حرية العقيدة في ضوء الدستور العراقي الدائم لعام 2005

فراس سعد المرعب
مرت عملية تثبيت حقوق وحريات الانسان بمخاض عسير الى ان الزمت الدول بالاعتراف بها واحترامها وتضمينها في مواثيق وعهود دولية وكان من بين تلك الحقوق والحريات هي حرية الديانة والمعتقد الذي اصبح من المبادئ الملزمة لاسيما بعد ان تضمنته وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر عام 1948 حيث نصت المادة (18 ) منه على ان ( لكل انسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره ) .

فاصبح من المبادئ المسلم بها والتي تنص عليها غالبية دساتير العالم ومنه الدستور العراقي الدائم لعام 2005 والذي نص في مادته الثالثة على انه ( العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب…..) واكدت الفقرة (ثانيا ) من المادة الثالثة منه على ان ( يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين،والإيزيديين، والصابئة المندائيين.) ولم يقف الدستور عند هذا الحد بل راح يؤكد في باب الحقوق والحريات وهو الباب الثاني من أبواب الدستور على تعزيز حرية المعتقد الديني ، فالمادة (14) نصت على المساواة بين العراقيين أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي .

ولم تختلف المادة (15) التي منحت كل فرد عراقي الحق في الحياة والأمن والحرية و لا يجوز الحرمان من هذه الحقوق وتقييدها إلا بنص القانون وهذه المادة بلا شك داعم لحرية المعتقد الديني ، وفي الفصل الثاني وهو فصل الحريات نصت المادة(41) والتي لا زالت تثير الكثير من الجدل الفقهي على ان (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية،حسب دياناتهم أو مذاهبهم أ ومعتقداتهم أو اختياراتهم ، وينظم بقانون ) وهي تأكيد جديد على رؤية مهمة باتجاه حرية المعتقد الديني ونصت المادة (42) بما يلي (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة ) والمادة (43) بفقرتيها( أولا: أتباع كل دين أو مذهب أحرار في :
1- ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية .
2- تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها.) وانطلاقا من مبدا المشروعية فقد حذا قانون العقوبات العراقي رقم ( 111 ) لسنة 1969 حذو الدستور في تبني مبدا حرية العبادة وحرية ممارسة الشعائر الحسينية وتقرير عقوبة لمن يقوم بانتهاكها وذلك في باب الجرائم التي تمس الشعور الديني فقد نصت المادة ( 372 ) منه على ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلثمائة دينار:
1- من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها .
2- من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية أو على حفل أو اجتماع ديني او تعمد منع او تعطيل اقامة شيء من ذلك.
3- من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معد لاقامة شعائر طائفة دينية أو رمز أو شيئا آخر له حرمة دينية.
4- من طبع أو نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية أذا حرف نصه عمدا تحريفا بغير معناه أو إذا استخف بحكم من إحكامه أو شيء من تعاليمه.
5- من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية .
6- من قلد علنا نسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه . ) الا ان المشرع العراقي نص ايضا في صلب الوثيقة الدستورية وفي المادة ( 45 ) على انه ( لا يكون تقيييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية) وهذه المادة اباحت تقييد ممارسة الحقوق والحريات الواردة في الدستور او تحديدها شرط ان يكون ذلك بقانون يصدر من السلطة التشريعية ام بامر من السلطة التنفيذية استنادا الى قانون نافذ وبمعنى اخر انه يجوز تقييد او تحديد أي من الحقوق والحريات الواردة في الوثيقة الدستورية .

اما بقانون او بامر او قرار يصدر من وزير الداخلية او القائد العام للقوات المسلحة بتحديد ممارسة الشعائر الدينية بيوم معين او كيفية معينة مكان معين وذلك لظروف طارئة تستدعي ذلك و كاجراء من الاجراءات الممنوحة لهم باعتبارهم اعضاء ضبط اداري لحماية الامن والنظام العام الا ان هذا القانون او القرار يجب ان يكون مقيدا بعدم التعرض الى جوهر الحق او الحرية وبشرط ان لا يكون ذلك منعا مطلقا وانما يكتفي بالتقييد والتقييد هنا الغرض منه هو تنظيم ممارسة الحق وليس منعه ذلك لان المشرع العراقي كان قد نص في المادة ( 2 / اولا / ج ) من الدستور العراقي الدائم على انه ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور) .

وهذا تاكيد صريح على ان جميع الحقوق والحريات الواردة في الدستور مصانة ولا يجوز اصدار قوانين او قرارات تمنع تلك الحريات لان ذلك سيخل بمبدا المشروعية التي تعني ان جميع القرارات والقوانين لا تعتبر مشروعة وقابلة للتطبيق الا اذا كانت مطابقة للدستور باعتبار ان الاخير يتمتع بسمو على جميع القواعد القانونية وانه يجب ان تكون الاخيرة مطابقة له .