الاتجاهات القانونية حول إضراب الموظفين العامين

المؤلف : محمد سليم محمد امين – نوزاد احمد ياسين
الكتاب أو المصدر : مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة كركوك ، العدد17 المجلد 5
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تباينت اتجاهات الدول حول اضراب الموظفين العامين بين تلك التي عدته جريمة يعاقب عليها القانون ، بينما اعترفت دول اخرى للموظفين بالحق في الاضراب مع تنظيمه وتحديد ضوابطه (1) وسنشير الى هذين الاتجاهين بصورة وجيزة من اجل ايضاح مواقف بعض الدول المقارنة بهذا الخصوص :
1-الاضراب امر غير مشروع : وبموجبه فان ممارسة الاضراب تعد عملا غير مشروع بالنسبة لموظفي المرافق العامة ، وبصورة خاصة في المرافق الاستراتيجية والحيوية في الدولة ، حيث تترتب عليها المسئوليتين التأديبية والجنائية ، ذلك انه يتعارض مع مبدا سير المرفق العام بانتظام واطراد ، لانه يسبب توقف نشاط المرفق العام وبالتالي المساس بالحاجات العامة للجماهير. ومن تلك الدول لبنان ، حيث نصت )م/ 340-341) من قانون الموظفين الصادر بالمرسوم الاشتراكي رقم 149 لسنة 1983 على جزاء تأديبي صارم يوقع على الموظف المضرب عن العمل ، ومن تلك الدول كذلك الاردن ، حيث اشار نظام الخدمة المدنية الحالي رقم 30 لسنة 2007 صراحة الى عدم جواز الاضراب في المادة 68 الفقرة )ب( منه . كما ان اغلب الدول الاشتراكية لم تعرف سابقا فكرة الاضراب لارتباطه بالمجتمع الطبقي غير المعروف في تلك الدول منها روسيا مثلا ، التي حرمت الاضراب والى عهد قريب بموجب دستورها لسنة 1977 لكن الدستور الروسي الصادر عام 1993 عد الاضراب كأحد الحقوق المعترف به للعمال في المادة 31 منه بقوله : “يحق لمواطني الاتحاد الروسي التجمع السلمي دون اسلحة، وعقد التجمعات والاجتماعات الجماهيرية، والمظاهرات والمسيرات والاضرابات ” .

2- الاضراب امر مشروع : وبموجبه يعد الاضراب أمرا مشروعا وللموظف حرية ممارسته في حدود القانون ، ومن تلك الدول فرنسا حيث اعتبر الاضراب حقا مشروعا للعمال والموظفين ، اذ رسم قانون 31 يوليو 1963 اصول ممارسته في كل الادارات العامة ،ومن الدول العربية البحرين حيث نظم الاضراب للعمال والموظفين الخاضعين لقانون العمل او انظمة الخدمة بالمرسوم بقانون رقم 33 لسنة 2007 في المادة 21 منه وكذلك الجزائر بموجب قانون المجلس الشعبي الوطني رقم 90/2 الصادر في 6 فبراير 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الاضراب ، وترسخ هذا الحق اكثر بصدور الامر رقم 6/3في 15/6/2006 والمتضمن القانون الاساسي للوظيفة العمومية ، حيث منحت المادتان 36 و 37 منه الموظف ممارسة الحق النقابي وممارسة الاضراب في اطار القوانين المعمول بها.

لذا يمكننا القول ، ان الاضراب لم يعد امرا مجرما في جميع القوانين كما كان سابقا، بل انه يجب التفرقة بين الاضراب المشروع وبين الاضراب غير المشروع ، بحيث يعد الاول حقا مشروعا حتى في الدول التي كانت تجرمه سابقا ، ويكون الثاني أمرا غير مشروع حتى في الدول التي تجعل من الاضراب حقا دستوريا اذا ما مورس خلافا للقانون.

اما بالنسبة للعراق ، فانه لا يوجد نص قانوني يقضي صراحة بتجريم اضراب الموظف العام بصورة مطلقة ، لكن هنالك ما يشير ضمنا الى تجريم الحالات غير المشروعة للامتناع عن العمل او تركه المؤقت له ) التي تتوافر فيها عناصر الاضراب وتؤدي الى تعطيل عمل المرفق العام ( كما اوردها المشرع في المادة 314 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، وخاصة اذا صدر الفعل من ثلاثة اشخاص او اكثر وكانوا متفقين على ذلك .

الا ان تطور الحياة الديمقراطية في العراق ، واشارة الدستور الى اهم حقوق المواطن ومنه الحق في الاضراب ، فضلا عن تزايد الاضرابات المهنية للموظفين في ظل الاوضاع السياسية الحالية ، وسكوت الادارة عن تلك التصرفات ، كل ذلك جعل من الاضراب السلمي عملا مشروعا بشروط محددة ، وبات امرا ضروريا للموظف العام من اجل المطالبة بأهم حقوقه الوظيفية وخاصة المالية منها ، والتي بدأت تتراجع الى الوراء شيئا فشيئا ، بل يكاد يحرم منها بالكلية في ظل الظرف الاقتصادي الراهن الذي يمر به العراق .
______________
1- د. ماجد راغب الحلو ، القانون الاداري ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1996 ، ص 427.