التنفيذ العيني:

إن التنفيذ العيني هو التزام ينشأ مباشرة عن عقد البيع وهو أن يمتنع البائع عن التعرض للمشتري سواء كان تعرضا ماديا أو قانونيا وأن يدفع كل تعرض قانوني صادر من الغير، فمتى قام ضمان البائع للتعرض الصادر من الغير فإن البائع قد تحقق التزامه، يجب عليه أن ينفذ التزامه تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير الذي تعرض للمشتري مدعيا بحق على المبيع يكف عن تعرضه وينزل عن إدعائه بهذا الحق، فإذا عجز البائع عن التنفيذ العيني بأن فاز الغير بإثبات ما يدعيه وقضي له بالحق المدعى به، فقد وجب على البائع أن ينفذ التزامه بالضمان عن طريق التعويض فيعوض المشتري عما أصابه من الضرر لاستحقاق المبيع في يده طبقا للقواعد التي قررها القانون وهذا هو ضمان الاستحقاق.

أما التزام البائع بالضمان الجزائي ” التعويض” فإنه ينشأ عن الإخلال بالتزام أصلي وهو عدم منع التعرض وعن هذا يترتب تفويت الانتفاع بالمبيع على المشتري بعض الوقت أو باستحقاق المبيع كله أو بعضه للغير، فالتزام البائع بدفع تعرض الغير التزام بغاية وحتى إذا فشل في رد هذا التعرض، اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض و استوجب الجزاء.

و يراعى بالنسبة للتنفيذ العيني لالتزام البائع بضمان تعرض الغير أن المشروع أورد نصين هما نص المادة 372 373 ق.م.ج اللتين تقابلهما المادتان 440، 441 ق.م مصري، ومن خلال هذه النصوص، نستخلص أن الغير إذا تعرض للمشتري، أي رفع عليه دعوى استحقاق يدعي ملكية المبيع كله أو بعضه، أو رفع دعوى أخرى كدعوى الرهن أو غيرها، فعندئذ يتحقق التزام البائع بدفع هذا التعرض. ويبدأ التزامه بالتنفيذ العيني بأن يدخل في الدعوى إلى جانب المشتري أو يحل محله فيها، ويدفع إدعاء الغير بمختلف الوسائل القانونية حتى يصدر حكم برفض دعواه، وفي هذه الحالة يكون قد نفذ التزامه عينيا، أما إذا لم يتدخل أو تدخل ولكنه فشل في دفع هذا التعرض وجب عليه تنفيذ التزامه بالتعويض، بشرط أن يقوم المشتري بإخطار البائع في الوقت الملائم، ودعوته ليتدخل في الدعوى حتى ينفذ التزامه بالضمان تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير يكف عن إدعائه أو بأن يحصل على حكم قضائي يرفض دعواه، وهذا ما تنص عليه المادة 372 ق.م.ج المقابلة لنص المادة 440 ق.م مصري، فالتزام البائع بدفع هذا التعرض يعتبر التزام بتحقيق غاية فلا يقبل من البائع أنه بذل أقصى جهده، بل أنه إذا لم يفلح في ذلك اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض، وليس للإخطار أي شكل خاص، كما يصح كتابيا، يصح شفويا، ولكن عبء الإثبات يقع على المشتري وهذا ما يراه معظم الفقهاء أمثال عبد الفتاح عبد الباقي، جميل شرقاوي، منصور مصطفى منصور.
ويميز النصان السابقان بين فرضين ، فإما أن يتدخل البائع في دعوى الاستحقاق، وإما ألا يتدخل، فإذا تدخل في الدعوى إلى جانب المشتري أو حل محل هذا الأخير كان عليه أن يدفع إدعاء الغير بجميع الوسائل القانونية التي يملكها كما سبقت الإشارة، أما إذا لم يتدخل وجب التمييز بين فرضين:
فإما أن يكون المشتري قد دعاه للتدخل في الوقت الملائم ولم يتدخل، وإما أن المشتري لم يخطر البائع ولم يتدخل و تبعا لذلك نخلص إلى الحالات الآتية:

الحالة الأولى: هي حالة تدخل البائع في دعوى الاستحقاق

ويكون ذلك بصحيفة تعلن للخصوم قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة في الجلسة في حضورهم و يثبت في محضرها و لا يقبل التدخل بعد إقفال المرافعة، هنا على البائع أن يتدخل من تلقاء نفسه حتى لو لم يخطر من المشترى لأنه هو الأقدر من هذا الأخير كما يجوز أن يكون الغير ” المتعرض ” هو الذي يدخل البائع ضامنا في الدعوى، فإذا تدخل البائع ضامنا في دعوى الاستحقاق أو أدخل فيها من جهة المشترى أو الغير، جاز للمشترى أن يبقى في الدعوى فينضم إليه البائع، كما يجوز له أن يخرج منها فيحل البائع محله فيها، حيث يتولى دفع ادعاء المتعرض و يحمله على الكف من تعرضه و النزول عن ادعائه أو يحصل على حكم قضائي برفض ادعائه، وهنا يكون البائع قد نفذ التزامه بضمان التعرض الصادر من الغير تنفيذا عينيا.

أما إذا فشل في ذلك فإن التزامه بضمان تعرض الغير يتحول إلى تعويض، إذ يصبح ضامنا لاستحقاق المبيع وتقضي المحكمة باستحقاق الغير للمبيع، و في الوقت نفسه تقضي للمشترى بتعويض على البائع.

الحالة الثانية: هي حالة عدم تدخله في دعوى الاستحقاق مع دعوة المشتري إياه أن يتدخل

فالغرض هنا أن البائع لم يتدخل هو و لا يدخله أحد الخصوم، ولا تدخله المحكمة فيبقى خارجا عن الخصومة في دعوى الاستحقاق الأصلية، و يكون المشترى قد أخطره في الوقت الملائم و دعاه للتدخل فلم يفعل، فهنا لا تخلو الحال من أمور ثلاثة:
*إما أن يتولى المشترى وحده دفع دعوى المتعرض، فينجح في دفعها و يقضي برفض طلبات المتعرض.
*إما أن يقر المشترى للغير المتعرض بالحق الذي يدعيه أو يتصالح معه على هذا الحق، فهنا يجوز للبائع أن يتخلص من التزامه بالضمان بأن يرد للمشتري ما أداه من الفوائد القانونية و جميع المصروفات، أما إذا دفع البائع بأدلة حاسمة أن المتعرض لم يكن على حق فيما يدعيه، و أن المشترى تسرع في الإقرار أو المصالحة و تمكن البائع أن يثبت أن المشترى لم يكن على حسن النية في إقراره، فهنا لا محل للرجوع على البائع بالتعويضات.

*وإما ألا يقر و لا يتصالح معه، و لكنه فشل في دفع دعوى المتعرض فيقضي للمتعرض بطلباته و يستحق المبيع إما جزئيا أو كليا بموجب حكم نهائي، ففي هذه الحالة أن المشترى قد بذل كل ما في وسعه من أجل إخطار البائع و عدم التسليم للمتعرض بحقه، ودفع دعواه بكل ما يملك فيكون من حقه بعد كل ذلك أن يرجع على البائع بالتعويضات بموجب دعوى ضمان الاستحقاق ففي هذه الحالة لا يستطيع البائع أن يدفع رجوع المشترى عليها بالتعويضات إلا إذا أثبت أن الحكم النهائي الصادر في دعوى الاستحقاق كان نتيجة تدليس من المشترى أو لخطأ جسيم منه .

أما إذا لم يتدخل البائع في دعوى الاستحقاق من غير إخطار المشترى إياه، عكس الحالة المذكورة أعلاه أي أن المشترى لم يخطر البائع في الوقت الملائم ففي هذه الحالة إذا نجح المشترى في دفع دعوى المتعرض، انتهى التعرض و انتهي معه التزام البائع بالضمان أما إذا أقر المشترى بحق التعرض أو لم ينجح في رد هذا التعرض، فهنا لا يحق للمشترى الرجوع على البائع بالتعويضات، لأن المشترى قصر في عدم إخطار البائع بدعوى الاستحقاق في الوقت الملائم، و يستطيع هذا الأخير أن يثبت أن تدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفض دعوى الاستحقاق.
ملاحظة :
إن هذا الالتزام بالتنفيذ العيني ، لا يقبل التجزئة و لو كان المبيع قابلا للتجزئة
مثلا : إذا تعدد البائعون، و وقع تعرض للمشترى، جاز لهذا الأخير أن يطالب أيا من البائعين بمنع التعرض كله دون تجزئة.