توضيح موقف قانون العقوبات العراقي من الجرائم التى تشكل انتهاكا ضد المرأة

إعداد

الدكتورة بشرى العبيدي

مدرس في القسم الجنائي – كلية القانون – جامعة بغداد

العنف ضد المرأة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969

إن العنف ضد النساء يعد مصدرا لمعاناة الآلاف من النساء, اللواتي تتم أهانتهن بقوانين تمييزية وممارسات تعسفية مؤسسة على استضعافهن كجنس كأن يتم ضربهن أو اغتصابهن التحرش الجنسي بهن هتك عرضهن, سواء في إطار العائلة أم الشارع أم في أماكن العمل, أو توجيه السب والشتم أو الاهانة لهن أو الاختطاف أو زنا المحارم أو الخيانة الزوجية أو الإيذاء أو …. الخ وكل هذه المظاهر تشكل عنفا, فكيف للعنف وللقهر وللاضطهاد أن يتخذ مرجعيته ومصداقيته وتزكيته من القوانين؟ فالقوانين وجدت أصلا لحماية حقوق أفراد المجتمع والنساء مواطنان في المجتمع , ولكن مما يؤسف له أن القانون بدلا من أن يكون منصفا للحقوق وحامي لها , نجده منتهك لهذه الحقوق.وهذا بحد ذاته يبتعد بالدول التي تنتهج الديمقراطية عن أن تكون دولة القانون التي يكون فيها الأفراد جميعا دون تمييز ,متساوون أمام وفي القانون حتى يشعروا بمواطنتهم وانتمائهم .

فدولة القانون /هي الدولة التي تتوافر فيها أركان وعناصر مؤسسة القانون.

ونتيجة لظهور دولة القانون العصرية عرف الإنسان ما سميب (حكم القانون) أو (سيادة القانون) أو (مبدأ الشرعية).

ولحكم القانون ثلاثة مفاهيم:

1- السيادة المطلقة للقانون الذي تطبقه المحاكم.

2- المساواة أمام القانون وهذا يعني خضوع جميع الطبقات لقانون البلاد، الذي تطبقه المحاكم, وينبني عليه انه لا يوجد إنسان فوق القانون ويطبق على عامة الناس كما يطبق على الموظفين ، فالخضوع للقانون واجب على الجميع ، فالحرية تستلزم نظاما قانونيا يحمي الحريات الأساسية .

3- أن الدستور ليس هو مصدر حقوق الأفراد ( الإنسان ) بل هو نتيجة هذه الحقوق. وهذا يؤدي إلى :-

( أ )- غياب السلطة التعسفية.

(ب)- مراقبة البرلمان الفعالة للتشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض منه (أذا هذا مسموح به دستوريا).

(ج)- أن كل شخص مسؤول أمام القانون سواء كان موظفا أو مواطنا عاديا.

(د)- يجب الفصل في الحقوق الخاصة من قبل محاكم محايدة ومستقلة.

(ھ)- يحصي القانون الحريات الفردية الأساسية.

وعلى الرغم من أننا نسعى لأن نكون دولة قانون , إلا أن هناك تفاوتا في الحماية وتغييب لحقوق المرأة في التشريع العراقي , إذ أن هناك الكثير من النصوص القانونية التي تهدر حقوق المرأة كما أن هناك تغاضي عن منح المرأة العديد من حقوقها وتأمين حماية قانونية لها. ونركز في هذا المجال على قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الذي من المفترض أن يكون مشرّع لحماية الحقوق والحريات الفردية والعامة ولكنه في عدد من نصوصه كان منتهكا لهذه الحقوق والحريات بشكل خاص الحقوق الإنسانية للمرأة نوضحها بحسب الآتي:-

المطلب الأول / النصوص التي تعدّ سباباً من أسباب الإباحة

المادة- (41) من القانون:-

لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق:-

1-تأديب الزوج لزوجته …..في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً.

هذه المادة تنتهك حق المرأة في السلامة الجسدية وتهدر كرامتها وآدميتها فهي تسمح للزوج أن يضرب زوجته (لتأديبها) وقد يصل حدود هذا التأديب إلى درجة شديدة من الإيذاء الجسدي والنفسي إذا ما كان العرف السائد في منطقة أو عائلة أو عشيرة الزوج أو الزوجة يسمح بذلك كالضرب بالعصا أو الحزام أو الربط إلى عمود أو شجرة أو الحبس في غرفة مظلمة أو الحرمان من الطعام والى غير ذلك من أساليب ووسائل ما

يسمى بالتأديب بحسب العرف الذي سيمنع محاكمة الزوج لإباحة القانون له فعل ذلك (بغرض تأديب زوجته).

فضلا عن مقدمة المادة توحي بشكل صريح أن ما سيقوم به الزوج من فعل التأديب سيشكل جريمة عندما ابتدأت المادة بعبارة (لا جريمة).

القانون مقدماً افترض أن الزوجة وحدها من يستحق التأديب وكأنها هي دائماً المخطئة والعاصية و…… أما الزوج فلا, ولو أن الزوجة قامت بتأديب زوجها فأنها سوف تعرض أمام المحكمة ويحكم عليها بجريمة الإيذاء بموجب المواد(410-416) لان القانون لم يعطها هي أيضا أسوة بالرجل حق تأديب زوجها مهما بلغت به سوء طباعه وسلوكه الذي يستحق أن يتم تأديبه عنها.

وهذه المخاطبة التمييزية في القانون تتعارض وأحكام المادة (14) من الدستور العراقي التي تقرر (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس ……), كما أنها تتعارض وأحكام المادة (29) من الدستور العراقي التي تقرر في فقرتها الرابعة (تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع), ولاسيما أن هناك عملية إعداد لمشروع قانون منع العنف المنزلي فهل سيكون من المنطق قانونا أن يتم استثناء عملية تأديب الزوج لزوجته من أحكام هذا القانون؟

كما أن هذه المادة تشكل انتهاكا للمــــادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على ” لا يجوز إخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو الحاطّة بالكرامة ” والمادة (2 – ج) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة . وكلا من العهد والاتفاقية قد صادق عليهما العراق بالقانونين (193)لسنة 1970 و (66) لسنة 1986 على التوالي. كما أنها تخالف اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1983 والتي قرر العراق المصادقة عليها.

وهذه الانتقادات تسري على عملية تأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر المنصوص عليها في ذات المادة ونضيف لسلسلة مخالفاتها التشريعية الوطنية الدولية, مخالفتها لاتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق بالقانون رقم (3) لسنة 1994.

المطلب الثاني / النصوص المتعلقة بالجرائم الماسّة بالأسرة

(أولا)- المادة (377) من القانون :

” تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها …. ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنى في منزل الزوجية “

أي أن الزوج إذا ما زنا في مكان آخر غير منزل الزوجية فلا يعد جانياً أو مرتكباً لجريمة وان عمله مشروع , في حين أن الزوجة أينما زنت فإنها تعد جانية ومرتكبة لجريمة الزنا, وهذا يعد انتهاكاً لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل أمام القانون المقررة في المادة (14) من الدستور العراقي والمادة (2) من الدستور التي تقرر في الفقرة (أولا / أ) أن (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام) ومن الثوابت الواضحة الصريحة ما ورد في القران الكريم في عقوبة جريمة الزنا ( الزانية وازاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) أي أن سبحانه وتعالى لم يميز في عقوبة جريمة الزنا بين المرأة والرجل,فضلا عن أن المادة أعلاه تشكل انتهاكا للمادة (26) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على ” الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته . وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وان يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب.

فكما للرجل كرامة وشرف كذلك للمرأة . لذا يفترض تعديل هذه المادة بمعاقبة الرجل بالعقوبة ذاتها دون تحديد للمكان الذي وقعت فيه الجريمة.

(ثانيا) – المادة (380) من القانون :-

” كل زوج حرض زوجته على الزنا فزنت بناءً على هذا التحريض يعاقب بالحبس”.

في هذه المادة لن يعاقب الزوج على تحريض زوجته على الزنا إلا إذا وقع فعل الزنا الذي حرض زوجته عليه. وهذا أمر خطير فمجرد تحريضه لها على الزنا يعد جريمة خطيرة بحد ذاتها فإذا ما أرادت أن تشتكي على الزوج لأنه يحرضها على الزنا ويضيق عليها الخناق لتفعل ذلك وهي ترفض تنفيذ تحريضه , فلن يسمع منها الشكوى لأنها يجب أن تزني أولا ثم تشتكي , هذا الأمر مرفوض منطقا وقانون إذ أن القانون احد أهم واجباته منع وقوع الجريمة وإذا ما وقعت فأنه يعاقب عليها, وليس من مهامه التهيئة لوقوع الجريمة.

كما أن هذا الأمر يشكل انتهاكا للمادة (6) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة , بما في ذلك التشريعي منها لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة”

فضلا عن أن العقوبة المقررة في هذه المادة قليلة الشأن والتأثير ولا تتناسب وجسامة الجريمة وإبعادها , فمعنى الحبس المطلق دون تحديد للمدة انه من 24 ساعة إلى خمس سنوات مما يعني أن الحكم قد يصدر بحقه بمدة بسيطة وقد تصدر مع وقف التنفيذ إذا كان الحكم بالحبس مدة لا تتجاوز السنة حسب نص المادة (144) من القانون . في حين أن جريمة كهذه تستحق اشد العقوبات كونها جريمة تمس الكرامة والأخلاق والشرف وتحط من قيمة المرأة وقدسية العلاقة بينها وبين الزوج وتحبط القيم العائلية بما ينعكس حتى على الأولاد وعلى التكوين النفسي والأخلاقي لهم. فضلا عن هذه المادة قد قصرت صفة المجني عليها بالزوجة في حين هناك قضايا كثيرة كانت المجني عليها بنت أو حفيدة الجاني لذا فأنها أيضا تستحق أن تشمل بالحماية.لان هذه الجريمة هي جريمة سمسرة بالمرأة وذات أبعاد خطيرة.

لذا نوصي بتشديد العقوبة بحيث تكون الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات والغرامة, كما نوصي بتطبيق هذه العقوبة على مجرد التحريض دون انتظار وقوع الفعل المحرض عليه وهو الزنا كي يستحق الجاني العقوبة,وذلك لخطورة الفعل وأبعاده الاجتماعية والعائلية والشخصية والأخلاقية. فتكون صياغة المادة بالشكل الآتي (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبالغرامة كل زوج حرض زوجته على الزنا . وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات والغرامة إذا كانت المجني عليها من فروع الجاني. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات والغرامة إذا زنت الزوجة بناء على هذا التحريض. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات والغرامة إذا كانت المجني عليها من فروع الجاني).

المطلب الثالث /النصوص المنظمة لأحكام الجرائم المتعلقة بالبنوة ورعاية القاصر وتعريض الصغار والعجزة للخطر وهجر العائلة

المادة (384) من القانون :-

” من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بأداء نفقة لزوجه أو احد من أصوله أو فروعه أو لأي شخص آخر أو بأدائه أجرة حضانة أو رضاعة أو سكن وامتنع عن الأداء مع قدرته على ذلك خلال الشهر التالي لإخباره بالتنفيذ , يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين “.

ضآلة العقوبة لا تتناسب وفداحة النتائج المترتبة على الفعل لاسيما عندما تصدر مع وقف التنفيذ. فضلاً عن انه – وكحماية لحقوق مستحقي النفقة أو أجرة الحضانة أو الرضاعة أو السكن – كان يجب أن تتضمن هذه المادة الحكم بأداء النفقة أو الأجرة مع التعويض عن كل ما لحق مستحقي النفقة أو الأجرة من أضرار نتيجة عدم أداء من عليه واجب الأداء لهذه النفقة أو الأجرة في وقتها المحدد لها , كذلك إنذاره بأنه إذا ما كرر الفعل مستقبلا فانه سيتعرض فضلا عن ذلك لعقوبة الحبس الشديد الذي يجب أن لا تقل مدته عن سنة.

المطلب الرابع / النصوص المتعلقة بجرائم القتل العمد

المادة ( 409) من القانون :-

” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل احدهما أو اعتدى عليهما أو على احدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة “

هذه المادة تمنح الزوج أو المحرم الجاني عذراً مخففاً للعقوبة وممكن حتى أن لا يعاقب بموجبه وذلك في حالة إذا ما قتل زوجته أو إحدى محارمه وحكم عليه بسنة مع وقف التنفيذ.

هذا العذر ممنوح للرجل فقط دون المرأة , فإذا ما كانت الصورة عكسية وكانت المرأة هي من فاجأت زوجها أو احد محارمها في حالة التلبس بالزنا فأقدمت على قتله أو إيذائه فإنها تعاقب عقوبة كاملة بحسب ما نجم عن فعلها الذي ارتكبته من نتائج , وكأن الرجل هو فقط من تستفز كرامته ويثور لشرفه , أما المرأة فإنها لا تتأثر ! وهذا انتهاك خطير وتمييز ولا مساواة أمام القانون والعدالة كما انه إلغاء لكرامتها وآدميتها وأحاسيسها, وهذا بالتالي يتناقض وأحكام المادة (14) و (29- رابعا) من الدستور والمادة (26) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

كان يفترض بالمشرع أن يشمل المرأة أيضا بهذا العذر المخفف أو أصلا إلغاء هذه المادة لأنه لا يجوز أن يكون الشخص هو القاضي والمنفذ للعقوبة فهذه مهمة القضاء. فالسماح للأفراد بإصدار الحكم بالإعدام أو الإيذاء ضد بعضهم البعض لأي سبب كان يعني العودة إلى عهد القوة والى شريعة الغاب , فضلا عن أن هناك إحصائيات مفزعة عن عدد النساء اللاتي قتلن تحت ستار هذا العذر ولم يكن هناك مبرر وإنهن كن بريئات من التهمة .

وإذ أن الاتجاه العالمي اليوم نحو إلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات لما قد ينجم عنها من أخطاء في الحكم بها ضد أبرياء . فالأجدر إذن أن تلغى أيضا هذه المادة التي تسمح للغير بالحكم بالإعدام وتنفيذه ضد بعضهم البعض .

فضلا عن أن هذه المادة تشكل تناقضا مع توجه المشرع في المـــــادة (407) التي تنص على منح الأم التي تقتل وليدها الذي حمــــلت به سفاحاً لاتقاء العار, عذراً مخففاً قد يعفيها من العقاب.فكيف يسمح أصلا بقتلها إذا ما زنت واكتشف زوجها أو محرمها ذلك وفي نفس الوقت إذا ما ارتكبت الزنا في الخفاء وحملت وقتلت وليدها فإنها معذورة وتستحق تخفيف العقاب عنها, وهذا تناقض تشريعي.

إن في كل ذلك تناقض كبير مع مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تنص على حقوق الإنسان, والدستور العراقي.

المطلب الخامس / النصوص المتعلقة بالجرائم الماسة بالاخلاق وحريات الانسان وحرمته

نشير هنا إلى مسألة غاية في الأهمية يجب أن نقف عندها ونؤكد على الانتباه لها إلا وهي المادتين (398) و (427) .

(اولا)- تقرر المادة (398) :-

إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (فصل الاغتصاب واللواط وهتك العرض) وبين المجني عليها أوقف تحريك الدعوى والتحقيق فيها والإجراءات الأخرى وإذا كان قد صدر حكم في الدعوى أوقف تنفيذ الحكم. وتستأنف إجراءات الدعوى أو التنفيذ حسب الأحوال إذا انتهى الزواج بطلاق صادر من الزوج بغير سبب مشروع أو بطلاق حكمت به المحكمة لأسباب متعلقة بخطأ الزوج أو سوء تصرفه وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على وقف الإجراءات. ويكون للادعاء العام وللمتهم وللمجني عليها ولكل ذي مصلحة وقف تحريك الدعوى والتحقيق والإجراءات وتنفيذ الحكم أو طلب استئناف سيرها أو تنفيذ الحكم – حسب الأحوال- ,

(مع ملاحظة أن هذه المادة قد عدلت بالقانون رقم 91 لسنة 1987 لتجعل من هذا الزواج عذرا مخففا لغرض تطبيق أحكام المادتين 130 و 131 من قانون العقوبات… إلا انه بصدور أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 7 لسنة 2003 في القسم الثاني البند 1 منه قرر تطبيق الطبعة الثالثة لسنة 1985 من قانون العقوبات وهو ما يعني تعطيل أو وقف العمل بما لحق القانون بعد الطبعة الثالثة للسنة 1985 من تعديلات , وعليه فان التعديل رقم 91 لسنة 1987 الصادر من مجلس قيادة الثورة الذي عد زواج الجاني من المجني عليها عذرا مخففا وليس معفيا من العقاب قد تم إلغائه بموجب أمر سلطة الائتلاف رقم 7 لسنة 2003 وعاد هذا الزواج عذرا معفيا من العقاب).

هذه المادة تشكل اخطر أنواع الانتهاكات لحقوق المرأة , إنها اهانة فظيعة لكرامتها وآدميتها وحقوقها الإنسانية وهي في ذات الوقت تكريس بشع لأعراف وتقاليد بالية دائما تقع ضحيتها المرأة ولا علاقة لها بأحكام الإسلام ولا بأي دين آخر ولا بالقيم النبيلة , فإضافة إلى أنها ضحية لشخص شاذ وفاسد بلا قيم ولا غيرة على شرفه وعرضه , فهي عليها (إجبارا) أن تكون زوجة له حتى تتم مكافئته على جرمه وإعفائه من العقاب (( إذ يكفي انه تفضل وتكرم وتزوج منها ليستر على شرف العائلة الذي هو دنسه)) , وأقول إجبارا لان عائلتها سوف تجبرها لأن تكون زوجة له لا بل أن هذه العائلة ستتوسل إلى الجاني أن يتزوج من ضحيته حتى ينقذ شرفهم وسمعتهم , ويدفع له مقابل ذلك , حريته وإفلاته من العقاب الذي سيناله بموجب هذا العذر المعفي. أما هذه الضحية , ما شعورها , ما موقفها , كيف ستتقبل الأمر ,هذا كله غير مهم ولا يتم الالتفات إليه , المهم أن تسلم العائلة على سمعتها ومظهرها الاجتماعي الذي في المحصلة النهائية وفي كل الأحوال ,قد داس عليه الجاني بقدمه , ومع ذلك فأن الجميع, حتى المشرع, يسعون لإرضائه وتقديم المغريات له حتى يرضى بالزواج من ضحيته , لا بل انه يتم إشعارها بأنه سيعيش معها ثلاث سنوات والله يعلم كيف سيعاملها خلالسنوات الحبس الثلاث هذه فقط حتى يتمتع هو الجاني بهذا الإعفاء . فإذا ما رفضت الضحية الزواج منه فأن عائلتها سوف تقتلها.هذا من ناحية من ناحية أخرى , ماذا لو أنجبوا أطفالا خلال هذه المدة كيف سيكون شعور الوالدين تجاههم وهم ثمرة إجبار على الزواج الناجم عن جريمة اغتصاب؟

إن المجتمع الدولي عد جرائم الاغتصاب وانتهاك العرض, جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب يستحق مرتكبها أقسى العقوبات , ونحن نكافئ مرتكبها ونهوّن عليه من اجل التقاليد.

وكنا نتأمل أن تشمل هذه المادة بالتشديد بالعقاب الذي أصدرته سلطة الائتلاف بالأمر رقم (31) لسنة 2003 حول تعديل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية الذي قرر في القسم الثالث منه فرض عقوبة السجن مدى الحياة لمرتكب جريمة المادة (393 ) وفرض عقوبة السجن 15 سنة لمرتكب جريمة المادة(396) إلا أن هذا الأمر لم يلتفت إلى بشاعة وخطورة هذا الانتهاك والامتهان لحقوق المرأة وكرامتها وآدميتها . ولكننا الآن ننبه له والى خطورته وعدم عدالة هذه المادة وعدم إنصافها ليس فقط للمرأة وإنما للمجتمع بكامله وعلى المشرع العراقي لن يلتفت لخطورة هذه المادة وان لا يسمح بهذا الالتفاف المهين على القانون للتخلص من العقاب وان يبادر إلى إلغاء هذا العذر من القانون حتى لا يتم استغلاله بما يسيء للإنسان وللمجتمع.

(ثانيا)-المادة (427) فتقرر انه:

إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل(فصل الاحتجاز وخطف الأشخاص) وبين المجني عليها , أوقف تحريك الدعوى والتحقيق فيها والإجراءات الأخرى وإذا كان قد صدر حكم في الدعوى أوقف تنفيذ الحكم.

وتستأنف إجراءات الدعوى أو التنفيذ – بحسب الأحوال – إذا انتهى الزواج بطلاق صادر من الزوج بغير سبب مشروع أو بطلاق حكمت به المحكمة لأسباب متعلقة بخطأ الزوج أو سوء تصرفه وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على وقف الإجراءات).

وفي سنة 2003 صدر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (31) بشأن تعديل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية , وقرر في القسم (2) الفقرة (3) منه أن ((يعلق بموجب هذا الأمر تنفيذ أحكام المادة (427) من قانون العقوبات التي تنص على توقيف الإجراءات القضائية ضد المتهم بارتكاب الجريمة إذا تزوج من ضحيته)).

في الحقيقة ما اوضحناه من تعرض حقوق المرأة للانتهاك بموجب المادة (398) ينطبق على المادة (427) لان المهانة واحدة والتأثير هو ذات التأثير والظلم واللا أنصاف هو ذاته في المادتين. ولكن الأمر الجيد هنا أن سلطة الائتلاف المؤقتة كانت قد التفتت لهذا الأمر هنا فقط في هذه المادةوعلّقت العمل بها أي إنها لم تلغها بل فقط علقت العمل بها وهذا بحد ذاته يعني الانتباه إلى خطورة نتائج هذه المادة على الإنسانية والمجتمع. إلا أن هذا الأمر سيمكّن الجاني في جريمة الخطف من الإفلات من العقاب وذلك بأن يقوم باغتصاب من اختطفها ثم يعرض الزواج منها حتى يتمتع بالعذر المعفي من العقاب الذي جاءت به المادة (398 ) ولم يشملها قرار سلطة الائتلاف بتعليق العذر المعفي ومعاقبة الجاني بما يستحقه من عقاب.

وفضلا عما اوضحناه من تأثيرات هذه المواد السلبية القريبة والبعيدة المدى , نود أن ننبه إلى الخطورة الشكلية للمادة (427) التي ستولد خطورة موضوعية اشد تأثيرا وهي أن تعديل هذه المادة بُني على أمر صادر من سلطة الائتلاف المؤقتة , لا بل انه في ما يتعلق بهذه المادة فأن تنفيذ أحكامها معلق وليست ملغاة, أن وجه الخطورة يتجسد بالاتي:-

إن المادة (130) من الدستور العراقي تقرر ((تبقى التشريعات النافذة معمولا بها, ما لم تلغ أو تعدل وفقا لأحكام هذا الدستور)).

هنا مكمن الخطورة , أي أن هذه المادة ممكن جدا أن ترجع إلى ما كانت عليه قبل صدور قوانين وقرارات التعديل وتعود إلى العذر المعفي من العقاب للجناة المغتصبين والخاطفين إذا ما قرر مجلس النواب بموجب المادة (130) من الدستور إلغاء كل ما هو صادر عن مجلس قيادة الثورة أو سلطة الائتلاف المؤقت.

مع ملاحظة انه كان هناك قرار لمجلس قيادة الثورة المنحل بالرقم (6) لسنة 2001 يقرر انه (أولا: يعتبر عذرا مخففا لأغراض تطبيق حكم المادة (130) من قانون العقوبات العراقي الرقم (111) لسنة 1969 قيام من قتل زوجته أو إحدى محارمه بباعث شريف أو قيام احد أقارب القتيلة بقتل من يثير أيا منهما بسلوكها الشائن الذي قتلت بسببه.

ثانيا: يعاقب بالإعدام من قتل عمدا بدافع الأخذ بالثأر القاتل المنصوص عليه في البند ( أولا) من هذا القرار ولا تسري عليه الأعذار القانونية أو الظروف القضائية المخففة ولا يشمل بأي عفو عام أو خاص.

ثالثا: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (7) سنوات أو بالحبس مدة لا تقل عن (3) سنوات من فصل أو حاول الفصل عشائريا في الجريمة المنصوص عليها في البندين (أولا) و(ثانيا) من هذا القرار)

هذا القرار لم يعد له تطبيق الآن بسبب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (7) لسنة 2003 , ولكن الخشية أن يصدر قرار من مجلس النواب تطبيقا للمادة (130) من الدستور يلغي أوامر سلطة الائتلاف فيعود قانون العقوبات إلى ما كان عليه بتعديلاته ومن ضمنها هذه القرارات التعديلية التي تشكل انتهاكا لحقوق المرأة . كذلك ولكي لا يتم استغلال المادة (128 – 1) من قانون العقوبات – والتي تنص على (الأعذار أما أن تكون معفية من العقوبة أو مخففة لها ولا عذر إلا في الأحوال التي يعينها القانون, وفيما عدا هذه الأحوال يعتبر عذرا مخففا ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة أو بناء على استفزاز خطير من المجني عليه بغير حق) – نقول حتى لا يتم استغلال هذه المادة لنفس أحكام وموضوع القرار أعلاه وإعادة العمل به استنادا لهذا المادة نقترح أن يتم إضافة عبارة لهذه المادة تقرر أن (لا يعد باعثا شريفا القتل أو الجرح والضرب والإيذاء غسلا للعار) لاسيما وان هذه المادة بشكلها الذي هي عليه يتناقض وأحكام المادة (45 – 2) من الدستور العراقي والتي تنص على (( تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية النبيلة بما يساهم في تطوير المجتمع , وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان)), وإذ أن عملية القتل أو الإيذاء تحت غطاء غسل العار هي نتاج أعراف عشائرية وتقاليد قبلية تتنافى وحقوق الإنسان لاسيما استنادا لما منصوص عليه في المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل العراق كاتفاقية مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لذلك نحن هنا نسترعي انتباه المشرع العراقي إلى أن يكون هناك عمل سريع لتعديل النصوص الجزائية والانتباه إلى ما اشرنا إليه من نصوص خطرة على حقوق المرأة والأسرة والمجتمع , والاحتكام إلى لغة القانون دون الالتفات إلى الأعراف والتقاليد البالية التي فيها الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان وليس فيها من الإسلام أو القيم أو المبادئ أو العدالة أو الإنصاف شيء.

أما في إقليم كردستان فقد اصدر المجلس الوطني الكردستاني القرار رقم 14 الصادر في 14/8/2002 تعد جريمة القتل بدافع غسل العار جريمة عادية لا يستحق مرتكبها أن يمنح أي عذر قانوني مخفف للعقاب.