رقابة القضاء الإداري على السبب

تطورت الرقابة علي سبب القرار الإداري من الرقابة على الوجود المادي للوقائع إلى رقابة الوصف القانوني للوقائع إلي أن وصلت إلي مجال الملائمة أو التناسب بين القرار الإداري والوقائع التي دفعت ألى إصداره .

وبناء علي ذلك سنبحث في رقابة القضاء الإداري على السبب في ثلاث مراحل الرقابة على وجود الوقائع والرقابة على تكييف الوقائع والرقابة على ملائمة القرار للوقائع :

أولاً- الرقابة على وجود الوقائع:

الرقابة على وجود الوقائع المادية التي استندت أليها الإدارة في إصدار قرارها أول درجات الرقابة القضائية على سبب القرار الإداري فإذا تبين أن القرار المطعون فيه لا يقوم علي سبب يبرره فأنه يكون جديرا بالإلغاء لانتفاء الواقعة التي استند عليها.

وقد بدأ مجلس الدولة الفرنسي في رقابته علي وجود الوقائع مع بداية القرن العشرين ومن أحكامه في هذا المجال حكم Trepont الذي قضي بإلغاء القرار الإداري الخاص بإحالة الطاعن على التقاعد لعدم ثبوت الواقعة التي اعتمدت عليها الإدارة في إصدار القرار وهي تقديم الطاعن طلبا بإحالته علي التقاعد . ([1])

وسار القضاء الإداري في مصر والعراق مع ما سار عليه مجلس الدولة الفرنسي في ذلك . ([2])

أما إذا صدر القرار بالاستناد إلى سبب تبين أنه غير صحيح أو وهمي وظهر من أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى صحيحة فأنه يمكن حمل القرار على تلك الأسباب.

ثانياً- الرقابة على تكييف الوقائع:

وهنا تمتد رقابة القاضي الإداري لتشمل الوصف القانوني للوقائع التي استندت أليها الإدارة في إصدار قرارها فإذا تبين له أن الإدارة أخطأت في تكييفها القانوني لهذه الوقائع فإنه يحكم بإلغاء القرار الإداري لوجود عيب في سببه فإذا تحقق القاضي من وجود الوقائع التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها ينتقل البحث فيما إذا كانت تلك الوقائع تؤدي منطقيا إلى القرار المتخذ .

ومن اشهر أحكام مجلس الدولة الفرنسي في الرقابة على التكييف القانوني للوقائع حكمة في قضية Gomel عام 1914 فقد قضي بإلغاء قرار مدير أحد الأقاليم الذي رفض الترخيص للسيد جوميل بالبناء في منطقة أثرية على أساس أن هذا البناء سيشوه جمال المنظر الأثري ولما بحث المجلس التكييف القانوني للوقائع التي أستند إليها هذا القرار أعتبرها غير صحيحة وألغى قرار المدير.([3])

وجاء في قرار لمحكمة القضاء الإداري في العراق بقرارها المؤرخ في 18/11/1996 ( قرر إلغاء الأمر المتضمن حجز ومصادرة السيارة لعدم ارتكازه على سند من القانون وان تطبيق قرار مجلس قيادة الثورة كان في غير محله …) .([4])

ثالثاً- الرقابة على الملائمة:

الأصل أن لا تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع مع القرار الصادر بناء عليها لان تقدير أهمية الوقائع وخطورتها مسألة تدخل في ضمن نطاق السلطة التقديرية للإدارة إلا أن أحكام مجلس الدولة في مصر وفرنسا أخذت تراقب الملائمة بين السبب والقرار المبني عليه لا سيما إذا كانت الملائمة شرطا من شروط المشروعية وأتضح ذلك جلياً في صدد القرارات المتعلقة بالحريات العامة وامتدت هذه الرقابة إلى ميدان القرارات التأديبية كذلك . ([5])

وبذلك يكون القضاء قد توسع في بسط رقابته علي العناصر الواقعية لركن السبب حتى بلغت أقصى درجاتها، لتشمل الملائمة ولاشك ان رقابة التناسب وعلى وجه الخصوص في القرارات التأديبية هي المجال الحقيقي لمجلس الانضباط في العراق فمع اعترافه بحرية الإدارة في توقيع الجزء أو عدم توقيعية علي الموظف فأن مشروعية قرارها تبقي رهنا بأن لا يشوبه غلو أو عدم ملائمة بين الذنب المقترف والعقوبة التأديبية . وفي ذلك قضى مجلس الانضباط العام في حكمه بعدد 122/1979 في 9/5/1979 (من شروط العقوبة المفروضة على الموظف أن تكون ملائمة مع الغايات المستهدفة منها)([6]) واستمر المجلس على نهجه هذا بعد صدور قانون تعديل قانون مجلس شورى الدولة رقم 106 لسنة 1989 وأصدر قرارات عديدة تشير إشارة واضحة إلى بسط المجلس رقابته على التناسب ومنها قراره الذي جاء فيه (وحيث لم يسبق للمعترضة ان عوقبت خلال السنة ولخدمتها الطويلة, فتكون عقوبة العزل شديدة ولا تتناسب مع الفعل, قررنا تخفيف العقوبة من العزل الى التوبيخ)([7]),

1- C .E 20 Janvier 1922 con col C.GRIVET R.D.P 1922 P 82 .

[2] – مجلس الانضباط العام في قرار له بتاريخ 25/ 12/2003 مشار اليه سابقا.

1- C.E 4 Avril 1914، Gomels، 1917، 3-25 Nite Hauriou .

[4] منشور في مجلة العدالة ، العدد الثاني 1999 ، ص109

[5] – عصام عبد الوهاب البرزنجي – السلطة التقديرية للإدارة والرقابة القضائية – 1971 – ص 160 وما بعدها .

(3) قرار مجلس الانضباط العام برقم 122/1979 في 9/5/1979 منشور في مجلة العدالة , العدد 3, السنة 5, 1979, ص33.

(4) قرار مجلس الانضباط العام برقم 207/2004 في 1/7/ 2004 القرار غير منشور.