ماهية وأركان وشروط جريمة النصب والاحتيال في القانون اليمني والقوانين المقارنة

بادئ ذي بدئ لابد أن نعرف جميعاً أنه على الرغم من توسع الفقه القانوني الوضعي لدى بني البشر إلا أننا نجد المحتالون من بني البشر أيضاً لم يجارون تلك التطورات المستبقة في النصوص التشريعية الوضعية ، ونجد أن المحتالون لم يعدموا أية حليةٍ إلا ولجأوا إليها للاستيلاء على أموال المجني عليهم أو المجني عليه ، فتارةً تجدهم يستغلون سذاجتهم ، وتارةً أخرى يستغلون طمعهم نحو اقتناء المزيد بما يحقق أحلامهم في زيادة ثرواتهم إلا أن الرياحَ قد لا تأتي لهم بما تشتهيه أنفسهم.

حتى أن المشرع قد تبسط في حمايتهِ القانونية لهؤلاء وأولئك بتجريمه أفعال الاحتيال والنصب ، فلم يفرق بينهما ونجدهُ أيضاً بنفس الوقت قد بسط حمايتهُ على الذين يقعون ضحيةً للنصب بطمعهم وجشعهم غير أن طمعهم هذا متى ظهر لا ينفي بالضرورة أنهم مجنياً عليهم في هذه الجريمة على الأقل من حيث أنها تشكل عدواناً على حرية إرادتهم وذلك بالحيلولة بينهم وبين التصرف في أموالهم على النحو الذي يبتغونه.

فجريمة النصب هذه وإن كانت تقع بدرجات متفاوتة من سنةٍ لأخرى ، إلا أن الملاحظ هو ازدياد وقوعها ، فقد ساعد على ذلك انتشار الأمية كسبب رئيس من أسباب وقوع البعض فيها ، وانعدام القيم الأخلاقية سواءً لدى الجناة وهم الغالبون أو المجني عليهم وهم القلة الذين قد يسهمون في أن يلحقوا بأنفسهم صفة المجني عليهم.
وجريمة النصب والاحتيال تعد كما هو معروفٌ من جرائم الاعتداء على المال بأي طريقةٍ من طرق الاحتيال ، وقد كانت جريمة النصب قديماً مختلطةً بجريمة السرقة في القانون الروماني والفرنسي القديمين .

ولمعرفة ماهية جريمة النصب والاحتيال وصفتها وكيفية تمييزها عن غيرها من القضايا المشابهة لها ولتحديد أركانها وماهية عناصر تكوينها وشروح المشرعين فيها وما إلى ذلك من الاستفهامات المطلوبة للكشف عن هذا النوع من الجرائم نقول :-
س : كيف يتم التمييز بين جريمة النصب والاحتيال عن جريمة السرقة ؟
ج : كما سبق وقلنا أن جريمة النصب في القوانين والتشريعات كانت تعدُ صورةٌ من صورِ جريمة سلب مال الغير ولكنها مع تطور الفكر التشريعي والقانوني عند بني البشر حيث أصبح لكلٍ جريمة عناصرها وأركانها وشروط صحتها …الخ.
وعند التمييز بينهما نجد أنهما مختلفتان في مجموعةٍ من العناصر التي تتمثل في الآتي :-
1/ تتوقف جريمة السرقة بوجهِ عام على مجهود الجسماني الذي يبذلهُ الجاني في سبيل الاستيلاء على الشيء المسروق لكن جريمة النصب خلاف ذلك كلياً فهي تقوم على المجهود المعنوي أساساً الذي يبذلهُ الجاني في حمل المجني عليه على تصديقهِ.
2/ تتميز جريمة النصب عن السرقة بفرق واضح جداً وهو نوعُ الوسيلة التي يستخدمها الجاني في الاستيلاء على مال الغير بينما في السرقة نجدُ الجاني ينتزعُ الشيء من حيازة صاحبهِ أو حائزة بدون رضائه لأنه في جريمة النصب يعمد بطبيعة حالها إلى خداع المجني عليه وتضليلهِ بوسائل احتيالية على نحوٍ يخلق لدى المجني عليه اعتقاداً مخالفاً للواقع يدفعهُ بطبيعة الحال إلى تسليم مالهِ للجاني برضائهِ .
لذلك فإنه حتى ولو كانت إرادة المجني عليه إرادةً معيبةً بالسبب الذي أوقع فيه الجاني المجني عليه ، إلا أن هذا التسليم الناقل للحيازةَ يحول دون توافر ركن الاختلاس في السرقة ، على الرغم من أنه صادر عن غش وتدليس .
س : ما هي الصفة التي تكون عليها جريمة النصب والاحتيال ؟
ج : لقد أورد الدكتور أحمد أبو الروس في سلسلتهُ (الموسوعة الجنائية – الكتاب الثاني- جرائم السرقات والنصب وخيانة الأمانة والشيك بدون رصيد – ص 301) حول طبيعة جريمة النصب بقولهِ :-
” من الأمور البديهية أن طبيعة جريمة النصب : اعتبارها جريمة مادية من جرائم السلوك المتعدد والحدث المتعدد لأنها تتضمن سلوكاً نفسي يتمثل في الاحتيال على الغير ، وسلوك مادي يتمثل في التوصيل إلى الاستيلاء على مال الغير إذ ينخدع بذلك الاحتيال ، لذلك فأننا نجد الجاني بسلوكهِ الأول يخاطب ملكة الفكر والخيال والإرادة لدى من يتلقى منهُ هذه المخاطبة بأن يسلم لهُ مالاً نظير مقابل مجزي – وهو ما حصل من الجاني ووقع فيه موكلنا – يتمثل في إيجاد الجاني علاقةً بينهُ وبين مال المجني عليه ” .
س : ماهية أركان جريمة النصب ؟
ج : كذلك أورد الدكتور/ أحمد أبو الروس في كتابهِ الثاني من الموسوعة الجنائية- ص322) ما نصهُ :-
” أركان جريمة النصب تتمثل في نص م(336) من قانون العقوبات المصري التي نصت على أنه يتطلب لقيام جريمة النصب توافر الأركان التالية :-
1/ وقوع فعلٌ مادي يتمثل في فعل الاحتيال.
2/ حدوث نتيجةً تتمثل في الاستيلاء على نقود أو سندات أو أي متاعٍ منقول.
3/ قيام رابطة السببية بين الفعل المادي ” الاحتيال والنتيجة وهي الاستيلاء على مال الغير .
4/ توافر القصد الجنائي.
أي أنه إذا ما توافرت هذه الأسباب مجتمعةً فإنه يثبت بها قيام جريمة النصب والاحتيال – يؤكد ذلك ما جاء في على قلم الدكتور/عبد الحميد الشواربي في كتابهِ ( جريمة النصب في ضوء القضاء والفقه- ص23 ، ص27 ، ص34 ) بما أوردهُ من أحكام محكمة النقض المصرية في جرائم النصب بما نصه :-
( لقد عرفت م(336) من قانون العقوبات المصري – جريمة النصب- بأنه يتطلب لتوافرها أن يكون ثمة احتيال واقع من المتهم على المجني عليه بقصد خدعهِ والاستيلاء على مالهِ ، فيقع المجني عليه ضحيةً لهذا الاحتيال الذي يتوافر باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو انتحال صفةٍ غير صحيحةِ أو بالتصرف في ملك الغير ممن لا يملك التصرف.
(20/6/1971م أحكام النقض- س22ق118ص481،27/1/1969مس20ق40ص183)
واستطرد في كتابه حتى قال (( أنه يجب لتوافر جريمة النصب أن تكون الطرق الاحتيالية من شأنها تسليم المال الذي أراد الجاني الحصول عليه مما يقتضي أن يكون التسليم لاحقاً لاستعمال الطرق الاحتيالية)).
(23/3/1964م أحكام النقض س15ق42ص206).
س : كيف يتم إثبات القصد الجنائي في جريمة النصب ؟
ج : إن إثبات القصد الجنائي في جريمة النصب والاحتيال لا يكون بطريقة مباشرةً بل بطريقةِ غير مباشرةً وهي جريمة عمدية ، لذا لا يلزم التحدث عن ركن القصد الجنائي بجريمة النصب على استقلال ما دام الحكم قد أورد الوقائع بما يدلُ على أن مراد المتهمين كان ظاهراً ، وهو اقتراف الجريمة بقصد سلب مال المجني عليه وحرمانهِ منهُ.
(13/1/1969م أحكام النقض س20ق14ص69).
كذلك الأمر بالنسبة لما جاء في نصوص القانون اليمني رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات في مادة وحيدةٍ هي م(310) بنصها :-
(( يعاقب بالحبس مدةً لا تزيد على ثلاث سنواتٍ أو بالغرامةِ من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدةِ ماديةِ لنفسهِ أو لغيرهِ ، وذلك بالاستعانة بطرقِ احتيالية (نصب) أو اتخذ اسم كاذب أو صفةٍ غير صحيحة )).
وهو ما نريد هنا توضيحهٌ من خلال ما سبق إيراده للوصول لأمرٍ هام ومعروفٍ بنفس الوقت ينم عن قصور واضح في التشريعات العربية وربما الوضعية جمعا من أن النصوص القانونية لم تُعرّف تعريفاً دقيقاً لجريمة النصب أو بمعنى أصح لم تحتويها بشكل اكثر تفصيلاً ، بدليل أن قانون العقوبات اليمني مثلاً لم يخصص في نصوص مواده لبالغة (325) مادة ، إلا مادةً وحيدةً ، لجريمة جنائية تتعدد فيها الوصوف القانونية والطرق الاحتيالية المتعددة والمتجددة بتجدد وتطور الفكر الإجرامي الإنساني المتماشي بطبيعة الحال مع كل هذه التطورات والتغيرات التي تسبب العقل البشري في وجودها لخدمة بني الإنسان واستغلت بنفس الوقت لمحاربة بني الإنسان وأغفلت من قبل المشرعين لما يظهر فيها من أساليب قد لا يستطيع المشرع حصرها بقدر ما يستطيع المحاولة لاحتوائها ، ومع ذلك نرى إنصافاً أن القانون أراد أن يحدد مدلولها بان حدد لها أغراضاً معينةً .لأن القاعدة العامة في كل وسائل النصب أن الجريمة لا تتوافر إلا إذا ثبت أن الجاني قد كذب ، وفي الطرق الاحتيالية القاعدة العامة أن الكذب وحدهُ لا يكفي لتكوينها وبضرورة الكذب فقامة شرك للمجني عليه لإيقاعهِ في غلط يحملهُ على تسليم المال ، أي لا بد أن يبني على الكذب لأنه لو لم يكن هناك كذب فلا محل للقول بوجود النصب ، أضف لمسألة الكتمان المتعمد ، لأن مجرد الكذب لا يكفي لتكوين الطرق الاحتيالية في معنى النصب ، كذلك مجرد الكتمان لا يكفي لتكوين جريمة النصب قياساً من باب أولى لأن الكذب فعلٌ إيجابي والكتمان فعلٌ سلبي حقيقةً أقل درجةً وأقل كفاية.

لذلك فقد أورد الدكتور / عبد الحميد المنشاوي في كتابه (جرائم النصب والاحتيال في ضوء القضاء والفقه- ص45) ما نصه :-
” من المقرر أن مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بلغ قائلها في توكيد صحتها لا تكفي وحدها لتكوين الطرق الاحتيالية بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوباً بأعمال ماديةً أو مظاهر خارجيةً تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحتهِ .
(11/12/1978م أحكام النقض س29ق191ص927).
كذلك الأمر عندما يستعين شخص بأخر أو بآخرين على تأييد أقوالهِ وادعاءاتهِ المكذوبة للاستيلاء على مال الغير يرقع كذبهُ إلى مصاف الطرق الاحتيالية الواجب تحققها في جريمة النصب ، مع ضرورة أن يكون كذب الجاني مصحوباً بأعمال ماديةٍِ خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحتهِ.

وأخيراً أرجو من المولى أن نكون قد وفقت فيما أوردناه من أراء وأقوال لبعضِ من المشرعين القانونيين واستكملناهُ بالصورة التي خرجنا بها فيما يتعلق بالنصوص القانونية لجريمة النصب والاحتيال.
مع وافر التحية ،،.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت