حرية العبادة مكفولة في دبي، لكن لا تحاول إقناع أحد بتغيير دينه

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

يوجد القليل من العلامات الدالة على وجود ديانات أخرى غير الإسلام في دبي، لكن مع هذا فالمدينة متسامحة بهدوء مع العقائد الأخرى، ويعمل المسؤولون على ضمان وجود أماكن للعبادة لأصحاب الديانات والعقائد الأخرى.

الأب ماثيو، مرتديا ثوب الكهنة الأبيض والذهبي، استدار ليواجه 60 شخصا من أتباعه. الآباء من الطبقة الوسطى في قمصان منقوشة، الأمهات كبار السن يرتدين غطاء الرأس، وسيدات ينظمن الأطفال، كما يوجد عدد قليل من الرجال مفتولي العضلات ينتشرون بين 13 صفا من المقاعد في كنيسة سانت ماري للروم الكاثوليك، الحديثة المضاءة جيداً.

وفي الوقت الذي كان فيه الأب ماثيو يرفع كأس التناول في القداس، كان المسجد المجاور للكنيسة يرفع الآذان.

في إحدى أمسيات الخميس بعد انتهاء العمل في دبي، كنت جالسا في قداس، وكان على غير العادة بلغة الأوردو.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد دبي إحدى إماراتها، توجد قيود معرقلة لحرية التعبير، وتفرض فيها رقابة واسعة على وسائل الإعلام وهناك عشرات الناشطين في السجون، لكن لديها أيضا تاريخ، لا يعرفه إلا قليلون، من التسامح الديني.

.
في عام 1958 سمح الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم والد دبي الحالي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ببناء معبد هندوسي، يمكن الوصول إليه اليوم عبر ممر على جانبيه متاجر لبيع تماثيل للآلهة وأكاليل من الزهور والمخمل.

تستقبل كنيسة سانت ماري للروم الكاثوليك أكثر من 7000 شخص في قداس يوم الجمعة
ويوجد هذا المعبد الوحيد في بلد ربما يعيش به الآن أكثر من نصف مليون هندوسي، ويستقبل هذا المكان الصغير المعطر برائحة خشب الصندل عشرات الآلاف من المتعبدين الهندوس والسيخ، كل أسبوع.

وفي 1966، عام اكتشاف النفط هناك، تبرع الشيخ راشد بقطعة أرض لبعثة مسيحية من الرومان الكاثوليك.

وتطورت المدينة من حول كنيسة سانت ماري، التي توجد الآن بجانب طريق مزدحم في قلب مدينة دبي.

وبما أن الأحد يوم عمل رسمي في دبي، فإن الطقوس المسيحية هنا لها ما يميزها بإقامة الصلاة الرئيسية يوم الجمعة، فهو يوم العطلة الأسبوعية بالنسبة للكثيرين.

وتستضيف الكنائس عشرات الخدمات الكنسية باللغتين الإنجليزية والعربية وكذلك لغات أخرى من التاغالوغية إلى مالايالامية.

ويقول الأب ليني كونولي، كاهن كنيسة سانت ماري :”نرى حوالي 7000 شخص في قداس الجمعة.”

ولا يستطيع الأب ليني تحديد عدد الكاثوليك في دبي، وغالبيتهم من الهند والفلبين، لكنه كان واضحا في ما تقدمه دبي :”لم نكن نتوقع كل هذه الحرية، ونتمتع بحرية العبادة وممارسة شعائر ديننا في هذا المكان.”

ينعم المسيحيون الباكستانيون بالأمان وحرية العبادة في الإمارات في حين يتعرضون للعنف وحرق الكنائس في باكستان
وهذه ميزة مهمة جدا، خصوصا أنه لا توجد في دبي أية دلائل أو رموز لدين آخر غير الدين الإسلامي، فالكنائس لا يمكنها وضع الصليب، ولا يسمح بالتبشير ومن يحاول نشر دينه أو معتقده أو إقناع المسلمين بترك الإسلام يواجه عقوبة السجن أو الترحيل.

وبعد انتهاء قداس الأوردو، قابلت جيري روبرت، رئيس جالية الكاثوليك الباكستانيين في دبي، وتعود أصوله إلى مدينة كراتشي وجاء إلى الإمارة منذ 17 عاما.

ويعمل روبرت مدير أمن في بنك، ويتميز بالطول ويرتدي بدلة عمل أنيقة، وسألته عن أوضاع المسيحيين في دبي، خصوصا أنهم يتعرضون لهجمات عنيفة وتحرق كنائسهم في باكستان.

فأجاب :“هنا أفضل بكثير جدا، لدينا حرية في بلد مسلم، والبيئة آمنة لنا تماما، وهذا ما نحتاجه في باكستان.”

وبجوار كنيسة سانت ماري توجد كنيسة هولي ترينتي للبروتسانت، ضمن مجمع مباني بجدران عالية، مشيد على أرض تبرع بها الشيخ راشد.

وصباح كل جمعة يتوافد آلاف الناس، غالبيتهم آفارقة ومن جنوب آسيا، لحضور عشرات الصلوات الكنسية التي تقام في وقت متزامن في كنائس صغيرة وقاعات الصلاة.

وبين التجمعات تصدح الموسيقى الصاخبة والتلويح بالأذرع، وانضممت إلى مجموعة من الطائفة الانجليكانية تتلوا التراتيل التقليدية.

ووجدت نفسي عالقا في صلاة هندية، ثم اختلست النظر في كنيسة كورية حيث كان مراهقون يؤدون أغاني الروك المسيحية.

الأب ماركوس أكد على أن الأقباط في دبي سعداء جدا بالحياة والحرية والجميع يحترم القانون
كما كانت الكنيسة القبطية مليئة بالناس ودخان البخور، وغرفة مزينة بالسجاد الأحمر مع مقاعد منحوتة وجدران مكسوة وصورة ضخمة للمسيح رسمت على السقف الأزرق، ورنت الصاجات وعزفت المثلثات مع وجود شاشتين لترجمة للصلوات التي تردد باللغتين العربية والقبطية.

ويعد الأقباط أكبر أقلية دينية في مصر، وتعرضوا لتمييز وهجوم أيضا، ويعيش منهم عشرة آلاف أو ربما أكثر في الإمارات، ويعيش الأب ماركوس في دبي منذ 12 عاما وأخبرني بأن رعايا الكنيسة القبطية في الإمارات “يعيشون في سعادة غامرة ويستمتعون بحياتهم، إنهم أحرار”.

أمسك أحد الحاضرين بيدي قائلا “الحياة أفضل بكثير مقارنه بمصر. اذا احترمت القانون هنا فالأمر طبيعي. أما هناك فإذا كنت قبطيا…”، وأظهر تعبير امتعاض على وجهه.

ويوجدفي دبي والإمارات الكثير من الكنائس ، بالإضافة إلى مكان عبادة للسيخ، وجميعها على أراضي تبرع بها الحاكم الحالي الشيخ محمد بن راشد.

ربما يكون سجل دبي في حقوق الإنسان والحرية السياسية سيئا، لكن هذه المدينة الغريبة، ملاذ للتسامح الديني بالنسبة للبعض.