، فيما يتعلق بصياغة القيود التي ترد على انتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي إلى الورثة ، فهو من ناحية يكون قد أدخل من غير قصد الورثة في مدلول الغير ، وقد لاحظنا أن هؤلاء هم الخلف العام للمضرور ومن ثم فهم امتدادٌ لشخصية المورث وليسوا من الغير . ومن ناحية أخرى فإن تحديده للأمرين الذين يتحقق بهما انتفاء اتصال هذا الحق بشخص المضرور ، هو تحديد تحكمي لأنه يمكن التوصل إلى ذلك بطرق شتى ، وقد كان الأجدر بالنسبة للمشرع العراقي أن يضع مبدأً عاماً بمقتضاه ينفصل هذا الحق عن شخص المضرور بمجرد اتخاذه لإجراءات لا تدع معها ظروف الحال شكاً في دلالتها على انصراف نيته إلى المطالبة بهذا الحق ، كما أن المادة ((205/3)) من القانون المدني العراقي ، قد غلبت الجانب الشخصي لهذا الحق على الجانب المالي ، وإذا كان هذا الامر مقبولاً أثناء حياة المضرور ، إلاّ أنه غير مقبول بعد وفاته خاصة إذا دلت الظروف قبل وفاته أن إرادته لا تدل على تنازله عن هذا الحق ، وإذا ما أردنا في الوقت نفسه ألاّ يفلت مرتكب الضرر من الجزاء لمجرد وفاة المضرور قبل المطالبة بحقه في التعويض(58).

وهنا قد يثار التساؤل عن سبب اختيار المشرع العراقي لهذا الجانب ؟ ولماذا لم يغلب جانبه المالي على جانبه الشخصي ومن ثم يأخذ بمبدأ توارث الحق بمجرد وفاة المضرور ؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل يمكن أن نجد إجابة عنها إلاّ أنها غير كاملة من خلال سياسة المشرع الهادفة إلى التضييق قدر الإمكان من نطاق الدائرة التي يستحق فيها التعويض عن الضرر المعنوي(59). وعليه وفي ضوء الاعتبارات المتقدمة نقترح ضرورة تعديل هذا النص بما يسمح لورثة المضرور المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصاب مورثهم قبل وفاته من دون أية قيود إلاّ إذا كان المورث قد تنازل عن حقه في التعويض صراحة أو ضمناً .

ومما يؤيد من قولنا هذا أن المشرع العراقي في قانون حماية حق المؤلف ، نص على انتقال الحق المعنوي ((الأدبي)) للمؤلف على مصنفه إلى ورثته بعد وفاته(60)، ومن ثم انتقال الحق في التعويض عنه ، دون أن يقيد انتقال هذا الحق في التعويض بتحقق أحد القيود التي نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة ((205)) من القانون المدني ، على الرغم أن الحق المعنوي ((الأدبي)) للمؤلف يعد من الحقوق اللصيقة بالشخصية ، وهذا يؤكد منحى المشرع الثابت في عدم اعتبار الورثة من الغير ، وإذا ما قيل أن ما نص عليه المشرع العراقي في قانون حماية حق المؤلف يعد استثناءً من القاعدة التي تقيد من انتقال الحق في التعويض عن الضرر المعنوي ، فإن هذا القول سيكون مردوداً وذلك لأنه ليس في طبيعة الضرر المعنوي الذي يصيب المؤلف ما يميزه عن غيره من صور الضرر المعنوي الأخرى(61).

___________________________________________

1- ينظر في ذلك الفقرة ((3)) من المادة ((205)) من القانون المدني العراقي .

2- ينظر في ذلك الفقرة ((3)) من المادة ((205)) من القانون المدني العراقي .

3- ينظر في ذلك الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الأول ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الأولى، 1952 ، ص986-987 .

4- ينظر في ذلك الفقرة ((2)) من المادة (205)) من القانون المدني العراقي

5- ينظر في ذلك الدكتور عماد ثابت الملا حويش : مصير الحق في التعويض عن الضرر الجسدي بعد وفاة المضرور ، مجلة جامعة النهرين ، العدد الثالث ، المجلد الثاني ، تشرين الثاني ، 1998 ، ص133 وما بعدها .

6- ينظر في ذلك فريد فتيان : مصادر الالتزام ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1956-1957، ص291 .

7- ينظر في ذلك الدكتور حسن حسن علي الذنون : النظرية العامة للالتزام ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1949 ، ص310-311 .

8- ينظر في ذلك الدكتور غازي عبد الرحمن ناجي : تحديد المستحقين للتعويض من الضرر الأدبي نتيجة الوفاة ، مجلة القضاء ، العدد الأول والثاني السنة التاسعة والثلاثون ، 1984 ، ص144 .

9- ينظر في ذلك المادة ((38)) من القانون المدني العراقي .

10- ينظر في ذلك المادة ((39)) من القانون المدني العراقي .

11- ينظر في ذلك الدكتور غازي عبد الرحمن :تحديد المستحقين للتعويض من الضرر الأدبي نتيجة الوفاة ، مجلة القضاء ، العدد الأول والثاني السنة التاسعة والثلاثون ، 1984 ، ص145 .

12- ينظر في ذلك الدكتور عبد الله عبد الله مبروك النجار : التعسف في استعمال حق النشر ، دراسة فقهية مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1995 ، ص389 ، والمصادر المشار إليها في الهامش رقم ((4)) من الصفحة ذاتها وكذلك الدكتور غازي عبد الرحمن ناجي : مصدر سابق ، ص145 .

13- سبق ان لاحظنا في نهاية الباب الاول ان هذا القرار نشر في الوقائع العراقية ، العدد ((2891)) في 5/7/1982 ، ص473 .

14- كان النص السابق بالصيغة التالية : ((لا يستحق التعويض عن الضرر الأدبي إلاّ زوج المتوفي وأقاربه من الدرجتين الأولى والثانية الذين أصيبوا بآلام حقيقية وعميقة)) .

15- ينظر في ذلك الفقرة ((2، أ)) من القرار المذكور المنشور في الوقائع العراقية ، العدد ((3032)) ، في 11/2/1985 ، ص81 .

16- ينظر في ذلك الدكتور منير محمود الوتري : إلزامية التأمين على ضوء النظريات الفقهية ، شرح موجز لقانون التأمين رقم ((52)) لسنة 1980 ، الطبعة الأولى ، مطبعة الجاحظ ، بغداد ،1988 ، ص106 وما بعدها . وكذلك عبد علي رضا جعفر : رجوع المؤمن على غير المسؤول عن الضرر ، دراسة مقارنة ، مطبعة مؤسسة الثقافة العمالية ، بغداد ، 1983 ، ص 51 وما بعدها .

17- ينظر في ذلك الدكتور غازي عبد الرحمن ناجي : مصدر سابق ، ص 145 وما بعدها .

18- ينظر في ذلك الدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص 388 .

19- ينظر في ذلك لدكتور غازي عبد الرحمن ناجي : مصدر سابق ، ص 148-149 .

20- ونعني بها الضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر كما لاحظنا ذلك في الباب الأول .

21- ينظر في ذلك الدكتور غازي عبد الرحمن ناجي : مصدر سابق ، ص149-150 .

22- ينظر في ذلك البند ((8)) من القرار السابق الإشارة إليه .

23- ينظر في ذلك الدكتور غازي عبد الرحمن ناجي : مصدر سابق ، ص150-151 .

24- ينظر في ذلك الفقرة ((2)) من المادة ((222)) من القانون المذكور .

25- ينظر في ذلك الدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص388 .

26- ينظر في ذلك الدكتور سـليمان مرقس : سليمان مرقس : الوافي في شرح القانون المدني ، المجلد الثاني ، الفعل الضار والمسؤولية المدنية ، القسم الأول ، الأحكام العامة ، الطبعة الخامسة ، مطبعة السلام ، القاهرة ، 1988 ، ص161-162 .

27- ينظر في ذلك الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : مصدر سابق ، ص988 .

28- ينظر في ذلك الدكتور سليمان مرقس : مصدر سابق ، ص162-163 .

29- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : الأحكام الشرعية للأعمال الطبية ، الطبعة الثانية ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، من دون سنة نشر ، ص75 ومابعدها . والدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : مصدر سابق ، ص1040-1041 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص393-394 .

30- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : انتقال الحق في التعويض عن الضرر الجسدي ، مصدر سابق ، ص86 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : الضرر الأدبي ، مصدر سابق ، ص396 .

31- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص87 وما بعدها . والدكتور عبد المجيد الحكيم : الموجز في شرح القانون المدني ، مصادر الالتزام ، الجزء الأول ، الطبعة الخامسة ، مطبعة نديم ، بغداد ، 1977 ، ص 534 .

32- ينظر في ذلك الفقرة ((3)) من المادة ((205)) من القانون المدني العراقي .

33- ينظر في ذلك الفقرة ((1)) من المادة ((222)) من القانون المدني العراقي .

34- ينظر في ذلك الدكتور عماد ثابت الملا حويش : تعويض الأضرار الناشئة عن العمل غير المشروع ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1980 ، ص141 .

35- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص93 وما بعدها .

36- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص93 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص397 . والدكتور عماد ثابت الملا حويش : مصدر سابق ، ص141 .

37- وتقابلهما المادة ((1166)) من القانون المدني الفرنسي ، والمادة ((235)) من القانون المدني المصري. للمزيد في ذلك ينظر الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص94 . والدكتور مقدم السعيد : التعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية المدنية ، دراسة مقارنة ، الطبعة الأولى ، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1985 ، ص266 .

38- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص94 .

39- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص95 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص398 .

40- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص95-96 .

41- ينظر في ذلك المادة ((10)) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ((23)) لسنة 1971 المعدل .

42- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص96-97 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص399 .

43- ينظر في ذلك الدكتور سليمان مرقس : مصدر سابق ، ص165 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص400 .

44- ينظر في ذلك الدكتور سليمان مرقس : مصدر سابق ، ص166. والدكتور مقدم السعيد : مصدر سابق ، ص 267

45- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص99 .

46- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص99. والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص402 . والدكتور عماد ثابت الملا حويش : مصدر سابق ، ص143 .

47- ينظر في ذلك الدكتـور أحمد شـرف الدين : مصـدر سـابق ، ص101 . والدكتور عماد ثابت الملا حويش:مصدر سابق، ص143 .

48- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شـرف الدين : مصدر سابق ، ص101-102 . والدكتور سليمان مرقس : تعليقات على الأحكام في انتقال الحق في التعويض إلى ورثة المجني عليه ، مجلة القانون والاقتصاد ، مصدر سابق ، ص113 .

49- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سـابق ، ص102 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص403 .

50- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص103 . والدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : مصدر سابق ، ص984 .

51- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص104 ، والمراجع المشار إليها في الصفحة ذاتها.

52- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص104-105 .

53- ينظر في ذلك الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص105 .

54- ينظر في ذلك محمد نصر الدين كامل : الدعوى وإجراءاتها في القضاء العادي والإداري ، مصدر سابق ، ص200-203 .

55- بهذا الشأن ينظر أيضاً نصرت منلا حيدر : تعويض الضرر الذي أصاب المتوفي بحادث وتعويض الضرر الذي أصاب الورثة ، مجلة المحامون السورية ، العدد السادس السنة الرابعة والثلاثون ، حزيران ، 1969 ، ص238 .

56- ينظر في ذلك الفقرة ((3)) من المادة ((205)) من القانون المدني العراقي

57- ينظر في ذلك الفقرة ((1)) من المادتين (222 ، 223)) من القانون المدني المصري والسوري .

58- بشأن هذه الانتقادات ينظر الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص119 وما بعدها . وكذلك الدكتور عماد ثابت الملا حويش : مصدر سابق ، ص148 .

59- ينظر في ذلك الدكتور عماد ثابت الملا حويش : مصدر ثابت ، ص148 .

60- ينظر في ذلك المواد ((18 ،19 ، 23)) من قانون حماية حق المؤلف رقم ((3)) لسنة 1971 .

61- إلى مثل هذا الرأي يدعو بعض الفقه المصري ، وللمزيد في ذلك ينظر الدكتور أحمد شرف الدين : مصدر سابق ، ص115 . والدكتور عبد الله مبروك النجار : مصدر سابق ، ص411 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .