العنف ضد التلاميذ

يتعرض بعض الأطفال للعقاب البدني والإيذاء اللفظي، في إطار عدد من وسائل العقاب الخاطئة التي يمارسها بعض الآباء والأمهات في المنزل، أو بعض المعلمين في المدرسة، وإذا علمنا أن علم النفس يؤكد أن أكثر من 80% من شخصية الإنسان تتشكل خلال السنوات الخمس الأولى، فإن تعرض الطفل للعقاب البدني أو الإيذاء اللفظي يتسبب في أضرار نفسية كبيرة. يتحفظ رئيس قسم التربية وعلم النفس بكلية المعلمين في أبها الدكتور ظافر بن سعيد آل حماد على مصطلح (العقاب) في التربية، ويشدد على ضرورة استبداله بمصطلح (التأديب) لارتباطه الوثيق بمفاهيم التربية، ولأن العقاب يصنف ضمن الإجراءات الجنائية وليس التربوية؛ ويرى أنه لتحقيق التأثير المناسب في العملية التعليمية والتربوية بشكل عام يحتاج المعلم أو المربي إلى استخدام الترغيب والترهيب بنسب متفاوتة جدا ، بحسب الموقف التربوي، وبحسب الطلاب وموروثاتهم السيئة التي يأتون بها من بيئاتهم، فمن الطلاب من لا يحتاج كليا إلى تأديب، فهو جاهز من بيته أدبا وعلما، وخلقا، وما على المعلم مع هذا الطالب إلا الحفاظ عليه ودعمه وتشجيعه، وتنمية جوانب النمو المختلفة لديه، والنوع الثاني من الطلاب من يأتي ولديه خليط من السلبيات والإيجابيات التي تحتاج سلبياته إلى تقويم وتأديب يشمل تقطيب الجبين، وتغيير ملامح الوجه معه، والامتعاض من سلوكه السلبي، وإظهار عدم الرضا، أو منعه من بعض الحقوق لفترة وجيزة جدا، حتى يعود إلى السلوك الإيجابي، أو يخبره المعلم بأنه لم يتوقع صدور هذا السلوك منه، وأنه غير راضٍ عنه، وقد يصل الأمر إلى الدرجات، وهكذا نتدرج في التأديب مع هذا الصنف. أما النوع الثالث فيرى الدكتور الحماد أنه يأتي بموروثات سيئة كثيرة من بيئته، ويجب على المعلم أن يبدأ معه بالتدرج السابق، إضافة إلى جهد مضاعف، ويحتاج إلى أن يجلس مع الطالب طويلا بعد الحصة، لمعرفة المسببات الاجتماعية والدينية أو الاقتصادية، أو الأخلاقية والنفسية لذلك السلوك السيئ، بهدف لفت نظره إلى الاتجاه الصحيح، وإيضاح الخطأ الذي وقع فيه، كما على المعلم إظهار الاهتمام الشخصي به، وبيان الرفض لهذا السلوك، مع الحزم والعطف والرحمة في آنٍ واحد. ويشير الدكتور آل حماد إلى أنه من الضروري بمكان أن نظهر لهذا الصنف مدى تقززنا كأفراد ومجتمع من سلوكه السلبي، كما يجب أن نوصل له بيان كراهية الله والناس للسلوك السلبي بعامة، حيث يجب أن نصبغ السلوك السلبي باللون والرائحة والطعم الكريه في نفس الطالب حتى يكره هذا السلوك، وفي حال تطور الوضع، يحال الطالب إلى المرشد الطلابي. وأشار إلى أن مما يزيد المشكلة تعقيدا إقرار المجتمع بالضرب داخل الأسرة كوسيلة ناجعة ووحيدة للتأديب، بسبب قلة الوعي بآداب التربية، وإدراك الآثار السلبية المترتبة على الضرب كوسيلة وحيدة للعلاج، والذي يفترض عدم الوصول إليه إلا بعد استنفاد كل أساليب الوقاية. وقال إنه من الواجب ألا يتصدى للتربية الأسرية والتعليمية والتربوية إلا من يمتلك مواصفات تربوية مناسبة، وأشار إلى أن مستخدمي العصا من المعلمين مخالفون لمنهجنا النبوي، فالضرب ليس علاجا، لما له من آثار سلبية جسيمة على العملية التربوية، والعلاقة بين الطالب والمعلم، ويجب على وزارة التربية والتعليم توعية الطالب والمعلم نظريا وعمليا بعملية التأديب الطلابي. ثقافة مقبولة ويقول عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض الدكتور عبدالعزيز الغريب “يعتبر المجتمع شريكا في مشكلة العنف الذي يتعرض له الطالب بالمدرسة، نظرا لعدم بلورة المجتمع واستشعاره لمشكلة الطالب والتفاعل معه، رغم تعرضه للعنف بصور مختلفة من ضرب وإهانة وإيذاء جسدي، ونتيجة لتراكمه أصبح جزءا من الثقافة المقبولة في المجتمع، فتجد في الأسرة ضرب الأبناء ونهرهم بطريقة تقلل من آدميتهم والصفع أحيانا، بل تعدى الأمر إلى ضرب الزوجة، وأصبح العنف الجسدي والعاطفي طابعا اجتماعيا، وأوضح أننا اليوم بحاجة إلى تطبيق قرارات صارمة بحق من يستخدم العنف سواء في المدرسة أو المنزل، كما أن المجتمع بحاجة لتوعية شاملة بأنواع العنف. الضرب لا يحقق التربية ومن جانبه يقول مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية الدكتور عبدالرحمن المديرس “الضرب لا يحقق التربية المطلوبة، ولا يلجأ إليه سوى المعلم ضعيف الشخصية غير القادر على إدارة الصف بطرق تربوية. نحن معنيون بالدرجة الأولى بالتربية، والمعلم المؤهل تربويا، فالإيذاء البدني واللفظي يعتبر منافيا لمبادئ التربية، والحالات الموجودة في الميدان لا ترتقي لشكل الظاهرة، ولكنها تبقى حالة مقلقة حتى لو كانت فردية، وعلى الرغم من أن الحزم مطلوب في العملية التعليمية، إلا أن هناك فرقا بين الحزم والغلظة لذا يجب على المعلم أن يكون قدوة لطلابه في الرفق والرحمة والتعامل الحسن”. ويرى المشرف التربوي بإدارة التعليم بالهيئة الملكية في الجبيل عبدالرحمن الفيفي أن تركيز المربي على العقاب البدني وإغفاله في معظم الأحيان إرشاد الطالب للصواب، أو السلوك الصحيح، وتوجيهه إليه، يجعل منه – أي العقاب البدني- وسيلة ميكانيكية، مؤقتة الأثر ذات طابع سلبي غير بناء، فالعقاب البدني وسيلة سيئة تثير الألم الحسي والمعنوي، وتشعر الطالب بالظلم والقهر، فيضطر إلى خزن تلك التجربة السيئة في أعماقه، حيث تقوم هذه التجارب المشوهة بالتحكم في كثير من السلوكيات السلبية من وراء ستار مستقبلا. وفي كثير من الأحيان يعمل العقاب البدني معززا للسلوك الخاطئ، فيساعد على بقائه واستمراره، فهو يشد إليه الانتباه، ويقوي حضوره في الذهن، ولا سيما إذا كان مؤلما .