المسؤولية المدنية المعبر عنها بالضمان في الفقه الإسلامي

· أن المسؤولية المدنية التي عني بإبرازها كثير من الباحثين في القوانين الوضعية ، مستلهمين ذلك مما ورد في القوانين الغربية ، حتى كاد البعض أن يتوهم أن مكان الضمان هو بطون كتب فقهاء الإسلام حيث لا قدرة له على قهر اصطلاح المسؤولية المدنية والتعايش معه ، وما علم هؤلاء أن اصطلاح المسؤولية هو من صميم اصطلاحات الإسلام ، نطق به القرآن الكريم والسنة المطهرة ، قبل أن نستورد من الخارج وننسى به الأصول الإسلامية التي ينبثق عنها .
· أن الضمان في حقيقته بمثابة الأثر والنتيجة لثبوت المسؤولية ، وهي نتيجة غير لازمة ، إذ قد تثبت المسؤولية ولايثبت الضمان ؛ لوجود موانع تمنع من ذلك وهو ما سبرته في هذا البحث تحت عنوان دفع المسؤولية المدنية ، والذي أراه – من وجهة نظري – أن التعبير بالمسؤولية المدنية ألصق بهذا البحث من التعبير بالضمان ، ولا مشاحة في الإصطلاح .
· يطلق الضمان على عدة معانٍ ، الذي يدخل معنا منها في هذا البحث هو الاستعمال الثالث للضمان ، وهو ” شغل الذمة بحق مالي أوجب الشارع أداءه جبراً لضرر لحق بالغير “.
· أقسام الضمان كثيرة يمكن إرجاعها إلى قسمين ، هما : 1- ضمان العقـد . 2- ضمان العدوان . كما أن للمسؤولية المدنية بالمقابل قسمين ، هما : 1- المسؤولية العقدية . 2- المسؤولية التقصيرية .
· أن الضمان في الفقه الإسلامي إما أن يكون سببه مباشرة الضرر ، وبالتالي فلايشترط فيه التعمد ولا التعدي ، أو يكون سببه التسبب في الضرر ، وبالتالي فلابد لاستحقاق الضمان من التعمد أو التعدي – على ما سبق تحقيقه ، وبالمقابل فالمسؤولية المدنية إما أن تكون مسؤولية خطئية ، وهي التي تقوم على الأركان الثلاثة : الخطأ ، والضرر ، وعلاقة السببية ، وإما أن تكون مسؤولية موضوعية ، وهي التي تقوم على توافر ركن الضرر وحده .
· أن الفقهاء يعبرون عن أركان الضمان الثلاثة بلفظ : التعدي أو العدوان ، والضرر ، والإفضاء . بينما يعبر عن هذه الأركان في المسؤولية المدنية بلفظ : الخطأ ، والضرر ، وعلاقة السببية .
· أن تعبير الفقهاء بلفظ التعدي أدق وأشمل من التعبير بلفظ الخطأ الذي قد يوقع في اللبس ، ولا يدل على المراد منه إلا بتقييده بما يشمل الإدراك والعدوان . إذ الضمان من قبيل خطاب الوضع الذي لايشترط فيه تعمد الفعل أو قصد الإضرار .
· أن الصواب في لفظ القاعدة الفقهيه ، أن المباشر ضامن وإن لم يتعمد ، والمتسبب لا يضمن إلا إذا كان متعدياً .
· أن إيجاب المسؤولية عن فعل الغير الذين يسأل عنهم الإنسان إنما هو بسبب الإهمال والتقصير في الرعاية ، والقيام بالواجب الذي أناطه به الشرع أو النظام .
· أن إيجاب المسؤولية عن فعل الغير لا يتعارض مع مبدأ شخصية المسؤولية ، لأن المسؤولية عن فعل الغير إنما هو في الضمان لا في الجنايات . وهذه المسؤولية من جنس إيجاب الدية على العاقلة ، والإحسان إلى المحتاجين ، والنفقة على الأقارب المعوزين .
· وجوب ضمان أفعال الصبي والمجنون ومن في حكمهم إنما هو لتوافر أهلية الوجوب في حقهم ، حيث إن الضمان من قبيل خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه العقل والبلوغ .
· لا بد في مسؤولية المتبوع عن عمل تابعه أن يكون ذلك العمل ناتجاً بسبب تأدية التابع لأعمال الوظيفة التي أناطه بها المتبوع ، ويكون منسوباً إليها .
· أن الحيوان الذي لا تمكن السيطرة عليه – كالنحل – لا يسأل مالكه عن ضمان الضرر الذي ينشأ عنه ، لأنه لا يدخل تحت حراسته إلا إن فرط فإنه يكون مسؤلاً .
· المسؤولية عن البناء تقوم ولو كان البناء سليماً ثم اختل ، ولا يشترط إعذار حارسه – مالكاً كان أو مستأجراً – ولا الإشهاد عليه .
· المسؤولية الموضوعية هي التي تقوم على ركن الضرر وحده ، وتسمى المسؤولية المشددة والمطلقة ، كمسؤولية عديم التمييز ؛ لأن فعله لا يوصف بأنه خطأ .
· الأصل في نفي الضرر قوله r : { لَاْ ضَرَرَ وَلَاْ ضِرَاْرَ } ([1]) ، وقد استنبط العلماء منه قواعد شتى تدور على المنع من الضرر ، والخطأ الذي يؤدي إليه ، بل ومنع الإهمال إذا كان سيترتب عليه ضرر ، كما يمنع التعدي الذي يترتب عليه الضرر من باب أولى ، إضافة إلى أنه ينفي ويمنع أصل الضرر في حد ذاته .
· نفي الخطأ في المسؤولية المدنية لا يخرج عن إحدى خمس حالات ، استعمال حق الدفاع الشرعي ، وتنفيذ أمر الرئيس ، وحالة الضرورة ، واستعمال الحق ، وإذن المالك ومن في حكمه .
· المراد بالدفاع الشرعي الذي تنفى به المسؤولية ، هو الدفاع الشرعي الخاص ، الذي يصطلح عليه في الفقه بدفع الصائل .
· من خصائص الدفاع الشرعي ، أنه نوع من القضاء الخاص ، وليس انتقاماً فردياً ، كما أن له مستند يجيزه من الشريعة الإسلامية .
· الراجح هو الأخذ بالنظرية الموضوعية في تقدير حالة الدفاع الشرعي ؛ لأنها تتسم بالدقة والانضباط والتجريد والعموم .
· أن حالة الدفاع الشرعي تنشأ في مواجهة الاعتداء الذي يستهدف النفس أو المال أو العرض للمدافع أو غيره ، ولا مسؤولية على المدافع .
· أن الزيادة على القدر اللازم في الدفاع الشرعي تخول المدافَع حق الدفاع الشرعي بسبب هذه الزيادة .
· الراجح أن دفع الصائل ، سواء أكان إنساناً أم حيواناً ، ينفي مسؤولية المدافع ، ولا ضمان عليه .
· الإعفاء من المسؤولية عن الضرر المترتب على تنفيذ أمر الرئيس لا يشمل المسؤولية الجنائية ، إذ هي معصية بحتة لا تختلف فيها وجهات النظر .
· أن الإعفاء من المسؤولية في تنفيذ الأمر يشمل أمر الوالد لولده ، والسيد لعبده ، والسلطان ، وغيرهم ممن تلزم طاعته ، أو يخاف من بطشه .
· يهدف إعفاء المرؤوس من الضرر المترتب على تنفيذ أمر الرئيس إلى تأمين سير العمل ، وتحقيق المصلحة العامة ؛ لأن رفض ذلك يؤدي إلى عرقلة سير العمل ، وإيجاد الفجوة بين الرئيس والمرؤوس .
· أبرز الفروق بين حالة الضرورة والدفاع الشرعي ، أن المتضرر في حالة الضرورة – الذي يوقع عليه الضرر – لا دخل له في إنشاء حالة الضرورة ، بخلاف الدفاع الشرعي الذي يكون في مواجهة من صدر منه الخطر .
· للإنسان أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، لكن بشرط أن لا يؤدي إلى الإضرار بالآخرين .
· لا ضمان على منفذ عقوبة الحد ، وكذا التعزير إلا أن يجاوز بـه المشروع .
· الإجازة اللاحقة للتصرف تعتبر إذناً تنتفي به المسؤولية عن الضرر .
· الضرر هو الركن الوحيد الذي لا يتخلف في جميع أنواع المسؤولية ، سواء الخطئية أو الموضوعية .
· لا بد في المسؤولية المدنية من المساس بحق مشروع للمضرور ، بخلاف المسؤولية الجناية فهي تقوم ولو لم يقع مساس بحق من حقوق الأفراد ، كالشروع في القتل يسأل عنه الجاني جنائياً ، ولا يسأل عنه مدنياً .
· الضرر المادي : هو المترتب على الإخلال بحق ، أومصلحة مالية للمضرور.
· الضرر الأدبي : هو المترتب على المساس بعاطفة المضرور وشعوره النفسي.
· انتقال الحق في التعويض عن الضرر الأدبي لا يكون إلا بإحدى طريقتين ، إما الاتفاق بين المسؤول والمضرور ، أو مطالبة المضرور بحقه في ذلك .
· يعبر عن رابطة السببية في الفقه الإسلامي بالإفضاء .
· إذا اجتمع التسبب والمباشرة قدمت المباشرة إلا إذا كان التسبب هو الأقوى ، إذا لم تكن المباشرة عدواناً ، أو كانت المباشرة نتيجة لفعل المتسبب .
· تستوي المباشرة مع التسبب إذا تعادلتا في إحداث الضرر ، بأن يكون من شأن التسبب التأثير في الإتلاف لو انفرد .
· تدخل القوة القاهرة ضمن مصطلح الجوائح في الفقه الإسلامي .
· الصحيح أن الجائحة كما تكون من غير فعل الآدميين فهي كذلك تكون من فعلهم إذا لم يمكن تضمينهم لجهالتهم أو كثرتهم أو نحو ذلك .
· الراجح أنه لا فرق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ ؛ لأنه لا بد في كل منهما أن يكون حادثاً خارجاً عن إرادة من وقع منه ، ولا يمكن توقعه ، ويستحيل دفعه .
· المراد بكون القوة القاهرة خارجية ، أي أن لا يمكن إسناد الواقعة التي أحدثت الضرر إلى المدعى عليه ، مادياً أو أدبياً ، وهو معيار موضوعي .
· اشتراط عدم إمكان التوقع في القوة القاهرة ، يكون بالنسبة للشخص العادي ، وذلك وقت إبرام العقد في المسؤولية العقدية ، ووقت وقوع الضرر في المسؤولية التقصيرية .
· استحالة دفع الحادث في القوة القاهرة لا بد أن تكون مطلقة ، أي بالنسبة لأي شخص يكون في مثل ظروف المدعى عليه .
· يراد بفعل المضرور الذي تنتفي به المسؤولية ذلك الفعل الذي يشترك مع فعل المدعى عليه في إحداث الضرر .
· إذا تسبب في إحداث الضرر خطأ صادر من المدعي والمدعى عليه ، واستغرق أحد الخطأين الآخر فإن المسؤولية تتوجه لصاحب الخطأ المستغرِق ، كالخطأ المتعمد في مقابلة الخطأ بإهمال ، أو الخطأ الذي يكون نتيجة لخطأ من الطرف الآخر .
· إذا اشترك خطأن في إحداث الضرر كانت المسؤولية بينهما بنسبة خطأ كل منهما .
وكذا لو تسبب الخطأن في إلحاق الضرر بكلا الطرفين فالمسؤولية بينهما على الصحيح .
· رضى المضرور بإيقاع الضرر يخفف من مسؤولية المدعى عليه المدنية ، إلا إذا كان ذلك الضرر ناجماً عن خطأ لا تعوز إليه الضرورة .
وقد يستغرق رضا المضرور خطأ المدعى عليه إذا كان جسيماً .
· لا يعتبر رضا المضرور بإيقاع الضرر صحيحاً إلا إذا صدر ممن له أهلية ، وفي حق يجوز له التصرف فيه ، ويعلم بخطورة ما يقدم عليه .
· فعل الآخرين الذي تنفى به المسؤولية هو فعل ” كل شخص غير المدعي والمدعى عليه ، ومن يسألون عنهم “.
· تنتفي مسؤولية المدعى عليه إذا استغرق خطأ الآخرين فعل المدعى عليه ، سواء أكان خطأ الآخرين عمداً ، أم كان خطأ المدعى عليه نتيجة لخطأ الآخرين .
· إذا اشترك خطأ المدعى عليه وخطأ الآخرين في إحداث الضرر كانت المسؤولية بينهما بنسبة كل منهما .
· أن التزام الطبيب التزام ببذل العناية والجهد والوسع واليقظة التي تتطلبها الحالة المرضية ، وفق الأصول العلمية المستقرة في علم الطب ، بهدف تحسن حالة المريض وشفائه .
· أن التزام الطبيب ببذل العناية هو من حيث الأصل ، لأن هنالك حالات استثنائية يكون التزام الطبيب فيها بتحقيق نتيجة ، تتمثل في سلامة المريض ووقايته من العدوى ، وعدم تعريضه لأي أذى من جراء ما يستعمله من أدوات وأجهزة ، أو ما يستعمله من أدوية .
· القول الراجح في طبيعة مسؤولية الطبيب ، أنها قد تكون تقصيرية ، وقد تكون عقدية باعتبارين . فتكون المسؤولية عقدية إذا كانت قائمة على تعاقد بين الطبيب والمريض ، ويكون التزام الطبيب في هذه الحالة ببذل الوسع في إزالة المرض الذي يشكو منه المريض ولا يلزمه تحقيق النتيجة ، وبالتالي فهو يستحق أجره بمجرد انتهاء العناية الطبية وبذل الوسع ولو لم يتحقق الشفاء .
وتكون المسؤولية تقصيرية إذا كان النظام يفرض الطبيب على المريض ، أو تطوع الطبيب بالعلاج من تلقاء نفسه ، أو امتنع عن العلاج . وكذا في الحالات التي يلزم النظام فيها الطبيب بعلاج الحالات الطارئة .

([1]) – تقدم تخريجه في (164-165) .