حكم تمييز (تزويرًا في أوراق البنوك)

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 20/ 12/ 2005
برئاسة السيد المستشار/ محمود دياب – رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ مجدي أبو العلا وجاب الله محمد جاب الله وعلي الصادق عثمان ويحيى خليفة
(26)
الطعن رقم 571/ 2003 جزائي
1 – حكم (بياناته) – تمييز (أسباب الطعن: سبب غير صحيح).
– خلو الحكم الاستئنافي من ذكر مواد العقاب التي طبقها – تأييده للحكم الابتدائي لأسبابه والذي أشار إلى مواد الاتهام وأورد المواد التي عاقب بها المتهمين – كافٍ لبيان مواد العقاب التي دان الحكم الاستئنافي الطاعن بها – النعي عليه في ذلك – غير صحيح.
2 – حكم (تسبيب غير معيب) – تزوير – جريمة (أنواعها).
– تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير – غير لازم – ما دام أورد من الوقائع ما يدل على توافرها.
3 – إثبات (إقناعية الأدلة) و(خبرة) – تزوير – تمييز (أسباب الطعن: سبب غير منتج) و(الجدل الموضوعي) – محكمة الموضوع (سلطتها في الإعراض عن دليل النفي) و(تقدير تقارير الخبراء).
– الأدلة في المواد الجزائية – إقناعية – لا يجوز مطالبة القاضي بالأخذ بدليل معين – أساس ذلك – له أن يلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية – شرطه.
– تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن – من سلطة محكمة الموضوع – علة ذلك – مثال لتسبيب سائغ لرفض الاعتراضات على تقرير خبير المضاهاة.
– الجدل في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة – غير جائز.
– نعي الطاعنين على الحكم الابتدائي إشارته إلى تزوير طلب التفويض بالتوقيع – غير مجدٍ ما دام الحكم لم يساءلهما عن تلك الواقعة.
4 – بنوك – تزوير – جريمة (الركن المادي) – شيك – حكم (تسبيب غير معيب) – تمييز (أسباب الطعن: سبب غير منتج).
– جريمة التزوير في أوراق البنوك – تتحقق بتغيير الحقيقة في تلك الأوراق بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون.
– الإرادة المعتبرة للساحب في الشيك – لا تتحقق إلا بتوقيعه الصحيح المعتمد لدى البنك أو بالتوقيع الشخصي لمن يفوضه وإلا امتنع البنك عن اعتماده وصرف قيمته.

– توقيع مجهول على الشيكات وأمري التحويل باسم المجني عليه تتوافر به جريمة التزوير في تلك الأوراق – لا يغير من ذلك قالة الطاعنين بأن توقيع المجهول كان تعبيرًا عن إرادة المجني عليه ما دام لا سند لها من الواقع أو القانون – زعم الطاعن الأول بأنها صدرت تعبيرًا عن إرادته بصفته وكيلاً مفوضًا من المجني عليه فتعد تعبيرًا عن إرادة الأخير – غير مجدٍ ما دام الوكيل لم يوقع باسمه هو وبصفته كما أنه لم يفصح عن ذلك إلا بعد انتهاء الوكالة بوفاة المجني عليه – عدم رد الحكم على هذا الدفاع – لا يعيبه – علة ذلك.
– النعي على الحكم عدم الرد على دفاع الطاعن بانتفاء حاجته إلى تزوير توقيع المجني عليه إذ هو مفوض بالتوقيع على المحررات محل الاتهام – دفاع يدحضه الواقع بأنه اتفق مع مجهول على تزوير التوقيع تجنبًا من المسؤولية عن صحة التصرف لو أجراه بصفته وكيلاً عنه – عدم الرد عليه – لا يعب الحكم.
5 – بنوك – تزوير (تزوير في أوراق البنوك) – جريمة (أركانها: المادي) و(المعنوي). باعث – تمييز(أسباب الطعن: سبب غير صحيح) – حكم (ضوابط التسبيب) (تسبيب غير معيب) – شيك.

– أوراق البنوك – محررات عرفية – التزوير فيها – متى يتحقق – الباعث لا عبرة له – يكفي احتمال وقوع الضرر في الوقت الذي تم فيه تغيير الحقيقة – تحدث الحكم صراحة عن ركن الضرر – غير لازم – يكفي أن يكون قيامه مستفادًا من عموم عبارات الحكم.
– إطراح الحكم صائبًا دفاع الطاعنين بأن الشيكات محل التزوير حُررت وفاءً لديون أو شراء أرض بأنه من قبيل البواعث التي لا أثر لها على مسؤوليتهما الجنائية – النعي على ذلك – غير صحيح.
6 – تمييز (أسباب الطعن: سبب لا يصادف محلاً من قضاء الحكم المطعون فيه) – تزوير – اشتراك.
– ثبوت أن الحكم لم ينسب إلى الطاعنين أو أحدهما توقيع الشيكات أو أمري التحويل وإنما دانهما عن الاشتراك في تزويرهما مع مجهول – نعيهما في ذلك – وارد على غير محل.
7 – إثبات (إجراءاته) و(شهود) – تزوير – اشتراك – جريمة (جرائم التزوير) – محكمة الموضوع (سلطتها في استخلاص توافر الاشتراك) و(وزن أقوال الشهود).

– القانون الجزائي لم يحدد طريقًا معينًا لإثبات دعاوى التزوير.
– الاشتراك في جرائم التزوير – غالبًا يكون دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة – للقاضي استخلاص توافره بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية – شرطه.
– للقاضي وزن أقوال الشهود وتقديرها والتعويل عليها – تراخي الشاهد في الإبلاغ عن الواقعة أو وجود خلافات بينه وبين مقارفها – لا يمنع من الأخذ بأقواله متى اطمأنت إليها المحكمة – أخذها بشهادة الشاهد – مفاده.
8 – إثبات (بوجه عام) – تزوير – تمييز (أسباب الطعن: سبب غير صحيح).

– إثبات الحكم اشتراك الطاعنين في جريمة التزوير – مؤداه – توافر علمهما بتزوير محررات الدعوى – النعي على ذلك – غير صحيح.
9 – استئناف – محكمة الاستئناف – إجراءات المحاكمة – إثبات (إجراءاته) – دفاع (الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره).
– المحكمة الاستئنافية تحكم على مقتضى الأوراق – عدم التزامها بإعادة المأمورية للخبير لإجرائه المضاهاة – شرطه – مثال لطلب إعادة المأمورية للخبير لإجراء مضاهاة والتفات المحكمة عنه دون إخلال بحق الدفاع.

1 – من المقرر أنه إذا كان حكم الاستئناف قد جاء خاليًا من ذكر مواد العقاب التي طبقتها المحكمة, ولكنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه, وكان الحكم الابتدائي قد تضمن إشارة صريحة إلى المواد التي طبقت، فإن أخذ الحكم الاستئنافي بأسباب الحكم الابتدائي يكون بيانًا لمواد القانون التي عوقب المتهم بمقتضاها, وإذ كان الحكم الابتدائي في الدعوى الماثلة قد أشار في صدره إلى مواد القانون التي طلبت النيابة العامة معاقبة الطاعنين بمقتضاها، وبعد أن أورد الأسباب التي أقام عليها قضاءه بالإدانة خلص إلى أنه يتعين معاقبة الطاعنين بالمواد 48/ ثانيًا، ثالثًا، 52/ 1، 257، 259/ 1، 276/ 1 من قانون الجزاء مع إعمال المادة (84) من القانون ذاته، وجاء الحكم المطعون فيه مبينًا في مدوناته الوصف الذي أضفته النيابة العامة على ما نسب إلى الطاعنين وما حكمت به محكمة أول درجة، ثم انتهى إلى تأييد الحكم المستأنف، في عبارة عامة مطلقة، تنصرف إلى أسبابه ومنطوقه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين مواد العقاب التي دان الطاعنين بها, ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد.

2 – من المقرر أنه لا ينال من الحكم عدم تحدثه صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير، ما دام قد أورد في مدوناته من الوقائع ما يدل على توافرها، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بها، فإن منعاها عليه بالقصور في هذا الخصوص يكون لا محل له.

3 – من المقرر أن الأدلة في المواد الجزائية إقناعية، فلا يصح مطالبة قاضي الموضوع بالأخذ بدليل معين، إذ جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات، وله أن يلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير،

وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصته من مقارفة الطاعنين للجريمتين المسندتين إليهما، ومنها ما تضمنه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن التوقيعات الثابتة على أصول الشيكات المسحوبة على بنك الخليج فرع الشرق وأمري التحويل – محل الاتهام تختلف عن خط التوقيعات الصحيحة للمجني عليه صاحب الحساب…. وأن بصمة الخاتم المنسوبة له على أصل الشيكين رقمي (41)، (42) وأمر الحوالة المؤرخ 9/ 8/ 1992 لم تؤخذ من الختم الصحيح لصاحب الحساب، وأطرح الحكم الورقة الرسمية التي طلب الطاعنان من محكمة أول درجة إجراء المضاهاة عليها – طلب التفويض بالتوقيع المؤرخ 18/ 1/ 1994 الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إدارة عمل حولي – على سند مما أثبته تقرير الخبير ذاته بعد إجراء المضاهاة المطلوبة من أن خط التوقيع المنسوب إلى المرحوم/ ……. الثابت في الطلب المتقدم يختلف بدوره عن خط التوقيعات الصحيحة للمجني عليه الثابتة بأوراق المضاهاة, وأورد الحكم المطعون فيه أن دفاعهما بعدم ارتكاب الجريمة وأن المجني عليه طاعن في السن له توقيعات في مراحل سنية مختلفة ولا يجيد القراءة والكتابة هي دفوع موضوعية قصد منها النيل من تقرير الخبير الذي اعتنقته المحكمة ووثقت في النتيجة التي انتهى إليها (فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يعدو جدلاً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وفي استنباط معتقدها وهو ما لا يجوز، ولا جدوى من نعيهما على ما أشار إليه الحكم الابتدائي في خصوص تزوير ورقة إدارة عمل حولي – المار بيانها – ما دام الحكم لم يساءلهما عن هذه الواقعة أو يضمنها وصف الجريمة التي انتهى إلى إدانتهما عنها.

4 – مجرد تغيير الحقيقة في أوراق البنوك بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون تتحقق به جريمة التزوير في تلك الأوراق، وكانت الإرادة المعتبرة للساحب في الشيك بحسبانه أمرًا بالصرف موجهًا منه إلى البنك – لا تتحقق إلا بتوقيعه الصحيح – المطابق لنموذج توقيعه لدى البنك – أو بالتوقيع الشخصي لمن يفوضه في ذلك، وإلا امتنع البنك عن اعتماده وصرف قيمته، لما كان ذلك، وكان توقيع المجهول بخطه على الشيكات وأمري التحويل – محل الاتهام – باسم المجني عليه/ ……….. تتوافر به جريمة التزوير في تلك الأوراق، ولا يغير من ذلك قالة الطاعنين بأن توقيع المجهول عليها كان تعبيرًا عن إرادة المجني عليه المذكور، إذ لا سند لها من الواقع أو القانون، كما لا يغير منه أيضًا زعم الطاعن الأول بأن تلك التوقيعات صدرت تعبيرًا عن إرادته هو بصفته وكيلاً مفوضًا من المجني عليه فتعد تعبيرًا عن إرادة الأخير، إذ لا وجه له ما دام الوكيل لم يوقع باسمه هو وبصفته على الأوراق محل الاتهام فضلاً عن أنه لم يفصح عن تلك الإرادة إلا بعد انتهاء وكالته بوفاة المجني عليه، فإن دفع الطاعنين بأن التوقيع على الأوراق المزورة كان بإرادة المجني عليه – على النحو المار بيانه – فضلاً عن عدم جدواه لما سلما به من فرض أن بعض هذه الأوراق لم يصدر وفقًا لإرادته – وهو ما يكفي لحمل قضاء الحكم – يُعد في حقيقته دفاعًا قانونيًا ظاهر البطلان وبعيدًا عن محجة الصواب،

لا يعيب الحكم المطعون فيه سكوته عن الرد عليه، لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن الأول بعدم حاجته إلى تزوير توقيع المجني عليه على المحررات محل الاتهام – إزاء تفويضه له في التوقيع عليها – يدحضه الواقع، فلا على الحكم إن أشاح عنه، ذلك أن الثابت من الحكم أن الطاعن المذكور لم يزور بخطه توقيع والده وإنما اتفق مع مجهول ساعده على تزوير ذلك التوقيع على الشيكات وأمري التحويل، ويكشف الأمران عن حاجته إلى عدم التوقيع على تلك المحررات باسمه – بصفته وكيلاً عن المجني عليه – تجنبًا للمسؤولية عن صحة التصرف الوارد فيها، ومع هذا فإن الحكم لم يغفل الرد على الدفع المتقدم، بل أطرحه بأسباب لم يعيبها الطاعن، ومن ثم فإن نعيه في هذا الخصوص يكون لا أساس له.

5 – جريمة التزوير في ورقة من أوراق البنوك – وهي من المحررات العرفية – تتحقق بتعمد الجاني تغيير الحقيقة في هذه الأوراق بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها، بنية استعمالها فيما غيرت من أجله الحقيقة، تغييرًا من شأنه أن يسبب ضررًا لا يشترط أن يقع بالفعل بل يكفي احتمال وقوعه في الوقت الذي تم فيه تغيير الحقيقة بغير التفات إلى ما يطرأ من بعد، ولا يلزم لصحة الحكم بالإدانة في هذه الجريمة أن يتحدث الحكم صراحة عن ركن الضرر بل يكفي أن يكون قيامه مستفادًا من عموم عبارات الحكم، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى – على ما سلفت الإشارة إليه – ما يدل على توافر أركان جريمة التزوير، وقد أطرح الحكم صائبًا دفاع الطاعنين بأن شيكات الدعوى حُررت وفاءً لديون أو شراء لأرض على سند من أن ذلك من قبيل البواعث التي لا أثر لها على مسؤوليتهما عن اشتراكهما في الجريمة, فإن منعاهما في هذا الخصوص يكون لا محل له.

6 – إذ كان الحكم المطعون فيه لم ينسب إلى الطاعنين أنهما أو أحدهما وقع بخطه الشيكات وأمري التحويل، وإنما آخذهما عن الاشتراك في تزويرها مع فاعل مجهول، فإن نعيهما في هذا الخصوص يكون واردًا على غير محل من قضاء الحكم.

7 – من المقرر أن القانون الجزائي لم يحدد طريقة إثبات معينة في دعاوى التزوير، وكان الاشتراك في الجريمة يتم غالبًا دون مظاهر خارجة أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، فللقاضي إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر أن يستخلص حصوله من جميع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصه سليمًا لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وله وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كما أن تراخي الشاهد في الإبلاغ عن الواقعة, أو وجود خلافات بينه ومقارفها، لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله متى اطمأنت إليها، وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها, وإذ كان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليه ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة الاشتراك في التزوير في حق الطاعنين، فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب في هذا الخصوص لا يكون له محل.

8 – إثبات الحكم اشتراك الطاعنين في مقارفة جريمة التزوير يفيد حتمًا توافر علمهما بتزوير محررات الدعوى, فإن نعيهما على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله.

9 – المحكمة الاستئنافية تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي غير ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير لإجراء المضاهاة ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم ترَ هي من جانبها ضرورة لاتخاذ هذا الإجراء، وكان طلب الطاعنين من محكمة الاستئناف إعادة المهمة إلى الخبير لإجراء المضاهاة بين أوراق المضاهاة التي استند إليها في تقريره، وفحص جميع ما أصدره المجني عليه من شيكات منذ سنة 1990 وإلى وفاته – في صورة الدعوى – لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصوله بل المقصود به إثارة الشبهة في الأدلة السائغة التي اطمأنت إليها المحكمة، بل يخرج ثاني الطلبين عن نطاق الدعوى ذاتها، ومن ثم فإنه يعتبر دفاعًا موضوعيًا، ولا تثريب على المحكمة الاستئنافية إن هي التفتت عنه، وعن طلب دعوة الخبير لمناقشته، وقد أُبدى أمامها لأول مرة, ولم ترَ لزومًا لإجرائه، ويكون النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع في غير محله.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من:
1 – ……….. – الطاعن الأول.
2 – ………. – الطاعن الثاني.
3 – ………..
4 – ………….
5 – ………….. لأنهم في يوم 2/ 10/ 1991 بدائرة مخفر شرطة الصالحية – محافظة العاصمة: أولاً: المتهمان الأول والثاني: اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في أوراق بنك الخليج قبل وقوعها وهي الشيكات أرقام (41), (42), (7088)، (7109), (7128)، (7186)، (7154)، (7155)، (7134)، (7108)، (7187)، (7164)، (7191)، (7171)، (7193)، (7192)، (7144)، (7149)، (7194)، (7150)، (7174)، (7188) وأمري التحويل المؤرخين 21/ 7/ 94، 9/ 8/ 92 بقصد استعمالها على نحو يوهم بأنها مطابقة للحقيقة بأن أمد المتهم الأول المتهم الثاني بتلك الأوراق فأثبت بياناتها وسلمها إلى ذلك المجهول الذي وقعها بتوقيع نسبه زورًا إلى…… باعتباره صاحب الحساب مما حدا بالبنك المذكور إلى اعتمادها وصرف قيمتها للمستفيدين فيها، وكانت المحررات بعد تزويرها صالحة لأن تستعمل على هذا النحو على النحو المبين بالتحقيقات. ثانيًا: المتهم الثالث……….
ثالثًا: المتهم الرابع………..
رابعًا: المتهمة الخامسة…….

خامسًا: المتهمان الأول والثاني: اشتركا بطريق الاتفاق مع فاعل مجهول في ارتكاب جريمة تقليد خاتم لأحد الأفراد (……) بقصد استعماله في الغرض المعد له قبل وقوعها بأن اتفقوا معه على تقليد خاتم صاحب الحساب والبصم على أمر الحوالة المؤرخ 9/ 8/ 92 والشيكين رقمي (41)، (42) المزورين سالفي الذكر فتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق على النحو المبين بالتحقيقات، وطلبت عقابهم بالمواد: 48/ ثانيًا، ثالثًا، 52/ 1، 257، 259/ 1، 276/ 1 من قانون الجزاء، ادعى كل من…… – عن نفسه وبصفته مديرًا لتركة المرحوم/ …….. – و…… مدنيًا، قبل جميع المتهمين، بمبلغ 5001 د. ك على سبيل التعويض المؤقت، حكمت محكمة الجنايات:

أولاً: حضوريًا بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني بالحبس لمدة سنتين وأربعة أشهر مع الشغل والنفاذ عما أسند إليه ومصادرة المحررات المزورة وإحالة الدعوى المدنية بالنسبة إليهما إلى المحكمة المدنية المختصة.
ثانيًا:……. استأنف المتهمان الأول والثاني وكذا المدعية بالحقوق المدنية ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 11/ 10/ 2003:
أولاً بقبول استئناف المحكوم عليهما شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
ثانيًا: بعدم جواز استئناف المدعية بالحقوق المدنية لقرار إحالة دعواها المدنية قبل المحكوم عليهما.
ثالثًا:………. فطعن المحكوم عليهما في الحكم المتقدم بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن طعني الطاعنين استوفيا الشكل المقرر في القانون.

ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي اشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة في تزوير أوراق لبنك وتقليد خاتم لأحد الأفراد قد عاره البطلان وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال واعتوره الخطأ في القانون وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن خلا من نص القانون الذي دان الطاعنين بموجبه، ولم يستظهر أركان جريمة التزوير, لا سيما وأنه لم يحدث تغيير للحقيقة في المحررات محل الاتهام، ذلك أن التوقيعات الممهورة بها هي توقيعات صحيحة صادرة من يد صاحبها المرحوم/ ……. بدلالة مطابقتها لتوقيعه الثابت في محرر إدارة العمل بمحافظة حولي، وأن سبب مغايرتها لتوقيعاته على سائر أوراق المضاهاة التي اعتمد عليها خبير الدعوى – الذي عول الحكم على تقريره، هو الظروف الشخصية للموقع من حيث السن والصحة النفسية والجسمانية، ومع هذا أطرح الحكم الورقة الثابت عليها ذلك التوقيع الصحيح – رغم أنها ورقة رسمية – ومن شأنها تأكيد صحة دفاع الطاعنين بأن والدهما كان له أكثر من نموذج للتوقيع وبما ينفي التزوير عن المحررات موضوع الاتهام، واعتبر أن توقيعه ذلك مزور عليه، دون سند، ودون أن يعرض أمر تزويره على المحكمة، وبما يعد خروجًا منها عن نطاق الدعوى وهو ما لا تملكه، هذا إلى أنه بفرض أن التوقيعات على الشيكات وأمري التحويل، ليست بخط صاحبها، وأنها لشخص آخر، فلابد أن يكون هذا الشخص هو أحد المحاسبين لدى والد الطاعنين،

وأنه الذي كلفه به ثقة منه فيه, فلا يكون التوقيع مزورًا على صاحبه وإنما يعد توقيعًا له، مادام قد صدر بتفويض شفوي منه لكاتبه، وهذا الفرض يُرجحه أنه صاحب التوقيع كان قد كُف بصره أو كاد في الفترة منذ سنة 1990 وإلى أن توفاه الله، كما وأنه لم يعترض – حالة حياته – على ما كان يرد إليه من كشوف بحسابه لدى البنك متضمنة ما تم سحبه من رصيده بموجب الشيكات محل الاتهام، وهو ما يفيد أنها وأمرا التحويل قد صدرت برضاه وتعبيرًا عن إرادته، وقد دفع الطاعنان بذلك، إلا أن الحكم سكت عن الرد على دفاعهما، وبفرض أن إحدى الأوراق محل الاتهام أو أكثر لم تكن قد صدرت وفقًا لإرادة المجني عليه صاحب الحساب وتعبيرًا عن مشيئته الشخصية، فإنه وقد وكل الطاعن الأول وكالة بنكية لدى بنك الخليج في التوقيع على كافة الشيكات وأوامر التحويل، فإن الأوراق محل الاتهام تكون وقد صدرت تعبيرًا عن إرادته هو – بصفته وكيلاً ومفوضًا – ، فإنها تعد تعبيرًا – كذلك – عن إرادة الموكل، وأنه لم تكن بالوكيل حاجة إلى تزوير توقيع الموكل على تلك المحررات مادام قد صدر له التفويض بإجرائه وهو ما دفع به وأغفل الحكم الرد عليه يضاف إلى ذلك أن الشيكات وأمري التحويل حررت وفاءً لديون على شركات المجني عليه وصدرت لأمر آخرين منهم سائر أولاده دون أن يفيد الطاعنين منها شيئًا، أو يترتب على صرفها أي ضرر،

هذا إلى أن الحكم لم يورد الدليل على أن الطاعنين أو أحدهما قد زور التوقيع على أوراق الدعوى بخطه لاسيما وقد أنكرا الاتهام خلا تقرير المضاهاة من أن يكون التوقيع على تلك الأوراق محررًا بخط أي منهما مما يؤكد دفعهما بنفي صلتهما بالواقعة, فضلاً عن أن الحكم لم يدلل تدليلاً كافيًا وسائغًا على اشتراكهما في الجريمة ومن ذلك تعويله على أقوال إخوانهم من الشهود رغم أنهم كادوا لهم كيدًا لخلافات بينهم على مال أبيهم وتأخروا في الإبلاغ عن الواقعة بعد وفاته، فضلاً عن تعويل الحكم على وقائع لا تؤدي إلى ما رتبه عليها، ودون أن يتحدث عن علم الطاعنين بالتزوير، وأخيرًا فإن محكمة الاستئناف لم تستجب لطلبات الطاعنين إجراء مضاهاة بين أوراق المضاهاة التي استند إليها تقرير الخبير وفحص جميع الشيكات المنسوب صدورها إلى المجني عليه منذ 1990 إلى وفاته، واستدعاء مدير إدارة أبحاث التزييف والتزوير لمناقشته، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

من حيث إنه لما كان من المقرر أنه إذا كان حكم الاستئناف قد جاء خاليًا من ذكر مواد العقاب التي طبقتها المحكمة, ولكنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه , وكان الحكم الابتدائي قد تضمن إشارة صريحة إلى المواد التي طبقت، فإن أخذ الحكم الاستئنافي بأسباب الحكم الابتدائي يكون بيانًا لمواد القانون التي عوقب المتهم بمقتضاها, وإذ كان الحكم الابتدائي في الدعوى الماثلة قد أشار في صدره إلى مواد القانون التي طلبت النيابة العامة معاقبة الطاعنين بمقتضاها، وبعد أن أورد الأسباب التي أقام عليها قضاءه بالإدانة خلص إلى أنه يتعين معاقبة الطاعنين بالمواد 48/ ثانيًا، ثالثًا، 52/ 1، (257)، 259/ 1، 276/ 1 من قانون الجزاء مع إعمال المادة (84) من القانون ذاته، وجاء الحكم المطعون فيه مبينًا في مدوناته الوصف الذي أضفت النيابة العامة على ما نسب إلى الطاعنين وما حكمت به محكمة أول درجة، ثم انتهى إلى تأييد الحكم المستأنف، في عبارة عامة مطلقة، تنصرف إلى أسبابه ومنطوقه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين مواد العقاب التي دان الطاعنين بها, ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله أن حاصلها (ارتكاب المتهم الأول/ ……… والثاني/……… تزويرًا في أوراق البنوك – بنك الخليج –

وذلك بطريق الاتفاق والمساعدة والتحريض بأن قام المتهم الأول وهو يحمل وكالة رسمية عن والده ومن ثم يقوم بكافة الأعمال الخاصة بالمجني عليه بموجب تلك الوكالة بمد المتهم الثاني بالشيكات وحدد له المستفيد منها وقام المتهم الثاني بكتابة بيانات تلك الشيكات وسلمها لمجهول قام بتزوير توقيع والد المتهمين الأول والثاني صاحب الحساب ثم سلمت للثالث والرابع فقاما بصرف قيمتها من حساب المجني عليه كما قام المتهم الثاني بكتابة بيانات أمر التحويل المؤرخ 21/ 7/ 1994 بمبلغ عشرة آلاف دينار كويتي باسم زوجته – المتهمة الخامسة – وسلمه لمجهول زور توقيع المجني عليه وقامت بصرفه من حساب المجني عليه من البنك وقد ثبت أن تلك الشيكات وهي الشيكات أرقام (41), (42), (7088)، (7109), (7128)، (7186)، (7154)، (7155)، (7134)، (7108)، (7178)، (7164)، (7191)، (7192)، (7144)، (7149)، (7194)، (7174)، (7188) وأمري التحويل المؤرخين 21/ 7/ 1994، 9/ 8/ 1992 مزور توقيع المجني عليه على تلك الأوراق التي قدمت للموظف المختص وقام باعتمادها وصرف قيمتها، كما ثبت قيام المتهم الثاني بكتابة صلب تلك الشيكات وأمري التحويل وقد بلغت قيمة تلك الشيكات المزورة على المجني عليه وتم صرفها من حسابه من بنك الخليج 71700 دينار كويتي، كما ثبت تقليد خاتمه على أمري التحويل سالفي الذكر، (وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه:…… و……..، …….. – الموظف ببنك الخليج ومن تقارير مكافحة التزييف والتزوير ومن إقرار المتهم الثاني في التحقيقات، وكان الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه قد أورد – بعد سرده لمبدأ قضائي: –

(……. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الشيكات محل الاتهام وأمري التحويل المؤرخين في 9/ 8/ 1992، 21/ 7/ 1994 قد زور فيها توقيع الساحب وإن كان هذا البيان في الأصل من البيانات التي يحررها الساحب بعيدًا عن تدخل مستخدم البنك، إلا أنه ولما كان الثابت من الأوراق ومن أقوال موظف بنك الخليج فرع الشرق أن المستفيدين من الشيكات وأمري التحويل قد قدموا الشيكات إلى البنك لتحصيل قيمتها وأنه بدون ذلك التوقيع المزور ما كان يمكن للمستفيدين صرف قيمتها وقد قبل مستخدمو البنك الشيكات وأمري التحويل بحالتها وقاموا بصرف قيمتها مما يعد اعتمادًا منهم لبيان توقيع الساحب المزور عليه الأمر الذي يترتب عليه اعتبار التزوير في هذا البيان تزويرًا في ورقة من أوراق البنوك طبقًا للمادة 259/ 1 من قانون الجزاء، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا ينال من الحكم عدم تحدثه صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير،

ما دام قد أورد في مدوناته من الوقائع ما يدل على توافرها، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى – على النحو السالف – بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بها، فإن منعاهما عليه بالقصور في هذا الخصوص يكون لا محل له، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجزائية إقناعية، فلا يصح مطالبة قاضي الموضوع بالأخذ بدليل معين، إذ جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات، وله أن يلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير،

وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة الطاعنين للجريمتين المسندتين إليهما، ومنها ما تضمنه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن التوقيعات الثابتة على أصول الشيكات المسحوبة على بنك الخليج فرع الشرق وأمري التحويل – محل الاتهام تختلف عن خط التوقيعات الصحيحة للمجني عليه صاحب الحساب………… وأن بصمة الخاتم المنسوبة له على أصل الشيكين رقمي (41)، (42) وأمر الحوالة المؤرخ 9/ 8/ 1992 لم تؤخذ من الختم الصحيح لصاحب الحساب، وأطرح الحكم الورقة الرسمية التي طلب الطاعنان من محكمة أول درجة إجراء المضاهاة عليها – طلب التفويض بالتوقيع المؤرخ 18/ 1/ 1994 الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إدارة عمل حولي – على سند مما أثبته تقرير الخبير ذاته بعد إجراء المضاهاة المطلوبة من أن خط التوقيع المنسوب إلى المرحوم/ ………… الثابت في الطلب المتقدم يختلف بدوره عن خط التوقيعات الصحيحة للمجني عليه الثابتة بأوراق المضاهاة, وأورد الحكم المطعون فيه أن دفاعهما بعدم ارتكاب الجريمة وأن المجني عليه طاعن في السن له توقيعات في مراحل سنية مختلفة ولا يجيد القراءة والكتابة هي دفوع موضوعية قصد منها النيل من تقرير الخبير الذي اعتنقته المحكمة ووثقت في النتيجة التي انتهى إليها ( فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يعدو جدلاً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وفي استنباط معتقدها وهو ما لا يجوز، ولا جدوى من نعيهما على ما أشار إليه الحكم الابتدائي في خصوص تزوير ورقة إدارة عمل حولي – المار بيانها – مادام الحكم لم يساءلهما عن هذه الواقعة أو يضمنها وصف الجريمة التي انتهى إلى إدانتهما عنها، لما كان ذلك، وكان مجرد تغيير الحقيقة في أوراق البنوك بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون تتحقق به جريمة التزوير في تلك الأوراق، وكانت الإرادة المعتبرة للساحب في الشيك بحسبانه أمرًا بالصرف موجهًا منه إلى البنك – لا تتحقق إلا بتوقيعه الصحيح – المطابق لنموذج توقيعه لدى البنك – أو بالتوقيع الشخصي لمن يفوضه في ذلك، وإلا امتنع البنك عن اعتماده وصرف قيمته.

لما كان ذلك، وكان توقيع المجهول بخطه على الشيكات وأمري التحويل – محل الاتهام – باسم المجني عليه/ …… تتوافر به جريمة التزوير في تلك الأوراق، ولا يغير من ذلك قالة الطاعنين بأن توقيع المجهول عليها كان تعبيرًا عن إرادة المجني عليه المذكور، إذ لا سند لها من الواقع أو القانون، ما لا يغير منه أيضًا زعم الطاعن الأول بأن تلك التوقيعات صدرت تعبيرًا عن إرادته هو بصفته وكيلاً مفوضًا من المجني عليه فتعد تعبيرًا عن إرادة الأخير، إذ لا وجه له مادام الوكيل لم يوقع باسمه هو وبصفته على الأوراق محل الاتهام فضلاً عن أنه لم يفصح عن تلك الإرادة إلا بعد انتهاء وكالته بوفاة المجني عليه، فإن دفع الطاعنين بأن التوقيع على الأوراق المزورة كان بإرادة المجني عليه – على النحو المار بيانه –

فضلاً عن عدم جدواه لما سلما به من فرض أن بعض هذه الأوراق لم يصدر وفقًا لإرادته – وهو ما يكفي لحمل قضاء الحكم – يُعد في حقيقته دفاعًا قانونيًا ظاهر البطلان وبعيدًا عن محجة الصواب، لا يعيب الحكم المطعون فيه سكوته عن الرد عليه، لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن الأول بعدم حاجته إلى تزوير توقيع المجني عليه على المحررات محل الاتهام – إزاء تفويضه له في التوقيع عليها – يدحضه الواقع، فلا على الحكم أن أشاح عنه، ذلك أن الثابت من الحكم أن الطاعن المذكور لم يزور بخطه توقيع والده وإنما اتفق مع مجهول ساعده على تزوير ذلك التوقيع على الشيكات وأمري التحويل، ويكشف الأمران عن حاجته إلى عدم التوقيع على تلك المحررات باسمه – بصفته وكيلاً عن المجني عليه – تجنبًا للمسؤولية عن صحة التصرف الوارد فيها، ومع هذا فإن الحكم لم يغفل الرد على الدفع المتقدم، بل أطرحه بأسباب لم يعيبها الطاعن، ومن ثم فإن نعيه في هذا الخصوص يكون لا أساس له، لما كان ذلك، وكانت جريمة التزوير في ورقة من أوراق البنوك – وهي من المحررات العرفية – تتحقق بتعمد الجاني تغيير الحقيقة في هذه الأوراق بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها، بنية استعمالها فيما غيرت من أجله الحقيقة، تغييرًا من شأنه أن يسبب ضررًا لا يشترط أن يقع بالفعل بل يكفي احتمال وقوعه في الوقت الذي تم فيه تغيير الحقيقة بغير التفات إلى ما يطرأ من بعد، ولا يلزم لصحة الحكم بالإدانة في هذه الجريمة أن يتحدث الحكم صراحة عن ركن الضرر بل يكفي أن يكون قيامه مستفادًا من عموم عبارات الحكم، لما كان ذلك،

وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى – على ما سلفت الإشارة إليه – ما يدل على توافر أركان جريمة التزوير، وقد أطرح الحكم صائبًا دفاع الطاعنين بأن شيكات الدعوى حُررت وفاءً لديون أو شراء لأرض على سند من أن ذلك من قبيل البواعث التي لا أثر لها على مسؤوليتهما عن اشتراكهما في الجريمة, فإن منعاهما في هذا الخصوص يكون لا محل له، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم ينسب إلى الطاعنين أنهما أو أحدهما وقع بخطه الشيكات وأمري التحويل، وإنما آخذهما عن الاشتراك في تزويرها مع فاعل مجهول، فإن نعيهما في هذا الخصوص يكون واردًا على غير محل من قضاء الحكم، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأورد مؤدى أدلة الإثبات التي عول عليها، خلص إلى ثبوت التهمة قبل الطاعنين بقوله – بعد أن أورد مبادئ قضائية: (لما كان ذلك،

وكان الثابت من التحقيقات أن الشيكات التي تم تزوير توقيع المجني عليه عليها وأمري التحويل قد تم كتابة صلبها بمعرفة المتهم الثاني وأن المتهم الأول هو الذي كان قائمًا على أعمال والده المجني عليه بموجب تفويضه في ذلك، ومن ثم فإن أوراق الشركة التي قام بإدارة أعمالها بموجب تفويضه – بما فيها تلك الشيكات – كانت بيده، وقد ثبت أن التوقيع على تلك الشيكات ليست صادرة عن المجني عليه كما أن أمري التحويل ليسا مبصومين ببصمة خاتمه الأمر الذي يقطع لدى المحكمة بقيام المتهم الأول بمد المتهم الثاني بالشيكات التي حرر صلبها وحدد المستفيد فيها بالاتفاق مع المتهم الأول وكذا أمري التحويل وأن مجهولاً قد وقع عليها بتوقيع نسبه زورًا للمجني عليه وقدمت للبنك الذي اعتمدها فيه الموظف المختص ومن ثم أصبحت من أوراق البنوك وقام بصرفها، (لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون الجزائي لم يحدد طريقة إثبات معينة في دعاوى التزوير، وكان الاشتراك في الجريمة يتم غالبًا دون مظاهر خارجة أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، فللقاضي إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر أن يستخلص حصوله من جميع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام استخلاصه سليمًا لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وله وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كما أن تراخي الشاهد في الإبلاغ عن الواقعة, أو وجود خلافات بينه ومقارفها، لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله متى اطمأنت إليها،

وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها, وإذ كان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليه ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة الاشتراك في التزوير في حق الطاعنين، فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب في هذا الخصوص لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان إثبات الحكم اشتراك الطاعنين في مقارفة جريمة التزوير – على النحو المار بيانه – يفيد حتمًا توافر علمهما بتزوير محررات الدعوى, فإن نعيهما على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله، لما كان ذلك، وكانت المحكمة الاستئنافية تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي غير ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير لإجراء المضاهاة مادام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم ترَ هي من جانبها ضرورة لاتخاذ هذا الإجراء، وكان طلب الطاعنين من محكمة الاستئناف إعادة المهمة إلى الخبير لإجراء المضاهاة بين أوراق المضاهاة التي استند إليها في تقريره،

وفحص جميع ما أصدره المجني عليه من شيكات منذ سنة 1990 وإلى وفاته – في صورة الدعوى – لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصوله بل المقصود به إثارة الشبهة في الأدلة السائغة التي اطمأنت إليها المحكمة، بل يخرج ثاني الطلبين عن نطاق الدعوى ذاتها، ومن ثم فإنه يعتبر دفاعًا موضوعيًا، ولا تثريب على المحكمة الاستئنافية إن هي التفتت عنه، وعن طلب دعوة الخبير لمناقشته، وقد أُبدى أمامها لأول مرة, ولم ترَ لزومًا لإجرائه، ويكون النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع في غير محله.
ولما تقدم، فإن الطعنين يكونان على غير أساس، متعينًا رفضهما موضوعًا.