بقلم ذ سمير ووال
طالب باحث بسلك الماستر المتخصص قانون العقار والتعمير بالكلية المتعددة التخصصات
–سلوان-الناضور

يشكل حق التقاضي من بين أبرز الحقوق المكفولة و المحفوظة للجميع بمقتضى الدستور[1]٬ إذ به يستطيع أي شخص تم المساس بحقه من قبل الغير اللجوء إلى الجهاز القضائي بغية الحكم له بما يدعيه ٬و الوسيلة التي تمكنه من تحقيق هذا المبتغى هو رفع دعوى أمام القضاء المختص ضد الشخص الذي اقدم على انتهاك حق من حقوقه ٬و حتى يتسنى للمحكمة الحسم في موضوع النزاع ٬يلزمها أن تقوم بإستدعاء الأطراف محل الدعوى للمثول أمامها ٬ باعتبار تبليغ الإستدعاء الوسيلة القانونية التي تتحكم في سير إجراءات الدعوى منذ بدايتها إلى نهايتها لارتباطه الوثيق بها،فهو يمكن المبلغ إليه من تتبع المساطر القضائية المتخدة ضده من حضور الجلسات و إعداد دفاعه ومناقشة الدعوى .[2]

وقد أوجب المشرع على هيئة الحكم اعطاء الوصف لأي حكم ( أي هل هو حضوري أم بمثابة حضوري أم غيابي ) وهذا الوصف يكون٬مرتبط بالطريقة التي تسلم بها المعني بالأمر ورقة الإستدعاء وبحضوره وغيبابه لجلسة الحكم وهو ما سنعمد لمعالجته متطرقين للمبدأ والاستثناء والكل وفق قواعد المسطرة المدنية وبعض القوانين الخاصة.

أولى – حضور وغياب المدعي وتاثيرهما على وصف الحكم

إذا تسلم المدعي ورقة الإستدعاء و حضر الجلسة أصالة عن نفسه أو من ينوب عنه وفق ما هو مقرر في متن ورقة الإستدعاء ٬ فهنا لا يطرح أي إشكال حيث يتم الحكم عليه حضوريا ;و يبقى له الحق في الطعن بالاستئناف إذا كان الحكم قابلا للإستئناف[3]٬ و يمكنه أيضا الطعن بالنقض اذا تعلق الامر بقرار استئنافي و الكل داخل الآجال المحدد قانونيا,و إلا ضاع حقه في الطعن بعد فوات الأجل.

ويتعين الإشارة هنا إلى أن الحضور يختلف حسبما كانت المسطرة شفوية أو كتابية ؛ ففي الحالة الأولى يجب على المدعي حضوره أصالة عن نفسه أو وكيله٬ أما إذا تعلق الأمر بالمسطرة الكتابية فيكفي للمدعي أو نائبه فقط تقديم المستندات المثبتة للحق المدعى به.

أما إذا تغيب المدعي عن الحضور رغم تسلم الإستدعاء بصفة قانونية –أي في موطنه[4] – فإنه طبقا للفقرة الأولى من الفصل 47المذكور تقوم المحكمة إذا لم تتوفر على العناصر التي تسمح لها بالبت في الطلب أن تقرر التشطيب على القضية من جدول الجلسة ٬ غير أن المشرع سمح بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل المومأ إليه أعلاه للمدعي بمتابعة الدعوى و ذلك داخل أجل شهرين من قرار التشطيب على القضية من جدول الجلسة ٬ تحت طائلة إلغاء الدعوى بعد انصرام الأجل المذكور.

غير أنه في الحالة التي تتوفر فيها المحكمة على العناصر الضرورية للبت في القضية إذ ذاك حق لها البت بحكم بمثابة حضوري و هنا تتجلى خطورة تغيب المدعي عن الحضور للجلسة إذ الحكم بمثابة حضوري كالحكم الحضوري حيث يحرم المتغيب من إعادة البت في دعواه أمام محاكم الدرجة الأولى (المحكمة الإبتدائية أو التجارية او الادارية) وبعبارة أوضح يضيع حقه في إمكانية التعرض وفي المقابل أمكنه المشر ع من الطعن بالاستئناف في الحكم الغيابي و لا عبرة في المرحلة الإستئنافية بحضور أو عدم حضور المدعي و ذلك لأن قرارات محاكم الإستئناف انتهائية.

و يتعين الإشارة في الختام إلى أنه بالنسبة للمدعي لا يمكن الحكم عليه غيابيا٬ كأصل عام و الغاية من ذلك أن المدعي هو من تقدم بالدعوى ابتداء, و عليه فالمنطق والعقل يقضي بضرورة حضوره للجلسة حتى يدافع عما تقدم به من إدعاءات. وعدم حضوره دون أن يدلي بأي تبرير مقبول فيه نوع من التحايل و الإهانة لجهاز العدالة ككل وهو ما دفع المشرع إلى الحكم عليه بحكم بمثابة حضوري ٬حيث يبقى له الحق في الإستئناف إذا كان الحكم قابلا للاستئناف,غير أنه في الحالة التي يتعذر فيها تبليغ المدعي لا في موطنه ولا بصفة شخصية حين ذلك يتم الحكم عليه غيابيا حسب ما استقر عليه القضاء المغربي.

ثانيا : أثر تبليغ الإستدعاء على وصف الحكم بالنسبة للمدعى عليه

بخلاف المدعي نجد المشرع في الفقرة الرابعة من المادة47 ينص على ما مؤداه أنه فيحالة توصل المدعى عليه بالإستدعاء بصفة قانونية –في موطنه ووفقا للفصول37-38-39من ق م م-٬ ولم يحضر للجلسة فإنه يحكم عليه غيابيا; ومزية الحكم الغيابي أنه يمكن من ممارسة التعرض الذي يفيد إمكانية قيام المدعي بطلب إعادة عرض القضية أمام محاكم الدرجة الأولى حسب الاختصاص.

و لكن شريطة أن يكون الحكم غير قابل للإستئناف٬ و هنا تظهر لنا خطورة إجراء التبليغ ;وما يزيد الأمر خطورة أنه يكون أمام ٬ المدعى عليه أجل عشرة أيام فقط للقيام بالتعرض تبتدئ من تاريخ التبليغ -اذا كان الحكم غير قابل للاستئناف-, وهنا يتعين الاشارة الى نقطة اساسية نص عليها المشرع في الفصل 133من ق م م حيث نص على انه” لا يقبل تعرض جديد من الشخص المتعرض الذي حكم عليه غيابيا مرة ثانية” بمعنى ان المدعى عليه في الحالة التي يتقدم بالطعن بواسطة التعرض وتغيب مرة أخرى فليس له الحق في تقديم تعرض جديد.

أما في الحالة التي يتسلم فيها المدعى عليه أو وكيله ورقة الاستدعاء شخصيا ولم يحضر٬ أصدرت المحكمة حكم بمثابة حضوري اتجاه الأطراف المتغيبة .

ويكون للمدعى عليه إذا كانت هناك أسباب قاهرة تحول دون حضوره إلى الجلسة ٬كأن يكون يعاني من مرض خطير أو قيامه بخدمة عمومية , بإشعار المحكمة بتأجيل القضية إما هو شخصيا أو أحد أقاربه و أصدقائه.

وطبقا للفصل أعلاه فإنه إذا تعدد المدعي عليهم و لم يحضر أحدهم إلى الجلسة أو من ينوب عنهم أجل القاضي إلى جلسة مقبلة و أمر باستدعاء الأطراف من جديد طبقا للفصول37.38.39 للحضور في اليوم المحدد ,حيث يتم تنبيههم إلى أنه في حالة عدم حضورهم فالحكم يصدر في حقهم بمثابة حضوري ويتميز هذا الحكم بخصيصة اساسية تتحدد بالأساس في ان أجل الطعن بالاستئناف لا يسري الا من تاريخ تبليغه بالحكم للمعني به خلافا للحكم الحضوري الذي قد يسري من تاريخ النطق به في الجلسة

ثالثا :الاستثناء على لقاعدة العامة

أول استثناء نلمسه في المادة العقارية حيث انه وطبقا للفصل 37/2 مكرر من القانون14.07فان الأحكام الصادة في مادة لتحفيظ العقاري تقبل الطعن بالاستئناف و النقض فقط وهو ما يعني عدم امكانية ممارسة التعرض ولو تغيب المدعى عليه عن الحضور للجلسة

في مدونة الأسرة و التي نظرا لحساسية دعاوى الطلاق و التطليق فإنه يلقى على عاتق المبلغ ضرورة تسليم ورقة الاستدعاء للزوجين شخصيا ٬ إذ لا يكفي هنا طرق التبليغ المنصوص عليها في القواعد العامة المنصوص عليها في ق م م , ولرفع الصعوبات التي يطرحها هذا الأمر على مستوى الواقع العملي خصوصا في حالات سفر الزوجة أو الزوج٬ توجه القضاء للاستقرار فيما بعد على إعتماد القواعد العامة المنصوص عليها في ق م م و المتعلقة بالإستدعاء.

ومن أبرز خصوصيات الإستدعاء على وصف الحكم في المادة الأسرية ما نص عليه المشرع في المادة 81 من مدونة الأسرة و المتعلقة بالصلح ؛حيث أنه وطبقا للبند الأول من المادة أعلاه يترتب عن عدم حضور الزوج إلى الجلسة رغم توصله الشخصي بالاستدعاءتراجعا عن طلبه٬ في حين إذا تغىبت الزوجة عن الحضور ولم تدلي بأي ملاحظات كتابية تقوم المحكمة إذ ذاك بإخطارها عن طريق النيابة العامة٬ و يظمن في هذا الإخطار أنها إذا لم تحضر فإنه سيتم البت في الملف في غيابها.

وفي حالة تخلف الزوجة لأكثر من مرتين رغم التوصل الشخصي٬ فإن ذلك يعتبر بمثابة تنازل عن طلبها وذلك ما أقرته ابتدائية الدار البيضاء.[5] وبما أن تسلم الإستدعاء في قضايا الطلاق والتطليق يتم شخصيا٬ فالأحكام الصادرة فيها لا تقبل التعرض وذلك ما يستنتج من المادة81 التى ألزمت ضرورة التسليم الشخصي لاستدعاء الحضور للجلسة حيث الحكم هنا يكون بمثابة حضوري.

أما على مستوى مرحلة الإستئناف فالمبدأ أن طلب الإستئناف يتم بواسطة مقال أمام كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه٬ وهذا عكس قضايا النفقة التي يمكن استئنافها بواسطة تصريح٬ وقد حدد المشرع أجل الإستئناف في15 يوما.

[1]ينص لفصل118 من الدستورالمغربي لسنة2011 على انه
“حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون”
[2] الرافة وتاب” مسطرة القيم بين محاكم الموضوع و قضاء المجلس الاعلى” مطبعة الامنية الرباط ص7

[3] اصبحت الان جميع الاحكام قابلة للاستئناف بمقتضى الفصل 19″ الذي ينص “تختص المحاكم الابتدائية بالنظر :=
=- ابتدائيا ، مع حفظ حق الاستيناف أمام غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية، إلى غاية عشرين ألف درهم (20.000 درهم)؛
– وابتدائيا، مع حفظ حق الاستيناف أمام المحاكم الاستينافية، في جميع الطلبات التي تتجاوز عشرين ألف درهم (20.000 درهم)؛
– يبت ابتدائيا طبقا لأحكام الفصل 12 أعلاه، مع حفظ حق الاستيناف أمام المحاكم الاستينافية”
وهذا ما يتعارض مع الفصل 18 ق م م الذي لا يزال يزال يخول للمحكمة الابتدائية البت ابتدائيا وانتهائيا(الغرامة التهديدية)
[4] عرفه الفقيه الطيب الفيصلي الموطن بانه “مقر الشخص الذي يعتد به القانون فيما يتعلق بنشاطه و علاقاته القانونية مع غيره من الاشخاص” وذلك في مؤلفه” المدخل لدراسة القانون” الطبعة الخامسة شتنبر 2002ص271
[5] حكم رقم8345 بتاريخ 2006/3/35أاورده محمد السلواني “خصوصيات المسطرة في المادة الاسرية دعاوى إنحلال ميثاق الزوجية ” المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش الطبعة الأولى2011ص89