جريمة الاعتداء على الأموال العامة؟!
عبدالوهاب الطويل

المال العام هو كل ما تؤول ملكيته إلى الدولة سواء في الداخل أو في الخارج، وهو مخصص في مجموعه للمنفعة العامة، أي لكل فرد من أفراد الدولة، ومن هنا فإن الاستيلاء عليه يمثل اعتداءً على حقوق سائر أفراد المجتمع .. وعلى الدولة عموماً.

والمال العام يشمل كافة المرافق العامة والمؤسسات الخدمية والأموال والاستثمارات والثروات الطبيعية والثروة الحيوانية والأراضي ومصادر الطاقة وموارد المياه والصرف الصحي والشركات والمؤسسات العامة والبنوك والمستشفيات والمباني الحكومية بمختلف أنواعها ووسائل المواصلات.. وحتى الشوارع والحدائق والمتنزهات العامة.. وإجمالاً فإن المال العام هو كل مرفق تتولى الدولة إدارته لخدمة المجتمع.

ولا يحق لأي فرد مهما كانت وظيفته، أن تمتد يده إلى هذه المرافق تحت أي مبرر بغير سند قانوني؛ حيث يحدد القانون أسلوب استخدامها وكيفية التعامل معها والجهات المنوط بها إدارة مثل هذه المرافق والخدمات، ومن الذي له حق استغلالها، كما أن الدولة هي المسؤولة عن سن القوانين والتشريعات التي بموجبها يعاقب كل من يعتدي على المال العام سواء بالسرقة أو النهب أو وضع اليد أو ما شابه ذلك.

وهنا لابد من التأكيد على أن حماية المال العام لا تقتصر مسؤوليته على الدولة وحدها، بل هي مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع، ذلك أن هذا المال إنما جُعِل لخدمة المجتمع وتنميته وتوفير الحياة الكريمة لكل فرد من أفراده.

ولقد انتشرت جرائم الاعتداء على المال العام بشكل واسع في بعض مجتمعاتنا، وأخذت أشكالاً متعددة .. كالسرقة، والنهب، والاختلاس، وخياة الأمانة، واستغلال النفوذ، وإهمال العمل بحجة ضعف الراتب الشهري، وتعطيل مصالح الناس بهدف الحصول على الرشوة، والاعتداء على الطرق العامة، وتلويث مجاري المياه العذبة، والاستيلاء على أراضي الدولة، وسرقة التيار الكهربائي، والتلاعب في العطاءات بهدف ترسيتها على شخص أو شركة بعينها، وكذلك سرقة الأدلة والأحراز التي تدين المخالفين أو المجرمين .. وغير ذلك الكثير من الجرائم.. والمحزن أن تجد بعض المسؤولين في الدولة شركاء في مثل هذه الجرائم الأخلاقية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ضاربين عرض الحائط بالقوانين والتشريعات المنظمة لاستخدام المال العام، كل ذلك من أجل حفنة من النقود يتقاضاها المسؤول – رشوة بالطبع – مقابل منح المخالف سنداً قانونياً يعطيه الحق في السطو على أموال الدولة التي هي في الواقع أموال الشعب.

إن مسؤولية حماية المال العام من اللصوص والمرتشين وأمثالهم مسؤولية ولي الأمر في المقام الأول، حيث يجب عليه تغليظ العقوبة والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه مد يده الآثمة إلى أموال الدولة ومرافقها، وتطهير المجتمع من أولئك الفاسدين، أياً كانت مواقعهم – هؤلاء الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح الأمة.

إن إهدار المال العام والاعتداء عليه هو من أبرز صور الفساد الذي استشرى في كثير من المجتمعات الإسلامية، والتي تتناولها وسائل الإعلام يومياً، ويرجع ذلك إلى ضعف الوازع الديني من جهة, ومن جهة أخرى بسبب ضعف القوانين التي تقضي بمعاقبة الفاسدين أو تعطيلها في أحيان كثيرة.

لقد وضع لنا الإسلام منهجاً دقيقاً لاستخدام المال العام، حيث أكد على أنه لا ينفق إلا على المصلحة العامة وسد الاحتياجات الأساسية للمجتمع، ولا يجوز أن يسيطر عليه فرد أو مجموعة من الأفراد دون التفويض من صاحب المال الأصلي وهو المجتمع, إذ إنه مخصص لإقامة مشروعات التنمية التي تخدم الوطن وترتقي به, ويجب على كل فرد أن يحرص على هذا المال, لأن الاستيلاء عليه بغير حق أو التفريط فيه يعد جريمة كبرى وخيانة عظمى يأباها الشرع ويعاقب عليها القانون.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت